المحاور: الكاتب والمحلل العالمي محمد حسنين هيكل.
سؤال- كيف ترون الحركة الإسلامية بالمقارنة مع زمن الرسول؟
جواب- الحركية الحالية في إيران مثال لحركة صدر الإسلام وسيكون لها تأثير عميق طويل جداً في مدة يسيرة.
سؤال- ما هي أسباب اتساع الحركة الجديدة، على الرغم من المعنويات المحبطة واليأس الظاهر على الناس؟
جواب: هذا اليأس كان موجوداً في كافة الدول الإسلامية، ويعزى إلى قوة تأثير الدعايات الغربية والأجنبية، التي شملت سيطرتها جميع البلدان الإسلامية شمولًا لم يبق أملًا لإنقاذ شعب إطلاقاً.
أما الآن فنحتمل ظهور هذه الحركة واليقظة أن تلتحق بها جميع الدول الأخرى، وما هذا باحتمال ظني، بل هو أقرب ما يكون إلى التأكيد أن المسلمين سيتحررون من هذه السيطرة سائلًا الله- تعالى- أن يتحرر مسلمو العالم، وتتحقق آمالهم.
سؤال- هل تتوقعون استمرار الحركة الإسلامية الإيرانية وانتقالها أيضاً إلى بقية الدول؟
جواب: من المؤكد دوام واستمرارية هذه الحركة لدى المسلمين الإيرانيين، لكن إيران تحتاج إلى من يساندها من الخارج، كمساعدتها إعلامياً، ووجود كتاب كبار يؤدون واجبهم الديني في مثل هذه الأحوال بأقلامهم المقتدرة، وإيصال قضاياهم إلى شعبهم وإلى جميع شعوب العالم، وهذا من الأسباب التي ترفع معنوية الشعب الإيراني، حتى يستمر في مسيرته بخطى ثابتة.
سؤال- كنت في إيران في العامين 1950 و1951 (في ذروة النضال ضد الإنجليز) وكتبت أول كتاب لي حول إيران[1] ، برأيكم ما هو الفرق بين النضال في تلك الأيام والنضال في هذه المرحلة؟ ولماذا هزمت الامبريالية الحركة في تلك الأيام؟
جواب: رأيي أن الحركة الحالية أكثر رسوخاً من الحركة أيام المرحوم الدكتور مصدق فالحركة في ذلك الوقت سياسية محضة في حين أن الحركة الحاضرة لها صبغة دينية أكثر.
وفي إيران كل الشعب مسلم. وهناك طبقات كثيرة لا تعرف شيئاً عن السياسة، لكنها تحب الدين كثيراً.
فجميع القرى تردد الشعارات نفسها التي ترددها المدن- وهم يحثونكم على الذهاب لرؤية خطابهم، ومطالبهم هي نفس مطالب أهل المدن.
فكل الشعب من الصغير في الابتدائية حتى الكبير المشرف على الموت، يرددون بصوت واحد هذه المطالب، وهذه الشعارات والمطالب تعم الوطن كله ولا أحد يجادل أن هذه الحركة إسلامية سياسية.
أما الحركة الماضية، فكانت سياسية فقط.
والحركة الحالية أكثر عمقاً والأمل بانتصارها أكبر، وأتمنى أن لا يتمكنوا من إخماد إرادتها.
سؤال- نحن أيضاً نتمنى أن تنتصر هذه الحركة. وأنا في الحقيقة أفتخر أنكم أتحتم لي الفرصة وسمحتم بهذا الحديث، ولكن كلنا نسأل أنفسنا هل ستصل هذه الحركة إلى أهدافها؟ فالكثير منا قلق من أن لا تحقق هذه الحركة أهدافها، فأعداؤنا أصبحوا أكثر خبرة من الماضي. والمشكلة ليست الشاه فقط، فإيران بلد كبير مصدر للنفط وهي شرطي المنطقة وراعية المصالح الامبريالية وأحد أعضاء الحلف العسكري.
