آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني*

ينمُّ اتساع الحياة الاجتماعية للإنسان واضمحلال الحياة الفردية في الغابات والبوادي، عن ميله الطبيعي للحياة الاجتماعية كي يتسنى له عن طريق التعاون مع أبناء جنسه، التغلب على ما يكتنفها من مصاعب، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ الإنسان موجود أناني ويمثل حبّ الذات أمراً غريزياً فيه وهو يطمح في الاستحواذ على كل شيء، وإذا ما خضع يوماً للقوانين الاجتماعية الصارمة فإنما يفعل ذلك اضطراراً، ولولا الاضطرار لما تخلّى عن طبيعته الأنانية، وخير دليل على ذلك هو عدم تورّعه عن سحق حقوق الآخرين كلما سنحت له الفرصة. من هنا فقد اتفقت آراء العلماء على أنّ إقامة المجتمع الإنساني السليم تستلزم تشريع منهج كامل، لكي تتضح في ضوئه حقوق وواجبات الأفراد في الحياة الاجتماعية، وذلك المنهج هو عبارة عن القوانين الاجتماعية التي تمثل البنية التحتية للمجتمع الإنساني، فلنر من الذي يضطلع بمهمة وضع هذا المنهج؟

 

الحكومة  في الإسلام

جرى بنا القول على نحو الإجمال أنّ المشرع إنما يريد من خلال سنّه للتعاليم الفردية والاجتماعية توجيه المجتمع نحو الكمال وتوفير السعادة المادية والمعنوية لأفراده عن طريق تحديد واجباتهم وتأمين حقوقهم.

ومن هنا يجب أن يتوفر في المشرّع الشرطان التاليان:

1 ـ أن يكون على معرفة بالطبيعة الإنسانية: فإذا كان الهدف من التقنين هو تأمين حاجات الإنسان الجسدية والروحية، فلابد والحالة هذه من أن يكون المقنن عارفاً على نحو الدقة بكل خفايا الانسان ببعديه الجسدي والروحي، وبعبارة أخرى على المشرّع أن يكون على معرفة دقيقة بالطبائع الفردية والجماعية.

2 ـ النزاهة من النوازع النفعية: يستلزم التحلّي بالرؤية الواقعية وصيانة مصالح المجتمع أن يكون المشرع مجرداً من كل أنواع الأنانية والنفعية عند وضعه للقانون؛ إذ إنّ غريزة حب الذات تخلق حاجزاً كثيفاً أمام البصيرة، والانسان مهما كان عادلاً ومنصفاً وواقعياً في رؤيته فلابد من أن يقع تحت تأثير نوازع الأنانية وحبّ الذات.

علينا أن نبحث أين يجتمع هذان الشرطان على الوجه الأكمل؟ لا ريب في أن المشرع لو أريد له أن يكون عالماً بخفايا الانسان على أفضل وجه، فليس ثمة من يتصف بهذه الميزة سوى الله سبحانه؛ وليس هناك من يملك معرفة بمخلوق ما أكثر من خالقة؛ وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى بقوله: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}[1].

فالخالق الذي أبدع المخلوق من خلايا لا حصر لها وركب أجزاء بدنه على اختلافها، من المسلم أنه أعلم من الآخرين بما خفي وظهر من حاجات مخلوقه وبمصالحه ومفاسده؛ فهو تعالى بعلمه محيط بعلاقات الأفراد ونتائجها والواجبات التي تمثل مصدراً لانسجام المجتمع، والحقوق التي يستحقها كل إنسان.

ولا يتوفر الشرط الثاني ـ الذي هو عبارة عن التجرد عن النفعية أثناء وضع القانون ـ إلاّ في الذات الإلهية المقدسة، وذلك لاستغنائه تعالى عن أية منفعة لدى المجتمع البشري ونزاهته عن كل أنواع الغرائز لا سيما غريزة حبّ الذات، في حين أن بني الانسان بأسرهم تستحوذ عليهم ـ إلى حدٍّ ما ـ نزعة الأنانية، وهي الآفة التي تهدد سلامة التقنين، ومهما حاولوا الانعتاق من مخالب هذه الشهوة نجدهم يقعون فيها من جديد.

نقدّم بعد هذا التمهيد شرحاً للموضوعات التالية:

 

أسلوب التشريع في الحكومة الإسلامية

ليس هنالك ـ في نظر القرآن ـ من مقنن أو مشرع سوى الله سبحانه، سواء كانت الجهة المقننة فرداً أو جماعة، أما الآخرون ـ كالفقهاء والعلماء ـ فإنهم بمثابة خبراء بالقانون ويضطلعون بمهمة بيان الأحكام الإلهية من خلال الرجوع إلى مصادر التشريع.

