إن الولاية المطلقة للفقيه هي الموروث الغالي والنفيس للإمام الخميني (قدس سره) التي جسدت روح الثورة الإسلامية وهويتها. فهي اليوم لا تمثل نظرية سياسية وفقهية إلى جانب سائر النظريات والأطروحات فحسب، بل هي جوهرة النظام الإسلامي ومحور دستوره، ومن خلالها استمدت السلطات الثلاث: التشريعية، القضائية، والتنفيذية شرعيتها.

وقد استطاع الإمام بالاستناد إلى هذا المبدأ العملاق ودعم ومساندة الشعب الإيراني النبيل أن يطيح بالنظام الشاهنشاهي العفن ويرسي دعائم الجمهورية الإسلامية.

لقد أثارت تأكيداته (قدس سره) بشان ولاية الفقيه المطلقة، أواخر سني حياته الشريفة المباركة عدة تساؤلات وردود أفعال هنا وهناك، حيث اعتقد البعض بأن ذلك تراجع من الإمام عن رأيه السابق بشأن ولاية الفقيه، ذاهبين إلى أنها أطروحة جديدة. أما تلك الجماعات والفئات التي ذهلت من إسلامية النظام إبان انتصار الثورة الإسلامية واستشاطت غضباً مسخرة أبواقها الدعائية الشيطانية ضد المبدأ المقدس لولاية الفقيه حين طرح في مجلس الخبراء، ثم كشروا عن أنيابهم الكريهة حيت أضيفت لها مفردة (المطلقة) من قبل معمار النظام الإسلامي الإمام الخميني (قدس سره) العظيم ليكسبها شمولية أوسع وأعمق، انتظموا في صفوف الطابور الخامس جنباً إلى جنب مع الأعداء والطامعين ليمطروا النظام المقدس للجمهورية الإسلامية بوابل نيرانهم الدعائية الفتاكة.

لقد سعوا جاهدين لأن يصوروا الحكومة القائمة على أساس ولاية الفقيه على أنها حكومة دكتاتورية استبدادية، معتقدين بأنهم وبهذه الطريقة سيؤولون الأمة ويجعلونها تقف وجهاً لوجه أمام الولاية. وكما عودنا الإمام على صموده وشموخه أمام الزوابع آنذاك شارحاً فيها أهدافه ومقاصده من ولاية الفقيه[1]. إلا أن الدعاية المسمومة ضد هذا المبدأ واصلت حملتها المسعورة من قبل أعداء الإسلام في الخارج وأذنابها وعملائهم في داخل البلاد، ثم بلغت تلك الحملات الدعائية المسعورة ذروتها حين رحل الإمام والتحق بالرفيق الأعلى، ونهض بهذا الأمر سماحة آية الله الخامنئي. ومما يؤسف له أن بعض الأفراد والفئات التي كانت متحمسة لولاية الفقيه والمدافعة عنها أخذت تثير الشبهات أو تقدم بعض التفاسير الخاطئة بشأنها. والواقع أن الصبغة الغالبة على هذه التفاسير سياسية أكثر منها عملية، فللأبحاث والتحقيقات العلمية قواعد ومبادئ تختص بها والتي لا تشم من تلك التفسيرات، بل إن بعض تلك التفاسير قد لوحت بالعلمنة، والأدهى من ذلك أن أولئك القائلين بالعلمانية قد نسبوا استنتاجاتهم المستهجنة للإمام (قدس سره).

وبناءً على ما تقدم تتضح ضرورة التعرف الصحيح والواضح على أفكار الإمام وآرائه في هذا الخصوص، ليقف أنصار الولاية وحماتها على تفاصيلها بغية النهوض بمسؤوليتهم التاريخية والدينية في الدفاع عنها، وليتميز أولئك المنحرفون الذين يتخبطون تخبط عشواء متظاهرين بموالاتهم وتبعيتهم للإمام.

 

 

المقصود من الولاية المطلقة للفقيه

 

بالالتفات للمفهوم اللغوي لمفردة المطلقة: ((التحرر من كافة القيود و...)) وما يتبادر للإسماع من الخلط بين الولاية المطلقة والحكومة المطلقة، فان بعض الفئات ذهبت إلى أن الولاية المطلقة للفقيه تعني الحكومة التي لا تعرف الحدود والقيود.

وللولي الفقيه أن يصدر أحكامه كيفما يشاء، بل له أن يتصرف ويغير حتى قوانين الشريعة الإسلامية و...))[2].

ومما لا شك فيه أن هذا ليس هدف الفقهاء من ولاية الفقيه المطلقة، وأن الولاية المطلقة للفقيه إنما تمثل قراءة ومناقشة عريقة قد طرحت بين فقهاء الشيعة بالنسبة لدائرة وإطار الولاية.

وهناك اتجاهان أساسيان بشأن دائرة الولاية:

أ_ الاتجاه الذي يرى أن سعة دائرتها كتلك السعة والشمولية التي كانت لنبي الإسلام (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) وان يد الولي الفقيه مبسوطة في جميع الأمور، في تدبير وإدارة شؤون البلاد وحق التدخل واتخاذ ما يراه من قرارات.

ب_ الاتجاه الذي يرفض تلك السعة والشمولية ويقتصر بها على ولاية الأموال المجهولة المالك، والولاية على الأيتام، ولا يرى لها شيئاً أبعد من ذلك.

بينما ذهب البعض أبعد من ذلك قليلاً لإسناد القضاء في عصر الغيبة للفقيه الجامع للشرائط أيضاً، إلا أنهم سكتوا عن إجراء الأحكام التي يصدرها القاضي. في غضون ذلك انبرى من توسع أكثر واثبت له إجراء الأحكام أيضاً كونها من لوازم القضاء الثابتة له.

لقد أقر أغلب فقهاء الشيعة الاتجاه الأول وذكروه تحت بعض العناوين من قبيل: النيابة العامة للفقيه، الولاية المطلقة للفقيه، الولاية الإلهية الكلية، وبسط يد الفقيه، وهكذا اعتمد الإمام الخميني (قدس سره) الاتجاه الأول أيضا تحت عنوان ولاية الفقيه. أما الإطلاق في كلمات الإمام فقد ورد في مقابل التقييد، سواء كان التقييد في الأمور الحسبية أو في القضاء وإجراء الأحكام.

وعلى هذا الأساس فإن الولاية المطلقة للفقيه تعني أن الفقيه حاكم في إدارة جميع شؤون البلاد وله حق التدخل واتخاذ القرار، وله الحق بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أن يصدر أوامره بشأن الحرب والسلام، ويتسلم الخراج والضرائب وينفقها، ويجري الحدود الشرعية وان يعقد الاتفاقيات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية مع سائر الدول والبلدان و...

وزبدة القول أن للفقيه الحاكم كافة الصلاحيات التي يمارسها الحاكم المبسوط اليد.

إذاً يتضح مما سبق أن الإمام لم يأت برأي جديد بشأن ولاية الفقيه، بل ما ذكره في كتاب البيع كان وفق رؤيته لمتطلبات الزمان، وليتضح الموضوع أكثر نذكر هنا بعض صلاحيات الولي الفقيه التي ذكرها في كتاب البيع بعد استعراضه ومناقشته للأدلة المطروحة بشأن ولاية الفقيه:

((فتحصل مما مر ثبوت الولاية للفقهاء من قبل المعصومين (عليهم السلام) في جميع ما ثبت لهم الولاية فيه من جهة كونهم سلطاناً على الأمة ولا بد في الإخراج عن هذه الكلية في مورد من دلالة دليل دال على اختصاصه بالإمام المعصوم (عليهم السلام) بخلاف ما إذا ورد في الأخبار أن الأمر الكذائي للإمام (عليه السلام) أو يأمر الإمام كذا وأمثال ذلك فإنه يثبت مثل ذلك للفقهاء العدول بالأدلة المتقدمة))[3].

لقد فند الإمام في كتابه ولاية الفقيه أيضاً الرأي القائل بأن دائرة حكومة النبي الأكرم (ص) كانت أوسع منها لعلي (عليه السلام) أو أن حكومة علي (عليه السلام) أوسع منها للفقيه، حيث كتب:

((مما لا شك فيه أن فضائل الرسول الأكرم (ص) ومناقبه لتفوق جميع الكائنات، وذلك ثابت من بعده لعلي (عليه السلام)، إلا أن كثرة الفضائل لا تضاعف صلاحيات الحكومة، لقد جعل الله للحكومة الفعلية كافة تلك الصلاحيات والولاية التي كانت للرسول وسائر الأئمة صلوات الله عليهم، من قبيل: تجهيز المقاتلين وإعلان التعبئة، ونصب الولاة والعمال، وجباية الضرائب وإنفاقها في مصالح المسلمين))[4].

 

الفقهاء القدامى وولاية الفقيه المطلقة

 

كما أشرنا آنفاً فان ولاية الفقيه المطلقة ليست من الأبحاث الجديدة التي طرحت من قبل الإمام فقط، بل يعتبر الشيخ المفيد أول من وضع البنة الأساسية في عصر الغيبة في إثبات نيابة الفقيه لإمام الزمان (عليه السلام)[5]. ثم قال من بعده جهابذة فقهاء الشيعة بسعة دائرتها للولي الفقيه[6]. فقد اعتبر أغلب هؤلاء العظام أن مبدأ ولاية الفقيه من المسلمات، ثم استنتجوا بعد استعراضهم لأدلة حدود صلاحيات الولي الفقيه، إن له النيابة العامة، والولاية العامة والولاية المطلقة في عصر الغيبة.

ونكتفي هنا بالإشارة لأقوال البعض التي لها دلالة أوضح، حيث لا يسع البحث استعراض أقوال جميع أولئك العلماء الأعلام:

كتب المرحوم المحقق الكركي (م: 940 هـ):

((اتفق فقهاء الشيعة على أن للفقيه الإمامي العادل الجامع لشرائط الفتيا والذي يعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية، النيابة عن الأئمة المعصومين في جميع الأمور التي تتعلق بها النيابة))[7].

ويتحدث عن دليله بشأن الولاية العامة قائلاً:

((والأصل فيه ما رواه الشيخ في التهذيب، بإسناده إلى عمر بن حنظلة[8] ... وفي معناه أحاديث كثيرة[9] ... والمقصود من هذا الحديث هنا: إن الفقيه الموصوف بالأوصاف المعينة منصوب من قبل أئمتنا (عليهم السلام) نائب عنهم في جميع ما للنيابة فيه مدخل بمقتضى قوله: ((فاني جعلته عليكم حاكماً)) وهذه استنابة على وجه كلي ولا يقدح كون ذلك في زمان الصادق (عليه السلام) لأن حكمهم وأمرهم (عليه السلام) واحد كما دلت عليه أخبار أخرى))[10].

ويرد في رسالته (قاطعة اللجاج) بالإيجاب_من خلال الإشارة للولاية والنيابة العامة للفقهاء_على السؤال القائل: هل يمكن للفقيه أن يتولى الخراج في عصر الغيبة؟ ثم يستشهد بأسماء بعض الفضلاء الأعلام الذين أثبتوا الولاية والنيابة العامة للفقهاء عن الأئمة المعصومين في القول والعمل[11].

