سلسة محاضرات ألقاها سماحة الإمام الخامنئي؛ المحاضرة السابعة: البشائر (2) 

 البشائر (2)


 

الأربعاء 8 رمضان المبارك 1394 هجرية  3/7/1353 هجرية شمسية

 

ذكرنا في الجلسة السابقة بعض بشائر القرآن للمؤمنين.. البشائر المفضية إلى السعادة. وقفنا أمس عند بشرى الهداية وبشرى النور، ونقف في هذه الجلسة عند اثنتين أخريين، وأترك الباقي لكم لكي تستعرضوها بالترتيب الذي سرنا عليه. من كان منكم يعرف العربية فليستخرجها من نص القرآن، ومن لا يعرف العربية فليعتمد على ترجمة معاني القرآن الكريم.

الآيات في هذا المجال كثيرة وتزيد على ستة آلاف آية. على سبيل المثال يذكر القرآن الجزاء الأخروي باعتباره من بشائر الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويذكر في مواضع عديدة بشرى انتصار المؤمنين على أعدائهم وغلبتهم عليهم كقوله سبحانه: (وَلَا تَهِنُوا وَ لَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِینَ)[1]، وقوله تعالى: (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِی)[2]، (إِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[3] حاولوا أن تبحثوا عن مثل هذه البشائر في القرآن، ولا يكن همّكم إنهاء السورة أو الجزء من كتاب الله، بل اسعوا لكي تفهموا كلام ربّ العالمين بتدبر ودقة.

أولئك الذين يتقنون العربية عليهم أن يزيدوا من استحكام ارتباطهم بالقرآن، والذين لا يعرفون العربية، عليهم أن يسعوا لتعلمها، وفي الوقت نفسه أن يرجعوا إلى ترجمات معاني القرآن وبعضها جيد، وأن يتدبروا فيما عرضه القرآن من بشائر لسعادة المؤمنين. فالقرآن الكريم مصدر عزتنا وسعادتنا، وهو النبع الفيّاض الذي لا ينضب أبدًا. وحين أركز على القرآن الكريم فلا أعني إهمال النصوص الدينية الأخرى كالمأثور الصحيح مما روي عن رسول الله(ص) وأئمة أهل البيت، بل لابد من الرجوع إليها وإلى مصادرنا الدينية أمثال نهج البلاغة.

من البشائر التي نقف عندها في هذه الجلسة: الاطمئنان والسكون والأمن. الاطمئنان يعني طمأنينة القلب والروح. ولا يعني هذا عدم تحرك القلب والروح، بل يعني الاطمئنان والسكينة أمام الاضطرابات والمهيجات، ودواعي القلق.

خذوا على سبيل المثال طالبين يريدان أن يدخلا قاعة الامتحان، أحدهما حضّر دروسه بشكل كامل، وأعدّ نفسه للامتحان إعدادًا تامًا، ودخل القاعة وهو واثق أنه قادر على الإجابة عن أي سؤال يطرح عليه، وآخر لم يطالع أو طالع بما ليس فيه كفاية، ودخل القاعة وهو ليس واثقًا من الإجابة، ويخشى أن تخونه ذاكرته. هل هذان الطالبان على مستوى واحد من الاطمئنان والسكينة؟! الأول يرد القاعة بسكينة واطمئنان وثبات جنان أما الثاني ففي حالة تلاطم مستمر، مثل زورق في بحر موّاج، يتحرك يمنة ويسرة، ومثل هاتين الحالتين يمكن مشاهدتهما في الساحة القضائية أمام المحكمة وفي ساحة النضال الاجتماعي.

في الساحة الحربية يمكن مشاهدة هاتين الحالتين، حالة المقاتل المؤمن بقيادته وبقوة المقاتلين معه، والواثق من وصول المساندة من القوى المتواجدة خلف الجبهة.. ويمكن أيضًا مشاهدة من لم يثق بما لدى فريقه من عدة وعتاد ويرى نفسه صغيرًا، ويرى العدو ضخمًا مدججًا بالسلاح.. هل يدخل هذا الشخصان ميدان الحرب بصورة واحدة؟!!

أردت من هذه الأمثلة أن أبين لكم معنى الاطمئنان ومعنى سكينة القلب والنفس. إنه لا يعني الخلود إلى الراحة والبطر. ذاك الجندي الواثق من نفسه ومن جهوزية مجموعته لا يترك الساحة ولا يخلد إلى النوم، ولا ينشغل باللهو وينصرف عن اليقظة والحذر، لا، ليس الأمر كذلك، بل إنه يدخل ساحة الحرب بثقة واطمئنان، لا يساوره قلق ولا اضطراب بشأن مستقبل المواجهة. مثل سفينة مملوءة بحمولة ثقيلة تشقّ عباب أمواج البحر بسكينة ودونما اهتزاز أو اضطراب. أما غير الواثق فمثل زورق بين أمواج متلاطمة، يضطرب ولا يقرّ له قرار.

