سأتطرق إلى ما ينبغي للشعب الإيراني معرفته - وقد أثبت معرفته به على مدى السنوات الثلاث والعشرين الماضية والحمد لله -، وكذلك سأتطرق إلى ما ينبغي لأعداء هذه الثورة وهذا الشعب معرفته:

فما يعلمه شعبنا وعليه التمسك به جيداً - وقد تمسك به لحد الآن والحمد لله - هو أن خلاص هذا البلد وبلوغه المستوى الذي يجدر بهذا الشعب إنّما يتيسر في ظل الإسلام والجمهورية الإسلامية والنظام الإسلامي وحسب؛ وليعلم الشباب الذين لم يُدركوا مرحلة انتصار الثورة ولم تُبصر أعينهم سنوات ما قبل الانتصار أنه لولا الثورة الإسلامية وإمامنا العظيم ولو لم يرفع الإسلام راية الثورة والتغيير في هذا البلد لما كان هنالك أمل في استئصال السلطة الجهنمية للامتهان الأمريكي والحكومة الدكتاتورية البهلوية القاسية عن هذا البلد؛ فلقد جرى اختبار كافة السبل في وطننا ففشلت وأخفقت بأجمعها؛ ففي فترة من الزمن أطلّت مختلف الأحزاب السياسية والتيارات الموالية للشرق والغرب والحركات المسلحة برأسها داخل البلاد، لكن أيّاً منها لم يفلح في تقديم شيء لهذا الشعب؛ لذلك فقد ازداد القمع والاضطهاد وطأةً في الوطن، حتى أن الشباب عندما أقدموا على الكفاح المسلح جرى قمع تلك الحركات المسلحة بشدّة، وتفاقمت هيمنة النظام البهلوي، فاستحوذ اليأس على القلوب شيئاً فشيئاً؛ والشعب هو القوة التي كان بمقدورها الوقوف بوجه النظام البهلوي بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ أي كان على الشعب بأسره النزول إلى الساحة كي يفلح في دحر النظام البهلوي الفاسد العميل الدكتاتوري والجائر ومن خلفه أمريكا؛ ولم يكن ثمة محفل أو مركز في إيران له القدرة على تعبئة الشعب سوى علماء الدين وحاملي رايته عبر رفعهم لشعار الدين، وهذه تجربة طويلة شهدها بلدنا، يجب التمعن بها بعين الدقة.

فعلى صعيد الحركة الدستورية، لولا العلماء لما قامت هذه الحركة ولا قدّر لها بلوغ النصر؛ وحينما أقصى المتغربون وصنائع الإنجليز في إيران علماء الدين والشعارات الدينية عادت هيمنة الاستبداد والتسلط والنفوذ الأجنبي. وكذا الحال في حركة تأميم النفط، إذ كان للشعب حضوره في الساحة مادام علماء الدين وسط الميدان - حيث كان المرحوم آية الله الكاشاني([1]) من أبرز محاور الكفاح - ولكن حينما سحبت يد عالم خبير وواعٍ وشجاع نظير المرحوم الكاشاني، بسبب سوء التصرف وشذوذ الطبائع وحبّ التفرّد، انسحبت الجماهير أيضاً وبقي قادة الحركة الوطنية لوحدهم، فصنع العدو معهم ما يحلو له.