لقد طرح المحقق الاردبيلي (م: 993 هـ) النيابة العامة للفقيه عن النبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في عدة مواضع، قائلاً في أحدها:

(( من كونه حكماً، فهم كونه نائباً مناب الإمام في جميع الأمور ولعله به يشعر قوله (عليه السلام) ((وعلينا رد والراد ...))[12].

وذكر في موضع آخر علة اتساع دائرة حكومة الفقيه قائلاً: ((لأنه قائم مقام الإمام (عليه السلام) ونائب عنه))[13].

وعلق الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (م: 996 هـ) على عبارة[14] المحقق المحلي (م: 676 هـ) حيث قال:

((المراد به ((من إليه الحكم بحق النيابة))  الفقيه العادل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى، لأنه نائب الإمام ومنصوبه (عليه السلام) فيتولى عنه الإتمام لباقي الأصناف مع إعواز نصيبهم كما يجب عليه (عليه السلام) ذلك مع حضوره ... ))[15].

وقال جواد بن محمد الحسيني العاملي (م: 1226 هـ):

(( هو (فقيه) نائب ومنصوب عن صاحب الأمر، صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجل الله تعالى فرجه وجعلني فداه، ويدل عليه العقل والإجماع والأخبار))[16].

وقد تطرق المرحوم العلامة النراقي (م: 1245 هـ) في كتابه القيم عوائد الأيام، للولاية والنيابة العامة للفقيه وأدلتها، ذاهباً إلى أن كل أمر كانت للنبي (ص) أو الأئمة المعصومين (عليهم السلام) الولاية فيه، فهي كذلك ايضاً ثابتة للولي الفقيه والحاكم الإسلامي في عصر الغيبة. وان للفقيه الجامع للشرائط القيام بأية وظيفة مرتبطة بالأمور الدينية أو الدنيوية للناس والتي ينبغي الإتيان بها[17].

مير فتاح الحسيني المراغي (م: 1250 هـ) هو الآخر اعتمد الولاية المطلقة للفقيه واقام عليها محتلف الأدلة[18].

وقد تناولها صاحب الجواهر (م: 1226 هـ) في أغلب كتبه الفقهية ومنها كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مبحث إقامة الفقيه للحدود بعد إثباته الولاية المطلقة للفقيه، فكتب:

((بل لولا عموم الولاية لبقي كثير من الأمور المتعلقة بشيعتهم معطلة فمن الغريب وسوسة بعض الناس في ذلك، بل كأنه ما ذاق من طعم الفقه شيئاً ولا فهم من لحن قولهم ورموزهم أمراً، ولا تأمل المراد من قولهم: إني جعلته عليكم حاكماً، قاضياً، حجة وخليفة ونحو ذلك مما يظهر إرادة نظم زمان الغيبة لشيعتهم في كثير من الأمور الراجعة إليهم))[19].

وقد أكد[20] على النيابة والولاية العامة للفقيه في كتبه: (الصوم)[21] ، (الزكاة)، (الخمس)[22] ، (الجهاد) في بحث شرائط[23] دفع الجزية[24] والتعاقد مع أهل الذمة[25]، (القضاء)[26] ومن ذلك أنه كتب: ((لكن ظاهر الأصحاب عملاً وفتوى في سائر الأبواب عمومها، بل لعل من المسلمات أو الضروريات عندهم))[27].

وصرح في موضع آخر قائلاً: ((إن إطلاق أدلة ولاية الفقيه سيما رواية إسحاق بن يعقوب قد جعلت الفقيه في مقام أولي الأمر، أولي الأمر الذين يجب علينا طاعتهم))[28].

وهكذا سائر كلماته في سائر الأبواب الفقهيه التي تفند ما ذهب إليه البعض من أن صاحب الجواهر لم يخض في الولاية العامة.

أما الكلام الأجوف والأضعف من ذلك هو ما قيل:

((إن أطروحة ولاية الفقيه هي إحدى فروع الفقه .. وقد قال بعض النوادر كالمرحوم الإمام (قدس سره) أو الملا أحمد النراقي ببسط يد الفقهاء في أمر الحكومة، ولم يقل بهذه الفتوى الأكثرية المطلقة من فقهاء ومراجع تقليد القرنين الماضيين))[29].

وهذا الكلام ليس جديداً فقد زعم ذلك من قبله كاتب ((نهضت آزادي))[30].

وقد تناولنا وجهات نظر هذه الجماعة بالنقد والتحليل، وأثبتنا عراقة ولاية الفقيه[31]. حيث ذكرنا هناك أن لولاية الفقيه جذور راسخة في أعماق الفقه الشيعي وأنها من ضرورياته، إلى درجة أن بعض الفقهاء ادعى الإجماع عليها.

وقد قال الحاج السيد رضا الهمداني[32] والسيد محمد بحر العلوم[33] أيضا بما ذهب إليه سائر الفقهاء في باب النيابة العامة للفقيه.

ولا يسع المجال هنا ذكر آراء الفقهاء المشهورين في باب النيابة العامة للفقهاء وإحصاء أسمائهم.

 

 

 

المعايير والضوابط في ممارسة الولاية

 

ذكر آنفاً: إن ظاهر العبارة ((ولاية الفقيه المطلقة))_ سيما بالنظر للمفهوم اللغوي للمطلق وللمطلقة_ وإن أشعر بأن الحكومة المستندة لولاية الفقيه لا تخضع لأي حد وقيد وأنها حرة في أن تعمل ما تشاء، إلا أن إمعان النظر في دراسة الشرائط التي يجب أن تتوفر في الولي الفقيه لم يبق مجالاً لان يستنتج بأنه متى ما افتقر لإحدى تلك الشرائط فإنه سوف يفقد منصب الولاية.

فالولي الفقيه الذي اعتبره الإسلام نائباً عن النبي والأئمة المعصومين هو مقنن يتحرك في إطار القوانين والنظم الإسلامية، بل هو القمة في الالتزام بالقانون والعمل بالأحكام الشرعية. إن على الولي الفقيه أن يلتزم ويراعي المعايير والقوانين والضوابط في ممارسته لوظائفه كي تكون أوامره مظهراً للحق وفي مقدمتها:

1_ الالتزام الجاد والشامل بالمعايير والأحكام الإسلامية.

2_ أن يأخذ بنظر الاعتبار حفظ مصلحة الإسلام والمسلمين في كافة نشاطاته وفعالياته وبرامجه.

إن الإمام الخميني (قدس سره) الذي كثيراً ما كان يؤكد على مبدأ الولاية المطلقة للفقيه، وكان قد أرسى دعائم حكومته الإلهية بالاستناد إلى ذلك المبدأ، لم يغفل إصراره عن الشرطين المذكورين آنفاً في عدة مواضع من كتابيه: ((ولاية الفقيه)) و((البيع))، فقد كتب بشأن ماهية ولاية الفقيه:

((إن الحكومة في الإسلام تعني اتباع القانون والقانون، فقط هو الذي يحكم المجتمع. ولذلك منح الله الرسول الأكرم (ص) بعض الصلاحيات المحدودة والولاية، وانه متى ما تبين مسألة أو حكماً إنما يبينه من خلال اتباعه للقانون الإلهي، القانون الذي يجب على الجميع دون استثناء اتباعه وطاعته))[34].

إن سماحة الإمام حين اعتبر دائرة حكومة الولي الفقيه كالتالي للنبي (ص) والأئمة المعصومين في كتاب البيع كان قد صرح بأن المصلحة تشكل ضرورة من ضروراتها[35] قائلاً:

((إن الحكومة الإسلامية ليست مستبدة تكون الأطماع الفردية ملاكاً فيها، ليست دستورية وجمهورية معيارها القانون الوضعي. إنها حكومة إسلامية نابعة من القانون الإلهي في إدارتها لكافة شؤونها. ليس لأي والٍ من ولاة الحكومة الإسلامية أن يستبد برأيه، كل شيء فيها تابع ومنصاع للقانون الإلهي. حتى امتثال أوامر الولاة والعاملين.

أجل، إن للحاكم الإسلامي أن يعمل بما تمليه عليه مصلحة الإسلام والمسلمين أو دائرة نفوذ حكومته. وان هذه الصلاحية لا تعني الاستبداد، إنما تعني العمل على أساس المصلحة، وان رأي الحاكم كعمله أيضاً تابع لتلك المصلحة))[36].

وبناء على هذا فان ولاية الفقيه إنما تتحرك في ظل اُطر القوانين الإسلامية ومصالح الإسلام والمسلمين. وهناك نقطتان مهمتان في مقولة المصلحة ينبغي بحثهما والالتفات إليهما وهما:

1_ لمن توكل مهمة تشخيص المصالح بغية صدور الأحكام الحكومية (الولائية)؟

2_ ما هي الملاكات والمعايير التي يعتمدها في تشخيص المصلحة؟

يبدو أن الإجابة على هذين السؤالين ستحل كثير من الشبهات، وذلك لأن منشأ أغلب الشبهات والإشكالات يكمن في عدم الإحاطة والمعرفة بالموقع الشرعي والفقهي ((للأحكام المرتبطة بالمصلحة)).

والرد على السؤال الأول لا يكتنفه التعقيد على ضوء مباني الإمام الخميني (قدس سره) وكلماته وسيرته العملية. حيث أشرنا في المقالات السابقة إلى أن المرجع الأصلي في تشخيص المصلحة على أساس مبدأ النيابة العامة هو الولي الفقيه، أحياناً يكون الفقيه الحاكم، وأحياناً أخرى يفوضها لمؤسسة وأفراد يقومون بتشخيصها ثم يطلعوه عليها. وهذا ما كانت عليه السيرة العملية للإمام الخميني (قدس سره)[37].

أما الرد على السؤال الثاني فانه يتطلب بحثاً ودراسة أكثر سعة وشمولية. وهنا لا بد من الالتفات إلى هذه النقطة وهي أنه لا بد من رعاية هذين الشرطين في تشخيص المصالح وهما:

1_ إن يتم تشخيص المصلحة وفق قوانين الشريعة الإسلامية.

2_ إن يراعي الأهم والمهم في تشخيص المصلحة.

لقد ألمحنا سالفاً إلى تأكيد الإمام الخميني (قدس سره) وتشدده على المعيار الأول.

و لعل رعاية المعيار الثاني تعد المرحلة الأكثر خطورة وأهمية في تشخيص المصلحة. وهنا اعتقد البعض بأن الإمام قد انطلق في كلماته بما يفوق الفقه والشريعة ويتجاوزهما.

