أعوذ بالله من الشيطان الرجيم[1]‏

 

بسم الله الرحمن الرحيم‏

 

الاصول الثلاثة

لقد اقترحنا ثلاثة أصول[2]، ونريد الآن أن نرى أولئك الذين يحتمل معارضتهم لهذه الأصول، وأي أصل منها يعارضون؟

الأصل الأول هو أن الشعب الإيراني لا يريد الاسرة البهلوية، والمظاهرات التي يقوم بها الشعب هي بمثابة استفتاء عام على هذا الأمر حيث شاركت فيه جميع أنحاء إيران فقد تعالت هتافات الشعب بأننا نرفض الاسرة البهلوية.

وإذا قال أحد أمام الشعب نريد حكم الأسرة البهلوية، فهو في الواقع إما أنه يقول إن أعمال الشاه جيدة في إعطائه نفطنا لأميركا، وفي جعل ثقافتنا متخلفة، وفي قتله لهذا العدد من شبابنا وممارسته للاعتقالات والاضطهاد والقمع والكبت، وهذه كلها أعمال جيدة، فإن قال أحد بذلك فيجب أن يعلنه ليعلن بأنه يرى في كل هذه الاعمال امراً جيداً. ولا أظن وجود أحد في جميع أنحاء إيران يعلن مثل هذا!

وإما أن يقول إن (جلالته) لم يكن مطلعاً على هذه الجرائم وإن اشخاصاً آخرين قاموا بهذه الأعمال!. أي ان كل ما شهدته البلاد من ظلم وجرائم وخيانات انما كان دون اطلاع الشاه. الجميع كان مطلع عليها غير الشاه!!

وهذا لا يقبل ايضاً، لأنه يصرح دائماً أن الأعمال جميعها تنفذ بأمري، والآخرون يقولون ذلك ايضاً، أي إن ما ينفذ من الأعمال هو بأمر الشاه.

ففي حادثة المدرسة الفيضية حيث هجموا على المدرسة وقاموا بما قاموا به. في حينه كنا نرى أن من كان يراجع في هذه القضية كان يقال له هذا هو أمر الشاه. ويومها كنا قد اصدرنا بياناً[3] ذكرنا فيه ذلك، وكيف أن قولهم قد اتفق بأن الشاه هو الذي طلب منهم مهاجمة المدرسة الفيضية وفعل ما فعلوا، وقد كانوا صادقين فيما يقولون. ففي النظام الذي يرأسه لا يمكن أن يصدر رئيس الشرطة أو مشير أمراً بقتل شخص أو الهجوم على مكان أو ان يصدر أمراً بارتكاب مجزرة في ناحية، كلّ ذلك يجب أن يكون بأمر الشاه أو بإجازته!

هل نقول إنه لم يكن أي اطلاع للشاه على ما دوّن المجلس النيابي من المعاهدات ووافق عليها؟! هل كان فاقداً للوعي بما حوله طوال مدة حكمه؟ إذا لم يكن كذلك، وكان واعياً وملكاً ويعلم الجميع بأن كافة مجاري الأمور بيده وهو يمارس جميع أشكال الاستبداد، فكيف يمكن لأحد أن يقول- وهذا ما قاله فعلًا بعض أنصار الشاه وأميركا- إن الشاه لم يكن يعلم بوقوع هذه القضايا.

وإن هذا الشاه الذي جاء إلى قم وخطب في ذلك الجمع الغفير وذكر العلماء والطبقات الأخرى من الشعب بسوء، كيف يقع جرمه على رقاب الآخرين! فهل لم يكن له أي اطلاع على ذلك؟! وهل أن الذي يقول في الإذاعة إن العلماء رجعيون، ويأمر الناس بالابتعاد عنهم كابتعادهم عن الحيوان النجس لم يكن مطلعاً؟!

وبالنسبة لقضية ما أسموها (الاصلاحات الزراعية) والضجة التي أثاروها حولها إذ وصفها الشاه نفسه انها (ثورة الشاه والشعب) و (الثورة البيضاء) هذا ما يقوله هو بنفسه، فهل يمكن القول انه كان جاهلًا بالأمر وانهم كتبوا له ورقة وقرأها دون ان يكون له من الفهم ما يدرك به أن معنى (ثورة الشاه والشعب) هو أن للشاه دوراً فيها؟! أو إنه كان يقرأ هذه العبارة ولا يعي معناها!! بحسب منطق هذا السيد الذي يقول أن الشاه ليس لديه علم, وأنه ليس مطلع على كل شيء.

