الصهيونية وبث الفرقة بين المسلمين

إنّ أعداء الإسلام يشكّلون جبهة واحدة في قبال الإسلام بدءاً بالاستكبار وعلى رأسه أمريكا والصهيونية ومروراً بشركات النفط العالمية وانتهاءاً بذوي الأقلام المأجورة والمتنوّرين الّذين يعملون لصالحهم؛ وهم مجهّزون بمختلف الوسائل والمعدات وأحدثها. ونظرة سريعة إلى تأريخ الصراع المحتدم بين الإسلام والقوى المضادة تثبت أنّ القوى المضادة لم تكن في يوم من الأيام مجهزة بكلّ هذه الإمكانيات والمعدات وعناصر القوة كما هي عليه اليوم.

أمّا فيما يخصّ مسلمي العالم، فالّذي يدعو إلى الأسف والألم حقّاً هو أنّ المسلمين اليوم قلّما يتواصون بما يحتاجون إليه ألا وهو العودة إلى الإسلام والاعتماد على القدرة الإسلامية وشدّ الأواصر بينهم واتّحادهم.

المسلمون اليوم بحاجة إلى ذلك أكثر أيّ وقت آخر، وسبب ذلك هو أنّ أعداء الإسلام اليوم اتّخذوا موقفاً أشدّ قوّة وأكثر صراحة تجاه الإسلام، فكثيراً ما جابهوا الإسلام وعادوه فيما مضى، إلاّ أنّ هذا العداء حالياً قد اتّخذ طابعاً أعنف وأصرح من أيّ وقت آخر، وعلى رأس هؤلاء الأعداء الاتحاد المشؤوم لأمريكا والصهيونية، من ناحية كونهما عاملي فساد سياسي، ومن ناحية بثّ الفرقة بين المسلمين وزعزعة الروابط فيما بينهم، والإخلال في مسار نموّ الشعوب والبلدان الإسلامية.

التأمر الصهيونية ضد المسلمين

التآمر الصهيوني المتزايد ضد الشعب الفلسطيني وشعب لبنان إنما هو في الواقع موجّه ضد كل العالم الإسلامي ، وعلى كل الاُمة الإسلامية ان تستشعر مسؤوليتها وتهبّ لمواجهته ، وهكذا كل تهديد أرعن يطلقه قادة الكفر والفساد في أمريكا ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية إنما هو في الحقيقة تهديد ضد العالم الإسلامي والاُمة الإسلامية ، ولابدّ ان تستشعر كل الشعوب والحكومات الإسلامية مسؤوليتها تجاهه . عندئذ فقط يستطيع العالم الإسلامي أن يحقق هويته ويؤمّن مصالحه ويردع أعدائه .

فلسطين مأساة المسلمين

ثقافة المسلمين الغنية العريقة وعلومهم ومعارفهم شكّلت الدفعة الاُولى لاعتلاء الغربيين ذروة صرح علوم العالم المعاصر . وللمسلمين فضل كبير على الغرب فما حققوه من علوم وحضارة . . ومع كل ذلك لا يمتلك المسلمون اليوم على الساحة العالمية وفي معترك السياسة الدولية أي دور في اتخاذ القرارات الكبرى وفي تعيين النظام الدولي .

وأفظع من ذلك فان كثيراً من البلدان الإسلامية تنهج في سياستها الوطنية منهجاً ذيلياً تابعاً ، وتخضع لاحدى البلدان المستكبرة المتعنتة . . حكوماتها عميلة وضعيفة النفس ، وشعوبها مضطهدة أو مغفلة ، وعلماؤها ومثقفوها مصابون بالخوف والتغافل وحب البطر والراحة . . وكانت النتيجة ان تبددت ثرواتهم ، وأن تتعين مكانتهم السياسية باشارة القوى المستكبرة وان

لا يحسب لعددهم وعدتهم حساب ، وان تحرم الاُمة الإسلامية من قسم عظيم من امكاناتها ، وأن يستفيد أعداء الإسلام والمسلمين من تلك الامكانات للاضرار بالاسلام والمسلمين بينما كان ينبغي أن تستفيد الاُمة الإسلامية الكبرى من كل ما تمتلكه من طاقات لاستحصال ما تستحقه من عزة واقتدار .