إن تقديم الأهم على المهم مبدأ عقلاني كان قد أكده الإسلام. ويرى كافة فقهاء المسلمين وجوب الإتيان بالأهم وترك المهم عند التزاحم، وهذا ما يفسر تأكيد الإمام على تقديم مصلحة النظام والأمة:

((إن مصلحة النظام تعد من الأمور المهمة التي قد يؤدي إغفالها إلى هزيمة الإسلام العزيز. ويرى العالم الإسلامي أمله اليوم في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حل جميع مشاكله ومعضلاته. ولعل الوقوف بوجه مصلحة النظام والأمة يثير التساؤلات بشأن إسلام مستضعفي مشارق الأرض ومغاربها، ويمهد السبيل أمام انتصار الإسلام الأمريكي المستكبر الذي يمده عملاؤه في الداخل والخارج بمليارات الدولارات))[38].

وقد بعث سماحته رسالة لمجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام[39] مؤكداً فيه على الشرطين المذكورين: ((كما عليكم أن تستفرغوا ما في وسعكم في أن لا يقع ما يخالف الشرع. فانه يجب عليكم في نفس الوقت أن تسعوا جاهدين ألا توجه للإسلام_والعياذ بالله_تهمة عدم القدر على إدارة شؤون العالم في المنعطفات والأزمات الاقتصادية، العسكرية، الاجتماعية والسياسية)).

لقد طالب سماحته فضلاء الحوزة العلمية وأئمة الجمعة والصحف والإذاعة والتلفزيون بتعريف الأمة بمصلحة النظام ومدى أهميتها[40].

إن تقديم الحكم الولائي على الأحكام الأولية في بعض المواضع إنما يتم على أساس التزاحم،لا على أساس أن للولي الفقيه الولاية المطلقة بالنسبة لسائر قنوات الفقه والشريعة كما ظن ذلك البعض[41].

ولا يعني تقديم الحكم الولائي على الحكم الشرعي الأولي تعطيله كلياً أو نسخه، وإنما يعني إيقافه مؤقتاً بسبب تزاحمه مع حكم شرعي أهم.

وقد فوض الشرع والعقل مثل هذا الحق للحاكم الإسلامي، وقد مارسه نبي الإسلام (ص) وعلي (عليه السلام) كرارً ومراراً، أي أنهما أرجئا إجراءهما لبعض الأحكام الشرعية إلى اجل محدود بسبب إجرائها لحكم شرعي أهم أو مصلحة أكثر أهمية، ولا يعني هذا التضحية بالشريعة من اجل المصلحة، بل الإبقاء على خير الأمة وصلاحها الذي حثت عليه الشريعة. والجدير بالذكر أن هذه القضية مختصة بإجراء الأحكام لا التشريع، وسنخوض في هذا الموضوع لاحقاً.

 

التفاسير الخاطئة لولاية الفقيه المطلقة

سنتناول هنا التفاسير الأخرى المطروحة بشأن ولاية الفقيه المطلقة، ثم نقارنها مع رأي الإمام الخميني (قدس سره) بهذا الخصوص. يمكن القول بأن هناك طائفتين تناولتا الولاية المطلقة للفقيه بالشرح والتفصيل وهما:

1_الطائفة التي تؤمن بالإسلام وتقر بمبدأ ولاية الفقيه وتوجب على نفسها الدفاع عنه إلا أن لها وجهات نظر لا تنسجم وآراء الإمام.

2_ الطائفة الثانية وتتمثل في بعض الأفراد الذين لا يعتقدون بولاية الفقيه، ويسعون من خلال تفسيرهم الخاطئ لولاية الفقيه إلى تحريض الأمة للوقوف بوجهها. وهي طائفة رسمية تمارس نشاطاتها بصورة علنية وتحظى بدعم ومساندة أعداء الثورة الإسلامية والعناصر المعارضة لها. وقد حذت حذوها بعض التيارات والاتجاهات ومنها: المثقفون الانفتاحيون غير المتدينين، نهضت آزادى، إضافة لبعض العناصر الحاقدة أو العناصر السياسية الساذجة في الحوزة العلمية والجامعة.

وسنتعرض هنا لهذه التفاسير الواحد بعد الآخر ونميز صحيحها من سقيمها وانسجامها من عدمه مع آراء ووجهات نظر الإمام الخميني (قدس سره).

 

1_ ولاية الفقيه المطلقة والحكومة المطلقة:

 

كما أشير سابقاً فإن التناغم السمعي بين ولاية الفقيه المطلقة والحكومة المطلقة خيل للبعض بأن يعدهما واحدة، الأمر الذي دفع بالجهال والمغرضين في الداخل والخارج أن يتمشدقوا بهذا التناغم ليتشبثوا به في دعاياتهم المشبوهة ضد ولاية الفقيه، على أن الحكومة القائمة على هذه الأطروحة إنما هي حكومة مستبدة، حكومة تتدخل في شؤون البلاد وحقوق الأمة دون الاكتراث لأي معيار وملاك، حكومة تصادر حريات الأمة ولا تسمح لها بأدنى نقد واعتراض و...

أجل، إن الحكومة المطلقة، حكومة مستبدة، حكومة تستند إلى حاكمية فرد أو معينين، حكومة غاشمة، متغطرسة، قمعية، عنيفة ليست ملتزمة بقانون ومقررات.

فليس هنالك من دور ونشاط لإرادة الأمة في ظل هكذا حكومات، مصالح الأمة مغيبة، لا يشعر الحكام بأية مسؤولية تجاه الأمة، ولا يفكرون إلا في تحقيق أهدافهم وطموحاتهم الفردية. وبالتالي فان الحكام إنما يرون الحكومة حكراً على أنفسهم وأسرهم. وقد ارتكب هؤلاء الحكام الجبابرة أعتى الجنايات وأفضعها على مدى التاريخ، وإنهم لم يترددوا حتى في قتل أبنائهم وإخوانهم حين يشعروا بأنهم يشكلون مصدر خطر على عروشهم ومناصبهم[42].

فهل ولاية الفقيه كذلك؟ هل يرى أثر من تلك الفضائع، والجرائم وانتهاك الحقوق في سجل حكومة الفقيه إبان هذه السنوات؟

بالطبع إن أعدى أعداء الثورة الإسلامية، وكذلك الفئات الموالية لها ليعلمون علم اليقين بأن حكومة الفقيه هي حكومة العطف والرحمة والمحبة، وهذا ما لا يروق لهم، وذلك لعلمهم بان هكذا حكومة سوف لن تفسح المجال أمام الاستعمار لخداع الشعب ونهب ثروات الأمة وأموالها، وهذا ما دفع بهم واضطرهم لأن يدقوا طبولهم ويعزفوا على أوتارهم صارخين بأعلى أصواتهم أيها الناس! اعتزلوا حكومة الفقيه و...

ومن الواضح أن الولي الفقيه سيفقد شرعيته طبق المعايير والضوابط الإسلامية فيما إذا توفرت فيه إحدى تلك الخصائص التي تمارسها الحكومة المطلقة، وكما أشرنا فإن الإطلاق الوارد في الولاية المطلقة إنما ورد في مقابل التقييد الذي قيل به بشأن صلاحيات الولي الفقيه. الولاية المطلقة تعني أن للفقيه تلك الصلاحيات التي كانت لحكومة النبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) لا بعضها.

وعليه فإن الولاية المطلقة للفقيه لا تنسجم أبداً والحكومة المطلقة الواردة في الفلسفات السياسية بكافة أشكالها، ويمكن عدها وفق التصنيف المشهور من نوع الدستورية (المشروطة)، لا بمعناها ومفهومها الغربي طبعاً، إنما هي دستورية وفق الموازين والمعايير التي حددتها الشريعة الإسلامية السمحاء بالنسبة للولي الفقيه.

يذكر أن المعايير والشرائط الواردة في الفلسفة السياسية الإسلامية بالنسبة للقيادة والزعامة سيما عند الشيعة تمثل منتهى الصعوبة والتعقيد، وقد صرح الإمام بذلك قائلاً:

((الحكومة الإسلامية ليست مستبدة ولا مطلقة، بل هي دستورية (مشروطة) ولكن ليست بالمعنى المتعارف عليه في عصرنا الراهن بحيث تكون مصادقة القوانين فيها بيد الأكثرية، إنما دستوريتها على أساس التزامها بالشروط المعينة في القرآن الكريم والسنة النبوية المقدسة))[43].

وبناءً على ما تقدم فان حكومة الفقيه وولايته ليست فقط لا تنسجم والحكومة الفردية أو الحزبية المطلقة فحسب، بل تقف على الضد منها وتناهضها.

هناك عدة فوارق رئيسية بين ولاية الفقيه المطلقة والحكومة المطلقة ومنها:

أ_ إنما تستمد الولاية المطلقة للفقيه شرعيتها من خلال مدى التزامها ورعايتها للأحكام الإلهية، وان جميع السلطات في الحكومة الإسلامية، كالسلطة التشريعية، القضائية والتنفيذية ملزمة بممارسة مسؤوليتها وفق المعايير والضوابط الإسلامية، و لا يجوز لها تجاوز هذه المقررات بأي شكل من الأشكال. والحق أن الحاكمية في ظل نظام ولاية الفقيه إنما هي خاضعة لقوانين الله وأوامره))[44].

ب_ بالاستناد للآيات والروايات فانه ينبغي أن تتوفر بعض الشرائط والخصائص في الحاكم الإسلامي وأن تكون ذات ديمومة طيلة حياته، سيما في فترة تصديه، فإذا افتقر لإحدى تلك الخصائص والشرائط التي أقرها الشارع المقدس، تنحى تلقائياً عن مقام الولاية وسقطت أحكامه عن النفاذ والإجراء:

((تسقط ولاية الفقيه فيما إذا كان منطقه غاشماً باطلاً))[45].

((لو كذب الفقيه في قول بطلت ولايته))[46].

((تسقط ولاية الفقيه إذا قارف ذنباً وان كان من الصغائر))[47].

وذلك لانعدام الوثوق والاعتماد على هكذا فقيه، ولا يؤمن أن يضحي بمصالح الإسلام والمسلمين من أجل تحقيق أطماعه وأغراضه الشخصية.

إن إحدى تلك الشرائط هي العدالة التي تتنافر والاستبداد، والطغيان، الأهواء الشخصية، وإضاعة حقوق الأمة و...

ج_ هناك حقوق متبادلة لك من الحاكم والأمة في ظل الحكومة الإسلامية[48]، على الأمة أن تتمثل أوامر الحاكم بصفته مقيماً لأحكام الله، من جانب آخر فانه في الواقع سيكون خادماً للأمة من خلال ممارسته لمسؤولياته ووظائفه في الحكومة، وهي تلبية المتطلبات المادية والمعنوية للأمة.

د_ جميع أبناء الأمة متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون في ظل الحكومة الإسلامية، وليس هنالك من يرى نفسه فوق القانون:

((الكل سواسية أمام القانون بما فيهم القائد))[49].

هـ_ إضافة لما تقدم وكما أشرنا آنفاً، فان دائرة ولاية الفقيه مؤطرة بمصالح الإسلام والمسلمين، فالقيادة تستشير الأمة في ما تتخذه من قرارات بشأن إدارة شؤون المجتمع بعد تدارس كافة وجهات النظر المطروحة ومناقشتها والوقوف على الأضرار والمنافع.