عندما كنت في إيران كانت هناك أسباب للقيادة السياسية للحركة، ودوافع للقيادة الدينية أيضاً. أما الآن فالقيادة كلها إسلامية. في ذلك الزمان كانت القيادتان السياسية والدينية منفصلتين إحداهما عن الأخرى (المقصود هنا هو كاشاني ومصدق). القيادة الآن (السياسية- الدينية) واحدة. ولكن الأعداء متحدون أيضاً، والمنطقة كلها تخضع لنفوذهم. والغرب قد فوجئ بهذه الحركة التي حدثت في إيران. لقد قابلت الشاه في إيران منذ أعوام، وكان الجميع يعتقد أن الأوضاع قد استقرت. والسؤال هو لماذا حصلت هذه الحالة؟ وكيف حصلت؟ وما هو منشأ هذا النمو العظيم للحركة؟
جواب: هذه القدرة ناشئة من الإسلام، ففي عهد الكاشاني ومصدق كان الأساس سياسيا، وكانت الجوانب السياسية للحركة قوية. ففي عهد كاشاني كنت قد كتبت له وقلت أيضاً: يجب الاهتمام بالجوانب الدينية، ولكنه لم يستطع أو لم يرد ذلك. وبدلاً من تعزيزه للجوانب الدينية أو ترجيحه لها على السياسية أصبح نفسه سياسياً، وأصبح رئيساً للمجلس، وكان ذلك خطأ فادحاً. أنا نصحتهم بأن يفعلوا شيئاً من أجل الدين لا أن يصبحوا سياسيين.
أما الآن فالحركة دينية وإسلامية من كافة النواحي، والسياسة تدخل فيها أيضاً، فالإسلام دين سياسي، والسياسة ضمن هذه الحركة. حسناً زوروا إيران الآن، وشاهدوها عن قرب- فستلاحظون ماذا حدث اليوم وما كان في الأمس.
المشكلات كثيرة، والدول العظمى موجودة، وهم يتخوفون كل الخوف من حركتنا، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء، إلا إذا أرادوا أن يتدخلوا بالقوة، فنحن ضعفاء ولا نستطيع مواجهتهم عسكرياً، وبغير ذلك لن يحالفهم نصر لا بالحكومات، ولا بالانقلاب العسكري، أو الحكومة العسكرية وغيرها ولا بانقلاب عسكري وإسقاط الشاه بذاته أيضاً. فعمق الحركة وصل إلى حد حلت فيه جميع هذه المسائل، فالدولة العسكرية والحكومة العسكرية ليست لها أهمية لدى الشعب.
واليوم نرى الشعب يتظاهر من أجل الإسلام وفي ذلك الوقت (مصدق) كانت المظاهرات من أجل النفط. وهناك فرق بين تحرك الشعب من أجل مصالحه وتحركه في سبيل الله. فالحركة في تلك الأيام مادية وهي اليوم معنوية، لذلك تشبه صدر الإسلام، ونحن نأمل التوفيق والنجاح. هذا لا يعني أننا لسنا قلقين. بالتأكيد القلق موجود في نضال كهذا، فجميع المحافل السياسية في العالم مهتمة بإيران، ويريدون سحق هذه الحركة الإيرانية.
وهذا لا يعني أننا لا نعلم بالمؤامرات ولا نقلق، ولكننا قد أدّينا وظيفة شرعية، ولبيناً أمراً إلهياً، وهذا هو منطق صدر الإسلام، وهو المنطق نفسه الذي يقول: إذا قتلنا نذهب إلى الجنة، وإذا قتلنا نذهب إلى الجنة، وإذا هزمنا نذهب إلى الجنة وإذا انتصرنا نذهب إلى الجنة. لذلك لا نخشى الهزيمة، وليس لدينا أدنى خوف. قضيتنا ليست سياسية صرفة، نحن نتحرك بمنطق الإسلام، ولا نخاف من الهزيمة. فالرسول الأكرم- صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلمْ- هزم كذلك في بعض غزواته. نحن نحارب بسيف الله، ولا نخاف وهذه الحركة سوف تستمر.