الأوضاع الراهنة للعالم الإسلامي والحوادث والمحن التي أذاقت ملايين المسلمين القهر والمرارة ، ومأساة فلسطين المغتصبة ، ومحنة المسلمين في البلقان ، وأوضاع كشمير وأفغانستان ، وأوضاع الخليج الفارسي المتفجرة ، ووضع الأقليات المسلمة في بعض البلدان الاُوربية . . كلها شواهد ناطقة على هذه الحقيقة المرة .

الشعوب المسلمة امل فلسطين الوحيد

درسُ إمامنا الراحل العظيم رضوان اللّه تعالى عليه يتلخص في العودة إلى الذات ، العودة إلى الإسلام ، ومعرفة الشعوب المسلمة لقدرها وقدر ما تمتلكه من ذخائر معنوية لا تحصى .

الشعب الإيراني شق طريق سعادته بالعمل بهذه الدروس ، وقطع على هذا الطريق مراحل عديدة ، ولايزال يواصل هذا الطريق ، وليس للشعوب الاُخرى سوى هذا الطريق وصولاً للسعادة .

لو حدث ذلك لانهار الكيان الصهيوني الغاصب أمام قوة الاُمة الإسلامية ، ولما تمادت الولايات المتحدة في اللعب بمقدرات الشعب الفلسطيني والاستهزاء بالحكومات العربية .

لو حدث ذلك لما عادت الدول العربية تظن نفسها مضطرة لاتخاذ موقف يخالف الحق والواقع، فتهمل الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية وتقيم علاقات سياسية واقتصادية مع النظام الغاصب والمعتدي ، وتفسح المجال للصهاينة ان يتوغلوا بين المجتمعات العربية ، وتفك عن الكيان الصهيوني حصاراً كان بامكانه أن يخنقه بمرور الزمان .

نحن لانشكّ ان الشعب الفلسطيني في مستقبل ليس ببعيد سيستعيد حقه المغتصب بفضل تضحياته وبفضل الوعي المتصاعد في دنيا الإسلام ، وسيطرد الأجنبي المعتدي الظالم من بيته ، لكن إرادة الحكومات والشعوب المسلمة ستجعل هذا المستقبل بإذن اللّه قريباً وستقلل من آلام محنة هذا الشعب .

فلسطين القضية الاولى للمسلمين

ولو شئنا الإتيان ببعض الأمثلة في مجال القضايا السياسية فلابدّ من القول ان القضية الفلسطينية كانت إلى قبل عشر أو خمس عشرة سنة القضية الأولى في العالم الإسلامي، وكان الجميع يتغنون بشعارها عن صدق أو لمجرد التظاهر، ولكن على كل الأحوال كانت جميع الحكومات الإسلامية ترفع شعار القضية الفلسطينية، لساناً على اقل الاحتمالات. إلاّ أن المستكبرين والأعداء الذين وضعوا منذ البداية أُسس غصب أرض فلسطين من شعبها وإعطائها لمجموعة من المهاجرين ولشعب مصطنع، بدأوا بممارسة ضغوطهم على الحكومات والشخصيات.

الذين يغتصبون أرض فلسطين اليوم قومية مصطنعة لا يتوفر فيها اي مقوم من المقومات الأساسية لاي شعب؛ فهم قد توافدوا من مختلف أرجاء العالم بآراء ومشارب مختلفة وبمعتقدات وقيم اجتماعية متنافرة، ولمجرد الانتماء إلى العنصر الاسرائيلي مع ابتعادهم عن بعضهم قروناً متمادية. إلاّ أنهم اعتبروهم قوماً؛ ليتمكنوا من زرع هذا الشعب اللقيط في هذه البقعة الحساسة من العالم أي في قلب الشرق الأوسط، وفي قلب العالم الإسلامي ويجعلوا منه قاعدة للاستكبار. في اليوم الأول تعاهد الانجليز انشاء هذا الكيان، واليوم يستغل النظام الأمريكي هذا الكيان أقصى درجات الاستغلال على طريق ضمان أهدافه الاستكبارية.

الذين مهّدوا لتلك الأجواء بدأوا أنفسهم بممارسة الضغوط الاعلامية والسياسية على الدول والشخصيات والأنظمة السياسية، وفتحوا باب المحادثات السرية والارتشاء وعملوا كل ما يمكن لسلب هذا الشعار العام عند المسلمين من أفواه الحكومات تدريجياً؛ وإلاّ فهم غير قادرين على سلبه من الشعوب. والذين حاصروا الدولية الصهيونية سياسياً واقتصادياً قبل عشرين سنة باعتبارها كياناً غاصباً غدوا يتبارون اليوم لاقامة العلاقات الاقتصادية معها. هذا هو الانفعال.

