حوار خاص

لقاء خاص مع آية الله الشيخ محسن الأراكي في توضيح بعض المصلحات التي أطلقها الإمام الخميني(قدس سره) في كلماته وخطاباته.

***

 

سماحة آية الله الشيخ الأراكي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نعزي سماحتكم في ذكرى الرحيل المؤلم والمفجع لإمام الأمة الإمام الخميني (قدس سره) ونشكركم على إتاحة هذه الفرصة الكريمة:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 س1: لو أردنا أن نؤرخ معرفتكم وتعرفكم على الإمام الخميني (قدس سره)، منذ متى بدأت معرفتكم الشخصية بالإمام؟ وكيف بدأت؟

 

ج: بدأت معرفتي بالإمام منذ طفولتي عندما فجر الإمام الخميني ثورته الأولى سنة 1963م في الخامس عشر من خرداد بحسب الشهور الإيرانية وقد كنت آنذاك في سنّ السابعة من عمري، لكن ورغم طفولتي كنت أتابع ما يجري مـن أحداث فـي إيران بمقـدار

فهمي، وقد أعجبتني شخصية الإمام الراحل منذ تلك الفترة إذ رأيت فيه الرجل القوي المؤمن الصّلب في الدفاع عن الحق والصامد أمام أشرس القوى وأعتاها غير آبهٍ بسطوة المستكبرين وغير مبال بما يواجهه من العناء وألوان المحن في سبيل الله سبحانه وتعالى، وكان لخطاباته النارية التي كان لها وقع الزلزال في القلوب والنفوس أو بلغ التأثير في مشاعري وعواطفي، وقد انتقشت في قلبي وذهني منذ ذلك الوقت الجمل الإلهية التي كان أطلقها الإمام في إحدى خطبه آنذاك: يا نجف، يا قم، يا مشهد، يا أزهر، أيها العلماء، أيها السادة، لماذا أنتم صامتون، والله إن الصمت اليوم خيانة بالقرآن، والله أن الصمت اليوم خيانة للإسلام والله أن الصمت اليوم خيانة للمسلمين إلى آخر ما ناشد به الإمام الخميني المسلمين وعلماءهم ومفكريهم، ناشدهم لكي ينهضوا للدفاع عن الإسلام وعن القرآن الكريم.

ثم استحكمت صلتي بالإمام (رحمه الله) بعد قدومه إلى النجف الأشرف إذ كنت ملتزماً بالائتمام به في الصلاة والحضور في مجالسه وخطبه الأخلاقية والسياسية، وكان لعلاقة والدي (رحمه الله) بالإمام دور كبير في استحكام هذه الصلة وتجذّرها، فقد اتخذت من الإمام الشخصية القيادية التي كنت أرى فيها قيم الإسلام كلها، وأرى فيها شخصية الرسول والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) أرى ذلك كله في تقواه وخشوعه، وزهده، وعلمه، وشجاعته، ومثابرته، وإيثاره وإقدامه، وصبره، ووعيه، وصموده، وغير ذلك من ملامح الشخصية النبوية، ومعالم الإمامة الإلهية، وقد وجدت في شخصية الإمام كلما كنت أتطلع إليه وأتوق إليه من مواصفات الإنسان التابع لرسول الله (ص)، المقتدي بأمير المؤمنين (ع) وأولاده الأئمة الطاهرين (عليهم السلام).

 

س2: يلاحظ أن الإمام الخميني (رحمه الله) طرح في السنوات الأخيرة من حياته بعض المفاهيم والمصطلحات الجديدة والتي لم يكن يركز عليها سابقاً كإسلام المترفين،وإسلام الحفاة، أو الإسلام الأمريكي، والإسلام المحمدي، وقد استخدم الاصطلاح الأخير في رسالته إلى الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف. ما هي الأسباب التي جعلته يستخدم هذه المصطلحات؟

 

ج: هذه المصطلحات هي مصطلحات لمعاني قرآنية وقد استخدمها أو ما يشابهها قبل الإمام الخميني القرآن الكريم وأئمتنا المعصومون وخاصة أمير المؤمنين علي (ع).

أما القرآن الكريم فبتأكيده على مفهوم تحريف كتاب الله وخطره على الدين وأهله، إذ قال سبحانه: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِندِ اللهِ﴾([1]) وقال سبحانه وتعالى: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾([2]).