و_ أضف إلى أن القيود والحدود التي وضعها الإسلام للحاكم الإسلامي تكفلت بضمان الحد من الفساد والخطأ إلى أدنى درجاته، فانه يخضع لإشراف الأمة، سيما علمائها ومفكريها الإسلاميين.

كما أن القيادة تنهض بوظيفتها في تهذيب أخلاق الأمة وسلوكها، وتسعى لضمان سلامة أمها الثقافي والحضاري، فإن على الأمة أن تنهض بوظيفتها أيضاً في إشراقها على سير الأمور، وألا تبخل في طرح اقتراحاتها الخيرة وانتقاداتها البناءة[50].

وليس هناك من فرق في هذه القضية بين الإمام المعصوم وغير المعصوم، ولذلك طالب الإمام علي (عليه السلام) الأمة بالتخلي عن كافة أشكال الإطراء والتملق والرياء وتقديم النصح والإرشاد القائم على أساس العطف والمحبة[51].

وقد أخذ دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية بنظر الاعتبار مثل هذا الإشراف[52].

فالأمة سيما مجلس الخبراء يتمتع بهذا الحق، وأن ضمان إجراء وتنفيذ هذا الإشراف قد قلدته الأمة أيضا خبراءها[53].

وإضافة لكل ما سبق فان التجربة العلمية للقرنين الماضيين أثبتت أن الولي الفقيه لا يشوبه الاستبداد وللأمة دورها الفاعل في الحكومة القائمة على أساس ولاية الفقيه، بحيث كان لها حضورها الحاسم مرات وكرات عند صناديق الاقتراع حيث أدلت برأيها في تشكيل نوع الحكومة ورئاسة الجمهورية وانتخاب ممثلي المجلس و...

وبالالتفات إلى تلك الشرائط التي افترضت في الولي الفقيه، ولعدم طرو تلك الشبهة (الخلط بين الحكومة المطلقة والولاية المطلقة) فإن نجل الإمام العلامة الشهيد مصطفى الخميني استعمل تعبير الولاية العامة المقيدة بدلاً من ولاية الفقيه المطلقة[54]. مع أنه يقول بتلك الصلاحيات التي كان يراها الإمام للفقيه.

بالاستناد لما أشرنا إليه من فوارق الحكومة المطلقة والولاية المطلقة. يتضح بجلاء أن ولاية الفقيه ليست خالية من الاستبداد فحسب، بل إنها تضمنت أقصى الحقوق والحريات للأمة، وكما مر معنا فان قيد الإطلاق إنما يتعلق بالصلاحيات، وهو يعني أن الفقيه في إدارته لشؤون البلاد يتمتع بكافة الصلاحيات التي يمارسها أي حاكم مبسوط اليد لا انه يفعل ما يشاء. وقد صرح رائد الثورة الإسلامية وحامل لواء الولاية الإمام الخميني (قدس سره) قائلاً:

((الحكومة الإسلامية ليست استبدادية يكون فيها رئيس الحكومة مستبداً يتلاعب بمقدرات الأمة وأرواحها وأموالها ويتصرف فيها بما يشاء، يغدق الأموال على هذا ويصرفها عن ذاك دون حساب، فانه لم تكن مثل هذه الممارسات والصلاحيات حتى لرسول الله (ص) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وكذلك سائر الخلفاء))[55].

 

دوافع الخشية والقلق

 

رغم شرح الإمام وأتباعه لأطروحة ولاية الفقيه، وأنها لا تعني الحكومة المطلقة التي تمارس الاستبداد والتسلط، إلا أن لنا أن نتساءل هنا عن دوافع خشية وقلق بعض الانفتاحيين الذين لا يزالون يتحدثون عن استبدادية الحكومة الإسلامية[56]؟ ما يقلق هؤلاء الأفراد؟

فهل قلقهم من الاستبداد وهضم حقوق الأمة أم أن هناك شيئاً آخر يقلقهم؟ لا شك أن جذور قلقهم تكمن في عدم فسح المجال أمامهم وأمام أسيادهم الغربيين، من جراء تشكيل حكومة إسلامية يتزعمها فقيه عالم، مدير مدبر و... وعليه فان ما يؤرقهم وجود فقيه لا يمكن اختراقه، إنهم يخشون خضوع السلطة التشريعية، القضائية والنفيذية للإسلام الذي لا يدع لهم مجالاً لتمرير مخططاتهم، فهم يسعون جاهدين لتحطيم هذا الجدار الحصين بغية اختراقه والتسلل من خلاله ليمهدوا السبيل ثانية أمام التسلط الأمريكي على مقدرات ومصير البلاد الإسلامية الإيرانية.

 

2_ الولي الفقيه

والتدخل في الشؤون الخاصة بحياة الأمة:

 

هناك فئة فسرت الولاية المطلقة للفقيه بأنها تعني التدخل في الشؤون الداخلية للأمة قائلة:

((إن الإطلاق يفيد أن للولي الفقيه التدخل في الشؤون الخاصة للأمة))[57].

على سبيل المثال: له أن يفرض رأيه على الآخرين في انتخاب السكن والعمل والزوجة ... هل هذا التفسير لولاية الفقيه صحيح؟

لا ريب ولا شك أن هذا التفسير ليس صائباً، وهذا ما لم يقل به أي من الفقهاء فضلاً عن الإمام الخميني (قدس سره)، ولعل سبب طرح مثل هذا التفسير للولاية المطلقة هو أن بعض الفقهاء يرون هكذا ولاية للنبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) كون ولاية الفقيه تمثل الامتداد الطبيعي لولاية المعصومين (عليهم السلام) إذاً فللفقهاء أن يتمتعوا بهذه الصلاحيات أيضاً!

و هذا الرأي واضح الخطأ والبطلان بالاستناد للمعنى الصحيح لولاية الفقيه المطلقة وكذلك سائر الشرائط المذكورة بشان ممارسة الولاية سيما شرط المصلحة.

وبسبب أهمية البحث وبغية اتضاح الموضوع والوقوف على الدوافع الحقيقة لإثارة مثل هذه التفاسير، سنشير هنا لبحثين مطروحين بشأن هذه المقولة:

أ_ هل هناك مثل هذه الولاية للنبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) ؟

ب_ هل للفقيه مثل هذه الولاية أيضاً على فرض ثبوتها للنبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) ؟

الرأي المشهور أنه يمكن للنبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) أن يتدخلوا في أي عمل شاءوا وكذا في الشؤون الشخصية للأفراد وإن لم يشتمل ذلك على مصلحة:

((المعروف عنهم ثبوتها له (عليه السلام)، خلافاً لما نسب إلى صاحب البلغة (قدس سره) وهو الأقوى))[58]. وقد استدل أصحاب هذا الرأي من الفقهاء بالآيات والروايات التالية:

{ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم }[59].

الآية تفيد أولوية وأحقية النبي (ص) بالمؤمنين من أنفسهم.

وفي الآية إطلاق يشمل كل موضع للنبي (ص) أن يمارس ولايته فيه سواء كانت فيه مصلحة أم لم تكن.

قال (ص): ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه وعلي أولى به من نفسه))[60].

هذا الحديث وحديث الغدير: ((ألست أولى بكم من أنفسكم))[61].

ليؤكدان مضمون الآية الشريفة المذكورة سابقاً.

وقد استشهدوا[62] أيضا بآيات وأدلة أخرى، ليست لها أية دلالة على الادعاء المذكور[63]. وعليه ذلك الادعاء المزعوم هو الآية الشريفة والرواية التي صرحت بنفس مضمونها.

 

نقد وتحليل

لم يقر أغلب الفقهاء ومنهم: الآخوند الخراساني[64]، سيد محمد آل بحر العلوم، صاحب بلغة الفقيه[65]، العلامة الشهيد السيد مصطفى الخميني[66] و... مثل هذه الولاية للنبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) وذلك لاعتقادهم بأن:

1_ جعل الولاية من الأمور الاعتبارية والتي ينبغي أن تكون متناغمة ومنسجمة مع السيرة العقلائية. وان جعل هكذا ولاية للمعصومين ليست قضية عقلائية. أفيمكن أن نعتبر لشخص ملكية شيء إلا أنا لا نمكنه من الاستفادة منه، أن ولاية المعصوم بالشكل الآنف الذكر ستكون هكذا[67].

2_ ليست هناك أية دلالة للآية الشريفة: {النبي أولى بالمؤمنين...} والرواية: ((أنا أولى بكل مؤمن ...)) على معنى المذكور، ولا يستفاد منهما_الآية والرواية_سوى نفوذ تصرف المعصومين (عليهم السلام) ووجوب طاعتهم.

وبناء على هذا فان الولاية المطلقة ليست صحيحة بالمعنى المذكور حتى للأئمة المعصومين (عليهم السلام) وذلك لأننا إذا قلنا بهكذا حق لهم (عليهم السلام) فان ذلك يستلزم تجاوزهم لقوانين الإسلام الواحد تلو الآخر ومقرراته بالنسبة للأمة. وهذا ما لا يقره العقل ولا العرف.

لا شك أن النبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) ليولون أهمية لحقوق الأمة تفوق ما يوليه غيرهم، وإنهم دون إذنهم لن يتعرضوا قط لأموالهم أو يطلقوا أزواجهم و...

3_ أضف إلى ذلك فان سيرة النبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في سلوكهم مع الأمة في شؤونها الخاصة كانت كسلوك الأفراد بعضهم مع البعض الآخر. فهم لم يتسلطوا على أموال الآخرين دون إذنهم ولم يطلقوا أزواج الأفراد دون رضاهم[68]. و... إن أولئك الذين رأوا ثبوت الولاية للمعصومين (عليهم السلام) صرحوا بان النبي (ص) أو الأئمة (عليهم السلام) لم يمارسوا مثل هذه الولاية[69].

لا شك أن عدم ممارسو الأئمة لولايتهم في هذه الأمور، لم يكن على أساس أنهم كانوا يستطيعون ممارستها وأنها كانت ثابتة لهم، كلا بل لم يكن لهم مثل هذه الممارسة والتدخل.

 

معنى الأولوية بالتصرف

 

يعتقد أغلب المحققين والمفسرين، أن أولوية النبي (ص) أو الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بالتصرف تكمن في حق القيادة الاجتماعي والسياسي[70].

أي أن النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) أولى من غيرهم في التدخل في الأمور وتنظيمها على الصعيد الاجتماعي والحكومي. فكل مدير أولى من غيره بالقيام بالوظائف ونظم الاُمور فيما يتعلق بحوزته الإدارية وما أوكل إليه من مسؤوليات.

وهذا ما يصدق على النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) أيضا في أنهم أولى من غيرهم بالقيام بوظائفهم وتنظيم سير أعمالهم في المسؤوليات التي ألقاها الله على عاتقهم وفي دائرة حكومتهم.

وهذا حكم السلطات الثلاث في أن كل واحدة منها أولى بالتدخل مما سواها في إطار المسؤوليات الملقاة على عاتقها.

