نعيش هذه الأيام ذكرى يوم النصر العظيم الذي حققه القائد "قاسم سليماني "وتقترب عقارب الساعة لذكرى فاجعة العصر الأليمة، وتخفق القلوب حزناً، وتضطرب العقول ذهولاً، وتجري المدامع سيولاً، لسيد شهداء محور المقاومة الشهيد الحاج قاسم سليماني. 

 

جهاد أيوب: 

يمرُّ على هذه الأرض كوكبة قليلة من بشر في الشكل، ولكنهم قيمة ملائكية تقترب إلى عمق الروح الحقيقية في مواقفها، وفي تصرفاتها، وفي حضورها وخدماتها وتطوراتها، وإندفاعها في خدمة وجودها ووجودنا، وأرضنا وكراماتنا دون أن تكترث إلى طموحات دنياوية فردية، هكذا شخصيات هي قلة قليلة يرسلها لنا الرحمن كلما وقعنا في شرك الأعداء، شخصيات تساهم في لملمة ما فاتنا من الأمل ومن حضورنا، إنها بارقة الأمل والنهضة، إنها حالة فريدة تدعى اللواء قاسم سليماني، لواء الانتصارات!.

 

الشهيد اللواء القائد سليماني ظهر علينا ونحن في بئر الظلم والظلمة وخلف الظلام، وكنا ننتظر بارقة نتعلق بها، فكان سليماني الذي تعلق بنا وتعلقنا به، وتعلمنا منه أن نتكل على الله، ونصبح مع الله ونخطط وننفذ!، هو الرقيب المبتسم، والصديق الحنون على الفقراء والمؤمنين، يثابر كي نخوض التجربة معه، هو منجز ولا يقترب الغرور منه، وهو المنتصر ويهدي النصر للمرابطين، وهو المدرس دون أن يدّعي ذلك، ويحاكي فرحنا بعد بكاء الإنتظار بصمت كي لا يجرح شعورنا!.

 

سليماني رجل المواقف، والانتصارات، هو ذاك الفارس المقبل علينا من جمهورية الإنسان، جمهورية الإمام الحسين (ع) في دار القرار الإنساني، وهو من لملم أوراق شخصيته من مباركات الرسول، ومواقف الخميني (ره) إمام التنوير. مسيرته هي العزة والكرامة، لقد أتم جهاده، ورفع صلواته بدعاء أن يطعمه الله الشهادة، ونالها في ساحات الجهاد بعد أن باع للخالق روحه كي تنتصر وتتحرر وتنهض الأمة فاستحق الشهادة، لا بل زين الشهادة.

 

الشهيد قاسم سليماني زرع دروب فلسطين بالسلاح والفكر، فقد كان مؤمناً بأن السلاح من دون معرفة وعلم مجرد صراخ من دون انتصارات

 

كان سليماني قائداً لفيلق القدس من 1998 خلفاً لأحمد وحيدي حتی مقتله، ولكنه زرع دروب فلسطين بالسلاح والفكر، وآمن بأن السلاح من دون معرفة وعلم مجرد صراخ من دون انتصارات، لذلك دخل سليماني فلسطين فلسطينياً، قدم الخطط الزرع البذرة، جالس أطفال القضية، مسح التعب عن جبين شيوخها، عمّر منازلها، ونام في أحضان تراب فلسطين!.

 

حفر كينونة جهاده في لبنان مناضلاً مقاوماً ورفيقاً من أبناء وطن الأرز، فطبعت صورته في القلوب، وأفكاره في النفوس. خيم في سوريا حتى أصبح من عطر ياسمينها، وأهدى ثمار جهاده لعراق المواقف ولم يعمل إلا خيراً.

 

يوم تخلوا عن القضية كان أبرز من تحمل مشقة الحزن بالصبر والمقاومة ليُعلم الجميع كيف يتوكل على الله مع العمل، لم يسقط في شيطان المال، ولا بكذبة القيادة، كان متواضعاً والأب الحاسم، والأخ الحنون، كان شغوفاً بنصرة قضايانا المحقة، وشغوفاً بحب المستضعفين كي ينهضوا إلى صلاة الأرض دون تنازلات!.

