ذروة الأحداث وانتصار الثورة الإسلامية

2009-01-28

مثّلت شهادة آية الله السيد مصطفى الخميني (رضوان الله عليه) - الإبن الأكبر للإمام (قدس سره) - في 23/10/1977 م، ومراسم العزاء التي أقيمت في إيران، نقطة الإنطلاق لانتفاضة الحوزات العلمية ثانية، وانتفاض المجتمع الإيراني المؤمن. ومما يثير الحيرة والدهشة أنّ الإمام الخميني (قدس سره) وصف هذا الحادث المؤلم بأنه من الألطاف الإلهية الخفية.

وفي غضون ذلك، بادر نظام الشاه إلى الإنتقام من الإمام والشعب، بنشره مقالاً في إحدى الصحف اليومية الرسمية للبلاد، يسيء إلى الإمام الخميني (قدس سره)، فأثار المقال استنكاراً واسعاً بين صفوف أبناء الشعب، وقاد إلى اندلاع انتفاضة التاسع عشر من دي (19/1/1978 م) في مدينة قم ، والتي قُتل فيها العديد من طلبة العلوم الدينية.

ومرة أخرى تندلع الثورة من مدينة قم وتعمّ مختلف أنحاء البلاد في فترة قياسية. وقد ساعدت مراسم إقامة مجالس التأبين في اليوم الثالث والسابع والأربعين من رحيلهم أحياءاً لذكرى شهداء الإنتفاضة الأخيرة، في كلٍّ من مدينة تبريز ويزد وجهرم وشيراز وأصفهان وطهران، ساعدت في بروز انتفاضات متتابعة أخرى.

وطوال هذه الفترة، كانت نداءات الإمام الخميني (قدس سره) المتتالية، وأشرطة التسجيل المتضمنة لخطابات سماحته، التي كان يدعو الناس فيها إلى الثبات والإستقامة ومواصلة النضال والثورة حتى تداعي أركان السلطة وتشكيل الحكومة الإسلامية، كانت تسجَّل وتوزَّع على مساحة واسعة من إيران من قِبل أنصار الإمام وأتباعه.

عجز الشاه، رغم لجوئه إلى ارتكاب المجازر الجماعية، عن إخماد شرارة الثورة التي اندلعت. ولم يتمكن الشاه رغم إعلانه الأحكام العرفية في إحدى عشرة مدينة، واستبدال رئيس الوزراء ومسؤولي المناصب العليا، أن يترك أي تأثير للحيلولة دون اتساع رقعة الثورة، إذ كانت البيانات الفاضحة للنظام والأوامر الجهادية التي كان يصدرها الإمام الخميني (قدس سره) تُحبط كافة المناورات والدسائس السياسية والعسكرية التي كان يلجأ إليها الشاه.

وفي اللقاء الذي جمع وزيرَي خارجية إيران والعراق في نيويورك، قرر الطرفان إخراج الإمام الخميني من العراق. وفي 24/9/1978 م حاصرت القوات البعثية منزل الإمام في النجف الأشرف، وأبلغت الإمام بأنّ مواصلة إقامته في العراق منوطة بإيقاف نشاطاته السياسية، والتخلي عن النضال.

وأصرّ الإمام على مواصلة نضاله، ولم يركن للضغوطات البعثية، مما دفعه إلى ترك النجف الأشرف في 24/10/1978 م، بعد ثلاثة عشر عاماً من النفي، متوجهاً إلى الكويت. إلاّ أنّ الحكومة الكويتية، وبطلب من نظام الشاه، منعت الإمام الخميني (قدس سره)من دخول أراضيها. وبعد أن تشاور الإمام مع أبنه المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني (رضوان الله عليه) قرّر الهجرة إلى باريس.

وصل سماحته باريس في 6/10/1978 م، وفي اليوم التالي انتقل للإقامة في منزل أحد الإيرانيين بـ نوفل لوشاتو (ضواحي باريس). وفي غضون ذلك، قام مبعوث قصر الإليزيه بإبلاغ الإمام طلب الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان ، بضرورة اجتناب أي نوع من النشاط السياسي، فكان رد الإمام حازماً، إذ صرّح بأنّ هذا النوع من المضايقات يتعارض مع ادعاءات الديمقراطية، وأنه لن يتخلى عن أهدافه حتى ولو اضطره ذلك إلى التنقل من مطار إلى آخر ومن بلد إلى آخر.

