مناسبة ورجل، ورجل ومناسبة.. (لعيون القدس)

2007-08-27

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، فانه خير ناصر ومعين.

تمهيد

الذكريات نسائم تهب علينا، ومن حوالينا فتنعش الحنين في الأرواح العطشى، وتداعب أخيلتنا باستعادة من نوع آخر تبزغ فيها أشعة جديدة انفلقت عن تلكم الذكريات الحبيبة حيث هي لا تموت فينا ولا نعيش ونحن في غنى عنها، وترانا عن أيها نتحدث، فالكثير مما يسمى بالذكريات، الأيام كفيلة أن لا تذر منها في وعينا سوى أشباح لا تصلح للتمرير فتذهب منا إلى غير رجعة، سوى أن الحديث هنا اخاله يختلف؛ (مناسبة ورجل) (ورجل ومناسبة)  يوم القدس العالمي، وصاحبه، وفتحي الشقاقي وشهادته، وذكرى كلا الرجلين، وكلتا المناسبتين لن يكونا ولن تكونا محطات عابرة اعتمادا على مقياس الثائر الفلسطيني وعملا بالتوقيت الشتوي والصيفي لمدينة الصلاة، كيف تكون عابرة ؟ ؟ ونحن قبال شخوص أبطالها نتهادى متعبين، وان تجاوزنا التخلف فالتقدم مستند إلى فتات ما قدماه ورسماه، ومع تجدد الذكرى يذهلنا معينهم لا ينضب قمة عطاءنا الفقهي والفكري والسياسي، ومنه نستمد مداد الكتابة، والتاريخ الجديد فحال هذا العطاء كأنوار ترسل لعتمة حواسنا الآمال وتشرق فيها من جديد، ليكون بعد ذلك التاريخ باسمهم ومنهم، ولم لا ؟ ؟ ومن قال قد كتب عليكم أن لا يكتب التاريخ إلا بدواة مغتصبة وأقلام استعملت كثيرا في أغراض أهل العناد والأهواء ؟ !.

أي سيديّ... غاية القول، فينا أنتما باقيان، فمن عزمكم نستلهم، وعملا بوصاياكم نجحنا وبالبقية نفوز، هكذا سنلقن الأبناء ونعلم البنات، حتى يبزغ فجر مؤمل، تسطع فيه شموسكم المنيرة من جديد، وعندها نكون طوع أمركم.

رجلين.. وأمة في رجل

بعد قليل من الشهور على استيلاء ملك فارس (كورش)  على بابل سمح للأسرى اليهود بالعودة إلى أورشليم وقد جاء أمره ذلك على شكل نداء وجهه إلى الحكام الفرس في المقاطعات، جاء فيه : (هكذا قال كورش ملك فارس جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب اله السماء، وهو أوصاني أن ابني له بيتا في أورشليم التي في يهوذا، من منكم من كل شعبه ليكن إلهه معه ويصعد إلى أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب اله إسرائيل. هو الإله الذي في أورشليم، وكل من بقي في احد الأماكن حيث هو متغرب فلينجده أهل مكانه بفضة وبذهب وبأمتعة وببهائم مع التبرع لبيت الرب الذي في أورشليم[1].. )  

إذن فالرب أوصاه أن يبني بيتا له في أورشليم، ولعل نفس زعماء اليهود قد حثوه على قراءة النبوءة بعد أن وضعوها بين يديه، حيث يضيف في بيانه : (.. ذلك هو الله الذي قال في رؤية سرية " بإرادتي قد خصصت ذلك الرجل كورش ليكون ملكا على العديد من الشعوب العظيمة، ليعيد شعبي إلى بلده ويبني بيتي، وكورش رجل لا يقهر وانه سيفتح بابل وينقذ اليهود من الأسر، فيعودون إلى أورشليم ويشيدون هيكلا جديدا ومدينة جديدة تكون جنة بحق، الذئب والحمل يرعيان معا، والأسد يأكل التين كالبقر أما الحية فالتراب طعامها"[2]

هذا إذن (كورش)  ينظر (بعين العطف)  إلى اليهود مهيئا لهم العودة إلى أورشليم وكان التاريخ يعيد نفسه، ولا يبعد أن يكون الإنجليز قد استوحوا خطوتهم المشئومة المسماة ب (وعد بلفور)  من بيان كورش آنف الذكر وهنا لست بصدد مناقشة أو دراسة موقف (كورش) من اليهود ومدى بعده أو اقترابه من الصواب لكوني لست محيطا بظروف تلك المرحلة الغابرة من التاريخ إلا أنني فقط أود الإشارة إلى ما يعنيه كورش هذا للصهاينة حيث جاء ذكره في العهد القديم على انه الناصر والمعين لليهود بعد السبي إلى بابل، وهكذا وبعد أن عرفنا ما يهمنا في هذا المقال عن (كورش)  حسب رواية التوراة نقف بعض الوقت لنتساءل عن مغزى حركة الشاه الإيراني المخلوع قبل ما يزيد على الأربعين عاما حيث أقام في طهران احتفالا استعراضيا ضخما صرف في سبيل إنجاحه الملايين من خزينة شعبه، وهل كانت أهدافه من ذاك الحفل إحياء ذكرى وعد بلفور الذي وضع أول مرة ؟ المعروف انه أراد أن يحيي الذكرى الألفين وخمسمائة على تأسيس الإمبراطورية الفارسية وملكها (كورش)  الذي عرفناه لكن هل يا ترى بامكاننا القول أيضا بان الشاه المقبور كان يرسل برسالته المشبوهة إلى أسياده الصهاينة ومن والاهم بأنه جدير بكسب ثقتهم وتقديم دعمهم له، فها هو ينافس حكومة جلالة الملك في لندن بإحيائه ذكرى من قدم وعدا وباشر بتنفيذه وبذل المساعي من اجل بناء المعبد اليهودي في أورشليم قبل (2500)  عام من الزمان.

الاحتفال المذكور بهر الكثيرين في مجتمعاتنا خاصة تلك المخملية والقابعة في بروجها العاجية حيث لا تنظرالى ابعد من أنوفها، ولم ينتبهوا من بين فقرات الحفل سوى إلى الأزياء المطابقة لآخر التصاميم العالمية والى أطباق الأطعمة المتنوعة وكذا إلى آلاف الورود الثمينة، واعتبروا ذلك حدثا قلّ نظيره فهو يحيي كل أبعاد الأنانية لديهم وكان الشاه في تقديرهم شخصية استثنائية جديرة بالتوقير والمهابة، وإبان تلك الأيام الرديئة حيث الأمة منكوبة بضياع القسم الأكبر من فلسطين كان هذا الأخير يستقبل و (السيدة عقيلته)  استقبال الفاتحين لدى زعماء، هم بين يدي الحق الآن كانوا يعدون أنفسهم حماة للمقدسات ومسئولون بشكل مباشر من اجل الدفاع عن أطول حدود مع الأراضي المحتلة.