لقد توالت وتكاثرت عليهم الضغوط المختلفة من الأجهزة الاستكبارية المركزية، في المجال الاعلامي، وفي الشؤون الاقتصادية وغيرها إلى الحد الذي يُشعرهم بأنّ لا مناص لهم من التراجع، فيتراجعون. هذا هو الانهيار والانفعال في مجال الشؤون السياسية.

وقوف العالم الاسلامي ضد الصهاينة

لقد آن الأوان ليعود العالم الإسلامي إلى رشده، وانتهاج طريق الإسلام باعتباره الطريق الإلهي القويم وسبيل النجاة، والسير على هديه بكل قوّة.

لقد آن الأوان لكي يحافظ العالم الإسلامي على وحدته، ويقف صفاً واحداً بوجه العدو المشترك أي الاستكبار والصهيونية الذي ذاقت جميع الفرق الإسلامية ضرّها وأذاها، ويهتف بشعار واحد، ويسير على نهج اعلامي واحد، ويسير على طريق واحد، وعندها يكون الباري تعالى في عونهم، ويسيرون قُدماً مُسَدّدين بالقوانين والسنن الإلهية.

العالم الإسلامي على أثر الغزو المعادي والعوامل الداخلية الموروثة من الأجيال السابقة في وضع مأساوي لا يحسد عليه. الفقر والجهل والتخلف العلمي والضعف الخلقي وأفظع من كل هذا سيطرة الأعداء الثقافية وأحياناً السياسية من جهة، والمشاكل الكبرى مثل قضية فلسطين ومسألة أفغانستان ولبنان والعراق وكشمير والبوسنة والهرسك والقوقاز وغيرها من جهة أُخرى تشكل قائمة طويلة من المسؤوليات الإلهية والإنسانية أمام الحكومات والشخصيات السياسية وقادة العالم الإسلامي.

يجب أن نأخذ زمام المبادرة بأيدينا، لقد كان الزمام حتى الآن بيد العدو، وكان دورنا ترديد المزيد من الشكوى والعتاب.

تحرير فلسطين فريضة على جيمع المسلمين

فلسطين على الساحة التارخية تبدلت إلى اقطاعية صهيونية على اثر عشرات المبادرات التي أقدم عليها العدو. بدأت بشراء أرض الفلسطينيين ثم تواصلت عبر تسليح الصهاينة المهاجرين، ثم اثارة الحرب الداخلية واعلان تقسيم فلسطين، ثم احتلال أجزاء جديدة من هذا البلد الإسلامي العربي، ثم احتلاله بأجمعه، واضافة أجزاء من مصر وسوريا والأردن إليه. وهنا بادرت البلدان العربية المجاورة لفلسطين لمرة واحدة فقط واخذت زمام المبادرة بيدها وتمثل ذلك بحملة مصر وسوريا في رمضان 93 هجرية. وهي وان لم تحقق النتائج المرجوة كاملة بسبب التعاون الأمريكي الاسرائيلي وتهاون البلدان الإسلامية، قد سجلت مفخرة للجبهة العربية وحررت أجزاء من الاراضي العربية. بعد ذلك عاد الصهاينة وحماتهم وعلى رأسهم أمريكا إلى ان يمسكوا بزمام حركة الساحة في اطار شعارات التسوية وفي اتجاه تثبيت الاحتلال الغاصب لفلسطين، جارّين وراءهم كل خصومهم حيثما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

كان ينبغي علينا نحن الدول الإسلامية أن نقدم مساعدات أكثر جدية لدول المواجهة من أجل انقاذ فلسطين. فيما مضى بعض حكوماتنا لم تتوان حتى عن توجيه طعنة إلى ظهر دول المواجهة، والمثال الابرز لذلك حكومة إيران في عهد بهلوي. كانت إيران آنئذ مع الأسف مأمناً للصهاينة ومساعداً حميماً للكيان الصهيوني.

