في الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد قائد قوة القدس الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، قال عالم الدين البحريني الشيخ عيسى قاسم ان اقتران الشهادتين على يد أمريكا وعملائها وأتباعها، هو اعتراف منهم أن العداوة لكل المسلمين، لا لقومية دون قومية، ولا لأهل لغة دون لغة، ولا لجنس على خلاف جنس، إنها عداوة للإسلام كله ولكل مسلم كان شيعياً أو سنياً.

 

وجاء في بيان الشيخ قاسم:

 

الكلمة التي أريد التحدث تحت عنوانها، هي بعنوان “الطريق إلى الشهادة”:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على حبيب قلوبنا وآله الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الأخوة الكرام المؤمنون المحتفلون بذكرى الشهيديْن الحاج قاسم سليماني والحاج أبي مهدي المهندس ورفقائهما في تلك الشهادة المباركة.

 

الكلمة التي أريد التحدث تحت عنوانها، هي بعنوان “الطريق إلى الشهادة”:

هناك مفهوم القتال، قل هناك قتالٌ وشجاعةٌ وتفوقٌ في قدرة المقاتلة، وهذا أمرٌ له إعداده الخاص وأدواته المناسبة.

وهناك عنوان الشهادة، وواقع الشهادة التي تجعل التضحية بالنفس من أكبر الشرف، ومن أربح الخواتم، لأنها في سبيل الله، وهذا أمرٌ آخر له تربيته وأساليبه وإعداده الخاص، وورائه فكرٌ عارف، وقلبٌ طاهرٌ زكي، وطموحٌ محلق، ومعرفةٌ صادقة لحق الله وشأن الآخرة، وخفة وزن الدنيا بإزاء وزنها، وما للشهادة من عطاءات ثرة تترشح عنها دنيا وآخرة، من عزة وكرامة، وأمن وتصحيح لمسارات الحياة.

 

الشهادة غير القتل. القتل حتى في معركة يقودها المعصوم “عليه السلام” لا يعني دائما الشهادة. الشهادة تعني ذلك الزاد الذي سبق التحدث عنه، وحيث تكون تحت قيادة المعصوم “عليه السلام” أو المأذون من المعصوم.

 

للشهيد الحاج قاسم سليماني كلمة تنقل، تعطي رؤية واضحة لطريق الشهادة، هذا لفظها: (شرط أن تصبح شهيدا أن تكون شهيدا)، كيف تسبق الشهادة الشهادة؟ وكيف تتوقف الشهادة على الشهادة؟

 

هناك شهادةٌ فعلية تتوقف على شهادة شأنية، تتوقف على نفس تعيش حب الشهادة، ووعي الشهادة، وقداسة الشهادة في داخلها، تعرف ماذا تعني الشهادة، ومتى يكون القتل شهادة، ولأي شيء تؤدي الشهادة، وأي فوز تحققه، وأي نجاة تستتبعها.

هذا الزاد هو زاد الشهادة الذي يجب أن يسبق حالة الشهادة الفعلية، والتحقق الفعلي للشهادة.

 

فأنت وأنا حتى نكون شهيديْن لا تكون شهادتنا بلا هذه الخلفية الفكرية والنفسية والإيمانية. شجاعتنا، قتاليتنا، قوتنا البدنية، عدم مبالاتنا بالموت، كل ذلك لا يجعلنا حين نقتل شهداء، إنما نكون شهداء بسبب هذه الخلفية التي تحدثت عنها.

 

فكما سبق، الشهادة لا تتحقق بالقتل حتى في معركة إسلامية بقيادة المعصوم “عليه السلام” أو مأذونه.

 

أنتقل إلى نقطة أخرى:

إنه بقدر ما تعظم أطماع الطاغوتية في الأرض، واستعباد الناس، وإذلال المؤمنين، والقضاء على دين الله سبحانه، وبقدر ما تزداد تحالفاتها -أعني الجاهلية والطاغوتية-، من أجل ذلك تحتاج أمة الإيمان إلى تنشئة الروح الفدائية والقتالية والتوفر على شجاعة القتال والتقدم في وسائله، وإعداد القوة الغالبة، كما تحتاج وبصورة ضرورية إلى التربية الإيمانية ومشاعر التقديس لله والتعلق بالآخرة.