أضرب لكم مثالًا آخر لتقريب معنى الطمأنينة إلى أذهانكم. هذا رجل يسلك طريقًا في اتجاه مقصد معين. عشرات الهواجس قد تصدّه عن الاتجاه نحو ذلك الهدف. منها «الخوف»، الخوف الذي يصده عن مواصلة الطريق. كأن يخاف من نفاد الطعام والشراب في الطريق، وأن يخاف من قطّاع الطرق، ومن الذئاب المفترسة في الطريق، ومن التعب والسهر، ومن عدم بلوغ المقصد. كل هذه المخاوف معوقات في الطريق.

ومنها «الطمع» الطمع في حياة مريحة، الطمع في أن يبقى بمضجعه الدافئ، وبين أسرته ومع زوجه. فهو ليس على استعداد أن يترك كل هذه التي يلتصق بها الإنسان الصغير، وتتمسك بها النفوس الضعيفة. وقد يكون إلى جانب الطمع «التطميع»: لا تذهب إلى هذا الطريق، ولا تحمل هذا الهدف، ومقابل ذلك نهب لك الأموال والمناصب والامتيازات.

ولو ذهبنا إلى تفاصيل الخوف والطمع لبرزت فيها عشرات المعوقات كحب العافية، والانتهازية، والمصلحيّة.

هذه العقبات تقف أمام الشخص قبل أن يسلك الطريق، غير أنه لو سلكه فإن هذه المعوقات تتابعه ولا تتركه، مثل أشواك تتعلق بثيابه وتنغرس في قدمه، مثل قيود تحاول تكبيل حركته. الهدف يدفع إلى الأمام والمعوقات تجرّه إلى الخلف، تمامًا مثل ذلك الزورق المضطرب وسط الأمواج.

وهناك رجل آخر يحمل دافعًا للوصول إلى الهدف تصغر أمامه كل تلك المعوقات، الهدف يجذبه بقوة تفوق جذب المخاوف والأطماع.. تفوق جذب الأهل والولد والمال والمتاع والمنصب وحب السلامة وطلب العافية. مثل هذا الإنسان هو «المطمئن»: (یَا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ # ارْجِعِی إِلَى رَبِّكِ رَاضِیَةً مَّرْضِیَّةً)[4] هذا المطمئن هو الذي يستطيع أن يقطع الطريق بخطى ثابتة وعزيمة وثّابة نحو الهدف المنشود.

حينما يكون الإيمان بالله في نفس الإنسان قوة جاذبة، فإنها تدفعه نحو الهدف دفعًا تصغر معه كل عوامل الجذب الأخرى، ولنا في ذلك من صدر الإسلام أمثلة كثيرة، وتستطيعون أن تجدوا أمثلة أخرى لذلك.

وأعود وأقول الطمأنينة هي ثبات روح الإنسان وثبات قلبه، هي أن لا تتنازعه الأهواء يمنة ويسرة، فهو على أثر ثقل الإيمان في نفسه يسير بوقار واطمئنان، ولكنه يمضي بكل سرعة وبخطى ثابتة نحو الهدف المنشود.

والمفردة الأخرى هي السكينة: (ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِینَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِینَ)[5] وفي القرآن تتكرر كلمة السكينة لتنزل على المؤمنين في اللحظات الحساسة، مثل ما مرّ على المسلمين في غزوة حنين.

في هذه الغزوة أصاب جيش النبي(ص) الغرور، والغرور خطر يؤدي إلى الغفلة عن العدوّ وعن الأخطار المحدقة. وفي نهج البلاغة يقول الإمام أمير المؤمنين علي(ع): «والله لا أكون كالضَّبُعِ تنام على طول اللَّدمِ»[6] والضبع تنام إذا تكرر عليها اللدم، واللدم نوع من التنويمة يكررها من يريد أن يلقي القبض على الضبع. فالإمام لا يغفل بهذه التنويمات التي تواجهه في ساحة الكفاح.

أعود إلى ما أصاب جيش الرسول من غرور: (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ)[7] وهذا الغرور هو الذي أدّى بكم أن تغفلوا عن عدوكم: (فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَیْئًا)، وبذلك منيتم بهزيمة وولّيتم مدبرين، ولكن سرعان ما تحولت هذه الهزيمة إلى انتصار بعد أن أنزل سبحانه السكينة على المسلمين: (ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِینَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ).