فإنّ الإسلام الأمريكي أو إسلام المترفين ما هو إلا مصداق من مصاديق تحريف الكتاب، فإن الاستكبار الأمريكي والمترفين الذين يحذون حذوه بعرضهم لصورة محرّفة عن الإسلام يحرفون معاني كتاب الله، ويبدلون مفاهيمه فهم المحرفون لكتاب الله في عصرنا هذا، والإسلام الأمريكي أو إسلام المترفين ما هو إلا صورة من صور تحريف الكتاب.

وكان أمير المؤمنين (ع) يشكو إلى الله من أولئك الجهال الذين يتبعون دعاة التحريف وأئمة الضلال المحرفين للكلم عن مواضعه قائلاً:

إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالاً ويموتون ضلالاً ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه، ولا عندهم أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر([3]).

وهكذا الأئمة الآخرون فقد كانوا باستمرار يؤكدون على خطورة تحريف الكتاب وتحريف مفاهيم الإسلام، وهو ما كان يقوم به دائماً الطغاة وحكام الجور، يعينهم في ذلك علماء السوء ووعاظ السلاطين، إذ كانوا وعلى مدى التاريخ يحرفون الأديان ومفاهيم الكتب السماوية وأحياناً يغيرون حتى كـلماتـها وألفاظـها استرضاءً

للطغاة، وإشباعاً لرغباتهم وتمشياً مع ميولهم وأهوائهم، وكانت هذه المشكلة وما زالت من أشد العقبات وأخطرها في طريق الإنسانية وركونها إلى الإسلام المحمدي والقرآن الكريم، وأهم الموانع التي كانت وما زالت تحول دون بلوغ البشرية إلى ساحل الفضيلة والكمال، وإلى بر العدالة والأمان، وهذا هو الذي جعل الإمام الخميني (رحمه الله) يحذر المسلمين وعامة الناس من إسلام المستكبرين والمترفين والإسلام الأمريكي والبريطاني، وهو ما كان يتمثل في العصور الماضية في الإسلام الأموي والعباسي، وقد ظهرت اليوم نسخ جديدة من هذا الإسلام الأمريكي متمثلةً في السلفية الأمريكية والبريطانية والتشيع الأمريكي والبريطاني.

فإننا اليوم بدأنا نواجه نوعين جديدين من الإسلام الأمريكي - البريطاني وهما: السلفية البريطا أمريكية، والتشيع البريطا أمريكي. السفلية البريطا أمريكية التي تختصر الإسلام في التكفير والقتل والإرهاب والتشيع البريطا أمريكي الذي يختصر التشيع في التطبير واللعن والسباب وهما وجهان لعملة واحدة هي الإسلام الأمريكي وهما معاً مدعومان من قبل أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية بل والصهيونية العالمية.

 

س3: هل يعتبر اصطلاح (الإسلام الأمريكي والإسلام المحمدي) من ابتكارات الإمام ومختصاته أم أنه تعبير متداول ومعروف بين العلماء والأمة في تلك الحقبة الزمنية؟

 

ج: مصطلح الإسلام الأمريكي والإسلام المحمدي من المصطلحات المتخذة من ثقافة القرآن الكريم والرسول (ص) وأهل بيته الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وقد استخدمها الإمام الخميني لأول مرة، كما استخدم كثيراً من المصطلحات المتخذة من القرآن الكريم كالمستضعفين والمستكبرين أو الطاغوت، والمترفين وعلماء السوء وغيرها، ومن جملة هذه المصطلحات مصطلح الإسلام المحمدي والإسلام الأمريكي وهما من أهم المصطلحات التي أوصلها الإمام الخميني في ثقافة المجتمع الإسلامي المعاصر، وتنبع أهمية هذين المصطلحين من الدور الأساس الذي يلعبه مفهوما هذين المصطلحين في مصير المجتمع الإسلامي المعاصر وحاضره ومستقبله. فإن أهم الاصطفافات السياسية والفكرية والعقدية والثقافية وحتى الاقتصادية تخضع في تكوّنها الأساسي لما يعبر عنه هذان المفهومان من الحقائق والوقائع على الأرض.