هذه التربية مسؤولية الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، والدولة.

 

وكل مكلف من المكلفين الذين يتحملون الحفاظ على سلامة الدين ووقاية أنفسهم وأهليهم من النار ويرجون سعادة الأبد، هذه التربية هي مسؤولية جميع هذه الأطراف، وليس لأي من هذه الأطراف أن يتخلى عنها.

 

وإذا كانت مسؤولية تربيتي وتربيتك من مسؤولية الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، والدولة في وقت طفولتي وصباي، اليوم وقد بلغت ما بلغت، وإذا بلغت أنت ما بلغت من سن التكليف، وسن التأمل، وسن الرشد، المسؤول الأول عن تربية نفسي هو أنا، والمسؤول الأول عن تربية نفسك هو أنت، لم يعد من الصحيح أن نتكل في تربية ذواتنا على الآخرين، وإنما يجب أن يكون أول متحمس وأول غيور على حياته ومصيره هو الشخص نفسه، هو الذات نفسها، وبذلك تعظم مسؤوليتنا أضعافا وأضعافا، وتتركز مسؤوليتنا إذا كبرنا على الجهد الشخصي، في التربية والإعداد لأنفسنا لخوض المعارك الكبرى التي يمتحن فيها الشخص بين خيار النار وخيار الجنة.

 

أعزائي..

 

كل حياتنا معركة مع النفس، ومعركة مع الأعداء، والأوضاع السيئة. ومعركة النفس أولا، والانتصار يبدأ من الانتصار عليها، وتتويج الفوز في هذا الصراع، وتتويج هذا النصر أنه إذا قتلت إنما يكون قتلي في سبيل الله، أن تكون حياتي جادة صادقة بأن حربها لنصرة دينه تبارك وتعالى.

 

الجدية كل الجدية، والعقل كل العقل، والنضج كل النضج في أنْ يكون قتالي وقتلي في سبيل الله، وأنْ أكون جادا كل الجد، صادقا كل الصدق في أن تكون حربي التي أخوضها لا أخوضها إلا لنصرة دينه وطلب رضوانه.

 

كل نصر لابد أن تعد له القوة، وواضحٌ جدا أن القوة مقدمة النصر، وفي التغالب على القوة معركة الأمم وهي سابقةٌ على معركة النصر.

 

حين تكون قويا نفسيا، وحين تكون شجاعا، وحين تملك العدة الكافية للقتال، تكون على طريق النصر بعد توفيق الله تبارك وتعالى.

 

وفي الشهيديْن الحاج قاسم سليماني، والحاج أبي مهدي المهندس؛ مثالٌ كبيرٌ حي لإدراك أهمية القوة، وأهمية الانتصار على النفس، ومتى يكون القتل والقتال في سبيل الله، ومتى تكون التضحية بالنفس منجاة وفوزا عظيما، وشهادة في المفهوم الإسلامي.

 

وسيبقى البطلان العظيمان الواعيان مدرسة لا تكف عن تخريج الجيوش الواعية البطلة المنتصرة، وليعلم الكفر أنه إذا هان على كافر أن يضحي من أجل الشيطان والدنيا، فإنه لأهون على المؤمن بما لا يقاس أن يضحي في سبيل الله والآخرة.

 

جيوشنا الرسمية في أغلبها على ديننا وحدودنا والأمة، بينما كان يجب أن تكون لنا ولحدودنا وللأمة.

 

أمتنا اليوم بلا جيش إسلامي موحد، وبلا جيوش متعددة، لكنها متلاقية في بنائها الإسلامي، وفي إعدادها الإسلامي، وفي هدفها الإسلامي، وفي عبادتها لله عز وجل.

 

عندنا حكومات كثيرة، كثرة بالغة من حكومات الأمة الإسلامية، ولكنها تعادي هذه الأمة، وتبني جيوشا معادية لفكر الأمة، وأخلاقية الأمة، وأمن الأمة، ودين الأمة، وعزة وكرامة الأمة، وحدود أرض الأمة. إنها جيوشٌ بدأ عددٌ منها في الاسناد العملي لإسرائيل وأمثال إسرائيل، وهي إذا سارت على نهج حكوماتها التي تبنيها البناء المعادي للإسلام ستتحول هذه الجيوش، وقد بدأت تتحول فعلا إلى جيش من داخل الأمة يعاديها ويحاربها وينتصر لعدوها عليها.