ويتبين مما سبق أن ليس للفقيه مثل هذه الولاية، وحين ينتفي حق النبي (ص) أو الأئمة (عليهم السلام) عن التدخل في شؤون الأمة الخاصة دون رضاها وإذنها، فم الأولى انتفائه بالنسبة للولي الفقيه، وليس له أن يفرض رأيه على الآخرين بأي شكل من الأشكال في انتخاب الشغل والعمل، المسكن، الزوجة، والتصرف في الأموال ما لم تكن هناك مصلحة في ذلك. ولذلك كتب الإمام الخميني (قدس سره): ((ثم إنا قد أشرنا سابقاً إلى أن ما ثبت للنبي (ص) والإمام (عليه السلام) من جهة ولايته وسلطته ثابتة للفقيه، وأما إذا ثبت لهم (عليهم السلام) ولاية من غير هذه الناحية فلا، فلو قلنا بان المعصوم (عليه السلام) له الولاية على طلاق زوجة الرجل أو بيع ماله أو أخذه منه ولو لم يقتض المصلحة العامة لم يثبت ذلك للفقيه))[71].

ويتحصل مما مر معنا أن الولاية بهذا المعنى ليست صحيحة، لا للمعصومين (عليهم السلام) ولا للفقيه، وقد قال الإمام بصريح العبارة: على فرض ثبوت هذه الولاية للنبي (ص) والأئمة المعصومين: فإنها ليست كذلك للفقيه.

 

3_ تجاوز حدود الفقه والشريعة:

 

فسر بعض ذوي الأفكار المنحرفة، الولاية المطلقة للفقيه بأنها ولاية على الفقه والشريعة وظنوا أن الفقيه يمكنه أن يقوم بوظائفه متجاوزاً ومهملاً لأبعاد الفقه والشريعة، وانه يصدر أوامر بما يخالفها، وبالتالي يحول بين الأمة وبين الالتزام والعمل على ضوئهما[72].

وقبل الخوض في نقد وتحليل هذا الرأي، أرى من المناسب بل الضروري أن أشير الى مفهوم الولاية التشريعية:

لقد وردت الولاية التشريعية بمعنيين:

أ_ حق الحاكمية والتصرف.

ب_ حق التشريع وسن القوانين.

وقد اختصت الولاية_بالمعنى الأول_ بالله ثم بالنبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) بالفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة. أما الولاية بالمعنى الثاني فهي مقتصرة عليه سبحانه فقط، فكما أنه تبارك وتعالى الحاكم المطلق لجميع عالم الوجود فهو الحاكم على نظام التشريع أيضاً، وقد وردت الأدلة العقلية والنقلية بهذا الشأن بصورة مفصلة[73].

كما ذكر سابقاً فان التشريع في الحكومة الإسلامية إنما يتم وفق أحكام الشريعة الإلهية، وليس لأي أحد أن يسن قانوناً أو يشرع حكماً في مقابل القوانين والأحكام الإلهية، ولم يكن ذلك حتى لرسول الله الذي بلغ أقصى الكمالات، فقد خاطبه القرآن قائلاً:

{وأن احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم }[74]. إضافة لسائر الآيات القرآنية التي صرحت بهذا المضمون[75].

طبعاً ما يستشف من روايات[76] التفويض هو أن الله فوض له (ص) على التشريع في بعض الموارد، وقد مارس بإذن الله عملية التشريع[77] في تلك الأمور، إلا أن هذا التفويض لم يكن كلياً ولذلك كان ينتظر نزول الوحي للرد على ما كانت تطرحه عليه الأمة من أسئلة حساسة.

إنّ الأئمة عليهم السلام وان كان لهم مقام العصمة، إلا انه لم يكن لهم تشريع جديد، وذلك لاستفاضة الروايات بتشريع كافة الأحكام التي تحتاجها الأمة إلى يوم القيامة[78] بعد أن كمل الدين وتمت النعمة الإلهية[79]، فلم يبق مجال لتشريع جديد، فكانت وظيفة الأئمة (عليهم السلام) بيان الأحكام وفق ما تلقوه من النبي (ص) بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وبناء على ما تقدم فبطريق أولى ينتفي حق التشريع وسن القوانين للولي الفقيه.

إن التشريع في الحكومة الإسلامية لا يعني وضع أحكام جديدة، إنما المراد منه التوفيق بين الفروع والأصول، ويصطلح عليه بالتشخيص الموضوعي، ولذلك انبثق مجلس الأمناء (مجلس صيانة الدستور) بغية عدم سن قانون يتعارض وأحكام وقوانين الإسلام.

العمل بمقتضى المصلحة هو الآخر ليس تشريعاً، بل هي قضية مقننة تتم وفق الضوابط الشرعية، ولهذا كان لا بد لتشخيص المصلحة أن يتم على ضوء أحكام الشريعة الإسلامية ومراعاة قاعدة الأهم والمهم. وقد أشرنا سابقاً إلى عقلائية قاعدة الأهم والمهم وإمضائها من قبل الشريعة، إلا أن ذلك يختص بإجراء الأحكام الإسلامية، لا التشريع وسن القوانين. أحيانا يطرأ التزاحم على بعض الأحكام الإسلامية حين التنفيذ والإجراء، وهنا يأتي دور الولي الفقيه في إزالة هذا التزاحم من خلال تقديم الأهم على المهم وفق المصلحة.

إن دائرة التنفيذ والإجراء التي تفرز التزاحمات، منفصلة عن دائرة الاستنباط، ولذلك فان حكم الحاكم لا يقاس بالنسبة لأدلة الأحكام، ليكون إلى جانب الأدلة الأربعة بصفتها من مصادر التشريع. وأن تطرح مسألة التقييد والتخصيص و...

وبناء على هذا فان تقديم الحكم الحكومي (الولائي) على الأحكام الأولية أو الثانوية لا يعني التشريع أو العمل بما فوق الفقه أو التشريعة، كما تصور ذلك البعض فكتب:

((لولاية الفقيه المطلقة بصفتها واسطة بين عالم اللاهوت وعالم الناسوت وجهان وحيثيتان: (وجه يلي الرب) في الدرجة الأولى، وفي الدرجة الثانية (وجه يلي الخلق). وحسب الوجه الأول، فان للولي الفقيه ولاية مطلقة على الفقه، أي أن له كافة شؤون النبي والأئمة المعصومين في أمر التشريع، بل هو مصدر جعل وتشريع، وعلى الفقه الشيعي أن يعده أحد المصادر والأدلة الفقهية إلى جانب الأدلة الأربعة المعروفة، وان قولنا بأنه إلى جانب سائر الأدلة إنما هو من باب المسامحة، وإلا وطبق الروايات المتواترة، فان الولاية تمثل ذروة سنام أركان الدين وهي مقدمة عليها جميعاً))[80].

وقد استند صاحب هذا الادعاء إلى الكلمات المشهورة للإمام الخميني (قدس سره) حول الولاية المطلقة والأحكام الولائية، وكذلك كلامه الذي اعتبر فيه تماصل حكومة الولي الفقيه، بتلك التي كانت للنبي (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام).

إن هذا الادعاء الأجوف الموهوم لا يستحق الطرح فضلاً عن الإجابة عليه، ولكن حيث نسبه صاحبه للإمام، فلا بأس بالرد عليه بصورة مقتضبة:

لقد ذكر الإمام في عدة مواضع من كتاب البيع أن التشريع في الإسلام مختص به سبحانه[81]. وقد كتب في كتابه ولاية الفقيه:

((إن مفهوم الحكومة في الإسلام هو التبعية والانصياع للقانون ... ))[82].

إن امتثال أوامر الولي الفقيه واجب كالإتيان بالأحكام الشرعية على أساس الحكم الأولي. فأمر الولي الفقيه في هذه الأمور_كأمر الأب ونهيه لابنه_موضوع لحكم الله. مع هذا الفارق وهو أن أمر الله بطاعة الوالدين مقتصر على مواضع يعد عصيانهما فيها عقوقاً، إلا أن ولاية الفقيه ليست مقتصرة على تلك المواضع.

لقد تصور الكاتب المذكور أن ((المطلقة)) تعني التحرر من كافة الحدود والقيود الفقهية والتشريعية ناسباً ذلك إلى الإمام. والحال لم يقل_بهذا القول_الإمام ولا أي فقيه آخر. لقد ذكرنا بان هذا الشأن لم يثبت حتى للمعصومين (عليهم السلام) بل كان للنبي (ص) على رأي، تشريع في بعض الأمور التي تعد بأصابع اليد. وقد انبثق استناد الكاتب بكلمات الإمام بشأن الفقيه التشريع اثر عدم تمييزه بين الأحكام الشرعية والأحكام الحكومية والولائية. وقد ألمحنا سابقاً إلى أن صدور الأحكام الحكومية من قبل الفقيه ليست تشريعاً، بل مختصة بمرحلة إجراء الأحكام.

وعليه فان طرح الأحكام الحكومية على أنها تشكل أحد مصادر التشريع إلى جانب سائر الأدلة أو أنه مقدم عليها جميعاً، إنما هو كلام أجوف لا أساس له.

تقديم الولي الفقيه للأهم على المهم، لا يعني تجاوز الفقه والشريعة بأي حال من الأحوال.

أن كان للإمام رأي بتقدم الأحكام الحكومية على الأحكام الشرعية.

فإنه إنما استند لقاعدة التزاحم العقلية التي تبرز ضرورتها في القضايا الشخصية والاجتماعية على سبيل المثال وجول إنقاذ غريق، وحرمة الجواز من ملك الآخرين، حكمان شرعيان متزاحمان بالنسبة لذلك الفرد الذي يهم بإنقاذ الغريق، أي أن العمل بأحدهما يستتبع ترك الآخر، فليس هنالك أمام المكلف إلا الإتيان بأحد التكليفين، وليس إلا التضحية بالمهم والإتيان بالأهم، وهذه التضحية لا تعني التبديل والتغيير في الحكم الشرعي. فعبور ملك الآخرين لإنقاذ غريق لا يرفع حرمة الغصب، أي أن حكم الحرمة ما زال باقياً وأن ارتفعت المؤاخذة والعقوبة على ارتكاب الحرمة ما دامت تلك الشرائط قائمة.

وهذا ما يصدق على القضايا الاجتماعية أيضاً، فليس للولي الفقيه الحق في إضافة حكم أو رفعه. وعليه أن يوازن بين القوانين الإسلامية وإجرائها. وكلما عرض له في مقام الإجراء حكم مهم يتزاحم مع آخر أهم فانه يتصرف كما يتصرف أي فرد في إطار وظيفته الشرعية في ترك المهم والإتيان بالأهم.