 

 

ولنفرض الآن ان أحداً زعم ذلك، فهل يمكننا ان نصدق ان الشاه كان جاهلًا بتلك الممارسات، وهو الذي يقر بنفسه أن جميع الامور ينبغي أن تجري تحت إشرافه وهو الذي كان يقوم بها ولا يقيم وزناً للآخرين، بل والى وقت قريب لم يكن للآخرين تأثير أصلًا، لا وزير ولا نائب ولا غيرهما، فالقرار هو ما يقوله الشاه ولا إعتبار لغيره.

لا يمكننا القول إن جميع هذه الأعمال، اعمال منحرفة سيئة غير أن الشاه لم يكن يعلم بها، وانما إرتكبها الآخرون من تلقاء أنفسهم والصقوها بالشاه، ولذلك فقد قاموا الآن باعتقال‏

مجموعة من رفاقه- وشركاؤه في الجريمة-، ولا ادري إن كانوا إعتقلوهم حقيقة أم انهم يريدون خداع الشعب فقط وأن تحالفهم مستمراً وقد أخفوهم عن أنظار الشعب. ولكن لنفرض أنه تنكر لرفاقه وإعتقل شركاءه- وطبعاً الشاه يسعى الى الايحاء للناس بأنه عرف للتوّ بخياناتهم ولذلك اقدم على اعتقالهم-، ولكن كيف يمكن التصديق بأن الشاه كان يجهل افعال الشخص الذي بقى وزيراً اثني او ثلاثة عشر عاماً[4]، فلم يعلم بها إلا اليوم حيث وقف الشعب في مواجهته. لم يكن يعلم بأن وزيره إرتكب اعمالًا سيئة أثارت سخط الناس، فاعتقله ليعرف الشعب بأن (صاحب الجلالة) لا يريد إلا الاصلاح، مثلما فعل بشأن (الاصلاحات الزراعية) و (الثورة البيضاء)، واليوم يريد القيام بثورة إدارية وإصلاح الأوضاع، لذا اقدم على اعتقال وزراء العهود السابقة لاصلاح الأمور، فلماذا يعترض الشعب!!

ولكن من يصدق أن تلك الاعمال كانت تجري دون علمه؟!

فرضية قبول توبة الشاه‏

ويمكن ان يقول شخص اننا نقبل أن جميع هذه الاعمال كانت غير مشروعة وان الشاه هو الذي قام بها، ولكنه يعلن الآن بأنه تاب والتوبة مقبولة عند الخلق والخالق وينبغي قبولها من أي شخص مهما كان ذنبه، وقد ظهر الشاه وأعلن توبته!

وثمة طريق لحل المشكلة بأن يقول قائل: ليبق الشاه في السلطنة دون ان يتدخل في شؤون الحكومة وها هو يعلن عن توبته، فليتم إغلاق ملف ما جرى وينتهي الامر.

ولكن حتى لو فرضنا صدقه في توبته فأن قبول الله للتوبة منوط بارجاع حقوق الناس. فلو قتل إنسان آخر ثم قال: (إني تبتُ الآن) فعليه ان يجبر فعلته ويرضي الغريم وعندها يقبل الله توبته وإلا فهي غير مقبولة.

فهل يفتح الله تعالى حساباً خاصاً للشاه لانه الشخص الاول في الدولة فيقبل توبته دون جبران ما فعل فلا يحاسبه على الجرائم التي إرتكبها خلال أكثر من عشرين سنة ونهبه لأموال الناس وإهلاكه نفوسهم وأمره بالدمار وإرتكابه الخيانات والجنايات، فيتوب الله عليه لمجرد أنه ملك!

واصحاب هذا القول يرون بأن الشاه يتمايز عن غيره في الحساب الالهي، وتوبته مقبولة لأنه ملك، أما الذين فقدوا شبابهم من أبناء الشعب فليطردوا، فمن يكونوا مقابل الشاه الذي لا ينبغي التحدث معه بهذا الشأن.!!

