صادف يوم الأحد 30 صفر ذكري استشهاد ثامن أئمة أهل بيت الرسول الأعظم (ص) الإمام علي بن موسي الرضا (عليهما السلام).
هو الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) الإمام الثامن من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
كنيته أبو الحسن، ولقبه الرضا.
ولد الإمام الرضا (ع) في 11 ذو القعدة، 148 هـ بالمدينة المنورة.
أمه تسمى نجمة.
مدة إمامته: عشرون عاماً من سنة 183 إلى 203 هجرية.
استشهد مسموما في آخر صفر من سنة 203 للهجرة علي يد المأمون العباسي
النسب
الإمام عليّ الرضا عليه السّلام ينحدر عن سلالة علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء (عليهما السلام)
الأب
وأبوه الإمام موسى بن جعفر الكاظم سلامُ الله عليه.. الذي لم يطق أعداؤه صبراً على مدحه: فذاك قاتله هارون العبّاسيّ يشير إليه ويقول لابنه المأمون: هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلْقه، وخليفته على عباده... موسى بن جعفر إمام حق. والله يا بُنيّ، إنّه لأحقّ بمقام رسول الله صلّى الله عليه وآله منّي ومن الخلق جميعاً، واللهِ لو نازعتَني هذا الأمر لأخذتُ الذي فيه عيناك، فإنّ المُلك عقيم.
وقال له مرّةً أخرى: يا بُنيّ! هذا وارث علم النبيّين، هذا موسى بن جعفر، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا.
ونُقل عنه كذلك أنّه قال: هذا وارث علوم الأوّلين والآخِرين، فإن أردت علْماً حقّاً فعند هذا.
ويأتي بعد ذلك المؤرّخون والرجاليّون ومدوّنو السِّيَر.. فلا يجدون في أنفسهم إلاّ إعجاباً به وإجلالاً له، ولا يملكون عن الثناء عليه أقلامهم:
فأبو عليّ الخلاّل ـ شيخ الحنابلة ـ يقول: ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به، إلاّ وسهّل الله تعالى لي ما أُحبّ.
وأبو حاتم يقول فيه: ثقة صدوق، إمام من أئمّة المسلمين.
والنسّابة يحيى بن الحسن يقول فيه: يُدعى العبد الصالح، من عبادته واجتهاده.
والذهبيّ ـ رغم تعصّبه ـ يكتب: كان موسى بن جعفر من أجواد الحكماء، ومن العبّاد الأتقياء.
وابن الجوزيّ هو الآخر يكتب: كان يُدعى العبد الصالح؛ لقيامه بالليل، وكان كريماً حليماً، إذا بلغه عن رجل أنّه يؤذيه بعث إليه بمال.
وذاك ابن حجر ينصّ على أنّه وارث أبيه الصادق عليه السّلام علماً ومعرفة، وكمالاً وفضلاً، ثمّ يقول: سُمّي بـ «الكاظم» لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بـ(باب قضاء الحوائج عند الله)، وكان أعبدَ أهل زمانه، وأعلمهم وأسخاهم.
وإذا جئتَ إلى كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعيّ سمعتَه يقول في الإمام الكاظم عليه السّلام: هو الإمام الكبير القدْر، العظيم الشأن، الكثير التهجّد، الجادّ في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعات، يبيت الليلَ ساجداً وقائما، ويقطع النهار متصدّقاً وصائما، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظما.. ويُعرف في العراق بـ (باب الحوائج إلى الله)، لنُجح مطالب المتوسّلين إلى الله به. كراماته تَحار منها العقول، وتقضي بأنّ له عند الله تعالى قدمَ صِدق لا يزول.
وأمّا ابن الصبّاغ المالكيّ فيمضي قلمه بلا تعثّر فيدوّن هذه العبارات: وأمّا مناقبه وكراماته الظاهرة، وفضائله وصفاته الباهرة، فتشهد له بأنّه افترع قبّة الشرف وعَلاها، وسما إلى أوج المزايا فبلغ عُلاها، وذُلّلت له كواهل السيادة فامتطاها، وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فأصفاها.
