ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً للكاتب محمّد مهدي عبّاسي حول ضلوع أمريكا في جرائم الكيان الصهيوني إضافة إلى إدارتها، ويجري أيضاً عرض محطّات سابقة من دعم الحكومات الأمريكيّة للكيان الغاصب.

 

اليوم، قلّ مَن يستطيع في العالم إنكار أن أمريكا هي الحليف والداعم الرئيسي للكيان الصهيوني. حليفٌ وضعَ دعم الكيان الصهيوني أولويته الرئيسة، على الرغم من كثرة أزماته الداخلية، مثل معضلة المهاجرين عبر الحدود، والتضخم، وعمليات إطلاق النار الجماعية التي أسفر نموذج واحد عنها الأسبوع الماضي في ولاية ماين عن مقتل 22 شخصاً، وخلافات سياسية واسعة، وتراجع شعبية بايدن لدى الرأي العام، والتزعزع الحاصل في المؤسسات التشريعية في هذا البلد. إن دعم هذا الحليف أمر مصيري للغاية بالنسبة لأمريكا، لدرجة أن مجلس النواب الأمريكي، بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع من فراغ القيادة، في أول عمل له بعد انتخاب رئيس جديد، قدّم قراراً بأغلبية ساحقة لدعم الكيان الصهيوني.

 

منذ الأيام الأولى لبداية التوتر الأخير، صرّح الرئيس الأميركي جو بايدن أن بلاده تقف إلى جانب حكومة نتنياهو بشكل كامل. كان من بين إجراءات الدعم المهمة التي قدمتها الحكومة الأمريكية حتى الآن: توفير الذخيرة اللازمة لنظام الدفاع الجوي التابع للكيان الصهيوني المعروف باسم القبة الحديدية، وإرسال المزيد من المقاتلات الأمريكية وأنظمة الدفاع الصاروخي والجوي "ثاد" و"باتريوت" إلى غربي آسيا، والحضور المتزامن للسفينتين الأمريكيتين "جيرالد" فورد" و"دوايت أيزنهاور" في المنطقة. وقبل بضعة أيام أيضاً، طلب جو بايدن من الكونغرس الأمريكي الموافقة على ميزانية بقيمة 14 مليار دولار لمساعدة حليفه القديم، حتى تتجلى أكثر مشاركة الحكومة الأمريكية في الجريمة ضد أهالي غزة، وذلك عبر استخدام الضرائب القسرية على الشعب الأمريكي.

 

تشير الإحصائيات إلى أنه خلال العشرين يوماً الماضية فقط، قُتل أكثر من 7000 شخص في غزة، من بينهم 3000 طفل، وتعرض 45 % من جميع المباني السكنية في جميع أنحاء غزة لأضرار جسيمة، كما تعرضت عشرات المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد لأضرار جراء القصف. المدينة التي كانت، بحسب العديد من الشخصيات الدولية، أكبر سجن مفتوح في العالم، وباتت الآن أيضاً محرومة من الكثير من الاحتياجات الإنسانية الأساسية مثل الماء والغذاء. جرائم لا يمكن تجاهل الدور الأمريكي فيها. وهي مسألة أشار إليها أيضاً قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، قبل أيام حيث قال: «هناك نقطة أساسيّة أخرى هي أنّ أمريكا في هذه القضية شريكٌ حتميّ في جريمة المجرمين، أي إنّ يد أمريكا انغمست حتّى المرفق في دماء المظلومين والأطفال والمرضى والنساء ونحوهم في ما يخص هذه الجريمة وهي ملطخة [بهذه الدماء]».

 

بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي الغفلة عن الدور الرئيسي لأمريكا في بقاء الكيان الصهيوني على مدى 75 عاماً. الدور الذي لعبته جميع الحكومات الجمهورية والديمقراطية في أمريكا بشكل جيد، وكان هناك دائماً تصميم جاد في واشنطن لضمان بقاء هذا الكيان غير الشرعي. الدعم السياسي لتوسيع الأراضي المحتلة، والمساعدات المالية الضخمة مثل إرسال 3 مليارات دولار سنوياً إلى تل أبيب، والدعم العسكري والأمني ​​المتواصل؛ جزء من دور أمريكا الجليّ من أجل استمرارية حياة الكيان الصهيوني في هذه المنطقة.

 

وخلال السنوات الأخيرة، ومن أجل تعزيز أمن الكيان الصهيوني في المنطقة، أطلقت إدارة ترامب خطة لتطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني عبر مبادرة مهمة أطلق عليها اسم "إتفاقيات إبراهيم". مشروع استمر إلى حد ما في إدارة بايدن أيضاً حتى ما قبل السابع من أكتوبر وهزيمة الخطة الأمريكية.

 

والآن، ومع الأخبار التي تتردد هذه الأيام، فإن الأميركيين لم يكونوا خلال التطورات الجديدة التي تشهدها المنطقة شركاء في الجريمة فقط، بل تولوا أيضاً إدارة الحرب الصهيونية الجارية ضد غزة. وفي هذا الصدد، أعلنت صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام في تقرير لها أن الولايات المتحدة لم تبلغ بعد حكومة نتنياهو بوضوح بما ينبغي أن تفعله، لكنها لا تزال تدعم الغزو البري لغزة. ولهذا الغرض، أرسل البنتاغون جنرالاً يُدعى جيمس غلين، إلى جانب ضباط أمريكيين آخرين، إلى تل أبيب لمساعدة الصهاينة وتوجيههم في تحديات حرب المدن.

 

ويبدو أيضاً أن إدارة الحملة الإعلامية للصهاينة وتبييض جرائمهم هي أيضاً مسؤولية الأميركيين هذه الأيام. ففي الأيام الأولى من بداية التوتر الأخير، نشرت وسائل الإعلام الأمريكية الكذبة الكبرى القائلة بأن حماس قطعت رؤوس 40 طفلاً. ثم في الأسبوع الماضي، ادّعى جو بايدن والعديد من المسؤولين الأمريكيين كذباً صريحاً أن صاروخاً أطلقته حماس سقط على مستشفى المعمداني في غزة. والآن أيضاً يدّعي الرئيس الأمريكي أن الفلسطينيين يكذبون بشأن خسائرهم البشرية في قصف غزة، وذلك بهدف التستر على جزء ضئيل من جرائم الكيان الصهيوني القاتل للأطفال.

 

ذات مرة قال نورمان فينكلشتاين، المؤرخ والمؤلف اليهودي الأمريكي الشهير: «لا تستطيع "إسرائيل" أن تتخذ أي خطوة من دون دعم أمريكا. ولا يمكنها أن تتنفس من دون دعم أمريكا. إن الولايات المتحدة تزود "إسرائيل" بكل شيء، ومن الحماقة الاعتقاد بأن "إسرائيل" تستطيع أن تفعل أي شيء من دون الدعم الأمريكي». وهذا هو واقع التطورات التي تشهدها المنطقة اليوم. إن الكيان الصهيوني، الذي يعيش، بحسب العديد من المحللين، أيام أكبر كابوس له، وربما تعرّض لأكبر هزيمة له منذ تأسيسه، قد لجأ مرة أخرى إلى حليفه القديم لمواصلة حياته غير الشرعية. الحليف الذي نقل اليوم الغرفة الرئيسة لإدارة الحرب من تل أبيب إلى واشنطن، والشريك الحتمي في جرائم الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.