سؤال- كيف حدثت هذه الحالة؟ المراقبون الذين يتابعون الأحداث الإيرانية والذين طالعوا الأوضاع الإيرانية لا يستطيعون تصديق هذه الحركة العظيمة. هذا أول نموذج في التاريخ وهو الوحيد الذي تمت فيه قيادة الحركة والتحكم فيها عن بعد. فمن أين جاءت عظمة هذه الحركة؟
جواب: إيران ملجأ الأمن والاستقرار المحفوف بالمخاطر، فكل ضغط يولد انفجاراً، وكل ضغط شامل يتبعه انفجار شامل. فالشعب كان مضغوطاً من جميع الجهات، والجميع كان ينتظر لحظة الخروج من هذا الضغط، وأمل الجميع رحيل الشاه. وإذا كنتم على دراية واطلاع دقيق تذكرون عهد رضا خان بعد كل تلك الضغوط، وذلك عندما هاجمت قوات الحلفاء إيران من ثلاثة محاور واحتلتها، وأصبحت حياة الشعب عرضة للخطر، لكن الشعب كان كله سعيداً برحيل رضا شاه، وذلك لأن الضغط وتضيق الخناق أغرقاه في فاجعة كبرى، فتحمل المصاعب الفادحة ابتغاء الخلاص من تلك المصيبة الكبرى، وتعاظم الضغط وتضيق الخناق في عهد هذا الشاه، وتوالت أحداث عدة جعلت الشعب يتعذب، كما أن المنظمات السرية (السافاك) عاملت الشعب بالأسلوب نفسه، فضاق الناس ذرعاً بما نزل بهم، وصار الجميع ينتظرون من يكسر هذه العقدة، ليعبروا عما في داخلهم. وقد أزاحت العقيدة هذه المحنة، فأنا أفهم لغة الشعب، وأعرف مؤسسات المجتمع، وأتكلم بلسان الشعب وأعبر عن وجدانهم. وكنت أشير بإصبعي إلى جميع نقاط الضعف خلال الخمسين عاماً الماضية، لقد كنت مطلعاً، ومراقباً، فكل الشعب كان في حالة ثورة، وجميعهم ينتظرون، وهذا الوضع الاستبدادي نقل الانفجار من القوة إلى الفعل وقيام الروحانيين أدى إلى الثورة.
سؤال- قالوا: إنه ليس هناك احتمال أن تتدخل أمريكا عسكرياً في إيران، لكن إذا لم يستطع الجيش مقاومة الشعب ورأت مصالحها في خطر حقيقي ألا ترجحون احتمال التدخل العسكري؟
جواب: لقد تعلموا التجارب من خلال الهجمات السابقة على إيران، هم يعلمون أنهم يستطيعون القيام بهجوم عسكري، لكنهم لا يستطيعون البقاء والاستمرار. ففي الدولة التي يكون فيها جميع الناس رافضين، فإن المهاجم من الممكن أن يحقق نجاحاً ولكن لا يستطيع البقاء. لأن الشعب سيسحقه. ولأولئك خبراء قاموا ويقومون بدراسة الأوضاع، وهم يعرفون هذه القضايا.... لذلك لن يقدموا على مثل هذا العمل، لأنهم إن فعلوا فسوف يهزمون.
سؤال- أعتذر من أخذ وقتكم الكثير. وعندما ترغبون في إنهاء الحديث، فتفضلوا بذلك.
جواب: ألفت نظرك إلى أمرين.
الأمر الأول: هذه الثورة ثورة إسلامية لشعب مظلوم ثار على هؤلاء الجبارين الذين يريدون القضاء على هذا الشعب كله. فما الذي حدث حتى يناهض علماء الأزهر الشعب، ويقفوا مع الشاه؟ ما العمل مع العلماء الذين أيدوا الاستبداد والظلم على المظلومين؟
الأمر الثاني: أطلب منك أنت الكاتب المقتدر إذا كان بإمكانك أن تذهب وترى إيران لتدقق في هذه المظالم، واختر من تريده من جميع الطبقات السياسية، التجار، الرعايا العسكر- الضباط الصغار والشباب خاصة- الإدارات الحكومية موظفي الحكومة، واسألهم كيف كان الوضع؟ وماذا حدث؟ وما هو عليه الوضع الحالي؟ وبعد أن تحصل على ما تريد أكتب كتاباً عن إيران وانشره كما فعلت في رحلتك السابقة، فهذا سيساعد الشعب الإيراني ويدعمه، وتؤدي أنت واجبك الديني.
