ممارسات وأساليب الصهاينة لادامة السيطرة على فلسطين

2007-08-27

 

تضعيف النهضة الإسلامية في البلدان الاسلامية

المسألة الهامة الاخرى التي تقتضي التأكد عليها، هي ان الاستكبار بكل تدابيره الشيطانية وبكل ما توسل به من قوة والاعيب سياسية ودعاوات كاذبة لم يستطع، ولن يستطيع ابداً، ان يصدَّ تيار الصحوة الاسلامية المتنامي وحركة التوجه الى الاسلام، ما بذلته امريكا وبقية الدول المستكبرة وعملائها المحليين من نشاط في مختلف الجوانب السياسية والامنية وأكثر من ذلك الاعلامية، ضد النهضة الاسلامية في البلدان المختلفة، ومن ذلك ضد النظام المقدس في الجمهورية الاسلامية في ايران، خلال الاعوام الاخيرة، كان واسعا جداً لم يسبق له نظير. وفي هذا الخصم أدى النظام الصهيوني، كذيل امريكا في المنطقة، دوره كما كان متوقعا على ادنى مستويات الرذالة والخباثة، المحاسبات المادية العادية تقتضي ان تضعف النهضة الاسلامية في البلدان الإسلامية او تُقتلع من جذورها نتيجة هذه المساعي الواسعة المبذولة بدافعٍ استكباري وعن غضب وعناد.

 

التهجير الجماعي

تهمة نقض حقوق الانسان تطلقها على ايران انظمة ترتكب افظع الانتهاكات وأكبرها بشأن حقوق الانسان او تمهِّد لارتكابها. هل نُقِضت حقوق الانسان في العالم الحديث كما نُقضِت في البوسنة؟ أليس نقض حقوق شعب بكامله مثل الشعب الفلسطيني نقضاً لحقوق الانسان؟ التهجير الجماعي لأكثر من اربعمائة مواطن فلسطيني من ارضهم وبيتهم ووطنهم امام مرأى ومسمع العالم الذي يدعي الدفاع عن حقوق الانسان، كيف اعتبر قضية يمكن غض الطرف عنها؟.

 

الإعلام والإشاعات الكاذبة

لقد جرت محاولات كثيرة في فترة احتلال فلسطين التي امتدت (45) سنة، وخاصة في العقدين الاخيرين لاثبات ان اليهود الذين احتلوا فلسطين هم أصحاب حق ويتعرضون للاعتداء ومع ذلك يصف الاعلام العالمي الذين يحاولون استعادة ديارهم بالناس القساة والمتجبرين والخارجين على القانون. وقد قام الاعلام الامريكي والصهيوني باشاعة هذه الاكذوبة الكبيرة والخدعة التي لا نظير لها، وهي مسألة مؤلمة ومرة جداً...

وهذه المسألة يراعونها حتى في بث الافلام والصور ويحاولون عرض صورة قاسية للعرب ، ولا يقولون ان المهاجرين الذين اغتصبوا فلسطين، قد جاءوا لاخذ حق الفلسطينيين. فيعرضون عدداً من النساء والاطفال وهم في حالة بؤس؛ حتى يقولوا ماذا يفعل العرب مع هؤلاء المساكين. لذا فان النظام الأمريكي الجديد يعني قلب الحقائق...

 

الحيلة والخداع

إنّ الصهاينة مصممون على هدفهم في دولة حدودها من النيل الى الفرات، ولكن استراتيجيتهم تقوم في البداية على الحيلة والخداع من اجل الحصول عل موطئ قدم، ثم يستعملوا الضغط والهجوم والقوة، انهم عندما يتعرضون لمواجهة سياسة او عسكرية جدية يلوذون ثانية بالحيلة والخداع ثم يبدأون عملهم مرة اخرى بالضغط والقوة والهجوم، وقد قاموا بهذا العمل منذ 60 عاما أي قبل احتلال فلسطين ب 25 عاماً...

