الحلقة الثالثة: حقائق عن قضية فلسطين
2011-08-24
توقيع الهدنتين الأولى والثانية تحت ضغط دول الاستعمار حال دون النصر
تعصب اليهود الديني واعتناقهم الفكرة الصهيونية
قوبل من العرب باستخفاف توافق أهداف الاستعمار البريطاني والمصالح اليهودية
السؤال الأخير :
أما وقد أجبتم على هذه الأسئلة فهل لكم أن تجيبوا على سؤال نود أن نختتم به هذه الدراسة لمشكلة فلسطين ، والسؤال هو :
1- ما هي الأسباب الرئيسية لكارثة فلسطين؟
- كيف تعالج هذه القضية ، وما هي الخطة المثلى لحلها ، ولمشكلة اللاجئين ولاسترداد عروبة فلسطين؟
الجواب :
إن الإجابة على سؤالكم هذا بشقيه تحتاج إلى كتاب ضخم يحتوي بين دفتيه على قضية فلسطين كلها، أسبابها ، وسيرتها، ونتائجها ، ولا يتسع المجال لذلك، إذ لا يكفيه مقال، بل يحتاج إلى تفصيل واف لما يختلج في الصدور، وإيضاح مسهب لما يتساءل عنه الناس في كل مكان عن أسباب الكارثة ودقائقها، فلا بد من الإيجاز في الجواب والاختصار على ذكر الأسباب الرئيسية وإرجاء التفصيل إلى فرصة أخرى .
لقد اشتملت أحاديثي السابقة، على الإشارة عرضاً إلى بعض هذه الأسباب ، عند الإجابة على أسئلتكم العشرة، وأقول الآن إن الأسباب الرئيسية لكارثة فلسطين منها ما هو خارجي ، ومنها ما هو داخلي. وهذه الأسباب بعضها قديم وبعضها الآخر حديث .
الأسباب الخارجية :
فأما الأسباب الخارجية الرئيسية فهي :
تعصب اليهود الديني :
1- دوافع التعصب الديني الشديد عند اليهود وإصرارهم على استعمار فلسطين والاجتماع في بيت المقدس حول "الهيكل" (المكان الذي يقوم فيه المسجد الأقصى المبارك) . ورفضهم إنشاء الوطن اليهودي في غير فلسطين، كما وقع في مؤتمر (بال) الذي انعقد عام 1897 برئاسة "هرتزل" ، وفي غيره من المؤتمرات اليهودية ، واعتناق يهود العالم للفكرة الصهيونية والتفافهم حولها .
استغلال الشعور الديني عند البروتستانت :
2- الشعور الروحي المتأثر بالتوراة عند الإنجليز والأمريكيين البروتستانت خاصة لما ورد فيها من نبوءات استغلها اليهود لمصالحهم عن عودة اليهود إلى فلسطين، وقد جاء ذكر ذلك في مذكرات وايزمان، وفي مقررات مؤتمر الكنائس البروتستانتية الذي انعقد في عام 1944م في الولايات المتحدة ، تلك المقررات التي وقع عليها نحو خمسة آلاف قسيس يمثلون معظم الكنائس الأمريكية ، واستغلال اليهود لذلك الشعور الديني عند الإنجليز والأمريكيين حتى بلغ ما دفعته الولايات المتحدة الأمريكية للدولة اليهودية في بضع سنين ألف مليون دولار، هذا عدا سبعمائة وخمسين مليوناً أرغمت أمريكا حكومة ألمانيا الغربية على دفعها لليهود كتعويضات ولا تزال المساعدات والقروض والهبات الأمريكية تغدق بلا حساب لمصلحة اليهود وتقوية دولتهم، كما أن جيوش إنجلترا في مصر والسودان والأردن والعراق وليبيا وقبرص ومالطة مستعدة دائماً أن تحمي الدولة اليهودية .
أثر الحروب الصليبية:
3- ما خلفته الحروب الماضية بين الشرق والغرب المعروفة بالحروب الصليبية ، التي أثيرت فيها العواطف الدينية ، وما تلاها من حملات الجيوش العثمانية على شرق أوربا في نفوس كثير من الشعوب الأوربية وغيرها من إحن وأحقاد، وبغض عميق للعرب والمسلمين عامة، مما حملها على الوقوف إلى جانب اليهود.
أهداف الاستعمار في الأقطار العربية:
4- توافق أهداف الاستعمار البريطاني ومصالحه ، مع مصالح اليهود في القضية الفلسطينية ، ثم انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إليهما فيما بعد ، وذلك لأن الاستعمار يرمي إلى ما يأتي:
أ- جعل الدولة اليهودية في فلسطين متكأ له، وخنجراً مسموماً يشهره في وجوه الدول العربية كلما أحس منها تمرداً عليه أو مقاومة له، ويضرب به جنوبها وفقاً لمصالحه .
ب- اتخاذ الوطن اليهودي حاجزاً يفصل الأقطار العربية في آسيا، عن الأقطار العربية في أفريقيا، ويقطع كل صلة برية بين هاتين القارتين .
ج- اتخاذ اليهود عائقاً دون تقدم الأمة العربية في أقطارها الواسعة ذات الثروات العظيمة من بترول ومعادن وغيرها والتي تقع في أهم مراكز العالم التجارية والجغرافية والعسكرية، ويزداد عدد سكانها زيادة مستمرة كما يستيقظ شعورها ويتنبه وعيها، ويخشى في المستقبل بأسها وطغيانها على الغرب، في الحين الذي أخذت فيه شعوب الدول المستعمرة تتردى في هاوية سحيقة من ترف الحضارة وطراوة العيش وفساد الأخلاق حتى أصبح كثير منها لا يطيق تكاليف الحروب وأعباءها، وقد ضعف تكاثر سكانها ، وخمدت حماستها .
ولهذه المناسبة أذكر أن بعض زعماء شمالي أفريقيا، كتبوا إليّ خلال الحرب الماضية عندما كنت في ألمانيا، لأعمل على إقناعها بالاعتراف باستقلال بلادهم ومدها بالسلاح، مقابل تعاونهم مع ألمانيا في الحرب، وقد تلقى الألمان بادئ الأمر هذا الاقتراح بالارتياح ، إلا أن أكثرية الدول الأوربية عارضته بشدة ووقفت ضده، ولا أنسى ما قاله لي يومئذ الدكتور "بروفر" وكيل وزارة الخارجية الألمانية لشئون الشرق وهو: أن ألمانيا تحيز هذا المشروع وتراه مفيداً لها، ولكن الدولة الأوربية الأخرى تعارضه معارضة شديدة، وحجتها في ذلك أن الأقطار العربية في شمال أفريقيا إذا استقلت حرمت أوربا من استعمارها مع أنها أقرب البلاد إليها، كما أن القوة التي ستتهيأ لها بنتيجة هذا الاستقلال ستهدد أوربا الآخذة في الضعف والانهيار" .
الانتداب البريطاني على فلسطين :
5- الخطة الاستعمارية التي سارت عليها إنجلترا لجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود وموافقة عصبة الأمم على جعلها هي الدولة المنتدبة على فلسطين . وقد انتهزت إنجلترا هذه الفرصة لترسيخ أقدامها وتوطيد نفوذها في الأقطار العربية .