فمثلاً، أموال الأفراد محترمة، وليس للدولة الإسلامية حسب الحكم الأولي أن تمد يدها لتلك الأموال دون إذن المالك. أما إذا لم يكن هناك انسجام في ملكية الفرد أو الأفراد مع المتطلبات العامة للمجتمع، أفينبغي الالتزام بالحكم الأولي؟ مثلاً لو أرادت الدولة_تلبية لحاجة الأمة ومتطلباتها_أن تشق طريقاً أو شارعاً، وكانت تعترضه بعض الأبنية والعمارات والأراضي، أو أن تسعيرة الدولة لم تكن طبيعية حسب الحكم الأولي، الأمر الذي دفع الباعة والتجار أن يستغلوا تلك التسعيرة بحيث أصبحت الأمة في حرج، أفيجب العمل بالحكم الأولي أيضاً؟

هنا يأتي دور الحاكم الإسلامي في هذه الحالات (التي أشار الإمام الخميني (قدس سره) إلى بعض نماذجها)، ليقدم الأهم على المهم. وقد اعتقد الكاتب المذكور بأن الإمام قد مارس التشريع في هذه الحالات وخاض في القانون بما يفوق الفقه والشريعة!

 

4_ الولاية المطلقة للفقيه والدستور:

 

هل يمارس الولي الفقيه صلاحياته الولائية التي وردت ضمن الدستور فقط، أم أن له أن يمارسها بنطاق أوسع من ذلك؟

يعتقد البعض أن ممارسات الولي الفقيه لا تنحصر بما ورد في الدستور:

((يجب الالتفات إلى هذه المسألة وهي أن الأمور التي وردت في الفقرات الإحدى عشرة تمثل الوظائف والصلاحيات المنحصرة دائماً في القائد وليس لغيره التدخل فيها، إلا أن هذا لا يعني أنه ليس للقائد أن يمارس ما هو أبعد من تلك الفقرات الإحدى عشرة، لان الحصر كان من جانب هذه الأمور لا من جانب القائد))[83].

أما لماذا كان الحصر في هذه المادة أحادي بينما كان ثنائي الأطراف في المواد المرتبطة بوظائف سائر المسؤولين كرئيس الجمهورية، والسلطة التشريعية والقضائية. فان ذلك يعزي سببه للمبنى والمستند الفقهي لولاية الفقيه المطلقة[84]، وإلا لا يستفاد ذلك بوضوح من الدستور المصادق عليه عام 1358[85].

أما البعض الآخر فهو يرى أن الولي الفقيه قد نصب من قبل القانون فلا ينبغي أن يتجاوز القانون والدستور. قائلين: لو كان للولي الفقيه الحق في أن يعمل بما هو أبعد من الدستور، لم تحددت دائرة أعماله ووظائفه في الدستور؟

من جانب آخر لو كان للولي الفقيه  أن يتجاوز الدستور وصلاحياته المقررة له، فكيف ستكون القضية بالنسبة لتصويت الأمة على الدستور؟

فالأمة صوتت على هذا الدستور، ومعنى ذلك أن القائد أيضاً يجب أن يمارس وظائفه في إطار تلك الصلاحيات القانونية.

 

نقد وتحليل

 

بالنظر لما أوردناه آنفاً فان الولاية المطلقة للفقيه ليست مرتبطة بمقام التشريع، لتعتبر ممارسة الولاية نوعاً من أنواع التشريع. وقلنا بان التقديم الأهم على المهم في الأحكام، هو قاعدة عقلائية وشرعية، لا أنه عمل بما هو أبعد من الفقه والشريعة ... ويبدو أن رأينا في هذه القضية واضح، وبالنظر لأهمية الموضوع لا بأس بان نتأمل قليلاً في هذه المقولة: فليس هناك أي فارق بين الولي الفقيه وسائر الأفراد في القضايا الشخصية. فهو كالآخرين تابع للقانون. بل إنه يلتزم بالقوانين والأحكام الشرعية بما يفوق الآخرين. وبناء عليه فالولي الفقيه ليس فوق القانون البتة.

أما في ممارسة الولاية والصلاحيات الحكومية فلا شك أن المبنى الأصلي هو حفظ ورعاية الدستور، وذلك لأنه ثمرة الشريعة الإسلامية، وقد أثبتنا في حينه أن على الولي الفقيه أن يمارس ولايته إزاء قوانين الشريعة، إلا أنه إذا واجه مشكلة لم يتكهن بها الدستور فانه يعرض مشروعاً أو قانوناً يحل تلك المشكلة على أساس قاعدة (تقدم الأهم على المهم) العقلية بعد استشارته للمتخصصين بهذا المجال. وقد صرح الدستور المصادق عليه عام 1368 بهذا الحق الذي ينسجم تماماً ومباني ولاية الفقيه المطلقة أيضاً.

وبناءً على ما تقدم فإنه يمكن إعادة النظر في مثل هذه الأمور من خلال النهج والأسلوب الذي صرح به القانون نفسه. أضف إلى ذلك، فان مثل هذه الصلاحيات ليست حكراً على نظام ولاية الفقيه، فهي سائدة ومعمول بها في سائر الأنظمة والحكومات. ولذلك فان هذه الصلاحيات قانونية وشرعية، وليس من الصواب التعبير بـ: ((نقض القانون)) و((انتهاك القانون)) في مثل هذه الأمور والحالات.

وعليه فان العبارة ((فوق الدستور)) وان كانت سلبية في ظاهرها وتوحي للأذهان بأن الولي الفقيه يمكنه وكما يحلو له أن يتدخل ويتصرف في القانون بما يشاء، ويمكنه أن يرفع هذا القانون ويستبدله بذاك ... إلا أن التأمل في القضية ودراستها بعيداً عن الحقد والبغض والعداء سيفيد بوضوح بأن فوقية القائد على الدستور لا تعني نقضه وإعاقته، وإنما تعني حل الأزمات التي تواجه الأمة حين تصل إلى طريق مسدود.

إن الفقيه ورغم تمتعه بالولاية المطلقة إلا انه لا يتجاوز شرائطها أبداً، وذلك لأنه سيفقد تلك الولاية والقدسية تلقائياً فيما إذا حكم أهواءه أو عمل بما تفرضه عليه ميول الآخرين وأهواؤهم، وعلى هذا الأساس صرح الإمام الذي كان يؤمن بالولاية المطلقة للفقيه وان صلاحياته فوق الدستور المصادق عام 1358 قائلاً:

((إن الشؤون التي وردت لولاية الفقيه في الدستور هي بعضها لا جميعها، وليس هنالك من يتضرر بتلك الولاية التي أقرها الله))[86].

لقد تصرف الإمام فوق الدستور في بعض الأمور ومنها: تأسيسه لمجمع تشخيص مصلحة النظام لحل الخلافات العالقة بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى الإسلامي، ثم صودق عليه سنة 1368 في الدستور.

فهل ما زال يصر معارضو الولاية المطلقة للفقيه على بقاء تلك المشاكل العالقة دون أن يتصدى لها من يحلها؟ لو واجهت سائر البلدان هكذا مشكلة أفلا ينبري لحلها شخص كرئيس الجمهورية أو غيره أم لا؟

لحسن الحظ فانه وبعد إعادة الدستور في سنة 68، قد وردت مواد في الدستور نصت على الولاية المطلقة للفقيه[87]. وان لم يصرح بوضوح في الدستور بشأن صلاحيات الولي الفقيه. فانه يمكن التصرف على أساس المادة الرابعة التي تقول: ((لا بد أن تكون كل الأمور مطابقة للإسلام)) والمادة السابعة بعد المئة التي فوضت المسؤوليات الناشئة عن القيادة للولي الفقيه.

وعلى هذا الأساس، فان نصب أئمة الجمعة في أنحاء البلاد، تعيين مسؤول للأوقاف، تعيين وكيل لبعثة الحج الإيرانية. نصب متولي المرقد الرضوي المقدس وسائر المشاهد المشرفة، عزل ونصب ممثليه في الأماكن التي يراها تستلزم ذلك، و... من ضمن صلاحيات القيادة؟ وان لم تشر المواد المختصة بالقيادة لتلك الأمور بوضوح. وحيث لم تكن الأمور ممن القضايا الخلافية فإنها لم ترد في الدستور.

من جانب آخر فان تشخيص الفقيه للمصلحة، هو الآخر لا يتنافى وآراء الأمة، وذلك لان الأمة الإيرانية النجيبة أدلت بصوتها بعد إعادة صياغة الدستور، وعليه فان الولي الفقيه إذا ما واجه مشكلة فانه سيبادر لحلها بالاستناد للدستور وآراء الأمة، ولذلك فان تشخيص الفقيه للمصلحة ليس فوق القانون، بل إنه يسعى لان يكون تشخيصه في إطار القانون، لان هذه القضية هي الأخرى تشكل مصلحة لا تقل أهمية عن سائر المصالح. أي أن إحدى المصالح لهي تعيين المسؤوليات والحيلولة دون تعدد مراكز القوة والقدرة و...

ويتضح مما تقدم سخف وعبثية الكلام أدناه:

((إن أولئك الذين يريدون باستنتاجاتهم القشرية أن ولاية الفقيه من مقولة ((الكشف)) و((النصب)) لاعلى أساس انتخاب الشعب، وإنها فوق الدستور، نافين أي قيد وحد قانوني عن ممارسة أعمالها ووظائفها، إنما يسعون عملياً لإضعافها ... ))[88].

فهل يعتبر الفرد القائل بأن ولاية الفقيه شعبة من ولاية النبي أو أنها امتدادا لمبدأ الإمامة، وان الله قد منح الولاية للفقيه الجامع للشرائط، وأن الأمة موظفة ومكلفة بإقامة الحكومة القائمة على أساس ولاية الفقيه، قشرياً؟

إن قال أحد بأن حكم الولي الفقيه كحكم الإمام المعصوم نافذ وطاعته واجبة، والراد عليه، راد على إمام الزمان (عليه السلام) اعتبر قشرياً؟

إن أقر شخص بنظرية الكشف والنصب ((فهو لا يقول بأي قيد وحد قانوني في وظائف الولي الفقيه وممارسته))؟ ما التلازم المنطقي بين هذين الأمرين؟ فهل يختلف أولئك المعتقدون بالكشف والنصب مع تلك الأساليب القانونية التي وردت في الدستور؟ وهل للإمام الخميني (قدس سره) وأغلب تلامذته الذين كان لهم الدور الأساسي في مصادقة الدستور، عقيدة بشأن الولي الفقيد سوى الكشف والنصب؟ أفتعلمون أنكم ومن خلال ما قلتم قد اعتبرتم الإمام الخميني (قدس سره) قشرياً أيضاً؟

 

5_ القول المجمل والمثير للغموض:

 

حين طرحت مسألة الولاية المطلقة للفقيه، انبرت طائفة على أساس الدفاع عن الولاية، قائلة بالكناية: ((نعم، إن الولاية المطلقة الكلية الإلهية للأئمة المعصومين (عليهم السلام) وليست لأحد مثل هذه الولاية)) أو: ((إن شؤون النبي (ص) شؤونا لا يعقل انتقالها للفقيه أو إنها شؤون ليست قابلة للانتقال لضرورة الشرع )).