عندما دخل الصهاينة الى فلسطين لم يقولوا بانهم يجلبون مهاجرين الى فلسطين، وكذّبوا على الشعب الفلسطيني حيث قالوا بأنهم يجلبون اخصائيين. وهذا الامر ذكرته وثائق وزارة الخارجية البريطانية. ففي هذه الوثائق التي نشرت بعد 60 أو 70 عاما يقول احد الضباط البريطانيين الذي كان يتولّى مسؤولية في فلسطين في تقرير له: لقد قلنا للشعب ان الذين يدخلون فلسطين هم اخصائيون ومهندسون واطباء جاءوا لاعمار بلدكم، ولكنه ذكر في تقريره بأنهم كذّبوا على هذا الشعب...

لقد جمعوا اليهود الذين لا اختصاص لديهم ولا أي فن من انحاء العالم وجاءوا بهم الى فلسطين ووضفوا تحت تصرفهم الامكانيات والارض من اجل ان يطردوا السكان الاصليين من فلسطين. وقد بدأوا بالخداع وعندما ثبّتوا اقدامهم بدأوا بالهجوم. وفي عام 1948 اعلنوا تأسيس دولة اسرائيل ثم هاجموا مصر بعد عام من اجل احتلال أراضي أكثر...

عندما واجه الصهاينة الشعب، بدأوا بالاحتيال؛ حتى يجدوا موطئ قدم جديد، واستمروا بهذا الشكل حتى اليوم. وحيلتهم اليوم في عقد مؤتمر فلسطين الذي اقيم من اجل الاعتراف باسرائيل وبمجرد ان يعترف بهم العرب، فان هذه العقبة ترتفع من أمام الصهاينة ثم يأتي مرة اخرى دور القسوة والخبث، وان القسوة والخبث الذي يجري في لبنان حالياً هو من المسائل المؤلمة جدا ، حيث اظهروا الحقائق معكوسة بهذا الشكل، ثم اصبح بالعكس فعلاً.

ان حقيقة الأمر هي انهم شردوا شعب من دياره ومن حق الشعب ان يعودالى دياره، وهذه المواجهة هي مواجهة عادلة، وتسميها امريكا بالارهاب، ولاتُسمّي خبث؟ الصهاينة مع الثوريين إرهابا.

 

المذابح الجماعية

 إنّ المسألة الأساسية في عالمنا الإسلامي اليوم هي الحادثة الدموية الأليمة، حادثة الحرم الإبراهيمي الشريف حيث المذبحة الجماعية للمصلّين الصائمين على أيدي عناصر الصهيونية العالمية، المذبحة التي غطَّت شهر الصيام بلباس الحزن، وأغرقت قلوب المسلمين باللوعة والأسى رغم انّ الأجهزة الإعلامية الإستكبارية وذيولها تسعى جاهدة بأساليبها الماكرة للتعتيم عليها وتبسيطها والتقليل من بشاعتها، إلاّ أنّ أبعادها الخطيرة واضحة لكل ذي وجدان واع، لذلك فإنّ هناك نقاط أرى من اللازم طرحها على الاخوة والأخوات.

 الأولي: إنّ الذين ارتكبوا هذه الحادثة ليسوا فئة قليلة، كلاّ فإنّ كلّ شيء ينبيء عن أنّها تمّت عبر تخطيط وتمهيد ودعم من أولئك الذين غصبوا فلسطين، فحكومة «اسرائيل» هي المحرّض المباشر وشركاؤها في الجريمة هم أولئك الذين دعموها، فجزاؤها على ذلك انّ الدعم الأمريكي اللامشروط «لإسرائيل» وخصوصاً في المحادثات المذلّة الأخيرة قد وفَّر للحكومة «الاسرائيلية» جوّاً آمناً لترتكب هذه الجريمة. أمّا الشركاء الآخرون فهم كل اولئك الكتّاب والسياسيين والإعلاميين المطبّلين الذين عملوا وسعهم لضرب الصف الإسلامي المجاهد ضدّ الصهيونية الغاصبة وتحويل الصراع الى نزاع بين جناحين لهذه الأمة وذلك نزولاً عند الرغبة الأميركية «الإسرائيلية».