 

س4: ما هي ملامح ومظاهر الإسلام الأمريكي؟

 

ج: أهم ملامح الإسلام الأمريكي هي:

 

1ـ أنه إسلام علماني يفصل بين السياسة والدين ويجعل السياسة من مهمة أصحاب الأطـماع والأهـواء والـمترفين والطغاة،

ويعزل المؤمنين والرساليين والمتقين والحريصين على مصالح الشعوب والمستضعفين من ساحة التنافس السياسي، ويعتبر السياسة حقاً حكراً على الطغاة وأتباعهم تحت عناوين زائفة وخادعة، كالعصرنة والحداثة وما بعد الحداثة وغيرها من المفاهيم المفبركة التي صيغت في الأساس لاستحقاق الشعوب والهيمنة على عقولها وغسل أدمغة المثقفين منهم واستغفالهم.

2ـ أنه إسلام يدعو إلى تمييع القيم الإسلامية وخلط مفاهيمها وتحريفها من خلال محاربة مرجعية العلماء الصالحين والفقهاء العدول في فهم الإسلام واستيعاب مفاهيمه وأحكامه وواجباته ومحرماته، فإن مرجعية العلماء الصالحين والفقهاء العدول هي الضمانة الكبرى لحفظ الإسلام وأحكامه ومفاهيمه عن التحريف والتبديل، ويعزلهم عن هذا الموقع المرجعي يسهل الأثر على الدخلاء والمزيفين لكي يدخلوا في الإسلام ما ليس فيه من البدع والأهواء والآراء الزائفة والمفاهيم المضللة، وخلط الأوراق وتمييع المفاهيم والقيم الإسلامية والقرآنية، حتى لا يبقى حكم أو حدّ أو مفهوم أو حلال أو حرام إلا وحرفوه طبقاً لأهوائهم وبدلوه وفقاً لنزعاتهم الشيطانية.

3ـ أنه إسلام يقيم بالفروع الجزئية والقشور أكثر من اهتمامه بالأصول واللباب، فالمنتمي إلى الإسلام الأمريكي لا يهمه ما يحلّ بالإسلام والمسلمين من الأخطار الكبرى التي تهدد عقائدهم

وهويتهم الإسلامية، ولكنك تجده يهتم بالنجاسة والطهارة وأمثالهما من الفروع، كما يروي التاريخ أن الرجل من أتباع بني أمية جاء يسأل فقيه المدينة عن نجاسة دم البعوض وطهارته فأجابه الفقيه: إنكم قتلتم الحسين سبط رسول الله (ص) وريحانته ولم تتورعوا عن سفك دمه ثم تسألون عن حكم دم البعوض؟! وإنك لتجد المسلم بالإسلام الأمريكي يهتم ببعض المستحبات ويترك الواجبات، فلا يأبه بالدفاع عن المسلمين ولا يهتم بما يحل بالمسلمين في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان مع ورود التصريح على لسان رسول الله (ص) بأن من لهم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم، لكنك تجد هذا المسلم بالإسلام الأمريكي لا يعبأ بكل هذا، ويبذل جل اهتمامه بقضايا صغيرة من مستحبات وسنن لا يؤاخذ الله الإنسان حتى لو تركها متعمداً.

4ـ ومن علائم الإسلام الأمريكي ومواصفاته عدم المبالات بوحدة المسلمين ورص صفوفهم ولا بمصالحهم الكبرى بل والتركيز على أثارة الخلافات الطائفية والمذهبية والسعي إلى إشعال نار الفتنة بين المسلمين وإشغالهم بمحاربة بعضهم لبعض وفتك بعضهم ببعض، عن ما يحل بهم من سلطة المستعمرين ونهب الغاصبين وسلطة المتسلطين، إن من أهم علائم المسلم بالإسلام الأمريكي أنه مشغول عن سلطة الأجانب على مقدرات المسلمين وإذلالهم بالـفتن الـداخلية بين طـوائف المسلمين وفئاتهم ـ فليس يهمه ما فعلته الولايات المتحدة أو بريطانيا أو الصهاينة أو ما يفعلونه بمقدرات المسلمين وأوطانهم ولا ما تبثه وسائل إعلامهم وتنشره من فساد ثقافي وعقائدي ينسخ الهوية الإسلامية ويغسل دماغ الجيل الناشئ المسلم ليسلخ منه هويته الدينية والعقائدية والثقافية وينتزع منه شخصيته وعزته الإسلامية وإنما كل ما يهمه ويشغل باله هو الصراع الدائم مع سائر فئات المسلمين وطوائفهم على أمور قد تكون تافهة لا تستحق الاهتمام أبداً، ولا هي مما اهتم بها كتاب الله الكريم ورسوله العظيم وأهل بيته الأئمة الطاهرين (عليهم السلام).

