اول صفر ذكرى انطلاق ثورة زيد الشهيد ابن علي السجاد(عليهما السلام) في الكوفة سنة 121هـ، ضد طغيان بني أمية واستبدادهم، وثأراً للمجازر التي ارتكبوها بحق بني هاشم.

ما أن تطأ أقدامك ذلك المشهد المقدس حتى يعتصر قلبك الحزن وتشعر بكآبة المكان رغم رحابته ورغم يد الإعمار والتحديث التي طاولته في السنوات الأخيرة، إلا انك تشعر بذلك قبل أن تقرأ وتسترجع الأحداث التي جرت في هذه البقعة النائية والتي أدت إلى استشهاد زيد ابن الإمام علي بن الإمام الحسين عليهم السلام، قتيل العراق، وحليف القرآن، وأحد ابرز علماء آل محمد عليهم السلام، وسليل الشهداء، الذي رفع رأسه الشريف على رمح وطافوا به في البلدان كما رفع رأس جده الإمام الحسين عليه السلام من قبل وأرسل هدية إلى هشام بن عبد الملك ففرح به كما فرح يزيد حين مثل رأس الإمام الحسين أمامه..... لا يبعد المزار الشريف سوى ثمانية كيلو مترات، عن طريق حلة – نجف، فيما يبعد 30 كيلو مترا عن مركز مدينة الحلة، في بقعة تسمى منطقة زيد بن علي (ع) كانت تسمى بباب الكناسة وهي احد أبواب الكوفة، عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك، وكانت مكانا مزدحما بالسكان باعتباره مفترق طرق.

اصح الروايات، تؤكد أن هذا المقام هو مكان الصلب، حيث صلب الشهيد وبقي معلقا بصورة معكوسة لمدة أربع سنوات حتى لم يتبق من الجسد الشريف غير العظم، فيما تقول الرواية الأخرى انه مكان الدفن في الساقية التي اقتطع ماؤها، وقد تستطيع قراءة نوائب الدهر التي جرت على الإمام زيد في احد جدران المرقد الشريف حيث كتبت قصة استشهاده بالكامل.

 

 

المولود الشهيد

زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا الحسين، أمه اختارها المختار بن عبيدة الثقفي لعلي بن الحسين (ع) وجاء في غاية الاختصار بأنه ولد سنة 78 هـ وقيل سنة 75 هـ في مدينة الرسول (ص) ولما بشر به أبوه الإمام زين العابدين (ع) اخذ القرآن الكريم متفائلا به فخرجت الآية الكريمة (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)، فطبقه وفتحه ثانية فخرجت الآية (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون) فطبق المصحف ثم فتحه فخرجت الآية (وفضل الله المجاهدين على القاعدين) وبهر الإمام وراح يقول (عزيت عن هذا المولود وانه من الشهداء).

 

عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال رسول الله (ص) للإمام الحسين عليه السلام (يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بغير حساب)، وقال (ص) (يقبل رجل من أهل بيتي فيصلب لا ترى الجنة عينا رأت عورته).

نشأ زيد في بيت النبوة والإمامة وتغذى بلباب الحكمة وكان الإمام زين العابدين حفيد الإمام علي بن أبي طالب (ع) باب مدينة العلم يتعهده بالآداب ويرسم له طريق الهداية والخير كما لازمه أخوه الإمام الباقر (ع) منذ نعومة أظفاره، ومن الطبيعي أن لهذه الصحبة أثرا فعالا في سلوكه وتكوين شخصيته فقد حفظ القرآن الكريم في المراحل الأولى من دراسته واتجه بعد ذلك إلى الحديث وأصبح بعد فترة فقيها واسع العلم والمعرفة يأخذ بكتاب الله وسنة رسوله ويروي الحديث لغيره، وللإمام زيد طريقة خاصة بقراءة القرآن تسمى بطريقة زيد وله مؤلفات كثيرة حيث نسبت له مجموعة من المؤلفات والرسائل بعضها في تفسير القرآن الكريم، وبعضها في علم الفقه وقسم منها في علم الكلام والأخرى في الحديث وهي أكثر من 29 مؤلفا وقد أوردت الصحف العراقية قبل حفنة من السنين أن للإمام زيد بن علي تفسيرا للقرآن موجود في خزائن المخطوطات في مكتبة الكونغرس الأمريكي.

 

الثائر الشجاع

وقد تحدث زيد (ع) عن سعة علومه ومعارفه حين عد نفسه لقياده الأمة والثورة على الحكم الأموي، حيث قال (والله ما خرجت ولا قمت مقامي هذا حتى قرأت القرآن وأتقنت الفرائض وأحكمت السنة والأدب وعرفت التنزيل كما عرفت التنزيل وفهمت الناسخ والمنسوخ والمحكم وما تحتاج إليه الأمة في دينها مما لا بد منه ولا غنى عنه واني لعلى بينة من ربي).

