الحلقة الرابعة والأخيرة: حقائق عن قضية فلسطين
2011-08-24
ملحق: تصريح بلفور
في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1917 أرسل المستر ارثر بلفور وزير خارجية بريطانيا يومئذ (وقد أصبح فيما بعد اللورد بلفور) ، الرسالة الآتية إلى اللورد روتشيلد، بصفته رئيساً للمنظمة الصهيونية الإنجليزية :
يسرني أن أبعث إليكم بالنيابة عن حكومة جلالة الملك، بالتصريح الذي ينم عن العطف على أماني اليهود الصهيونيين والذي رفع إلى الوزارة ووافقت عليه:
"إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي بفلسطين، وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية مع البيان الجلي بأن لا يفعل شيء يضر الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين الآن، ولا الحقوق أو المركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى" .
المادة الثانية والعشرون من ميثاق عصبة الأمم :
فيما يلي نص المادة الثانية والعشرين من ميثاق عصبة الأمم التي بني عليها صك الانتداب:
"إن بعض الجماعات التي كانت تابعة فيما مضى للإمبراطورية العثمانية بلغت مرتبة من الرقي يمكن معها الاعتراف مؤقتاً بكيانها كأمم مستقلة بشرط أ تمد بالمشورة والمعونة الإدارية من قبل دولة منتدبة إلى أن تصبح قادرة على حكم ذاتها بذاتها، وينبغي أن يكون لرغائب هذه الجماعات الاعتبار الأول في اختيار الدولة المنتدبة . أما الشعوب الأخرى وبخاصة شعوب أفريقيا الوسطى فهي في دور يتحتم معه أن تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن إدارة البلاد في أحوال تضمن حرية الضمير والدين .... إلخ"
الكتاب الأبيض لفلسطين عام 1922 (رقم 1700) :
أصدرت وزارة المستعمرات البريطانية في لندن (وكان وزيرها حينئذ السير ونستون تشرشل). كتاباً أبيض رقم 1700 بتاريخ 22 يونيو (حزيران) 1922 . وقد أورد تشرشل في الكتاب المذكور المراسلات التي جرت بينه وبين وفد عرب فلسطين الذي سافر إلى لندن ليطالب بإنشاء حكم وطني في فلسطين استناداً إلى العهود المقطوعة للعرب وإلى ميثاق عصبة الأمم .
وزعم الكتاب الأبيض أن تلك العهود لا تشمل فلسطين وإن إنشاء الحكم الوطني سيحول دون تنفيذ الوعد الذي وعدته الحكومة البريطانية اليهودية، ورفض الكتاب الأبيض المطالب التي قدمها وفد عرب فلسطين للحكومة البريطانية ، وأكد وجوب استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتنفيذ سياسة الانتداب .
وقد حاول المستر تشرشل أن يفسر الوطن القومي ، ومداه، وأن يخفف من مخاوف العرب منه. فكان مما جاء في الكتاب الأبيض المذكور :
"إن حكومة جلالة الملك تلفت النظر إلى الواقع بأن أحكام تصريح بلفور لا ترمي إلى تحويل فلسطين برمتها إلى وطن قومي لليهود بل إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وتنفيذا لهذه السياسة من الضروري أن تتمكن الطائفة اليهودية في فلسطين من زيادة عدد أفرادها بواسطة المهاجرة، ولا يجوز أن تكون هذه الهجرة كبيرة لدرجة أنها تزيد على مقدرة البلاد الاقتصادية لاستيعاب مهاجرين جدد، ومن الضروري ضمان عدم صيرورة المهاجرين عبئاً على أهالي فلسطين كافة وحرمانهم أية طبقة من الأهالي الحاليين من عملهم " .