يتضح من خلال استقراء الآيات القرآنية أن التقنين أو التشريع مختص بالله سبحانه وحده، ولا توجد في النظام التوحيدي حجة أو نفاذ لرأي شخص بحق شخصٍ آخر، ولا حق لأحد في فرض آرائه على الفرد أو المجتمع، أو استخدام القوة لإجبار الناس على تنفيذها.

إن أفراد المجتمع الانساني كما صرح بذلك الرسول الكريم (ص): "سواسية كأسنان المشط"[2] لا فضل لأحد منهم على الآخر. من هنا لا يوجد أي مسوغ يبيح لفرد أو فئة اصدار حكم يصب في صالح فرد أو جماعة أو يسبب الضرر أو جماعةٍ أخرى، ثم يدعو الناس لاتباعه.

وأسمى مظاهر المساواة في ظل النظام التوحيدي هو ما صرح به الرسول الأكرم (ص) بقوله: "الناس أمام الحق سواء"، وأن القانون يطبق على المجتمع دون أي اعتبار للامتيازات. وقد قارع الإسلام بكل ضراوة النظام الطبقي الجائر الذي كان سائداً في العهد الساساني؛ حيث كانت فئة من الناس ترى نفسها فوق القانون، بينما كانت هناك فئة أخرى تخضع لحكم القانون.

هناك آيات قرآنية كثيرة ترى انحصار التقنين في الذات الإلهية، ونحن نكتفي هنا بذكر بعضٍ منها؛ قال تعالى:

{ما تعبدون من دونه إلاّ أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلاّ له أمر ألا تعبدوا إلاّ إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}[3].

وقد وردت عبارة "إن الحكم إلاّ لله" مرتين في هذه السورة (سورة يوسف) إحداهما في هذه الآية، والأخرى في الآية 67 من السورة حيث قال تعالى:

{وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلاّ لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}[4].

لعل المراد من الحكم هنا هو الحكم التكويني؛ بمعنى أن الكون كلّه بيده ويخضع لتدبيره، وهذا هو المراد من الحكم في الآية الثانية، وسائر عبارات الآية تؤيد هذا المعنى، إذ إن يعقوب حينما كان يرشد أبناءه إلى سبيل الوصول إلى هدفهم ويوضح لهم طريق النصر ويأمرهم بالدخول من أبواب متفرقة، سرعان ما يقول لهم: {وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلاّ لله توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}.

ويفيد منحى الآية أن الهدف منها هو بيان الحكم التكويني للباري تعالى؛ فقد أشارت إلى ذلك في موضع آخر بالقول {له ملك السموات والارض}[5]، ومراد يعقوب هو أن جميع الأفعال في الكون وكل الانتصارات والهزائم إنما هي بيده تعالى، في حين أن المراد منها في الآية الأولى هو الحكم التشريعي، أي أن الله سبحانه هو صاحب الحق في الأمر والنهي والتحليل والتحريم، وسرعان ما يقول: {أمر ألا تعبدوا إلا إياه} وكأن سائلاً سأله بعد عبارة (إن الحكم إلاّ لله)، إذا كان منصب الحكم والتشريع مختصاً بالله دون سواه، فما هو حكم الله في العبودية؟ فأجابه على الفور: {امر ألا تعبدوا إلاّ إياه}.

بناء على ذلك، فإن المراد من عبارة (إن الحكم إلاّ لله) هو الحكومة التي تقوم على أساس السلطة التشريعية، ومثل هذا المنصب إنما يختص بالله سبحانه ولا حق لغيره في التدخل فيه، والسلطة التشريعية والتقنين شأن خاص بالله ولا حق لأحد باصدار حكم أو تشريع فريضة دون إذن منه تعالى.

 

القوانين الثابتة والمتغيرة

ثمة تساؤل يثار هنا وهو: إذا لم يكن ثمة مشرع غير الله، ولا وجود لقوانين سوى قوانين الوحي المدونة في الكتاب والسنة، فكيف والحالة هذه يتسنّى إدارة مجتمع متغير بقوانين ثابتة؟ وبعبارة أخرى: إن المجتمع المتغير والمتطور يحتاج إلى قوانين متغيرة ومتطورة في حين أن القوانين الإلهية ثابتة لا تغير فيها.

لقد ثبت خلال البحوث المتعلقة بالنبوة الخاتمة وجود نوعين من القوانين في الإسلام هما:

1 ـ القوانين الثابتة أو ما يصطلح عليها بالدائمية التي لا سبيل إلى تغييرها.

2 ـ الأحكام والتشريعات المتغيرة التي تتغير بتغير الظروف والمستجدات.

بعد أن بينت الآيات القرآنية مسألة التوحيد التشريعي بجلاء، علينا البحث بشأن دور السلطة التشريعية فيما يخص هذا الجانب من الأحكام.

