كثيرا ما تطرق سمع الإنسان مصطلحات يعرف أهميتها وعظمها ولكنه لا يستطيع فهمها او تصورها بجميع ابعادها. مفردات مثل حكيم، عبقري، عظيم، شجاع وشهم وما الى ذلك من المصطلحات الأخرى التي يمكن للقارىء بان يسهب في شرحها ولكن لا يؤدي حقها نظرا لما تحمل في طياتها من معان عدة يمكن لكل شخص ان يركز على جانب منها ويغفل عن اخر وفق ما يستنبطه منها.

وكما هو الحال بالنسبة للمصطلحات السابقة فان مصطلح "القائد" ايضا لا يخرج عن هذه الدائرة. ولكن هناك صفات يتسم بها القائد لاسيما القائد المتميز، متفق عليها بين الجميع وهي على سبيل المثال لا الحصر، انه يتحلى بثقة عالية تفوق الاخرين ونظرته للاحداث والظروف تختلف عن الاخرين ولا يترك الامر للظروف ويركز على الهدف ويؤمن به، فضلا عن انه يعتبر نفسه مسؤولا عن الاشخاص الذين يتولى مسؤوليتهم او رعايتهم.

بعد هذه المقدمة لنعد الى ما نحن بصدد الاشارة اليه. ايران الاسلامية وخلال الاسابيع الاخيرة عاشت ظروفا مختلفة وغير مسبوقة انطلاقا من اغتيال قائد فيلق القدس الشهيد الفريق قاسم سليماني من قبل ارهابيي امريكا ومراسم التشييع المهيبة التي اقيمت له في العديد من محافظات البلاد وانتقام ايران لدماء شهدائها بقصف قاعدة "عين الاسد" الامريكية تحقيقا لوعدها ومرورا بحادثة سقوط طائرة الركاب الاوكرانية بسبب خطأ بشري والتجمعات التي تم تنظيمها من قبل البعض لاستغلال الاوضاع وركوب الموجة، والتي القى الاجانب بكل ثقلهم فيها عبر مشاركة شخصيات دبلوماسية على مستوى فيها وبكل صلافة، ظنا منهم ان ايران تعيش اضعف ايامها بعد هذه الاحداث.

في مثل هذه الظروف يتم الاعلان فجأة بان قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي سيؤم صلاة الجمعة لهذا الاسبوع وذلك بعد حوالى ثمانية اعوام من اخر صلاة جمعة امّها بالمصلين. اول ما يخطر ببال الانسان في مثل هذه الظروف هو، ما الذي سيقوله قائد الثورة في مثل هذه الظروف الملتهبة التي يعيشها المجتمع. هل سيتخذ مواقف متشددة حيال الاحداث الجارية مستفيدا من موجة الحماس التي تعم انحاء البلاد بعد اغتيال قائد فيلق القدس والتشييع المهيب له ولسائر رفاقه والصفعة التي وجههتها ايران لامريكا أم انه ونظرا للظروف الحساسة التي تمر بها البلاد والحصار الخانق المفروض عليها سيقدم بعض التنازلات او انه سيكتفي بالقاء خطبة لا تغير من واقع الامر شيئا وهو امر مستبعد جدا.

حضر القائد والقى خطبته التي فاجأت الجميع من حيث انها لم تختلف عن خطاباته السابقة لا من حيث القناعات ولا من حيث المواقف، فجاءت بردا وسلاما على ابناء الشعب. القائد بخطابه الهادىء الذي استوعب جميع الاحداث التي شهدتها البلاد خلال الفترة الاخيرة والاعلان عن موقفه بشان ان ايران مستعدة للتفاوض مع الجميع باستثناء امريكا مع وضع شرط وهو الا تكون المفاوضات من موقع ضعف، احبط جميع المخططات والمؤامرات التي كان الاعداء يعقدون الامل عليها لتأليب الاجواء ضد ايران وتحريك اذرعهم الداخلية للعبث فسادا فيها. وختم القائد كلمته بالتاكيد على ضرورة تعزيز قدرات البلاد حتى لا يجرؤ احد على تهديدها من الان فصاعدا فكيف بشن هجوم او التطاول عليها.

القائد بخطابه هذا اعاد السكينة والطمأنينة لنفوس ابناء الشعب ووضع خارطة طريق الايام المقبلة ليكشف خلافا عما كانت يتوقع الكثيرون، بان نظرته للاحداث تختلف عن الاخرين، وانه لا يسمح للظروف بان تملي عليه ما يجب أن يفعل بل هو الذي يترك تاثيره على الاحداث ليحقق ما هو الاصلح للبلاد، وان قناعته لم تختلف ولازال يؤمن بضرورة ان تكون ايران قوية ومقتدرة ومتفوقة على كافة الاصعدة، مع التركيز على بعض الاولويات في الوقت الراهن ومنها مسالة الاقتصاد وتحسين الوضع المعيشي، هذا على الصعيد الداخلي، وتعزيز القدرات العسكرية لردع اي تطاول او عدوان كما تم توجيه الصفعة الاولى لامريكا وتحطيم شوكتها وهيبتها بقصف قاعدة عين الاسد انتقاما لدماء شهداء المقاومة.

إذا مخرجات خطاب قائد الثورة تمثلت في انه، لا يمكن للغرب اركاع ايران، وان قوة ايران نابعة من الاعتماد على شعبها وليس الانبطاح امام القوى العظمى، وانها من دعاة الحوار ولكن مع من يستحق، وليس مع من يخرجون في ظلمة الليل كالخفافيش ليستهدفوا خيرة ابناء المقاومة الذين حاربوا الارهاب والفكر الظلامي، وليس مع المهرجين ناكثي العهود الذين لا يفقهون من السياسة سوى الابتزاز انطلاقا من فطرتهم المجبولة على السمسرة، ان ايران لن تتهاون في الرد على اي تطاول او عدوان مهما كان المعتدي وعين الاسد خير شاهد على ذلك.

 

احمد سعيد / العالم