13 عامًا.. والجرح الأبيّ يستمدّ من كبرياء العماد ضماده

يبلغ الفقدُ هذا العام عامه الثالث عشر.. صار الجرحُ فتى فيه سماته وله ملامحه ومن عينيه تُرى البلاد، كلّ البلاد، واحةً والورود شهداء. في مثل هذا اليوم، شقّت سكّين الاغتيال الغادر في كلّ روح من أرواح أهل الحبّ وريدًا، فكان النزف دمعة تتلعثم بنطق الاسم الساطع والوجه الخفيّ: عماد مغنية!

 

ليلى عماشا

 

 الحاج رضوان، قبل الثاني عشر من شباط ٢٠٠٨، كان اسمًا يُهمس به كسرٍّ من نور في قلوب من اصطفتهم الجبهات رجالًا لها.. وكان وجهًا لم تتشرّف بملامحه إلّا العيون التي أهّلها الإخلاص في العشق لاحتمال النّظر عن قرب في عيون أينما اتجهّت وجهتها الحقّ، والحب، والحرية.

قبل ذلك اليوم الذي أصبحت فيه كفرسوسة ساحة ارتحاله إلى السماء، كان عالم الشرّ كلّه يبحث عن أثر رجل لقّن العالم كلّه كيف الحبّ ينتصر على آلة القتل والإرهاب المسمّاة بأميركا.. رجل أعاد رسم خرائط الحياة بحبر الكرامة واليقين.. رجل ما زاده الغياب إلّا حضورًا، وما زاده الخفاء إلّا سطوعًا.. رجل وصفه صديقه سيد شهداء محور المقاومة الحاج قاسم سليماني بأنه "هو بنفسه حزب الله"..

١٣ عامًا على الفقد وما زال "هو بنفسه حزب الله".. رأيناه بعين القلب في وثائقي "أسرار التحرير الثاني" يسري بأسًا في أوردة المقاتلين، ويجول عند السواتر عشقًا نقيًا وينحني عند جراح الشهداء بسمةً ترفع الوجع.

سمعنا نبضه الغاضب يجهّز خطط الثأر للقاسم سليماني، يتردّد هدّارًا في الجنازة التي امتدت من بغداد إلى كرمان، ويرتدّ صدى مدويًّا من صعدة إلى الشام، ويرتفع في القدس طلقة عند باب الأقصى أو ضحكة سكين تشرّفت بأن تكون أداةً في الطعن المقدّس.. شممنا عطر خطوِه في كل خبر يزفّ خطوة من نصر على امتداد محور الحبّ والمقاومة، ولمسنا في كلّ حكايا الحرب المتواصلة خيطًا من كوفيّة مغنيّة..

بصوت الراحل إلى أحبابه الشهداء الحاج علي المسمار، زفّت الحشرجة المخضّبة الخبر الآتي من الشام إلى قلوبنا جرحًا لم نعِ أنّه في كلّ يوم سيتسع أكثر، وعزًّا ما ظنّنا أنّه سيظلُّ يتجدّد مع كلّ شمس، وسرًّا كما الغار المقدّس كلّما تنشقنا من فضائه نسمة يزدادُ سحرًا وغموضًا ونقاء.. في ذلك اليوم، اخترق الصوت جدار كلّ حناجر أهل المقاومة، فامتدّ الدمعُ سيلًا من جمرٍ ينغرزُ في كفوف القلوب، وغضبًا أبيًّا يرتفعُ في صفوف الجيش الذي من أرواح تقاتل..

١٣ عامًا.. عمرٌ من انتصارات رسم خرائطها مغنية، وعمرٌ من وجع لا يسكن إلّا بصوته في تسجيل تسرّب إلى قلوبنا "يا أبيّ الضّيم نبع الكبرياء.. يا غريبًا لمَّ شملَ الغرباء".. فيصيرُ الجرحُ أبيًّا يستمدّ من كبرياء العماد ضماده، والغربة في زمن تكاثر مرتزقة عوكر لتوجيه الطعنات إلى ظهر المقاومة تصير وطنًا حدوده حيثما حطّت عينا مغنية.