الدور المفقود للإعلام العربي والإسلامي في دعم الانتفاضة الفلسطينية
2008-09-23
في البدء انطلقت الانتفاضة الفلسطينية ـ يوم 28/9/2000م ـ وهي محملة بأوزار الحكام وصمتهم وخذلانهم، وفي الوقت ذاته بآفاق رحبة من الانتصار بفضل العامل الاستشهادي على كافة الصعد.
الانتفاضة وقد أحاطت بها جملة من المعوقات التي تحول دون انطلاقها الأوسع والأعمق، ومن المفيد تأمل هذه المعوقات إذا كنا نريد أن نساندها بقوة لكي تصل في عامها الثالث إلى كسر حقيقي لبنية العدو الصهيوني فعلياً في تحرير فلسطين!!
ولعل تراجع الإعلام العربي بكافة وسائله عن الدور المأمول في دعم الانتفاضة يمثل أرز هذه المعوقات ونقاط العضف وذلك لأن الإعلام في الأيام الأولى للإنتفاضة كان هو فارس الجولة بلا منازع، وكان لتغطيته المباشرة لأحداث الانتفاضة، وتعليقاته المنحازة للحق العربي، ولخطابه الخالي من التوجيه الرسمي العقيم، خطابه المتصل بنبض الشارع مباشرةً، كان لهذا جميعه التأثير المباشر والقوي على حركة الانتفاضة وحركة الشارع العربي المؤازر لها. ترى ما الذي حدث؟، ولماذا تراجع دور الإعلام في الشهور الأخيرة؟ ولماذا غلب عليه البرود والسطحية في المعالجة والتغطية الإعلامية لأحداث الانتفاضة؟! وما هي التوصيات المقترحة لتطوير آفاق العمل الإعلامي العربي تجاه الانتفاضة خلال عامها الثاني؟
تساؤلات نحاول الإجابة عليها من خلال المحاور التالية:
أولاً: واقع الانتفاضة المحاصر.
ثانياً: الإعلام ودوره المفقود: أسباب وشهادات.
ثالثاً: قضايا فجرتها الانتفاضة ومطلوب إعلامياً تغطيتها بقوة.
رابعاً: مقترحات محددة لتطوير دور الإعلام في دعم الانتفاضة.
وبتفصيل المحاور السابقة يتبين ما يلي:
أولاً: واقع الانتفاضة المحاصر:
مما لاشك فيه أن الانتفاضة الفلسطينية المباركة، وهي تدخل عامها الثالث منتصرة من خلال طابور الشهداء الكبار، وعملياتهم النوعية المتميزة التي تقودها حركات "الجهاد الإسلامي" و "حماس" و "فتح"، تعاني رغم ذلك من الحصار والمعوقات، حصار عربي وعالمي، ومعوقات داخلية وخارجية، وهي في مجملها تؤثر وتتأثر بالإعلام الذي يغطي أحداث الانتفاضة ويتفاعل معها يومياً، ترى ما هي ملامح واقع الانتفاضة الآن وما هي ملامح حصارها؟
إن المتأمل للمشهد السياسي العام يخرج بالآتي:
1- فلسطينياً: قيادة رسمية متعبة، منهكة، يؤلمها استمرار النضال، لأنها نسيته، أو لأنها لا تحب أن تتذكره إلا إذا كان بهدف زيادة أوراق الضغط على مائدة التفاوض المفروشة منذ مدريد 1991حتى اليوم 2002، وشعب يعاني اقتصادياً وسياسياً، خسر ما لا يقل عن عشرة مليارات دولار في الشهور الثماني الماضية "فقط" وتعطلت قوته العاملة عن الإنتاج، والعمل وعن إعاشة أسرهم، وسط جحود رسمي عربي عام، وبخل حكومي نفطي منقطع النظير يخشى أن يمد يد العون، حتى لا تسقط أمواله في قاع الفساد وهي كلمة حق يراد بها باطل؛ لأن بدائل السلطة من شعب وتنظيمات عديدة لمن شاء أن يمد بصدق يد العون.
وعلى مستوى التنظيمات الفلسطينية المجاهدة، فإن الخناق حول رقبتها يشتد، فلا دعم حقيقي من الأنظمة التي تتشدق صباح مساء بالثورية أو بالإسلامية والقومية ولا السلطة الفلسطينية ترحمهم، بل تمارس تجفيفاً طويل المدى لمنابعها النضالية.
2- عربياً: وكما سبق وأشرنا، ثمة جحود وتخل رسمي(بل وشعبي للأسف)، عن الانتفاضة وثمة قلق رسمي منها، ورغبة دفينة في التخلص من تداعياتها وآثارها المستقبلية، والمتأمل لمواقف وسياسات الأنظمة العربية وبخاصة التي ترطن بالثورية منها، لا يحتاج إلى جهد كبير في الوصول إلى هذه النتيجة، نتيجة أن إجهاض ومحاصرة الانتفاضة مسألة ملحة بالنسبة إليهم بعد أن عرتهم كأنظمة عاجزة، ترى الـ أف 16 تضرب المدنيين العزل من شعبنا الفلسطيني، ولا تفعل شيئاً سوى مصمصة الشفاه، والمطالبة بضبط النفس ثم بعد أن قامت الانتفاضة بكشف هشاشتهم أمام إسرائيل والولايات المتحدة، وكشفت بالمقابل استبدادهم المبالغ فيه تجاه شعوبهم، فهذه الجيوش والطائرات ومخازن الأسلحة وجامعة الدول العربية بأمينها العام القديم والجديد، ليسوا سوى أكذوبة كبيرة، تنتمي إلى واقع مرير، لا يتسيد إلا فقط تجاه الشعوب المستضعفة.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإننا نلاحظ أن في بلد مثل مصر في الوقت الذي يتم فيه محاصرة المظاهرات وحركات التضامن الشعبي مع الانتفاضة ومنع قوافل الدعم للانتفاضة من أن تصل إلى رفح الفلسطينية، ومحاصرتها في العريش عبر الحدود (ولقد شارك كاتب هذه السطور بنفسه فيها -جميعها تقريباً- ومن ثم فشهادته تنطق من معايشة حقيقية) في هذا الوقت، تنشر إحدى الصحف المصرية أن الحكومة المصرية، قد زفت 3 آلاف جندي و 75 ضابطاً و35 مصفحة لحماية سفير دولة العدو الصهيوني بضاحية المعادي جنوب القاهرة... ولنقرأ الخبر وملابساته لنعرف حجم المهانة، والتخلي -عربياً- عن الانتفاضة، وهو ليس تخلياً، فحسب بل وتوفير الحماية للمعتدي في بلادنا العربية.
