السؤال: لو أجريت انتخابات جديدة؛ ألا يُحتمل أَن لا يصوت الشعب لصالح الجمهورية الإسلامية؟

جوابه: قبل الإجابة عن السؤال، من الضروري تقديم إيضاح بشأن هذا الاحتمال. والاحتمال بمعناه العام: الأمر الوارد وقوعه في جميع الأحوال، فمثلاً ثمة احتمال بأن ينهار سقف الغرفة التي تخلد للراحة فيها؛ أو انك تذهب للحلاّق كي يحلق شعر رأسك وذقنك فيُحتمل أن يصاب الحلاّق بالجنون فيقطع وريدك بدلا من أن يحلق الشعر الذي تحت ذقنك! فلا يمكن نفي هذه الاحتمالات، إلاّ أنها ضعيفة للغاية؛ فلا شك في أن أيَّ عاقل لا يرتّب أثراً على مثل هذه الاحتمالات ويرى سفاهتها وابتعادها عن التعقل.

وربما يتوفر الاحتمال على قرائن وشواهد تثبت صحته؛ فنطلق على مثل هذا الاحتمال انه «احتمال عقلائي» أو هو «احتمال بالمعنى الخاص» والعقلاء يرتّبون أثراً على مثل هذه الاحتمالات ولا يستبعدونها على صعيد الحياة؛ فعلى سبيل المثال لو شوهدت انشقاقات في سقف الغرفة فإنه يُحتمل عقلائياً انهيار سقفها، وعليه تتم مراجعة البنّاء لإصلاحه.

في ضوء هذا التوضيح بوسعنا الإجابة على ما يلي:

إن الاحتمال المفترض في السؤال ليس عقلائياً بل هو احتمال بالمعنى العام. إذن لا ضرورة في الإجابة عنه.

وربَّ مَنْ يصرّ ويقول: بالرغم من ضآلة الاحتمال في قضايا من قبيل تعيين طبيعة الحكم، ولكن للأهمية القصوى التي يحظى بها المحتَمَل فلابد من ترتيب أثر عليه.

نقول: إن هذا الاحتمال واردٌ بحق أي نظام وحكومة، وعلى افتراض أن قائلا يقول: إذا ما أقيمت انتخابات في أمريكا، ورفض الناس نظام الحزبين اللذين يتبادلان الحكم حالياً؛ فلابد إذن من إعادة الانتخابات، فهل تعاد الانتخابات لمجرّد بروز هذا الاحتمال فقط؟ وهل أجريت انتخابات لحد الآن في أي بلد مهما كان نوع الحكم فيه؛ بناءً على احتمال أو ادّعاء محض لكي يبادر نظام الجمهورية الإسلامية لمثل ذلك؟

إذا ما بحثنا هذا الادّعاء سنجده يورث مفسدة عظيمة، وللتوضيح نقول: لو اختار الشعب ممثلاً عنه من خلال انتخابات حرّة، وبعد مرور برهة وجيزة من الزمن احتُمل تراجع المنتخبين عن رأيهم؛ فهل يُدعى إلى انتخابات جديدة؟!

وهذا الاحتمال يمكن إثارته بشأن انتخابات رئاسة الجمهورية والمجلس البلدي ورؤساء البلديات وسائر المسؤولين في مختلف الأنظمة، الذين يتم تعيينهم عن طريق الانتخابات؛ فإذا ما جرى إعادة الانتخابات بمجرد حصول الاحتمال بتبدل رأي الشعب ـ وهذا ما لا يُنفى في كل عصر ـ حينها سيقتصر عمل الحكومات والدول على إجراء الانتخابات وحسب! فهل هذا أمر مقبول في عالم اليوم؟

 

شرعية النظام ورأي الأمة

ينبغي الانتباه إلى أن الانتخابات والرجوع إلى آراء الأمة في ضوء ما نعتقده؛ لا تضفي الشرعية على الإطلاق، كي تزول شرعية النظام بسبب الآراء السلبية للأمة؛ بل أن الآراء الإيجابية للأمة ورضاها يمثلاًن عاملا في تحقق الحاكمية الدينية فلو لم توافق الأمة لم يقم للدين حكمٌ؛ لأن مثل هذا الحكم لا يتحقق بالقوة والقهر. وللانتخابات ـ في نظرنا ـ فائدتان:

الأولى: من خلال تحققها، والاهتمام بآراء الأمة؛ فستجد هذه الأمة نفسها شريكة في إقامة الحكومة الدينية وبالتالي سيتضاعف دعمها وإسنادها للنظام الذي تحقق على يديها. وبذلك تتحقق أهم آمال الحكومة الدينية.

الثانية: إن الإمام الراحل(قدس سره) مؤسس هذا النظام الإلهي، ومن خلال تأكيده على دور الأمة وآرائها؛ يكون قد جرّد أعداء النظام من السلاح؛ لأن هؤلاء ـ وعبر إعلامهم المسموم ـ كانوا يحاولون الإيحاء بأن النظام الإسلامي نظام استبدادي، وإذا ما حظيت آراء الأُمة باهتمام النظام واحترامه إذ ذاك ستسقط حراب المناوئين له.

إن الأنظمة التي ترى شرعيتها رهينة بآراء الشعوب، ويزعم أقطابها بوجوب الفوز بآراء الجماهير للمحافظة على شرعيتهم، لم تبادر أبداً لإعادة الانتخابات لمجرّد الاحتمال بتبدل آراء الشعب، ولم يُثر أحدٌ إشكالا عليهم، بالرغم من أن هذا الإشكال على ما يبدو يمسُّهم بجدية. ومن البديهي أنه حينما تُناط شرعية النظام الإسلامي بالنص الإلهي لا برأي الأُمة فلا ضرورة لإجراء انتخابات جديدة لمجرد ورود احتمال ضعيف.