عندما نقول للحسين(عليه السلام): (يا ليتنا كنّا) فإنّ ذلك يعنى أن نحذو حذو شهداء كربلاء ونواكب أنفسنا مع المعارف الحسينيّة والرسالة العاشورائيّة التي ضحّى الشهداء بالغالي والنفيس من أجلها.

إنّ البحث عن معارف ثورة عاشوراء ورسالتها العظيمة أمر هامّ للغاية، ونستطيع اعتماد هذه المعارف في حلّ جميع مشاكل البلاد؛ لأنّ عاشوراء خالدة وفاعلة في كلّ مكان وقد امتزجت بمفاهيم لا تبلى ولا تندرس أبداً(1).

إنّ رسالة عاشوراء اتحدت مع أسمى المضامين كالحريّة ومواجهة الظلم وهي في قوة وانتشار يوماً بعد يوم. والكثير من أمثال هذه المفردات نجدها متجليّة فيما ورد في الزيارات وما نقل من خطب الإمام الحسين(عليه السلام) في مكّة وأثناء طريقه إلى كربلاء وليلة عاشوراء، وكذلك في خطب الإمام السجاد(عليه السلام) والسيّدة زينب عليها السلام في الكوفة والشام، ومن خلال أراجيز أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) في المعركة وغير ذلك(2).

 

الغيرة الدينيّة

إنّ الغيرة الدينيّة وصيانة القيم الإسلاميّة هي من أهمّ مفردات نهضة عاشوراء، إذ نرى قمر بني هاشم(عليه السلام) عندما تقطع يمناه في المعركة ينادي: >والله إن قطعتموا يميني إنّي أحامي أبداً عن ديني

 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إنّ إحياء فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المنسيّتين كانت من جملة أهداف الإمام الحسين(عليه السلام)(4). ولكن للأسف هناك في المجتمع الإسلامي من يصرّ على تهزيل وتضعيف هذه الرسالة السامية على الرغم من أهميّتها ليمهّد بذلك لترويج أفعالٍ تغاير وتناقض الشريعة الإسلاميّة(5).

ولذلك فإنّ كلمات سيّد الشهداء(عليه السلام) وتأكيده على هاتين الفريضتين تبيّن لنا ضرورة نشر المعروف وإزالة المنكر. علينا أن نوسّع ونكثر من إقامة مراسم العزاء،(6). ولكن إذا نسينا أو أخطأنا في نشر المعروف وتركنا المنكر وشأنه، فإنّ مجالس العزاء ستفقد مفعولها ولن نحقق رسالة الحسين(عليه السلام) التي استشهد من أجلها(7).

علماً بأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن صار محلّ اهتمام جميع أفراد المجتمع الإسلامي فستحلّ عقد الكثير من المشاكل. ولا يخفى بأن العدوّ يريد إظهار أنّ هاتين الفريضتين ملازمتان للعنف والإرهاب، إلاّ أنّهما ليستا كذلك أبداً بل يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلين الكلام وطيبه وأن يكون نابعاً عن شفقة ورحمة بالمسلمين(8).

 

العبوديّة لله سبحانه والتضحية في سبيله

ومن جملة معالم ثورة الحسين(عليه السلام) هي صلاته في ظهر يوم عاشوراء مع أصحابه وأهل بيته، ومغزى هذا الفعل هو ضرورة إقامة الصلاة في أصعب وأشد الظروف(9).

إنّ صلاة الجماعة إذا أقيمت في أوّل وقتها ورافقها حضور القلب في العبادة، من شأنها معالجة الكثير من الآفات والمشاكل الاجتماعيّة والثقافيّة(10).

