تقدّم النساء ببركة الزهراء (*)

إنّ الرؤية الجامعة لهويّة المرأة في منطق الإسلام هي: الأمّ الصالحة، والزوجة الصالحة، والمجاهدة في سبيل الله، وفي الوقت نفسه ربّة المنزل ومديرته، وأيضاً العابدة للهَ تعالى. وقد أثبتت السيّدة فاطمة الزّهراء عليها السلام أنّ المرأة يمكنها أن تنجح في أداء هذه المهام، وأن تصل إلى أعلى درجات العصمة، وهذه كلّها من خصوصيّات هذه السيّدة العظيمة، وما على نساء أمّتنا إلّا الاقتداء بها.

 

* المرأة في الإسلام

في مسألة المرأة والأمّ، تختلف نظرة الإسلام وموقفه تُجاه المرأة اختلافاً تامّاً عن النظرة الغربيّة الرائجة، النظرة التي يحاولون نشرها في كلّ العالم بألف طريقة، وعبر منصّات واسعة النطاق على نحو عجيب.

 

نظرة الجمهوريّة الإسلاميّة مستمدّةٌ من الإسلام، وهي تقوم على تكريم المرأة واحترامها، وهي معاكسة للنظرة الغربيّة الرائجة إلى المرأة؛ أي النظر إليها كسلعة وأداة، فكرامة المرأة في نمط العيش الغربيّ ومنطقه وأسلوبه مهشّمة. لقد سمعتم أنّ واحدة من كبار المسؤولين الحكوميّين والعسكريّين الغربيّين أعلنت قبل مدّة أنّها تعرّضت للتحرّش الجنسيّ؛ أي حتّى النساء اللواتي يصلن إلى مراتب إداريّة واجتماعيّة وسياسيّة عالية، لسن محصّنات، ولا يأمنّ ضرر المنطق الغربيّ في شأن المرأة.

 

لا يوجد أيّ اختلاف بين الرجل المسلم والمرأة المسلمة في القيم الإلهيّة والإنسانيّة. كلاهما لديه مسؤوليّات مشتركة؛ فواجب الأمر بالمعروف مشترك، وواجب الخدمة مشترك، وواجب الجهاد في سبيل الله لكلّ منهما بخصوصه واجب بتعبير ما، ولا يخصّ رجلاً بعينه أو امرأة بعينها. ولكلّ منهما واجباته الخاصّة؛ فللمرأة واجبات، وللرجل واجبات خاصّة، والله – تعالى– خلق بُنيتهما الجسديّة والروحيّة بشكلٍ متناسب مع هذا الواجب، ومن أجل هذه الواجبات الخاصّة.

 

من منطلق هذه النظرة للإسلام ونظرة الجمهوريّة الإسلاميّة إلى المرأة -ونحن فخورون بهذه النظرة- نُندّد كلّ التنديد بنمط العيش الغربيّ في ما يخصّ المرأة، وأسلوبه في التعامل معها، ونظرته إليها، بل نؤمن أنّهم يظلمونها.

 

* تقدّم النساء ببركة الإسلام

تزعُم الدعاية الغربيّة أنّ النظرة الإسلاميّة تُعيق تقدّم المرأة وتطوّرها! هذه كذبة واضحة وكلام مُغرض تماماً. في بلدنا، لم يكن لدينا كثير من النساء المتعلّمات، ولا كلّ هؤلاء النساء الناشطات في الفعاليّات الاجتماعيّة والثقافيّة والعلميّة، وذوات الفهم والتحليل السياسيّ. ولم يكن لدينا كذلك كثير من الكاتبات والمترجمات والفنّانات بالمعنى الحقيقيّ للكلمة. كلّ ذلك [صار] ببركة الجمهوريّة الإسلاميّة، وببركة نظرة الإسلام إلى المرأة، وهي نظرة تكريم.

 

* حضن الأسرة: أفضل التربية

يقول بعضهم إنّ الحجاب يعيق تقدّم المرأة وتطوّرها. كلا! بالعكس، الحجاب يمنع ذلك الظهور في غير محلّه، فهذا ما يعيق مسيرة المرأة. اليوم، لدينا الآلاف من النساء العظيمات والبارزات في مختلف المجالات العلميّة، والعمليّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة، والتقنيّة. وجميعهنّ يعشن بالحجاب الكامل.

 

حسناً، عندما ننظر إلى النساء بهذه النظرة، يصير دورهنّ في الأسرة بارزاً أيضاً، ويصير دور الأمّ والزوجة وربّة المنزل بارزاً، وهذا ما صار مُهمّشاً في الغرب يوماً بعد آخر. الأسرة في الغرب تسير نحو الاضمحلال. ففي حضن الأسرة، وُضعت الأسس الأولى والأهمّ للتربية الروحيّة والفكريّة للإنسان. المنزل هو أفضل بيئة لراحة جسم الإنسان وروحه، وهو أفضل حضن لإزاحة تعب الجسم والروح. إنّه أصدق بيئة للمحبّة، فلا يمكن تصوّر المحبّة في أيّ بيئة بقدر ما هي موجودة في الأسرة، وبين الأمّ والابن والأب والأزواج.

 

* الأمّ هي المحور

من المحور في مثل هذا الكيان؟ من الأساس؟ من مركز الدائرة؟ الأمّ هي محور الأسرة. أمّا ما تحاول أجهزة الدعاية الغربيّة، ومع الأسف بعض أفراد شعبنا المتأثّرين بالغرب، القيام به، هو التقليل من أهميّة ذلك أو الجهل به أو إخفائه.

 

لقد أدّت ربّات البيوت أعظم الخدمات، حتّى أولئك اللواتي ليس لديهنّ عمل خارج المنزل. من الضروريّ أن نفهم قيمة الخدمات التي تقدّمها النساء اللواتي فضّلن رعاية المنزل، مع أنّ الخدمات الاجتماعيّة خارج المنزل هي من مسؤوليّة المرأة أيضاً وستبقى كذلك، ولا إشكال فيه، لكن هذا هو الجزء الأكثر أهميّة في دور المرأة.

 

 

(*) تتمّة كلمة سماحته دام ظله، بتاريخ: 3/2/2021م.

 

المصدر: مجلة بقية الله