ثم قال :
"لو سأل سائل عن معنى تنمية الوطن القومي في فلسطين لأمكن الرد عليه بأنها لا تعني فرض الجنسية اليهودية على أهالي فلسطين إجمالاً ، بل زيادة نمو الطائفة اليهودية بمساعدة اليهود الموجودين في أنحاء العالم حتى تصبح مركزاً يكون فيه للشعب اليهودي برمته اهتمام وفخر من الجهتين الدينية والقومية، ومن رأي الوزير أن التصريح إذا فهم على هذه الصورة لا يتضمن أمراً، ولا ينطوي على شيء يوجب تخوف سكان فلسطين العرب"
ويقول الدكتور وايزمان في مذكراته (صفحة 360) إن السير (هربرت صموئيل) المندوب السامي (اليهودي) البريطاني لفلسطين هو الذي وضع مشروع ذلك الكتاب الأبيض، وإن الحكومة البريطانية عرضته على (اللجنة الصهيونية) قبل إصداره للاطلاع عليه، وإبداء وجهات نظر زعماء اليهود بشأنه، وطلبت الحكومة من اليهود قبول الأسس والمبادئ الواردة في الكتاب الأبيض تمهيداً للحصول على موافقة مجلس العموم البريطاني عليه، وإبرام صك الانتداب من جانب عصبة الأمم والبرلمان البريطاني. ووافق الزعماء اليهود كتابة على ذلك الكتاب الأبيض بتاريخ 18 يونيو 1922 فأصدرته الحكومة البريطانية رسمياً في 22 يونيو 1922 .
دستور فلسطين :
اشتمل الكتاب الأبيض البريطاني لعام 1922 على (دستور) لفلسطين وعلى السياسة العامة التي تعتزم الحكومة البريطانية إتباعها في البلاد .
ونشرت (حكومة فلسطين) وبعبارة أخرى دولة الانتداب، الكتاب الأبيض ودستور فلسطين في جريدتها الرسمية بتاريخ أول سبتمبر (أيلول) 1922 فأصبح نافذاً، وشرعت بالعمل على تطبيق نصوصه .
المجلس التشريعي:
وقد نص الكتاب الأبيض المذكور (في دستور فلسطين) على تشكيل مجلس تشريعي للبلاد مؤلف من 22 عضواً كما يلي:
10 موظفون بريطانيون يعينهم المندوب السامي
8 مسلمون بالانتخاب
2 مسيحيان بالانتخاب
2 يهوديان بالانتخاب
22 المجموع
وقد نص مشروع المجلس التشريعي آنف الذكر على أن يكون المندوب السامي رئيساً للمجلس، وأن يكون له حق النقض (فيتو)، وأن ليس من اختصاص المجلس التعرض لمبدأ الانتداب أو الوطن القومي اليهودي أو الهجرة اليهودية إلى فلسطين .
المجلس الاستشاري لعام 1922:
على أثر رفض العرب لمشروع المجلس التشريعي ومقاطعة العرب للانتخابات خطت الحكومة البريطانية خطوة أخرى فيما أسمته "خطة إقامة مؤسسات للحكم الذاتي في فلسطين، ولكنها كانت خطوة إلى الوراء، فقد عينت في شهر مارس (آذار) عام 1923 مجلساً استشارياً برئاسة المندوب السامي ، وعلى أساس مبدأ الانتداب ووعد بلفور ، مؤلفاً من 22 عضواً كما يلي :
10 بريطانيون
8 مسلمون
2 مسيحيان
2 يهوديان
22 المجموع
ولكن العرب الذين رفضوا المجلس التشريعي ، لم يقبلوا بهذا المجلس الاستشاري أيضاً، فاضطرت الحكومة البريطانية للعدول عنه .
الوكالة العربية :
في 13 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1923 عرض المندوب السامي على العرب تأليف (وكالة عربية) يكون لها سلطة مماثلة لسلطة الوكالة اليهودية كما نص عليها صك الانتداب .
وقد رفض عرب فلسطين اقتراح المندوب السامي لعدم فائدته ولأنه يساويهم – وهم أصحاب البلاد وأكثرية سكانها الساحقة – بالأقلية اليهودية الدخيلة، ولأن قبولهم به ينطوي على اعترافهم بالانتداب ووعد بلفور وهو ما يأباه العرب .
مجلس استشاري بريطاني يهودي :
في ديسمبر (كانون الأول) عام 1923 عين المندوب السامي البريطاني مجلساً استشارياً لفلسطين مؤلفاً من كبار الموظفين البريطانيين وكان بينهم بعض اليهود .