وفي هذه المجموعة من الأحكام التي تتبدل شكلاً ومضموناً مع مرور الزمن وتبعاً لتغير الأوضاع، هنالك مجموعة من القواعد الثابتة التي لا يمكن تخطيها، والتغير الذي يطرأ عليها إنما هو في مظهر الحكم وهيكله الخارجي لا جوهره؛ فعلى سبيل المثال ربما تتخذ علاقة الحكومة الإسلامية بالدول الأجنبية أنماطاً متفاوتة؛ تقتضي الظروف أن تتعامل معها الحكومة الإسلامية من باب الصداقة وتقيم روابطها على هذا الأساس وتقوم بتطوير علاقاتها السياسية والثقافية والاقتصادية معها، وقد تستدعي الظروف قطع تلك الروابط أو تقليص علاقاتها الاقتصادية والثقافية معها إلى أمد على أقل تقدير. وهذا التغيير يقع في شكل الحكم وطريقة تنفيذه وليس في جوهره؛ فالجوهر غير قابل للتغيير بالمرة. فعلى الحاكم الإسلامي المحافظة على مصالح الإسلام وصيانة عزة المسلمين وأن لا يسمح بخضوع البلد الإسلامي لسيطرة الكفار والمستعمرين؛ وهذا تعبير عن الحكم الوارد في الآية {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}[6]. إن الشيء المهم هو الحافظ على كيان الإسلام؛ وقد تستدعي المحافظة على الإسلام قطع العلاقات تارة أو توطيدها تارة أخرى.

وكذا الأمر فيما يتعلق بمبدأ تقوية الجانب الدفاعي في الإسلام؛ فهناك مبدأ عام يوضحه القرآن الكريم بقوله: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} (سورة الأنفال، الآية 60)، فهذا المبدأ الذي يؤكد ضرورة تفوق الجيش الإسلامي على سائر الجيوش، لا يقبل التغيير على الاطلاق، والجانب الخاضع للتغيير منه هو شكله وأسلوب تطبيقه في مختلف الأعصار؛ ففي العهود المنصرمة كانت قوة الجيش الإسلامي تتأتى عن طريق توفير السهام والسيوف والرماح، أما في الوقت الحاضر فهو يطبق بطريقة أخرى، ولابد من تجهيز الجيش الإسلامي بأحدث الأسلحة وبشتى أنواعها البرية والجوية والبحرية.

والخلاصة هي أن التشريع الإلهي لا تطاله يد البشر أبداً، والأحكام التي بينت الشريعة روحها وجوهرها لا يحق للحاكم الإسلامي سوى التصرف بشكلها ومظهرها.

 

الاجتهاد واستنباط الأحكام

الاجتهاد يعني السعي العلمي للوصول إلى الحكم الشرعي من خلال اتباع المنهج الصحيح استناداً إلى الكتاب والروايات والاجماع والعقل. والاجتهاد والتفقه الذي وصف بأنه القوة المحركة للإسلام يعد أحد عوامل خلود الإسلام؛ إذ يتيسّر عن طريقه استنباط أية مسألة من القرآن والروايات، وبذلك يمكن الاستغناء عن قوانين الآخرين.

يعلم المطلعون على تاريخ الفقه بأن الاجتهاد كان موجوداً على عهد رسول الله (ص) وسائر الأئمة (ع) ناهيك عن العهود التي تلت ذلك، ولابد من الانتباه إلى وجود فارق بين الاجتهاد في ذلك الزمان وبين الاجتهاد في زماننا هذا، فقد كان الاجتهاد آنذاك بسيطاً ويسيراً لتوفر القرائن المساعدة على فهم الأحاديث، بالاضافة إلى امكانية الاستفسار من النبي (ص) أو الامام (ع) لكشف ما يكتنفها من الغموض والابهام في حالة وجود تعقيد أو لبسٍ في فهم الآية أو الرواية، ولكن كلّما ابتعدنا عن ذلك الزمان اتخذ الاجتهاد طابعاً فنياً نتيجة الاختلاف في الآراء والروايات والطعون الواردة بحق بعض الرواة، وازدياد حاجة الأمة للاجتهاد واتساع مدياته.

قال الإمام الباقر (ع) لأبان بن تغلب، وكان من جملة المتفقهين من أصحابه: "اجلس في مجلس المدينة وأفتِ الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك"[7].

 

مكانة الفقيه في النظام الإسلامي

الفقيه هو الذي يستنبط الأحكام الشرعية من مصادرها الأربعة ويضعها بين أيدي الناس، وهو ليس المشرع أو المتقنن في النظام الإسلامي، فهو لا يضع حكماً ولا يبطل حكماً، ولكن بما أن استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها يحتاج إلى التخصص والأهلية العلمية، فالمجتهد ـ وبعد حصوله على مجموعة من الكفاءات ـ يصبح قادراً على استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنّة والعقل والاجماع، فيكفي الآخرين الكثير من العناء.