فصلاة الحسين(عليه السلام) مع أصحابه فريدة من نوعها في التأريخ، قد أحيت روح الصلاة وبيّنت حقيقة معناها لسالكي طريق الحقّ وباحت بسرّ معنى العبوديّة والتضحيّة في سبيل المعبود، وقد سطّرت بحمرة دمائهم على جريدة التأريخ زيف ما يعبد من دون الله، فسماع صوت التكبير والأذان من المآذن في عصرنا إنّما هو ببركة تلك الصلاة، وما أجمل ما نشاهده في هذه السنوات من وقوف المواكب الحسينيّة في ظهر يوم عاشوراء وقت صلاة الظهر وإقامة الصلاة مهما كانت الظروف والأحوال(11).

 

استشهاد الطفل الرضيع(ع)؛ نداء مظلوميّة الإمام الحسين(عليه السلام)

إنّ كل المآسي والعبر التي جرت في كربلاء جديرة بالاستماع إلّا أنّ حادثة استشهاد الطفل الرضيع أجدر من غيرها وأكثرها عبرة(12).

أوّل مفردات هذه الملحمة أنّه(عليه السلام) لم يستثن أي أحد من فريضة مواجهة الظالمين، فالرضيع يقف في الميدان كما يقف الشاب والشيخ جنباً إلى جنب ويستشهد كلّ منهم إلا أنّ لكلّ واحد سلاح، إما النبل أو الرماح أو السيوف، وأمّا الرضيع فسلاحه عنقه ومنحره الصغير وقطرات دمه الطاهرة وهو أجلى دليل على مظلوميّة الحسين(عليه السلام). وإنّ دم الرضيع الذي رماه الحسين(عليه السلام) إلى السماء وما سقط على الأرض من دماء الشهداء، قد أحيا السماء والأرض(13).

ثمّ إنّ العدوّ الظالم قد تمادى إلى أقصى حدود الشقاء والعدوان حتّى أنّه لم يرحم الطفل الرضيع ابن بنت الرسول في حجر أبيه(14). إلاّ أنّ جميع المصائب والآلام والأحزان تهون في سبيل الله إذ أنّ العالم بأسره في محضر الله سبحانه وتعالى ولا يخفى عليه شيء، ولذلك قال(عليه السلام): هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله(15).

 

بيان مظلوميّة الحسين(عليه السلام) في مختلف الأبعاد

إنّ الحسين(عليه السلام) وأصحابه الأوفياء لم تكن مظلوميّتهم من جهة واحدة، بل نجد لها أبعاداً عديدة في وقعة الطف مثل: دعوة أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام) وعدم وفاءهم بالعهود والمواثيق التي قطعوها على أنفسهم، وقتلهم لضيفهم مسلم بن عقيل، ومنعهم الحسين(عليه السلام) وأصحابه وأهل بيته ونساءه من شرب الماء، والمواجهة في حرب غير عادلة بثلاثين ألف مقاتل في مقابل 72 من أصحاب الحسين(عليه السلام)، وقتل الطفل الرضيع، والتعرّض إلى الأطفال والنساء، وإضرام النيران في الخيام، وسحق أجساد الشهداء بحوافر الخيول، ورفع الرؤوس على الرماح، وسبي نساء وأولاد آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسوقهم سبايا في المدن التي مروا بها وغيرها من المصائب التي تتميّز وقعة عاشوراء بها(16).

 

الثبات والاستقامة

عندما نتأمّل في آخر كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) أسوة الإيثار والفداء نجده(عليه السلام) صاحب سكينة ونفس مطمئنّة لا يعبأ بالموت الذي اقترب منه ولم يتزلزل إيمانه ولم يتغيّر عزمه باستشهاد أحبته وأصحابه وإن تأثّر بفقدهم، بل أنّ ذلك ما زاده إلاّ إيمانا وثباتاً وكان يتوهّج الشوق لملاقاة المحبوب في قلبه كل لحظة!(17).

كان(عليه السلام) يهيّئ ابنه الوحيد الإمام السجاّد(عليه السلام) لقبول مسؤوليّة عظيمة تتمثّل في إثمار الشجرة التي غرسها الحسين(عليه السلام) في يوم عاشوراء في أرض كربلاء وسقاها بدمه ودم أحبته وأصحابه، وأوصاه بآخر وصاياه وحثّ أخواته وبناته على طاعة الإمام علي زين العابدين(عليه السلام)(18).

