جهّز الموساد رصاصات بلا صوت وتسلّل بين عتم ومطر، وبمؤازرة عيون باعت نفسها للشيطان كمنَ في مدخل مبنى على أطراف الضاحية وأمطر بالطلقات جسدًا لطالما تمنّى حسن العاقبة، فارتقى حسان اللقيس شهيدًا، وعرّجت روحه من صوب فلسطين طائرًا.

أشرقت شمس الرابع من كانون الأوّل على الخبر، وعلى وجه سيماه الطهر وملامحه الصلابة، وجه يعرفه جيرانه ولا يعرفونه.. تعرفه الطرقات التي كان يمرّ بها بدون أي مظاهر أمنية، وتعرفه المساحات الممتدة من جرود البقاع النقية إلى غيمات الجليل، وما بعد الجليل.. ومع الخبر، أزاح حسان اللقيس، المهندس المبدع، كاتم أسرار المقاومة، صديق السيد ورفيق العماد، طرفًا من اللثام عن وجهه، لوّح للمذهولين من فيض عشقه ومضى شهيدًا سعيدًا يعرف جيّدًا ما زرع وكم سيكون الحصاد وفيرًا..

سبع سنوات، وما زال الحصاد الوفير في أوّله، وبعضه خبرٌ يقول: ‏"في ذروة استنفار العدو خلال مناورة " السهم الفتّاك " تمكنت طائرة استطلاع تابعة للمقاومة من اختراق الأجواء الفلسطينية المحتلة فوق منطقة الجليل قبل أن تعود إلى قاعدتها في لبنان من دون أن تكتشفها رادارات الجيش الإسرائيلي"، وبعضه مشاهد ننتظرها اليوم في الحلقة الأخيرة من وثائقي "أسرار التحرير الثاني" الذي تعرضه قناة "المنار"، الشعلة المقاوِمة التي لا تنطفىء.

سبع سنوات، وما فارق وجه اللقيس وجوه رجال الشمس حيثما قاتلوا، وحيثما انتصروا، وحيثما ارتفع منهم شهداء..

سبع سنوات، وما فارق وجه اللقيس وجوه رجال الشمس حيثما قاتلوا، وحيثما انتصروا، وحيثما ارتفع منهم شهداء..

وسبع سنوات وما زال عمله السري جدًا سرًّا لا ينكشف من قائمة أسرار المقاومة.. وما زالت حبات القمح التي باسمًا وصامتًا بذرها في أرض منظومة المقاومة تطرح بيادر من انتصارات وتهديدات تسلب الصهيوني عقله، وترديه قتيلًا قبل المعركة..

في تلك الليلة، ولشدة ما كان اللقيس يؤرق الصهاينة وأعوانهم، اضطر الموساد إلى المجازفة بالاقتراب وجهًا لوجه وبالاغتيال المباشر غدرًا.. فاللقيس الذي لم يعتمد أيّ إجراء أمنيّ ظاهر صعّب على الصهاينة وعملائهم اغتياله بطرقهم التقليدية سواء عبر زرع العبوات أو عبر القصف بالطائرات، لا سيّما بعد أن حاولوا عدة مرات وفشلوا. لم يبق أمامهم سوى التخطيط للاقتراب من الهدف واغتياله والتأكّد من استشهاده قبل أن يلوذ المنفّذ بالفرار. والمنفّذ هنا، أو المنفّذان بحسب ما أظهرته التحقيقات فيما بعد، أصبحا تفصيلًا يؤكد تورّط كلّ الصهاينة في العالم بعملية الاغتيال هذه، ويؤكد عجزهم عن المواجهة خاصّة مع ثبوت وجود عملاء "محليين" رصدوا اللقيس وساهموا بوصول المنفذين إليه وثم بتهريبهم أو إخفائهم.

حلّق فوق القدس ثم عرج إلى سماء يعلم أن فيها صديقه العماد يستقبله بضمّة، وفيها أولياء الطهر وآل الحقّ الذين سلك طريقهم منذ أن أذّنت مآذن الحرب أن حيّ على المقاومة.

قيل حلّق فوق القدس ثم عرج إلى سماء يعلم أن فيها صديقه العماد يستقبله بضمّة، وفيها أولياء الطهر وآل الحقّ الذين سلك طريقهم منذ أن أذّنت مآذن الحرب أن حيّ على المقاومة.. وقيل عاش زاهدًا خجولًا لا يريد جزاءً على عمله إلّا حسن العاقبة، وقيل طلب من آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي قبل شهر من استشهاده أن يدعو له بالشهادة..

وقيل الكثير الكثير عنه.. أبًا عطوفًا، وجارًا خدومًا، وصديقًا كتومًا، وسرًّا عميقًا كبئر لم يزل ماؤها شرابًا ينهل منه أهل العسكر، وفيضًا يكفي لوضوء أهل المقاومة كلّهم لصلاة في القدس، صلاة رآها اللقيس قريبة، بل قرّبها وأعدّ لها ما استطاع من قوّة ومن ذكاء، ومن صبر ومن تعب، قبل أن يستقبل الطلقات في صدره مطمئنًا ويمضي.

 

المصدر: العهد