الأجداد
وإذا أردنا أن نتعرّف على الآباء، فهُمُ: الأئمّة الطاهرون، والحجج الأوصياء المعصومون، ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وخلفاء رسول الله. نور الله وأركان الأرض، والعلامات والآيات، وهم الراسخون في العلم والمتوسّمون. ومن وردت الأحاديث الشريفة الوافرة من طرق المسلمين جميعاً بالنصّ على إمامتهم على لسان النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بأمرٍ من الله «جَلّ وعلا».. من ذلك:
قوله صلّى الله عليه وآله: إنّ وصيّي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطايَ الحسنُ والحسين، تتلوه تسعةُ أئمّةٍ من صُلب الحسين.. إذا مضى الحسين فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى [أي الكاظم]، فإذا مضى موسى فابنه عليّ [أي الرضا]
سلالة العصمة
ومن هنا نعلم أنّ الإمام الرضا عليه السّلام ينتمي إلى شجرة النبوّة، وبيت الرسالة والوحي، ويتّصل بأهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله بلا واسطة، وإنّما مباشرةً عن طريق آبائه الأبرار، فهو ابن موسى الكاظم، ابن جعفر الصادق، ابن محمّد الباقر، ابن عليّ السجّاد زين العابدين، ابن الإمام السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين، ابن سيّد الأوصياء عليّ أمير المؤمنين، ابن أبي طالب، بن عبدالمطّلب.. ومن هذا الأصل فأُمُّه الصدّيقة الطاهرة فاطمة بنت سيّد الخلق محمّد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة والسّلام وأزكاهما وعلى آلهِ الميامين.
الأمّ
و مّا أُمّه عليه السّلام فقد وردت لها عدّة أسماء، سابقة على اقترانها بالإمام الكاظم عليه السّلام، ولاحقة.
قيل: اسمها (سَكَن النُّوبيّة) أو (سكنى). وقيل: لقبها شقراء النُّوبيّة.
وقيل: اسمها (أروى).
وقيل: اسمها (سُمان). وقيل: (الخيزران المُرْسيّة).
وقيل: (نجمة) لمّا كانت بِكْراً واشترتها (حميدة المصفّاة) أمّ الإمام الكاظم عليه السّلام، إذ ذكرت أنّها رأت في المنام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لها: يا حميدة، هَبي نجمةَ لابنك موسى، فإنّه سيُولَد لها خيرُ أهل الأرض. فوهبتها له، فلمّا ولدت له الرضا عليه السّلام سمّاها (الطاهرة).
وأخيراً: (تُكْتَم). قيل: هو آخر أسمائها، وعليه استقرّ اسمها حين صارت عند أبي الحسن موسى الكاظم عليه السّلام. ودليل ذلك قول الصوليّ يمدح الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام:
ألاَ إنّ خـيـرَ النـاسِ نـفْساً ووالداً ورهطـاً وأجـداداً علـيُّ الـمعظَّـمُ
أتـتـنا به للعلـمِ والحِلْـمِ ثـامنــاً إماماً ـ يؤدّي حجّةَ اللهِ ـ تُكْتَمُ
وأمّا كُنيتها فـ: (أُمّ البنين).
قصّتها
روي في شأن اقتران هذه المرأة الطاهرة الصالحة قصّتان:
الأولى ـ أنّ حميدة المصفّاة ـ وهي زوجة الإمام الصادق عليه السّلام، وأُمّ الإمام الكاظم عليه السّلام، وكانت من أشراف العجم ـ قالت لابنها موسى عليه السّلام: يا بُنيّ! إنّ تُكْتَم جارية ما رأيتُ قطّ أفضل منها، ولست أشكّ أنّ الله تعالى سيطهّر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتُها لك، فاستوصِ بها خيرا.