في الوقت ذاته كانت القلة الواعية والمعترضة على سياسات الشاه بل وعلى الحفل تحديدا توصف بالرجعية والتخلف حيث لا تسمع صوتا يعترض على ما يجري.. في العام (1963م)  وقبيل دخوله سجن الشاه ونفيه ألقى الإمام (رضوان الله عليه)  خطابا جماهيريا في مدينة العلماء والشهداء (قم المقدسة)  جسّد فيه أعظم الجهاد عيانا وهو يصرخ بوجه السلطان الجائر ومما قاله : "تعال نتحاسب (مخاطبا الشاه)  لنعرف أي الفريقين أحق أن يوصف بالرجعية أنت الذي تدّعي بان دولتكم أمدن دولة، وتحتفل بمرور ألفين وخمسمائة من السنين على تأسيسها، ولا تزال تتبجح بعظام نخرة ورفات بالية قذرة تريد إحياءها خلافا للإسلام، وأنت الذي تفتخر بإمبراطوريتك وقدمها تتقهقر الآن في أواخر عمرك لتعاهد إسرائيل، وإذا قلنا لا تعاهد (إسرائيل) قلت إنكم رجعيين... تبا لك.. ولمنطقك.. سود الله وجوهكم... "

"... إننا نعارض الفساد ونقول بصراحة إن برامج الحكومة تنظمها إسرائيل، اجل إسرائيل إنكم تأتون بالخبراء العسكريين من إسرائيل وترسلون الطلاب ببعثات دراسية إلى إسرائيل... يا شعوب العالم اعلموا أن شعبنا يعارض التحالف مع (إسرائيل)  وان حلفاء إسرائيل ليسوا منّا ولا من شعبنا وليسوا من علمائنا وان ديننا يلزمنا بمعارضة أعداء الإسلام ومخالفتهم ".

هذا موقف الإمام وهذه كلماته، وقد مرّ ما كان من أمر إمبراطور الفرس (كورش) ومن أمر باعث ذكراه (الشاه المقبور)

يد الغيب ترعى الطالب المغمور

يمكن القول أن قلة من العلماء والقادة سيتمتعون بمكانة الإمام ومؤهلاته فمنذ سنه المبكرة تفرغ لتلقي العلوم والمعارف، وكان مميزا بين أقرانه، عندما كانت الجاليات الإسلامية والإيرانية في الخارج تطلب من الحوزة العلمية إرسال الأكفاء لشؤون التوعية والتبليغ على الدوام كان يرشح اسم (روح الله الموسوي) ولكنه رحمه الله كان يعتذر مقدرا أن البلاد أحوج إليه [3] وأما ثروة الإمام العلمية والفكرية فليس مصدرها غير الإسلام وتعاليم رسوله ص حيث هو دين الأمة ومصدر عزتها ومن مصادره استوعب التاريخ الإنساني فالإسلام دين يؤمن بكل الأنبياء السابقين، والقرآن يقص تجاربهم للعظة والعبرة حتى ينتهي إلى مدرسة محمد ص وهي منظومة الأفكار الخاتمة التي ارتضاها الله حتى آخر الدنيا، وتحتل أمور كالنهوض بالمستضعفين والتعامل مع المفسدين والمنافقين:مساحة واسعة منها وفي سياقها تجربة النبي ص مع اليهود في المدينة، وهي ذات الرسالة التي حولت امة العرب من امة جاهلة متصارعة إلى أخرى موحدة، قوية، مهابة. كما أن الإمام رحمة الله عليه قرأ تجربة سيد شباب أهل الجنةالامام الحسين (عليه السلام)  مع ما تعنيه نهضة عاشورا وما تحويه من قيم الشهادة والتضحية والتفاني والإيثار، ناهيك عن كونه متخصصا في الفلسفة الإسلامية من الطراز الأول، وغير ذلك من علوم عديدة أتقنها الإمام ولم يبرز للعمل والخدمة إلا بعد حصوله على الجدارة بامتياز فقد أفنى شبابه وعمره المبارك في طلب العلم وفهم التجارب، مستشرفا مستقبلا موعودا يشرق في الأمة، ولهذه الأسباب ولغيرها - لا يتسع المجال لذكرها في حدود هذا المقال لاقت له بزة القيادة واستفاد من حق الولاية للفقيه الخبير التقي العدل الشجاع، وتزينت به القيادة كما تزينت الخلافة بجده علي (عليه السلام) .

علاقة عقائدية، وفلسطيني الهوى

سمعت من البعض قوله أن آية الله الخميني قد ضرب على وتر فلسطين والقدس كثيرا بعد انتصار الثورة يهدف بذلك كسب ود الشارع العربي، ولم تكن القضية تتجاوز هذا الحد لا سيما في بداية دولته الوليدة على أمل أن يتجاوز العقبات المرتقبة من العرب المنزعجين من ثورته ولم تكن نصرة القضية الفلسطينية ذات عمق عقائدي أو استراتيجي ضمن ميثاق الثورة الخمينية وردا على هذا المنطق فلا بد أن نعلم أن خطاب الإمام قبل الانتصار كان يحذر من خطر الصهاينة بل كان ينبه إلى خطر المتعاملين مع الصهاينة، في وقت كان أحوج ما يكون لأي دعم ومن أي كان لنجاح مشروعه إلا انه كان يرى أن المسالة الفلسطينية ونشوء الكيان الغاصب في فلسطين وتحول الأرض المباركة، مركزا تآمريا ضد الإنسانية تحاك فيه أقذر المؤامرات اللااخلاقية التي تهدف لتوسع النفوذ الصهيوني في العالم وزيادة مؤسساته الاقتصادية وتلك المرتبطة بها، هكذا خطر لا يقبل مساومة أو مجاملة، وعند اندلاع حرب حزيران عام 1967م أدان الإمام تصرفات الصهاينة ودعا إلى وحدة المسلمين وحرم التعامل مع إسرائيل وحرض على قتالها وبدا يمد الجسور منذ ذلك الوقت للاتصال بالثورة الفلسطينية لغايات المشورة والتعاون وتبادل النصح. إننا نجد هذا العارف العاشق لربه يستعين بخدمة الخلق للتشرف بالعبودية الحقّة لله، لقد ساند العمل الفدائي الفلسطيني منذ بواكيره وأفتى بجواز دفع الزكاة والحقوق الشرعية المترتبة على المسلم في سبيل دعم الجهاد ضد الصهاينة منذ أن كان في منفاه في النجف، بل إن خيرة من عشاق نهج الإمام بادروا بالوفود فعليا للمشاركة بالأعمال الجهادية، كالدكتور مصطفى شمران أول وزير دفاع للجمهورية الإسلامية ، الذي استشهد لاحقا وغيره ممن أوكلهم الإمام فيما بعد مسؤوليات أساسية في النظام الإسلامي.