الثانية: انّ هذه الحادثة تعلن بدء مرحلة جديدة في مسار السياسة الصهيونية ولن تكون الحادثة الأخيرة، ذلك أنّ الصهاينة يستمرون بهذا في سياستهم في بدء الاحتلال والتي تركّز على خلق الاجواء الخانقة وغير الآمنة للمسلمين، مستهدفين وهم على أعتاب هذا الحل غير العادل للقضية، أن لا يبقى هناك شيء أسمه شعب فلسطين في الاراضي المغتصبة. لقد نجحوا لحد الآن تحويل الشعب الفلسطيني الى أقلّية وهو في أرضه، وهم يعملون على إضعافه أكثر فأكثر وبثّ الرعب في صفوفه لكي يتم تسليم القضية الفلسطينية الى يد النسيان والضياع. انّه حلم الغاصبين الجميل وخيالهم الساذج، والحادثة هذه دليل على هذا الخيال الموهوم.

الثالثة: هذه الحادثة تقدّم لكل الفلسطينيين والعرب والمسلمين درساً مفاده أن غاصبي فلسطين مستمرون على نهجهم السابق في الاغتيال والرعب والخداع، وإنّه لن تجدي معهم التعبيرات اللطيفة والأدوار المساومة أو ما يسمّى بالحلول السلمية، لو كانت هذه الحادثة قد وقعت في مرحلة الكفاح الفدائي المسلح للمجموعات الفلسطينية لأمكن أن يقال انّها عملية مقابلة بالمثل، أمّا أن تقع في حين تقوم العناصر التي تدعي الانتساب لفلسطين بتوقيع وثيقة بيع فلسطين بأيديها القذرة المرتجفة فأنها لا تعبّر إلاّ عن التجذّر العدواني اللامساوم في الطبيعة الصهيونية الغاصبة.

 

القيام بالأعمال الارهابية

ويوجد عندنا الدولة الارهابية: وهي التي تمارس ما يسمّى بإرهاب الدولة. وأوضح نموذج لذلك هو دولة (اسرائيل) الغاصبة. فالصهاينة بدأوا بممارسة إرهاب الدولة منذ أن قام الانجليز وتنفيذاً لسياستهم ضدّ الإسلام وضدّ الشعوب وضدّ الشرق بمنحهم السلطة في فلسطين الإسلامية عام 1948م وقبل هذا التاريخ.

فقد سعوا الى تحقيق أهدافهم دوماً من خلال القيام بالأعمال الإرهابية كما حدث في قضية دير ياسين والقضايا الاُخرى التي سمعتم بها. فقد كانوا يدخلون الى القرية فيقومون بقتل الرجال والنساء والأطفال أو يقتلون الرجال ثمّ يلقون النساء في الصحارى والقفار ليذهبن الى حيث شئن، وبعد ذلك يقومون بإحراق البيوت.

فدولة (اسرائيل) قامت منذ تشكيلها وحتّى اليوم أي خلال نصف قرن من إيجاد هذه الغدّة السرطانية في قلب العالم الإسلامي بتحقيق أهدافها عن طريق ممارسة الإرهاب. إذن فالأعمال التي يقوم بها هؤلاء الصهاينة هي النموذج الواضح والكامل لإرهاب الدولة.

أمّا الصهاينة فإنّهم مجبرون على ممارسة الإرهاب لتحقيق أهدافهم أيضاً؛ لأنّهم لا يمتلكون أيّ كلام منطقي.

 

التحامل على العلماء

إنّ كلّ من يتحامل على العلماء اليوم فقد أثلج أفئدة أمريكا والصهاينة أكثر من الآخرين، ألا ترون كيف ترتفع أصوات الأبواق الصهيونية بالتشجيع والاستحسان إذا ارتفع صوت شخص في مكان ما من البلاد، لماذا كلّ هذا التشجيع؟ إنّهم يأملون في إزاحة العلماء والقضاء عليهم. فالتحدّث بهذا الشكل وفهم الحقائق بالصورة المقلوبة ونشرها كلّه فتنة.

