«فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» يحضر في يوم القيامة جميع النّاس في ساحة الحشر ويُحاسبون من قبل الله عزّوجل، عدا العباد المخلصين لأنّ كلّ ذرّة من أعمالهم كانت لله جلّ وعلا. «وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» عباد الله المخلصين لا تتناسب أعمالهم مع الثواب. فثواب عملهم مهما كان لا يحدّه أيّ حدّ. «سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» أوصاف الله ناقصة وغير بليغة عندما تجري على لسان البشر؛ لكنّ العباد المخلصين يشكّلون استثناء. فهم قادرون على وصف الله عزّوجل كما هو حقّه.     

 

مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته.

 

​« وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿۳۹﴾ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿٤۰﴾ »

 

« فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴿۱۲۷﴾ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿۱۲۸﴾ »

 

« سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿۱۵۹﴾ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿۱٦۰﴾ »

 

سورة الصافات المباركة؛ الآيات ۳۹، ٤۰، ۱۲۷، ۱۲۸ ،۱۵۹، ۱٦۰

 

حقيقة الإخلاص

ورد عن النبيّ الأكرم (صلوات الله وسلامه عليه): ”إنّ لكلّ حقّ حقيقة.“ كلّ شيء ينطوي على روح ومعنى وحقيقة. ”وما بلغ عبد حقيقة الإخلاص.“، ”حتّى لا يُحب أن يُحمد على شيء من عمل لله.“ (١) وهذا أمرٌ فائق الصّعوبة؛ ودرجته من الدرجات الرّفيعة جدّاً؛ أن لا يرغب في إطراء الناس على عمل فعله لأجل الله عزّوجل. قد يكون هناك شخص الذي لا يفعل أيّ شيء لأجل الآخرين: فهو يصلّي، ويختم القرآن، ويقوم بالأعمال الخيّرة، ويحسن ويساعد ويدفع الصدقات ويجاهد من أجل الله عزّوجل.  لكنّه يرغب يقول الناس: ”كم هو رجلٌ صالح.“  لقد فعل ما فعل لأجل الله وانتهى الأمر؛ لكنّه يُسرّ لمدح الناس وإطراءهم على عمله.

يقول الله أن هذه ليست درجة الإخلاص الرفيعة. بل إنّ درجة الإخلاص الرفيعة هي أن لا يرغب في ذلك أيضاً. فلا يكترث أبداً لما يقوله النّاس! ويبحث عن ما يطلبه منه الله عزّوجل ويطبّق أوامره بحذافيرها.

وأنا قد لاحظت وجود هذه الصّفة وهذه الروحيّة لدى الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) في موارد عديدة. لم يكن يكترث لمن سيُعجب ويُسرّ ومن سينزعج، بل كان يؤدّي تكليفه.

 

ثلاث ميّزات عظيمة لعباد الله المخلصين

عندما ننتهج الإخلاص، سوف نكون في عداد عباد الله المخلصين في النيّة والعمل. لكن هنا درجة تتعدّى درجة العبد المخلِص، وهي درجة عباد الله المخلَصين. يميّز السيد بحر العلوم (رضوان الله تعالى عليه) في رسالته حول السير والسلوك بين المخلِص والمخلَص. فيقول أنّ المخلِص هو الذي يقوم بعملٍ لأجل الله فقط ولا يكترث للآخرين. لكنّ المخلَص هو ذاك الذي يسخّر خالص وجوده لله بكلّ إخلاص. يجعل كلّ كيانه لله عزّ وجل حصراً. وهذه درجة رفيعة جدّاً لا يمكن الوصول إليها بسهولة. لكن برأيي [أنا العبد]، في زمننا هذا، يستطيع الشّباب والذين يشاركون في ساحات العمل والكفاح والجهاد على وجه الخصوص بلوغ هذه الدرجة والمرتبة أيضاً.