فإذا كان هذا يحدث في مصر التي سبق ووصفها العالم الجغرافي الراحل د. جمال حمدان بأنها (الجهاز العصبي للأمة العربية)، فما بال باقي الجسد العربي الذي ضرب جهازه العصبي وانقلبت أولوياته وباتت حماية العدو في أرضه تستلزم كل هذه القوات، وبدلاً من طرد هذا السفير ورجاله وإغلاق سفارتهم نشاهد حماية واسعة له!
والأمر ينسحب بأشد من ذلك على باقي أطراف الجسد العربي، من قطر حتى موريتانيا ومن المغرب حتى عمان، تخلٍ رسمي، وتراجع شعبي عن الدعم والمساندة الجادة على نقيض الأيام الأولى للانتفاضة فضلاً عن علاقات دافئة وحميمة مع العدو وسفرائه ومصالحه.
3- دولياً: ثمة انشغال غربي وأمريكي - بالأساس- بالمصالح الغربية وهمومها الداخلية، واطمئنان كامل بأنه طالما أن إمدادات النفط لم تتأثر، وصفقات السلاح (الخردة) مع دول لا تحارب لم تتوقف، والاستثمارات والودائع في بنوكها (800 مليار دولار) لم تتراجع، وطالما أن إسرائيل لم تصل بعد في صراعها مع الانتفاضة، والحركات الأصولية إلى حد المأزق الذي تم مع حزب الله في الجنوب، فإنه لا داعي للقلق، ومن ثم التحرك الجدي تجاه الشرق الأوسط بمستنقعاته السياسية وليستمر ذبح الفلسطينيين وحصارهم، وأيضاً ليستمر عنفهم طالما هو محاصر ومنضبط إسرائيلياً وفلسطينياً بل وعربياً.
إذن، فلسطينياً و"إسرائيلياً" وعربياً، ودولياً، المشهد السياسي العام ومع قدوم المخابرات الأميركية مجدداً إلى شواطئ غزة وحواريها الحزينة، لا يدعو إلى التفاؤل، ولكنه يدعو إلى القلق خوفاً على انتفاضة عظيمة القيمة والعطاء، يراد ذبحها!!
إلا أننا مع ذلك، وبقراءة هادئة وموضوعية، نرى أن "أفق الانتفاضة" لا يزال بخير، ما بقيت ثلاثة متغيرات أساسية قائمة ومتوافرة.
الأول: غطرسة شارون وعدوانيته وتحالفه الشيطاني الكبير مع مثلث "الجيش -رجال الدين- اليمين" فهذه الغطرسة والنازية الجديدة، كفيلة وحدها بتأجيج الصراع وإعادته مجدداً إلى مربعه الصحيح، وكفيلة وحدها بابتلاع كافة مشاريع المخابرات الأميريكية واتفاقاتها، وحيل سماسرتها العرب العجم.
الثاني: هو استمرار ظاهرة الاستشهاديين من عينة "محمود مرمش" و "نبيل العرعير" و "سعيد الحوتري" و "عز الدين المصري"، و"محمد محمود بكر نصر"، و"وفاء إدريس"، و "آيات الأخرس"، و "عندليب خليل"، و"فارس عودة" وغيرهم، والتي بإمكانها أن تدفن مع جثث الإسرائيليين، خيار التسوية وأعشابه الضارة من رجال وسياسات وإذلال، وهذا المتغير سوف يربك كافة الحسابات التي تجري في المعامل الدبلوماسية وعلى مائدة التفاوض، وبخاصة مع عدو، يترأسه الآن عنصري نازي مثل شارون، يؤلمه جداً هذا الإذلال الذي يفرضه الاستشهادي عليه، فيرد، وحين يرد ترتبك كافة الحسابات، ولا تجدي زيارات (تينت) أو (بيرنز) أو (كولن باول) أو غيرهم.
الثالث: فهو اشتعال الجنوب اللبناني مجدداً، وهذا ما نتوقعه، ومع عزيمة وإصرار مثل تلك الموجودة لدى رجال حزب الله ومع إعادة انتخاب السيد حسن نصر الله أميناً عاماً للحزب للمرة الثالثة، وأيضاً مع غطرسة شارون وإحساسه بالمأزق الذي وقع فيه أمام شوكة الانتفاضة، ورغبته في نقل المعركة إلى خارج أرضه لكي يقلل الضغط على خاصرته الإستراتيجية، فإن اشتعال الجنوب وارد، وهو حين يشتعل، هذه الأيام فإن لون، ومسار نيرانه لا حدود لها، ولا يمكن التنبؤ بآفاقها وبمخاطرها على الكيان الصهيوني خاصة مع استعدادٍ ورغبةٍ كامنة لدى حزب الله في استعجال فتح هذه الجبهة الهادئة منذ عام!! ولتقديم مساندة حقيقية لفلسطين طال شوقه إلى تقديمها.
ماذا يعني هذا جميعه؟
إنه يعني أن أفق الانتفاضة، رغم ضباب التسوية، وسواد المؤامرات، وصمت الشارع العربي والإسلامي واجتياح مدن الضفة جميعها وتدمير مخيم جنين واحتمال اقتحام غزة، رغم ذلك لا يزال بخير، ولا يزال قادراً على الانفتاح، والتألق والعطاء، فقط قليلاً من الدعم، قليلاً من المساندة، قليلاً من الحياء للحكام تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين!!