5ـ ومن مواصفات الإسلام الأمريكي وعلائمه عدم التحرج من الخضوع للطواغيت والسير في ركبهم وتقديم الخدمات والمعونة لهم وتحكيم سلطتهم والدعاية لهم بين الناس، فإنك تجد هؤلاء المتأسلمين بالإسلام الأمريكي على صلة وثيقة وحميمة بالحكام الطواغيت ففي الوقت الذي يعادون فيه المؤمنين والمجاهدين بحجج واهية تجدهم يشيدون بالحكام الطواغيت من ورثة الأمويين وقتلة الصالحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.

6ـ ومن أهم مواصفات الإسلام الأمريكي في عصرنا الحاضر بغض المؤمنين والحقد عليهم خاصة الجمهورية الإسلامية وقادتها وحلفاءها كحزب الله وقائده وسائر المجاهدين المخلصين في مختلف أقطار العالم، هذا من جهة والولاء للأمريكان والبريطانيين  والصهاينة من جهة أخرى، ففي الوقت الذي تجد المتأسلم بالإسلام

الأمريكي ذليلاً بين يدي الأمريكان والبريطانيين سلس الانقياد لهم مطبقاً خاضعاً لسياساتهم مشيداً بهم مدافعاً عنهم، مبرراً لما يقولون به من سياسات الإرهاب والقمع والإبادة للمسلمين والمظلومين، تجد هذا المتأسلم بالإسلام الأمريكي يكيل التهم والشتائم للجمهورية الإسلامية وقادتها الذين تخندقوا في خط الدفاع عن الإسلام والمسلمين والدفاع عن الآمة الإسلامية وهويتها ومصالحها.

ولقد سمعت في إحدى الفضائيات من أحد هؤلاء المتأسلمين بالإسلام الأمريكي من العملاء العراقيين أنه يقول إنه لا توجد مصلحة تجمع بيننا وبين إيران بل إن إيران لا تريد لنا إلا الشر، ولكن لنا مع الأمريكان مصالح مشتركة ومودة متبادلة هذا نموذج من هذا الولاء المنكوس والمعكوس، فإن هذا الإنسان الأرذل الذي عميت بصيرته وتعطلت قواه العقلية والفكرية فأصبح لا يفكر إلاّ بعقل أمريكي ولا يتنفس إلا برئة بريطانية ولا ينظر إلا بعين إسرائيلية صهيونية غفل أو تغافل عن أن الأمة الإسلامية كلها فضلاً عن الشعبين العريقين في المشتركات التاريخية والجزئية والعقائدية والاقتصادية وغيرها وهما الشعبان الإيراني والعراقي ـ شعب واحد تجمعهم مصلحة مشتركة واحدة، وأن العدو الصهيوني والأمريكي والبريطاني لا يريد لشعوب المنطقة ولا للشعب العراقي الخير أبداً وكفى دليلاً على ذلك أن كل ما حل بالشعب العراقي في زمن صدام حسين وبعده كـانت للأمـريكان والبريطانيين والصهاينة اليد

الطولى في التخطيط له ودعمه سياسياً وإعلامياً وعسكرياً واقتصادياً، فلو لا الدعم الأمريكي بل والإيعاز والتشجيع الأمريكي لما حل بالعراقيين ما حل بهم طول ما يقرب من نصف القرن، وان الشعب الإيراني هو أقرب شعوب العالم إلى الشعب العراقي وأشدّهم اهتماماً بمصالح الشعب العراقي، ويكفي لذلك دليلاً ما قدمه الشعب الإيراني من الضحايا في سبيل تحرير العراق من سلطة صدام حسين، وما قدمه الشعب الإيراني للشعب العراقي من العون والمدد والإيواء والنصرة أيام محنته في ظل حكم الطاغوت الصدامي عندما أعرضت أكثر الشعوب عن الشعب العراقي وبخلت عليه بالعون والنصرة حتى الإيواء فكانت حدود الجمهورية الإسلامية هي الحدود المشرعة أمامهم وقلوب الإيرانيين هي القلوب المفتوحة لهم، رغم كل الجراح والضرر الذين خلفته الحرب التي أشعلها صدام حسين ضد الإيرانيين والجمهورية الإسلامية.