 

أمريكا وأذنابها وعملاؤها قتلوا الشهيديْن العظيميْن؛ ليقتلوا أملا ويبعثوا أملا، ليقتلوا أمل الأخيار في هذه الأمة، والذين يضعون أنفسهم أو يحاولون أن يضعون أنفسهم على طريق الشهادة في سبيل الله، أنْ يقتلوا الأمل في داخل المسلم بانتصار الإسلام، وأن يحدثوا في نفسه يأسا، ويسقطوا قيمة الإسلام في نفسه.

 

قتلوهما ليقولوا للأمة بأن بطليْن من الأبطال الذين تفردوا، الذين كانوا من الصف المتفرد وعيا وإيمانا وإدراكا إسلاميا، واعتزازا بالروح الإسلامية الحضارية، وبقيمة الإنسان، على هؤلاء كلهم، ومن خلال هذا القتل للحاج قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس؛ أنْ يذلوا، ويركعوا، وييأسوا من النصر، وأن لا يبقى من بعد ذلك من يأمل في نصر الإسلام، ومن يسعى على طريق انتصار الإسلام إلا من شذ وندر.

 

كان قتل الشهيديْن يحمل هذا الهدف، ولكن خسأ المعادون لله عز وجل، كانوا يريدون أن يبعثوا أملا في نفس الطواغيت المحليين وأتباعهم بأن النصر لهم، وبأن الهزيمة للإسلام ولأهل الغيرة على دين الله تبارك وتعالى.

 

أرادوا أن يعطوا جرعة أمل كبير للسفلة من هذه الأمة، إلى من يهون عليهم بيع الدين من أجل الدنيا، أرادوا أن يعطوهم هذه الجرعة المنعشة والدافعة إلى الغرور، وذلك بقتل الشهيدين العظيمين.

 

ثم أرادوا، وكما سبق، أن يقضوا على الحركة الإسلامية، والأمل الإسلامي، ويأدوا البدايات الكبرى للمقاومة الإسلامية.

 

هنا سؤال: ماذا يعني اقتران الشهادتين، شهادة البطلين الحاج قاسم سليماني والحاج أبي مهدي المهندس؟ وماذا يعني الاحتفال الموحد للحوزات العربية في قم، والحضور المتنوع لهذا الحفل بلا حدود من قومية وجغرافية وما إلى ذلك؟ ماذا يعني هذان الأمران؟

 

الأمر الأول: اقتران الشهادتين على يد أمريكا وعملائها وأتباعها، هو اعترافٌ منهم أن العداوة للمسلمين كل المسلمين، لا لقومية دون قومية، ولا لأهل لغة دون لغة، ولا لجنس على خلاف جنس، إنها عداوةٌ للإسلام كله ولكل مسلم.

لمسلم كان شيعيا أو كان سنيا، المستهدف أولا وبالذات هو الإسلام، ويأتي من بعد ذلك استهداف كل مسلم وكل مسلمة إذا اقتضى الأمر.

أما الاحتفال الواحد للحوزات العربية في قم، والحضور المتنوع في هذا الحفل؛ فيعني أن المسلمين أيضا مدركون أن المستهدف هو الإسلام أولا وبالذات، وأنهم كلهم هدفٌ تبعيٌ للعدو الأمريكي والإسرائيلي وجملة الطواغيت، وأن موقف المسلمين يجب أن يكون واحدا، وأن تكون الجبهة واحدة متراصة، جبهة الدفاع والمقاومة والجهاد في سبيل الله ونصرة دينه، والعمل الدؤوب والمكثف والمنظم، والذي ينقاد لرأي قيادي واحد يرضاه الله تبارك وتعالى، وفيه عزة المؤمنين ونصرتهم، أنْ يكون هذا العمل الدؤوب من مسؤوليتهم جميعا، وأنْ لا يكفوا في يوم من الأيام عن العطاء بكل ما يستطيعون والتضحية بكل ما يجدون في سبيل الله، ورد الهجمة الشرسة المستمرة المتعاظمة والمتنامية على الإسلام وأهله.

 

إلى هنا، وغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.