ثانياً: الإعلام ودوره المفقود: أسباب وشهادات:
في تقديرنا إن تراجع دور الإعلام العربي بوسائله المختلفة (المقروءة والمسموعة والمرئية) في مجال دعم الانتفاضة خاصة إذا ما قورن بالأيام الأولى ولاندلاعها وكيف كانت الفضائيات والصحف والإذاعات العربية، شعلة من النشاط والحركة، في تقديرنا إن ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى الأنظمة العربية الحاكمة، فهي التي ضغطت على هذا الإعلام وحجمته، وفرضت عليه قيوداً في مجال تغطية الانتفاضة أو مساعدتها إعلامياً؛ وذلك لأن هذه الانتفاضة، كشفت الأنظمة وعرت ضعفها وعمالتها للولايات المتحدة، وأنها لا تقل صهينة عن الكيان الصهيوني ذاته، وإلا لماذا منعت الدعم الشعبي الحقيقي للانتفاضة ولماذا قمعت التظاهرات الحاشدة الداعمة للانتفاضة، ولماذا تركت أسلحتها حتى صدأت في مخازنها ولم تحاول -مجرد محاولة- لدعم الانتفاضة بها أو بجزء؟!
إن الأنظمة في مجملها كارهة للانتفاضة؛ لأنها وضعتها في وضع محرج أمام تاريخها وشعوبها، ومن ثم كان ضغطها على وسائل الإعلام التي في مجملها مملوك -أو تابع- لهذه الأنظمة، كي تكون باردة ومحايدة - فيما لا يصح فيه الحياد- تجاه أحداث الانتفاضة، ومن هنا، جاء تراجع وسائل الإعلام العربية على اختلافها في مجال دعم الانتفاضة واضحاً ومهيناً في آن.
يضاف إلى ذلك أن بعض وسائل الإعلام في ذاتها تعاني نقصاً واضحاً في إدراك قيمة الانتفاضة تاريخياً في نطاق قصة الصراع العربي الصهيوني بإجمال، وتعاملت معها باستخفاف لا يعبر عن وعي تاريخي بقيمة الحدث، أو حتى فهم مهني صحيح لدور الإعلام في تغطية الأحداث التاريخية.
وفي هذا النطاق، تأتي شهادة بعض الإعلاميين المصريين المنشورة في صحيفة "الأسبوع" المصرية - يوم 6/8/2001م، والتي تكشف مظاهر وأسباب تراجع دور الإعلام في دعم الانتفاضة تأتي لتؤكد على ما قلناه آنفاً، ففي رأي الإعلامي والإذاعي المصري المعروف أحمد سعيد: "من واقع قراءتي للسياسات الأميركية في الشرق الأوسط -حتى بالنسبة للأطماع الإسرائيلية وتواطؤ واشنطن وغيرها معها وأبرزها العدوان الثلاثي على مصر- إن الرأي الذي يجب أن يقال هو: إنه طالما أن الدول العربية بدءاً من الحكام في مثل هذه الحالة من القبول بالهوان الذي يتجسد في فضائح رد الفعل العربي الحكومي فإن العرب - وخاصة الحكام - يحملون - وقبل شارون وكل مجرمي إسرائيل- مسؤولية ما يحدث لعرب فلسطين وللعرب عامة اليوم وغداً، وكفانا دفن رؤوسنا في رمال السلام".
وعن رأيه في التغطية الإعلامية لأحداث الانتفاضة يقول أحمد سعيد: "الإعلام العربي بتوجهه للغرب غير الإعلام العربي بتوجهه للعالم بمختلف مصالحه ولغاته. وهو لا يخرج في جميع الأحوال عن تأدية الواجب وحفظ ماء وجه الأجهزة الإعلامية دون أية فعالية، فالشأن الفلسطيني اليوم بكل دمويته ونذره المستقبلية يقدمه الإعلام العربي بأسلوب من يستهدف سد خانة، وأقصى ما يمكن أن نصف به تأثير الإعلام العربي أنه يثير الأسف وليس الأسى عند القراء والمستمعين والمشاهدين، وشبهة التعمد واضحة من أسلوب العرض البارد والذي يبدو في بعض الحالات، وكأنه عرض لصدام بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، أما أن تؤدي تغطية الانتفاضة إلى حشد حركة جماهيرية ضاغطة على الحكومات العربية ومثيرة للقلق الأمريكي، فهذا شيء مفتقد تماماً في التغطية الإعلامية عربياً وإعلامياً بدليل حالة الموات التي يعيشها الشارع العربي".
ويقول الإذاعي المصري المعروف أحمد فراج: "إن أية صورة عرفها التاريخ عن بربرية العدوان على الشعوب وانحطاط النفسية المدمرة الحاقدة على البشرية تتضاءل أمام الممارسات اليومية للعصابات الصهيونية ولا أقول إن هؤلاء من طينة البشر العاديين، ربما من حيث انحدارها من الأصل الحيواني في صورته المتدنية كما تتمثل في القردة والخنازير".
وينتقد أحمد فراج التغطية الإعلامية لأحداث الانتفاضة ويقول: "التغطية متواضعة وأحياناً تحدث على استحياء خشية أن يتهم الإعلام العربي بأنه ضالع بالصمت على وحشية العدوان الإسرائيلي، وأتمنى أن نحسن التوجه بمفردات الخطاب الإعلامي إلى الغرب، والرأي العام العالمي خيراً من توجهه لأنفسنا، ويضيف فراج: "هنا الكثير من الدول تشتري صفحات إعلانية عن منجزاتها للدعوة إليها في الغرب دونما فائدة تبرر حجم الإنفاق عليها!! فلماذا لا تقدم كل دولة أو جهاز إعلامي عربي بطاقة هدية للقضية الفلسطينية من خلال نشر جانب من جوانبها يفضح التآمر، ويصحح صورة القضية التي شوهتها أبواق الدعاية الصهيونية بالمشاركة مع الإعلام الغربي الخاضع لسطوته على أن يتم التنسيق بين هذه الأجهزة؛ بحيث تقدم في النهاية صورة متكاملة عن القضية شريطة أن تكون باللغات المختلفة الأكثر انتشاراً وأخيراً يمكن إرسال رسائل إلى المحررين في المجلات الكبرى في العالم".
ويقول د. فاروق أبو زيد العميد الأسبق لكلية الإعلام في القاهرة: "الأداء الإعلامي المصري و(العربي) تجاه القضية الفلسطينية يمكن أن تسجل عليه ملاحظتان:
أولاً: هناك تغطية مكثفة لما يجري في الأراضي الفلسطينية وفضح للممارسات الإسرائيلية رغم اتفاقية السلام مع مصر وهذه نقطة تحسب للإعلام المصري.
