سؤال: إذا كانت شرعية الحاكم الإسلامي غير منوطة بآراء الأُمة؛ فلماذا الانتخابات؟

جوابه: تجدر الإشارة أولا إلى بعض النظريات التي تؤمن بضرورة أن يكون لآراء الأمة دورٌ في الحكومة الدينية:

1ـ يقول البعض: إما أن تكون الحكومة ليبرالية وتحرز شرعيتها من خلال آراء الجماهير، أو فاشستية لا دور للجماهير فيها، وفي النظام الإسلامي لابد من أخذ آراء الأمة في نظر الاعتبار كي لا تطغى صبغة الفاشستية على النظام.

2ـ هنالك نفرٌ من فقهاء الشيعة المعاصرين احتملوا أن تكون شرعية الحكومة منوطة بآراء الأمة أثناء عصر الغيبة.

3ـ ويقول البعض: نظراً لعدم صدور نصٍّ من قبل الله تعالى بشأن الحكم في زمن الغيبة ولم يصلنا أمرٌ أو نهيٌ بشأنه، أي جرى السكوت عن قضية الحكم في عصر الغيبة، فالأمر موكول للناس وهم الذين يتعين عليهم إبداء ما يرونه بخصوص حاكمية شخص ما أو فئة ما، أي أن رأي الأمة له دورٌ مصيري في شرعية النظام.

4ـ وطائفة تقول: بما أن الله سبحانه لم يأذن لأحد بالحاكمية؛ فلابد للأمة أن تتخذ القرار بنفسها، لأن «الناس مسلّطون على أموالهم وأنفسهم» وهم الذين يفوضون أمر الحكم ـ وهو حقهم ـ أو يوكلونه لشخص معين. والفرق بين التوكيل والتفويض هو إمكانية إعادة النظر في الأول أما في الثاني فلا. إذن شرعية الحكم في كلتا الحالتين منوطة بآراء الأمة.

وفي معرض نقدنا للنظرية الاولى ينبغي القول: ما الدليل على اقتصار الحكم على ذينك النمطين؟

فنحن نرى أن هنالك نمطاً ثالثاً من الحكم لا تكتسب الشرعية فيه من خلال آراء الناس، وإنما من خلال الحكم الإلهي، مع خلوّه من كل صور الإجبار على الناس، لأننا نرفض اللجوء إلى القوة لنيل الحكم.

أما بشأن النظرية الثانية فيلزم الانتباه إلى أن الغالبية من فقهاء الشيعة يرون انبثاق شرعية الحكم في عصر الغيبة عن الله سبحانه، بالرغم من أن قبول الأمة ومبايعتها تُخرج الحكومة الدينية إلى حيّز الوجود، وإذا أنيطت الشرعية بآراء الأمة ستثار ذات الإشكالات التي تثار حول سائر النظريات.

وعلى صعيد النظرية الثالثة فينبغي القول: إن الباري سبحانه لم يسكت عن قضية الحكم في عصر الغيبة، فالنصوص الإسلامية تصرِّح بأنّ على الناس في عصر الغيبة التحري بغية العثور على الفقيه الجامع للشرائط، وإيكال أمر الحكم إليه.

ونردّ على النظرية الرابعة: إن حق الحاكمية ـ بموجب الرؤية الإسلامية ـ ينحصر في الحق تعالى إذ انَّ كل شيء ملكٌ له ولا يحق لأحد التصرف بأي شيء إلا بإذنه، والحاكمية على الناس إنما تحظى بالشرعية حينما تكون بإذن منه تعالى. إذن الحاكمية ليست حقاً للأُمة كي توكلها أو تفوّضها لأيٍّ كان.

إن نفس الإشكالات التي وردت في محلّها بشأن الديمقراطية ترد أيضاً على النظرية الرابعة، ومن بينها: أنه إذا ما أوكلت الأغلبية الحكمَ أو فوّضته إلى شخص ما؛ فما هو مصير الأقلية يا تُرى؟ وهل يتعين عليها الطاعة ولماذا؟ كما يمكن إثارة الإشكال التالي: لماذا توكل الأمة الحكم للفقيه فقط؟ فإن كان ذلك من حقّها؛ كان بإمكانها إيكاله إلى مَنْ تشاء. إذن بموجب النظرية الرابعة، لا تبقى ضرورة لولاية الفقيه.

 

الموقع الحقيقي للأمة في الحكومة الدينية

بعد البحث حول النظريات السابقة نتحدث الآن عن النظرية التي تحظى بقبولنا. فقد تقدم القول إن الأُمة لا تضفي أيّة شرعية على حكومة الفقيه، بل إن رأيها وقبولها يؤدي إلى تحققها في الخارج، فقد خاطب الله تعالى نبيه(صلى الله عليه وآله) «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ»(1)، فنصر الله وتفاعل المؤمنين مع هذا النصر له تأثير في إضفاء الوجود على الحكومة، حتى وإن كانت حكومة النبي(صلى الله عليه وآله). يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): «لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر ... لألقيتُ حبلها على غاربها»(2)، وروي عنه(عليه السلام) أنه قال: «لا رأي لمن لا يُطاع»(3).

هذه النصوص بأجمعها تمثّل دليلا على دور الأمة في إقامة الحكومة الإلهية وترسيخها، سواء كانت حكومة رسول الله(صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين(عليهم السلام) أو حكومة الفقيه في عصر الغيبة.

وفيما يلي نتطرق إلى الموضوع التالي وهو: إن كان الأمر كذلك؛ فما الحكمة من المشاركة الجماهيرية في انتخابات مجلس الخبراء الذي يتولى اختيار القائد؟

والجواب على ذلك أن الأمة بتصويتها لصالح الخبراء إنما تكون قد رجعت إلى الحجّة على تعيّن المصداق للوليّ الذي اكتسب الشرعية بعنوان عام. أي تكون قد اختارت علماء الدين لان لكلامهم أهميته، باعتباره حجةً شرعية، وهذا الأمر ليس جديداً إذ أن الناس دأبوا على الرجوع إلى البيّنة في شؤونهم الشرعية، فهم يرجعون ـ على سبيل المثال ـ إلى العدول من ذوي الخبرة لغرض معرفة مرجع التقليد لإحراز الحجّة الشرعية؛ وفي ضوء ذلك فإن الانتخابات تمثّل تمهيداً لعملية الكشف عن القائد، لا لتمنحه الشرعية، ومن الواضح أن أفضل السبل لمعرفة الفقيه الجامع شروط القيادة هو الرجوع للخبراء.

 

--------------------------------------------------------------------------------

1. الأنفال: 62.

2. نهج البلاغة: الخطبة 3.

3. نهج البلاغة: الخطبة 27.