الفظائع الإنجليزية في عرب فلسطين :
6- ما قارفته إنجلترا في فلسطين من الفظائع طول عهد انتدابها الذي عملت خلاله على "وضع البلاد في حالات سياسية وإدارية واقتصادية تسهل إنشاء الوطن القومي اليهودي، كما نص عليه صك الانتداب الجائر ، وحرمان عرب فلسطين من استقلالهم وسائر حقوقهم السياسية، وإهدار مصالحهم ، وإفقارهم، واضطهادهم ونزع سلاحهم ، والتنكيل بهم بأفظع البطش والارهاق والظلم، يقابل ذلك من الناحية الأخرى تأييد إنجلترا لليهود وحمايتهم ورعاية مصالحهم وتشجيعهم على الهجرة وتمكينهم من الاستيلاء على الأراضي، وتسليحهم وتدريبهم تدريباً عسكرياً . وكذلك موقف السلطات الإنجليزية قبل معركة فلسطين وخلالها وتحيزها الشديد لليهود ومساعدتهم عسكرياً في المعارك التي وقعت بينهم وبين العرب وتآمرهم معهم لإجلاء العرب كما فعلت في طبرية وحيفا وطيرة حيفا وغيرها .
مساعدة إنجلترا وأمريكا لليهود :
7- عدم التكافؤ بين الجبهة العربية على ما نعرف من أحوالها، والجبهة اليهودية التي عضدتها إنجلترا وأمريكا وغيرهما من الدول الاستعمارية عضداً عظيماً من الوجهات السياسية والمالية والعسكرية . وقد بلغت المساعدات المالية الأمريكية لليهود منذ عام 1948، من هبات وقروض وتبرعات ، نحو ألفي مليون دولار .
أما المساعدات الإنجليزية فلم تكن أقل أهمية وأثراً في مساعدة اليهود خلال عهد الانتداب وأثناء معركة فلسطين عندما كان الإنجليز لا يزالون في فلسطين، وكانوا يدعون الحياد حينئذ . فقد نشرت جريدة "مشمار" اليهودية في شهر مارس 1948 أن السلطات البريطانية أعطت اليهود من الأسلحة والذخائر وغيرها من المواد الحربية ما قيمته خمسة ملايين جنيه بحجة أنها مخلفات حربية، ونشرت جريدة "بديعوت" اليهودية حول ذلك التاريخ أن اليهود اشتروا من الجيش الإنجليزي ألف سيارة نقل كبيرة، وصرح مندوب الوكالة اليهودية في جريدة "بوست" التي تصدر في القدس باللغة الإنجليزية بأن نواة قوة الطيران اليهودي كانت خمسين طياراً تدربوا في فرقة سلاح الجو الملكي البريطاني .. وغير ذلك.
الأسباب الداخلية :
وأما الأسباب الداخلية فأهمها ما يأتي :
1- ما أصاب الأمة العربية في العصور الأخيرة من وهن في الأخلاق، وضعف في الإيمان والعزيمة الوطنية ، وما انتشر فيها من الفوضى وضعف التنظيم .
غفلة الأمة العربية عن الخطر :
2- الغفلة الشديدة عن تعرف مواطن الخطر المحدق بكيان الأمة العربية بسبب الغزوة الاستعمارية والمؤامرة اليهودية، والاستخفاف بالأخطار استخفافاً ناشئاً عن الإهمال وخور العزيمة والاتكال، وعدم معرفة ما تنطوي عليه صدور اليهود من أحقاد قديمة ، والجهل بنيات المستعمرين الرهيبة ومكرهم السيئ .
لقد كان السواد الأعظم من العرب يستخف بهذه المؤامرة اليهودية الاستعمارية ولا يقيم لها وزناً. وكثيراً ما كنت أرى ابتسامة الاستخفاف والاستغراب ترسم على أفواه كثير من الكبراء والساسة العرب عندما كنت استرعى أبصارهم للأخطار المقبلة، وكان بعضهم يصارحني بما معناه : هل من المعقول أن إنجلترا التي لها كل هذه الصلات الوثقى بالعالمين العربي والإسلامي، تغامر بكل مصالحها وعلاقاتها من أجل خاطر اليهود! وهل يعقل أن إنجلترا المسيحية تفرط في هذه البلاد المقدسة ولا تبالي بشعور المسيحيين في العالم؟ أن هذا لمن المستحيل، وأن إنجلترا إنما تخادع اليهود مخادعة ولن تعطيهم شيئاً مذكورا ..
الدعاية الإنجليزية تعمل على تخدير العرب :
وقد كانت الدعاية الإنجليزية التي تبث في المقامات العربية السياسية، تعني خاصة بتخدير هذه المقامات التي كانت تقبل بسهولة على تناول تلك المخدرات الإنجليزية، وتحملها بدورها إلى غيرها آمنة مطمئنة ، مستخفة بالخطر المزعوم . كما كان بعض أولئك المخدرين بالتوجيه الأجنبي ينعتون من كانوا ينذرونهم ويحذرونهم ، بالتطرف والمبالغة ، ويرمونهم بالجهل بشئون السياسة .
ومن المحزن أن ذلك الموقف الشاذ الذي وقفه أولئك "العقلاء" بالنسبة لقضية فلسطين، يقفونه اليوم حيال تفاهم الخطر اليهودي – الاستعماري الذي أصبح يهدد الأقطار العربية المجاورة ، فلقد قال لي شخص منهم قبل نحو عامين في حديث لي معه : إن لدينا سعة من الوقت، فاليهود بعد ما ابتلعوا هذه اللقمة الضخمة من فلسطين لن يستطيعوا أن يمدوا يدهم إلى غيرها قبل أن يهضموها، وهذا يحتاج إلى عشرين عاماً أو خمسة عشر على الأقل، وهذه فسحة طويلة الأمد نتمكن خلالها من التأهب والاستعداد.. فبادرت إلى تحذيره مما في هذا الرأي من خطر، وقلت له إنك تقيس مع الفارق، وتحسب أن معدة اليهود مقتصرة على هذا المليون منهم المقيم بفلسطين ولم تحسب حساباً لمعدة اليهودية العالمية كلها المشتركة مع الدول الاستعمارية الكبرى التي تحاول ابتلاع الأقطار المجاورة برمتها .
فلسطين خط النار الأول :
ومما يدل على مدى الوهن في نفوس بعض المتصدين من العرب للسياسة والزعامة ما سمعته من أحدهم سنة 1920 وهو قوله:
"ليس من المصلحة أن يقف العرب من أهل فلسطين في وجه اليهودية العالمية لأن لليهود قوة عظيمة يمكننا استغلالها في سبيل تحقيق أهداف البلاد العربية، وأن المضطر يركب الأسنة، وأن العضو المريض الذي يستعصي شفاؤه يبتر لصالح الجسم!" . ومن المؤسف أن بعض الساسة كانوا متأثرين بمثل هذا الرأي في معالجة قضية فلسطين، ولم يدركوا أن فلسطين ليست إلا خط النار الأول في ميدان المعركة، ورأس الجسر للغزو اليهودي الاستعماري .
وبلغ من استخفاف بعض العرب بالخطر اليهودي، ومن وهنهم وخورهم خلال مقابلاتهم الرسمية للمسئولين من الإنجليز والأمريكيين بشأن قضية فلسطين، أنهم كانوا يقفون موقف الوسطاء المحايدين "المعدلين" ، المترددين الحائرين ، على حين كان زعماء اليهود في مثل تلك المقابلات يظهرون أقصى التطرف والشدة ، ومنتهى الجد والعزيمة .