الكتاب الأبيض لعام 1930 (رقم 3692) :
على أثر ثورة فلسطين في أغسطس (آب) 1929، أوفدت الحكومة البريطانية لجنة برلمانية للتحقيق في أسباب الاضطرابات برئاسة السير والترشو، (قاضي قضاة بريطاني سابق) ، وقدمت اللجنة المذكورة تقريراً عن تحقيقاتها للوزارة البريطانية، اعترفت فيه بالظلم الواقع على العرب، وأوصت الوزارة بمنح فلسطين درجة من الحكم الذاتي، وإزالة مخاوف العرب من الهجرة اليهودية وتسرب الأراضي لليهود. ثم عينت الحكومة لجاناً فنية لدرس مواضيع الهجرة والأراضي، وكانت منها لجنة السيرجون هوب سيمبسون، الخبير المالي البريطاني بشؤون الأراضي، ولجنة لويس فرنش، وهو خبير بريطاني آخر، ولجنة ثالثة برئاسة المستر (كروسبي) أحد كبار الموظفين، ورفعت تلك اللجان تقارير إلى الحكومة عن مسألتي الأراضي والهجرة ، كانت خطيرة جداً في محتوياتها، إذ كشفت النقاب عن المآسي السياسية والاقتصادية والتشريعية التي تنزل بعرب فلسطين، واشتملت التقارير على عدة توصيات لتحسين الحالة في البلاد، وحماية حقوق العرب والمحافظة على أراضيهم وإشراكهم في الحكم والإدارة .
وأرسل عرب فلسطين وفداً إلى لندن طالب الحكومة البريطانية بإنشاء حكومة وطنية ووقف الهجرة اليهودية ومنع انتقال الأراضي إلى اليهود .
وعلى أثر صدور تقارير اللجان آنفة الذكر وجهود الوفد الفلسطيني أصدرت الحكومة البريطانية، وكان يرأسها المستر رامزي ما كدونالد، كتاباً أبيض جديداً بتاريخ أكتوبر 1930، عرف بكتاب (اللورد باسفيلد) وزير المستعمرات البريطاني حينئذ .
وأكدت الحكومة البريطانية في ذلك الكتاب الأبيض عزمها وتصميمها على الأخذ بتوصيات لجنة شو، واللجان الفنية الأخرى، وقالت "إن الوقت قد حان للتقدم خطوة أخرى في سبيل منح فلسطين درجة من الحكم الذاتي.. وبناء على ذلك تنوي حكومة جلالته تأليف مجلس تشريعي ينطبق على الخطة السياسية التي أعلنت في الكتاب الأبيض في 22 يونيو (حزيران) 1922"
فلما أصدرت الحكومة البريطانية هذا الكتاب الأبيض الجديد، لم يرفضه العرب كما كان الإنجليز أنفسهم يتوقعون، وعلى الرغم من أنه لم يشتمل على شيء جديد بالنسبة للعرب، وأن مشروع المجلس التشريعي المقترح فيه كان نفس مشروع عام 1922، فإن العرب رأوا فيه نصوصاً تقضي بتقييد انتقال الأراضي العربية، كما تقضي بتقييد الهجرة اليهودية وأعربوا عن استعدادهم للنظر فيه، غير أن غلاة الاستعماريين البريطانيين وفي مقدمتهم تشرشل نفسه (صاحب مشروع عام 1922) عارضوا سياسة الحكومة الجديدة وشنوا أشد الحملات وأعنفها على الكتاب الأبيض ، وساهم في تلك الحملات الشديدة كثير من أعضاء مجلس العموم من الأحرار والعمال والمحافظين، وفي الوقت نفسه قامت اليهودية العالمية تثير الدنيا (على الكتاب الأبيض) واستقال الدكتور وايزمان من رئاسة الوكالة اليهودية احتجاجاً ، وقام اليهود في أمريكا وكثير من الأقطار الأوربية بمظاهرات احتجاجية على السياسة البريطانية .
فأرسل وزير المستعمرات اللورد باسفيلد كتاباً إلى جريدة التيمس في 6 نوفمبر 1930 أنكر فيه أنه سيوضع تشريع يحول دون استمرار اليهود في تحقيق سياستهم المعروفة فيما يتعلق بالأراضي والعمال، كما أن مستر رامزي ما كدونالد رئيس الوزارة البريطانية وجه كتاباً بتاريخ 13 فبراير (شباط) 1931 إلى وايزمان يؤكد له فيه تمسك الحكومة بتعهداتها بشأن إنشاء الوطن القومي اليهودي، ويفسر الكتاب الأبيض تفسيراً كان بمثابة إلغاء له. وتلي كتاب ماكدونالد في مجلس العموم، فاستقبله النواب بالتأييد والترحيب، وطلبوا من الحكومة سحب كتابها الأبيض ، فتم ذلك، وعدل وايزمان عن استقالته.. واستمرت الحكومة البريطانية في حكم فلسطين حكماً مباشراً تعسفياً .
