وكان هدف الثورة الإسلامية هو إقامة وتأسيس مجتمع تتهياً فيه الظروف للتقرب إلى الخالق عز وجلّ وتنشأ فيه حالة تشجع الإنسان على إطاعة الله سبحانه وتعالى وتدفع عنه العوائق التي يمكن أن تحد من حريته في الوصول إلى التكامل الروحي.
ويمكن التوصل إلى ذلك من خلال إدراج القوانين الإسلامية الملائمة في وقتنا الحاضر وفي استلام ولاية الفقيه لزمام الأمور في المجتمع. عندها يجب أن يكون هدف ذلك النظام ضمان كل القيم التي تسعد الفرد كالعدل والمساواة.
يربط الكثيرون لاسيما الغرب مفهوم الثورة الإسلامية بالتخلص من الشاه محمد رضا بهلوي سنة 1979 في إيران وانهيار نظامه الفاسد بثورة قادها الإمام الخميني (قدس سره). ولكن حسب الفلسفة الإسلامية فإن الثورة الإسلامية عبارة عن حركة مستمرة للفرد المسلم الواعي باتجاه التكامل وسعي لا ينتهي للتقرب من الله عز وجل للسير على طريقه لتشمل تلك الحركة كل المجتمع وأفراده.
أول من قاد ثورة إسلامية كان النبي محمد (ص) الذي جاء بالدين الإسلامي القويم الذي ترفض تعاليمه الظلم والجاهلية القبلية مثل اضطهاد النساء والفقراء و وأد البنات والكثير من العادات التي كانت تسود آنذاك في قريش والقبائل العربية الأُخرى. وكان مقياس الشخص عند النبي محمد (ص) مؤهلاته الشخصية والإيمانية لاستلام موقع معين أو وظيفة معينة وليس انتماءه القبلي أو العرقي أو غناه. كما أنه ألغى عادة الثأر التي كان يذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء. وحث أيضاً على تحرير العبيد واستطاع أن يقرب قلوب الناس من بعضها ليصبحوا أخوة في الله بعد أن كانوا متعادين لأسباب قبلية واهية.
بعد وفاة النبي محمد (ص) تسللت الأفكار القبلية بشكل جزئي عند البعض ورجعوا إلى بعض العادات القديمة التي ألغاها النبي محمد (ص) في المجتمع ولذلك كان الإمام علي (ع) قد أقدم بعد استلامه الخلافة على ثورة إسلامية أُخرى حيث ألغى الامتيازات الشخصية المالية التي سادت قبله لكسب بعض الأشخاص وعزل من لم يكن في المكان المناسب من حيث مؤهلاته أو حكمه بما لا يرضي الله من منصبه وأعرض عن المحسوبيات و المزايا العائلية أو القبلية في تقييمه للأشخاص ليصبح مقياس الإنسان التقوى والمؤهلات. ولذلك أقدم البعض من ضعاف النفوس الذين كانوا يتمتعون بالمزايا الشخصية دون مبرر على محاربة الإمام علي (ع) ....
كما أن الأئمة المعصومين الذين تلوه استشهدوا قتلاً دون أن تهيأ لهم الظروف للقيام بثورة إسلامية حتى غيّب الإمام المنتظر. ويمكن القول أيضاً بأن عاشوراء كانت أيضاً ثورة إسلامية عظيمة ضد الظلم والاستبداد امتدت آثارها وثمراتها على مدى التاريخ من جيل إلى جيل حتى يومنا هذا وقد انتصر فيها الإمام الحسين (ع) رغم استشهاده.
ورغم أن الثورة الإسلامية في إيران كانت حصيلة جهد متواصل من عدة أجيال فإن المرحلة الأخيرة منها انطلقت قبل سنة من انتصارها عندما هاجمت الصحافة المطيعة للشاه وقتها بالأكاذيب الإمام الخميني (قدس سره) مما فجر شرارة الانطلاق لمظاهرات طلابية في الشوارع في مدينة قم بادئ الأمر تم التصدي لها من قوات الشاه و سقطت أولى الضحايا في تلك المواجهات.