ثانياً: الإعلام المصري (والعربي) لم يقم بواجبه كاملاً في تعبئة الرأي العام المصري في تقديم الدعم والمساندة الكاملة للشعب الفلسطيني، حيث لم يقم بتشجيع القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية لتقديم الدعم المالي اللازم لدعم صمود الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة".
ويضيف د. أبو زيد قائلاً: "ينبغي على الإعلام المصري القيام بدور أكثر فاعلية ويتمثل ذلك في المتابعة الدائمة بالخبر، والتعليق، والتحليل، والتفسير لكل الأحداث، وتعبئة الرأي العام العربي لكي يقدم كل ما يمكن تقديمه من دعم ومساعدة للشعب الفلسطيني".
ويرى جمال الشاعر رئيس قناة النيل للثقافة: "إن ما يحدث للفلسطينيين الآن هو نازية جديدة، وهولوكوست جديدة، والفرق بين الحالتين أن الضمير العالمي تحرك في الأولى، وخضعت المؤسسات الدولية وكبريات الدول إلى الابتزاز الإسرائيلي، ولم تنج أية مؤسسة، حتى الفاتيكان تم الضغط عليها، ليصرح البابا بأن هناك تقصيراً من الشعوب المسيحية تجاه مساندة اليهود في مذابح النازية. أما الآن، فقد أسمعت لو ناديت حياً، لكن لا حياة لمن تنادي".
ويضيف جمال الشاعر: لقد آن الأوان لنرفع راية الجهاد الثقافي القائم على المنهجية والتخطيط العلمي واختراق الكيانات الإعلامية اليهودية واللوبي الصهيوني في الإعلام الدولي واستغلال الفرصة الذهبية المتمثلة في إمكانية الجهاد الإلكتروني من خلال شبكة الإنترنت والتي يمكننا من خلالها كشف الفضائح الإسرائيلية عبر تاريخها والمذابح المتكررة كما يجب دعم الانتفاضة مادياً وأطالب الزعماء العرب بأن يحاولوا إطفاء غضب الشعوب العربية برد هذه الصفعات لإسرائيل اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. وتكشف في الوقت ذاته أسباب التراجع في دعم هذه الانتفاضة.
وسنشير أيضاً إلى نماذج أخرى للخلل في تغطية الانتفاضة وأحداثها، وبخاصة حدث العمليات الاستشهادية فماذا عنه؟
صهينة إعلامية عربية: حين نسمي الأستشهاد انتحاراً؟!
إذا كان الشيء بالشيء يذكر، فيهمنا هنا أن نشير إلى قية هامة في مجال تغطية بعض وسائل الإعلام العربية للعمليات الجهادية التي يقوم بها رجال الانتفاضة، وبخاصة الاستشهادية منها، وإصرار هذه الوسائل - رغم انتقادنا وانتقاد الكثير من الإعلاميين العرب لها- على موقفها الخاطئ تجاه هذه العمليات عموماً والعمليات الإستشهادية على وجه الخصوص.
وعلى سبيل المثال بعد العملية الاستشهادية التي نفذها الشهيد (سعيد الحوتري) في تل أبيب يوم 2/6/20011، وأودت بـ 21 إسرائيلياً قتيلاً و120 جريحاً، وبعد عملية القدس التي نفذها (عز الدين المصري يوم 9/8/2001م والتي أودت بـ 18 إسرائيلياً قتيلاً وقرابة المائة جريح، ثم عملية (محمد محمود بكر نصر) التي أودت بحوالي 50 قتيل وجريح والتي نفذتها حركة الجهاد الإسلامي عبر شهيدها البطل وسط إجراءات أمنية عالية اخترقتها بقوة واثقة، لقد لاحظنا بعد هذه العمليات (وبعد كل عملية شبيهة) أن بعض الصحافة وأجهزة الإعلام المرئي والمسموع (للأسف أكرر العربية)، ظلت تصفها بالعملية الانتحارية، "التي نفذها الانتحاري"، وكانت صحيفة يومية عربية شهيرة تصدر في لندن تمولها وتغدق عليها مالياً إحدى دول الخليج الكبرى، هي الأكثر وضوحاً في هذا المجال، وطبعاً لا تسأل عن طبيعة (الشريعة الإسلامية) التي تطبقها هذه الدولة فهذا أمر آخر، فالذي يحرر الصحيفة ويختار عناوينها هم مجموعة من المعادين بالسليقة لكل ما هو عربي وإسلامي وهم منذ زمن، يتعمدون قصداً أن يسُّموا الاستشهاد انتحاراً، وأن يسموا الدفاع عن النفس (عنفاً مسلحاً)، وأن يستكتبوا كتاباً عفى عليهم الزمن، لهم نفس ليكودي صريح، لا يخفونه أبداً ولعلكم تتذكرون هجومهم على حزب الله وعملياته في الجنوب قبل التحرير ثم خرسهم بعد أن تحرر الجنوب!!
هذه الصحيفة وغيرها وحتى هذه اللحظة، ومنذ سنوات طوال وهي بكل صراحة تصف العمليات الاستشهادية في فلسطين بالعمليات الانتحارية، فهل هذا معقول؟! هل وصل الحول الفكري والديني والأخلاقي لدى القائمين على هذه الصحف إلى هذا الدرك الأسفل من التعبير والتحليل السياسي؟ وبماذا نسمي هذا الإصرار العجيب لصحيفة الدولة التي تطبق (الشريعة الإسلامية)، على وصف الاستشهاد بالانتحار؟! ألا يجعلنا هذا الإصرار نتشكك في نوايا وأهداف القائمين عليها وأنهم في وصفهم ذلك لا يختلفون لفظاً، ومعنى عن صحيفتي (هآرتس ومعاريف) الإسرائيلتين اللتين وصفتا العملية تقريباً بنفس الألفاظ؟! وهل هذه هي اللوازم الأساسية للعولمة والأمركة حتى في القيم والمفاهيم والدين؟!
ألا يوجد رجل عاقل رشيد في هذه الصحيفة -وفي غيرها- يهمس في أذن رئيس تحريرها طالباً منه أن يفهم أن ثمة فوارق بين الانتحار (الذي هو فعل يائس، كافر لا قيم ولا ضمير ولا دين خلفه) وبين الاستشهاد الذي يعني اختباراً دينياً نابعاً من قلب مؤمن (سواء كان مسيحياً أم مسلماً) يريد به صاحبه الدفاع عن مقدسات ومصالح وهوية هذه الأمة!!