فإذا تلخّص الاجتهاد في معرفة التشريع واستنباط الأحكام من مظانها، فهو في هذه الحالة يعد وسيلة لتشخيص القانون، وعن طريقه يمكن تشخيص الحق من الباطل ومعرفة ما هو شرعي وما هو غير شرعي.

ويرى فقهاء الشيعة كفاية الأدلة الأربعة لاسيما سنة رسول الله (ص) التي وصلتنا عن طريق أئمة أهل البيت (ع) لاستنباط الأحكام الشرعية والافتاء بشأن الوقائع المستجدة في المجتمع. وقد أثبتوا صحّة هذه الرؤية على مدى القرون الأربعة عشر من تاريخ الإسلام.

ويكفينا أن نعرف في هذا الصدد أن أحد كتب الحديث وهو كتاب "وسائل الشيعة" يحتوي على ما يناهز ثمانية وثلاثين ألف رواية فقهية. وإذا أضفنا إليه كتاب مستدرك الوسائل ستتجلى أمامنا سعة مصادر الفقه الشيعي الإسلامي، خاصة إذا عرفنا أنها تضم مجموعة من الأصول الكلية والقواعد الشاملة التي بوسعها أن تلبي الكثير من المتطلبات.

يقول الكاتب السوري المعاصر مصطفى أحمد الزرقاء مؤلف كتاب "المدخل الفقهي العام":

"ولا يخفى أن نصوص الكتاب والسنة محدودة متناهية والحوادث الواقعة والمتوقعة غير متناهية، فلا سبيل إلى اعطاء الحوادث والمعاملات الجديدة منازلها وأحكامها في فقه الشريعة إلاّ على طريق الاجتهاد بالرأي"[8].

إن المعرفة تصدق فيما إذا كان يوجد واقع معيّن خارج نطاق المعرفة في الكتاب والسنة أو في مراتب العلم الإلهي كاللوح المحفوظ، ولكن إذا لم يكن له وجود سوى في حدود الفكر، ففي مثل هذه الحالة يتحول الاجتهاد من وسيلة للمعرفة إلى مصدر لها، ويتحول الفقيه من عالم بالتشريع إلى مقنن ومشرّع، في حين أن الاجتهاد وكذا مسألة التصويب والتخطئة لها في الفقه الشيعي منحى آخر.

ففي هذا المذهب بيّنت المصادر الدينية حكم ما كان وما يكون، فأصبحت الشريعة بأكملها في متناول أيدي الفقهاء المجتهدين، وما عليهم إلاّ المبادرة لاستنباط الأحكام من خلال السعي الحثيث، وقد يصيبون في هذا السبيل أو يخطئون، لكنهم بريئو الذمة إذا ما وقعوا في الخطأ، ولم يُوكل أمر التقنين لأحد حتى في إطار مجموعة قواعد الاستنباط كالقياس والاستحسان.

 

دور مجلس الشورى الإسلامي

تتركز مهمة مجلس الشورى الإسلامي على التخطيط في ضوء الأحكام الإسلامية، فلا غنى لأي بلد، مهما بلغت درجة تقدّمه الحضاري، عن وضع الخطط لأبنائه لمواجهة مختلف المتطلبات المستجدّة يوماً بعد يوم. وإذا ما دخلت قرارات مجلس الشورى الإسلامي حيز التنفيذ تكون بمثابة التعاليم الإلهية التي تخرج من طابعها الكلي إلى الجزئي.

ونظراً لاحتمال تجاوز النواب للأحكام الإسلامية العامة أثناء عملية وضع الخطط وتعارض قراراتهم مع هذه الأحكام، فلابد من وجود مجموعة من الفقهاء المعروفين إلى جانب مجلس الشورى كي يدققوا فيما يقرره المجلس، ويدرسوا مدى تطابقه مع أصول الشرع المقدس.

 

مشكلة اختلاف الفتاوى في النظام الإسلامي

يمثل الاجتهاد في الفقه عنصراً لبقاء الشريعة وديمومتها، لكنه يعتبر في الوقت ذاته مبعث اختلاف وازدواجية. وهنا يتبادر إلى الأذهان هذا التساؤل وهو: كيف يتسنى تقويض الاختلاف في الفتاوى في ظل النظام الإسلامي، لاسيما وأن باب الاجتهاد مفتوح على مصراعيه في الفقه الشيعي، وربما يصطدم رأي المجتهد مع آراء كافة ذوي الرأي، بل وحتى المشهورين من أئمة الفقه. ومثل هذا الاجتهاد الواسع الأبواب يؤدي إلى وقوع الاختلاف ويتسبب في خلق مشكلة على صعيد حياة الأمة، وما تخطط له الحكومة والقائمون على القضاء؟!