فما المقصود من هذا الكلام؟ فهل المقصود انه لا يمكن درج الفقيه في مصاف النبي (ص) او الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في مناقبهم وفضائلهم؟ إن هذا الكلام صائب ومنطقي ولا يقبل النقاش، وقد صرح به حامل لواء الولاية المطلقة، الإمام الخميني (قدس سره) قائلاً:

((حين نقول بان الولاية التي كانت للنبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) هي كذلك للفقيه العادل في زمن الغيبة، لا ينبغي أن يتصور احد بان للفقيه نفس مقام الرسول الأكرم (ص) والإمام المعصوم (عليه السلام)، وذلك لان الحديث هنا ليس بشأن المقام، بل الكلام في الوظيفة. الولاية تعني الحكومة وإدارة شؤون البلاد وتطبيق القوانين الشرعية المقدسة))[89] فهم (عليهم السلام) في فضائلهم ومعنوياتهم لا يقاسون بأحد من الناس، بل إنهم وعلى أساس بعض الروايات أقرب وأسمى حتى من ملائكة الله المقربين وأنبيائه المرسلين[90]. وعليه فإن الإمام الخميني (قدس سره) حين يتحدث عن الولاية المطلقة للفقيه لا يريد أن يقول بان مرتبة الولي الفقيه هي نفسها التي للنبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ولدفع هذه الشبهة، فقد قسم الولاية والخلافة في كتاب البيع إلى قسمين، هما:

أ_ الولاية والخلافة الإلهية التكوينية: وهي ولاية مختصة بأولياء الله، كالأنبياء والأئمة المعصومين (عليهم السلام).

ب_ الولاية الاعتبارية الجعلية: مثل، جعل ونصب رسول الله (ص) لعلي كخليفة للمسلمين.

لا شك أن الولاية التكوينية سواء بالنسبة للإنسان أم غيره ليست من شؤون الولي الفقيه[91]. وان إطلاق الولاية هو الآخر ليس ناظراً لهذا المعنى. فهذه الولاية إنما هي ثابتة لله في أعلى وأكمل مراتبها. أما نبي الإسلام وسائر الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وحتى بعض أولياء الله أيضاً، إنما منحهم الله مرتبة من تلك الولاية التكوينية، وان جميع معجزات الأنبياء والأئمة وبعض كرامات أولياء الله هي نوع من تصرفه في النظام التكويني بإذن الله.

أما الولاية بالمعنى الثاني فهي انتقالية وليس هنالك من دليل في أن تكون صلاحيات الولي الفقيه في هذا المجال (إدارة شؤون البلاد وإجراء القوانين) أقل مما كانت عليه للنبي (ص) والمعصومين (عليهم السلام): ((فللفقيه العادل جميع ما للرسول والأئمة (عليهم السلام) مما يرجع إلى الحكومة والسياسة، ولا يعقل الفرق، لان الولي_أي شخص كان_هو مجري أحكام الشريعة والمقيم للحدود الإلهية والآخذ للخراج وسائر الضرائب والمتصرف فيها بما هو صلاح للمسلمين فالنبي (ص) يضرب الزاني مئة جلدة والإمام (عليه السلام) كذلك والفقيه كذلك ويأخذون الصدقات بمنوال واحد ... ))[92]. وقد صرح الإمام في كتابه ولاية الفقيه أيضاً بعدم وجود الفرق بين المعصوم والفقيه في أمور الحكومة[93].    

 

6_ تفسير آخر لولاية الفقيه المطلقة:

 

لقد تحدثت هذه الأيام بعض الشخصيات والجماعات بشأن الولاية المطلقة للفقيه وصرحت بوجهات نظرها، دون الأخذ بنظر الاعتبار المعايير والملاكات الإسلامية وآراء رائد الثورة الإسلامية، بحيث إذا لم تجابه بوعي وتنتقد بحزم، ربما أسست بنياناً معوجاً منحرفاً، وبالتالي سوف تفرغ هذه الأطروحة السامية من محتواها ولا تبقى إلا قشورها.

فمثلاً، يرى أحد التيارات السياسية أن مبدأ الولاية المطلقة للفقيه هو الموروث الغالي والنفيس للإمام الخميني (قدس سره)، ويجب على كافة الفئات الموالية للثورة سيما خط الإمام الدفاع عن الولاية بصفتها إحدى أركان النظام والدستور، إلا أنه يقدم تفسيراً يكتنفه الإبهام والغموض بشأنها:

((إن للمبدأ السامي للولاية المطلقة للفقيه بعداً موضوعياً وليس شخصياً، بمعنى ان للدولة الإسلامية على الإطلاق حق التدخل والتصرف في كل الموضوعات والأمور الحكومية))[94].

فما المراد من هذا الكلام؟ فهل المراد من ذلك: أن الولي الفقيه مع أن له صلاحيات واسعة شاملة، ولكن حيث يتعذر عليه بمفرده إدارة جميع شؤون البلاد، فانه يوكل بعض الأعمال والوظائف لأفراده ومؤسساته الخاصة ثم يتولى الإشراف عليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما ورد ذلك في دستور الجمهورية الإسلامية؟ بعبارة أخرى: إن الولي الفقيه، رغم أنه مركز النظام ومحوره، فانه لا يقوم بكافة الأعمال والوظائف حسب مقتضيات الظروف المعاصرة. إن كان هذا هو المراد من ذلك التفسير فانه صائب ومنسجم مع وجهات نظر الإمام الخميني (قدس سره) الذي ذكر قائلاً:

((ثم إن ما ذكرنا من أن الحكومة للفقهاء العدول قد ينقدح في الأذهان الإشكال فيه بأنهم عاجزون عن تمشية الأمور السياسية والعسكرية وغيرها لكن لا واقع لذلك، بعدما نرى أن التدبير والإدارة في كل دولة يسند لعدد كبير من المتخصصين وأرباب البصيرة. والسلاطين ورؤساء الجمهورية من العهود البعيدة إلى زماننا_إلا ما شذ منهم_لم يكونوا عالمين بفنون السياسة والقيادة والجيش، بل الأمور جرت على أيدي المتخصصين في كل فن، لكن لو كان من يترأس الحكومة شخصاً عادلاً فلا محالة ينتخب الوزراء والعمال العدول أو الأكفاء، فيقل الظلم والفساد والتعدي على بيت مال المسلمين والتعرض لأموالهم وأعراضهم وأنفسهم))[95].

ثم ذكرت بعد ذلك: ((كانت المسؤوليات موزعة على عهد علي (عليهم السلام)، فكان له محافظاً، قاضياً، قائداً للجيش و... وهذا ما تنتهجه اليوم الحكومات المعاصرة فهي تفوض الوظائف لمن له الجدارة على النهوض بها)).

فان كان قصدهم من الولاية المطلقة للفقيه هو هذا الذي ذكره الإمام، فهو صائب ومتفق مع رأيه أيضا. إلا أن هناك شيئاً يستنبطه ظاهر ذلك الكلام، يبدو أن هذا الاتجاه يريد أن يقول بأن: قصد الإمام من الولاية المطلقة للفقيه، هو إطلاق صلاحيات نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا أن صلاحيات الولي الفقيه_بصفته جزء من النظام_مطلقة. صحيح أن الولاية المطلقة مرتبطة بالفقيه كمؤسسة فقهية لا به شخصياً، أي أن الولاية للمؤسسة القيادية الحكامة، إلا أنها في الخارج والواقع معتمدة على شخص الفقيه، بعبارة أخرى:

إن شرعية النظام متوقفة على كون من يتزعمه ينبغي أن يكون فقيهاً جامعاً للشرائط.

إن كان هذا هو المقصود فان نسبتهُ للإمام ليست صحيحة، أضف إلى ذلك الصلاحيات المطلقة للنظام ليست بقضية جديدة، فأن لأغلب الأنظمة السياسية في العالم مثل هذه الصلاحيات المطلقة. ولو كان هذا هو قصد الإمام من الولاية المطلقة للفقيه لما تطلب منه كل ذلك التأكيد والإصرار.

 

 

الخلاصة

 

اتضح مما سبق ما يلي:

1_ الولاية المطلقة للفقيه قراءة لدائرة ولاية الفقيه، قراءة ترى أن للولي الفقيه في أمور الحكومة صلاحيات كتلك التي كانت للنبي والأئمة المعصومين (عليه السلام)  وان للفقيه حق اتخاذ القرار في كافة شؤون البلاد. وعليه فإن الإطلاق ورد مقابل التقييد سواء كان في الأمور الحسبية أو القضائية.

2_ إن الولاية المطلقة للفقيه ليست نظرية جديدة طرحها الإمام الخميني (قدس سره)، بل كان يعتقد بها أغلب فقهاء الشيعة كالمحقق الكركي، المحقق الاردبيلي، صاحب الجواهر، النراقي و... قد ذكروها تحت عدة عناوين، كالنيابة العامة للفقيه، الولاية العامة للفقيه، الولاية المطلقة للفقيه أو الفقيه المبسوط اليد.

3_ يتضح بطلان القول بحداثة هذه النظرية وقلة أنصارها إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار آراء القائلين بالولاية المطلقة للفقيه كالإمام الخميني (قدس سره) وسائر الفقهاء.

4_ إن الولي الفقيه وفق النظرة الإسلامية ينبغي أن تتوفر فيه شرائط علمية وعملية جمة. وقد أشرنا سابقاً إلى الشرائط التي ينبغي أن يشتمل عليها بغية ممارسة الولاية، وبالنتيجة يمكن القول: إن ولاية الفقيه وفي إطار الالتزام بالمبادئ والقوانين ورعاية حقوق الأمة وحرياتها تعد أصعب وأعقد أنواع الحكومة.

5_ تقديم الأحكام الحكومية على الأحكام الأولية لا يعني نسخها أو تغيير حكمها الشرعي من جانب الولي الفقيه، بل هو إجراء لأجراء حكم مهم بسبب تزاحمه مع حكم شرعي آخر أهم، وهذا إنما يتم في مجال إجراء الأحكام، وعليه فهو ليس تشريعاً ولا عملاً يفوق التشريع.

6_ لقد استعرضنا التفاسير الغامضة والمبهمة للولاية المطلقة للفقيه، وتناولناها بالنقد والتحليل، ثم عرضناها على تفسير الإمام ووجهة نظره، ومنها:

أ_ إنا وقفنا على خطأ المقارنة بين الولاية المطلقة للفقيه مع الحكومة المطلقة وقلنا هناك بعدم وجود أية سنخية بينهما، وقد أشرنا إلى بعض الفوارق بينهما.

ب_ إن التفسير الذي ذهب إلى أن الولاية المطلقة تعني التدخل في الشؤون الخاصة للأمة وحياة الأفراد كان خاطئاً، ولم يقل به أحد من الفقهاء.

ج_ ليس لولاية الفقيه المطلقة من ارتباط بمقام التشريع، ليتصور إن ممارسة الولاية نوع من التشريع وسن القوانين.