مشروع المجلس التشريعي لعام 1935:
انقلب النضال العربي في فلسطين في عام 1933 وما بعده إلى حركة مقاومة سافرة عنيفة للاستعمار البريطاني مباشرة أزعجت الحكومة البريطانية وحملتها على محاولة استرضاء العرب وتهدئة شعورهم .
ففي 21 و22 ديسمبر (كانون الأول) 1935 عرض المندوب السامي البريطاني (السير ارثروا كهوب) على ممثلي العرب واليهود مشروعاً لتأليف مجلس تشريعي لفلسطين مؤلفاً من 28 عضواً كما يلي :
أعضاء بالانتخاب أعضاء بالتعيين
_____________ _____________
8 مسلمون 3 مسلمون
1 مسيحي 2 مسيحيان
3 يهود 4 يهود
12 2 من التجار (يمثلان الجاليات الأجنبية)
5 موظفون بريطانيون
16
فيكون مجموع الأعضاء من منتخبين ومعينين كما يلي :
عرب يهود وأجانب
_________ ___________
11 مسلمون 7 يهود
3 مسيحيون 5 بريطانيون
2 ممثلان للجاليات الأجنبية
14 14
ونص المشروع آنف الذكر على ما يلي :
1- أن يكون رئيس المجلس من خارج فلسطين .
2- ليس للمجلس حق التعرض لمناقشة الانتداب والوطن القومي اليهودي .
3- للمجلس حق إبداء الرأي بصدد الهجرة اليهودية دون أن يتقيد المندوب السامي بتلك الآراء .
4- للمندوب السامي حق الاطلاع على مقررات المجلس والموافقة عليها أو رفضها .
5- للمندوب السامي حق وضع بعض القوانين دون استشارة المجلس .
وعندما عرض المندوب السامي هذا المشروع الجديد، كان يعلم أنه دون مطالب العرب المشروعة بكثير، وأنه مشروع هزيل بوجه عام، واعتقد أن العرب سيرفضونه، ولذلك فقد أعلن رسمياً باسم الحكومة البريطانية أن "المجلس يؤلف رغم كل معارضة ولو بتعيين الأعضاء عن الفريق الذي يرفض الاشتراك فيه " .
ودرس زعماء العرب المشروع الجديد ولم يرفضوه بل طلبوا إدخال تعديلات عليه، ولكن اليهود سارعوا بإعلان رفضهم للمشروع وأعلنوا أنهم لا يقبلون الاشتراك في أي مجلس تشريعي لا يكون لهم في نصف الأعضاء على الأقل مع أن عددهم لم يكن يتجاوز 27% من مجموع السكان حينئذ. وشنوا مع أنصارهم من رجال الاستعمار البريطاني حملة شعواء على المشروع الجديد .
ولما تقدمت وزارة المستعمرات بهذا المشروع إلى مجلس اللوردات ثم إلى مجلس العموم هوجم المشروع فيهما هجوماً شديداً بتأثير اليهود وأنصارهم ولم يكن للعرب في كلا المجلسين من يدافع عن وجهة نظرهم ، وأصبح واضحاً أن الحكومة البريطانية ستطوي مشروعها الجديد وتعدل عنه. الأمر الذي بلغ بالعرب حد اليأس من إنصاف السياسة البريطانية حتى في مثل هذا المجلس التشريعي الهزيل .
وهكذا استمرت الحكومة البريطانية في حكمها الشاذ لفلسطين .