ألا يوجد رجل رشيد، يقرأ في الدولة التي تمول هذه الصحيفة وغيرها أو من بين محرريها المحترمين ليقول للقائمين على تحريرها: احترموا القارئ العربي والمسلم، وسموا الأشياء بأسمائها الحقيقية ولا داعي لهذه الصهينة المبكرة في الألفاظ والأهداف!!
والأمر ذاته ينسحب على بعض الفضائيات العربية... فهذا الإصرار العجيب والقبيح على إطلاق المسميات الصهيونية الجاهزة على العمليات الاستشهادية وعلى غيرها من السياسات والمواقف العربية والإسلامية، بات أمراً ينبغي لكل صاحب قلم حر ألا يقف صامتاً تجاهه، وآن لهؤلاء المتصهينين الجدد أن يُفضَحوا، وأن يوقَفوا عند حدودهم.
ثالثاً: قضايا فجرتها الانتفاضة ومطلوب إعلامياً تغطيتها بقوة:
إن المتأمل لتطورات الأحداث في فلسطين اليوم وبعد التدخل المباشر من (المخابرات الأمريكية) وحلف شمال الأطلنطي، والأمم المتحدة، وبعض السماسرة العرب، لإيقاف الانتفاضة تحت مسمى مضلل اسمه (إيقاف العنف)، يلحظ أن الكيان الصهيوني، يزداد عنتاً وشراسة كلما ازداد الحديث عن السلام والتسوية، ويتمثل هذا العنف في زيادة وتيرة التسلح بكافة أشكاله، لتصبح (إسرائيل) وفقاً للمقولة المأثورة لأكبر فلاسفة هذا الكيان، الفيلسوف الراحل ياشايا عوليبوفيتش (الذي رحل عن 19 عاماً عاصر فيها قيام دولتهم ونموها العسكري السرطاني)، والذي قال :"ان دولة إسرائيل أضحت بفضل التسلح والعنف البنيوي بداخلها، ليس مجرد دولة تمتلك جيشاً بل جيش يمتلك دولة".
نعم، نحن أمام جيش يمتلك دولة أو بمعنى أدق أمام (جيتو حربى) كما قال الكاتب الإسرائيلي المعروف (إسرائيل شاحاك) والذي أضاف أن إسرائيل تحولت إلى ( أسبرطة يهودية يساندها الحكام العرب كخدم وعمال). إننا بعبارة موجزة أمام (ثكنة عسكرية)، بكل ما تعانيه الكلمات من معان.
إن الانتفاضة الفلسطينية، كشفت بوضوح، وبعد استخدام شارون (وكلهم بالمناسبة في مواجهة العرب والانتفاضة) للـ (إف - 61)، الأبعاد العنصرية والعسكرية المتطورة للكيان الصهيوني، وبالمقابل ورغم هذا التفوق العسكري والمستمر، فإن (الانتفاضة) إستطاعت أن تربكه وأن تشل فاعليته، وأن (يتألم) كما يتألم أهل الانتفاضة.
إن هذا الواقع يجعلنا، ومع دخول الانتفاضة عامها الثالث نتوقف أمام ثلاث قضايا أكدتها الانتفاضة، وعرت تفاصيلها التي يراد إغفالها وهي قضايا تستلزم تعاملاً إعلامياً جديداً معها في العام الثاني للانتفاضة.
القضية الأولى: تتصل بالوجه العنصري الفاشي لهذا الكيان.
القضية الثانية: الألم الذي حاق بالثكنة العسكرية المسماة (إسرائيل) بسبب الانتفاضة.
القضية الثالثة: حقيقة التسليح الإسرائيلي وتناميه، وصمت (السلاح العربي) في مواجهته رغم أنه يتطور، وينمو، ويستهلك من الأسواق الغربية ولكنه يخزن بلا فاعلية في كافة البلاد العربية، وبخاصة تلك المحيطة بالكيان الصهيوني.
إن هذه الوجوه (القضايا) الثلاثة مترابطة، وهي في ترابطها تؤكد أهمية الانتفاضة وجدواها، ومن ثم، خطرها على تلك الأنظمة العربية المتحالفة مع الغرب (الولايات المتحدة تحديداً) والتي تستهدف وأد الانتفاضة تماماً تحت عنوان مضلل اسمه حقن دماء الفلسطينيين !!.
ترى ماذا عن هذه القضايا ودلالتها والتي نرى أهمية التعامل إعلامياً معها تغطية ودعماً ؟!
1 - القضية الأولى: عنصرية الكيان الصهيوني: كشفت الانتفاضة بجرأتها وحركيتها الشعبية، وتضحياتها (حوالي 750 شهيداً و30 ألف جريح) الوجه العنصري/النازي للكيان الصهيوني، حيث لم يتورع عن قتل الأطفال (يزيد عدد الشهداء منهم على 150 طفل) والنساء والشيوخ بدعوى مشاركتهم في أعمال العنف، وهو تعبير -كما قلنا- مضلل يعنى مشاركتهم في الانتفاضة، والاحتجاج على أعمال النازية الصهيونية تجاههم.
ويكفى أن نستشهد في هذا المجال بكلمات معبرة قيلت ولازالت تقال أثناء الانتفاضة الراهنة، لقادة إسرائيل وهي تعكس هذه العنصرية التي عرتها الانتفاضة وكشفتها بجلاء.