سؤال- كنت قد التقيت الشاه عام 1975، وجرى بحث وجدال عميق معه. وعندما قلت له بأنه لديّ أسئلة كثيرة أسألكها، قال أيضاً: أنا لدي الكثير من الأسئلة أسألكها. وهو يعلم أنني صديق عبد الناصر، وسألني الكثير من الأسئلة التي تخص عبد الناصر. وعندما كان الشاه يتكلم على نفسه وثورته والشعب وأمنياته، قلت له: لماذا كلما ذهبت إلى مكان تواجه معارضه جادة وقوية من شبّان البلاد، ورفضاً للحكم الملكي؟ والشباب هم مستقبل الأمة، فلماذا يناوضونكم؟ لست بحاجة للذهاب إلى إيران، لأعرف كيف تجري الأمور؟ فأنا أعرف الأوضاع، إذ كنت صديقاً مقرباً من عبد الناصر، وكنت معارضاً لنظام الشاه. أما بالنسبة للعلماء، فهذه أول حركة في الإسلام تقوم على الشاه بشكل علني، والشيء الذي أضفى أهمية على هذه الحركة هو أنها كانت الحركة الأولى على الدولة. وما يؤسف عليه أن علماء الأزهر خاضعون لأوامر الدولة خضوعاً كاملًا وهذا ما كان منذ عهد العثمانيين بل من بداية الخلافة. الدولة تسيطر على كل شئ، ولهذا السبب كان بعض الشيوعيين يهاجموننا، ويقولون بأن الدين هو أحد وسائل الدولة لتنفيذ أهدافها.
جواب: إحدى خصائص المذهب الشيعي أنه لم يكن في زمن من الأزمنة خاضعاً للدولة، بل وقف في وجه الدولة، وضحى بعظمائه. ومذهب كهذا يستطيع أن يُعرِّف الإسلام وينشره، ويقف بحسم في وجه الشيوعيين، ويثبت أن الدين ليس أفيون الشعوب، وأن العلماء غير خاضعين للدولة.
سؤال- [أوافق أن هذه الحركة حركة دينية. فما هو برنامجك بعد رحيل الشاه؟ وهذا البرنامج لابدّ أن يكون سياسياً أي الانتقال من حركة دينية محضة إلى حالة سياسية أو سياسية دينية، كيف سيتم انجازه؟]
جواب: ديننا هو الدين السياسي، فعلماء الدين ساسة، ولا ينقصنا رجال في البلد، فلدينا علماء مسلمون ومديرون في جميع الأقسام، وبعد رحيل الشاه سنتخلص من مجموعة لصوص، وسيحل محلهم مجموعة من المختصين الأمناء.
سؤال- [سأسألكم سؤالاً لعله لا يليق بي طرحه، وهو: ما هي الشخصية أو الشخصيات التي تركت أثرها عليكم في التاريخ الإسلامي أو غير الإسلامي- باستثناء الرسول الأكرم (صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلمْ) والإمام علي (عَليهِ السَلام)؟ وما هي الكتب التي أثرت فيكم باستثناء القرآن الكريم؟]
جواب: لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال الآن، فهو يحتاج إلى الكثير من التأمل. لدينا الكثير من الكتب، فربما أستطيع أن أقول في الفلسفة: الملاصدرا، ومن كتب الأخبار والمعلومات: الكافي، ومن الفقه: الجواهر[2] فعلومنا الإسلامية غنية جداً، ولدينا الكثير من الكتب. ولا نستطيع إحصاءها لكم[3].
[1] إيران على فوهة البركان (بعد انقلاب 1332ش.)
[2] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للفقيه الكبير الشيخ محمد حسن النجفي- رحمه الله- وهو في الفقه الاستدلالي.
[3] صحيفة الإمام، ج5، ص: 183 ، في تاريخ: 2 دي 1357ش. / 22 محرم 1399هـ. المكان: باريس، نوفل لوشاتو.
تعليقات الزوار