صك الانتداب :
نورد فيما يلي بعض مواد صك الانتداب على فلسطين الذي وافق عليه مجلس عصبة الأمم، وهي المواد التي لها علاقة بمواضيع البحث التي اشتمل عليها هذا الكتاب، وكذلك مقدمة هذا الصك التي أوردها المجلس ببيان الحيثيات والأسباب الباعثة على إصداره :
مجلس عصبة الأمم :
لما كانت دول الحلفاء الكبرى قد وافقت على أن يعهد بإدارة فلسطين، التي كانت تابعة فيما مضى للمملكة العثمانية ، بالحدود التي تعينها تلك الدول، إلى دولة منتدبة تختارها الدول المشار إليها ، تنفيذا لنصوص المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم، ولما كانت دول الحلفاء الكبرى قد وافقت أيضاً على أن تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ التصريح الذي أصدرته في الأصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1917، وأقرته الدول المذكورة لصالح إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يجحف بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية الموجودة الآن في فلسطين، أو بالحقوق والوضع السياسي مما يتمتع به اليهود في أية بلاد أخرى، ولما كان قد اعترف بذلك الصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين، وبالأسباب التي تبعث على إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد، ولما كانت دول الحلفاء قد اختارت صاحب الجلالة البريطانية ليكون منتدباً على فلسطين، ولما كان الانتداب على فلسطين قد صيغ في النصوص التالية وعرض على مجلس عصبة الأمم لإقراره، ولما كان صاحب الجلالة البريطانية قد قبل الانتداب على فلسطين وتعهد بتنفيذه بالنيابة عن عصبة الأمم طبقاً للنصوص والشروط التالية، ولما كانت الفقرة الثامنة من المادة 22 المتقدمة الذكر تنص على أن درجة السلطة أو السيطرة أو الإدارة التي تمارسها الدولة المنتدبة سيحددها بصراحة مجلس عصبة الأمم إذا لم يكن هناك اتفاق سابق بشأنها بين أعضاء عصبة الأمم ، لذلك فإن مجلس عصبة الأمم بعد تأييده الانتداب المذكور يحدد شروطه ونصوصه بما يلي :
المادة الأولى :
يكون الدولة المنتدبة السلطة التامة في التشريع والإدارة، باستثناء ما يكون قد قيد منها في نصوص هذا الصك .
المادة الثانية :
تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي. بحسب ما جاء بيانه في ديباجة هذا الصك وترقية مؤسسات الحكم الذاتي ، وتكون مسؤولة أيضاً عن صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بقطع النظر عن الجنس أو الدين .
المادة الرابعة :
يعترف بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين، ولتساعد وتشترك في ترقية البلاد على أن يكون ذلك خاضعاً دوماً لمراقبة الإدارة، ويعترف بالجمعية الصهيونية كوكالة ملائمة ما دامت الدولة المنتدبة ترى أن تأليفها ودستورها يجعلانها صالحة ولائقة لهذا الغرض ، ويترتب على الجمعية الصهيونية أن تتخذ ما يلزم من التدابير بعد استشارة حكومة صاحب الجلالة البريطانية للحصول على معونة جميع اليهود الذين يبغون المساعدة في إنشاء الوطن القومي اليهودي .
المادة السادسة :
على إدارة فلسطين ، مع ضمان عدم إلحاق الضرر بحقوق ووضع جميع فئات الأهالي الأخرى أن تسهل هجرة اليهود في أحوال ملائمة، وأن تشجع بالتعاون مع الوكالة اليهودية المشار إليها في المادة الرابعة حشد اليهود في الأراضي بما فيها الأراضي الأميرية والأراضي الموات غير المطلوبة للمقاصد العمومية .
المادة السابعة :
تتولى إدارة فلسطين مسؤولية سن قانون للجنسية ، ويجب أن يشتمل ذلك القانون على نصوص تسهل اكتساب الجنسية الفلسطينية لليهود الذين يتخذون فلسطين مقاماً دائماً لهم .
المادة الحادية عشرة :
تتخذ إدارة فلسطين جميع ما يلزم من التدابير لصون مصالح الجمهور فيما يتعلق بترقية البلاد وعمرانها ويكون لها السلطة التامة في وضع ما يلزم لاستملاك أي مورد من موارد البلاد الطبيعية أو الأعمال والمصالح والمنافع العمومية الموجودة في البلاد أو التي ستؤسس فيما بعد أو السيطرة عليها، بشرط مراعاة الالتزامات الدولية التي قبلتها الدولة المنتدبة على نفسها. ويترتب عليها أن توجد نظاماً للأراضي يلائم احتياجات البلاد، مراعية في ذلك، ضمن الأمور الأخرى ، الرغبة في تشجيع حشد السكان في الأراضي وتكثيف الزراعة .