 

استخدام الاسلحة المحرمة

والسبب الذي جعل هذا العلم المتطور جداً في العالم الغربي عاجزاً عن استنقاذ البشرية، يُعزى إلى عدم اقترانه بالبعد الإنساني؛ فحيثما وجد علم مجرد عن الضمير والأخلاق والبُعد المعنوي والمشاعر الإنسانية، فان البشرية لا تنتفع به. العلم إذا تجرد عن الأخلاق والقيم المعنوية يصبح قنبلة ذرية تفتك بالابرياء، ويصبح سلاحاً يصوّب إلى صدور المدنيين في لبنان وفلسطين المحتلة ومناطق العالم الأُخرى، ويتحول إلى أسلحة كيمياوية تُلقى على (حلبجة) وعلى نقاط أُخرى في العالم، لتقضي على النساء والأطفال والكبار والصغار، والإنسان والحيوان.

 

كسب الدعم السياسي والدبلوماسي

يحاول زعماء الكيان الصهيوني الذي يحتل أرض فلسطين الإسلامية، وحماته الأمريكيون الذين يدعمونهم بكل سفاهة وبلا قيد أو شرط، وعالم السياسة والدبلوماسية لا يخلو من دعم دولة لدولة أو جماعة أُخرى، ولكن ان تصبح دولة كأمريكا في خدمة أهداف الدويلة الصهيونية صغيرها وكبيرها، فهو أمر يثير الدهشة! حالياً محو اسم فلسطين من التاريخ ومن ذاكرة الناس لكي لا يبقى شيء في الأذهان باسم فلسطين! فهل استطاعوا فعل ذلك إلى الآن؟

منذ ان احتلت أرض فلسطين بكاملها عام 47 1948 مرت إلى الآن خمسون سنة، فهل استطاع الكيان الصهيوني تحقيق هذه الغاية على مدى هذه الخمسين سنة؟ كلا، ولن يستطيعوا بعد خمسين ولا حتى مائة سنة أُخرى ان يمحو اسم فلسطين. هم الذين سيزولون من الوجود، بل ومن ذاكرة التاريخ، وسيكون البقاء لفلسطين ولشعب فلسطين.

يبدو أنهم أُصيبوا بأضغاث أحلام فظنوا ان فلسطين وشعب فلسطين سيزولان من الوجود. كلا، شعب فلسطين باق، وفلسطين باقية؛ وسيرفرف علم فلسطين بعون اللّه وبهمة الشباب المسلم الفلسطيني واللبناني.

لاحظوا كيف يقاتل شباب فلسطين بإيمان، وكيف يقاتل شباب لبنان، وكيف يخلق حزب اللّه في لبنان المفاخر، لا لحركات المقاومة الإسلامية وحدها وانما للدول العربية أيضاً. هذا نابع من بركة تلك القوّة المعنوية.

 

المغالطات والتلاعب بالالفاظ

فلو اطلعتم على مدى ما ترتكبه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وجهاز الموساد الصهيوني، وجهاز المخابرات «الانتلجنت سرفس» البريطانية وهي الأجهزة الأمنية التي نعلم الكثير عنها من جرائم قتل وتفجيرات ومذابح ورعب وارهاب وتمثيل بالضحايا وهو ما لا نعلمه كله طبعاً وانما نعلم بعضه لأخذتكم الدهشة.