وإنّ الحسين(عليه السلام) لم ينس شيعته وأتباع مدرسته في مثل تلك اللحظات الحرجة والعاصفة، فقد أبلغهم بواسطة ابنه السجّاد(عليه السلام) صوت مظلوميّته وخطّ لهم الدرب الذي يجب أن يسيروا عليه إلى يوم القيامة(19).

 

العزّة وعدم المساومة

إنّ سلوك أسرى أهل البيت(عليه السلام) في وقعة الطف تعلّمنا دروسًا هامّة، إذ نجد السيّدة زينب عليها السلام تخاطب يزيد في مجلسه وتقول: >ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك، إنّي لأستصغر قدرك< فشجاعتها في الحديث وهي أسيرة بين يدي يزيد، تعطينا درساً لعدم الاستسلام للعدوّ في كافة الأحوال وعدم التراجع عن القيم والأصول وعدم الرضوخ للذلّ والهوان(20).

 

كلمة أخيرة

عندما نخاطب الإمام الحسين(عليه السلام) "يا ليتنا كنّا معك" فإنّ ذلك يعني أن نحذو حذو شهداء كربلاء ونواكب أنفسنا ونتّجه نحو القيم والمثل الحسينيّة السامية التي ضحّى أولئك الشهداء من أجلها(21).

ولذلك فإنّه على أتباع مدرسة الحسين(عليه السلام) وعشّاق دربه الاهتمام بالمفاسد الموجودة في مجتمعاتهم وزمانهم، والسعي لمكافحتها، ولا شكّ بأنّ هذه الجموع الغفيرة من الموالين إذا قرّروا إصلاح المفاسد وسوق المجتمع نحو الصلاح فإنّهم سيوفّقون لذلك(22).

علينا الالتزام برسالة وقيم واقعة الطف في إقامتنا للشعائر الحسينيّة، فإقامة المجالس أمر مطلوب وضروريّ إلاّ أنّ الاهتمام برسالة الثورة الحسينيّة العظيمة أهمّ وأجدر(23).

 

إعداد ودراسة شعبة الأخبار في المكتب الإعلامي التابع لسماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1] كلمة سماحته في جموع المواكب الحسينية في رواق الإمام الخميني(ره) في حرم السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام بتاريخ، 1393/8/14.

 [2] نفس المصدر.

 [3] نفس المصدر.

 [4] أهداف الثورة الحسينية؛ ص38

 [5] كلمة سماحته في جموع المواكب الحسينية في رواق الإمام الخميني(ره) في حرم السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام بتاريخ، 1393/8/14.

 [6] أهداف الثورة الحسينية؛ ص44.

 [7] نفس المصدر.

 [8] كلمة سماحته في جموع المواكب الحسينية في رواق الإمام الخميني(ره) في حرم السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام بتاريخ، 1393/8/14.

 [9] نفس المصدر.

 [10] نفس المصدر.

 [11] عاشوراء جذورها ودوافعها وأحداثها وتداعياتها؛ ص473.

 [12] نفس المصدر؛ ص500.

 [13] نفس المصدر.

 [14] نفس المصدر.

 [15] نفس المصدر.

 [16] نفس المصدر؛ ص33.

 [17] نفس المصدر؛ ص505.

 [18] نفس المصدر.

 [19] نفس المصدر.

 [20] كلمة سماحته في جموع المواكب الحسينية في رواق الإمام الخميني(ره) في حرم السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام بتاريخ، 1393/8/14.

 [21] نفس المصدر.

 [22] أهداف الثورة الحسينية؛ ص33.

 [23] كلمة سماحته في جموع المواكب الحسينية في رواق الإمام الخميني(ره) في حرم السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام بتاريخ، 1393/8/14.