شارون قال تعليقاً على عمل لجنة ميتشل: "لا يحق لأي كائن في العالم أن يقدم إسرائيل إلى المحاكمة. ليس هناك أحد له حق أن يحيل الشعب اليهودي على محاكمة أمام شعوب العالم بل العكس هو الصحيح لنا وحدنا ودائماً حق محاكمة الآخرين. أليست هذه عنصرية مقيتة تعلي من شأن اليهود دون جميع خلق الله"، وها هو الحاخام عوفيديا يوسف الزعيم الروحي لحزب شاس الذي وصف العرب مرة بالقردة ومرة بالأفاعي، ودعا إلى إبادتهم بالصواريخ. وقال: "يجب ألا نترحم عليهم يجب أن نطلق الصواريخ وندمرهم هؤلاء الأشرار الملعونين". وهو دعا الله إلى القضاء على نسل العرب ونفيهم في العالم، وهذا الحاخام يترأس ثالث حزب في الكيان الصهيوني، ومشهور عنه وقاحته وعنصريته البالغة. أما وزير البنية التحتية أفيجدور ليبرمان، فقد طالب بنسف السد العالي أي قتل ملايين البشر في وادي النيل، وضرب طهران بالصواريخ، أي قتل ملايين آخرين، أما وزير السياحة المقتول رحبعام زئيفي الذي كان يترأس حزباً سياسته الوحيدة تسفير الفلسطينيين من بلادهم، فقد دعا يوماً إلى أن يرتدي الفلسطينيون في إسرائيل إشارة صفراء تدل عليهم، وهو مماثل تماماً لما فعل النازيون تجاه اليهود في ألمانيا وغيرها، أما الجنرال المتقاعد رافائيل ايتان فقد قال: "إن العرب صراصير يجب سحقهم بالجزمة". كل هذا تم بسبب الانتفاضة الباسلة التي أجبرتهم على أن يقولوا ما يعتقدونه منذ زمن وأن يكشفوا عن وجههم العنصري- النازي الذي يتخفى خلف غلالات زائفة من السلام ودعوات التسوية.
2 - القضية الثانية: والتي كشفتها الانتفاضة وأكدتها وتحتاج إلى تغطية إعلامية جديدة مع العام الثالث للانتفاضة هي قضية أن العدو الصهيوني يعاني وبمرارة بسبب هذه الانتفاضة الباسلة، وما التحركات المخابراتية الأمريكية والغربية وكوفي عنان، والسماسرة العرب، ومن لف لفهم، إلا لإنقاذ هذا الكيان من مأزق الانتفاضة الذي يؤلم، وألم الانتفاضة متعدد الجوانب، فهو ألم سياسي واقتصادي وثقافي، وبشرى، ولعل العمليات الإستشهادية بفاعليتها وقدرتها على خلق "توازن رعب" بديلاً عن الخلل في توازن القوى، إلا نموذجاً فذاً للإيلام الفلسطيني تجاه الكيان العنصري الصهيوني، والقتلى من الإسرائيليين يقتربون بعد 10أشهر من الـ 2000، وهم بحساب النسبة والتناسب مع عدد العرب والمسلمين والفلسطينيين يصبحون ذوى قيمة كبيرة قياساً بشهدائنا الـ 500 في فلسطين ؛ والألم على المستوى السياسي والاقتصادي شديد وقاس، فالكيان الصهيوني خسر ما يقرب من 7مليارات دولار في الفترة الماضية، وتوقفت المصانع والمزارع التي تعتمد على عمالة عربية، و60% من المشاريع السياحية توقفت عن العمل وفقاً للصحف الإسرائيلية، وفى هذا السياق يمكن إيراد بعض أرقام الهبوط في إنتاج صناعات معينة يعزوها المسؤولون إلى انخفاض الاستهلاك في المناطق المحتلة فشركة "عليت" للحلويات والقهوة وهي أكبر شركات المنتجات الغذائية في إسرائيل أشارت إلى انخفاض مقداره 30% من إنتاجها وإلى مخاوف من استمرار الأوضاع التي تؤدى إلى هذا الانخفاض، ومصانع غذائية أخرى مثل "تلما" و"أوسم" تحدثت عن انخفاض لم تذكر مقداره ومصانع البلاستيك، والنسيج شكت من صعوبات مماثلة ووصل الأمر بأحدها إلى إغلاق مصانع مصنع "أوال إسرائيل" في "بتاح تكفا" قرب تل أبيب. أما الفروع الأخرى مثل الأثاث والكيماويات والمنتجات الكهربائية وباقى فروع المواد غير الأساسية فلا يخفى أن سوق المناطق المحتلة توقف عن استهلاك منتجاتها تماماً، إذ أعلن تجار المواد الكهربائية عن تباطؤ شديد في المبيعات يتجاوز الـ 60% وعزا بعضهم ذلك إلى توقف السكان في المناطق المحتلة عن شراء الأدوات الكهربائية المستعملة من العائلات اليهودية، وامتناع تلك العائلات بالتالي عن شراء الأدوات الجديدة.
ونشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن إتجاهاً تباطوئياً عاماً يظهر على النشاط التجاري بشكل عام وإن رؤساء الغرف التجارية الإسرائيلية أوصوا أصحاب الأعمال أن يدرسوا جيداً كل التزام في مجال أعمالهم ينطوي على نفقات غير عادية. وبالنسبة إلى الضرائب والأموال العائدة قال المحللون: إنهم يقدرون مبلغ خسارة خزينة الدولة بسبب توقف العائدات من الضرائب على مرتبات عمال المناطق المحتلة العاملين في إسرائيل فقط بمائتي مليون شيكل ومن الضرائب المباشرة الأخرى بأربعمائة مليون شيكل بينما قدر الخسائر بسبب توقف الأعمال العائدة من ضريبة القيمة المضافة عن البضائع الإسرائيلية بـ 45 مليون شيكل، وعلى ذلك تصل الخسارة في هذا المحور إلى حوالي645 مليون شيكل أي أكثر من 321 مليون دولار.
أما في أوساط اتحاد أصحاب الشركات السياحية واتحاد أصحاب الفنادق فقد أعلنوا لراديو إسرائيل أنهم أصبحوا متأكدين من أن عام 2001 السنة الرابعة والخمسين لإعلان إسرائيل لن تكون سنة تصل فيها السياحة إلى القمة كما توقعوا، خصوصاً بعد تكرار العمليات الفدائية التي قام بها كثير من الفلسطينيين في الآونة الأخيرة، وأشارت هذه الأوساط إلى إلغاء حجوزات تصل إلى 25% في ألمانيا أحد المصادر الكبرى للسياحة إلى إسرائيل، وأبدت تخوفها من أن تصل إلغاء الحجوزات إلى نسبة 35% لذلك بدأ اتحاد رجال السياحة بالاشتراك مع وزارة السياحة بالتخطيط لحملات إعلامية سياحية.