إن من جملة الأساليب التي يستخدمها الصهاينة وحماتهم وعلى رأسهم أمريكا، هو استغلال مصطلح “السلام” الجميل. فهم يدعون إلى السلام ويشيدون به كثيراً. ولكن أين هو السلام، ومع من؟ فالذي يدخل دارك بالعنف ويضربك وينكل بزوجتك وأطفالك ويحتل غرفتين ونصف من مجموع الغرف الثلاثة التي في دارك، ثم يتوجّه إليك باللوم على معارضته أو التشكّي منه، ويدعوك إلى التصالح معه وإقرار السلام. فهل هذا سلام؟ السلام هو أن يخرج المحتل من الدار المغصوبة وإذا بقيت بين الجانبين حرب، يمكن التصالح بعدئذ. أما إذا بقي الغاصب جاثماً في الدار وبعد كل الجرائم التي ارتكبها، ولو كان بمقدوره لما تورّع عن أية جريمة أخرى؛ فها هو العدو الصهيوني يهاجم في كل يوم جنوب لبنان، وهو لا يغير على المقاتلين اللبنانيين، وإنما يستهدف قراه ومدارسه، كما حدث قبل عدّة أيام حين هجم على مدرسة هناك وقتل عدداً من الأطفال؛ وهؤلاء لم يحملوا السلام ولم يقوموا بأي عمل عسكري. ولكن هذه هي طبائع المعتدي. فالصهاينة حينما دخلوا لبنان ارتكبوا فيها المجازر، وهكذا فعلوا أيضاً في دير ياسين وغيرها من الأماكن الأخرى، وقتلوا أناساً لم يقوموا بأي عمل ضدّهم، أو أن أولئك الضحايا على الأقل لم يقوموا بأي عمل ضدهم. إلاّ أن الشباب العربي الغيارى هبّوا لمحاربتهم بسبب احتلالهم لأرضهم وما ارتكبوه من أعمال اجرامية. أما الناس الذين لاقوا كل ذلك الاضطهاد والظلم منهم وذبحوهم وأخرجوهم من ديارهم ومزارعهم فإنهم لم يكونوا قد مارسوا أي عمل عسكري ضدّهم. ومعنى هذا أن طبيعة هذا النظام طبيعة عدوانية.

لقد أقيم الكيان الصهيوني أساساً على العنف والقهر والقسوة، وبدون هذه الأساليب لم ولن يكون قادراً على البقاء. فأي سلام هذا الذي يدعون إليه؟ إذا اقتنعوا بحقّهم وأعادوا فلسطين إلى أصحابها وذهبوا على سبيل حالهم، أو استأذنوا من الحكومة الفلسطينية بالعيش على هذه الأرض، كلهم أو بعضهم، فلن يحاربهم أحد. أما الحرب الحالية فهي لأنهم اقتحموا دار غيرهم واستولوا عليها بالعنف وشرّدوا منها أهلها ولازالوا يضطهدونهم ويمارسون عدوانهم ضد دول المنطقة ويشكلون تهديداً لها. وعلى هذا فهم يدعون الى السلام من أجل اتخاذه كمقدمة لعدوان لاحق يشنّونه على نحو آخر.

 

المفاوضات والوعود الكاذبة

من جملة الأمور المطروحة في الوقت الحاضر من أجل وضع القضية الفلسطينية في أدراج النسيان والحيلولة دون تداولها على صعيد الرأي العام للأمة الإسلامية هي المباحثات المسماة بمباحثات السلام الجارية حالياً بين فئة من الفلسطينيين وهم عرفات وجماعته وبين الإسرائيليين؛ أي موضوع المساومة وما يسمى بإدارة الحكم الذاتي الفلسطيني وما شابه ذلك من هذه المزاعم. وهذه بحد ذاتها واحدة من أقبح ألوان الخداع والتضليل الإسرائيلي التي وقع في حبائلها وللأسف عدد من المسلمين وعدد من الفلسطينيين أنفسهم. فمن جملة الأمور التي يتحدثون عنها في الوقت الحاضر هي المباحثات الجارية بين هذه الجماعة وقادة إسرائيل، وهي واحدة من أقبح وأبشع تلك الأساليب؛ وذلك لأن التعهدات الإسرائيلية التي قدّموها في آخر مباحثات لهم وهي مباحثات (واي ريفر 2)، على حد تعبيرهم لو تحققت بأجمعها فلن تنال هذه الجماعة الفلسطينية المسكينة سوى أكثر قليلاً من أربعة بالمائة من مجموع الأرض الفلسطينية. أي أن الأرض الفلسطينية التي تعود كلها للشعب الفلسطيني، يقدّمون له أربعة بالمائة منها. وهذه الأربعة بالمائة ليست كلها مجتمعة في مكان واحد، وإنما تتألف من حوالي عشرة مواضع متفرقة، يقدّمونها لجماعة سوداء الوجه دعوها لتشكيل حكومة على تلك الأرض، ولكنهم لم يسمحوا لها بممارسة مهامّها كحكومة، وإنّما استخدموهم ضد الفلسطينيين لكي لا يقوموا بعمل مضاد لإسرائيل في تلك المناطق. أي أنهم قدّموا لهم مساحة صغيرة ومحدودة ومتفّرقة وغير قابلة للإدارة وبشكل ناقص ليقيموا عليها دولة، ويجب عليهم مقابل ذلك القيام بواجبات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ضد المناضلين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، هذا فضلاً عن الدور الذي تمارسه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية نفسها هناك. فهل هناك خيانة أسوأ من هذه؟!