كيف عالج ساسة العرب القضية :
3- إن ما أصاب العرب من غفلة عن حقيقة الخطر الداهم، ومن ضعف في الأخلاق ووهن في العزائم ، قد نأي بهم عن الجد والحزم في معالجة قضية فلسطين فعالجوها هازلين غير مصممين على عكس ما كان عليه خصومهم من الاندفاع والمضاء والتصميم . وأية قضية في الدنيا تصيب نجاحاً إذا لم يكن الجد والعزم سداها، والتصميم والفداء لحمها! لقد كانت المعالجة العربية السياسية والعسكرية لهذه القضية غاية في الهزال والإهمال، وكانت الاجتماعات تعقد لمجرد الكلام والخطب الضخمة الجوفاء إلا من التهديد والوعيد بإلقاء اليهود في البحر، وشرب القهوة العربية على شاطئ تل أبيب بعد النصر المبين.. وما إلى هذا من محاولات الاستغلال المحلي الذي كان يرمي إليه بعض الساسة تقوية لمراكزهم أو تدعيماً لمناصبهم، وقد خدعتهم وعود المستعمرين الذين كانوا يؤكدن لهم أن اليهود لن ينالوا أكثر من منطقة صغيرة (كانتون) على الشاطئ من تل أبيب إلى (عتليت) بالقرب من حيفا. كما كانوا يوهمونهم أن الإنجليز حاقدون على اليهود لنسفهم دوائر الحكومة المنتدبة، ولما أنزلوا بضباطهم وجنودهم من أذى وامتهان حتى أنهم شنقوا بعضهم وجلدوا آخرين .. إلخ . فبمثل هذه المخادعات والأماني الكواذب اغتر بعض ساسة العرب، وملك المستعمرين عليهم أمرهم وزينوا لهم سوء أعمالهم، حتى حملوهم على أبعاد العناصر المؤمنة المخلصة المستميتة عن ميدان معركة فلسطين بحجة أنها عناصر متطرفة ومغالية وبعيدة عن الحكمة التي يتطلبها المستعمرين .
تهاون العرب والمسلمين في أمر فلسطين :
4- لم يعن العالمان العربي والإسلامي العناية الكافية بقضية فلسطين منذ الاحتلال البريطاني فاضطر عرب فلسطين أن يضطلعوا وحدهم بعبء مجابهة اليهودية العالمية المعززة بدول الاستعمار ذات القوى الهائلة والموارد العظيمة : وبينما كان يهود العالم يغدقون على (الوكالة اليهودية) بفلسطين مئات الملايين من الجنيهات كان العرب والمسلمون أشحاء – إلا من رحم ربك، وقليل ما هم – لا يبذلون شيئاً يتناسب وما يبذله الخصوم، وقد غفلوا عن قوله تعالى : (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) .
ولهذه المناسبة أذكر حديثاً بلغني عن المستر كروسمان عضو مجلس العموم البريطاني في زيارته الأخيرة لمصر وهو أنه سأل أحد أصدقائه العرب حيث قابله في القاهرة : هل في الدين الإسلامي ما يمنع التعاون بين المسلمين؟ فأجابه صديقه بالنفي، وسأله عن السبب في هذا السؤال . فقال كروسمان : إذن لماذا لا يساعد بعضهم بعضاً ولا يبذلون شيئاً يذكر حتى للاجئين.!
مقارنة بين شح العرب وبذل اليهود :
لقد آلمني جداً هذا الحديث لأنه نكأ الجروح الدامية التي سببتها معركة فلسطين الأليمة لكل من اشترك فيها منذ بدئها حتى اليوم، وأذكرني ما كتبه الأمير شكيب أرسلان عام 1930 حينما أرسلنا إليه نشرة لجنة إعانة المنكوبين في ثورة 1929 التي وقعت بين العرب واليهود بسبب عدوان اليهود على مكان البراق الشريف . وقد وقع في معارك هذه الثورة من العرب قتلى وجرحى كثيرون فاستنجدت لجنة الإعانة المذكورة بالعالمين العربي والإسلامي بالبرق والبريد طالبة العون لليتامى وعائلات الشهداء. وبعد مضي عام كامل أصدرت اللجنة نشرة بوارداتها ونفقاتها فكانت نحو ثلاثة عشر ألفاً من الجنيهات. وصادف أن وقعت في يد الأمير شكيب نشرة أخرى مماثلة صادرة عن لجنة يهودية في جنيف لمساعدة اليهود المصابين في الثورة نفسها فإذا بمقدار ما ورد لمساعدتهم أكثر من مليون جنيه.. فكتب مقالاً قارن فيه بين شح العرب والمسلمين من ناحية وبذل اليهود وسخائهم من ناحية أخرى .
العرب أضاعوا الفرصة باختلافهم :
5- تخاذل بعض الدول العربية واختلاف سياستها أثناء معركة فلسطين، فلم يقاتل العرب صفاً كأنهم بنيان مرصوص، وأضاعوا الفرصة بعدم تعاونهم على العدو الذي لم يكن قوياً يومئذ بل كانت القوى العربية أكثر منه عدداً وعدة، ولا صحة البتة لما يقال من أن القوى اليهودية كانت أكثر عدة وعديداً فقد أعلن بن غوريون رئيس الوزارة اليهودية ووزير الحربية حينئذ أن القوى اليهودية الضاربة لم تكن أكثر من عشرة آلاف (والقوى الضاربة في كل جيش هي المؤلفة من الجنود الذين يستعملون السلاح في الميدان) بينما كانت القوات الضاربة في الجيوش العربية أكثر جداً من هذا العدد . هذا بالإضافة إلى أن اليهود لم يكن لديهم عندئذ طائرات حربية، وإنما كان عندهم قليل من طائرات التدريب التي لا تصلح للحرب، كما لم يكن لديهم مدافع ميدان بل كانت مدافعهم من طراز (مورتر) وهي مدافع خفيفة . أما الجيوش العربية فقد كان لديها المدافع الثقيلة والطائرات القاذفات للقنابل وغيرها من المعدات والأسلحة . يؤيد هذا ما جاء في خطاب لرئيس الوزارة اليهودية بن غوريون نفسه في مجلس النواب اليهودي قال فيه : "نحن مدينون بنجاحنا في إقامة دولة "إسرائيل" بسبعة وتسعين ونصف في المائة للسياسة وأثنين ونصف في المائة فقط للحرب والجيش" . وهنالك تفصيلات عن مقدار قوي الجيوش العربية وأسلحتها حينئذ ، تؤكد أنها كانت تفوق كثيراً القوات اليهودية .
6- أعداد الإنجليز طول مدة انتدابهم على فلسطين ولا سيما أثناء الحرب، كافة الوسائل لتنظيم اليهود وتدريبهم وتسليحهم وتهيئتهم لتسليم فلسطين ، يقابل ذلك تجريدهم العرب من السلاح وإرهاقهم وإضعافهم ليعجزوا عن الصمود في وجه اليهود حينما يسلمونهم البلاد، وبالرغم من ذلك فقد هب عرب فلسطين للاستعداد واشتراء السلاح بأغلى الأثمان، وجابهوا اليهود بالقوة وهزموهم في معظم المعارك .