هل يمكن القبول أن توبته (الشاه) مقبولة دون تحقق شروطها؟

إذا سرق أحد العامة شيئاً من أموال الآخرين ثم قال: إني تائب، لقلنا، يجب عليه اعادة أموال الناس كي تقبل توبته وإلا فهي مثل توبة الذئب.

وبالنسبة للشاه إذا كان صادقاً في توبته، فليبدأ أولًا بفتح حساباته في المصارف الأجنبية ويعيد أموال الشعب، ثم نصل الى موضوع القتلى فيما بعد. فقد أتلف كل هذه الأموال من ثروات الشعب ووهب الثروة النفطية للأجانب مقابل ما لا ينفع الشعب بل يضره. حسناً، فليأتِ وليجبر هذا أولًا وليعلن بعد ذلك توبته.

يقولون: انه اوصى بان يشمل التحقيق افراد عائلته أيضاً والمرتبطين به، لمعرفة إن كانوا قد إرتكبوا مخالفات، فاذا ثبت إرتكابهم لها فيجب أن يقدموا للمحاكمة! فهو لا زال شاكاً في إرتكاب عائلته لذلك. أي يتضح ان هذه القضية أيضاً من الأمور الخفية عليه والجاهل بها!! وهو الآن يريد التحقيق بشأنها.

لكنه هو نفسه يعلن توبته أمام الشعب ويعترف: لقد إرتكبت أخطاء، واتعهد الان وألتزم بالا اقوم بذلك فيما بعد! وهذا القول يردده حالياً باستمرار. بيد ان القضية قضية قانونية وليست قضية بينك وبين الله. فمن الممكن ان يغفر الله ما كان بينك وبينه، فنحن لسنا نوابا مفوضين من الله تبارك وتعالى.

ولكن الله (عز وجل) لا يقبل توبتك إلا بعد حل قضايا حقوق الناس التي في ذمتك. ففي عنقك اليوم حق شعب كامل لأنك أتلفت هذه الأموال التي هي أموال الشعب، وحبست شبابنا في سجونك عشرة أعوام وعاملتهم وأمرت أن يعاملوهم بتلك الممارسات الوحشية. فعليك أن تجبر كل ذلك ثم تقول: أستغفر الله. لكنك قبل ان تجبر الأمر تقول: إني تبت الآن! فهل يمكننا ان نصدقك؟! ألم يعرفك الشعب؟! ألم تطلق مثل كل هذه التعهدات في بداية حكمك- وإن كان التعهد يجب ان يكون قانونياً أولًا- ثم نقضتها وإرتكبت كل هذه الاخطاء حسب زعمك. ألن ترتكب أمثالها مستقبلًا؟! ألست تطلق مثل هذه الأقوال استغفالًا للشعب كي تواصل افعالك السابقة التي تزعم أنها كانت مجرد أخطاء وليست عن عمد.

على الشاه ان يرحل‏

إذن فالذي يؤيد الشاه ويعلن رفضه لأصلنا الأول وهو اسقاط الشاه وهذه الاسرة، عليه أن يقبل احد الامرين: إما أن كل اعماله صحيحة وانتم لم تنتبهوا الى ذلك، أي غير منتبهين لصحتها، فالقمع عمل جيد والشاه قام بأعمال جيدة لأنها كلها قمع. أو أن يقول: إن الشاه لم يرتكبها، فأما أنه كان جاهلًا بها او أنه تاب عنها، كل هذه الأقوال واهية وعندما تغلق جميع هذه الأبواب، فلابد للشاه أن يرحل.

رفض مشروع مجلس الوصايا

ثمة خيار آخر يقول: حسناً ليرحل الشاه ويأتي إبنه وزوجته ليديرا شؤون البلاد بمساعدة مجلس الوصاية. ولكن هذا الخيار لا يمكن ان يقبله الشعب الايراني الذي عانى كل هذه المصائب من الشاه وأبيه وشاهد عن كثب كل هذه الخيانات التي ارتكبوها، فلا يمكن- بعد كل ما شاهده وقاساه- أن يتجاهل إحتمال ان يكون هذا الأبن مثل أبيه مثلما كان هذا الأب نسخة لابيه.