يوم في كل بقاع المعمورة لعاصمة الأرض والسماء

في رمضان (1400ه) دعا الإمام المسلمين إلى اعتبار يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك (يوم القدس العالمي)  وهو الذي يصادف الليلة التي هي خير من ألف شهر وعندما طرح (مشروع فهد)  الشهير في تلك الفترة قال الإمام موقفه الخالد (... فالذين يرون نقاطا ايجابية عليهم أن يعلموا بأنه لو لم يكن في هذا المشروع أي نقطة سلبية غير الاعتراف بإسرائيل وضمان أمنها وكانت بقية النقاط ايجابية لكان ذلك هو الخلاف ومعنى هذا إعطاء الأمان لإسرائيل... ) [4] من جانبه الشيخ رافسنجاني [5] يخاطب المناضلين في سبيل استعادة القبلة الأولى : (لقد أعلن إمام امتنا هذا اليوم، يوما للقدس.. أن هؤلاء الأحبة يحيي جميعهم هذا اليوم، ويقدرونه حقّ قدره اعتزازا بالقدس ومقدساته، ومناصرة لشعب فلسطين المشرد المظلوم، وسعيا لإزالة الاحتلال، وطرد المحتل، إن الهدف لشعب إيران الثوري المؤمن ليس الوقوف عند حد الشعارات، والدعايات وإنما الهدف من إعلان آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوما للقدس هو أن تتحد الشعوب والدول الإسلامية أكثر من أي وقت مضى، وان تستعد للجهاد لأخذ حق الشعب الفلسطيني وإلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني الإمبريالي، ومع الأسف فان المشكلات التي جرها العدو على الثورة الإسلامية في إيران ومن بينها الحرب التي فرضها صدام التكريتي، سلبتنا فرصا ثمينة لتحقيق هذا الهدف المقدس ولم تسمح لنا أن نخطو خطوات عملاقة على هذا الطريق بكامل إمكانياتنا.. ) [6]

للشهيد الشقاقي [7] كلمات بهذه المناسبة وكما هي دوما كلمات الشهيد بوقعها الخاص ونغمتها الفريدة تداعب خط الحزن المحفور في قلوب الحاملين للإسلام والجرح الفلسطيني يقول رحمه الله (.. عليهم أن يهبوا في هذا اليوم المقدس، في هذا الشهر المقدس للمدينة المقدسة التي تئن تحت الأسر والحصار فيما المسلمون يتحررون بالجوع والصيام من طغيان المادة ووطأة الجسد، عليهم أن يتواجهوا لتحرير القدس من طغيان بني إسرائيل ووطأة الاحتلال الصهيوني.. دخول المسجد مشروع لايمكن أن يكون مشروعا إقليميا أو فلسطينيا، انه كما أراده الإمام الخميني (رضوان الله عليه) بإطلاقه وإعلانه يوم القدس مشروعا إسلاميا حضاريا شاملا... انه في هذا العالم وفي هذا الزمان تختصر فلسطين الكون جغرافيا ومعنى، وتختصر القدس فلسطين.. إذ يعني أن يدوم الصراع حتى تحل مشكلة الموازين المختلة، وان يدوم الصراع حتى يكبر الخير ويشتد عوده... إذ يعني ألا تكون أورشليم بل بيت المقدس الذي تهدى إليه الأرواح ولا تهدى روحه لغيره كما قال المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بيت المقدس الذي قال فيه أمير المؤمنين الإمام علي (كرم الله وجهه)  :"نعم المسكن بيت المقدس القائم فيه كالمجاهد في سبيل الله وليأتين على الناس زمن يقول احدهم ليتني تبنة في لبنة من لبنات بيت المقدس ".. عبر المعنى الموعود المتجسد بإساءة وجه بني (إسرائيل) ودخول المسجد الأقصى وإلغاء المشروع الصهيوني القائم على الإفساد وغلبة الشر وطغيان المادة. كم هو ثقيل هذا الواقع الذي يتفرد الشيطان الأكبر فوق قمته... ولكن صاحب يوم القدس كان يعطي النموذج والمثل في إمكانية انتصار الروح على المادة... وهل جسّد هذا احد في زماننا مثلما جسده (الخميني)  – رض - الذي هزم لغو العالم بصمته، وأغنى الدنيا بزهده، وهزم كذب الساسة والسياسات بصدقيته النادرة. أليس هذا مغزى قيامه ونهوضه وانتصاره في عصر الاتصالات المعقدة والكارتلات البشعة والطواغيت التي تدوس كل قيمة ولا تعرف الرحمة، إن الأرض ضيقة ولكن الرؤيا أوسع والأرض التي باركها الله في كتابه وقدسها مرة ومرة ومرة لا يهبها لمن قال بعد جحود هم (كونوا قردة خاسئين)  الذين كتب عليهم الذلة والمسكنة [8].

الأستاذ المجاهد خالد مشعل [9] (حفظه الله)  تتناغم عباراته مع التأكيدات المتكررة للشهيد الشقاقي حيث يقول في مقال له بعنوان (نظرة إلى المسيرة الجهادية للإمام الخميني)  "... وكان – رحمه الله – (يقصد الإمام الخميني)  يرفع دائما الشعار الخالد اليوم إيران وغدا فلسطين والذي غدا شعارا يتردد على كل لسان في إيران، بل انه دعا إلى يوم عالمي للقدس يتوحد المسلمون فيه ويتظاهرون سنويا للتعبئة ليوم النصر وتحرير فلسطين والمقدسات، وكان الإمام الرحل يردد كثيرا مقولته المدوية " لو أن كل مسلم اخذ دلوا من الماء وأراقه على إسرائيل لغرقت ليؤكد بذلك أن وحدة المسلمين هي طريق النصر والعزة والتحرير، وان إسرائيل الغاصبة وأمريكا الشيطان الأكبر إنما يقوون ويتجبرون بضعفنا وتفككنا نحن المسلمين وكان يعلن وبصوت الواثق المطمئن إلى نصر الله :"إن إسرائيل يجب أن تزول من الوجود وان القدس هي ارض المسلمين ويجب أن تعود إليهم بل إن هذا القائد الكبير قد اعد جيشا سماه (قوات القدس)  ليكون نواة التحرير مع جيوش المسلمين ومع المجاهدين الفلسطينيين. [10] بقي أن نقول أن الإمام رحمه الله كان دائما يراهن على العزم والإرادة الشعبية بل إنها كانت بعد الاتكال على الله أقوى أسلحته ومن حديث له حول يوم القدس يقول : (... لو نهضت كل الشعوب في يوم القدس وصرخت لما استطاعت تلك الحكومات الحمقاء أن تمنع نداءهم، إن الذين ينهضون عدد قليل ، لقد طردنا محمد رضا بالصرخات ، هل تتصورون أننا أخرجناه بالبندقية، كلا لقد أخرجناه بالصراخ وبنداء الله اكبر، لقد ضرب نداء الله اكبر في رؤوسهم إلى الحدّ الذي جعلهم يجنون ويفرون إلى خارج البلاد.. [ويؤكد ] يجب أن يصرخ المسلمون.