أما رأينا في هذا المجال فهو أن القضية الفلسطينية تعتبر من وجهة النظر الإسلامية قضية مركزية وفريضة على جميع المسلمين ومن جملتهم نحن؛ فجميع علماء الدين الشيعة والسنّة الماضون منهم والحاضرون يصرحون أن أرض الإسلام إذا وقع أي جزء منها تحت سيطرة أعداء الإسلام يجب على الجميع الجهاد لاستعادتها. فكل مسلم مكلف إزاء القضية الفلسطينية بواجب يجب عليه أداؤه حسب استطاعته وبأي نحو يتيسر له، وذلك بناءً على:

أولاً: أن هذه الأرض تعتبر من وجهة النظر الإسلامية، أرضاً إسلامية مغتصبة من قبل أعداء الإسلام، وتجب استعادتها منهم.

ثانياً: هناك ثمانية ملايين مسلم؛ بعضهم مشردون، وبعضهم الآخر يعيشون في ظل الاحتلال ظروفاً أسوأ من ظروف المشرّدين، ولا يستطيعون ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، ولا يُسمح لهم بالإدلاء بآرائهم، ولا يحق لهم انتخاب ممثل عنهم لإدارة شؤون بلدهم، وفي الكثير من الحالات يمنعون من أداء صلاتهم. وقد أحرقوا في السنوات الماضية المسجد الأقصى وهو أول قبلة للمسلمين، ثم أخذوا لاحقاً يحفرون أرضه، ويريدون أساساً تغيير طابعه الإسلامي. وهذا ما يوجب على كل مسلم تكليفاً لا يمكنه التنصّل عنه، ويجب عليه العمل بما يستطيع منه.

واجب علماء المسلمين تجاه القضية الفلسطينية

وفي قلب العالم الإسلامي وفي قارات آسيا وأفريقيا وأوربا تنزل سياط ظلم الكافرين وغضبهم على جسد ملايين المسلمين وتحترق فلسطين ولبنان في نيران قسوة الصهاينة، وكل هذه الآلام والمصائب لا تدفع رجال الدين والمثقفين في الأمة الإسلامية إلى التفكير في العلاج!

هذا في وقت تشهد الساحة وجود كل المقومات اللازمة لإقامة وضع جديد مشرق وتشهد بوضوح الآليات والدوافع اللازمة لتطور كل البلدان الإسلامية؛ ففي كل بلد إسلامي يشاهد بوضوح الشعور والاندفاع الإسلامي بين جيل الشباب والإيمان العميق بين معظم قطاعات الشعب، والقلق تجاه الوضع الموجود، والرجاء في مستقبل إسلامي.

والذي صد هذه القطاعات عن التفعيل هو بالدرجة الأولى عدم انسجام القوة السياسية الحاكمة مع أماني الشعب وآماله، والحكومات في بعض الموارد غير قادرة نتيجة تبعيتها واستبدادها واستخفافها بالجماهير على المواءمة والمعاضدة مع الآمال الإسلامية الكبرى للأمة.

الاسلام هو الشفاء الناجع للقضية الفلسطينية

إننا كلما تعاملنا بصدق وإخلاص مع الإسلام وحقائقه وأدّينا ما فرضه علينا من واجبات، كلما كان التوفيق والنصر الإلهي من نصيبنا، وهو ما شاهدناه في قضايا العالم الإسلامي وجرّبناه بأنفسنا على نطاق قضايانا الداخلية في بلدنا هذا. إن ما تشاهدونه من النصر الذي استطاع الشباب المؤمن في لبنان تحقيقه لأنفسهم وللأمة الإسلامية والعربية لم يكن إلا في ظل الإسلام وظل المعرفة بالإسلام والعمل بالأحكام الإسلامية في هذا المجال.

لقد كان الأمر هكذا دائماً، ولن يتأتى علاج الآلام الشديدة التي تعاني منها الأمة الإسلامية، ولن يندمل جرحها العميق أي مشكلة فلسطين إلا بهذا الشكل. فلا يظن أحد أن قضية فلسطين قد ذهبت في طيّ النسيان، أو أن الشعب الفلسطيني قد أنتهى أمره، أو أن المشكلة الفلسطينية قد دفنت تحت أنقاض هذه الضجة والضوضاء! فهذا خطأ ووهم باطل. إن مرور الزمان ليس بإمكانه أن يزيل حقاً كحق الشعب الفلسطيني من دفتر الوجود. فالشعب الفلسطيني حيّ، وفلسطين قائمة، ومستقبل فلسطين من الوضوح بمكان.