من ناحية أخرى تصاعدت ظاهرة الشيكات بدون رصيد من 47 ألفاً يومياً قبل الانتفاضة إلى 62 ألفاً يومياً الآن؛ وذلك بسبب امتناع تجار المناطق المحتلة عن تغطية تعهداتهم المصرفية ويقدر مبلغ الالتزامات غير المدفوعة من تجار المناطق بـ 600-700 مليون شيكل.
ويحاول اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية إقناع السلطات العسكرية والمدنية في المناطق بتقديم المساعدة لجباية هذه المبالغ بالقوة، خاصة أن الكثير من الشركات تتضرر من ذلك بعضها بشكل لا يمكن إصلاحه على حد تعبير الاتحاد كما أن المصارف أخذت تمتنع عن منح الاعتمادات المستندة إلى ضمانات موقعة من سكان المناطق المحتلة، ويذكر أن مصارف إسرائيلية مثل ديسكونت والعمال قامت بإغلاق فروعها رسمياً وعملياً في بعض المناطق المحتلة، كما يشير المحللون الاقتصاديون إلى أن المصارف الأوروبية أخذت تمتنع بدورها عن منح الاعتمادات للمؤسسات الإسرائيلية خاصة المصارف.
أما تكلفة ما يسميه الإسرائيليون بـ عمليات القمع واحتواء مظاهر العصيان (أي الانتفاضة)، فالمؤشر الوحيد المتوافر لدينا هو ما أعلنته وزارة المالية عن اعتزامها تخصيص مبلغ 600 مليون شيكل للشرطة لتغطية نفقات العمليات في منطقة القدس وحدها، والمعروف أن الشرطة خصصت حتى الآن أكثر من 5 آلاف شرطي للتعامل مع مظاهرات الانتفاضة وللتعامل مع الأحداث في الضفة والقطاع ما مجموعه 30 ألف جندي يمكثون فيها بشكل دائم منذ اندلاع الانتفاضة يوم 29/9/2000، على ذلك فهناك من يقدر النفقات العامة بما في ذلك السلاح المستهلك مثل القنابل والرصاص المطاطي، والذخيرة الحية والطلعات الجوية، وكذلك الإقامة والوقود وأيام العمل التي يخسرها جنود الاحتياط بمبالغ تتراوح بين 250-300 مليون دولار منذ بدء الانتفاضة، وذلك يعنى أنه يتجاوز المليون دولار يوميا، إلا أن كل ما يرد في هذا المجال ما هو إلا تقديرات شديدة العمومية وهي تجمع في أغلبها على أن الانتفاضة قد سببت خسائر وآلام شديدة (اقتصادية وسياسية وبشرية) لهذا الكيان وفى ذلك دليل هام على أن الانتفاضة لو حظيت بغطاء عربي إسلامي ودعم مادي طويل المدى، لأمكنها أن تنهي هذا الكيان وتقوضه (اقتصادياً وسياسياً) في مدى زمني قصير!!
ثكنة عسكرية
أما القضية الثالثة التي أكدتها الانتفاضة، وسلطت الأضواء عليها وتحتاج إلى تغطية ومساندة إعلامية عربية أقوى مع العام الثالث للانتفاضة، فهي هذه الترسانة العسكرية التي تمتلكها (إسرائيل)، وهي ترسانة خطيرة بكافة الحسابات العسكرية والسياسية، خطيرة في حجمها خطيرة وفي آثارها المستقبلية على المنطقة العربية والإسلامية، تلك المنطقة التي دأب حكامها على تخزين أسلحتهم منذ عقود، في مخازن لتصدأ فوق رؤوسهم، في حين أن الكيان الصهيوني يستحوذ على هذه الأسلحة ويخصص 5.9% من ميزانيته لها، لكي يجربها على المنتفضين، وعلى كل من يفكر في دعمهم، ولعل في استخدام شارون للـ إف 16 وعشرات الأسلحة دليلاً كافياً على أنه يأتي بالسلاح لكي يستخدمه لا لكي يخزنه كما يفعل غيره من العرب.
إن هذا المشهد البائس، يدفعنا إلى تقليب أوراق أحدث التقارير الإستراتيجية الدولية الخاصة بمتابعة شؤون التسلح في الكيان الإسرائيلي لكي نقرأها ونخرج منها بهذه المعلومات الخطيرة، التي تعني أننا أمام ثكنة عسكرية قابلة للانفجار (وقد حدثت بداياته في هذه الانتفاضة) في وجوهنا جميعاً.
إن التقارير التي بين أيدينا تخلص إلى هذه الأرقام والمعلومات العسكرية الهامة:
كما هو معلوم هناك 180 ألف مستوطن يهودي في غزة والضفة الغربية إضافة إلى 217 ألف في القدس الشرقية و150 ألف في الجولان، وإجمالي تعداد القوات المسلحة الصهيونية : 172 ألفا تحت السلاح منهم 107500 مجند نظامي، وهناك تدريب سنوي لجنود الاحتياط حتى بلوغهم سن 41 (بعض المختصين حتى سن 45) قوات الاحتياط عددهم 524 الف.
هناك 400000 قوات برية و50000 قوات بحرية و36000 قوات جوية ويمكن أن يتلو خدمة الاحتياط تقديم خدمات تطوعية في الحرس المدني والدفاع المدنى.
القوات الإستراتيجية : ثمة اعتقاد شائع مفاده أن لإسرائيل قدرة نووية تقدر بحوالي 100 رأس نووي يمكن تحميلها على صواريخ من طراز أريحا-1 أرض أرض مداها 500 كيلو متر وأريحا-2 الذي تم تجريبه عامي 1987 - 89 وبلغ مداه 1500 كيلو متر.
القوات البرية : وعددها 400 ألف (منهم 114700 وهم مجندون من النساء والرجال)، وتقسم القوات إلى قيادات مناطق (شمالية ووسطى وجنوبية) مع قيادة تنسيق مركزية في الداخل. 3 فيالق مؤلفة من 3 فرق يتألف كل منها من لواءي مدرعات ولواء مدفعية، إضافة إلى لواء مدرع ولواء مشاة ميكانيكى محمول جواً، فرقتان تشرفان على قمع الانتفاضة الفلسطينية و3 فر ق مشاة (حرس حدود) و4 ألوية مشاة ميكانيكية وكتيبة صواريخ لانس ارض - ارض و3 كتائب مدفعية مزودة بمدافع ذاتية الحركة من طراز 01M- من عيار 302 ملليمترات.