وحسب الأعراف الإسلامية تم إحياء أربعين من استشهدوا في تلك المواجهات. وذاع صيت ذلك في كل البلاد مما أدى في 18 شباط إلى تجدد المظاهرات ضد نظام الشاه البائد ولكن في هذه المرة عمت المظاهرات كل البلاد. وكان أعنف تلك المظاهرات في مدينة تبريز حيث أقدمت قوات الأمن على قتل ما يفوق على 100 متظاهر من المدنيين العُزل. وتجددت المظاهرات بعد إحياء أربعين هؤلاء الشهداء في 29 آذار. وهكذا كانت التظاهرات تشتد وتكبر ويتسع نطاقها مع كل أربعين للشهداء الذين يسقطون في التظاهرات التي كانت ضد كل ما له علاقة بالشاه البائد. وكل محاولات قوات أمن الشاه بإخماد تلك التظاهرات أو سحب ثقة الناس منها من خلال بعض المؤامرات التي حاكتها مخابرات النظام السافاك وقد باءت بالفشل الذريع واتسع نطاق التظاهرات لآلاف الناس من طلاب الحرية ورافضي شاه إيران.
عند ذلك طلب الشاه المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية ضد المتظاهرين والتي تجاهلت خطورة الموقف على الشاه وقللت من شأنه. وفي شهر أيلول من سنة 1978 صارت التظاهرات يومية وأصدر الشاه حظراً عاماً للتظاهرات استناداً إلى قانون الطوارئ الحربية. رغم ذلك خرجت في طهران في 8 أيلول تظاهرات حاشدة تندد بالشاه وأعوانه وأسياده فأمر الشاه بإطلاق النار على المتظاهرين العُزل مما أدى إلى استشهاد عدة مئات من المتظاهرين. وسمي هذا اليوم بالجمعة الحزينة وسجل تاريخ الثورة الإسلامية في إيران سقوط العديد من الضحايا لتحرير وطنهم من عنجهية الشاه واستبداده. وبذلك أقدم الشاه على مجزرة ضد شعبه استخدم فيها الدبابات والمروحيات والقناصة وراح ضحيتها المئات من المدنيين بينهم نساء وأطفال وبلغ عدد الجرحى أكثر من 10000 جريح. وأصدرت المرجعية الدينية آنذاك بياناً ورد فيه ما معناه: "سقط الآلاف من الضحايا على يد القوات الصهيونية".
في شهر محرم الذي تلا تلك الحادثة تظاهر سنة 1978 ما يفوق على مليوني إيراني حول برج الحرية في طهران ضد الشاه رغم الحظر وطالبوا بانسحاب الشاه ورجوع الإمام الخميني (قدس سره). وتصاعد عدد الجنود الذين رفضوا تنفيذ الأوامر بالتصدي للمتظاهرين وتركوا وحداتهم وانضموا للمتظاهرين.
في السادس عشر من شهر كانون الثاني من سنة 1979 هرب الشاه من إيران بعد أن أدرك أن الجيش خرج عن سلطته وتمرد عن تنفيذ أوامره. قبل ذلك عين شابور بختيار وكيلاً عنه في إدارة البلاد والذي ما لبث أن رضخ للضغط الشعبي المتصاعد وسمح برجوع الإمام الخميني (قدس سره) إلى إيران في نفس الشهر. وتم إلغاء جهاز المخابرات الإيراني السافاك وإطلاق السجناء السياسيين وتدمير رموز السيطرة الشاهية.
وفي الأول من شهر شباط من سنة 1979 ميلادية عاد الإمام الخميني (قدس سره) إلى إيران وهبط في طهران بسلام واستقبله ملايين الإيرانيين الذين كانوا يتشوقون لهذا اليوم العظيم. وسجل هذا اليوم بأنه يوم انتصار الثورة الإسلامية في إيران
سقط الكثير من الشهداء على يد قوات الأمن الشاهية وبلغ عددهم فقط في آخر سنة من الثورة أكثر من 20000 شهيد كما بلغ عدد الجرحى أكثر من 100000 جريح رغم أن المتظاهرين كانوا دائماً عزلا بدون سلاح.
الوحدة من منهج الإمام الخميني (قدس سره)
دعا الإمام الخميني لوحدة المسلمين فقد أوصى ابنه «أحمد» ببذل الجهد ليعم حسن التفاهم بين أتباعه وأنصاره فقال: "ابذل جهدك ليعم حسن التفاهم دوما بين السادة، لان الاختلافات مضرة لهم وللجميع".
