محمّد صادق الهاشميّ

إنّ يوم القدس - الذي أعلنه الإمام الخمينيّ في آخر يوم من شهر رمضان، من كلّ عام - فرصةٌ ومناسبةٌ يؤكّد فيها المسلمون صوتهم المنادي بالقدس وفلسطين، وأحقية المسلمين فيها، والتنديد بآل صهيون، وفرصةٌ كبرى لتوحيد الصّوت الإسلامي ضدّ المشروع الغربيّ الأمريكيّ، وهذا اليوم يعني ما يلي:

1. إنّ الإمام الخمينيّ أراد من هذا اليوم أنْ يكون مناسبةً لتوحيد وجمع المسلمين على أسس وثوابت متّفق عليها، وهي الدّفاع عن الأمّة الإسلامية، والأرض والعرض بما فيها فلسطين المحتلّة، ولكنّ - وللأسف - بعض الأنظمة العربيّة، وخصوصا الخليجيّة لا تريد ولا تتجرّأُ على أنْ تعارض إسرائيل ولو بالكلمة، وهذا أكبر دليل على عمالتهم وانتمائهم للخطّ الصّهيونيّ، ودليل راسخ على  صدق دعوة المرجعيّة بالوقوف إلى جانب جميع المسلمين والمطالبة بحقوقهم.

2. إنّ الإمام الخمينيّ لم يتخلَّ عن  قضية فلسطين، ولا عن أبناء الشّعب الفلسطينيّ من المذهب السّنيّ (الحنبليّ والشّافعيّ)، وهذا دليل على أنّ المرجعيّة الشّيعيّة تقف إلى جانب المسلمين أينما كانوا، ومن أيّ مذهب كانوا، بينما الأنظمة العربية من آل سعود والعملاء الذين يدّعون أنّهم يدافعون عن السّنّة لم يدافعوا عن الشّعب الفلسطينيّ، فلو كانوا فعلا يدافعون عن السّنة لطالبوا بحقّهم، ولما تركوهم لقمةً سائغةً بيدِ اليهودِ، يقتلون منهم ما يشاءون، ويهجرون ويطردون، دون أن يجدوا أدنى اعتراض خليجيّ عربيّ.

3. إن الإمام الخمينيّ يعلم أنّ البعض من القيادات الفلسطينيّة عميل للغرب وللصّهيونية، والمؤسف أنّ البعض من هذه القيادات بلغت به عمالته بأنْ يكون عدوّاً للإسلام، وعدوّاً حتّى للقضية الفلسطينيّة، وكم عانى الشّعب العراقيّ من بعضهم، ومن المؤيّدين لصدام ، إلّا أنّنا لابدّ أنْ ندافع عن فلسطين؛ لأنها من مقدّساتنا الإسلامية، فإذا خان العملاء قضيتهم، فإنّ رجال الإسلام من أبناء المدرسة الإسلامية المحمّديّة الحسينيّة، وخصوصاً الحوزات العلميّة تبقى تحمل الرّاية الإسلاميّة.

4.  أراد الإمام الخميني بيوم القدس أنْ يرسل رسالةً إلى شعوب العالم الإسلامي أنّ الثّورة الإسلاميّة في إيران هي ثورةٌ لكلّ  المسلمين، وليس ثورة الشّعب الإيرانيّ المسلم وحده، وأنّه بهذا الإعلام حدد مسيرة الثّورة الإسلامية منذ اليوم إلى ظهور قائم آل محمّد : بأنّها إسلاميّة، وكم تحمّلت إيران من ضغط وتحديات ومخاطر من الغرب والأعداء والصّهيونيّة بسبب مناصرة الإمام الخمينيّ والثّورة الإسلاميّة لقضايا الأمّة الإسلامية، مع هذا ثبت الإمام، وأثبت صدق منهجه وقيمه وهدفه ، وما زال المترسّمون خطاه «الإمام الخامنئي» يسيرون على ذات النّهج.

5. كان بإمكان الإمام الخمينيّ أنْ يتخلّى عن القضية الفلسطينيّة، إذا كان ينطلق من منطلقات قوميّة ومذهبيّة أو جغرافيّة، ويمكنه أن يقول:  فليتحمل العربُ مسؤوليتهم؛ لأنّ فلسطين دولة عربية، وليس واحدة من مدن إيران ، إلّا أنه أبى كجدّه الحسين(ع) إلّا أنّ يناصر المسلمين، ويدافع عنهم، ويكشف هويّته الحقيقيّة في الدّفاع عن المسلمين بعد أنْ تخلّى عنها بعض القيادات العربيّة العملاء للصّهيونيّة.