قرار مجلس الجامعة في عاليه :
وكان مجلس الجامعة العربية في اجتماعه المنعقد في عاليه في أكتوبر 1947 وقد وافق على تقرير الخبراء العسكريين بوضع عرب فلسطين في وضع مماثل لليهود من حيث تسليحهم وتدريبهم، وتحصين مدنهم وقراهم تحصيناً عسكرياً فنياً، وجعلهم الأساس في الدفاع عن بلادهم، لأنهم أعرف بمواقعها وطرقها ومسالكها، ولأنهم أشد تصميماً واستماتة في الذود عن أهليهم وأموالهم وديارهم بالإضافة إلى أنهم أقل نفقة من المتطوعين أو الجنود القادمين من خارج فلسطين ، كما قرر أن ترابط الجيوش النظامية للدول العربية على حدود فلسطين دون دخولها، لتقوية الفلسطينيين ولمساعدة المجاهدين عند الضرورة بالعتاد والضباط وبعض الوحدات الفنية .
مذكرة إنجليزية للسلطات العربية :
فلما رأي الإنجليز انتصار المجاهدين الفلسطينيين في المعارك على اليهود انتصاراً مبيناً، وخشوا تفاقم حرب العصابات التي يعرفون أهميتها وقوة تأثيرها ، سقط في أيديهم وسارعوا بتقديم مذكرة إلى السلطات العربية الرسمية حينئذ يعترضون فيها على تسليح الفلسطينيين وتدريبهم ويصفون ذلك بأنه عمل غير ودي Unfriendly Act كما أنهم حملوا بعض الدول العربية على إدخال جيوشها في الحرب، وقد أشرت سابقاً إلى ما ورد في بعض للشهادات أمام محكمة الثورة عن تشجيع الإنجليز للمرحوم النقراشي على إدخاله الجيش المصري في الحرب رغم تصميمه قبل ذلك على عدم دخولها ، وقد كان النقراشي سجل تحفظ مصر ورفضها الدخول في الحرب في دورة مجلس الجامعة في عاليه في أكتوبر عام 1947 بما نصه : (أريد أن يعلم الجميع أن مصر إذا كانت توافق على الاشتراك في هذه المظاهرة العسكرية – أي الحشد على الحدود – فإنها غير مستعدة قط للمضي أكثر من ذلك) .
وأخيراً استطاع الإنجليز بخداعهم وضغطهم، أن يؤثروا على بعض الدول العربية، ثم توالت الجهود إلى أن تقرر دخول جميع الجيوش العربية إلى فلسطين، كما استطاع الإنجليز أيضاً هدم الركن الأساسي في برنامج العرب للدفاع عن فلسطين ، بحرمان المجاهدين الفلسطينيين من السلاح وسائر وسائل الجهاد، وإقصاء الفلسطينيين جميعاً عن ميدان المعركة من الوجهتين العسكرية والسياسية، وبذلك أقصوا العنصر المجاهد المستميت الذي يدافع عن نفسه وأهله ودياره .
جنرال إنجليزي يدير المعارك الحربية :
7- أن الضغط الاستعماري الأجنبي على بعض الأقطار العربية أدى إلى وضع القيادة العسكرية الفعلية للجيوش العربية في يد الجنرال جلوب الإنجليزي الذي أدار دقة المعارك بما يوافق أهواء السياسة البريطانية الضالعة مع اليهود، وبدل الخطة العسكرية التي وضعها رؤساء أركان حرب الجيوش العربية – في معسكر الزرقاء – بالإجماع في أوائل مايو سنة 1948، وسحب الجيش السوري المرابط على حدود المنطقة الشمالية من فلسطين بطريقة مكشوفة إلى جبهة سمخ حيث عرضه لخسائر فادحة ، كما غرر بالجيش العراقي ووجهه إلى مهاجمة مستعمرة – جيشر – التي كانت قاعدة من قواعد خط ابدن الحصين الذي أنشأه الإنجليز خلال الحرب لمقاومة الزحف الألماني، وعاق الجيش الأردني الذي كان معسكراً حول القدس عن الدفاع عنها بضعة أيام لإعطاء الفرصة لليهود لاحتلالها، ولو لا استبسال المجاهدين الفلسطينيين وسكان القدس في الذود عنها لوقعت كلها بيد اليهود، وقد منع جلوب الجيوش العربية من القتال الفعلي ، كما سحب الجيش الأردني من الرملة واللد، بعد أن نزع أسلحة المجاهدين الفلسطينيين مما أدى إلى سقوط منطقة الرملة واللد . وغير ذلك مما لا يتسع له المجال الآن (ولدينا وثائق بتفصيلات هذه المؤامرات) .
جلوب حال دون إنقاذ الفالوجة :
ومما هو جدير بالذكر هنا أنه لما اجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في القاهرة في نوفمبر 1948 وشهد الاجتماع أكثر رؤساء وزارات الدول العربية، تم الاتفاق في ذلك الاجتماع على التعاون الأكيد فيما بينهم، وقد دعي إلى القاهرة أيضا رؤساء أركان حرب الجيوش العربية لبحث الموقف الحربي من جميع وجوهه وتم الاتفاق على خطة موحدة لاستئناف القتال ورد عدوان اليهود، وقرروا أن يجعلوا فاتحة أعمالهم قيام الجيوش العربية بعمل مشترك لفك الحصار عن "الفالوجة" وانتقل رؤساء أركان الحرب من القاهرة إلى "الزرقاء" في شرق الأردن حيث وضعوا خطة عسكرية مفصلة لتنفيذ الاتفاق ، وقد روي لي تلك الخطة أحد القادة من أركان الحرب الذي شهدوا تلك الاجتماعات ، وخلاصتها كما سجلتها في حينها، إرسال لواء عراقي – ألاي – بكامل معداته من منطقة نابلس إلى منطقة الخليل، وفوجين – أورطتين – سوريين مجهزين تجهيزاً كاملاً إلى منطقة الخليل أيضا للتعاون مع اللواء العراقي على القيام بهجوم على الفالوجة عن طريق بيت جبرين لمساعدة الجيش المصري على إنقاذ حاميتها المحصورة ، وقد تم تحديد وقت معين للقيام بتلك العملية .
وبعد ذل انتقل رؤساء أركان الحرب إلى عمان ، ولما أطلع على الخطة المغفور له الملك عبد الله وافق عليها كما وافق عليها أيضا رئيس الوزارة الأردنية ووزير الدفاع .
ويقول من روي لي الخبر : لقد سررنا جداً من الموافقة الإجماعية على تلك الخطة، وذهبنا إلى العشاء بدعوة من الحكومة الأردنية في بيت إسماعيل البلبيسي باشا في عمان . وإذا بالجنرال جلوب يقدم علينا ويسألنا عن الخطة . فلما عرفها اعترض عليها وقال : إن هذا مستحيل، فإن الجيش الأردني لن يسمح للقوات السورية ولا العراقية باجتياز أراضي شرق الأردن، ولا المناطق التي يحتلها في فلسطين . وزاد على ذلك قوله : إذا نفذنا هذه الخطة فإننا نخشى أن يقصف اليهود مدينة عمان بقنابل الطائرات .
وأصر جلوب على موقفه وتهديده وحال دون تنفيذ تلك الخطة وبالنتيجة أحبط كل تعاون بين الجيوش العربية .