ويمكن لإدارة البلاد أن تتفق مع الوكالة اليهودية المذكورة في المادة الرابعة على أن تقوم هذه بإنشاء أو تسيير الأشغال والمصالح والمنافع العمومية وترقية مرافق البلاد الطبيعية بشروط عادلة ومنصفة ما دامت الإدارة تتولى هذه الأمور مباشرة بنفسها . غير أن كل اتفاق كهذا يجب أن يشترط فيه أن لا تتجاوز الأرباح التي توزعها الوكالة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مقدار الفائدة المعقولة التي يعود بها رأس المال المستثمر ، وأن كل ما يزيد على هذه الفائدة من الأرباح يجب أن يستخدم لما فيه نفع البلاد على الوجه الذي توافق عليه الإدارة .
المادة الرابعة عشرة :
تؤلف الدولة المنتدبة لجنة خاصة لدرس وتحديد وتقرير الحقوق والادعاءات المتعلقة بالأماكن المقدسة والحقوق والادعاءات المتعلقة بالطوائف الدينية المختلفة في فلسطين وتعرض طريقة اختيار هذه اللجنة وقوامها ووظائفها على مجلس عصبة الأمم لإقرارها، ولا تعين اللجنة ولا تقوم بوظائفها دون موافقة المجلس المذكور .
المادة الثانية والعشرون :
تكون الإنجليزية والعربية والعبرية اللغات الرسمية لفلسطين، وكل عبارة أو كتابة بالعربية وردت على طوابع أو عملة تستعمل في فلسطين يجب أن تكرر بالعبرية، وكل عبارة أو كتابة بالعبرية يجب أن تكرر بالعربية .
المادة الرابعة والعشرون :
تقدم الدولة المنتدبة إلى مجلس عصبة الأمم تقريراً سنوياً بصورة تقنع المجلس يتناول التدابير التي اتخذت أثناء السنة لتنفيذ نصوص الانتداب وترسل نسخ من جميع الأنظمة والقوانين التي تسن أو تصدر أثناء السنة مع التقرير .
المادة الخامسة والعشرون :
يحق للدولة المنتدبة بموافقة مجلس عصبة الأمم أن ترجئ أو توقف تطبيق ما تراه من هذه النصوص غير قابل للتطبيق على المنطقة الواقعة ما بين نهر الأردن والحد الشرقي لفلسطين كما سيعين فيما بعد ، بالنسبة للأحوال المحلية السائدة في تلك المنطقة وأن تتخذ ما تراه ملائماً من التدابير لإدارة تلك المنطقة وفقاً لأحوالها المحلية الحاضرة، بشرط أن لا يؤتى عمل لا يتفق مع أحكام المواد 15، 16، 18 .
تودع الصورة الأصلية لهذا الصك في دائرة محفوظات عصبة الأمم، وترسل صور مصدقة منه بواسطة السكرتير العام لعصبة الأمم إلى جميع أعضاء العصبة .
حرر في لندن في اليوم الرابع والعشرين من شهر تموز سنة ألف وتسعمائة واثنتين وعشرين.
الكتاب الأبيض لعام 1939 ومؤتمر لندن :
في 9 نوفمبر عام 1938 أذاعت الحكومة البريطانية بياناً أعلنت فيه عدولها عن مشاريع التقسيم نتيجة لتقرير اللجنة الفنية، وعزمها على عقد مؤتمر بريطاني، عربي، يهودي، يشترك فيه، ممثلون عن الحكومات العربية فضلاً عن ممثلي عرب فلسطين لمعالجة الحالة معالجة حاسمة، وقد رفض ممثلو العرب الجلوس مع اليهود لأنهم لم يعتبروهم في وقت ما طرفاً في النزاع ولا أصحاب حق في فلسطين، وعقد المؤتمر بين ممثلي الحكومات العربية وممثلي الحكومة البريطانية في أوائل سنة 1939 وحضره مندوبون عن مصر والمملكة العربية السعودية واليمن والعراق وشرق الأردن، ووفد عن عرب فلسطين، وقد أصر العرب على وجوب الرجوع بالقضية إلى بساطتها، والكف عن الاستمرار في الخطة الشاذة التي جرت بريطانيا عليها والتي جرت على العرب وفلسطين الفتن والشرور، فتعلن فلسطين دولة مستقلة ويلغي الانتداب، وتسوى العلاقات بينها وبين بريطانيا بمعاهدة أسوة بما جرى في العراق وسورية ولبنان ، وتوقف الهجرة اليهودية وانتقال الأراضي لليهود وقفاً تاماً .
