{والفجر * وليالٍ عشرٍ}

2007-08-19

بسم الله الرحمن الرحيم

كان انتصار الثورة الإسلامية في إيران حادثة مهمة ومحيرة للعالم في قرننا الحالي، وكان لها دور مؤثر في القضايا السياسية العالمية والمنطقة، ومصدراً لتغييرات لا يمكن التنبؤ بها.

حادثة القرن الكبرى هذه اضطربت بسببها المعادلات السياسية للاستكبار في مواصلة سياسة التسلط وتقسيم العالم إلى مغانم، واقتلعت من جهة أخرى جذور أعتى نظام عميل كان يحظى بمؤازرة القوى الكبرى .

وأحدث في بلد كإيران ـ بما لها من أهمية استراتيجية واقتصادية للقوى العظمى في العالم ـ انقلاباً سياسياً جماهيرياً هائلاً.

والأهم من كل هذا هو أن مسار الثورة الإسلامية وما أفرزته من وعي عميق لدى شعوب العالم وخاصة في الدول الإسلامية، قد مهد الأرضية لوقوع تغييرات سياسية جذرية، ولانبثاق رؤى وتوجهات وحركات وتنظيمات سياسية ذات وزن كبير.

أدى هذا الحدث السياسي إلى بروز الإسلام مرّة أخرى كعقيدة ذات قدرة عظيمة في العالم، وجعل أنظار المسلمين ترنوا إلى تحقيق الوحدة الإسلامية، والسير على طريق استعادة الذات، والانعتاق من قيود التسلط، والوقوف بوجه الاستعمار بشكليه القديم والحديث، وبلورة معطيات قطب سياسي جديد في العالم، وانهيار الأنظمة العميلة والمفروضة بالقوة على ربوع الأراضي الإسلامية الحافلة بالخيرات؛ وأثار هذه الآمال في العيون المشتاقة، والغارقة في اليأس والهم لمليار مسلم، وتمخضت عنه موجة من الرعب والاضطراب في القلوب الطامعة لمصاصي دماء الشعوب.

كانت المعطيات المذهلة التي أفرزتها الثورة الإسلامية في العالم، أكثر إثارة للدهشة ـ باعتراف المحللين السياسيين ـ من أي حدث شهده العالم طوال ستين سنة الماضية، إذ إنها أبطلت آراء وتوقعات وتحليلات المراقبين السياسيين.

قوضت الثورة الإسلامية التحالفات والقطبية الثنائية التي هيمنت بظلالها على الوضع الحالي في العالم، وعلى الرغم من التناقض العميق الذي يحكم علاقات القوتين العظميين ويجعلهما أبعد شيء عن التلاقي والتقارب، إلا أن قيام هذه الثورة أرغمها على انتهاج أسلوب تساومي واتخاذ موقف موحد إزاء هذه الظاهرة السياسية الجديدة، وانتهى إلى إيجاد تغييرات أساسية في مختلف القضايا العالمية.

يحتفظ الغرب في ذاكرته عبر تجارب مريرة له في صراعه وقوع الحروب الصليبية ومواجهاته مع الامبراطوريات الإسلامية بصورة مرعبة ومثيرة، ولكنه شعر أن الخطر هذه المرة أوسع وأشد وأكثر رهبة مما سبق له أن رآه.

لقد بدت ظاهرة المقاومة الناشئة في لبنان والمستلهمة الناشئة في لبنان والمستلهمة من الثورة الإسلامية، والجهاد الإسلامي المتنامي في فلسطين وفي غيرها من البلدان الإسلامية أكثر رهبة للغرب مما كان يتصوره، وأصبحت نذيرة شرر متطاير بوجه الاستكبار.

تحمل الثورة الإسلامية بالمقارنة مع الثورات الأخرى التي وقعت في العالم، مجموعة من الخصائص والميزات التي تحتل في نظرية الثورات، مرتبة عليا في الظواهر السياسية والثورات الكبرى في العالم.

ما اتسمت به الثورة من ماهية عقائدية، وكفاءة قيادية، وعمق في التغييرات الناتجة عنها دفع بالكثير من خبراء العلوم السياسية إلى إعادة دراسة نظريات الثورة في البلدان الإسلامية، وإخضاع نمط جديد منها للبحث والدراسة.

وعلى صعيد آخر كان المفكرون ومؤسسو الحركات والانتفاضات الإسلامية يبحثون عن نموذج للثورة بين طيات التاريخ، ويسعى كل منهم إلى الاستنارة بالأحداث البارزة في تاريخ الإسلامية لتلمس مسارهم وإظهار المنهج الذي يسيرون عليه وكأنه امتداد لتلك الأحداث التي وقعت في تاريخ الإسلام، بيد أن انبلاج فجر الثورة الإسلامية ـ التي تعتبر أهم وأبهى حادثة وقعت في تاريخ الإسلام بعد عصره الأول وأكثرها أصالة ـ جعلها تشتمل بين ثناياها على أبرز تلك الأحداث المجيدة التي شعت في تاريخ الإسلام، وحلت محل جميع تلك النماذج فيه.

لا ريب في أن دراسة ماهية الثورة الإسلامية ـ حتى ولو بشكل سطحي وعابر ـ وما تركته من انعكاسات على الصعيد العالمي وما تمخض عنها من مكاسب ومعطيات لجميع الشعوب الإسلامية، وخاصة الشعب الإيراني المسلم، تقودنا إلى نتيجة مفادها إن الثورة الإسلامية هي حادثة القرن الكبرى في العالم وفي تاريخ إيران بل وهي من أهم المنعطفات في تاريخ الإسلام، وظاهرة مثيرة للدهشة، ومعجزة إلهية تجلت فيها قدرة الباري تعالى، رغم ما لقيته من معارضة على يد القوى المادية، والظروف التي كانت تبدو على الظاهر وكأنها غير قابلة لوقوع أي تغيير سياسي.