القدس آية من الكتاب

جدير بالعاملين لخدمة قضية الإسلام في فلسطين أن يحسنوا توجيه المسالة إسلاميا بطريقة مناسبة وان يوظفوا أهمية بيت المقدس ومكانته في شحذ الهمم وتوحيد الجهود والطاقات دعونا نفترض أننا كمسلمين توجد بيننا بعض التباينات الفكرية والمذهبية إلا أن الحديث لو وجه صوب الأقصى فإننا حتما سنلتقي وباتجاهه سيتوحد الهدف ويكبر الحنين، فكل جموع الأمة من أقصاها إلى أقصاها يمكن أن تعمل معا وتنهض معا في رحاب المسجد الأقصى والقدس، هذه المدينة الغالية التي عمدت بالدم وقدمت الأمة عشرات الآلاف من الشهداء في سبيلها، وهي (.. آية من الكتاب من نسيها فقد نسي الكتاب ومن نسي الكتاب فقد القدرة على الوعي والرؤيا.. ) كما كان ينبه الشهيد الشقاقي رحمة الله عليه. [11]

فمهما يكن حجم الخلاف في التفاصيل، بل وحتى في مسائل قد تشاهد من منظار البعض لا تقبل النقاش فلتترك للحوار العلمي الهادف الحر، ومن المفيد أن يردها المتخصصون مقبلين بروح البحث الرصين الهادىء الجاد، لا أن تكون مباحث على قارعة الطريق، ولكن خيارنا السياسي وموقفنا العملي تجاه العدو الحقيقي هو ذا المهم، لا أن نسمح للعدو بان يتلاعب بورقة خلافاتنا واجتهاداتنا، والأفظع أن ينبح بوق البعض من أبناء جلدتنا بما ينبح به بوق إعلام الأعداء وتحديدا إعلام الصهاينة وما أجمل ما سمعته من العلامة السيد إبراهيم أمين [12] حيث قال (.. نحن في لبنان لم ندخل في الصراع مع العدو من مدخل الخلافات الدينية أو المذهبية، ولكن من مدخل الخيار السياسي الذي حددناه، وهو قتال العدو الصهيوني، هذا العدو الذي هو ضد الإسلام، وضد الإنسانية وهذا ما وحدنا في مجابهة العدو إسلاميين ومسيحيين وقوميين ومختلف التيارات.. وان أعظم ما حققه الإمام الخميني على صعيد انتصار الثورة في إيران ليس فقط وجود حكومة إسلامية فيها، وإنما تأسيسه لخيار سياسي واضح وهو خيار تحرير القدس وفلسطين وخيار الصراع مع العدو الصهيوني وأمريكا.... الكلمة الأخيرة التي أقولها إن وضع العدو بمنزلة الصديق هو هزيمة للأمة من خارجها وان وضع الأخ والصديق بمنزلة العدو هو هزيمة للأمة من داخلها وعلى هذا الأساس وحدنا خياراتنا في لبنان وفلسطين، نحن وحركتا (حماس والجهاد) ، نحن نجتمع فيما بيننا ونتلاطف في خلافاتنا المذهبية، ولكن لقد وحدنا فكرنا وقلبنا وخيارنا وإرادتنا كمسلمين في مواجهة العدو الصهيوني [13]

وفي زيارة لأحد مسؤولي السلطة الفلسطينيةالى الجمهورية الإسلامية حيث التقى مرشدها السيد علي الخامنئي ودار الحديث حول انتفاضة الأقصى والتفاجىء بهذه الهبة المدوية للشعب والروحية الجديدة والمعنويات العالية للأمهات والآباء، نبهه حينها سماحة القائد إلى التأثير غير المادي للمقدس في وعي الناس والتفافهم حوله، فبعد قيام القاتل شارون بتدنيس ثرى الأقصى كان أمرا لم يكن بوسع الشعب المقدام في فلسطين أن يقف مكتوف الأيدي حياله مع ما يعنيه الأقصى الحبيب في نفوس كل الشعوب الإسلامية أينما وجدت. [14]

تصدير الثورة واللطف الإلهي

نعود للشهيد الشقاقي يقول عليه الرحمة (.. دعونا نتخيل المنطقة والعالم بدون الإمام الخميني وثورته الإسلامية، هل كانت الصحوة الإسلامية تصل إلى أطراف الدنيا وتصبح حديث المراقبين والمحللين في العواصم الكبرى والصغرى ؟ ... هل كان بالامكان أن ينطلق مجاهد فرد ليقتل مئات الأمريكيين في بيروت دافعا الدولة العظمى للهروب والفرار ؟ هل كان بالامكان طرد اليهود من بيروت ومن ساحل لبنان والجبل وان تستمر مطاردته باسم المقاومة الإسلامية حتى الآن موقعة في صفوفه اكبر الخسائر ؟ هل كان بالامكان انطلاق الانتفاضة المباركة في فلسطين بروح إسلامية وثّابة وبفعل إسلامي متميز (.. )  هل، وهل، وهل ؟ [15] وسأزيد سيدي الشهيد المعلم لأعزز الإيمان بأطروحتك وفهمك، فهل كان بالامكان فرار الصهاينة كالفئران من جنوب لبنان وكذا عملاؤهم اللحدييين، الم تتوقف انتفاضتنا الأولى حيث تآمر عليها البعيد والقريب وخدّر الشعب باوسلو ووعودها الخائبة أو لنقل (جرب أن يعطيهم الفرصة)  الم يكن انتصار حزب الله وتجربته الفذّة الملهم لجيل المقاومة الجديد، وهل ساهم أم لا في تشكيل القناعة وهي أن الكيان الغاصب ونظامه العسكري واذرعه المسماة أمنية، اوهن من بيت العنكبوت، وهل كانت لتكتحل العيون بمشهد الأسرى المحررين وابتسامات الأمهات وقد امتلأت عيونهن بدموع الفرح والاشتياق [16] الم تكن كل تلك الإنجازات نتاج عمل الإمام وإخلاصه لله... وصدقت أبا إبراهيم يوم اعتبرت أن عام انتصار الثورة هو يوم التلاحم الروحي والفكري والنضالي والسياسي بين إيران الثائرة وبين فلسطين يمتد عميقا في الجذور وهو ما عبر عنه أيضا السيد عرفات في طهران وقد تحول وكر التجسس الصهيوني في طهران إلى سفارة لفلسطين بقوله : (كل إيران حتى خراسان هي العمق الاستراتيجي للثورة الفلسطينية)  .