الثانية ـ وهي الأشهر والأوثق، يرويها هشام بن أحمد فيقول: قال لي أبو الحسن الأوّل [أي الكاظم] عليه السّلام: هل علمتَ أحداً من أهل المغرب قَدِم ؟ قلت: لا، قال: بلى، قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة، فانطلِقْ بنا.
فركب وركبت معه، حتّى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجلٌ من أهل المغرب معه رقيق، فقلت له: إعرضْ علينا. فعرض علينا سبع جوارٍ، كلّ ذلك يقول أبو الحسن عليه السّلام: لا حاجة لي فيها. ثمّ قال: اعرضْ علينا، فقال: ما عندي إلاّ جارية مريضة، فقال: ما عليك أن تَعرضها ؟! فأبى عليه، فانصرف.
ثمّ أرسلني من الغد فقال لي: قل له: كم كان غايتك فيها ؟ فإذا قال لك كذا وكذا، فقل له: قد أخذتُها. فأتيته فقال: ما كنت أُريد أن أُنقصها من كذا وكذا، فقلت: قد أخذتها. قال: هي لك، ولكن أخبِرْني: مَن الرجل الذي كان معك بالأمس ؟ قلت: رجل من بني هاشم، قال: من أيّ بني هاشم ؟ فقلت: ما عندي أكثر من هذا، فقال: أُخبرك أنّي لمّا اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتْني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك ؟ قلت: اشتريتها لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه عند مِثْلك! إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده قليلاً حتّى تلد غلاماً له لم يُولد بشرق الأرض ولا غربها مثلُه.
قال هشام بن أحمد: فأتيته بها، فلم تلبث عنده إلاّ قليلاً حتّى ولدت له الرضا عليه السّلام.
وكان من دلائل إمامة موسى الكاظم عليه السّلام أنّه لمّا اشترى (تُكْتَم) جمع قوماً من أصحابه ثمّ قال لهم: واللهِ ما اشتريتُ هذه الأمَة إلاّ بأمر الله ووحيه. فسُئل عن ذلك، فقال: بينا أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ومعهما شِقّة حرير، فنَشَراها فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية، فقالا: يا موسى، ليكوننَّ من هذه الجارية خيرُ أهل الأرض بعدك.
ثمّ أمرني إذا ولدتُه أن اسميّه (عليّاً)، وقالا لي: إنّ الله تعالى يُظهِر به العدل والرأفة، طوبى لمن صدّقه، وويلٌ لمَن عاداه وجحده وعانده!
خصالها
وأجمع أصحاب السيرة أن (تُكْتَم) رضوان الله تعالى عليها امرأة صالحة عابدة، تتحلّى بأسمى مكارم الأخلاق، وكانت في غاية العفّة والأدب.
وقد ذكرها الشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ بقوله: وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها، وإعظامِها لمولاتها حميدة، حتّى أنّها ما جلست بين يديها منذ مَلَكتْها؛ إجلالاً لها.
ولابدّ أن تكون هكذا أُمّهات الأئمّة عليهم السّلام، لأنّ الأئمّة هم أشرف الخَلْق، ينحدرون من أصلاب شامخة وأرحام مطهّرة، آباؤهم وأُمّهاتهم من الموحِّدين، لم تدنّسهمُ الجاهليّة بأنجاسها، ولم تُلبِسْهم من مُدْلَهِمّات ثيابها.
المولد المبارك
التأريخ
في شأن المولد الشريف للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام.. وقف المؤرّخون على تأريخين بالنسبة إلى: اليوم من الأسبوع، واليوم من الشهر والشهر كذلك، والسنة التي وُلد فيها:
الأوّل ـ هو يوم الخميس الحادي عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 153 من الهجرة النبويّة المباركة. وهو قول جماعة ليست بكثيرة، منهم: الإربلّيّ في (كشف الغمّة)، وابن شهرآشوب في (مناقب آل أبي طالب)، والمسعوديّ في (إثبات الوصيّة)، وابن خلّكان في وفيات الأعيان. ونقل هذا الرأي الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا «عليه السّلام») ولم يتثبّت عليه، كما نقله الطبرسيّ في (إعلام الورى) بعنوان: (يُقال)، والعلاّمة المجلسيّ عن بعض كتّاب السيرة في (بحار الأنوار ج49). فيكون مولده الشريف على هذا الأساس بعد شهادة جدّه الإمام جعفر الصادق عليه السّلام بخمس سنوات.