6. الإمام الخمينيّ أراد من إعلان يوم القدس أنْ تنزل الحوزات والمرجعيات والمثقّفين والمفكّرين والأحرار والثّوار والمقاومين إلى الميدان، فهو يوم الحرية، ويوم الوعي لدى الشّعوب الإسلامية ضدّ المخططات اليهوديّة، يوم يستعيد فيه المسلمون هويّتهم، وهو اليوم الذي يعلن فيه الخطّ الثّوريّ الإسلاميّ المقاوم من جميع فصائل الأمّة ومؤسساتها الفكرية والدّينيّة والحكوميّة والسّياسيّة عن وجودهم ووعيهم ودورهم ونهضتهم ضدّ الغرب الذي استعبدهم دهوراً، ونهب خيراتهم، وسفك دماءهم ، فهو يوم باسم فلسطين فيه يتوحّد العالم الإسلاميّ؛ ليعلن عن وجوده، ليقول لليهود والصّهاينة كفي استخفافاً بنا، وسخريةً منّا، وقتلاً لعلمائنا، ونهباً لأراضينا وثرواتنا، إنّه بحقٍّ  يومُ الأحرار والأبطال، إنّه يومٌ أكبرُ من قضيّةِ فلسطين، بل هو يومٌ عالميٌّ باسم فلسطين، وهذا نا يذكرنا بالثّائر «مانديلا» حيث قال للإمام الخامنئي: «سيّدي، إنّ ثورتكم ينتمي لها كُلّ الثّوّار في العالم».

7. أراد الإمامُ الخمينيّ في هذا اليوم أنْ يرسم للخطّ الثّوريّ الإيرانيّ، ومسيرة النّظام السّياسيّ في إيران مصيره وانتماءه ومستقبله وهويّته، وأنْ لا يحددوا ثورتهم بحدود الجغرافيا الإيرانيّة، إنّها ثورةٌ يجب أنْ تكون – وفق منهج الإمام الخمينيّ- وعاء الإسلام العامّ، وليس وعاء المسلمين في إيران فحسب، وعلى الحكومة والدّولة في إيران أن ترسّخ هذا المنهج كأحد الثّوابت، وتتحمّل المسؤولية فيه وإلى الأبد، لذا نجد أنّ الذين تحمّلوا المسؤولية من بعد الإمام الخمينيّ، وعلى رأسهم الإمام الخامنئي قد ساروا بذات المنهج دون تردد أو نكوص، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ} [الأحزاب: 23].

8. إنّه اليوم الذي كشف عن عمالة الأنظمة العربيّة، وعمالة علماء الوهابيّة الذين لم ينفكّوا يوماً أنْ عن ترك نباحهم وفحيحهم بإصدار فتاواهم التي يكفّرون المسلمين، ويبيحون سفك دمائهم، إلّا أنّهم سكتوا وقُطعت ألسنتهم، وأصيبوا بالخرس والجبن عن أن يصدروا فتوى واحدةً ضدّ اليهود منذ أنْ تأسست الوهابية عبر قرون، بيد أنّ الإمام الخمينيّ ابن الحوزات العلميّة، وابن رسول الله’، وابن الحسين الشّهيد أكّد منهج الله ورسوله في نصرة المسلمين والمظلومين، فلنخرج جميعا بالمظاهرات التي دعا لها مناصرةً له؛ لأنّه يمثّل جدّه خطّاً ومنهجاً في دعوته.

9. إيران ومن خلال يوم القدس الذي أعلن عنه الإمام الخمينيّ اقتربت من أيّ مسلم شريف، وابتعدت عن أي عميل خائنٍ، فلو كان آل سعود يحملون من الشّرف ذرّةً لأيّدوا ثورة الإمام الخمينيّ ومنهجه وإعلانه، إلّا أنّهم لا يريدون أنْ يغيضوا آل صهيون، لقد كانت إيران في زمن الشّاه تدعم إسرائيل، وإيران الإمام الخميني تدعم الشّعب الفلسطينيّ، فكم فرقٍ بينهما، إلّا أنّ الأنظمة العربيّة والبعثيّة قاتلت إيران الإمام الخمينيّ ولم تقاتل إيران الشّاه، ألا لعنة الله على آل صهيون. في الجمعة القادمة قولوا كلمتكم أيّها الأحرار والثّوّار: نعم، نعم للقدس، وكلا كلا لآل سعود والصّهيونيّة.