إن من اخطاء شعبنا هو انه سمح لهذا الابن بان يتربع على العرش بعد ذلك الاب، وكان من اليسير جداً آنذاك ان يعلنوا للحلفاء رفضهم تنصيب هذا ويثبتوا على موقفهم وكان من السهل للغاية حينئذ ان يمنعوا وصوله للسلطة.

وهذا الابن هو مثل أبيه الشاه محمد رضا وقد سمعت انه قال: ان أبي قد أبقى على هؤلاء السجناء دون مسوغ، لان هذا يتطلب مصاريف غير ضرورية، فليقتلهم كي يتخلص من هذه المصاريف!!

هذا ما نقلوه، وهو يكشف للشعب مسألة مهمة، وعلى الانسان ان يلتزم عرى الاحتياط في القضايا المهمة ولو كان الدافع مجرد إحتمال. فلو إحتملتم- إحتمالًا معقولًا- وجود حيوان وحشي خارج هذه الغرفة سيقتلكم إذا خرجتم فلن تخرجوا منها حينئذ، فمجرد وجود هذا الاحتمال- لدينا أو لديكم- يجعلكم تلتزمون الاحتياط فلا تخرجون. ونحن نظن ان هذه الاسرة حيوانات ضارية تريد تدمير الشعب- وهذا ما فعلته طوال الفترة السابقة وستواصل ذلك مستقبلًا، فهي أداة بأيدي الاجانب والقضية ليست في حدود دائرة الاحتمال الذي نتحدث عنه، فهو اداة- مثلما كان أبيه- بيد الاجانب الذين يريدون الآن استبداله بأداة أخرى، فكيف يمكن للشعب ان يرضى ببقاء هذه الاسرة اسياداً له، بعد كل الخيانات التي إرتكبتها؟!

إذن لا أظن ان هناك من يستطيع ان ينكر اصلنا الأول وهو وجوب اسقاط هذه الاسرة.

الاصل الثاني، انهاء الحكم الملكي‏

اما بالنسبة للأصل الثاني وهو ان اساس النظام الملكي لا معنى له، النظام الملكي نظام قديم ورجعي، وقد كان في وقته لا معنى له. فتارة نقول رجعي وهذا يعني انه كان صالحاً في وقته ثم أصبح قديماً بالياً، والنظام الملكي أصبح الآن قديماً حتى لو كان في السابق شيئاً ما، فهو الآن رجعي، بل هو نظام لا معنى له منذ البداية إذ يتسلط بموجبه السلطان على الناس دون ان تكون لهم حرية القيام بأي شي‏ء. وكان الشخص الأول في السلالات الملكية يفرض على الناس القوة دائماً ولم يكن لرأي الشعب- في أي وقت- دور في إنتخاب السلطان بل كان السلاطين على الدوام‏ يصلون للسلطة بالتجبر والقوة ويفرضون أنفسهم وممارساتهم الظالمة وكل ما يشتهون على الشعوب.

فمثلًا هذه الاسرة نشأت من شخص كان في البداية لصاً يرتكب كل القبائح، وهذا الوضع مدعاة للسخرية بين أنظمة العالم، وهو أن يقوم شخص بتحرك ضد نظام معين ويقتل ويرتكب كل قبيح ثم يتغلب، وبمجرد ان ينتصر يعترفون به حتى لو كان تحركه منحرفاً وكان هو مجرماً. فقد اصبح الآن (صاحب الجلالة) رغم انه كان الى الامس لصاً وقاطع طريق. وقد تحرك وسعى لاسقاط حكم السلالة القاجارية، فكانوا يطلقون عليه أوصاف المتمرد على السلطنة واللص والخائن وأمثال ذلك، ولكنه عندما استقوى وطرد القاجاريين إعترف به السيد الامريكي من جهة والسيد البريطاني من الجهة الثانية واصبح (صاحب الجلالة) الذي لا يتمرد عليه الا مجرم رغم انه كان الى الأمس مجرماً، لكنه استقوى وتسلط على الناس بالقوة وتخلص من منافسيه فاصبح هذا اللص صاحب الجلالة!. هذا هو اساس الحكومات الملكية.