إنكم تلاحظون أن عدداً من البلدان في آسيا الوسطى وفي منطقة البلقان ظلت خاضعة للنفوذ السوفيتي على مدى خمسين عاماً، وبعضها طوال سبعين عاماً،ولم يكن أحد يظن بأن تلك البلدان ستسترد هويتها مرة أخرى، ولكن هذا هو ما حدث! لقد كان الاتحاد السوفيتي يبدو قوة لا منافس لها ولا مجال لاضمحلالها يوماً ما، وكان بعض السطحيين يعتقد بأن قضية تلك البلدان التي دمجها الاتحاد السوفيتي وأخضعها لسيطرته قد انتهت إلى الأبد، ولكن الواقع كان خلاف ذلك. فهكذا الأمر بالنسبة لفلسطين، إن فلسطين لن تزول، وإن فلسطين لن تمحى من على أطلس العالم!

وكما حدث في جنوب لبنان الذي لم يكن ليزول، حيث كان الصهاينة قد جاءوا ليبقوا فيه لا لينسحبوا منه، ولكنهم اضطروا للتقهقر والانسحاب تحت ضغوط الجهاد والصبر والاستقامة التي تحلّى بها الشعب والشباب المسلم في لبنان طوال عشرين عاماً مما ضيّق الخناق على العدو، فإن هذا الأمر يصدق بحذافيره على قضية فلسطين. إن مقاومة الشعب المسلم والتمسك بالإسلام بإمكانه لغو هذه الخارطة المزيّفة والكاذبة المرسومة اليوم وإعادة رسم الخريطة الحقيقية خريطة فلسطين والعودة بالشعب الفلسطيني مرة أخرى إلى وطنه، وهذا ممكن بفضل الله.

المصدر لاشعال شرارة الانتفاضة الفلسطينية

إن الكثير من الأمور التي تبدوا عسيرة وشاقة للعيان اليوم ستغدوا طيّعة ويسيرة في ظل المعرفة بالإسلام والعمل بمبادئه، وسيكون من الممكن تحقيقها على نطاق الواقع، وسنرى كيف أنها لم تكن شاقة ولم تكن غير عملية كما كان يتصور البعض.

واليوم، ومنذ اثني عشر أو ثلاثة عشر عاماً نزل الشعب الفلسطيني إلى الساحة باسم الإسلام ورافعاً شعار الإسلام، فأدرك العدو فوراً أصل القضية. فعندما اشتعلت شرارة الانتفاضة في العقد الماضي في فلسطين فإن الأعداء أي الصهاينة وحلفاءهم الأمريكيين أحسّوا بالخطر قبل أي أحد آخر. فقرروا القضاء عليها لأنها تفجرت باسم الإسلام. ثم حاولوا معالجة الأمور لكنهم وجدوا أنفسهم عاجزين، لأنهم في الواقع لا يعرفون سوى منطق القوة. إن الكيان الصهيوني كيان عنصري في فلسطين المغتصبة، فهل يمكن أن نتوقع العدالة من كيان عنصري؟! إنه كيان جاء إلى الوجود عن طريق قوى السيطرة السياسية والاقتصادية العالمية، وذلك بغية الحيلولة دون اتحاد العالم الإسلامي، وتجريده من العزة والكرامة، وإعاقة المسلمين عن الظهور كقوة عظيمة متحدة كي لا يستطيعوا تشكيل أي خطر يُذكر، فهل يمكن توقّع العدل والانصاف من كيان جاء لتحقيق مثل هذه الأهداف؟!

الواجب الاسلامي في دعم القضية الفلسطينية

لو بادر المسلمون إلى تقديم الدعم للشعب الفلسطيني وهذا واجب قرآني مفروض على الجميع فمن المسلَّم به أن ذلك سيؤدي إلى اختزال الطريق، وإلا فإن الشعب الفلسطيني سيواصل مقاومته وصموده، وسيحقق النصر في خاتمة المطاف؛ غاية الأمر أن انتصاره هذا سيتحقق غريباً فريداً، فما أوحشه! كما هو شأن شعبنا الذي واجه لوحده الشرق والغرب، وفي الحرب التي فرضت علينا اصطفّت القوى الكبرى بأجمعها ضدّنا فقاومنا غرباء وتحملنا ذلك، غير أننا لم ننثنِ عن المقاومة، فكان أن نصرنا الله سبحانه. وهكذا الأمر بالنسبة للشعب الفلسطيني؛ فعلى الإنسان أن يخوض غمار الجهاد للاستمتاع برحاب الحياة المشرقة، ويتوجب على المسلمين جميعاً المساهمة في هذا الجهاد ومدّ يد العون لهذا العضو من الجسد الإسلامي المقتطع من قبل العدو، كي يتسنّى للمسلمين استعادته. وهذا أحد مصاديق العمل بالقرآن؛ فلو عمل المسلمون بهذا الأصل لصلح الكثير من الأمور.