وهكذا استطاع الاستعمار بقيادة جلوب وأعوانه أن يبدل نصر العرب إلى هزيمة ، وقوتهم إلى ضعف ، وعزتهم إلى ذلة وهوان. وثمة أمر آخر، وهو أن الجنرال كلايتون رئيس الاستخبارات البريطانية في الشرق العربي كان له تأثير عظيم في توجيه السياسة في بعض البلاد العربية ، كما أن الجنرال سبيرز الإنجليزي كان قد عهد إليه القيام بالدعاية لقضية فلسطين والقضايا العربية في إنجلترا. ومن سرد هذه الوقائع يظهر لكم كيف أصبح لهذا الثالوث الاستعماري المؤلف من الجنرالات الثلاثة (جلوب وكلايتون وسبيرز) التأثير العظيم في كارثة فلسطين .
8- أن كثيراً من الذين كانت في أيديهم مقاليد الأمور في البلاد العربية، لم يعالجوا مشكلة فلسطين بما تتطلبه من روح الجد والتصميم ، ولم تتوفر لهم الدراسات السياسية والعسكرية والتاريخية عن فلسطين، وعن مبلغ الخطر اليهودي عليها وعلى الأقطار العربية المجاورة لها، كما أن بعضهم ممن وكل إليهم أمر القيادة العسكرية قد برهنوا على إهمال فاضح في الشئون العسكرية ، وهذا بالإضافة إلى أنهم لم يدخلوا فلسطين، ولم يعرفوا شيئاً عن شئونها الجغرافية، ومواقعها العسكرية، ولم يكونوا على شيء من العلم بقوة اليهود العسكرية، ومواقعهم وتحصيناتهم، وخطوط دفاعهم . والجانب الوحيد الذي كانت لديه هذه الدراسات والمعلومات والرغبة الشديدة والتصميم على مقاومة اليهود، هو الفريق المجاهد المستميت من أهل فلسطين الذي أبعدته لسوء الحظ الدسائس الاستعمارية والضغط الأجنبي على بعض السلطات العربية، عن ميدان الجهاد. وقد كانت المشكلة الفلسطينية أعظم وأكبر بكثير من أن تعالج بالشكل الهزيل الذي عولجت به ، ولم تكن المعالجة متناسبة مع خطورة الداء ولا كان الدواء هو الناجع الشافي من وباء الصهيونية الوبيل .
الهدنتان الأولى والثانية :
9- توقيع الهدنتين الأولى والثانية بين العرب واليهود نتيجة ضغط إنجلترا وأمريكا على بعض الدول العربية ، فقد كان العرب في موقف المنتصر، وكان الجيش المصري موغلاً في التقدم نحو رحوبوت وتل أبيب، كما كان الجيش العراقي على بعد أميال قليلة من تل أبيب، وكان الجيش الأردني يحتل اللد والرملة كما كان حولهما عدد كبير من خيرة المجاهدين الفلسطينيين . وكان اليهود في القدس في أسوأ حال بعد ما قطع عنهم المجاهدون الفلسطينيون كل مدد من الماء والطعام والسلاح والذخيرة، حتى رفعوا الرايات البيض للتسليم ووسطوا الهيئة الدبلوماسية في القدس فأوفدت هذه بعض أعضائها إلى دمشق لمفاوضته أولى الشأن من العرب في أمر التسليم .
كانت حيفا ستقع في أيدي العرب :
أما في المنطقة الشمالية فقد ضرب الفوج العراقي الذي كان يعسكر في جنين بقيادة الضابط الشجاع المقدام عمر علي، القوة اليهودية المهاجمة ضربة قاصمة في يوليو 1948 بالتعاون مع المجاهدين الفلسطينيين من أهل تلك المنطقة ، ضربة جعلت فلول اليهود يولون الأدبار في اتجاه "اللجون" وكان من أثر ذلك وقوع يهود حيفا في رعب شديد ومسارعة رئيس بلدية حيفا اليهودي "شبتاي ليفي" إلى تأليف وفد من نائبي الرئيس "الحاج طاهر قرمان" و"شحادة شلح" لمفاوضة القوة العراقية القادمة في أمر تسليم حيفا واعتبارها مدينة مفتوحة غير محاربة. ولكن قيادة جلوب حالت دون ذلك. وسحب الفوج العراقي وقائده ووجه إليه اللوم على اشتراكه في المعركة، وهكذا ضاعت على العرب الفرصة العظيمة .
أما في تل أبيب فلم يكن اليهود أحسن حالا فقد قامت فيها المظاهرات مطالبة بالكف عن القتال والسليم، حتى اضطر بن غوريون رئيس وزرائهم أن يخطب في المتظاهرين تسكيناً لروعهم وتهدئة لجزعهم، وكان مما قاله لهم : "ن لدي وعداً قاطعاً من الإنجليز والأمريكيين بأن الهدنة ستعقد خلال ثلاثة أيام فإن لم يتم ذلك فتعالوا فاشنقوني هنا"!
فكانت النتيجة أن عقدت فعلاً الهدنتان ، الأولى في 11 يونيو سنة 1948، والأخرى في 19 يوليو سنة 1948واتيح لليهود خلال ذلك أن يتداركوا ما كان ينقصهم من السلاح والعتاد، وأن يفك الحصار عن يهود القدس وأن يسحب الفوج العراقي الذي ضرب القوة اليهودية في جنين ويلام قائده الشجاع المذكور ويسحب من الجبهة، وأن يعدل اليهود في حيفا عن التسليم، وأن تنسحب القوات الأردنية من الللد والرملة، وأن ينسحب تبعاً لذلك الجيش العراقي من رأس العين إلى طولكرم، وأن ينكشف جناح الجيش المصري الأيسر فيضطر إلى الرجوع نحو الجنوب دون أن تنجده قوات من الجيوش العربية ، وأن ينقلب الوضع رأساً على عقب .
أثر الدعاية المضللة بين العرب :
10- الدعايات المضللة والأراجيف الكاذبة التي تغلغلت في البلاد العربية والتي كانت تذيعها المصادر الاستعمارية واليهودية عن قوة اليهود وضعف العرب وتفرقهم، وما قامت به دوائر المخابرات الإنجليزية واليهودية وغيرها من الدوائر الموالية لها من إشاعات باطلة عن الفلسطينيين ، والصاقها بهم أشنع التهم تشوبها لسمعتهم ونزعاً للثقة منهم ، وإبعاداً لما بينهم وبين إخوانهم العرب من روح المودة والتعاون على دفع العدو الغاصب عن فلسطين .
هذه هي الأسباب الرئيسية ، الخارجية والداخلية، لكارثة فلسطين أوردتها لكم بإيجاز ففيها عبرة وذكرى للأمة العربية .
كيف تعالج قضية فلسطين وما هي الخطة المثلى لحلها ولمشكلة اللاجئين ولاسترداد عروبة فلسطين :
وإليكم الجواب على الشق الثاني من سؤالكم الأخير وهو :
- كيف تعالج هذه القضية ، وما هي الخطة المثلى لحلها ، ولمشكلة اللاجئين، ولاسترداد عروبة فلسطين ؟
لقد أشرت في أجوبتي السابقة إلى المؤامرة المبيتة ، بل الغزوة الخطيرة، التي أعدها التعصب الذميم والاستعمار الغاشم ، وغذتها الأحقاد القديمة ، منتهزة فرصة ما أصاب البلاد العربية والإسلامية من ضعف ووهن، وجهل وغفلة ، فصممت على القضاء علينا والتعفية على آثارنا، مبتدئة من هذه البقاع الفلسطينية المباركة لتتخذ منها رأس جسر ونقطة وثوب على الأقطار العربية المجاورة لزلزلة أركانها وتقويض بنيانها، ولو انحصرت الخصومة بالصهيونيين واليهود وحدهم لهان الخطب، ولكن المصيبة الجلي هي في تعضيد الدول الكبرى الاستعمارية، وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لليهود تعضيداً قوياً. ومساعدتهم سياسياً ومالياً وعسكرياً حتى زاد ما أغدقته الولايات المتحدة على الدولة اليهودية منذ تأسيسها عام 1948 حتى اليوم على ألفي مليون دولار هبات وقروضاً وتعويضات، عدا الأسلحة والمعدات والسفن والطائرات .