 

اسالييب أخرى للسيطرة

لقد قام التسلط الصهيوني الغاصب على فلسطين، على ثلاثة أسس، هي:

أولاً: استخدام اسلوب الشدّة والقسوة مع العرب، حيث اتسّم اسلوب تعاملهم مع أصحاب الأرض الأصليين بالعنف والهمجية، وبعيداً عن كل أساليب اللين والمرونة.

ثانياً: الكذب على الرأي العام العالمي، وقد اتخذ اسلوب الكذب هذا طابعاً مثيراً للدهشة. ومارسوا أساليب الكذب والتضليل قبل اغتصابهم لأرض فلسطين وبعده، حتى أن الكثير من الرأسماليين اليهود صدقوا تلك الأكاذيب، بل إنهم خدعوا بها أشخاصاً كالكاتب والفيلسوف الاجتماعي الفرنسي “جان بول سارتر” الذي كُنا في أيام شبابنا ولهين به وبأمثاله؛ فهذا الفيلسوف ألّف كتاباً قرأته قبل ثلاثين سنة كتب فيه “شعب بلا أرض، وأرض بلا شعب”. أي أن اليهود كانوا شعباً بلا أرض وجاءوا إلى فلسطين التي كانت أرضاً بلا شعب. كيف يدعي أنها كانت أرض بلا شعب؟ بل كان فيها شعب يسكن ويعمل، وهناك شواهد كثيرة تثبت هذا الرأي. فقد ذكر أحد الكتاب الأجانب أن أراضي فلسطين كانت تغطّيها مروج خضراء على امتداد البصر من مزارع الحنطة. فكيف يزعم أنها أرض بلا شعب؟! لقد صوّروا للعالم وكأن فلسطين كانت أرضاً بائرة وبائسة ومهجورة، وهم جاءوا وعمرّوها. هذا هو الكذب على الرأي العام.

حاولت تلك الجماعة أن تصور نفسها على الدوام وكأنّها مظلومة، ولازالت تتبع هذا الاسلوب في الوقت الحاضر. فالمجلات الأمريكية مثل مجلتي “التايم” أو “نيوزويك” اللتين أراجعهما في بعض الأحيان، إذا وقعت أدنى حادثة لعائلة يهودية، تسارع إلى نشر صور وتفاصيل وعمر القتيل وتضخّم مظلومية أطفاله، ولكنها لا تشير حتى بأدنى أشارة إلى مئات وآلاف المآسي والمصائب التي تحل بالشباب الفلسطينيين، والعوائل الفلسطينية، والأطفال الفلسطينيين، والنساء الفلسطينيّات في داخل الأرض المحتلّة وفي لبنان!

ثالثاً: اسلوب الاتصالات وتكوين العلاقات والتواطؤ وممارسة الضغوط، وهو ما يسمونه باللوبي. ويقوم هذا الاسلوب على مبدأ الاتصال والتفاوض مع الساسة والمثقفين والكتاب والشعراء واستمالتهم إلى جانبهم والتواطؤ معهم. وهذه هي الأساليب الثلاثة التي استطاعوا بواسطتها الاستيلاء على هذا البلد.