مساوئ تفرق المسلمين على القضية الفلسطينية

لو كنّا متوحّدين ومتمسكين بالمعنويات الإسلامية لما تجرأ العدو بمثل هذه الوقاحة على اضطهاد أبناء الشعب الفلسطيني وقمعهم وممارسة الضغوط عليهم وهم في ديارهم. إن الحوادث الجارية في فلسطين تقرح فؤاد كل غيور ولو لم يكن متعمقاً في تدينه، وتسلب منه السكينة والراحة؛ فمن ذا الذي يشاهد منظراً مروعاً يصور مصرع طفل في الثانية من عمره ثم يخلد إلى النوم وهو مرتاح البال؟ ومَن ذا الذي لا يعتصره الألم وهو يرى شعباً محاصراً في دياره وأزقته وشوارع المدن التي هي ملك له وقد دفن فيها أجداده منذ قرون؟

إنهم يحاصرون اليوم أبناء القدس والخليل وغزة وسائر مناطق الوطن السليب، ويقتلونهم في ديارهم، ويفجعون الآباء والأمهات بأبنائهم؛ إنهم يجوعونهم ويمارسون بحقهم حصاراً اقتصادياً.

هل كان ممكناً وقوع مثل ذلك لو كانت الأمة الإسلامية متحدة؟! إن من أهم الواجبات المفروضة علينا اليوم نحن الشعوب والحكومات الإسلامية إن نتمسك بوحدة الكلمة فيما يخص هذه القضية.

إن آلام الشعب الفلسطيني وهمومه هي آلامنا وهمومنا، ولقد ارتفعت صرخته منادياً: يا للمسلمين! والواجب يفرض على زعماء الدول الإسلامية جميعاً تلبية هذا النداء، فإن الله سبحانه وتعالى سيحاسبهم إن هم قصروا.

إننا جميعاً ملزمون بهذا الواجب الذي يسمو بنفسه على الحسابات السياسية، وإن كانت الحسابات السياسية نفسها تستدعي أن يتكاتف العالم الإسلامي بأجمعه ويضع أبناؤه يداً بيد للوقوف بوجه الصهيونية الغاصبة المعتدية، إذ إن خطرها يتهدد العالم الإسلامي برمّته حتى تلك الدول التي تراودها أوهام جني المصالح بإقامة العلاقات مع الدويلة الصهيونية الغاصبة؛ فوجود الصهاينة يستبطن المزيد من الخسائر لهذه الدول.

إن هذه الغدة السرطانية وهذه الشجرة الخبيثة التي غرست هنا تمثل اليوم خطراً يداهم كيان وهوية كافة الدول والحكومات الإسلامية، ولابد من تقديم العون لفلسطين، ولا مندوحة من ذلك، وإن لم نفعل فلاشك أن هناك قوماً سينبرون للنهوض بهذه المهمة {فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه}. فتلك سنة إلهية.

الدين الاسلامي والقضية الفلسطينية

منذ ذلك اليوم الذي أسفر فيه الدين عن وجهه المشرق الوضاء الملحمي المليء بالمفاخر هنا، انطلقت الروح من جديد في كل مكان بائس كان قد ضل طريقه بسبب ابتعاده عن الدين، كما في فلسطين ولبنان حيث تجرع أبناؤهما غصص الإذلال على أيدي الأعداء لسنين طويلة، حيث لم تكن لدى أناس منهم أدنى معرفة بالدين، غير أنهم أذعنوا في خاتمة المطاف للإسلام والتحقوا بركبه والقبول به والتصدي لأعدائه؛ إنه الإسلام الذي رفع رايته إمامنا العظيم زعيم الجمهورية الإسلامية الفذ وقدّمه للعالمين؛ وبهذا فقد دبت الحياة من جديد في فلسطين وقضيتها.