 

** بعضٌ من الجوانب المُشرقة للشهيد "سليماني"

 

هناك جوانب مشرقة في شخصية سليماني ومنها الثبات في كل أفعاله، لا يعرف غير نصرة المُستضعفين، رسم القوة مع العقل والايمان مع الثقة، فهو رجلٌ ألمعي يلتقط إشارات اللحظة ليعيد قراءتها كي يصبها في خدمة المقاومة، أقصد كان داعية في المحبة، والاصلب في مواجهة كل مصاعب الحالة الجهادية.

 

جمع سليماني الشجاعة مع البأس، وعدم الخوف من العدو، لذلك وجب تدريسه قائداً ثاقباً ويعود إليه خلق تحولات في المنطقة كانت مستحيلة قبله، ففي مواجهة اميركا والعدو الصهيوني صفحات جديدة، وجعل من القيادة في هذه المواجهات صناعة تتفوق على خبثهم، وأشعل النيران من حولهم أينما كانوا، و حينما زارنا الارهاب الداعشي، فقرر المجابهة دون جميل وإدعاء المواجهة، والفضل بعد الله يعود إليه في تحقيق انجازات الانتصارات على كفار الأرض، ومع ذلك ظل أميناً في خدمة فلسطين، ودوره في حماية ونصرة القضية الفلسطينية.

 

الشهيد قاسم سليماني كان يؤمن بالإعلام وبأهمية دوره في المعارك، وكان من العارفين في تسويق حركة كل الميدان، ومن المُدركين بمدى تأثير الصورة في إرباك وتخويف العدو، وهذا ما جعل منه أكثر وعياً في تغطية المعارك في الجوانب العسكرية

 

سليماني سيد الجبهات والمواجهات، أزاح الدخان لنبصر ما بعدها، وإنتقل من ضفة إلى ضفة كما لو كانت الأرض هي التي تأتي إلى حذائه العسكري!، كان صاحب نظرة في عالم الميديا، يؤمن بالإعلام ودوره الأساسي في المعركة، ويعرف تسويق حركة كل الميدان، ومن العارفين بمدى تأثير الصورة في إرباك وتخويف العدو، وهذا جعل منه أكثر وعياً في تغطية المعارك في الجوانب العسكرية.

 

من تعرف عليه يتلمّس صمته والابتسامة التي ترافقه، وحركة نظراته التي لا تهدأ، لا يثرثر، بل يفعل، يدرس ويقرر، ويكون الأول في ساحة المعركة الواجبة. قاسم سليماني ليس فقط شخصية عسكرية فقط، إنما هو روح الأقدام، وحب المبادرة، وهو العاصفة، والرعد والبرق والشجر والبلسم، والقاسم الذي وضع النصر مُدركاً ما بعد أن نرسم طبيعة الرد، هو من سكب في دفاترنا حروف الوصل بين الإيمان والانتصارات العسكرية على أعداء الله والبشرية!.

 

مقاومته كانت إتقاناً علمياً وعسكرياً خارج الانفعالات العاطفية رغم ما يمتلكه من عاطفة الاطفال في عشق المناضلين، لذلك علاقاته كانت مبرمجة وثاقبة!، سليماني أصرّ أن يصنع الانتصارات لا أن يواكبها أو يقترب منها، وصنعها وجعلنا نعيشها، وبسرعة بعد أن يهدينا الفوز يذهب إلى معركة ثانية، فكان متقناً عسكرياً وحرفياً، وذخيرة لكل ما هو ينتظرنا!.

 

قاسم سليماني ترك فينا ذاكرة مشعة من ذهب البطولات رسمت دروب تاريخنا المستقبلي، أمثاله لا يغيبون، بل حضور دائم لمستقبل هذه الأمة، حضور نعود إليه كلما قررنا الجهاد في سبيل الله، وفي سبيل الوطن، وفي سبيل الحق ضد الظلم، ومع كل المظلومين.

المصدر: وكالة مهر للأنباء