إنّ فترة الأربعة أشهر من إقامة الإمام في باريس، جعلت من نوفل لوشاتو أهم منبع خبري عالم، فقد أضحت حوارات الإمام ولقاءاته المختلفة مع حشود الزوار الذين كانوا يتدفقون على نوفل لوشاتو من مختلف أنحاء العالم، سبباً في أن يتعرف العالم أكثر فأكثر على أفكار الإمام وآرائه بشأن الحكومة الإسلامية والأهداف القادمة للثورة.

أما الشعب الإيراني، فقد صعّد من حدّة تظاهراته، مستلهماً توجيهات سماحة الإمام (قدس سره) وإرشاداته. ونتيجة لاتساع رقعة الإضطرابات، شُلّت حركة المراكز والمؤسسات الحكومية؛ ولم تجدِ نفعاً كل محاولات الشاه في تغيير رئاسة الوزراء، وإعلان تأسفه عن أعماله السابقة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، إلى غير ذلك..، لم تجدِ نفعاً في إخماد جذوة الثورة والحيلولة دون تنامي أحداثها.

في هذه الأثناء، أعلن قائد الثورة الإسلامية للشعب عن تشكيل مجلس قيادة الثورة وتعيين أعضائه. وقرّر الشاه بدوره الخروج من البلاد في 16/1/1979م، تحت ذريعة المرض والحاجة إلى الراحة.

أثار خبر فرار الشاه من البلاد موجة من البهجة والسرور بين صفوف أبناء الشعب، وزاد من عزيمتهم على مواصلة النضال حتى إسقاط النظام.

كما أوجد قرار الإمام في العودة إلى البلاد موجةً من الفرح والأمل في قلوب أبناء الشعب، مما قاد أعداء الثورة إلى ارتكاب حماقات ذليلة، حيث قام نظام الشاه - بعد التشاور والتنسيق مع الحكومة الأميركية - بإغلاق مطارات البلاد بوجه الرحلات الخارجية.

تدفقت حشود أبناء الشعب إلى طهران من شتى أنحاء البلاد، لتلتحق بالتظاهرات المليونية التي قام بها أبناء مدينة طهران ، والتي كانت تطالب بفتح المطارات.

وانصاع نظام الشاه لمطالب الشعب، وفتح مطار مهر آباد بطهران، ووصل قائد الثورة الإسلامية إلى أرض الوطن في الأول من شباط عام 1979م، بعد أربعة عشر عاماً من النفي.

كان استقبال الشعب الإيراني المنقطع النظير للإمام الخميني (قدس سره) بدرجة من العظمة أجبر وكالات الأنباء الغربية على الإعتراف به، حتى أنّ بعضها قدّر عدد المستقبلين ما بين أربعة ملايين إلى ستة ملايين شخص.

وأعلن قائد الثورة عن تشكيل الحكومة المؤقتة، رغم وجود حكومة الشاه، والتي ما زالت تمارس مهامها. وفي 5/2/1979 م، وبتعيين رئيس الوزراء، كُلّفت الحكومة المؤقتة بالتحضير لإجراء الإستفتاء العام وإقامة الإنتخابات.

وفي الثامن من شباط 1979 م، بايع منتسبو القوة الجوية الإمام الخميني (قدس سره)في محل إقامته بالمدرسة العلوية بطهران. وفي التاسع من شباط، وحيث توجهت قوات الحرس الشاهنشاهي الخاص إلى قمع انتفاضة منتسبي أهم قاعدة جوية بطهران، أخذ أبناء الشعب ينزلون إلى الشوارع لحماية القوات الثورية. وفي العاشر من شباط عام 1979م، راحت مراكز الشرطة والمؤسسات الحكومية تسقط الواحدة تلو الأخرى بأيدي أبناء الشعب.

ولكي يتسنى لحكومة الشاه تنفيذ الإنقلاب العسكري الذي تم التخطيط له بمساعدة المستشارين الأميركيين المقيمين بطهران، أصدر الحاكم العسكري لطهران بياناً أعلن فيه عن زيادة عدد ساعات منع التجوال حتى الساعة الرابعة عصراً.

في غضون ذلك، دعا الإمام الخميني (قدس سره)أبناء مدينة طهران ، خلال بيان أصدره، للنزول إلى الشوارع وإحباط المؤامرة الوشيكة الوقوع، وإلغاء الأحكام العرفية عملياً.

ونزلت الجموع، من النساء والرجال الصغار والكبار، إلى الشوارع وراحت تقيم الخنادق، وما أن أخذت تتحرك أُولى دبابات الشاه وحاملات الجنود من معسكراتها، حتى بادر أبناء الشعب إلى إيقافها وتعطيل عملها. وبذلك تم القضاء على آخر جيوب القوات التابعة لنظام الشاه.

وفي فجر الحادي عشر من شباط 1979 م، أشرقت شمس انتصار الثورة الإسلامية.