والثاني ـ هو يوم الجمعة الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة 148 من الهجرة المحمّديّة الشريفة. وهو الرأي الأقوى والأشهر، وقد قال به جماعة كثيرة من العلماء والمؤرّخين، منهم: الشيخ المفيد في (الإرشاد)، والشبراويّ في (الإتحاف بحبّ الأشراف)، والشيخ الكلينيّ في (الكافي ج1)، والكفعميّ في (المصباح)، والطبرسيّ في (إعلام الورى) و(تاج المواليد)، والفتّال النيسابوريّ في (روضة الواعظين)، والشيخ الصدوق في (علل الشرائع)، وابن الأثير في (الكامل في التاريخ)، والبغداديّ في (سبائك الذهب)، وسبط ابن الجوزيّ في (تذكرة خواصّ الأمّة)... وغيرهم كثير.
فيكون مولد الإمام الرضا عليه السّلام في السنة التي استُشهد فيها جدّه الإمام الصادق عليه السّلام ذاتها، وعلى وجه الدقّة بعد ستة عشر يوماً تقريباً، إذ إنّ شهادة الإمام الصادق عليه السّلام مؤرّخة بالخامس والعشرين من شهر شوّال عام 148هـ.
أمّا محلّ المولد الشريف ومكانه.. فلا خلاف أنّه المدينة المنوّرة.
الأولاد
تعدّدت الأقوال في عدد أولاد الإمام الرضا عليه السّلام إلى ستّة:
القول الأول
أنّه عليه السّلام لم يترك إلاّ ولداً واحداً، وهو وصيّه الإمام أبو جعفر محمّد الجواد عليه السّلام. فقد روى الإربلّيّ بسنده عن حنان بن سدير قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام: أيكون إمام ليس له عَقِب ؟ فقال عليه السّلام: أما إنّه لا يولد لي إلاّ واحد، ولكنّ الله منشئٌ منه ذرّيّةً كثيرة.
وقد ذهب إلى هذا الرأي جماعة من العلماء، منهم: الشيخ المفيد، حيث قال: ومضى الرضا عليه السّلام ولم يترك ولداً نعلمه إلاّ ابنه الإمام بعده: أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام، وكان سنّه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهراً.
والشيخ الطبرسيّ، إذ قال: وكان للرضا عليه السّلام من الوُلْد ابنه أبو جعفر محمّد بن عليّ الجواد، لا غير.
والشيخ ابن شهرآشوب، قال: كان للرضا عليه السّلام من الولد ابنه أبو جعفر عليه السّلام، لا غير.
ولم تكن هنالك إشارة إلى بنتٍ للإمام الرضا عليه السّلام، فقد كان الحديث حول الأبناء الذكور لا الإناث.
القول الثاني
أنّ الإمام الرضا عليه السّلام كان له ولدان: محمّد الجواد عليه السّلام، والآخر موسى بن عليّ، ولم يترك غيرهما.
وفي (قرب الإسناد) يورد الحِمْيريّ أبو العبّاس بن جعفر (ق3هـ) هذه الرواية عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ، حيث يقول: دخلت عليه [أي على الإمام الرضا «عليه السّلام»] بالقادسيّة فقلت له: جُعلت فداك، إنّي أُريد أن أسألك عن شيء وأنا أُجلّك، والخطْب فيه جليل، وإنّما اُريد فكاك رقبتي من النار. فرآني وقد دمعت، فقال: لا تدع شيئاً تريد أن تسألني عنه إلاّ سألتني عنه. قلت له: جعلت فداك، إنّي سألتُ أباك ـ وهو نازل في هذا الموضع ـ عن خليفته من بعده، فدلّني عليك، وقد سألتك منذ سنين ـ وليس لك ولد ـ عن الإمامة فيمن تكون من بعدك ؟ فقلت: في ولَدي. وقد وهب الله لك ابنَين، فأيّهما عندك بمنزلتك التي كانت عند أبيك ؟ فقال لي: هذا الذي سألتَ عنه، ليس هذا وقته...