ان هذا الشخص نفسه، الذي كان الى الأمس لصاً ولو كانوا قبضوا عليه لقتلوه ولأيدهم الجميع في ذلك، قد إستقوى الآن وانتصر فتدفق الجميع للاعتراف به تباعاً. وهذا ما حدث قبل يومين في أفغانستان[5]، فالذين إعترفوا تباعاً بحكامها الجدد اليوم، يكيلون الشتائم لنفس هؤلاء الحكام قبل وصولهم الى سدة الحكم.

وعلى نفس المنوال تغيرت اوصاف ذاك اللص الصعلوك واصبح يلقب بصاحب الجلالة، وكل من يعترض عليه بكلمة او على نظامه او يوجه إهانة لهما، يجب ان يساق الى السجن ليقبع فيه أعواماً!

النظام الملكي باطل ويستند على القوة

إن أساس النظام الملكي منحرف منذ البداية، فما معنى أن يصبح شخص عادي- كغيره من الاشخاص- بل إن عقول معظم الملوك كانت دون المستوى العام وغاية الأمر انهم كانوا متجبرين أشقياء ويلجؤون الى القوة بكثرة، لكن عقولهم دون مستوى الانسان العادي- الرجل الأول في الدولة ثم ملكاً دون ان يكون للشعب أي رأي في الامر؟!

لنفرض ان المجلس النيابي الذي اوجده رضا شاه بقوة الحراب- وقد رأينا ذلك جميعاً- كان مجلساً وطنياً حقاً، وان الشعب هو الذي عزل السلالة القاجارية بعدما عرف فسادها، ونصبه مكانها. ولكن ولأنه وصل للحكم بانتخاب شعبي، يستطيع ان يفعل ما يشاء؟! هل يجيز له ان لا يصغي لصرخات الشعب مهما ارتفعت قائلة: أيها السيد لقد اصبحت ملكاً بارادتنا وانتخابنا ونحن لا نريدك بعد الآن فاذهب لسبيلك. غير أنه لا يجيب عليها الا بالحراب- مثل الذي يجري الآن- .

واذا كانت الطبقة الأولى جعلت او إنتخبت رضا خان، فهل يجب علينا ان نتحمل إبنه؟! وهل نحن الذين إنتخبناه؟! هل يمكن للعقل القبول بأن تنتخب مجموعة معينة قبل خمسين عاماً شخصاً للسلطة ثم يصبح إبنه سلطاناً أيضاً دون ان ينتخبه الشعب المعاصر له، بل ويحكمه رغم معارضته له؟! أي ان يفعل ما يشاء لانه ملك، طبقاً لدستور الحركة الدستورية.

ولكن لماذا يكون ملكاً دون إنتخاب الشعب؟ وماذا يعني هذا؟ إن من الحقوق الأولية لكل فرد ومجموعة ومجتمع، حق الانتخاب بشان ما يرتبط بمقدرات بلدهم.

ولكن إبحثوا بين صفوف جميع فئآت شعبنا وكل أنحاء ايران فهل يمكنكم العثور على شخص واحد يقول: كان لي دور في انتخاب محمد رضا خان؟! لن تجدوا ولا شخصاً واحداً أبداً، بل كانت السلطنة (هبة الهية)- حسب قولهم- دون ان يتدخل الشعب في ذلك أصلًا!

أجل، ينص دستورنا المنحرف على ان السلطنة هبة الهية يمنحها الشعب لأحد الاشخاص[6]، حسناً قبلنا جدلًا أنها هبة الهية يمنحها الشعب، ولكن متى منحها لهذا؟ ومتى كان للشعب رأي في هذا المجال أصلًا؟!

لقد نفذ (رضا خان) انقلاباً عسكرياً، اذ جاء الى طهران من قزوين وسيطر عليها من خلال انقلاب عسكري واعتقل طائفة وسجن وتسلط على الامور بصورة تدريجية. إذ كان في البداية قائد العسكر ثم اصبح وزيراً للحربية ثم رئيساً للوزراء ثم شكل المجلس النيابي بقوة الحراب وبهذه القوة اجبر النواب على خلع السلالة القاجارية وتنصيبه ملكاً.