العقل يعشق قبل القلب أحيانا

حب أمر يعمي ويصم كما يقولون وقد يكون هذا الحب لا يرتكز على أساس متين وقد يكون حالة من الانفعال بدأت من أسباب شخصية واهية ليست عميقة وحالة الانفعال هذه تصنع الجمال في المحبوب، حب بهذا المستوى سرعان ما يتهاوى وأّنى له أن يمكث في الأرض، الشهيد الشقاقي وكرمز لجيل جديد من المجاهدين والحاملين أرواحهم على راحة اكفهم ارتبط بنوع علاقة مصيرية مع الإمام ونهضته، ومن بعد آتت هذه العلاقة وهي تواصل روحي قبل أي شيء بركات وإنجازات مشهودة، الشهيد عليه الرحمة قرأ نهضة الإمام بعين البصير المتمعن اللاهث نحو خطة الخلاص والانعتاق من قيود المتجبرين ومن أغلال محدودي الأفق والنظرة، ولعله رحمه الله أول من كتب بالعربية في الثورة الإسلامية والحل الخميني، لقد انفتح الدكتور الشقاقي على مشروع الإمام بعقله وقلبه وطار إليه بجناحي الفكر والعاطفة، لأجل هذا لم تكن عباراته وهو يتحدث عن علاقته الشخصية بالإمام الخميني من ضروب الإنشاء وبديع القول ، نسمعه يقول (... وهنا لا بد لي أن اذكر علاقتي الشخصية بالإمام الراحل الخميني العظيم. فعندما أدخلني الصهاينة إلى الزنزانة وكنت انزف، يومها بدأت بكتابة اسم روح الله الخميني على جدار الزنزانة بالدم النازف، هذه هي علاقتي بالإمام.. لقد تعمدت بالدم والجهاد والتضحية ولأسباب يمكن فهمها، كان صدى الثورة الإسلامية في فلسطين من أوضح وأقوى الأصداء... ومعناه ودلالته كبيرا بالنسبة للفلسطينيين إذ أصبح واضحاامامهم انه بالامكان مواجهة المعادلة الدولية الظالمة وانه بامكان الشعوب أن تلتزم جيشا حديثا وقويا إذا تحررت إرادتها من الخوف والتبعية الظالمة، وأخيرا فان قوة الإسلام لا تقاوم وهكذا جدد الإسلام قوة اندفاعه على امتداد فلسطين وتوارت شيئا فشيئا اليافطات العلمانية وبدأت تبرز الشعارات الإسلامية وتتعاظم التجمعات الإسلامية في المساجد والجامعات والنقابات والجمعيات وكان للخصوصية التي أولتها الثورة الإسلامية أبان قيامها لفلسطين تأثير كبير في جذب انتباه الشباب الفلسطيني نحو طهران الثائرة، وإبداء أعلى درجة من التعاطف مع الثورة الإسلامية)  [17]

الجهاد الإسلامي : ملتقى الثائرين وحلم يتحقق

بعد أن طال انتظار الشباب الفلسطيني المتميز بحضوره في قلب الساحة، لموقف حاسم كان يأمل صدوره عن قيادات كبيرة كان معول عليها وهي محل ثقة في الوقت ذاته، وبعد أن ضاقوا ذرعا بعنجهية الاحتلال ووقاحته، ومع تلهفهم لقيادة تبادر بمشروع مدروس ومنظم لمواجهة طغيان الصهاينة، ومع حدث الثورة الأخاذ، كانت تتشكل داخل اطر الحركة الإسلامية على اختلاف مشاربها طليعة تتّقد نشاطا ومعرفة والتزاما، وتتمتع بعلاقات حسنة مع جميع القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية.

 (... أما فيما يتعلق بآثار الثورة الإسلامية في إيران على فكر وإيديولوجية حركة الجهاد الإسلامي فقد كانت هذه الثورة مصدر الهم على صعيد الفكر والممارسة، فقد سعى مؤسسو الجهاد منذ البداية إلى استيعاب واستلهام تعاليم الإمام الخميني الذي راو فيه رمزا وملهما وقائدا للثورة الإسلامية ليس في إيران فحسب بل في كل مكان... فحتى وقوع الثورة الإسلامية كان الإسلام من وجهة نظر الجهاد غائبا عن ساحة الصراع، وقد أكدت هذه الثورة بان الإسلام هو الحل والجهاد هو الأسلوب المناسب.. ) [18]

 (... فقد جعلت الثورة الإسلامية في إيران النظر إلى القضية الفلسطينية من منظور إسلامي أمرا ممكنا وهو من وجهة نظر الجهاد الإسلامي المنظور السليم الوحيد، فالإسلام بالنسبة للخميني هو " دين المجاهدين الذين يريدون الحق والعدل، دين الذين يطالبون بالحرية والاستقلال... ) [19]

 (.. والحل الوحيد بنظر الحركة يكمن في تقدم قوى الإسلام الثوري الجماهيري لتحتل المساحة المضيعة على ارض الجهاد ضد الأعداء، وما بين نهاية الأربعينيات وبداية الثمانينيات ثلاثون عاما وآلاف التجارب وجيل آخر يتحرك.. ) [20]

ومن كلام يعتقد انه للشهيد الشقاقي يقول : (إذا كان غياب الحركة الإسلامية مفهوما ومبررا في فترة الخمسينات والستينات لان المعركة لم تكن قد حسمت لصالح الإسلام كاختيار وحيد وساحق فانه لا يمكن فهم وتبرير هذا الغياب المذهل للحركة الإسلامية الآن عن احتلال موقعها الحقيقي في قيادة المرحلة وتوجيه أحداثها والسيطرة على متغيراتها... ) [21]

 (.. وتكمن خصوصية الجهاد في كونها منظمة نشأت وترعرعت داخل الأرض المحتلة وبحكم أيديولوجيتها، ونوعية قادتها، وأعضائها، واستراتيجيتها، وتكتيكاتها، يتوفر للحركة ما لا يتوفر لغيرها من آفاق.. ) [22]