القضية الفلسطينية قضية كل العالم الاسلامي

إن انعقاد تجمع كهذا قرار مبارك، وأرجو من الله أن يكون مردوده ايجابياً بنّاءً على دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني المسلم.

هذا النوع من التجمعات يركز عملياً على أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية.. وقضية كل العالم الإسلامي.. وأن احتلال فلسطين واحد من أركان التآمر الشيطاني، الذي عمدت إليه قوى الهيمنة العالمية، ممثلة ببريطانيا سابقاً وبأمريكا حالياً لانهاك العالم الإسلامي وتمزيق صفوفه.

إن أعداء الإسلام كانوا جادين دوماً في إقامة الحواجز القومية والمذهبية بين المسلمين لابعادهم عن توحدهم ومن ثم للسيطرة على مقدراتهم.

في بدايات أعوام احتلال فلسطين نهض علماء مجاهدون مثل "الشيخ عز الدين القسام" و"الحاج أمين الحسيني" فرفعوا صوتهم يستنصرون المسلمين لانقاذ الوطن السليب، وأصدر المرجع الديني الكبير يوم ذاك "الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء" حكم الجهاد ضد الصهيونية، لكن الطابع الإسلامي للقضية خف باستمرار لتنحصر في الاطار القومي.

إن انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني.. هذا الرجل الحكيم من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان له الدور الكبير في الصحوة الإسلامية على الصعيد العالمي عامة وعلى صعيد بلدان المنطقة بشكل خاص.

إن انتصار المقاومة الإسلامية في حرب غير متكافئة على الظاهر في جنوب لبنان دلالة أخرى على مصداقية وأصالة الجهاد الإسلامي وتأكيد آخر على أن النصر حليف المسلمين حتماً إن وثقوا بوعد الله تعالى، وجاهدوا في سبيله سبحانه.

فلسطين مسؤولية المسلمين العظمى

واليوم إذا اجتمعتم انتم أيها الأعزة، من منطلق الفريضة الإسلامية، لدعم الانتفاضة، تتحملون مسؤوليات ثقيلة قبل كل شيء، وفي ظل الصحوة الإسلامية يجب أن تعلنوا عن إرادة العالم الإسلامي في العودة إلى السنن الحسنة في تاريخه المجيد، وهذه السنن وعلى رأسها تضامن المسلمين كانت وراء كل ما حققوه من انتصار في الماضي أمام المعتدين الصليبيين.

لقد كان المجاهدون في تلك المواجهات التاريخية يهبون من كل أرجاء العالم الإسلامي لنصرة اخوانهم والالتحاق بالحرب المصيرية الطويلة بين الكفر والإيمان.

المسلمون في كل العالم اليوم منشدون إلى النضال المصيري في الساحة الفلسطينية ويعقدون الأمل عليه أكثر من الانتفاضة الاولى؛ إذ كانت تلك الفترة أعني قبل عشر سنوات فترة هيمنة جو التسوية بالتدريج على المنطقة، فقد كانت قلوب البعض مع أمريكا وكان آخرون يعتقدون بعدم امكانية الوقوف بوجه الضغوط السياسية الدولية وبعدم وجود طريق سوى التسوية ولو بثمن الرضوخ للشروط الأمريكية والإسرائيلية! كما أن التطورات التي شهدتها المنطقة يومئذ عملت على ترسيخ هذه النظرية.. لكن مؤتمركم ينعقد في عامنا هذا وقد وصلت الدول الإسلامية إلى طريق مسدود.

القضية الفلسطينية المحور الأساسي للصحوة الإسلامية

لقد برزت "النهضة الإسلامية" أو بعبارة أخرى "حركة الصحوة الإسلامية" على ساحة المنطقة والعالم الإسلامي بقوة وصلابة في العقدين الأخيرين بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وظهور حركة الإمام الخميني (رضي الله عنه).

إن المحور الأساس لهذه النهضة والصحوة اليوم هو القضية الفلسطينية. وقد استطاعت انتفاضة الأقصى أن تتجاوز حدود فلسطين الجغرافية وتستقطب عامة الشعوب العربية والإسلامية.. إن مسيرات الملايين من أبناء الشعوب الإسلامية من شرق العالم الإسلامي حتى غربه أوضحت أن الشعب الفلسطيني يستطيع أن يعتمد على دعم هذه الشعوب وانه قادر في الوقت ذاته أن ينهض بدور مهم في توحيد صفوف المسلمين.