 

س5: لماذا عبر الإمام (رحمه الله) بتعبير (الإسلام الأمريكي) ولم يعبر بـ (الكفر الأمريكي) خاصة إذا توجهنا إلى أن أمريكا ليست دولة إسلامية ولا تتبنى الإسلام؟

 

ج: إنما لم يعبر الإمام بالكفر الأمريكي ولكنه عبر بالإسلام الأمريكي لأن الكفر لا يشكل خطراً أساسياً على الإسلام والأمة بل النفاق هو الخطر الأهم والأساسي وهو الذي قصم ظهر الأمة وجعلهم شتاتاً متفرقين ومكن العدو من رقابهم وبلدانهم، وهذا أي خطر النفاق هو الذي ورد في الحديث عن رسول الله (ص) التحذير منه فيما روي عنه (ص) كما مضمونه «إني لا أخشى على أمتي خطر الكفر، إنما أخشى عليهم النفاق» والإسلام الأمريكي هو تعبير عن خطر النفاق في الأمة في العصر الحاضر كما أن الإسلام الأموي هو الذي كان يمثل خطر النفاق في صدر الإسلام.

 

س6: ما هي خصوصية (أمريكا) لكي تدخل في هذا المصطلح، علماً أن أعداء الإسلام لا ينحصرون ولا يختزلون في (أمريكا)، فبريطانيا لا تقل عداءً عن أمريكا، وكذلك إسرائيل، ومع ذلك فلم يعبر الإمام في هذا التقسيم بـ (الإسلام البريطاني أو الإسرائيلي)؟

 

ج: خصوصية أمريكا أنها هي القوة العظمى التي تعتمد عليها وتتمحور حولها كلّ القوى المعادية للمسلمين بل كلّ قوى الشر في العالم، في الغطاء العام لكل الأعمال والممارسات العدائية التي تخطط ضد المسلمين ومصالحهم في شتى بقاع الأرض، بل هي المصدر لكل مشكلة تحدث بشعوب العالم، ويكفي شاهداً على ما نقول بما نجده اليوم من الحروب والمشاكل في مختلف نقاط الأرض، فإنك تجد أن الذي يقف وراءها جميعاً هو الولايات المتحدة وحلفاءها فما نجده من الظلم والضيم في أرض فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وما نجده اليوم من محاولة الولايات المتحدة لإنارة الحرب بين كـوريا الشمالية وجـارتها، وبين الصين

وبعض جاراتها وبين شعوب أمريكا الجنوبية وبين الشعوب الأفريقية بعضها مع بعض، وبين الشيعة والسنة وبين العرب وبين جيرانهم من غير العرب وبين الهند وباكستان، والسر في ذلك أن أمريكا لا يمكنها أن تحكم سيطرتها على العالم إلاّ من خلال إثارة القلاقل والفتن بين الدول والشعوب، فإن الشعوب والدول إن استقرت وتضامنت واتحدت في ما بينها، وحسنت علاقاتها بعضها مع بعض، واشتدت أواصر بعضها مع بعض لم يكن للولايات المتحدة سبيل عليها ولا طريق لفرض سيطرتها على مقدراتها وثرواتها وخيراتها.

أما بريطانيا والصهاينة والأوربيون فإنما يفعلون ما يفعلون في ظل الغطاء الأمريكي وحول المحور الأمريكي، فلولا هذا المحور الذي يسعى إلى التحالف مع القوى الصغرى وضمّها إليه لما استطاع المحور الأمريكي من تحكيم سيطرته على العالم، وإنما يستطيع المحور الأمريكي من ختم هذه القوى الصغرى إليه عن طريق خلق حالات التعارض والتخويف المتبادل بينها كما رأينا وشاهدنا في ما يخص العلاقات الأمريكية الروسية وكيف أن الأمريكان استطاعوا من خلال تهديد روسيا عن طريق جيرانها الأوربيين أن تركع روسيا لسياساتها وتجعل روسيا تنضم إلى قائمة حلفاء الولايات المتحدة في سياساتها العالمية.

إن أمريكا لا تعادي الأنظمة والحكومات بل هي عدوّة الشعوب، لأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تحكم سيطرتها عـلى

العالم إذا كانت الشعوب واعية لمصالحها وقوية وقائمة بذاتها، ويكفي شاهداً على ما نقول ما وجدناه أخيراً من موقف الشعب الياباني إزاء خروج القوات الأمريكية من اليابان، فما هي مصلحة الشعب الياباني في استقرار قوات أمريكية في اليابان، والشعب الياباني من أشد الشعوب تضرراً من الولايات المتحدة فإن الولايات المتحدة أبادت قسماً كبيراً من الشعب الياباني بقنبلتين ذريتين أفلا يكفي إبادة الشعب الياباني بقنبلتين ذريتين دليلاً على معاداة الأمريكان للشعوب؟