الولايات المتحدة الأمريكية تبنى أسطول "إسرائيل" البحري :
وقد نقلت الصحف عن شركات الأنباء بتاريخ 4 محرم سنة 1374 (2 سبتمبر 1954) : "إن حكومة "إسرائيل" تسلمت من أمريكا ثلاث قطع بحرية ضخمة هي جزء من أسطول يهودي كبير أوصت "إسرائيل" بصنعه في أحواض الولايات المتحدة وقد صرح أمريكي مسؤول أن الأسطول "الإسرائيلي" سيجعل من "إسرائيل" أقوى دولة بحرية في الشرق الأوسط، وإذا أضفنا إلى ذلك قواها الجوية والبرية المزودة بأحدث الأسلحة الثقيلة تأكدنا أن "إسرائيل" سيكون لها القول الفصل في منطقة الشرق الأوسط، وبذلك تقطع "إسرائيل" كل اتصال بحري أو جوي بين الأقطار العربية كما قطعت الاتصال البري بينها . فعلى الأمة العربية أن تعرف حقيقة وضعها وما هو عليه من خطورة ، وما يبيت لها من خطط لصدع كيانها وتقويض بنيانها، وعلينا أن نعترف بجسامة الكارثة التي نزلت بنا، وإن التجربة الاستعمارية الجديدة التي نفذت في فلسطين بإخراج شعبها والاستيلاء على أرضها ومقدساتها وأموالها ، إذا قوبلت الخشوع والاستسلام ، ولم تصد بقوة وحزم، فإنها ستنفذ حتماً في الأقطار العربية المجاورة التي ستذكر يومئذ المثل المعروف: "إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض" .
علنيا أن نعرف هذه الحقيقة المرة، لا لنستسلم لليأس الذي لا يليق بالأمم الحية فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، بل لنقوي عزيمتنا ونحفز هممنا، ونقابل جد الأعداء بجد مثله وتصميمهم بأعظم منه، ذلك الجد والتصميم اللذين غفلت عنهما الأمة العربية واستبدلت بهما التواني والهزل والعبث حتى وقعت كارثة فلسطين .
ولذلك فإن علينا معاشر العرب والمسلمين أن نعمل ما يأتي لمعالجة قضية فلسطين :
تعبئة روحية :
1- أن نقوم بتعبئة روحية قوية، عاملين على بعث الرجاء في النفوس ، ونزع اليأس من القلوب، فنفعم نفوسنا وقلوبنا أفراداً وجماعات، بالإيمان الصادق، واليقين بالفوز والنصر، وباستنقاذ وطننا واستعادة كرامتنا غير مترددين ولا مرتابين (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم) . فقد سقطت بلادنا المقدسة في أيدي المعتدين مراراً ثم استنقذت منهم، ولنا شواهد عديدة على ذلك في التاريخ قديماً وحديثاً بل في الحرب العالمية الأخيرة ، فإن شعوباً كثيرة استعادت أوطانها بعد ما قضى عليها المتغلبون واجتاحها الأقوياء المسيطرون .
الجد والتصميم وتوطين النفس على المكروه :
2- أن ندع الهزل والتواني والإهمال، ونعتصم بالجد كل الجد في معالجة قضيتنا ونصمم على بلوغ غايتنا مستهينين بكل العقبات والمصاعب، وأن نوطن نفوسنا على المكاره وتحمل أشد الآلام وأغلى التضحيات في سبيل تحقيق أهدافنا واستنقاذ بلادنا التي هي ميراثنا الديني والقومي والتاريخي، ذاكرين قوله تعالى : (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب) .
اذكروا فلسطين :
3- أن تعمل الأمة العربية في سائر أقطارها وأمصارها، على ذكر فلسطين وقضيتها والدعاية الواسعة لها وتدريس تاريخها في سائر مدارسها ، وترديد اسمها وكارثتها في الصحف والمجالس والمدارس، وأن توزع خريطتها وصور أماكنها المقدسة في كل مكان ، وأن تفعل في ذلك فوق ما فعلته فرنسا حينما انتزعت منها الالزاس واللورين ، إذ فرضت على جميع الفرنسيين أن يضعوا خريطتهما في بيوتهم ومتاجرهم ومدارسهم وكنائسهم، وأن يدرسوا تاريخهما وجغرافيتهما في معاهدهم قبل سائر الولايات الفرنسية، وأقامت بالإضافة إلى ذلك نصباً تذكاريا رمزا للالزاس والورين في مكان خاص بالعاصمة الفرنسية ليحج إليه الفرنسيون من سائر الطبقات تذكيراً لهم بهذا الجزء الذي اعتبروه مغصوباً من الوطن الفرنسي .
وأن تصلح الأمة العربية الخطأ الفادح ، بل الخزي الفاضح، الذي اقترفته بإهمالها ذكر فلسطين، وقبولها بطمس اسمها ومحو رسمها من خريطة العالم إذ أصبح القسم الذي احتله اليهود من فلسطين يدعي "إسرائيل" والقسم الآخر المجاور لنهر الأردن "الضفة الغربية" ولم يبق حاملاً اسم فلسطين إلا منطقة غزة التي يحميها الجيش المصري. وعلى الأقطار العربية أن تعني كل العناية بنشر اسم فلسطين وقضيتها بأوسع نطاق كما فعلت الحكومة السورية مشكورة من تأليف الكتب عن تاريخ فلسطين وقضيتها وإلزامها جميع المدارس السورية بتدريسها فيها .
تعبئة عسكرية
4- تعبئة الفلسطينيين تعبئة عسكرية بأعدادهم جسمياً وعسكرياً بتدريبهم وتجنيدهم وتسليحهم وتحويل جميع القادرين منهم إلى مجاهدين وأن يكون عليهم المعول في حراسة الحدود وتحصينها والدفاع عنها وقد قامت أدلة وبراهين لا تنقص على أن أولى الناس بالذود عن الحدود والصمود لليهود، هم أهل فلسطين، ومن الشواهد على ذلك ما ذكره اللواء علي نجيب سفير مصر في سورية فقد اطلعت على تصريح له في بعض الصحف العربية يشيد فيه ببسالة مجاهدي قرية "فلامية" واستماتتهم في دفع قوات الجيش اليهودي المعتدي على قريتهم، ولما قابلته في ربيع الآخر 1373 الموافق ديسمبر 1953 بدمشق سألته عن تصريحه هذا فأكده وروي لي عن شدة كفاح مجاهدي هذه القرية الفلسطينية الصغيرة وحسن بلائهم في دفع عدوان اليهود عن قريتهم ما يدهش .