طالما نزل الشعب في إيران إلى الساحة بنداءٍ من الدين، ففي ظلاله وجد العدالة، وحيثما كان العلماء الطليعة في أي تطورٍ لم يتخلَّ عنهم الشعب وذلك لثقته بهم؛ ولذا فحينما اقتحم إمامنا العظيم الميدانَ كمرجعٍ وعالم دين، وإنسانٍ مجرَّب، طاهر صادق راسخ العزيمة، وتبعه العلماء في اقتحام الميدان، نزلَ الشعب بأسره إلى الساحة ولم يعد بمقدور العدو المقاومة.. يومذاك نجح الحضور الجماهيري في استئصال جذور الاستبداد من الوطن.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء، إن الاستبداد في بلادنا كان على الدوام معتمداً على مساندة القوى السلطوية الأجنبية؛ فاستبداد الحكم البهلوي ودكتاتوريته وطغيانه، ومن قبله الحكم القاجاري بأسلوب آخر، إنّما قام بسبب اعتماده على القوى الأجنبية؛ فرضا خان كان معتمداً على الإنجليز، ومحمد رضا كان في البداية معتمداً على الانجليز ومن ثم اعتمد على أمريكا، فكان يضمن للأمريكان مصالحهم ونفوذهم، وهم يقومون أيضاً بحمايته، وكانوا يفعلون بهذا البلد ما يشاؤون، فأخضعوا الشعب لوطأة الاضطهاد خمسين عاماً؛ وأوقفوا عجلة تطوره العلمي والصناعي والثقافي والأخلاقي في مرحلة كانت المثلى من بين المراحل وأكثرها نضجاً لبلوغ هذا التطور على الصعيد الدولي، وأبقوا على هذا الشعب وهذا البلد متخلفاً، وكان جلّ همّهم في حياة الدعة والرفاهية وجمع الثروات وتقديم الخدمة لأسيادهم الأجانب، وهؤلاء إنّما استتبّ لهم الأمر بشكل تام في إيران عبر اعتمادهم على القوى الأجنبية، ولم يكن شأن أيّ كان اجتثاثهم وتحطيم هذا البناء الأعوج الضار المليء باللعنة والبغضاء والشؤم؛ فأطلّ الإمام العظيم حاملاً راية الهدى الإسلامية.. ولذا فإن مبادئ الإمام هي مبادئ الإسلام، وعدالته عدالة الإسلام، وحاكمية الشعب التي جاء بها هي حاكمية الشعب الإسلامية.

من أنكى الإجحاف بحق إمامنا العظيم ونظامنا الإسلامي هو اتهام وسائل الدعاية الأجنبية للإمام والنظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية بالاستبداد والبعد عن حاكمية الشعب.. فإنه لمّا انتصرت هذه الثورة بما هي عليه من عظمة وقوة في إيران، أجري أول استفتاء شعبي على يدي الإمام مما لا سابقة له في أي ثورة؛ فانظروا أن أي انقلاب أو أدنى تغيير يحدث في أي بلد يؤدي إلى تأخير الانتخابات سنتين أو ثلاث.. وفي بلدنا لم تكن للجماهير معرفة بصناديق الاقتراع، إذ كانت الانتخابات التي جرت في عهد النظام الطاغوتي صورية وكاذبة، فلم تتوجه الجماهير نحو صناديق الإقتراع كي تدلي بصوتها بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكل من أرادوا إدخاله للمجلس العميل جاؤوا به من خارج صناديق التصويت.. فيما دفع الإمام بالجماهير نحو صناديق الإقتراع بعد شهرين من انتصار الثورة فصوّتوا لصالح الجمهورية الإسلامية، وفي غضون عام واحد توجه الشعب خمس مرات نحو صناديق الاقتراع، وعلى مدى ثلاث وعشرين سنة مضت على عمر الثورة توجه أبناء شعبنا ثلاثاً وعشرين مرة إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس الشورى الإسلامي, وأعضاء مجلس الخبراء, ورئيس الجمهورية, وأعضاء المجالس البلدية, وكذلك لتعيين الدستور ونظام الجمهورية الإسلامية؛ فأي نظام - وإن كان ديمقراطياً بظاهره - يعوّل بهذا الحجم على إرادة الشعب ورأيه؟ إن أعداء هذه الثورة والشعب الصلفين الوقحين يقترفون هذا الإجحاف ويتهمون الثورة والنظام ومهندسهما ومؤسسهما العظيم برفض حاكمية الشعب([2])!.

 

([1]) السيد أبو القاسم بن السيد مصطفى الحسيني الكاشاني: ولد سنة 1330ﻫ‍ وتوفى سنة 1381ﻫ‍، نال مرتبة الاجتهاد في الخامسة والعشرين من عمره، شارك في ثورة العشرين وكان عضواً في المجلس العلمي الذي شكّله الإمام الشيرازي لقيادة الثورة، كما أهتم وبمساعدة العلماء الآخـرين من تأسيس حزب سياسـي منظَّم ليسهل من عملية التعبئة الجماهيرية، ضد الإنجليز، فله باع طويل في نصرة الثورة، وبعد انتكاسة الثورة طارده الإنجليز فهرب إلى إيران ، كان أيضاً مشاوراً للآخوند الخراساني في نهضة المشروطة، وكانت له مواقف مشرفة في إيران من قضية تأميم النفط. يعدُ من تلاميذ الشيخ محمد تقي الشيرازي والشيخ محمد كاظم الخراساني والميرزا حسين الخليلي.

 ([2]) حديث قائد الثورة الإسلامية بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة عشر لرحيل الإمام + 22 ربيع الأول 1423ﻫ .