“فلسطين ضاعت منا بقوة السلاح، ولن نردها إلا بذات القوة”.
هذه المقولة للأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي الراحل د.رمضان عبد الله شلّح. تعكس الارتباط الوثيق بين ابن حي الشجاعية بقطاع غزة، حيث وُلد عام 1958، وبين فكر المقاومة.
المقاومة التي اتخذها شلّح خياراً أوحداً لتحرير أرضه، خياراً غير قابل للمساومة، حتى لو كان الثمن باهظاً: إدراجه من قبل الولايات المتحدة على “قائمة الإرهاب”، وإدراجه عام 2007 في قائمة ما يُسمى برنامج “مكافآت من أجل العدالة” الذي يعرض مكافآت لمن يساعد على اعتقال مطلوبين.
في غزة، معقل الصمود والمقاومة، عاش شلّح طفولته ضمن أسرة محافظة مكونة من ١١ شخصاً. تلقى هناك تعليمه الابتدائي والثانوي، عام 1981، وبعد حصوله على الثانوية العامة انتقل إلى مصر ودرس الاقتصاد وحصل على البكالوريوس بجامعة الزقازيق. هناك، بدأت تتبلور لدى شلّح فكرة الانخراط جدياً في العمل المقاوم ضد العدو الإسرائيلي، حيث التقى بالشهيد فتحي الشقاقي، رفيق الدراسة، أخبره أنه ينتمي لجماعة “الإخوان المسلمين”، ويترأس مجموعة صغيرة باسم “الطلائع الإسلامية”، فانضم شلح إلى هذه المجموعة، وتأسست من نواتها “حركة الجهاد الإسلامي”.
عاد إلى قطاع غزة وعمل أستاذا للاقتصاد في الجامعة الإسلامية، عُرف بخطبه الحماسية والجهادية ودعوته للكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، مما جعل الاحتلال يمنعه من العمل ويفرض عليه عام 1983 الإقامة الجبرية. تولى عدة مهام داخل حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وكان عضوا في مجلس الشورى والمؤتمر العام للحركة.
في عام 1986 سافر إلى بريطانيا لإكمال دراساته العليا في لندن، ليحصل عام 1990 على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة درم. إلى غزة، عاد مجدداً، تزوج وأنجب أربعة أبناء، اثنين من البنين واثنتين من البنات . الولايات المتحدة كانت وجهته بعدها، إذ تولى هناك إدارة مركز “دراسات الإسلام والعالم” في ولاية فلوريدا، وعمل أستاذا لدراسات الشرق الأوسط في جامعة جنوبي فلوريدا في الفترة 1993-1995.
إلى سوريا عاد الدكتور عام 1995، راغباً في العودة إلى فلسطين، وبانتظار الانتهاء من أوراقه الخاصة، التقى بصديقه الشقاقي وعملا معاً لمدة 6 أشهر لوضع الخطط لتطوير العمل العسكري ضد الاحتلال، ليقوم الموساد الإسرائيلي في تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه باغتيال الشقاقي. استشهد القائد والصديق: كان لا بد من العودة وبدء مرحلة جديدة من الصراع مع العدو، رمضان عبد الله أميناً عاماً للجهاد الإسلامي.
برز اسم الدكتور رمضان شلح بعد توليه قيادة الحركة كواحد من أهم المطلوبين “لإسرائيل” وللولايات المتحدة الأميركية. عُرف عن الدكتور علاقاته الواسعة مع قيادات العالم الإسلامي والعربي وكان يحظى باحترام واسع لدى الشرائح النخبوية والسياسية في المنطقة. خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000، اتهمت “إسرائيل” شلّح بالمسؤولية المباشرة عن عدد كبير من عمليات “الجهاد”.
كما المقاومة، احتلت الوحدة الداخلية والمصالحة سلمّ أولويات شلّح، وجد الأخير أن الانقسام يفتح الباب على مصراعيه للمخططات الصهيونية، أطلق مبادرة لإنهائه عُرفت بـ “مبادرة النقاط العشرة”. لاقت هذه المبادرة ترحيباً رسمياً فلسطينياً وشعبياً واسعاً.
باغت مرض عضال شلّح، لم يثنه عن عزيمته والتصاقه بخط الجهاد حتى أيلول/سبتمبر 2018، حيث جرى انتخاب زياد نخالة لتولي الأمانة العامة في “الجهاد”. مساء السادس من حزيران/يونيو عام 2020، أغمض القائد الفلسطيني عينيه، بعيداً عن موطنه. لكنه رغم أنف عدوه الذي هابه حتى بعد رحيله، إذ رفضت سلطاته عودة جثمان شلّح إلى غزة، ترك بصمة متجذرة في تأسيس وتطوير تنظيم سيظل يؤرق العدو. “القامة الشامخة من قمم المقاومة في العصر الحديث”، كما نعاه رفاق الجهاد في حزب الله لبنان، وداعاً.
المصدر: موقع المنار
تعليقات الزوار