ولم ترد الحكومة البريطانية الأخذ بوجهة نظر العرب وتطبيقها فوراً، (وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لصالح اليهود) فانفرط المؤتمر دون اتفاق . وعلى أثر ذلك قررت الحكومة البريطانية سياسة معينة لفلسطين، وأعلنتها في كتاب أبيض في 17 مايو (أيار) 1939، وفيما يلي خلاصة السياسة التي حددها الكتاب الأبيض المذكور :
1- اعترفت الحكومة بتعارض الالتزامات التي أخذتها على عاتقها نحو اليهود والعرب، وغموض معنى الوطن القومي ومداه.
2- واعترفت بأنها ساعدت على نشوء الوطن القومي مساعدة فعالة بحيث صار من الصواب أن يتمتع أهل فلسطين بما أمكن من السرعة بحقوق الحكم الذاتي التي يمارسها أهالي البلاد المجاورة .
3- وقررت أنها ترمي إلى هدف تشكيل حكومة فلسطينية مستقلة خلال عشر سنوات ترتبط معها بمعاهدة وينتهي الانتداب بعد التشاور مع مجلس عصبة الأمم ، على أن يتم هذا التشكيل بخطوات تدريجية يعطى فيها أهل فلسطين نصيباً متزايداً في حكومة بلادهم. وعند انقضاء خمس سنوات تشكل هيئة ملائمة من ممثلي فلسطين والحكومة البريطانية للنظر في كيفية سير الترتيبات الدستورية، ووضع دستور لدولة فلسطينية مستقلة .
4- وقررت أن تسمح لآخر مرة لخمسة وسبعين ألف مهاجر خلال خمس سنوات، ثم لا يسمح بعد ذلك بهجرة يهودية أخرى إلا إذا قبل بها عرب فلسطين .
5- وقررت كذلك معالجة مشكلة الأراضي بإصدار تشريعات من شأنها منع أو تحديد أو إباحة انتقال الأراضي لليهود حسب ظروف مناطق فلسطين المختلفة .
وقد ذكرت الحكومة البريطانية أنها مصممة على تنفيذ سياستها الجديدة بقطع النظر عن قبولها أو رفضها من أي الفريقين، العرب واليهود، وتعهدت أمام مجلس العموم البريطاني بشرفها وشرف الإمبراطورية بتنفيذ سياستها الجديدة !
وقد جاء موضوع التطور الدستوري ونشوء الدولة الفلسطينية في الكتاب الأبيض غامضاً، وفيه ما يجعل تحقيقها رهناً بمشيئة اليهود، فكان هذا مما حمل اللجنة العربية العليا لفلسطين على الاعتراض وإذاعة بيان من بيروت بتاريخ 23 يونيو (حزيران) 1939 اعترضت فيه على سياسة الالتواء والغموض التي انطوى عليها الكتاب الأبيض ولاسيما في مسألة جعل إعلان استقلال فلسطين رهناً بموافقة اليهود، وشعر العرب أن الحكومة البريطانية ما زالت تجنح للمخادعة والتخدير والتطويل والتعقيد، ووقفت البلاد العربية أيضاً موقف المتحفظ .
أما اليهود فقد سارعوا إلى رفض الكتاب الأبيض وأذاعت الوكالة اليهودية بياناً في هذا الشأن جاء فيه (أن سياسة الكتاب الأبيض منافية لحقوق اليهود الطبيعية في فلسطين، وأن أبطال اليهود الذين رفضوا على قوتهم وصلابتهم في تأسيس الوطن القومي اليهودي يعرفون كيف يدافعون عن الهجرة اليهودية والوطن القومي اليهودي والحرية اليهودية ...) .
وبعد بضعة أشهر من صدور الكتاب الأبيض نشبت الحرب العالمية الثانية، وفي خلال عامي 1940 – 1941 طالبت الدول العربية ، ومعظم أعضاء اللجنة العربية العليا ، الحكومة البريطانية بتنفيذ كتابها المذكور، ولكنها على الرغم من تصريحاتها وتوكيداتها السابقة فقد أهملته إهمالاً كلياً إرضاء لليهود، ولما انتهت في نوفمبر 1945 مدة السنوات الخمس المحددة في الكتاب الأبيض لدخول 75 ألف مهاجر يهودي خلالها، أصدرت الحكومة البريطانية في 14نوفمبر 1945 قراراً بالسماح بهجرة يهودية جديدة على أساس 1500 مهاجر يهودي شهرياً بالرغم من اعتراض العرب على ذلك .
تعليقات الزوار