لقد ثار زيد على الحكم الأموي بوحي من عقيدته التي تمثل روح الإسلام وهديه بعد أن رأى باطلا يحيى وصادقا يكذب ورأى جورا شاملا واستبدادا بأمور المسلمين ورأى حكام بني أمية لم يبقوا لله حرمة إلا انتهكوها فخرج داعيا إلى الله، طالبا للحق وقد امتلأت نفسه حماسا وعزما على إعلاء الثورة الحسينية، وقد فجّر ثورته المباركة التي كانت امتدادا لثورة الإمام الحسين عليه السلام ضد الحكم الأموي ليرفع لواء الحق ومن أهداف ثورته الثأر لدم جده سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام وإقامة العدل والعيش في عزة وآباء.

وقد أعلن زيد (ع) شارة الثورة بكلمته الخالدة التي أصبحت شعارا للجهاد ضد الظلم والجور قائلا (ما كره قوم حر السيف إلا ذلوا).

 

قصة استشهاده

في معركة الحق الذي نشده زيد ضد الباطل الأموي وتحت جنح الليل رمي زيد (ع) بسهم غادر أصاب جبهته ووصل إلى دماغه الشريف فحلت الكارثة في أصحابه فهاموا في تيارات مذهلة من الأسى والحزن وطلب له الطبيب فانتزع منه السهم، فتوفي من فوره، وذلك يوم الجمعة الثالث من صفر سنة 122 هـ، وقام أصحابه بمواراته بنهر هناك فقطعوا ماءه وحفروا فيه قبرا وواروا الجسد الطاهر فيه، ثم اجروا الماء وكان مع أصحاب زيد احد عيون السلطة يراقب تحركاتهم فبادر مسرعا إلى الكوفة واخبر حاكمها بموضع الدفن فأمر بنبش القبر وأخرجه منه وحمل إلى القصر في الكوفة وأمر بصلبه منكوسا في سوق الكناسة بعد حزّ رأسه الشريفة وقد رفع رأس زيد الشهيد كما رفع رأس جده الإمام الحسين عليه السلام على رمح يطاف به في الأقطار، حيث أرسل الرأس هدية إلى هشام بن عبد الملك ففرح به كما فرح يزيد، حين مثل رأس الإمام الحسين أمامه، فأمر بنصب الرأس الشريفة على باب دمشق ثم أرسل إلى المدينة عند قبر النبي يوما وليلة ثم أرسله إلى مصر وكان ذلك حقدا عليه ولإذاعة الخوف والإرهاب بين الناس، أما الجسد الطاهر فقد صلب على جذع شجرة وأحاط به حرس مكثف مخافة أن يسرق ويدفن وبقي مصلوبا على هذا الحال طيلة أربع سنوات ولما مات هشام وولي من بعده الوليد بن يزيد كتب إلى حاكم الكوفة يوسف بن عمر كتابا يأمر به بأن ينزل الجثمان المقدس ويحرقه بالنار وقام ولي الكوفة بإحراق الجسد وذره في الفرات وهو يقول والله يا أهل الكوفة لأدعكم تأكلونه في طعامكم وتشربونه في مائكم.

 

تبلغ مساحة المزار عشرة آلاف متر وقد بدأ الإعمار فيه عام 1996 وانتهى عام 2003، حيث اخذ الوقف الشيعي على عاتقه بعد هذا التاريخ إجراء الترميمات اللازمة بما فيها مرمر الصحن باستثناء تغليف السياج الخارجي بانتظار التخصيصات المالية اللازمة كما أن هناك مشاريع مستقبلية لتوسيع المكان وتغيير جهة الدخول والخروج إليه من خلال إجراء تحويرات كثيرة في المنطقة السكنية المحيطة به وفتح شوارع جديدة.

يزور مرقد الشهيد زيد بن علي ملايين الزوار سنويا في حين يصل عددهم في زيارته السنوية التي تصادف اليوم الثالث من شهر صفر وهو يوم استشهاده الشريف إلى أكثر من مليوني زائر ولا تقتصر زيارته على طائفة دون أخرى.

رغم هذه السنوات الطويلة إلا أن مرقد زيد بن علي عليه السلام ما زال يشع نوره في الأصقاع ويؤمه الناس طلبا لكرامة حليف القرآن، في حين تقع على مقربة منه وفي مكان ليس ببعيد عنه إطلال خرائب قصر هشام بن عبد الملك التي كانت في يوما ما قصرا بُني على الظلم والجور و(دار الظالم خراب) فرحم الله زيد الشهيد الذي أحيا ثورة جده الإمام الحسين (ع) بعد أن حاول بنو أمية إطفاء نورها والتي أراد الله جل وعلا أن لا تنطفئ أبداً.