وفضلاً عن كل ذلك فقد وقفت القوى الأجنبية إلى جانبهم؛ وأهم تلك القوى هي بريطانيا والأمم المتحدة. وقبل الأمم المتحدة عصبة الأمم التي أنشئت بعد الحرب لإقرار ما يُسمى بقضايا السلام. وحصل الصهاينة دوماً على دعم تلك القوى، إلاّ في حالات معدودة. ففي عام 1948 أصدرت عصبة الأمم قراراً قسّمت بموجبه فلسطين بدون أي سبب، وأعطت لليهود سبعة وخمسين بالمائة من أرض فلسطين، في حين لم يكن لهم قبل ذلك التاريخ سوى خمسة بالمائة منها. ثم إنهم أقاموا دولة هناك وأخذوا يشنون الهجمات على القرى والمدن والبيوت وعلى المواطنين العزّل الأبرياء. إضافة إلى أن الدول العربية قصّرت بعض الشيء. ثم وقعت بعد ذلك عدة حروب؛ ففي حرب 6791 استطاع الإسرائيليون أن يحتلوا بمساعدة أمريكا والدول الأخرى مساحات من أراضي مصر وسوريا والأردن. وبعد حرب عام 3791 استطاعوا بمساعدة تلك القوى أن يكسبوا نتيجة الحرب لصالحهم ويستحوذوا على أراضٍ أخرى.

 

الممارسات الوحشية

لقد بلغ سلوك الصهاينة من الوحشية والبعد عن موازين الرحمة والمروة حدّاً بحيث أثار حالة من السأم لدى الشباب الفلسطيني؛ فلم يعد لديهم القابلية على التحمل والصبر، فيما يتوهم الصهاينة أن بإمكانهم إسكات الشعب الفلسطيني إذا ما تشبّثوا بالمزيد من العنف ولجأوا إلى الدبابات والمدفعية والأسلحة الكيمياوية. نعم؛ بإمكانهم ممارسة المزيد من الضغوط وإسكات الشعب الفلسطيني لفترة من الزمن، غير أنهم يعجزون عن القضاء على عقدة الغضب الكامنة في القلوب، فهي مما لا يمكن القضاء عليه، وهي التي ستتمخض عن زمجرة وغضب يطيح بعروشهم؛ ولا قدرة لهم للقضاء على هذا التحرك.

الأمر الآخر الذي يحظى ببالغ الأهمية هو أن هذه النهضة قد أطاحت بكل حسابات الدويلة الصهيونية الغاصبة؛ تلك الحسابات التي قامت على أساس أن الشعب الفلسطيني لم تعد لديه القابلية والإرادة والفاعلية والاندفاع للمواجهة بعد أن مورست بحقّه كل تلك الضغوط منذ البداية وتمّ تشريد أكثر من نصف الشعب الفلسطيني إلى الخارج ومضت سنوات متمادية، وقد أصبحت هذه الحسابات سراباً وانهارت دعائمها؛ فإذا ما صممت الآلاف المؤلفة من أبناء الشعب الفلسطيني وليس الفصائل التي تقيم خارج الحدود سواء في لبنان أو الأردن أو غيرهما على مواجهة هذا الكيان يومها لم يبق أي أثر لتلك الأجواء الآمنة التي اتخذوها على أنها الجنة الموعودة بالنسبة لهم واستقطبوا المهاجرين اليهود من شتى اصقاع الدنيا.

لقد انهارت حساباتهم فاضطرت حكومتهم للاستقالة، وهذا هو الاجبار والاذعان بعينه، وقد يتصور أولئك الذين مارسوا الضغوط لإجبار الحكومة الصهيونية على تقديم استقالتها، وجوب استخدام المزيد من القوة والعنف والمجيء بحكومة أكثر قسوة، غير ان ذلك خطأ فادح؛ فليست القضية بتلك البساطة، بل هي من العظمة بمكان، فعليها يتوقف مصير العالم الإسلامي ودوله، لاسيما الدول التي هي على مقربة من بؤرة الخطر ومن هذه الغدة السرطانية.

 

زج اليهود في فلسطين

إن الكيان الصهيوني لا يمتلك إطلاقاً القدرة على المواجهة المستمرة الطويلة مع الفلسطينيين. لقد خدع اليهود وزج بهم في فلسطين على أمل أن يكف العرب عن الحرب ويلقوا السلاح، وعلى أمل أن الغرب سوف لا يسمح للعرب بمواجهة طويلة.. ومن هنا فإن اليهود المستقدمين إلى فلسطين ليسوا على استعداد أن يضحوا بوجودهم من أجل تحقيق أهداف مؤسسي الصهيونية! والتقارير تؤكد هبوط السياحة اليهودية في أرض فلسطين بشدة، بل بدء الهجرة العكسية منها!