فما حدث كان بقوة الحراب وليس (هبة الهية) منحها الشعب له! فأين كان الشعب يومئذ ومتى فوض مثل هذه الهبة؟!

ولنفرض انه منحها لابيه، ولكن ما بال خلفه؟ ذاك الجيل انتخب شخصاً نائباً عنه، وكان نائباً حقيقياً- على سبيل الفرض- ولكنه ليس نائباً عني بل عن ابي، وانتم جميعاً لا تتذكرون ذاك العهد ولم تدلوا بآرائكم لأنكم لم تكونوا موجودين اصلًا لتنتخبوا، ونحن الذين كنا موجودين لم يكن لدينا حق الانتخاب.

ولكن لنفرض ان ذاك الجيل قد انتخبه حقاً، ولكننا اليوم نريد ان نعيش حياتنا فهل نضع مقدرات بلدنا بيد شخص يتصرف بنحو لا يكون لنا علم بالامور، ودون ان يكون لنا رأي فيها، بل ويفعل كل ما يحلو له.

 

 

مقارنة النظام الملكي بالنظام الجمهوري‏

وعلى هذا فان الحكم الملكي شي‏ء خطأ من الأساس. يجب على الشعب أن يعين بنفسه شخصاً ليدير شؤونه، وعندما يريدون عزله يقولون له (اذهب الى الجحيم).

ولكن الملكية هي انه عندما يتربع احدهم على العرش يظل وبالًا على الشعب، حتى يقوم بما يحلو له من الاعمال غير المشروعة ولا يخاف عزله. خلافاً لما هو في انتخاب الشعب لرئيس الجمهورية ليدير امور البلاد بضع سنين، فإن هذا الشخص ومهما كان سيئاً فانه سيفكر بأن ابناء الشعب سينتقمون منه بعد إنتهاء الاعوام الخمسة لرئاسته إذا ظلم أحداً، لانه سيصبح بعد انتهائها انساناً عادياً مثل الآخرين وتنتزع السلطنة من يده. ولذلك فمن الطبيعي ان يعرض عن الظلم.

إذن فالنظام الملكي منحرف ومفروض على الشعب منذ البداية وهذا هو الأصل الثاني الذي نقول به. أي ان الملكية تفتقد للأساس السليم اصلًا، وان مقدرات كل فرد يجب ان تكون بيده، وهذه قضية منطقية يؤيدها كل عاقل، فنحن في هذا المجتمع وهذا البلد بلده، لذا يجب ان تصرف ثرواته بما ينسجم مع مصالحه ويسخر كل ما في بلده من أجل اصلاحه وصلاحه.

كيف يسلم الشعب مقدراته بيد مثل هذا الشخص ليكون رئيساً لجمهوريتنا مدة خمس سنوات؟

حتى لو فرضنا انه ماكر للغاية، لكن حتى هذا الماكر لا يستطيع- أي لا يجيزه عقله- ان يفعل خلال هذه الاعوام الخمسة ما يشاء او يظلم بما يشتهى، حتى لو فرضنا ان الشعب لا يملك حق الاعتراض عليه خلال هذه الأعوام، في حين ان هذا الحق محفوظ في النظام الجمهوري ويستطيع الشعب ان يعزله.

اما اذا كان النظام الجمهوري اسلامياً فالأمر أشد وضوحاً، لأن الاسلام حدد شروطاً يجب توفرها في الشخص الذي يتولى سياسة وادارة امور الناس وتكون له الولاية عليهم، فاذا فقد احد هذه الشروط سقط عن اهلية هذا المقام بصورة تلقائية وانتهت ولايته دون ان يحتاج الامر الى اجتماع الناس لعزله. بل ان رئيس الجمهورية الاسلامية ينعزل من منصبه بمجرد ارتكابه للظلم او توجيهه صفعة لاحدهم ظلماً، وعليه ان يرحل بعد ان يقدم للقضاء ليتلقى صفعة مماثلة قصاصاً للصفعة التي وجهها. هذا هو النظام الذي نطالب به.