د_ ليس هنالك من فارق بين الولي الفقيه وسائر الناس في القضايا الشخصية، فهو كالآخرين تابع للقانون، أما في ممارسة للولاية فان المبنى الأصلي هو حفظ الدستور المنبثق من قوانين الشريعة إلا أنه وفي إطار تشخيصه للمصلحة وبالالتفات للولاية المطلقة التي نص عليها الدستور، فانه مقنن وله صلاحيات أبعد من الدستور.

هـ_إننا وبإثبات الولاية المطلقة للفقيه، لا نعده في مصاف النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام)، ولسنا بصدد إثبات الولاية التكوينية له، وكل ما نقوله أن صلاحياته الحكومية في أمور الحكومة كتلك التي كانت لهم (عليهم السلام).

و_ إن صلاحيات الولي الفقيه_لا صلاحيات نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية_مطلقة فهناك بون شاسع بينهما، مع العلم أن الولي الفقيه يستمد العون من الآخرين لممارسة ولايته وصلاحياته الحكومية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: كتاب دراسات في الفكر السياسي عند الإمام الخميني

 صحيفة النور، إرشادات ومواعظ الامام الخميني (قدس سره)، المجلد 20 : 170_171[1]

 سنتعرض في الأبحاث القادمة للتفاسير الخاطئة لولاية الفقيه المطلقة والفوارق الأساسية بين الولاية المطلقة والحكومة المطلقة.[2]

 كتاب البيع، الامام الخميني (قدس سره)، المجلد 2: 488 مؤسسة اسماعيليان للطباعة [3]

 ولاية الفقيه، الامام الخميني قدس سره: 40 مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني قدس سره.[4]

 للشيخ المفيد في بعض مؤلفاته سيما كتاب ((المقنعة)) كلام يدل على النيابة العامة للفقيه عن الامام المعصوم (عليه السلام) في عصر الغيبة[5]

 راجع: المقدمة: 810، 811، 812، 821، وهناك توضيحات في هذا المجال وردت في مجلة ((الحوزة)) العدد 54: 302 عند التقديم لكتاب المقنعة.

 راجع: مجلة الحوزة العدد 56_57، مقالة موقع ودائرة الحكم والفتوى [6]

 الرسائل، المحقق الكركي 1: 142، انتشارات مكتبة آية الله المرعشي [7]

 تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، 6: 301 – 303، دار التعارف، بيروت.[8]

 من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، 3: 2، دار الصعب، دار التعارف بيروت، تهذيب الأحكام 6: 219.[9]

 الرسائل، المحقق الكركي 7: 143.[10]

 المصدر السابق: 270[11]

 مجمع الفائدة والبرهان، المقدس الأردبيلي 12: 11، انتشارات الاسلامية التابعة لجماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم.[12]

 المصدر السابق 8: 160.[13]

 شرائع الاسلام، المحقق الحلي 1: 184 دار الاضواء بيروت. يجب ان يتولى صرف حصة الامام عليه السلام الى اصناف الموجودين من اليه الحكم بحق النيابة كما يتولى اداء ما يجب على الغائب.[14]

 مسالك الافهام، الشهيد الثاني 1: 54، دار الهدى، قم.[15]

 مفتاح الكرامة 10: 21، مؤسسة آل البيت عليهم السلام.[16]

 عوائد الأيام النراقي: 187 – 188، بصيرتي، قم.[17]

 العناوين، مير فتاح الحسيني المراغي: 352 – 353، يضم هذا الكتاب 94 عنواناً وقد اختص العنوان 74 بولاية الفقيه.[18]

 جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي 21: 397، دار إحياء التراث العربي، بيروت.[19]

 المصدر السابق 21: 397، 399، 22: 155، 195، 334.[20]

 المصدر السابق 16: 178، 360[21]

 المصدر السابق 156، 167، 178، 15: 421، 540[22]

 المصدر السابق 21: 41[23]

 المصدر السابق: 263[24]

 المصدر السابق: 312[25]

 المصدر السابق 40: 18[26]

 المصدر السابق 16: 178[27]

 المصدر السابق 15: 421[28]

 صحيفة ((إيران)) 10/6/76 مقالة تحت عنوان: علماء الدين والمتدينون الانفتاحيون، محمد محسن سازكارا[29]

 حزب يتقاطع في بعض آراء مع النظام الحاكم في الجمهورية الإسلامية، المترجم.[30]

 راجع: مجلة ((الحوزة)) العدد 56 – 57، المقالة: منزلة ونفوذ حكم الحاكم. مجلة ((الفقه)) ((بحث في الفقه والعلوم المتعلقة به)). الكتاب الأول، مقالة حكم الحاكم والأحكام الأولية، والمقالة: آراء الفقهاء في ولاية الفقيه، والمصدر السابق، العدد الأول، المقالة: ولاية الفقيه من وجهة نظر الشيخ الأنصاري.[31]

 مصباح الفقيه، المحقق الهمداني: 160 – 161 كتاب الخمس.[32]

 بلغة الفقيه، السيد محمد بحر العلوم، 3: 234 مكتبة الصادق، طهران.[33]

 ولاية الفقيه، الامام الخميني قدس سره: 34 – 35.[34]

 كتاب البيع 2: 467.[35]

    المصدر السابق: 461.[36]

 المصدر السابق: 489 ، ((جولة في الفقه والعلوم المرتبطة به)) الكتاب الأول المقالة: حكم الحاكم والأحكام الأولية. ((صحيفة النور)) 20: 176 و21: 124[37]

 المصدر السابق 20: 176، 21: 112، 7: 357.[38]

 المصدر السابق 21: 61.[39]

 المصدر السابق 21: 112.[40]

 مجلة ((كيان)) العدد 24: 21.[41]

 ((روح القوانين))، منتسكيو: 93، 106، 107، 119 ((تاريخ الفلسفة السياسي))، د. بهاء الدين بازاركاد 1: 134 و2: 651.[42]

 ولاية الفقيه: 32.[43]

 دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية، المادة الرابعة.[44]

 صحيفة النور 10: 29، 174، و1: 31، و10: 29 و89.[45]

 المصدر السابق 11: 37.[46]

 المصدر السابق.[47]

 نهج البلاغة، الخطبة 216: 332، الرسالة 51: 425، تحقيق الدكتور صبحي الصالح.[48]

 دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية، المادة السابعة بعد المئة.[49]

 مجلة ((الحوزة)) العدد 63 – 64 المقالة: الحوزة العلمية وحفظ النظام.[50]

 نهج البلاغة، الخطبة 216: 334 – 335، تحقيق الدكتور صبحي الصالح.[51]

 دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية، المادة الثامنة.[52]

 المصدر السابق، المادة الحادية عشرة بعد المئة.[53]

 الاسلام والحكومة، العلامة الشهيد مصطفى الخميني: 40 – 41، خطي.[54]

 ولاية الفقيه، الامام الخميني قدس سره: 32 – 33، كتاب البيع، الامام الخميني قدس سره المجلد 2: 461.[55]

 صحيفة النور، المجلد 10: 53.[56]

 صحيفة ((رسالت)) العدد 3449 شهر آذر 1376 نقلاً عن: عصر ما العدد 83 السنة الرابعة شهر آبان 1376.[57]

 الاسلام والحكومة، الشهيد مصطفى الخميني: 41.[58]

 سورة الاحزاب: 6.[59]

 وسائل الشيعة، 17: 551، دار احياء التراث العربي.[60]

 ورد هذا الحديث متواتراً عن الفريقين. راجع: ((الغدير في الكتاب والسنة)) العلامة الأميني المجلد 1.[61]

 سورة الاحزاب: 36، سورة النساء: 59، سورة النور: 63.[62]

 بلغة الفقيه، سيد محمد آل بحر العلوم، 3: 214 – 218، مكتبة الصادق، طهران.[63]

 ((حاشية كتاب المكاسب)) الآخوند الخراساني، مع تصحيح وتعليق السيد مهدي شمس الدين: 93 – 94.[64]

 بلغة الفقيه 3: 218.[65]

 الاسلام والحكومة: 40 – 41.[66]

 المصدر السابق.[67]

 بلغة الفقيه 3: 218.[68]

 حاشية المكاسب، المحقق الاصفهاني 1: 212.[69]

 بلغة الفقيه 3: 217، مجموعة آثار الاستاذ الشهيد مرتضى المطهري 3: 281، انتشارات صدرا. الاسلام والحكومة: 47.[70]

  كتاب البيع، المجلد 2: 489.[71]

 مجلة ((كيان)) العدد 24: 21.[72]

 سورة المائدة: 44، 45، 47، سورة الكهف: 26، سورة الشورى: 101، سورة النور: 51.[73]

 سورة المائدة: 49.[74]

 سورة الانعام: 57، 62، 150.[75]

 راجع: اصول الكافي 1: 265 – 268.[76]

 المصدر السابق: 266. ومن ذلك ان الله جعل الصلاة ركعتين فأزادها النبي ركعتين الى الظهر والعصر والعشاء وركعة الى المغرب و34 ركعة مستحبة (نوافل) اي ضعف الركعات الواجبة، ان الله فرض صوم رمضان، اما النبي فقد اكد على استحباب صوم شهر شعبان وثلاثة أيام من كل شهر. وهذا التشريع منه صلى الله عليه واله كالتشريع من الله والعمل به واجب وقد اقرّ سبحانه ذلك ايضاً.[77]

 اصول الكافي 1: 59.[78]

 سورة المائدة: 3.[79]

 ((كيان)) العدد 24: 21.[80]

 ((كتاب البيع)) 2: 461، 467.[81]

 ولاية الفقيه: 34.[82]

 ((الدستور للجميع)) محمد اليزدي: 552، مجلة ((نور العلم)) العدد 8: 61.[83]

 حسب المباني والادلة التي لدينا في باب الولاية المطلقة للفقيه فان للولي الفقيه حق التدخل في كافة شؤون الامة الاسلامية.[84]

 لعله يمكن القول: بأن العبارة الواردة في المادة السابعة بعد المئة – ((يتولى القائد ولاية الامر والمسؤوليات الناشئة منها)) – تدل على هذا المعنى، وذلك لأنّ مسؤوليات القائد ليست مقتصرة على المسائل المذكورة.[85]

 صحيفة النور المجلد 10: 133.[86]

 راجع: المادة 5 – 57 – 107 – 110 – 112.[87]

 صحيفة ((سلام)) السنة السابعة، العدد 1882، 5/9/76، اعلان منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية.[88]

 ولاية الفقيه: 40.[89]

 لقد اثبت الامام الخميني قدس سره على اساس بعض الروايات، مقام الولاية التكوينية لفاطمة الزهراء عليها السلام ايضاً. راجع: ((ولاية الفقيه)): 43.[90]

 كتاب البيع 2: 466.[91]

 كتاب البيع 2: 467.[92]

 ولاية الفقيه: 41.[93]

 صحيفة سلام، السنة السابعة العدد 1883، اعلان منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية.[94]

 كتاب البيع 2: 498.[95]