الإسلام الثوري يعلن الانطلاقة

في 15/10/1986م وقعت عملية باب المغاربة التي قام أعضاء الجهاد خلالها بإلقاء ثلاث قنابل يدوية على مجندين من لواء (جيف عاتي) الصهيوني إثناء احتفال بالقرب من ما يسمى حائط المبكى حيث جرح حوالي سبعين من المجندين وقتل أب لاحد المجندين، والشبان الثلاثة الذين قاموا بالعملية هم : طارق الحليسي، وعبد الناصر الحليس، وإبراهيم حسن عليان (... وقد سبق اندلاع الانتفاضة مجموعة من الأحداث التي كان لها دور العامل المساعد (عود الثقاب)  في تفجير الانتفاضة وليس هناك أدنى شك في أن حركة الجهاد الإسلامي لعبت دورا هاما في هذا السياق، لقد وقع في قطاع غزة مجموعة من الأحداث ذات العلاقة بالجهادالاسلامي أسهمت في تهيئة الجو النفسي لاندلاع الانتفاضة. بدأت بهروب ستة من أعضاء الجهاد الإسلامي من سجن غزة المركزي بتاريخ 18/مايو أيار عام 1987م دون أن تتمكن السلطات الإسرائيلية من إلقاء القبض عليهم مما أثار ردود فعل ايجابية في أوساط السكان...) [23] في 2/8/1987 م قتل قائد الشرطة في غزة روني تال على يد مجاهدي الحركة (.... وفيما بعد قام أعضاء من حركة الجهاد بعدد من العمليات الناجحة ضد أهداف إسرائيلية وقد كان للمواجهة التي وقعت بين أعضاء خلية الجهاد وقوات الأمن الإسرائيلية في حي الشجاعية بمدينة غزة بتاريخ 6 – تشرين أول – 1987م اثر تعبوي هام حيث اندلعت بعدها المظاهرات الصاخبة في القطاع واستمرت بشكل متقطع إلى حين اندلاع الانتفاضة، وبالإضافة إلى ذلك قام أعضاء الجهاد بقتل إسرائيلي في قطاع غزة قبل يومين من تفجر الانتفاضة وكان أعضاء الجهاد الإسلامي من أوائل العناصر الذين شاركوا في الانتفاضة، وهناك ما يكفي من الدلائل بأنهم كانوا فاعلين للغاية في ضمان استمرارها، خاصة في بداياتها ففي مناطق عدة من القطاع شارك أعضاء الجهاد في المظاهرات والمسيرات الليلية.... ) [24] (.. فالجهاد الإسلامي بعملياتها المسلحة وضعت الفصائل الأخرى بما في ذلك فتح أمام تحد كبير، وكانت بدون شك سوف تستقطب المزيد من الأتباع والمتعاطفين...) [25]

ثورة تلد أخرى

لا نبالغ إذا قلنا بان هبة الشعب الفلسطيني عام (87)  في معظم فعالياتها قد استلهمت ذات الفعاليات للنشاط الثوري ضد الشاه بهلوي إلى درجة التطابق أحيانا، ويمكننا القول أن مشاهد جماهير الغضب الإلهي المفعمة إيمانا بقضيتها العادلة وهي تنزل إلى الشوارع بصدور عارية تواجه بها اعتى الأسلحة الأمريكية تكرر ظهورها للمرة الأولى بعد الثورة الإسلامية، في فلسطين وكذا الفعاليات الأخرى كالاضرابات وغيرها واستفاد قادة المقاومة من تجربة الإمام في مخاطبة الجماهير بكل طبقاتها فنحن نعرف وكما يقول الأستاذ احمد جبريل[26] (... اعتمد الإمام الخميني (رضوان الله عليه)  بعد الإيمان المطلق بالله على قدرة الجماهير وبرع في مخاطبتها وتحريكها وتوجيهها الوجهة الصحيحة وتثو يرها وكان (رضوان الله عليه) يملك قدرة خارقة وعجيبة في مخاطبة الجماهير بأسلوب بسيط غاية في البساطة، يستطيع فهمه أستاذ الجامعة والفيلسوف والطبيب والنجار، والسائق والطالب والفرّان، كان يصيغ الهدف الاستراتيجي بأسلوب لغوي بسيط، ما أن تتلقفه الجماهير حتى يتحول إلى شعار تردده في حركتها ومسيرتها، حدد الإمام (رضوان الله عليه) للجماهير المسلمة الأصدقاء، والأعداء، ورسم لهم خط السير وحدد لهم الاتجاه، وأوضح لهم معالم الطريق، والأمثلة على ذلك كثيرة :

- إسرائيل غدة سرطانية يجب اجتثاثها من الوجود.

- يوم القدس العالمي.

- لا شرقية ولا غربية. [27]

وهنا يمكن لنا فهم ما كانت ترمي إليه المراة الحديدية رئيسة الوزراء البريطانية السابقة (مارغريت تاتشر)  بقولها : (نحن الغربيين لا نخشى اليوم المعدات العسكرية، والتجهيزات الحربية للاتحاد السوفييتي ونظيراتها... ولكننا نخشى الثقافة الإسلامية للثورة الإيرانية)  واليوم نحن لا نفتا نسمع إعلام الصهاينة المتخبط وهو يصرخ فزعا من هذا التنسيق المبارك، وقد سمعت من إعلامهم مباشرة ينسبون لخبراء عسكريين إيرانيين مساعدة كتائب القسام وعبر شبكة الانترنيت على تطوير صواريخها التي باتت اليوم تصل قلب المستعمرات الصهيونية في غزة موقعة الإصابات، ولعلها تضحي قريبا بعون الله سلاحا رادعا شبيها بكاتيوشا حزب الله. ولا زال الفلسطينيون يذكرون باحترام مشروع دعم الثورة الإسلامية الفلسطينية الذي صادق عليه مجلس الشورى الإسلامي، والذي جاء في أعقاب تأييد أمريكا للكيان الصهيوني في اختيار القدس عاصمة لإسرائيل وزيادة هجرة اليهود إلى الأراضي المحتلة وبدعم من قائد الثورة السيد الخامنئي (حفظه الله)  بتاريخ 8-9/من شهر أيار عام 1990م والذي نلخص أهم بنوده بالتالي :

- المادة الأولى : إن أراضي فلسطين تعود للشعب الفلسطيني وان الكيان الغاصب للقدس وحكومته الصهيونية قد هيمنت على الأراضي الفلسطينية وبيت المقدس بالظلم والاغتصاب والمجازر.

- المادة الثانية : مؤسسة الشهيد ومؤسسة المستضعفين ومعوقي الثورة، والهلال الأحمر الإيراني عليها أن تدعم معنويا وماديا جميع اسر الشهداء والمعوقين والأسرى والمفقودين الفلسطينيين بقدر استطاعتها.

- المادة الرابعة : تخصيص المقاعد الدراسية للراغبين بالدراسة في الجامعات الإيرانية.

- المادة الخامسة : لجنة من الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة وتحت إشراف رئيس الجمهورية لمتابعة تنفيذ التشريعات وتقدم تقريرها كل ستة اشهر للمجلس.

- المادة السادسة : وزارة الثقافة ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون يتكفلان دعم الثورة إعلاميا.

- المادة السابعة : مجلس وحكومة الجمهورية الإسلامية تعترفان رسميا بان (بيت المقدس)  موطن ومركز الدولة الفلسطينية وتناشد جميع الدول الإسلامية الاعتراف بها رسميا.