الاحتياط : 8 فرق مدرعة (3 ألوية ولواء مشاة ميكانيكى لواء مدفعية وفرقة مشاة ميكانيكية محمولة جواً) 3 ألوية من رجال الاحتياط المظليين و10 ألوية مشاة وأربعة ألوية مدفعية.
التسليح : 3900 دبــابة منهــا : 800 دبابة من طـراز سنتوريون، 300 من طراز M-84A5 و300 من طراز M-60A1، و600 من طراز M-60A3، و400 من طراز ماجامش - 7، و200 من طراز (TI/76 T54 & T55).
هذا فضلاً عن عدة آلاف من أنواع متعددة حديثة جداً من مدافع الهاون - قاذفات موجهة ضد الدبابات - مدافع مضادة للطائرات
أما القوات البحرية : تعدادها 50 ألف عنصر وتحتوى على [القواعد في حيفا وأسدود وايلات - زوارق خفر السواحل والدورية - سفينة انزال برمائية].
أما القوات الجوية وعددها 36 ألفا منها 20 ألفاً من المجندين و644 طائرة مقاتلة وربما هناك 250 أخرى في المـخازن إضـافة إلى [طائرات انذار مبكر - طائرات حرب الكترونية - طائرات استـطلاع بحـري - طـائرات ارتبـاط - طائرات الـتدريب - طائرات هيلوكوبتر - مروحيات للنقل أما الصواريخ فتحتوى على صواريخ جو - أرض - صواريخ جو - جو - صواريخ أرض- جو] فضلاً عن قوات في الخارج تتكون من حوإلى عشرة آلاف عنصر موجودة في تركيا وبلاد أخرى [قوات شبه عسكرية - خفر السواحل - قوات اجنبية].
تلك هي قضايا الانتفاضة، في مواجهة الثكنة العسكرية المسماة إسرائيل، وهي قضايا تتطلب تغطية إعلامية جديدة وتكثيفاً إعلامياً أكثر مع العام الثالث الجديد، وتتطلب أيضاً تحركاً شعبياً مستمراً وللأسف لايزال مقيداً وضعيفاً وتحتاج أيضاً إلى يقظة من حكام نيام، ستطالهم حتماً الشظايا السامة التي تطلقها (أسبرطة اليهود)، تلك الثكنة التي لا تقبل علاقة مع هؤلاء الحكام إلا علاقة الخدم بالسيد كما تقول أدبياتهم وسلوكياتهم في آن واحد، فهل يقبلون بذلك؟
رابعاً : مقترحات محددة لتطوير دور الإعلام في دعم الانتفاضة:
بعد تناولنا للجوانب السابقة لقضية الإعلام والانتفاضة نود أن نسجل توصيات محددة (أو مقترحات بمعنى أدق) في مجال الدعم الإعلامي العربي والإسلامي للانتفاضة، وهي تدخل عامها الثالث :
1 - نقترح إنشاء مؤسسة إعلامية عربية إسلامية مستقلة (خاصة بالانتفاضة) ذات مستوى تقني عال في المجالات الثلاثة (المقروءة والمسموعة والمرئية)، وتكون مهمتها بالدرجة الأولى تقديم الدعم الإعلامي الصادق والجاد للانتفاضة بدءاً من (تغطية الحدث) وصولاً إلى المشاركة في صناعته وترويجه عالمياً بما يخدم الحق العربي والإسلامي.
2 - نحتاج إلى إعلام عربي إسلامي مضاد للإعلام الغربي الطاغي والمسيطر عليه النفس الصهيوني، والمال الصهيوني أيضاً، وهذه مهمة تقع على عاتق القوى الحاكمة (المخلصة وليس التابعة أمريكياً) والقوى الأكثر ثراءً وليست في الحكم، ولدى أمتنا منهم الكثير، وبعضهم يريد بالفعل أن يساند الحق العربي والإسلامي في تحرير كل فلسطين، ولكنه يحتاج إلى توجيه الأنظار إلى الطريق الصحيح. والانتفاضة نظنها قد رسمت لمن يريد، أو لم يكن يدرى ؛ الطريق الصحيح تجاه فلسطين، إن هذا الإعلام العربي الذي يخاطب الغرب مطلوب الآن، وبقوة عبر الوسائل الإعلامية المتطورة وبخاصة (الفضائيات).
3 - نقترح أن تتحرك الآليات الإعلامية المتوقفة - وكأنها ميتة - والموجودة تحت مظلة جامعة الدول العربية، التي نتمنى ألا يكون الحديث عن تطويرها كما تابعنا قبل شهور، مجرد حديث إعلامي لا يسمن ولا يغنى من جوع تجاه قضايا الأمة، وفي القلب منها فلسطين، نتمنى أن تتحرك آليات الإعلام العربي والإسلامي في الجامعة بشكل عاجل يتفق وقيمة الانتفاضة، وحجم ضحاياها وهي تدخل عامها الثالث، وكذلك إعلام منظمة المؤتمر الإسلامي.
4 - ندعو إلى عقد مؤتمر عربي وإسلامي موسع من كافة رؤساء الصحف العربية ورؤساء القنوات التليفزيونية والإذاعية، لتقديم خطة سنوية إستراتيجية، لدعم الانتفاضة إعلامياً ولتنقية برامجها وصفحاتها من المعاني والكلمات الصهيونية التي تضعف العزيمة المجاهدة (مثل استبدال كلمة العملية الانتحارية بالعملية الاستشهادية على سبيل المثال).
5 - نقترح تفعيل آليات مقاومة التطبيع الإعلامي الذي يسود في بلادنا العربية والإسلامية وبخاصة تلك التي تقيم علاقات دبلوماسية مع العدو الصهيوني (مثل مصر والأردن)، وتحريم التعامل الإعلامي مع هذا العدو على كافة الأصعدة وبخاصة الصحفية والفضائية منها.
تلك فقط بعض المقترحات والتي لا تغني عن (بناء إستراتيجية عربية إسلامية شاملة) لدعم الانتفاضة يمثل الإعلام أحد أركانها الداعمة وليس كل الأركان الداعمة، والله أعلم.
تعليقات الزوار