وحديثنا هنا يختص بمرحلة سيادة النظام الإسلامي وخمود نيران الفتن والمؤامرات وعدم وجود حالة طوارئ بل إن حالة الطوارئ خارجة عن موضوع بحثنا؛ فمواطن الضرورة تختلف فيما بينها كماً ونوعاً وطريقة معالجتها تخضع للظروف السائدة فيها. من هنا فإن الحديث يتركز هنا على نظام مستتب لا يعيش حالة استثنائية.

وقد تبرز مشكلة الاختلاف في الفتيا على ثلاثة مستويات هي:

1 ـ حياة الناس وعلاقاتهم.

2 ـ الجهاز القضائي.

3 ـ خطط الحكومة.

ولكن واحدة من هذه الحالات أسلوب حل خاص بها:

1 ـ لاشك في أن الفقه الشيعي يعتقد أن باب الاجتهاد المطلق مفتوح ويرى وجوب تقليد المجتهد الحي، وهذا ما جعله فقهاً متكاملاً وقادراً على تلبية متطلبات كل عصرٍ؛ فالبقاء على تقليد الميت يعوق إزدهار الفقه ويكبّل مسيرته نحو التكامل.

والمشهور بين الفقهاء الشيعة أنهم لا يوجبون تقليد الحي فحسب، بل يوجبون أيضاً تقليد الأعلم في استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها ويوجّهون الناس إلى تقليد الأعلم والأفقه الذي غالباً ما يجري التعريف به عن طريق ذوي الاختصاص وتتجه الأنظار نحوه، وبالتالي فإن الأكثرية من الأمة لا تواجه مشكلة فيما يتعلق باختلاف الفتيا حيث تجتمع المرجعية العامة في شخص واحد.

2 ـ هذه المشكلة محلولة تلقائياً في الجهاز القضائي انطلاقاً من المعايير التي وضعها الفقه الشيعي في هذا المجال، فمشكلة اختلاف الفتاوى في الجهاز القضائي ترتفع بتوفر شرط الاجتهاد في القاضي، فلابد للقاضي ـ في الفقه الشيعي ـ أن يكون مجتهداً وفقيهاً مستنبطاً وقادراً على استخراج حكمه في القضية استناداً للمصادر الاستدلالية دون الرجوع إلى قانون مدوّن.

إن وضع قانون مكتوب للقضاة يعد ضرباً من تقليد المحاكم في الغرب وجاء نتيجة للغفلة عن شرط الاجتهاد المطلق في القاضي، وهذا بطبيعة الحال لا ينسجم مع الأسس الفقهية عند الشيعة، إذ إن القضّية المراد التحقيق فيها إما أن تكون حقوقية أو جزائية، وبعبارة أخرى إما أنها تتعلق بالدعاوي المالية والحقوقية أو أنها تتعلق بالحدود والتعزيزات.

ففي الحالة الأولى يتعيّن على القاضي البت بها وفقاً لرأيه واجتهاده، فإذا ما تطابق مضمون القانون الوضعي مع رأيه فخير، والاّ فعليه البت بها وفقاً لرأيه واجتهاده، ويحرم عليه الافتاء خلافاً لتشخيصه.

أما بالنسبة إلى الحالة الثانية، فإن الحدود والأحكام الجزائية في الإسلام قد جرى توضيحها ونادراً ما يطرأ عليها تغيير، وإن وضع قانون موحد إنما هو من قبيل "لزوم ما لا يلزم"، واجتهاد القاضي يغنيه عن الرجوع لمثل هذا القانون.

أما التعزيرات فهي في نظر الفقه الإسلامي منوطة بتشخيص القاضي، أو كما يصطلح عليها الفقهاء موكولة "على ما يراه الحاكم من المصلحة"، من هنا فلا داعي لوضع قانون مدون وتزويد القضاة به لغرض تجنب الاختلاف في وجهات النظر بشأن التعزيرات.

وهذا الجانب يعد من الأبعاد المشرقة في الفقه الإسلامي، حيث تناط طريقة ومدى التعزير بما يراه القاضي ولا تجري معاقبة الجناة ـ وإن تشابهت جرائمهم ـ بعقوبات متشابهة، فربما يصلح مجرم من خلال توبيخه، وقد لا يصلح مجرم آخر اقترف جريمة مشابهة إلا بجلده خمسين جلدة، والاصرار على وضع قانون موحد للتعزيرات يعمل جميع القضاة وفقاً له يتعارض مع القاعدة المتقدم ذكرها والتي تتفق آراء كبار فقهاء المسلمين بشأنها.

إن الاصرار على تدوين قانون موحد للمحاكم، سواء كان حقوقياً أم جزائياً، منشؤه تجاهل شرط الاجتهاد في القاضي، أو لحكم الضرورة التي تستدعي استخدام قضاة لا قدرة لديهم على الاستنباط، ونظراً لافتقار هؤلاء القُضاة لعنصر الاجتهاد فلابد والحالة هذه من تدوين قانون ووضعه بين أيديهم.