- المادة الثامنة : يحظر إقامة أي نوع من العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية مع الشركات والمؤسسات المرتبطة بالصهيونية في العالم، وعلى وزارة الخارجية وخلال سنة واحدة التعرف على قائمة بجميع تلك الشركات والمؤسسات الصهيونية العالمية وتقديمها إلى مجلس الشورى ومجلس الوزراء. [28] ومن ينكر أن الموقف السياسي لإيران هو الموقف الوحيد الذي لا يتردد في المطالبة بعودة فلسطين كاملة، ويرفض قرارات ما يسمى بالشرعية الدولية مثل قرار (242)  الذي يعطي لليهود 70% من مساحة فلسطين.

الخطة المستعجلة والبديلة

بعد مباغتة نظام صدام البائد، للدولة الفتية بحربه المجنونة، وفي البدايات من الانتصار ومؤسسات الدولة الجديدة في طور النشء فضلا عن الجيش الإسلامي غير المؤسس بعد، والقوى الأمنية التي لم تتشكل كما هي الحاجة، كانت تلك الأيام والحالة التي نشأت من حماقات صدام جعلت الكثيرين يعتقدون أن الثورة والإمام وكل تلك الإنجازات ستكون من الماضي بين ليلة وضحاها وبالفعل فكل شيء من حولك يوحي بما يعتقدون، والحرب لم تكن قرار صدام بل قرار الاستكبار العالمي مستندا على الإمعات العربية المتراجعة، حيث دعمهم الهائل لصدام بالمستطاع وفوق المستطاع حيث تجلى يومها (الكرم العربي الأصيل!!)  بابهى صوره، والجمهورية الفتية وحيدة فريدة قبال جميع تلك الوحوش المكشرة عن أنيابها، باستثناء بقعة ضوء عربية كانت تنشر نورها بالامكانات المتواضعة، ففي دمشق وحدها تجلت الرؤية الثاقبة المتوحدة على الخيار السياسي للإمام مناهضة الصهيونية وتحرير فلسطين وكل الأراضي العربية المغتصبة ؛ والحالة هذه كان لا بد من التحرك سريعا لمتابعة النشاط الفعلي ضد إنهاء الوجود الصهيوني في المنطقة بعد أن اشغلوا الجمهورية الإسلامية بمواجهة عدوان صدام، وشاءت الأقدار أن يتورط الصهاينة فيأتوا إلى حتفهم بأقدامهم، كانت تقديراتهم أن إيران الإسلام ستسقط ويذهب الخميني وثورته أدراج الرياح بفضل الخدمات الصدامية، ولم يكن بحسبانهم أن نهضة الإمام هبة إلهية جاءت لتمكث في الأرض لا أن تطل لتقدم التحايا ثم تولي مدبرة، وربط الموضوع بتقديراتهم تجاه الثورة مرتبط بمعرفة إسرائيل من الذي يقطن على حدود فلسطين المحتلة لشمالية (عشاق الثورة والإمام)  من المستضعفين اللبنانيين الذين ستكون إيران الإسلام سندهم الأقوى في مواجهة الحقد والوحشية الصهيونية، وعليه فقد بين الإمام للشباب الثوري تكليفه باختصار شديد : مهمتكم الأساس مقاومة إسرائيل، وان لا تنتظروا. فانطلقوا يدفعهم الواجب والعشق للولي القائد لا يلوون على شيء، وهكذا شكلت هذا الخطة البديلة ودعم الإمام والثورة السخيين للمقاومة للإسلامية في لبنان راس الحربة في مشروعه المقدس على تخوم فلسطين، وهي التي لن يتوانى في استنهاض عزائم أبنائها وتوفير ما يمكن من الدعم لهم.

محور دمشق، بغداد، طهران كابوس المستكبرين

في العراق كانت المشاعر قوية فرحا بالثورة الإسلامية وهذا كان من أهم أسباب حرب البعث الصدامي على أمل إنهاء النظام الإسلامي وبالتالي وهجه وتأثيره خصوصا في العراق ولمّا تعذر ذلك كان المهم تحطيم الشعب العراقي وإنهاكه بأي وسيلة كانت فكان القمع والقتل ولا نجانب الصواب إذا قلنا أن ملايين من أبناء الشعب العراقي سقطوا ضحية لهذه السياسة ؛ بعبع محور دمشق بغداد طهران كان وسيبقى يأرق ليلهم وهو الممكن وجوده على الأرض لوغاب صدام عن الساحة، وعليه لم تتوان القوى الكبرى تدعمه وتقف إلى جانبه، وحتى بعد تحرير الكويت أوقف بوش الأب إطلاق النار مع انه المهيمن في المعركة وعلى الأرض من اجل أن يتفرغ صدام لمواجهة انتفاضة شعبان المباركة وسحق حركة الشعب العراقي المجيدة، الآلاف المؤلفة أبيدت يومها وبعدها فوق مذبح الحرية بالسيف الأمريكي المحمول بيد صهيونية مجللة بكم العصابة اللاانسانية لصدام وزمرته، وأود بيان حقيقة متعلقة بالمسالة العراقية تغيب عن أذهان الكثيرين في عالمنا العربي، ولتكن جوابا للسؤال المتكرر إذا كان النظام العراقي المقبور بكل هذه الصلافة والصبيانية فلماذا جيشت أمريكا جيوشها لإزالته هذا إذا جاز لنا أن نقول هي من كان لها الفضل بخلعه ولم نحترم تضحيات ملايين العراقيين في هذا السبيل وكلنا رأى المقابر الجماعية التي كان العرب وغيرهم يعتمون عليها، إذن ومضافا للأسباب العديدة التي تدعوا أمريكا راهبة أو راغبة لغزو العراق فان التقارير التي كانت ترد إلى واشنطن عن حالة العراقيين في الداخل والعداء المتجذر ضد الطاغية المتهور، وبعض هذه التقارير كان يشير لاحتمال حصول انتفاضة جديدة بعد أن لم يبق لدى أغلبية العراقيين ما يخسرونه، وقد تستمر ولا تتوقف إلا بزوال النظام نهائيا هذه المرة، وستساند هكذا انتفاضة دول الجوار وقوى معارضة عراقية منظمة ومدربة جيدا متمركزة كذلك في هذه الدول أو في الشمال العراقي وهذه القوى لها امتداداتها الكبيرة في الداخل، مضافا إليه حال النظام ذاته فالفساد مستشر وحالة الشرخ والتنازع داخل عائلة صدام تزداد اتساعا ووصول يد المعارضة الضاربة إلى مواقع مهمة للنظام ورموزه بل واستهداف مواقع يجتمع فيها أفراد عصابة صدام وأبناءه، وهو إن دل فانه يشير إلى الاختراقات الأمنية الهامة التي حققتها المعارضة ، ولهذا فان الأمريكيين يساندهم البريطان وهم المستعمرون السابقون للبلاد يبدوا أنهم أرادوا أن يحولوا دون قيام نظام لن يكونوا بالتأكيد راغبين فيه، فقد قرروا دخول المعمعة ولعلهم يخرجون من (المولد ببعض الحمص)  كما يقول السوريون، وتدخلهم سيحمل عناوين الحرية وتخليص الشعب العراقي، وأملا في احتواء القوى المعارضة للنظام السابق، وستعتبر فرصة يستغلها الإعلام الأمريكي والمتعاطف لتحسين صورة امريكا وانها منقذة الشعوب المقهورة، والسؤال الذي يطرح نفسه لو أن الإدارة الأمريكية صادقة في ادعاءاتها فلماذا دعمت نظام المقابر الجماعية كل تلك المدة، ولماذا لم يقم بوش الأب بإسقاط صدام بعد أن أسقطه الشعب بالفعل لولا العون الأمريكي، ويمكنني أن أؤكد أن جماهير الشعب العراقي المظلوم لا ينقصها الوعي فتغفل عن حقيقة الأدوار الأمريكية في تدميره وإنهاكه، وهذه الأدوار يعرفها الصغير من أبناء الشعب العراقي قبل الكبير، فمن اليوم الذي دفعت فيه صدام للهجوم على الجمهورية الإسلامية وما جرّت هذه الحرب من ويلات على الشعبين، ثم استدراجه للقيام بحركته الصبيانية في الكويت وما نتج عن تصرفه من تقهقر لكل الأمة، وبعدها فتح المجال لعصابته كي تسحق الجماهير الثائرة، وقبل ذلك استعمال السلاح الكيماوي ضد الأكراد، وعشرات الأطفال الذين ماتوا نتيجة مضاعفات الحصار، ناهيك عن الإعاقات المستديمة (بفضل)  الهدايا الأمريكية وتأثير بقاياها، فان كان احد الأهداف المعلنة حرية العراق، فالإدارة الأمريكية تعلم بان المعارضة العراقية كانت قادرة على إنجاز هذه المهمة من غير تدخل أمريكي فقط لو أنها أوقفت وحيدت حمايتها وتعاونها مع النظام المقبور بمساعدة أيضا من بعض دول الجوار، فهل نقول بعد ذلك أن قوى الشعب العراقي حضرت إلى وطنها فوق الدبابة الأمريكية (البعض منها على الأقل)  واليوم وقد انزاح ثقل الطاغية عن صدر العراق، فمن المرجح أن تحترم أمريكا ولو جزئيا إرادة العراقيين تجنبا منها لمواجهة ضد أكثرية الشعب العراقي، ولكن دعنا نفترض استهانتها بإرادة أغلبية الشعب العراقي وقواه الحية، فستجد نفسها وهي الشيطان المؤسس لظلم السنوات العجاف الماضية، وجها لوجه مع الشعب المسلم في العراق، عند ذلك فكلنا أمل أن يتقن شعب الرافدين تصفية الحساب مع السبب الرئيس لمعظم ويلاته، وسيسجل كتاب الأمة بعون الله أن شعبنا في العراق رغم كل عذاباته، وبسبب استهتار الغازي بتطلعاته وآماله، آثر مقاومة العدو، على الاستراحة، ولن تكون مقاومته ساعتئذ تحت راية ضلال صدامية أو غيرها، وسيأفل بعون الله نجم إمبراطورية الشر الأمريكية كما أفل نجم الطاغية الذي فرضته أجهزتها ذات يوم لقيادة العراق الجريح.