وعليه فان الاصل الاول- وهو رفضنا لحكم الاسرة البلهوية- واضح الحجة والشعب يؤيدنا فيه. فالمطلب شعبي اذا نظرنا اليه من زاوية حق الشعب. فالشعب باسره اطلق صرخات المطالبة بذلك ولا زالوا يطلقونها في الشوارع، وقد أطلعونا اليوم بأن خمسين الفاً تظاهروا في اصفهان استمراراً لثورتهم ونهضتهم واطلقوا مثل تلك الصرخات المتواصلة في كل مكان.

اما الاصل الثاني وهو انحراف النظام الملكي من الاساس، فهو ما يؤيده كل عاقل. فاذا تصور أي عاقل الاصل الثاني وهو ان اساس النظام الملكي غلط، فانه يصدق ايضاً بانه يجب ان تكون مقدرات هذا الجيل بيده. يجب ان تكون مقدرات كل شخص بيده، يجب ان تكون مقدرات هذا الجيل بيد ابنائه لا بيد فرد كان قبل سبعمائة سنة والآن مضى لسبيله[7]، في حين ان النظام الجمهوري يعني ان تكون المقدرات بايدي الشعب نفسه الذي يقرر اليوم انتخاب فرد رئيساً للجمهورية وبعد خمسة اعوام ينتهي عمله فينصب فرداً آخر ثم ثالثاً افضل من سابقه. فمن الممكن ان يكون ذاك منحرفاً وهذا سليماً، ولكن الاساس في النظام الجمهوري هو ان ينتخب ابناء الشعب من يريدون ..

ولكن الوضع ليس في كل مكان بالصورة التي يشترط فيها توفر مواصفات معينة في الرئيس الذي يحكم الناس، ولكن الاسلام يحدد مواصفات حاكم الشعب تضمن مراعاتها اقامة حكومة عدل سليمة.

اما الاصل الثالث فهو اننا نطالب باقامة حكومة اسلامية جمهورية اسلامية نرجع فيها الى آراء الشعب، كما اننا نحدد شروطها أيضاً وهي الشروط المذكورة في الاسلام ونقول للشعب: يجب ان تنتخبوا الشخص الذي تتوفر فيه هذه الشروط. فلا يصح ان ينصبوا أي سارق ارادوا، فما من عاقل يؤيد ان ينصب كل سارق ولن يفعلوا ذلك.

هذا هو الاصل الثالث، وساتحدث عن الموضوع لاحقاً لانني تعبت. وقد صدرت بعض الاقوال وكذلك الاقوال التي وردت في الخطاب الذي القاه اليوم (صاحب الجلالة) وهذه ايضا سنناقشها لنرى ماذا قال وماذا ينبغي ان نقول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1]  التاريخ 22 آبان 1357 هـ ش/ 12 ذي الحجة 1398 هـ ق‏

المكان: باريس، نوفل لوشاتو

الموضوع: توضيح المبادئ الرئيسية الثلاثة للثورة

الحاضرون: جمع من الطلبة والإيرانيين المقيمين في الخارج‏.

[2]  في مقابلة صحفية أجريت مع الإمام الخميني في 11/11/1978م, اعلن سماحته عن ثلاثة مبادئ للثورة. الأول: إنهاء حكم الأسرة البهلوية المشؤومة. الثاني: إنهاء الحكم الملكي المنحرف وإلى الأبد. والثالث: التمهيد لإقامة نظام الجمهورية الإسلامية.

 البيان الذي اصدره سماحة الإمام في 12/2/1342 هـ ش (1963) بمناسبة أربعينية شهداء المدرسة الفيضية.[3]

 إشارة إلى أمير عباس هويدا, رئيس الوزراء السابق.[4]

 إشارة إلى الانقلاب الماركسي في افغانستان بقيادة نور محمد ترقي في نوفمبر 1978م.[5]

 جاء في الأصل الخامس والثلاثين من تتمة الدستور: >السلطنة وديعة ـ هبة إلهية ـ تفوض من قبل الشعب إلى شخص الملك.[6]

 يشير سماحة الإمام إلى حكم السلالات الملكية التي يؤسسها شخص ثم يتوارث ابناؤه الملك.[7]