أفلا يكفي ما نجده من تدمير الأمريكان وهجومهم على المناطق الآهلة بالسكان المدنيين في أفغانستان وباكستان دليلاً على عدائها للشعوب؟ أفلا يكفي دليلاً ما وجناه وشاهدناه إبان الانتفاضة الشعبانية للشعب العراقي في زمن صدام كيف انسحبت القوات الأمريكية من الأرض العراقية عند ما حررّ الشعب العراقي أكثر المدن العراقية من سلطنة صدام حسين، وكيف سمحت القوات الأمريكية لقوات صدام حسين لكي تنقضّ مرة أخرى على الشعب العراقي وتجهض انتفاضته المباركة لا لشيء إلاّ لأن الشعب العراقي كان هو الذي قام بهذه الانتفاضة وكانت لو قدر لها الانتصار تعيش مستقلة موحدة مرفوعة الرأس غير ذليلة ولا خاضعة لسيطرة الأمريكان وقوات التحالف ولا مضطرة للخضوع لسياسات الأمريكان وحلفائها كما عليه حال الشعب العراقي الآن؟

أفلا يكفي هذا الرقم الواضح دليلاً على معاداة الأمريكان للشعوب وللشعب العراقي بصورة خاصة؟

أفهل يمكننا أن نتغاضى أو نتعامى عمّا تقوم به الولايات المتحدة من دعمها الصريح للصهاينة ضد المظلومين في فلسطين أفهناك عداء للشعوب أصرخ لوناً وأشد وضوحاً من هذا العداء الصارخ الواضح لشعوب المنطقة كلها ولشعب فلسطين على الخصوص.

هل الأمريكان يعادون سلطة الطواغيت من حكام العرب ولا يعادون شعوب المنطقة، وكل ما يقوم به الحكام الطغات من استبداد وظلم للشعوب إنما يتم بالتنسيق مع أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية وتحت إشرافها وإدارتها؟!

أفلا نرى كيف يحمي الأمريكان الإرهابيين في العراق وكيف يحرسونهم ويمدونهم بالعتاد والأموال وكيف يطلقون سراحهم من السجون ليدفعوا بهم إلى قتل الشعب العراقي وإبادته؟

من أين تأتي المتفجرات والتكفيريون؟ أفلا نجد كيف أن حلفاء أمريكا في المنطقة هم الذين يصدرون التكفيريين إلى العراق وإلى باكستان والهند بل إلى إيران وأفغانستان ليمهدوا لهم أرضية بقائهم واستمرارهم في المنقطة ليسلبوا شعوب المنطقة أمنها واستقرارها ليوعزوا إليهم بحاجتهم إلى الأمريكان في الأمن والاستقرار!!

أفلم نسمع وألم نشهد كيف أن وعاظ السلاطين الموظفين لدى الحكومات المخالفة مع الأمريكان في المنطقة كيف قاموا بتصدير الفتاوى وما زالوا بشأن قتل المسلمين وأبادتهم في العراق وغيرها وهل هناك من يصدق أن ذلك لم يتم بدعم وإيعاز من أجهزة المخابرات الأمريكية وحلفائها في المنطقة؟

أفبعد كلّ هذا وآلاف غير هذا من الشواهد والأدلة، هل يبقى صاحب ضمير أو ذي بصر بصير شاكاً في عداء أمريكا ليس لشعوب المنطقة فسحب أو لا للمسلمين فحسب بل للبشرية جمعاء...

إن الأمريكان وحوش مفترسون لا يعرفون من الإنسانية والحس البشري شيئاً، ولا دليل على وحشيتهم أصرح من دعمهم للصهاينة أعداء الإنسانية في تعاملهم لا مع المظلومين الفلسطينيين فحسب بل مع جميع أبناء البشر كما شهدنا وسمعنا ما قامت به الصهاينة تحت غطاء من الدعم  الأمريكي والبريطاني من الهجوم الوحشي الدامي على أسطول الحرية؟!

إن أسطول الحرية شاهد واضح على عداء أمريكا والصهاينة للبشرية جمعاء، ولنستمع إلى ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى إذ قال: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾([4]).

 ([1]) سورة البقرة، الآية: 79.

 ([2]) سورة النساء، الآية: 46.

 ([3]) الخطبة 17 من نهج البلاغة، بشرح محمد عبده.

 ([4]) سورة فاطر، الآية: 6.