3 ـ إن اختلاف الفتاوى لا يثير أي مشكلة لا للحكومة ولا لأعضاء مجلس الشورى الإسلامي سواء أكان على شكل مشروع أم على شكل لائحة، للأسباب التالية:

أ ـ إن الأحكام الشرعية العامة، بدءً من الطهارة وانتهاءً بالديات، خارجة عن حدود خطط ولوائح مصادقة النواب؛ فمثل هذا الصنف من الأحكام مختص بفقهاء الإسلام ولا مجال لإبداء الرأي فيه من قبل جهة أخرى؛ فعلى سبيل المثال لا مجال أبداً لاخضاع أحكام البيع والربا والقصاص والديات للتصويت، لأن الحكم الإلهي أرفع من أن يصوت عليه عباد الله.

ب ـ يجب أن يكون كل ما يخطط له النواب على الأصعدة الثقافية والاقتصادية والسياسية وكذا ما تقرره الحكومة محصوراً في إطار القوانين الإلهية العامة، ويبقى تشخيص مطابقتها أو معارضتها للشرع المقدس على عاتق الفقهاء الذين توكل إليهم مهمة الإشراف على ما يصادق عليه المجلس. وهذه المهمة تلقي مسؤولية ثقيلة على عاتق فقهاء مجلس صيانة الدستور الذين لابد من أن يتوفر فيهم الاجتهاد المطلق والاطلاع والاتقان التام للأسس الفقهية، وهم الذين يبتون في مدى صحة الأحكام بعد إحرازهم لمطابقتها للموازين الشرعية، ولا يمكنهم في هذا المجال التعويل على رأي مجتهد آخر.

اتضح مما تقدم أن الاختلاف في الفتاوى لا يثير مشكلة إلاّ في حالة الضرورة. وبطبيعة الحال يجب تدوين كل ما يصادق عليه المجلس، وصياغته على شكل "قانون مدون" أو بتعبير أدق "مقررات مدونة" وتلتزم به الدوائر التنفيذية ويعمل الجميع على ضوئه.

 

المذهب الرسمي للدولة الإسلامية

ربما يجري الحديث أحياناً حول دولة واحدة كالجمهورية الإسلامية في إيران، وتارة عن جمهوريات إسلامية متحدة حين تزول الحدود المصطنعة بين البلدان الإسلامية وتتلاحم كل هذه الدول تحت راية واحدة، والحديث عن الحالة الثانية خارج عن إطار بحثنا، لأنه من غير الصواب ابداء وجهة نظر قاطعة بهذا المجال ما لم تتوفر عوامل تحقق مثل هذه الوحدة؛ ولا يمكن الحديث بنحو قاطع إلاّ حينما تتضح طبيعة ومعالم تلك الحكومة المتحدة.

موضوع الحديث هذا يخص حالة الدولة الواحدة؛ فلا شك في أن المذاهب الفقهية ـ بصريح الدستور ـ محترمة والأفراد أحرار في اختيار المذهب الفقهي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لابد من وجود بنية دينية تحتية تقوم عليها النشاطات الاقتصادية والثقافية والسياسية للحكومة بحيث تجري نشاطاتها على ضوئها وتتخذ لها مساراً واحداً في تحركها، فمن المتعذر تنظيم معاملات البلاد دون الاستناد إلى نظام فقهي منسجم، وهذا المذهب الفقهي هو الذي يحكمها. وبما أن الحكومة منبثقة من صلب الأمة فلابد بطبيعة الحال من سيادة مذهب الأكثرية فيصبح مذهباً رسمياً للدولة، ولكن بما أن الاختلاف في الفتاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية موجود في جميع المذاهب الفقهية، وخضوع أتباع كل مذهب لأحكام مذهبهم في مسائل الزواج والطلاق والميراث وغيرها، واعتراف القانون بهذه المذاهب أيضاً، فلابد من تحديد قضاة معروفين من هذه المذاهب للحكم وفقاً لما تنص عليه مذاهبهم إذا ما احتاج أتباع هذه المذاهب لمراجعة الجهات القضائية. ولحسن الحظ فإن القوانين الحقوقية والجزائية في الإسلام فيها من المشتركات من الكثرة ما يحول دون بروز أية مشاكل نتيجة اختلاف الفتاوى بين المذاهب الفقهية في هذا المجال.

 

حقوق الأقليات في ظل الحكومة الإسلامية

ليس ثمة دين أو حكومة في العالم كالإسلام يحرص على ضمان الحريات للأقليات ويحافظ على كرامتهم وحقوقهم القومية؛ فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يوفر العدالة الاجتماعية بتمامها في البلد الإسلامي، وليس للمسلمين وحدهم بل لجميع القاطنين في دولته مع ما يوجد بينهم من اختلاف في الدين والعنصر واللغة واللون. وهذه إحدى المزايا الانسانية العظمى التي يعجز أي دين أو قانون غير الإسلام عن تحقيقها؛ فالأقليات الدينية تستطيع العيش في البلد الإسلامي بحرية والتمتع بالحقوق الاجتماعية والأمنية داخلياً وخارجياً شأنهم شأن المسلمين، وذلك بعقدهم لعهد الذمة والحصول على الانتماء للبلد الإسلامي.

