الصّوم سلّمٌ نحو التقوى ووسيلة لتحصيلها في وجودكم. التقوى هي أن يراقب الإنسان سلوكيّاته وأفعاله ويحدّد كونها مدعاة رضا الله وتُوافق الأمر الإلهي أم لا. هذه الحال من المراقبة والاجتناب والحذر الدّائم، تُدعى التّقوى.

 

مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته.

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

سورة البقرة المباركة ﴿۱۸۳﴾

 

الصّوم، أحد الرّكائز الأساسيّة لتكامل الإنسان

الهدف من الصّيام في شهر رمضان -حسب تصريح القرآن- هو عبارة عن التّقوى ورفع نسبة هذه الذخائر المعنويّة في وجود الإنسان. (١) يقول عزّ وجل: ”كُتب عليكم الصّيام كما كُتب على الّذين من قبلكم“(٢). نحن نعلم أنّ الصلاة والزّكاة لم تكن خاصّة بالأمّة الإسلاميّة؛ بل إنّ الأنبياء والرّسل الذين سبقوا رسول الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جعلوا الصّلاة والزّكاة في طليعة أحكامهم. ”وأوصاني بالصّلوة والزّكوة ما دمتُ حيّا“(٣) هذا ما يقوله النّبي عيسى (عليه السلام) لمخاطبيه، وهو ما يُستفاد من سائر آيات القرآن أيضاً. تقول الآية الأولى التي تلوتها: الصّوم كما الصّلاة والزّكاة، من الأحكام التي لم تختصّ بها الأمّة الإسلاميّة؛ بل إنّ الأمم السابقة والأنبياء السابقون أيضاً كانوا مأمورين بالصّوم.

هذا إنّما يدلّ على هذه الحقيقة بأنّ الصّوم ضروريّ وواجب ويمثّل أحد الأسس الرئيسيّة لتكامل الإنسان وتساميه وترقّيه المعنويّ كما أنّ الصلاة ضروريّة -وهذه الصلاة تمثّل العلاقة المعنويّة بين الإنسان والله عزّ وجل- وكما أنّ الزكاة ضروريّة -وهي تزكية لمال الإنسان- في الهيكل المعنوي لحياة الإنسان؛ وإلّا لما استمرّ وثبت هذا النّهج على مدى العصور ومع تبدّل مختلف الأديان.

 

التّقوى، تعني حفظ روحيّة الوعي

ثمّ يقول الله جلّ وعلا: ”لعلّكم تتّقون“. أي أنّ الصّوم سلّمٌ نحو التقوى ووسيلة لتحصيلها في وجودكم وقلبكم وروحكم. التقوى هي أن يراقب الإنسان سلوكيّاته وأفعاله ويحدّد كونها مدعاة رضا الله وتُوافق الأمر الإلهي أم لا. هذه الحال من المراقبة والاجتناب والحذر الدّائم، تُدعى التّقوى. والتقوى تعني أن تراقبوا سلوكيّاتكم بحيث لا تتصرّفوا خلاف الأمر والنّهي الإلهيّين. هذا ما تعنيه التقوى.(٤)

التّقوى تعني أن تراقبوا سلوكيّاتكم بحيث لا ترتكبوا ما يتعارض مع أوامر ونواهي الله عزّوجل. هذا ما تعنيه التقوى. قد يفقد الإنسان السيطرة على الأمور في بعض الأحيان ويرتكب ذنباً معيّناً. ما يهمّ هو أن تحذروا وتقرّروا عدم ارتكاب أيّ ذنب. هذه هي روحيّة التقوى تلك وهذه روحيّة الوعي، فعندما تكون يقظاً وواعياً ومراقباً لنفسك، ستكون واعياً لعدوّك أيضاً. وعندما تكون ملتفتاً للشيطان في داخلك، فسوف تلتفت لشيطان الخارج أيضاً. عندما يعجز شيطان الداخل عن إلحاق الأذى بنا، لن يتمكّن شيطان الخارج أيضاً من السيطرة علينا وتوجيه ضربته إلينا بسهولة. هذه هي رسالة شهر رمضان. ”كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون“ مقدّمة التقوى والتّقوى هي الغاية. (٥)

 

الفوائد الدنيويّة التي تحملها التّقوى للمجتمعات البشريّة

المجتمع التّقي هو مجتمعٌ يختار المسار الإلهيّ بدقّة وعناية ويسير في ذلك النّهج بدقّة أيضاً، فينعم بالنّعم الإلهيّة في الدنيا، ويكتسب العزّة الدنيويّة أيضاً ويُلهمه الله العلم والمعرفة في شؤون الدنيا. المجتمع الذي يخطو في درب التقوى تكون أجواؤه أجواء سليمة مفعمة بالحبّ ومدعّمة بالتعاون والتآزر بين أفراد المجتمع.

التّقوى مفتاح السّعادة الدنيويّة والأخرويّة. فالبشر الضالّون الذين يشتكون من أنواع المصاعب والآلام الشخصيّة والاجتماعيّة، يدفعون ضريبة انعدام التقوى والغفلة وعدم الالتفات والغرق في مستنقع الشّهوات. ومن الواضح مصير تلك المجتمعات المتخلّفة أيضاً. والمجتمعات المتقدّمة في العالم، وإن كانت سعيدة في بعض الجوانب -وذلك نابعٌ أيضاً من الوعي والصحوة في بعض شؤون الحياة- لكنّها تعاني من نواقص وفراغات قاتلة؛ بحيث يصرّح كتّابهم وخطبائهم وفنّانوهم اليوم بذلك بألف أسلوب وطريقة.

التقوى، وصيّة الأنبياء الأولى والأخيرة. وتقرأون في سور عديدة من القرآن، أوّل ما خاطب به الأنبياء النّاس كان توصيتهم بالتّقوى. فمتى ما وجدت التقوى، وجدت أيضاً الهداية الإلهيّة؛ وأينما انعدمت التقوى، لا تكون الهداية الإلهيّة من نصيب الفرد والمجتمع بشكل كامل. هذا الصّيام، مقدّمة للتقوى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١- كلمته في خطبتي صلاة الجمعة في طهران ٢١/١٠/٢٠٠٥

٢- البقرة؛ الآية ١٨٣

٣- مريم؛ الآية ٣١

٤- كلمته في خطبتي صلاة الجمعة في طهران ٣٠/٣/١٩٩٠

٥- كلمته في خطبتي صلاة الجمعة ١٨/٢/١٩٩٤