طبعاً، هذه الرسالة التي ذكرتها منسوبة للمرحوم السيد بحر العلوم وليس مؤكّداً أن تكون له. ثمّ يقول: لقد وعد الله عزّ وجل هؤلاء المخلَصين بوعود ثلاثة؛ ثلاث ميّزات عظيمة.

 

الف) الإعفاء من الحساب في يوم القيامة

يقول أنّ واحدة من هذه الميزات الثلاث هي: ”فإنّهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين.“ (٢) أي أنّ جميع الناس سوف يحضرون في ساحة الحشر يوم القيامة ويُحاسبون من قبل الله عزّوجل، سوى العباد المخلَصين. لأنّ كلّ ذرّة من أعمالهم وسكناتهم كانت لله عزّوجل، لذلك فإنّهم إذاً معفيّون عندما يحضر الجميع في ساحة الحشر ويتعرّضون للمسائلة.

 

ب) الثواب اللامحدود

الميزة الثانية هي: ”وما تُجزون إلا ما كنتم تعملون إلا عباد الله المخلصين.“ (٣) جميع النّاس يلقون ثواباً يتناسب مع أعمالهم التي قاموا بها، إلا عباد الله المخلصين؛ لا تتناسب أعمالهم مع الثواب. فثواب عملهم مهما كان لا يحدّه أيّ حدّ. لأنّهم جعلوا كلّ وجودهم مسخّراً لله عزّ وجل ووهبوه كيانهم بإخلاص. شاهدت رواية -ولا أعلم طبعاً مدى صحّة سندها- كان مضمونها أنّ الله جلّ وعلا يقول: ”لو أعطيت العالم كلّه للعبد المخلِص أو المخلَص، فلن أكون قد وفيته حقّه.“ (٤) لذلك، جزاؤه لا يتناسب مع العمل الذي يقوم به.

 

ج) أداء حقّ الله في الوصف

 الميزة الثالثة التي تتخطّى كل الميزات السابقة، هي ”سبحان الله عمّا يصفون إلّا عباد الله المخلصين.“ (٥)

أي أنّهم [عباد الله المخلَصين] يستطيعون أداء حقّ الوصف الإلهيّ. لكنّ سائر العباد، أقلّ وأصغر من هذا الحدّ؛ ومهما قالوا في بارئ الأرض والسماوات ”ما عرفناك حقّ معرفتك“. (٦) أوصاف الله ناقصة وغير بليغة عندما تجري على لسان البشر؛ لكنّ العباد المخلصين يشكّلون استثناء. فهم قادرون على وصف الله عزّ وجل كما هو حقّه.

لذلك فإنّ الإنسان عندما يأنس بالأدعية التي وردت عن الأئمّة (عليهم السلام) ويوجد علاقة بها، يصبح هناك أمل أن يكون قد بات قادراً على مناجاة الله جلّ وعلا بشكل صحيح كما هو لائق بالله عزّ وجل. وشهر برمضان هو شهر الدعاء بالمناسبة. لا تنسوا الأدعية. الأدعية الواردة في شهر رمضان هي واحدة من النّعم والفرص التي ينبغي أن تغتنموها. دعاء أبي حمزة هذا، ودعاء الافتتاح هذا، ودعاء الجوشن وسائر الأدعية الواردة في هذه الأيام والليالي والأسحاء وسائر الأوقات والساعات والخاصة بشهر رمضان، هي فعلاً من النعم الإلهيّة العظيمة. اغتنموا الفرص.(٧)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١)    روضة الواعظين وبصيرة المتعظين، محمد بن الحسن الفتال النيشابوري، ج٢، ص ٤١٤.

٢)    سورة الصافّات، الآيتين ١٢٧ و١٢٨

٣)    سورة الصافّات، الآيتين ٣٩ و٤٠

٤)    عدّة الداعي ونجاح الساعي، ابن فهد الحلّي، ص٢٣٤.

٥)    سورة الصافّات، الآيتين ١٥٩ و١٦٠

٦)    عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي، ج٤، ص١٣٢.

٧)    كلمته في أولى أيام شهر رمضان المبارك ٢٣/٢/١٩٩٣