يوم انبثقت "المقاومة الإسلامية" في لبنان بسواعد الأبطال اللبنانيين وبتوصية الإمام الخميني (رضي الله عنه) ودعمه كانت إسرائيل تحتل العاصمة اللبنانية وكانت تسيطر على المقدرات السياسية لهذا البلد. يومها حين كانت المقاومة الإسلامية ترفع شعار: "زحفاً زحفاً نحو القدس" كان هناك من المغفلين من يعتقد أن هؤلاء اناس سذج بسطاء! وكانوا يسألون نكاية: هل من الممكن التحرك نحو القدس، وانتم اللبنانيون يتعذر عليكم دخول عاصمة بلدكم؟! والزمان بين ذلك اليوم والانتصار التاريخي للمقاومة الإسلامية على إسرائيل ثمانية عشر عاماً فقط.. وتعلمون أن ثمانية عشر عاماً ليست بالزمان الطويل في تاريخ نضال الشعوب.

سعة القضية الفلسطينية في العالم الاسلامي

لقد اتضح الآن بشكل لا لبس فيه أن أولئك الذين كانوا يرون القضية الفلسطينية حالة مرحلية واقليمية محدودة بقسم صغير من العالم الإسلامي هم على خطأ تماماً.. إن ترسانات الأسلحة الذرية وأسلحة الدمار الشامل المخزنة في مستودعات العدو الصهيوني ليست لمواجهة الفلسطيني الأعزل، بل لغرض السيطرة على العالم الإسلامي، وخاصة على منطقة الشرق الأوسط..!

ما نشاهده اليوم من هجوم إسرائيلي على القوات السورية للانتقام من عمليات حزب الله الرامية لتحرير الأرض المحتلة، إنما هو دليل واضح على هذه النوايا الشيطانية الشريرة لإسرائيل وحماتها الغربيين.

مسؤولية الحكومات الإسلامية تجاه القضية الفلسطينية

المؤمل من الحكومات الإسلامية توفير الامكانيات الكفيلة للدفاع عن هذا الشعب، وممارسة الضغوط سياسياً على أولئك المساندين لمصالح الصهاينة في العالم وذلك ما يسعهم فعله من خلال علاقاتهم الثنائية وفي المحافل الدولية ومحادثاتهم العامة والخاصة، لتتوفر لدى الشعب الفلسطيني إمكانية الدفاع عن نفسه حيث الحق معه وهو الذي يدافع عن حقه بعد أن أثبت العدو المغتصب عدم استعداده للكفّ عن جرائمه.

كما أن المؤمل من الحكومات غير الإسلامية وبالأساس الأوربية أن لا تلتزم الصمت إزاء ما يرتكب من جرائم بحق شعب بأكمله رجالاً ونساءً شباباً وأطفالاً ورُضّعاً.. لماذا هذا السكوت؟! وكيف يدعمون هذا الكيان الغاصب المحتل بالرغم من اقترافه لكل هذه الجرائم؟! أَوليسوا يزعمون الدفاع عن حقوق الإنسان؟! فإن لم يكن زعمهم هذا خداعاً ومكراً وألعوبة سياسية ووسيلة للإغارة على الشعوب، فهذا هو ميدان تجربته حيث تهضم حقوق الإنسان، فليتخذوا موقفهم وليدلوا بدلوهم في إدانة اسرائيل وأفعالها وممارسة الضغوط عليها كما يجندون أنفسهم للدفاع عن حفنة من اليهود في أحد بلدان العالم حينما تطالهم العدالة بتهمة التجسس ويرون من واجبهم التدخل وإبداء الرأي. والحال أن الأحكام تصدر بحق الجاني بشكل قانوني، فهذا شعب يهتضم، فليتدخلوا، ولِمَ لا يتدخلون؟! فعار على الحكومات الأوربية وغيرها أن تخضع لتأثيرات العناصر الصهيونية والشركات التابعة للصهاينة وأثريائهم، ونحن لا كلام لنا مع أمريكا ولا نتأمل منها شيئاً أبداً، فهي لن تفعل شيئاً ولا تقدر على فعل شيء، لأن العصبة الحاكمة فيها مرتهنة بقبضة الصهاينة.