 

1 ـ شروط عقد الذمة:

لعقد الذمة ثلاثة شروط، وبزوالها ينتفي هذا العقد، وهي:

 أ ـ أن لا يقوم أهل الذمة بما يتنافى مع مفاد العقد المبرم، كالتآمر على الإسلام ومصالح المسلمين وشن الحرب ضدهم ومساندة أعدائهم والمشركين.

ب ـ أن يلتزم أهل الذمة بأحكام الإسلام الجزائية التي تُطبق بحقهم.

ج ـ دفع مبلغ سنوي تحت عنوان (الجزية) للدولة الإسلامية.

وتمثل هذه الشروط الثلاثة شروطاً أساسية في عقد الذمة. أما إذا أدرجت شروط أخرى في العقد فيجب على أهل الذمة الالتزام بها. هذا العقد يوجب لأهل الذمة حقوقاً على المسلمين، ويلزم الحكومة بحمايتهم من جميع أشكال التجاوز والاعتداء والاضطهاد ويضمن لهم حرية إقامة شعائرهم الدينية وطقوسهم العبادية.

إن هذا التسامح من قبل المسلمين إزاء أهل الكتاب "اليهود والنصارى والمجوس" يسميه المسلمون "عقد الذمة أو المعاهدة"، وهو يقوم على أساس نوع من "التعايش السلمي"، وبالرغم من بعض القيود التي يعاني منها أهل الذمة في ظل الحكومة الإسلامية إلاّ أن الإسلام يضمن لهم الحرية والاستقرار قدر الامكان، وهذه مسؤولية الدولة الإسلامية في أن تحترم أموالهم وأرواحهم وأعراضهم، وأن لا تسمح بأن تتعرض حقوقهم للانتهاك بأي نحو كان.

ففي نظر الإسلام تحظى أعراض الأقليات الدينية، التي تخضع لذمة الإسلام وتعقد مع المسلمين عقد المعاهدة، بالاحترام كأعراض المسلمين. من هنا فإن علياً (ع) لما بلغه هجوم بعض العتاة بأمر من معاوية على احدى المدن في العراق وتجاوزهم على أموال الناس وأرواحهم وأعراضهم، غضب (ع) كثيراً وأبدى أسفه وقال:

"لقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينزع حجلها وقُلبها وقلائدها ورعثها ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع والاسترحام"[9].

كانت أعراض المسلمين والمعاهدين موضع احترام عند أمير المؤمنين (ع) بحيث إنه قال:

"فلو أن امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً"[10].

 

2 ـ الجزية ضريبة عادلة:

تمثل الجزية نوعاً من العون المادي الذي يقدمه أهل الذمة للدولة الإسلامية في مقابل المسؤولية التي تتحملها في توفير الأمان لهم.

ولا يوجد مقدار معين للجزية، وهي تتردد وفقاً لقدرات الذميين. سئل الإمام الصادق (ع) عن مقدار الجزية فقال:

"ذلك إلى الامام يأخذ من كل انسان منهم ما شاء، على قدر ماله وما يطيق"[11].

يقول المؤرخ المسيحي الشهير جرجي زيدان في كتابه تاريخ التمدّن الإسلامي:

وضع الرومان الجزية على الأمم التي أخضعوها وكانت أكثر بكثير مما وضعه المسلمون بعدئذ؛ فإن الرومان لما فتحوا غاليا (فرنسا) وضعوا على أهلها جزية يختلف مقدارها ما بين 9 جنيهات و15 جنيهاً في السنة، أو نحو سبعة أضعاف جزية المسلمين[12].

يتضح من هذا الحكم أن ظروف الذميين قد أخذت بنظر الاعتبار في أخذ الجزية أيضاً، وهذا ينم عن غاية التسامح والوئام والعفو والصفح الذي يتصف به المسلمون.

يقول محمد بن مسلم: سألت الصادق (ع) عما يجب أن يدفعه أهل الذمة لحفظ دمائهم وأموالهم، فقال (ع):

"الخراج، وإن أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أراضيهم، وإن أخذ من أرضهم فلا سبيل على رؤوسهم".

يتبين من هذه الرواية أن على أهل الذمة إما أن يدفعوا الجزية، وإما خراج الأراضي. ومن هنا فلا يجوز للدولة الإسلامية استيفاء ما يزيد عن هاتين الضريبتين (الجزية والخراج) من الأقليات الدينية. وهذا ما يؤكده محمد بن مسلم حيث يقول:

سألت الباقر (ع) في أهل الذمة هل يؤخذ من أموالهم ومواشيهم شيء سوى الجزية؟ قال: لا.