ذكر انه: "اختلف إثنان من أصحاب الإمام (قدس سره) فتألم من ذلك وكتب إلى السيد احمد ما يلي:
"الأفضل أن يعم الصلح والصفاء بين السادة، جد أنت في الإصلاح بين هذين الشخصين، لئلا يزداد قلقي أكثر مما هو عليه... إنّي أنتظر سماع خبر الإصلاح بينهما".
فقد أقلقه خبر اختلاف اثنين من أصحابه، فكتب إلى ولده السيد احمد أن يبذل جهده في الإصلاح بينهما، واستمر في متابعة الأمر إلى أن وصل الخبر إليه بالإصلاح بينهما، فعبر عن سروره في الإصلاح بينهما في رسالة أخرى، فقال: "سررت للإصلاح بين السادة، إنشاء الله تكون حياتهم دوماً صلحا وصفاء".
التوازن في العلاقات
يقول الإمام الخميني : "نحن مع الجميع على السواء لا نفرق بين أحد، فلا يتوهم أنّ فئة خاصة تتدخل بالأمور أو إنني أصادق فئة خاصة! انّي صديق للجميع ودعائي للجميع".
المواقف العملية في تحقيق الوحدة
نصت المادة الحادية عشرة من دستور الجمهورية الإسلامية على ما يلي: بحكم الآية الكريمة "إن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون".
ونصت المادة الثانية عشر على ما يلي:"... والمذاهب الإسلامية الأخرى سواء الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي تتمتع باحترام كامل، وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسيمهم الدينية حسب فقههم وتتمتع هذه المذاهب برسمية في التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية (الزواج،الطلاق،الإرث، الوصية،) والدعاوي المرتبطة بها في المحاكم، وكل منطقة يتمتع فيه أتباع أحد المذاهب بأكثرية فان المقررات المحلية لتلك المنطقة تكون وفق ذلك المذهب في نطاق صلاحيات مجالس الشورى المحلية مع حفظ حقوق أتباع سائر المذاهب الأخرى".
وكان موقف الجمهورية الإسلامية في مجالات التعليم الديني لاهل السنة يتوزع على ستة محاور رئيسة:
1. دعم المؤسسات الدينية القائمة.
2. تأسيس مؤسسات جديدة.
3. التعاون العلمي مع المؤسسات الشيعية.
4. طباعة ونشر الكتب.
5. إعداد كتب خاصة بالتلاميذ السنة في مدارس الدولة.
6. إنشاء جامعة إسلامية كبيرة خاصة بتدريس مذاهب أهل السنة وعلومها.
7. تأسيس فروع لتدريس المذاهب السنية في الجامعات.
النبي الأكرم محمد (ص) المحور الرئيس لوحدة المسلمين
قال الإمام الخامنئي (حفظه الله): النقطة التي تتعلق بشخص الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). اسم هذا الإنسان العظيم وذكراه ومحبته وحرمته وتكريمه محور رئيس لاجتماع كافة المسلمين في جميع العصور الإسلامية. فالنبي الأكرم بعد القران الكريم تتقبله كافة الأمة الإسلامية وكل واحد من المسلمين. هذه هي النقطة المركزية والمحورية. القرآن والنبي الأكرم والكعبة المشرفة والفرائض والعقائد من المشتركات الواضحات، فالشيء المشترك بين كافة المسلمين من الناحية الفكرية والعقائدية والوحدوية - فوق قضية العاطفة والمشاعر - هو الوجود المقدس للرسول الخاتم والنبي الأكرم سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلّم). هذه نقطة ينبغي إكبارها وإجلالها. ولابد من مضاعفة هذه المحبة يوماً بعد يوم، كما ينبغي تكريس هذه النـزعة المعنوية والروحية نحو ذلك الكيان المقدس في أذهان المسلمين وفي قلوب كل الناس. تلاحظون في سياق التآمر والغزو الثقافي ضد الإسلام أن من الموضوعات التي تتعرض لتآمر الأعداء بكل خبث هو هذا الكيان المقدس الجليل فقد تعرض للهجوم في ذلك الكتاب الشيطاني (كتاب الآيات الشيطانية)، وكشف هذا عن ما ترمي إليه مؤامرة العدو من أهداف في المنظومة العقيدية والعاطفية للأمة الإسلامية". لكن وعي الأمة اكبر من كل هذه المحاولات فبقيت قدسية النبي الأكرم فوق كل هذه التحديات.
المصدر: المركز الإسلامي في انجلترا
تعليقات الزوار