وهناك شهادات كثيرة على بسالة أهل قلقيلية وإدنا وخوسان ونحالين وغيرها تؤيد ما نقول وتؤكد صحة هذه الخطة التي بذلنا ما وسعنا لتحقيقها منذ حلول الكارثة، ولقد قدمنا في هذه السبيل عشرات المذكرات وقمنا بالمحادثات في مئات الجلسات حتى استجاب لمطالبنا بعض الأقطار فجند بعض اللاجئين . وإنا لنرجو أن تعم هذه الفكرة وأن ينقلب جميع القادرين من الفلسطينيين إلى "مجاهدين" .
تحصين حدود فلسطين :
5- تحصين الحدود العربية المجاورة للمناطق التي احتلها اليهود تحصيناً عسكرياً فنياً لدفع حملات الأعداء المستمرة عليها وإحباط مطامعهم في تجاوزها إلى بقية المنطقة العربية من فلسطين وما وراءها .
تحسين مدينة القدس :
6- تحصين مدينة القدس تحصيناً فنياً قوياً ، والعناية التامة بالدفاع عنها، لأن مطامع اليهود فيها خطيرة جداً. فهم يريدون الاستيلاء عليها وإقامة هيكلهم الديني على أنقاض المسجد الأقصى المبارك . فإن هذه المدينة المقدسة التي تحتوي على المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في القرآن الكريم وأحد المساجد الثلاثة كما ورد في الحديث الشريف والقبلة الأولى للمسلمين ومكان الإسراء والمعراج للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتي تحتوي غير ذلك على كثير من الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية والذكريات الدينية للسيد المسيح عليه السلام وغيره من أنبياء الله الكرام، عدا قبور الصحابة والتابعين وعشرات الألوف من الشهداء والمجاهدين ، قد أهملت شؤونها العمرانية والاقتصادية كما أهملت شؤونها العسكرية إهمالاً خطيراً فاضحاً وفقاً للخطة البريطانية الاستعمارية التي تعمل على إضعافها عسكرياً واقتصادياً لحمل أهلها العرب على النزوح عنها والهجرة منها تسهيلاً لاحتلال اليهود لها وتسليمهم إياها، في الوقت الذي كان اليهود ينقلون إلى القسم الغربي من القدس الذي احتلوه ، وزاراتهم ومجلسهم النيابي وبقية دوائرهم تمهيداً لاتخاذها عاصمة لهم، ولا يألون جهداً في عمرانها وإنعاشها اقتصادياً .
وإنه لمن العار على العرب والمسلمين أن تهمل هذه المدينة المقدسة التاريخية هذا الإهمال الشائن ، وليعلموا أن سقوط القدس والمسجد الأقصى بإهمالهم وسكوتهم وتخاذلهم نذير بسقوط الأماكن المقدسة الأخرى (لا سمح الله) فإن مطامع اليهود السافرة الخطيرة في شمال الحجاز والمدينة المنورة لم تعد خافية وقد ذكرناها بالتفصيل في بعض مقالاتنا السابقة .
إعادة قضية فلسطين إلى أهلها :
7- إعادة قضية فلسطين إلى الفلسطينيين فإنهم أحق بها وأهلها وأحدب عليها وأولى بالذود عنها والاستماتة في سبيلها . ولقد أثبتت التجارب أن هذه القضية كانت وهي في أيدي أهلها مصونة عزيزة الجانب إلى أن استطاعت المؤامرات الاستعمارية أن تنتزعها منهم بالتأثير على بعض الدول العربية فحرمتهم بذلك من الاشتراك الوافي في الحرب كما أبعدتهم عن ميدان السياسة، ولا تزال هذه السياسة الاستعمارية المسيطرة تقاوم بوسائلها المتعددة العناصر المؤمنة المجاهدة من أهل فلسطين لأنهم لم يخضعوا لسيطرتها ولم يخدعوا بمغرياتها .
فينبغي أن تعاد هذه القضية إلى أيدي أهلها المؤمنين المخلصين المصممين ليعيدوا إليها حيويتها ونشاطها، والأمل المرجو من الأقطار العربية أن تمدهم بالعون والثقة والتأييد وأن تحذر من الانخداع بالدعاية الاستعمارية اليهودية الدائبة على تشويه سمعة الفلسطينيين ومحاولة الإفساد والتفريق بينهم وبين إخوانهم العرب في سائر الأقطار .
موقف الحزم والصرامة من الدول الاستعمارية :
8- أن تقف الأمة العربية والعالم الإسلامي موقفاً صريحاً حازماً من الدول الاستعمارية التي تعضد اليهود وتساعدهم مالياً وسياسياً وعسكرياً ، وتحملها مسؤولية كل ما حدث ويحدث في هذه المنطقة من مظالم وفجائع وخسائر في الأنفس والأموال، ومن اضطراب لحيل الأمن وتعكير لصفو السلام، وأن تطالب هذه الدول الاستعمارية ، ولا سيما إنجلترا وأمريكا، بالعدول عن سياسة الظلم والتحيز ، وبالوقوف – بالأقل – على الحياد الصحيح، ولا تقبل أي تعاون سياسي أو اقتصادي أو حربي معها ما لم تعدل سياستها وتلزم جانب الحياد .
توحيد القوى وجمع الكلمة :
9- أن لا تألو البلاد العربية جهداً في سبيل توحيد القوى وجمع الكلمة والوقوف صفاً واحداً تجاه التيارات الاستعمارية والأخطار العسكرية والسياسية والاقتصادية وتوثيق التعاون بين الدول العربية ليكون لها وزن يعتد به في الميزان الدولي .
التمرد على الاستعمار :
10- أن تتمرد الأمة العربية على التوجيه الاستعماري، وأن تكون سياسة الأمة العربية صادرة عن صميم رغباتها وصادق شعورها ووفقاً لحاجاتها ومصالحها لا وفقاً لمصالح المستعمرين ، وأن تنبذ الذين ران الاستعمار على قلوبهم، واستولى على عقولهم ، وجعلهم آلات طيعة صماء يسخرها ويسيرها كيف يشاء ، وأن نقصي هذه الفئة الضالة من عملاء الأعداء وأنصارهم عن كافة الميادين العربية العامة .
الحذر من المستعمرين وجواسيسهم وعملائهم :
11- الحذر من عملاء المستعمرين وجواسيسهم ودعاتهم وشياطينهم الذين بثوهم في كل ناحية، دانية نائية، من البلاد العربية، في دواوينها الرسمية، وبيوتها الخاصة، وسائر أماكنها الحساسة، وفي الأسواق والمعابد، والمدارس والمعاهد، وفي المدن والقرى، وفي السهول والجبال، والصحاري والفيافي . أولئك هم سمع الاستعمار وبصره وآلاته وأدواته المسخرة وهم الذين يؤلفون الطابور (الرتل) الخامس وقد بلغ عدد أفراد هذا "الطابور" في البلاد العربية نسبة لا مثيل لها في أي قطر من أقطار العالم، وأنبث أفراده بين الناس يحصون عليهم أنفاسهم، ويسجلون حركاتهم وسكناتهم ويسعون في الأرض فساداً جاهدين في تفريق كلمة الأمة وتشتيت شملها وتسميم أخلاقها الكريمة وعقائدها القويمة وتوهين روابطها وتقاليدها، ونشر روح الهزيمة فيها، دائبين على ذلك بنظام وبراعة ، وفق خطط مرسومة ليهدموا كيان الأمة العربية ويقوضوا بنيانها، فينبغي أن نحذر هؤلاء كل الحذر كما يجب اتخاذ وسائل المقاومة اليقظة المنظمة لشل حركاتهم وتضييق الخناق عليهم واطلاع الناس على كيدهم ومؤامراتهم ، وأخذهم بالحزم كما تفعل الأمم الحية مع أمثالهم لاتقاء شرورهم ورد كيدهم إلى نحورهم .