وتتكرر مفردة السكينة حينما بايع المسلمون رسول الله تحت الشجرة في بيعة الرضوان: (لَقَدْ رَضِیَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِینَةَ عَلَیْهِمْ وَ أَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِیبًا)[8] وحين خرج رسول الله(ص) من مكة متوجهًا إلى المدينة لإقامة المجتمع الإسلامي، وتبعه المشركون ليقتلوه، فلجأ إلى الغار، وكان العدوّ منه على مدخل الغار (فَأَنزَلَ اللهُ سَكِینَتَهُ عَلَیْهِ)[9] في تلك اللحظة الحساسة، والسكينة أيضًا لا تعني السكون وعدم الحركة، بل تثبيت القلب لمواصلة الطريق.

والمفردة الأخرى الأمن: (الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَمْ یَلْبِسُوا إِیمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ) واضح أن الأمن هنا الأمن الروحي لا الأمن الاجتماعي. الأمن الاجتماعي يعني أن يكون جميع أفراد المجتمع في حالة اطمئنان من نيل حقوقهم. والسكون.. السكوت الإجباري ليس بالأمن الاجتماعي. الأمن هنا يعني الأمن الروحي، يعني أن لا يساور الإنسان تزلزل وقلق وخوف واضطراب.

ولنبدأ باستعراض ما ابتدأناه من آيات[10]: (الَّذِینَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وذكر الله هو تلك الجاذبة القوية التي تدفع نحو الهدف، وتصغر أمامها كل الجواذب الأخرى.

ذكر الله له مكانته الكبرى في صياغة الإنسان المسلم ولذلك كان التأكيد على الصلاة بأنها أهم أركان الدين، إن قُبلت قُبل ما سواها، وإن رُدّت رُدّ ما سواها. ذلك لأن الصلاة مفعمة بذكر الله، والقرآن يقول عنها: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنكَرِ وَ لَذِكْرُ اللهِ أَكْبَر)[11]، الحج يكفي في العمر مرة واحدة، والصوم شهر واحد في السنة، أما الصلاة فخمس مرات في اليوم، وإذا زدت فأفضل. أعظم ميزة في الصلاة هي ذكر الله. وذكر الله يبعث على تحرير القلب من الاضطراب والنفس من الاهتزاز والروح من الوسواس.

(أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) واطمئنان القلوب له أهميته البالغة في نجاح الإنسان. والمؤمن يتمتع بهذا الامتياز.

(الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ) هؤلاء الذين آمنوا والتزموا بما يتطلبه الإيمان من عمل صالح، ما أسعدهم في الحياة الدنيا! وما أحسنَ آخرتهم! دنياهم على أحسن حال وهكذا آخرتهم. المجتمع المؤمن الملتزم بما يُلزمه إيمانه حياته في الدنيا طيبة وآخرته نعيم مقيم.

ويتحدث القرآن عن محاجّة بين إبراهيم(ع) وقومه:[12]

(وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ) لقد جادلوه، ولم يذكر القرآن ما قاله القوم، لكننا نستطيع أن نستنتج ذلك من جواب إبراهيم (عليه السلام). (قَالَ أَتُحَاجُّونِّی فِی اللهِ وَ قَدْ هَدَانِ) أتجادلونني في الله بينما الله هداني، فالطريق أمامي واضح لا لُبس فيه ولا تردد. (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن یَشَاءَ رَبِّی شَیْئًا). فلا أخاف ممّن جعلتموه شريكًا لله، إلاّ أن يشاء الله شيئًا، أي إني أخاف الله وحده دون سواه، أخاف مما قد يضعه الله من حوادث على طريقي. من هذا الجواب يتضح أن القوم أخافوه من نقمة شركائهم، من سخط هؤلاء الشركاء ونقمتهم.

(وَسِعَ رَبِّی كُلَّ شَیْءٍ عِلْمًا) فالله سبحانه أحاط علمه بكل شيء.

(أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) ألا تعودون إلى أنفسكم؟! ألا تصحون؟! (وَكَیْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَ لَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ یُنَزِّلْ بِهِ عَلَیْكُمْ سُلْطَانًا)

من كلام إبراهيم(ع) يتضح قول القوم أكثر. يقول لهم، كيف أخاف ممن أشركتم بالله من دون دليل عقلي؟! أنتم الذين يجب أن تخافوا إذ جعلتم لله شركاء. وليس واضحًا مَنْ هم هؤلاء الشركاء الذين يتحدث عنهم قوم إبراهيم، أهم من البشر أم من الحيوان أم من الحجر؟ أم من أمثال فرعون وقارون؟ وكل عبدة هؤلاء الشركاء حطب جهنم، لا فرق بينهم.

