عقب اغتيال العالم النووي والدفاعي الشهيد محسن فخري زادة، أصدر قائد الثورة الإسلاميّة بياناً عزّى وبارك فيه شهادته. ورد في بيان سماحته: " لقد بذل هذا العنصر العلميّ الذي قلّ نظيره حياته العزيزة والثمينة من أجل جهوده العلميّة العظيمة والخالدة وفي سبيل الله، وكان أجره الإلهيّ منزلة الشهادة الرفيعة." ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً للسيّد الدكتور محمد مهدي طهرانتشي، رئيس جامعة آزاد الإسلاميّة وعضو اللجنة العلميّة في كليّة الفيزياء في جامعة الشهيد بهشتي وأيضاً أحد أصدقاء الشهيد فخري زادة، يشرح فيه بعض ميزات الشهيد العلميّة.     

الكاتب: محمد مهدي طهرانتشي

 

بين مختلف أنواع المسؤوليّات التي كانت موكلة إلى الشهيد، بقيت مختلف جوانب الشهيد عظيم الشأن في مجال العلم والتكنولوجيا مجهولة. ونظراً لمعرفتي بهذا الشهيد الجليل، أرغب في التطرّق قليلاً إلى تميّزه في مجال العلم والتكنولوجيا.

تعود سابقة معرفتي بهذا الشهيد العظيم إلى مرحلة الليسانس في جامعة الشهيد بهشتي. لقد سبقني في الانضمام إلى الجامعة ودخلها قبل الثورة الثقافيّة، وأنا انضممت إليها بعد عطلة الثورة الثقافيّة ومع فتح الجامعات أبوابها؛ لكن نظراً إلى الوقفة التي حصلت حينها، سنحت لي الفرصة لكي أتعرّف على الشهيد محسن فخري زادة. كان شابّاً عميقاً، متديّناً، ثوريّاً، هادئاً ومتواضعاً يجذب إليه أيّ شاب وطالب جامعيّ ويقتدي به بصفته طالباً جامعيّاً رائداً ومتقدّماً. لو أردت التحدّث حول الشهيد في تلك المرحلة فسوف أشير إلى أهمّ نقطة محوريّة لدى الطالب الجامعيّ، فخري زادة، وهي أنّه كان يملك نظرة عميقة ودراسة عميقة لعلم الفيزياء. فالجهود التي بذلها محسن من أجل الدراسة بعمق وعدم اقتناعه بالبحوث السطحيّة، كانت تجذب إليه كلّ شخص بحسب معرفته به. لقد لاحظت وجود هذه الخصلة لدى السيّد محسن مرّات ومرّات طوال هذه الأعوام الـ35.

نال الشهيد شهادة الليسانس من جامعة الشهيد بهشتي وانطلق لإكمال دراسته في جامعة أصفهان الصناعية. نال شهادة الماجيستير في اختصاص الفيزياء النوويّة وبدأ العمل في جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) كعضو من أعضاء اللجنة العلميّة؛ عندما حضر في ساحة البلد الدفاعيّة، كان يملك صفات وميزات علميّة خاصّة في ذلك الزمان، بحيث انجذب إليه إخوة من أصحاب شهادة الدكتوراه وممّن كانوا روّاداً في أعمالهم العلميّة كالشهيد شهرياري، الشهيد علي محمّدي وآخرين، لامتلاكه رؤية علميّة ممزوجة بالإدارة. هذه الرؤية العلميّة كانت تجعل الجميع ممّن نذروا أنفسهم لخدمة الشعب الإيراني العظيم بمنتهى الإخلاص وكانوا أنفسهم متقدّمين في المجالات التخصصيّة، يلتفّون حول الشهيد محسن العزيز. فقد كان كثر ينجذبون إلى الشهيد فخري العزيز لامتلاكه سعة الصدر، حُسن الخلق ولأجل رؤيته العلميّة في مجال الإدارة.

استطاع هذا الشهيد الجليل أن يكون مصدراً للخدمات طوال أعوام بصفته حلقة مركزيّة للعديد من الأنشطة العلميّة النوويّة والدفاعيّة. لقد كان حاضراً في المجال التخصصي ويدرك مكانته في مجال مكشاف الجسيمات النوويّة؛ لكنّه عندما كان يجلس مع سائر الرفاق لم يكن يدّعي أبداً أيّ شيء ولم يكن يختم كلام الآخرين. هذه الخصلة خوّلت للشهيد فخري زادة أن يكون مديراً محبوباً لجميع خدّام الشعب الإيراني العظيم في المجال العلميّ وهذه الميزة جذبتهم إليه؛ لكن هناك جوانب أخرى حضرت في وجود فخري زادة جعلت هذا الشهيد العظيم قطباً يتحرّك نحوه شهداء مثل علي محمدي، شهرياري وسائر الأعزاء، أعني الجوانب الروحانيّة والعرفانيّة لهذا العزيز. لقد كان يأنس كثيراً بحافظ. عندما كنت تدخل إلى غرفة فخري زادة، كانت أشعار حافظ تملأ المكان وتجذب المشاهد. عندما كنت تبدأ حديثاً معه كنت تواجه عالماً من العمق، والعرفان والمعرفة.