القول الثالث
أنّ له ثلاثة، هم: عليّ بن عليّ ـ ولم يعقب ـ، ومحمّد بن عليّ ـ صهر المأمون، والعقب له ـ، والحسين. قال بذلك ابن حزم، والشيخ سليمان القندوزيّ الذي عدّدهم على هذا النحو: محمّد الجواد، وموسى، وفاطمة. وأعقب محمّد ـ أي كانت منه الذرّيّة.[39] والسيّد الشريف عليّ بن محمّد العلويّ الذي أورد أسماءهم هكذا: موسى ومحمّداً [الجواد «عليه السّلام»] وفاطمة، ثمّ قال: فأمّا موسى فلم يعقب.
القول الرابع
أنّ أولاد الإمام الرضا عليه السّلام هم خمسة، أربعة بنين وبنت واحدة، وهو رأي سبط ابن الجوزيّ حيث كتب:
ـ وأولاده : محمّد الإمام أبو جعفر الثاني، وجعفر، وأبو محمّد الحسن، وإبراهيم، وابنة واحدة.
وقد انفرد سبط ابن الجوزي بهذا الرأي، ولم يُسمّ البنت الواحدة.
القول الخامس
أنّهم ستّة أولاد، خمسة ذكور وبنت واحدة. وهذا ما عرضه الإربلّيّ مفصحاً بالقول: وأسماء أولاده: محمّد القانع، الحسن، جعفر، إبراهيم، الحسين، وعائشة. ثمّ قال:
ونُقل عن الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذيّ في (معالم العترة الطاهرة) أنّ للإمام الرضا عليه السّلام خمسةَ رجال وابنةً واحدة: محمّد الإمام، وأبو محمّد الحسن، وجعفر، وإبراهيم، والحسين، وعائشة. وقال بعد ذلك: قال ابن الخشّاب في (مواليد أهل البيت «عليهم السّلام»): وُلد له خمسٌ وابنة واحدة، أسماء بنيه: محمّد الإمام أبو جعفر الثاني، وأبو محمّد الحسين، وجعفر، وإبراهيم، والحسن، وعائشة فقط.
وإلى هذا الرأي ذهب الحافظ أبو نعيم في (حلية الأولياء)، وكذا محمّد بن طلحة الشافعيّ، إذ كتب يقول: وأمّا أولاده فكانوا ستّة، خمسةَ ذكور وبنتاً واحدة، وأسماء أولاده: محمّد القانع، والحسن، وجعفر، وإبراهيم، والحسين، وعائشة.
وزاد في نقمة الناس ـ ومنهم بنو العبّاس أنفسهم ـ أنّ المأمون نقل مركز الخلافة الإسلاميّة إلى مرو في بلاد خراسان، وكانت أُمّ المأمون جارية فارسيّة، فنقم عليه أكابر بنو العباس في بغداد. يُضاف إلى ذلك: الحرب التي دارت بين ولدَي هارون: المأمون والأمين وانتهت بقتل الأمين في بغداد، وتسنمّ المأمون لمقام السلطة.