وصفوة القول أن الواجب يقضي بالوقوف موقف الحذر الشديد من دوائر المخابرات الأجنبية التي تحرك هؤلاء العملاء والدعاة والجواسيس وترسم لهم الخطط وتغدق عليهم الأموال بغير حساب. وهي تسخر أناساً من جميع الطبقات والمقامات من الرجال والنساء، من الأغنياء والفقراء، والوزراء والسفراء، ومن الخاصة والعامة، للعمل معها والتجسس لها، وترويج مصالحها وتنفيذ أغراضها، فهي من أعظم الأخطار وأكبر المصائب التي تحيق بالبلاد العربية. وكيف يرجى نجاة أمة ونجاحها وتقدمها وفلاحها بوجود هذه العوائق الخطيرة والعناصر الشريرة.
الخلق اليهودي :
وبعد فإن ثمة فرصاً يجب انتهازها، وأخطاء من الأعداء ينبغي استغلالها ، كما أن لنا أنصاراً يساعدوننا مساعدة إيجابية أو سلبية، وأعتقد أن لنا نصيراً سلبياً عظيم الأهمية ، وهو الخلق اليهودي المتأصل فيهم والذي طبعت عليه نفوسهم من أول عهدهم فكان من أهم أسباب فشلهم في جميع أدوار تاريخهم وبغض الناس لهم وخصومتهم واضطهادهم . ومن أبرز نواحي هذا الخلق اليهودي الغرور والإفراط في الأنانية الذي نشأ عن اعتقادهم بأنهم شعب الله المختار من دون الناس، والتطرف الذي لا حد له في المطامع والمطالب والرغبة في حرمان غيرهم من الخير مصداقاً لقوله تعالى فيهم : (أم لهم نصيب من الملك فإذن لا يؤتون الناس فقيرا) ، فلا حدود لمطامعهم ولا رحمة في قلوبهم، وقد اشتهروا باللدد في الخصومة والقسوة الشديدة كما وصفهم الله تعالى بقوله : (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون) .
فهذا الخلق الذي نشأ عن اعتقادهم بأنهم شعب الله الخاص، وأنهم أولى بخيرات هذه الدنيا من غيرهم من الأمم، جعلهم لا يقيمون وزناً لسواهم، ولا يعترفون بحق أو فضل لغيرهم، مما أيأس الناس في كل أدوار التاريخ من العيش معهم، وأعتقد أن هذا الخلق الذي هو (غضب الله) الملازم لهم، سيكثر من أعدائهم ويثير الأمم عليهم، ويكون حافزاً للعرب والمسلمين (الذين استحقوا بابتعادهم عن الله والدين القويم أن يبتلوا بطغيان اليهود وبغيهم وعدوانهم عليهم)، إلى اليقظة والتوبة والعودة إلى الله ، والصراط المستقيم، ولعل حكمة الله اقتضت أن لا تكون افاقتهم من سباتهم العميق، وانتباهتهم من غفلتهم الشديدة ، إلا بأقوى المنبهات وأشدها إيلاما لهم ووخزاً لجسومهم وأرواحهم فيرجعوا إلى سابق عهدهم وينقذوا بلادهم المقدسة من عدوان المعتدين ، سواء أكانوا أجانب مستعمرين أم يهوداً صهيونيين .
استنقاذ فلسطين ضرورة مبرمة للأمة العربية والإسلامية :
هذا ولا شك أن استنقاذ فلسطين واستردادها من أيدي الغاصبين ضرورة مبرمة لا محيد عنها وحاجة قصوى لا مناص منها للأمة العربية . فهي واسطة عقد أقطارها، وجامعة شملها ولحمة شطريها، والصلة الوحيدة التي تربط هذه الأقطار في كل من آسيا وأفريقية ببعض، وأن فقدها (لا سمح الله) سيقضي على كل اتصال بين هذه الأقطار ويعرضها لأشد الأخطار، وقد أخذ شعور العرب والمسلمين بهذا الخطر يزداد على توالي الأيام .
أيها الفلسطينيون، أيها العرب والمسلمون!
أعلموا أنكم في موقف حاسم من مواقف التاريخ، وعلى مفترق الطريق من مستقبل العروبة والإسلام، وأنكم تجابهون غزوة من أقسى غزوات البغي والطغيان، فإن لم تدركوا حقيقة هذا الموقف، وتجدوا كل الجد وتصمموا على بذل الجهد ودفع الثمن مهما غلا، فسيحل بكم بلاء عظيم وستصيبكم القارعة التي لا تبقى ولا تذر، والتي نسأل الله منها السلامة وحسن العافية.
وأعلموا أن المستعمرين والصهيونيين الذين أخرجوا عرب فلسطين من ديارهم وشردوهم في الآفاق إنما يقومون بتجربة جديدة للغزو الاستعماري وهي إبدال شعب بشعب بإبادة العرب وإحلال اليهود محلهم في فلسطين ، كما فعل الإنجليز والأمريكيون بالهنود الحمر وسكان استراليا الأقدمين، فإن استخذيتم ورضختم لهذا الظلم ولم تهبوا لدفعه فإن هذه التجربة بعد نجاحها في فلسطين، ستنفذ حتماً في سائر الأقطار العربية.
الخلاصة
وخلاصة القول: إن معالجة قضية فلسطين واسترداد عروبتها لا يتم بالقول الهراء، ولا بمجرد التمني والدعاء. فإذا أردتم تحقيق ذلك فاشرعوا بالتعبئة الروحية، والتعبئة الحربية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ودعوا الهزل واعتصموا بالجد والتصميم واذكروا فلسطين كذكركم أنفسكم أو أشد ذكراً، وقوموا لها بالدعاية الواسعة، وحصنوا حدود البلاد، ومواقعها المنيعة في القرى والمدن ولاسيما "القدس" المدينة التاريخية وأماكنها المقدسة وأعيدوا قضية فلسطين إلى أهلها المستميتين في سبيلها، وانبذوا للأعداء على سواء، مصارحين الاستعمار بأنه سبب الداء، وأساس البلاء، ووحدوا الصفوف واستعصوا على التوجيه الاستعماري، وانبذوا الانهزاميين، وعملاء المستعمرين ودعاتهم، واتباعهم، وجواسيسهم وسائر رجال الطابور الخامس، واحذروهم . وأقصوهم عن القضية وعن سائر الميادين العامة العربية .
فإن فعلتم ذلك مستعينين بالله العلي القدير مستمسكين بحبله المتين فإنكم حينئذ تفوزون بالنصر المبين وباسترداد فلسطين، وتسترجعون كرامتكم وتحيون في أوطانكم حياة طيبة أعزاء آمنين،
هذه هي السبل القويمة التي توصلكم إلى أهدافكم وإلى إنقاذ بلادكم، فاسلكوها واسعوا إليها السعي الحثيث فالله تعالى يقول : (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) . وثقوا أنكم قادرون على تحقيق غاياتكم، وأنكم عائدون حتماً إلى بلادكم إن أخلصتم، وصممتم وسعيتم وجاهدتم ، وبذلتم أموالكم ، وسفكتم دماءكم .
وترد بالدم بقعة أخذت به
ويموت دون عرينه الضرغام
(ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)
تعليقات الزوار