(فَأَیُّ الْفَرِیقَیْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) نحن أم أنتم مَنْ يستحق أن يعيش بأمن واطمئنان؟! نحن المؤمنون الذين هدانا الله، واطمأنت قلوبنا بذكر الله أحقّ أن نعيش بأمن واطمئنان، أم أنتم يا مَنْ أشركتم بالله دونما دليل وبرهان؟! والجواب واضح. واضح مَنْ هو الآمن المطمئن، ومَنْ هو القَلِق الخائف المضطرب.

هذا الأمن ــ كما ذكرنا ــ من ثمار الإيمان، وحين يعرف المؤمن ثمرة أعماله فإنه يسير بعزيمة أكبر، يرى أن أية خطوة من خطواته سوف لا تذهب هباء، لذلك يواصل المسير دون شعور بالتعب ودون أن يساوره ملل. وهذا ما يؤكد عليه القرآن في مواضع عديدة: (فَإِنَّ اللهَ لَا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ)[13]( إِنَّا لَا نُضِیعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)[14].

الآية الأخيرة في جلستنا هذه تدور حول القبلة. بداية أذكر لكم موجزًا حول موضوع تحويل القبلة. قبل الهجرة كان اتجاه الصلاة إلى المسجد الحرام، وبعد الهجرة اتجه المسلمون بأمر الله سبحانه صوب المسجد الأقصى، وهو قبلة اليهود نفسها. وبعد مضيّ مدة نزل الوحي بوجوب التوجّه نحو المسجد الحرام:(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)[15]. في سورة البقرة عدة آيات حول القبلة.

إحدى تلك الآيات تخاطب النبي(ص) والمؤمنين مبينة سبب تغيير القبلة بعد الهجرة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وتقول: إن السبب هو اختباركم في اتباع أوامر الله ورسوله. إذ إن العرب كانوا يقدسون الكعبة قبل الإسلام، وهي قدسية ورثوها عن آبائهم وأجدادهم. والآن وبعد ورودهم المدينة يأتي الأمر بالاتجاه نحو المسجد الأقصى. إذن نحن حوّلنا الكعبة التي ألفتم تقديسها إلى المسجد الأقصى لنرى مدى قدرتكم على الإعراض عن سنّة الآباء والأجداد في سبيل الله. ثم تؤكد الآية أن صلاتكم إلى بيت المقدس كانت صحيحة وموضع تأييد الله وأجره، لا تظنوا أن صلاتكم إلى بيت المقدس كانت باطلة فالله لا يضيع أجر المؤمنين. (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِی كُنتَ عَلَیْهَا)[16] أي المسجد الأقصى، وسياق الآية يدل على أنها نزلت بعد تحويل الكعبة من المسجد الأقصى إلى الكعبة، (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن یَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَیْهِ) أي لنعلم من يتبع الرسول ممن يتمسّك بتقاليد الجاهلية. إنها عملية فصل بين الذائبين في الإسلام وأولئك الذين يعيشون رواسب العصر الجاهلي.

(وَإِن كَانَتْ لَكَبِیرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِینَ هَدَى اللهُ) فليس من السهولة أن ينسلخ الفرد من رواسبه الجاهلية إلاّ مَنْ شملته الهداية الإلهية. فالمهتدون بهداية الله ليس عليهم الأمر بصعب، إذ هم يستوعبون هذا التغيير.

(وَمَا كَانَ اللهُ لِیُضِیعَ إِیمَانَكُمْ) وهذه الآية هي موضع استشهادنا، فالله سبحانه لا يضيع إيمانكم، لا يضيع عملكم، كل خطوة تقطعونها على طريق الهدف، فإنكم تتجهون إلى الكمال، وهو ما يريده الله لكم. (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِیمٌ) هذه الآية الكريمة وعدد من آيات القرآن الأخرى تبشّر المؤمنين أن عملكم سيكون مثمرًا حتمًا، ولا يضيع منه شيئًا. غدًا سنبدأ البحث بإذن الله عن التوحيد.

 

والحمد لله رب العالمين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ـ آل عمران/ 139

[2] ـ المجادلة/ 21

[3] ـ الصافات/ 173

[4] ـ الفجر/ 27 - 28

[5] ـ التوبة/ 26

[6] ـ نهج البلاغة، الخطبة رقم 6

[7] ـ التوبة/ 25

[8] ـ الفتح/ 18

[9] ـ التوبة/ 40

[10] ـ الرعد/ 28 - 29

[11] ـ العنکبوت/ 45

[12] ـ الأنعام/ 80 - 82

[13] ـ هود/ 115

[14] ـ الكهف/ 30

[15] ـ البقرة/ 144

[16] ـ البقرة/ 143