مناظرات الإمام الرضا
مناظرة الإمام الرضا مع أهل الملل في العصمة
"قال أبو الصلت الهروي : لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات، فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجته كأنه ألقم حجراً، قام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له : يا بن رسول الإسلام أتقول بعصمة الأنبياء ؟
قال: نعم
قال: فما تعمل في قول الله عز وجل: (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) [107] وفي قول القرآن : (وَذَا النُّون إذ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نقدِر عَلَيه) [108] وفي قول القرآن في يوسف : (وَلَقَد هَمَّت بِه وَهَمَّ بِها) وفي قول القرآن في داود: (وَظَنَّ دَاود أنَّما فَتَنَّاه)وقول القرآن في نبيه محمد صلى الله عليه وآله : (وَتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبديهِ)
فقال الرضا : ويحك يا علي اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تتأول كتاب الله برأيك فإنّ الله عزّ وجلّ قد قال : (وَمَا يَعلمُ تَأوِيلَهُ إلاّ اللهُ والراسِخُونَ).
وأما قول القرآن في آدم : (وعصى آدم ربه فغوى) فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض، وعصمته تجب أن تكون في الأرض ليتم مقادير أمر الله، فلما أهبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة عُصم بقوله عزّ وجلّ: (إنَّ اللهَ اصطَفي آدَمَ ونُوحاً وآل إِبراهيمَ وآلَ عمرانَ على العالَمِين).
وأما قول القرآن : (وَذَا النُّون إذ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نقدِر عَلَيه) إنّما ظن بمعنى استيقن أن الله لن يضيق عليه رزقه، ألا تسمع قول الله عز وجل : (وأَمَّا إذا مَا ابتلاَه رَبه فَقَدَرَ عليهِ رِزقَه)أي ضيق عليه رزقه، ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر.
وأما قول القرآن في يوسف: (وَلَقَد هَمَّت بِه وَهَمَّ بِها) فإنّها همَّت بالمعصية وهمَّ يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قول القرآن : (كَذَلِكَ لِنصرِفَ عَنهُ السُّوءَ والفَحشَاءَ) يعني القتل والزنا.
وأما داود فما يقول من قبلكم فيه ؟
فقال علي بن محمد بن الجهم يقولون : إن داود كان في محرابه يصلي فتصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من طيور فقطع داود صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج الطير إلى الدار فخرج الطير إلى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حنان فاطلع داود في أثر الطير فإذا بامرأة أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها وكان قد أخرج أوريا في بعض غزواته فكتب إلى صاحبه أن قدم أوريا أمام التابوت فقدم فظفر أوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود، فكتب إليه ثانية أن قدمه أمام التابوت فقدم فقتل أوريا فتزوج داود بامرأته.
قال: فضرب الرضا بيده على جبهته وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد نسبتم نبياً من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حين خرج في أثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل.
فقال: يا بن رسول الإسلام فما كان خطيئته؟
فقال: ويحك إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقاً هو أعلم منه، فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا في المحراب فقالا : (خَصمَانِ بَغَى بَعضُنَا عَلَى بعضٍ فاحكُم بَينَنَا بالحقِّ ولا تُشطِط واهدِنَا إلى سَوَاء الصِّراط، إنَّ هَذا أَخي لَهُ تِسع وتِسعُونَ نَعجَةً ولي نَعجَةٌ واحِدَةٌ فَقَالَ أَكفِلْنيها وَعزَّنِي في الخِطَابِ)فعجل داود على المدعى عليه فقال : (لَقَدَ ظَلَمَكَ بِسؤالِ نَعجَتِكَ إِلى نِعَاجِهِ) فلم يسأل المدعي البينة على ذلك ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له: ما تقول؟ فكان هذا خطيئة رسم الحكم لا ما ذهبتم إليه، ألا تسمع الله عز وجل يقول : (يا دَأوُدُ إنَّا جَعَلنَاكَ خَليفَةً في الاََرضِ فاحكُم بينَ النَّاسِ بالحقِّ وَلا تَتَّبِع الهَوَى) إلى آخر الآية.
فقال: يا بن رسول الإسلام فما قصته مع أوريا ؟
فقال الرضا ـ : إنَّ المرأة في أيّام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبداً وأوّل من أباح الله له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها كان داود فتزوج بامرأة أوريا لما قتل وانقضت عدتها منه فذلك الذي شق على الناس من قبل أوريا.