بناء على ذلك فإن الجزية تعد شيئاً ضئيلاً في قبال المسؤوليات التي تتحملها الحكومة الإسلامية ، إذ إن أهل الذمة بتسديدهم المبلغ السنوي مقابل ضمان أمنهم بالكامل فإنهم لا تقع عليهم أية مسؤولية من الناحية العسكرية والدفاعية، ولا تشملهم الضرائب التي تتقاضاها الحكومة الإسلامية من المسلمين بناءً على ما جاء في القانون الإسلامي.

إن الواجبات المفروضة على المسلمين إزاء الحكومة الإسلامية أكثر بكثير وأصعب مما هي عليه بالنسبة لأهل الذمة؛ لأن المسلمين مكلفون بأداء الخمس والزكاة والخراج والصدقات إلى الحكومة وعليهم أداء الخدمة العسكرية عند الحاجة، في حين أن أهل الذمة بتسديدهم لمبلغ ضئيل ينتفعون بكل ما توفره الحكومة الإسلامية ويقفون على قدم المساواة مع المسلمين، والحكومة تتعامل مع الجميع على حدّ سواء من حيث توفير الأمن وأسباب الاستقرار والرفاهية العامة.

 

3ـ الاعتراف بحقوق الأقليات:

يوضح القرآن الكريم بصريح الكلام السياسة الإسلامية العامة فيما يتعلق بالمحافظة على حقوق سائر الأديان فيقول:

{لا ينهاكم الله عن الذي لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين}[13].

أي لو أن الأقليات الدينية ومن يقف في صف المعارضة للإسلام لم ينهضوا لقتالكم ولم يمارسوا الضغوط عليكم أو يخرجوكم من دياركم، فليس لكم إلاّ التعامل معهم بالقسط والإحسان. وهكذا يسمح الإسلام للأقليات الدينية ولمعارضيه أن يعيشوا داخل المجتمع الإسلامي ويتمتعوا بكامل الحقوق الإنسانية، شريطة أن لا يؤذوا المسلمين أو يناهضوهم.

يقول تعالى في آية أخرى:

{إنما ينهاكم الله عن الذي قاتلوكم في الدين وأخرجوكم في دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}[14].

تستفاد من هاتين الآيتين معالم السياسة العامة للإسلام بشأن الأقليات الدينية والمناهضين للإسلام؛ فما دامت الأقلية لا تتعدى على حقوق الأكثرية ولا تحوك المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين فإنها تتمتع بكامل الحرية في البلد الإسلامي وعلى المسلمين التعامل معها بالقسط والإحسان، أما إذا تواطأوا مع بلدان أخرى للعمل ضد المسلمين، حينها يتعين على المسلمين التصدي لممارساتهم وعدم النظر إليهم بعين المودّة.

 

4ـ حسن التعامل مع الأقليات الدينية:

يحث الإسلام والمسلمين على احترام عقودهم فيما يتعلق بحماية أهل الذمة ومداراتهم وحسن التعامل معهم، وقد جاء في القرآن الكريم:

{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذي ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم}[15].

وقد أوصى النبي الأكرم (ص) المسلمين بالرفق بأهل الكتاب ومداراتهم، فقد ورد حديث عند (ص) يقول فيه:

"من ظلم معاهداً وكلّفه فوق طاقاته فأنا حجيجه يوم القيامة"[16].

ويقول من موضع آخر:

"من آذى ذمياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة"[17].

 

*  أستاذ في الحوزة العلمية في قم.

[1]  سورة الملك، الآية 14.

[2]  "الناس كأسنان المشط سواسية"، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص272.

[3]  سورة يوسف، الآية 40.

[4]  سورة يوسف، الآية 67.

[5]  سورة الحديد، الآية 2.

[6]  سورة النساء، الآية 141.

[7]  مستدرك وسائل الشيعة، ج17، ص215، طبعة مؤسسة آل البيت.

[8]  أحمد مصطفى الزرقاء، المدخل الفقهي العام، ج6، ص77.

[9]  نهج البلاغة، الخطبة 27.

[10]  المصدر نفسه.

[11]  وسائل الشيعة، ج15، ص149، طبعة مؤسسة آل البيت.

[12]  جرحي زيدان، مجموعة مؤلفاته الكاملة، ج11، ص285.

[13]  سورة الممتحنة، الآية 8.

[14] سورة الممتحنة، الآية 9.

[15]  سورة العنكبوت، الآية 46.

[16]  فتوح البلدان، البلاذري، تحقيق عبد الله أنيس الطباع، بيروت، مؤسسة المعارف 1407هـ، ص167.

[17]  روح الدين الإسلامي، 274.