مقاومة تلهم أخرى

لم تتوقف الاتصالات بين قيادة المقاومة الإسلامية في لبنان والفلسطينيين واستمر التعاون بشكله السري بين كل المتفقين في فلسطين والحزب على الموقف العملي من الصهاينة، والأمين العام الأسبق لحزب الله السيد (عباس الموسوي)  (رحمه الله) [29] لم يتوان عن أي نشاط يساهم في دعم القضية الفلسطينية، فكان له الفضل في جمع الفصائل الفلسطينية العشرة في طهران [30] وكانت فلسطين، وبيت المقدس، وأطفال الحجارة حاضرين على الدوام في خطاباته ولقاءاته، و إبان الإبعاد إلى مرج الزهور كانت المقاومة الإسلامية حاضرة تمد يد العون للثلة المبعدة، وتعانق المقاومون من الجانبين في ذكريات عزيزة وتبادل للأفكار، فالخدمات المتبادلة بين المقاومة في كل من لبنان وفلسطين لا تحتاج إلى كثير من التوضيح وهي لأبناء المقاومة والعاملين في خدمتها تشكل تواصلا مستمرا، ولكن من المهم أن نشير إلى صدى الانتصار في الجنوب اللبناني اعتمادا على بعض ما ورد في الصحافة العالمية والصهيونية : صحيفة (الاندبندت) البريطانية قالت : انسحب الجيش الإسرائيلي بشكل فوضوي بعد أن سيطر الرعب على الجنود، الأمر الذي يعتبره المراقبون "الاسوا" في تاريخ إسرائيل من حيث إجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب بشكل مذل واستيلاء حزب الله على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات والآليات الحربية الإسرائيلية " صحيفة (فرانكفورتر)  الألمانية قالت: إن الانسحاب الإسرائيلي هو انتصار الكاتيوشا على الأسلحة التقليدية والنووية وانه يذكر بهزيمة الولايات المتحدة في فيتنام، وقالت أن الانسحاب رسالة واضحة إلى الفلسطينيين للاعتماد على القوة والمقاومة المسلحة وليس الاعتماد على المفاوضات كوسيلة للحصول على الاستقلال. صحيفة (يديعوت احرنوت)  الصهيونية من جانبها قالت: لقد أدرك جنودنا بأنه لم يعد هناك فائدة من مواصلة القتال وهكذا فقد عمل قادة الجيش على خداع حزب الله وقوات جيش لبنان الجنوبي عندما لم نعلن عن موعد الانسحاب..)  وقد جددت حماس الدعوة إلى الجهاد لتحرير فلسطين وذلك على غرار تحرير جنوب لبنان بالجهاد الذي قاده حزب الله وقالت حماس في بيان أصدرته بمناسبة ذكرى نكسة حزيران : إن ثمن النصر كان غاليا من الشهداء والجرحى والأسرى والمشردين وتدمير للبنى التحتية ولكن الإثخان في العدو كان له ابلغ الأثر في إحراز النصر وقالت إن الانتصار اللبناني معلم لمرحلة جديدة من الصراع مع إسرائيل ومن هذه الدروس انكسار شوكة إسرائيل لأول مرة في تاريخ الصراع بفعل المقاومة الشعبية وانسحابها دون قيد أو شرط ودون مفاوضات أو اتفاقات سلام وإنما بسبب الإرادة والتضافر الشعبي والحكومي وراء المقاومة وهزيمة نظرية الحدود الآمنة والمناطق العازلة وتفنيد مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وسقوط منطق الخضوع لتفوقه العسكري وانهيار تجربة جيش لحد العميل وتخلي إسرائيل