وأما محمد صلى الله عليه وآله وقول الله عز وجل : (وَتُخفي في نَفسِكَ ما اللهُ مُبديهِ وَتخشَى النَّاس واللهُ أحقُّ أن تَخشاه) فإنَّ الله عز وجل عرف نبيه صلى الله عليه وآله أسماء أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه في دار الآخرة وأنهن أُمّهات المؤمنين، وإحداهن من سمى له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة فأخفى اسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يقول أحد من المنافقين : إنَّه قال في امرأة في بيت رجل إنَّها إحدى أزواجه من أُمَّهات المؤمنين، وخشي قول المنافقين، فقال الله عزّ وجل: (وَتخشَى النَّاس واللهُ أحقُّ أن تَخشاه) يعني في نفسك وإن الله عزّ وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلاّ تزويج حواء من آدم وزينب من رسول الإسلام صلى الله عليه وآله بقوله : (فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنهَا وطراً زوَّجنَاكهَا) الآية، وفاطمة من علي عليهما السلام.
قال : فبكى علي بن محمد بن الجهم فقال : يابن رسول الإسلام، أنا تائب إلى الله عز وجل من أن أنطق في أنبياء الله : بعد يومي هذا إلاّ بما ذكرته ""
مناظرة الإمام الرضا مع المأمون الرشيد في أقرب الناس لرسول الإسلام (ص)
قال السيّد المرتضى حدّثني الشيخ ـ المفيد ـ قال: روي أنه لما سار المأمون إلى خراسان وكان معه الاِمام الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فبينا هما يسيران، إذ قال له المأمون: يا أبا الحسن إني فكرت في شيء، فسنح لي الفكر الصواب فيه، إني فكرت في أمرنا وأمركم، ونسبنا ونسبكم، فوجدت الفضيلة فيه واحدة، ورأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولاً على الهوى والعصبية.
فقال له أبو الحسن الرضا: إن لهذا الكلام جواباً، فإن شئت ذكرته لك وإن شئت أمسكت.
فقال له المأمون: لم أقله إلا لاَ علم ما عندك فيه.
قال له الرضا: أُنشدك الله، لو أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله فخرج علينا من وراء أكمةٍ من هذه الآكام، فخطب إليك ابنتك أكنت تزوّجه إياها ؟
فقال: يا سبحان الله، وهل أحد يرغب عن رسول الإسلام صلى الله عليه وآله ؟
فقال له الرضا: أفتراه كان يحل له أن يخطب ابنتي ؟
قال: فسكت المأمون هنيئة، ثم قال: أنتم والله أمسُّ برسول الإسلام صلى الله عليه وآله رحماً.
قال الشيخ: وإنّما المعنى لهذا الكلام أن ولد العبّاس يحلون لرسول الإسلام صلى الله عليه وآله كما يحل له البعداء في النسب منه، وأن ولد أمير المؤمنين من فاطمة عليها السلام ومن أمامة بنت زينب ابنة رسول الإسلام صلى الله عليه وآله يحرمنّ عليه، لاَنهن من ولده في الحقيقة فالولد الصق بالوالد وأقرب واحرز للفضل من ولد العم بلا ارتياب بين أهل الدين، فكيف يصحّ مع ذلك أن يتساووا في الفضل بقرابة الرسول صلى الله عليه وآله فنبهه الرضا على هذا المعنى وأوضحه له.
مما قاله أبو نواس مادحا الامام
قيل لي أنت أوحد الناس طرا في فنون من المقال البديه
لك من جوهر الكلام نظام يثمر الدر في يدي مجتنبيه
فلماذا تركت مدح ابن موسى والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا أهتدي لمدح إمام كان جبريل خادما لأبيـه
واستشهد الإمام علي بن موسي الرضا (عليهما السلام) علي يد الخليفة العباسي مأمون بعد أن أخفق في كل المحاولات الرامية لتشويه صورته فدّس له السم ودفن في مدينة مشهد حاليا حيث مضجعه الشريف.
تعليقات الزوار