لكنّ نظرته للعلم، شكّلت ميزة دقيقة أخرى جعلت من فخري زادة عالماً. لم يكن ينظر إلى العلم على أنّه مجرّد هديّة حصل عليها. لقد كان يبذل جهوداً عظيمة من أجل اكتشاف ماهيّة العلم. أذكر أنّه جمع عدداً من الإخوة وكانوا يتباحثون بشكل أولي حول قضيّة العلم والدين ويناقشون كتاب ايان باربور. لقد كان يتابع قضيّة العلم والدين بشكل جدّي ويحاول معرفة ماهيّة العلم وكيفيّة النظرة التي ينبغي أن تكون حاضرة عند التعاطي مع العلم. لذلك شكّل في العام 2009 إلى جانب مشاغله في العمل والبحث والدراسة، حلقة تجمع الإخوة لكي نتحدّث حول الفلسفة، الفيزياء وكوانتوم الميكانيك. عقدنا عشر جلسات كلّ أسبوعين مرّة، أيام الثلاثاء في تمام الساعة السابعة والنصف صباحاً، وكنا نجلس مع الذين درسوا الفيزياء وكان أحد الشخصيات البارزة في هذه الجلسة الشهيد جليل القدر مسعود علي محمّدي. أذكر أنّ مسعود كان غالباً ما يملك في تلك الأحيان نظرة علميّة وكان محسن قد تعرّف على الحكمة المتعالية وينظر إلى كوانتوم الميكانيك، كانت تدور نقاشات جديّة.

كان محسن يتابع هذه النقاشات إلى جانب كلّ مهمّاته التنفيذيّة والإدارية، بل إنّه شكّل في مرحلة من المراحل حلقة تناقش العلم والقرآن، وكنّا نطرح فيها بعض الآراء ونناقشها. لم أكن أقدر على المشاركة في كلّ تلك الجلسات بسبب انشغالاتي في الجامعة وكنت أشارك في بعضها، لكنّه كان يواصل هذه الجلسات والنقاشات بشكل جدّي. ثمّ بعد تلك الفترة وفي العام 2013، انعقدت جلسات بمشاركة السيد الدكتور خسروبناه في مؤسسة الحكمة والفلسفة، وكان محسن يشارك فيها رغم كلّ الصعوبات التي كان يعاني منها في التنقل، وكان يُلزم نفسه بالحضور والتعلّم، ويناقش ويدلي بآرائه. قد تبدو هذه الجوانب عجيبة لمن يسمعون بها؛ أن يكون شخصٌ يعمل في مجال الفيزياء كمدير نووي ويتابع المشاريع الدفاعيّة واحدة تلو الأخرى ويتابع في الوقت عينه هذه الأبحاث والنقاشات بذهنٍ متّقد؛ وإلى جانب هذا كلّه يكون من أهل الشعر والعرفان وصاحب نظرة فلسفيّة تجعله صاحب رؤية.

عندما كنت في جامعة الشهيد بهشتي قال لي أن يا فلان أنا راغبٌ في كتابة ما توصّلت إليه في هذا المجال، لكن عليّ أن أدرّسه قبل ذلك. حسناً، سنحت فرصة واستطاع أن يكون مدرّساً لدرس فلسفة العلم لفصلين متتاليين رغم كلّ مشاغله ودوّن كتابات جيّدة في هذا المجال؛ دروس ونقاشات جديّة جعلت نظرته للعلم نظرة دقيقة ومنطقيّة وكانت تخوّله ضمن رؤيته المستقبليّة إنجاز العديد من المشاريع الدفاعيّة.

على كلّ حال، فارقنا محسن العزيز. الشهادة فنّ رجال الله وكان مؤسفاً أن يرحل عنّا محسن دون أن يستشهد؛ لكنّني قلّما لاحظت وجود هذه الميزات في مديرٍ يعمل في مجال الصناعات الدفاعيّة ويديرها. من يقبل أهل العلم مرجعيّته بتواضع ويوافقون بسهولة على العمل معه ويؤيّدون هذا الرجل البعيد عن أيّ نوع من أنواع الادّعاء والتباهي. لقد امتزجت جهوده بالشهادة. أسأل الله أن تتمكّن دماء هذا الشهيد العظيم من أن تكون ذخراً للذين سيواصلون دربه. سوف يأتي الزمان بأمثال هؤلاء الأعزّاء الذين تركوا آثاراً عظيمة، ونسأل الله أن نكون ممّن يواصلون دربهم بشكل جيّد.