في مخيم رفح للاجئين عام 1951 ولد مواطن فلسطيني رضع من مأساة اللجوء وترعرع في جو الحرمان الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على العائلات الفلسطينية التي سرق أراضيها وهجرها منها سنة 1948م .. إنه فتحي الشقاقي الذي فقد أمه وهو في الخامسة عشرة من عمره، وكان أكبر إخوته فتحمل مسؤوليتهم، تحدى وصمد حتى تخرج من كلية الطب بجامعة القاهرة ثم عاد لفلسطين.. خطواته الأولى كانت واثقة، وكلماته كانت قاطعة، وكتاباته كانت كالسيف على رقبة المحتل، فقد كان فتحي الشقاقي إسلامي المنبت والتربية ووطني الفعل والعزم .. 

وقد أسس الشقاقي حركة الجهاد الإسلامي في نهاية سبعينيات القرن الماضي متأثرا بالثورة الإسلامية في إيران وقد شحن هذه الحركة بفكر مختلف ظل وقود شحنته مشتعلا حتى يومنا هذا بل منه استمدت الجهاد الإسلامي وقود حزبها العسكري سرايا القدس فالبداية كانت كلمة واللانهاية صاروخ الفيل وساعة البهاء .. فالحركة التي تقوم على فكر

رجل كالشقاقي لا تموت ولا تذبل ولعل كتاباته السياسية والفكرية والثقافية لم تعكس شخصيته وآراءه وحسب بل تعكس حتى اللحظة فكرا سيكون لبنة الأساس في حفر الطريق التي تقودنا لتحرير للأرض المحتلة .. لقد أدرك الاحتلال الإسرائيلي أنه أمام رجل بحجم وطن أو كما وصفه زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي حينما قال فتحي الشقاقي هو الاسم الحركي لفلسطين فقد كان بذرة الوعي والثورة في ذلك الوقت فحين اغمد المناضلون القدامى سيوفهم كان فتحي الشقاقي يعلن أن الوصول لفلسطين لا يمر إلا عبر طريق الجهاد والمقاومة .. حقيقة أدركها الاختلال فوجه سهام غدره إليه في مالطا واغتاله لكنه لم يمنع فكره من التمدد وما يميز فكر الشقاقي أنه يخرجنا من الإطار الحزبي الضيق إلى الإطار الوطني الكبير ولهذا بعد مرور ستة وعشرين عاما على رحيله يدرك كل من عرف فكر الشقاقي أننا بحاجة إليه الآن لاستلهام مضامين فكره من جديد وإسقاطه على الحالة الوطنية الجمعية فنحن بحاجتة لإعادة التأكيد على محورية خيار المقاومة والجهاد للوصول إلى الحرية الكاملة لفلسطين بعد أن تُهنا لأكثر من عقدين من الزمن ويزيد في متاهات السلام الكاذبة عبر مفاوضات أخذت من الفلسطينيين أكثر من ما أعطتهم فنحن بحاحة لروح الوحدة عند الشقافي، نحتاجه أيضا لإعادة التأكيد على شعاره المركزي الذي طرحه وهو مركزية القضية الفلسطينية للأمتين العربية والإسلامية وللحركة الإسلامية, بعد انشغال العرب والمسلمين في صراعات داخلية دمرت مقدراتهم وشغلتهم عن قضية الأمة الكبرى وهي تحرير فلسطين والذود عن المسجد الأقصى فقد تحولت أنظارهم عن العدو المركزي للأمة (الكيان إسرائيلي) إلى اختراع أعداء من داخل الأمة لتفتيت جسمها وضرب عصبها، فإعادة التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية كقضية جامعة للأمة هو ما نحتاحه الان ..

نحن أيضا بحاجة لفكر الشقاقي لإعادة الاعتبار لخيار المقاومة والجهاد بعد أن وُضِع في قفص الاتهام وبدأت تنهال عليه المؤامرات وبدلا من الحرب على الإرهاب صار الشعار هو الحرب على الإسلام والمقاومة ..

نحتاج للشقاقي حتى نحيي شعاراته فعلا وليس قولا لاسيما وأنها شعارات تنبض بالحياة والأمل وقد منحنا الشقاقي خريطة عبر فكره لنحول هذه الشعارات إلى حقيقة ولعل صعود نجم سرايا القدس وتطور الإمكانيات العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي والقاعدة الجماهيرية وثبات ساعة البهاء التي تحولت لكابوس يلاحق نتنياهو أينما ذهب وصواريخ الفيل ونفق جلبوع كلها خطوات تبرهن على صوابية فكر الشقاقي فكيف إذا سارت فلسطين كلها على مثل هذه الأفكار ؟

وفي نهاية مقالنا سنذكر بعضا من أهم العبارات الراسخة في التاريخ الفلسطيني للشقاقي العنيد ومنها: "زوال إسرائيل حتمية قرآنية, وإن فلسطين لا تتسع لأكثر من شعب واحد هو شعب فلسطين, وأن الصراع لا يمكن أن تنهيه مفاوضات تقوم على إملاء شروط المعتدي على الضعيف, وفلسطين مقتل المشروع الاستعماري لأن إسرائيل قلب هذا المشروع, وأن دم الشهداء هو شريان الحياة لشجرة المقاومة والجهاد والحرية, والمثقف أول من يقاوم وآخر من ينكسر ولا ينبغي أن ينكسر " ...

 

إسراء البحيصي