حمل خطاب الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي ألقاه يوم أمس الجمعة خلال احتفال تكريمي لشهداء الحزب الذين ارتقوا على طريق القدس، العديد من الرسائل المهمة، منها أن حزب الله ومحور المقاومة، لن يسمحا بسقوط غزة مهما كلف الأمر، وان الحزب انخرط في المعركة في اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى"، وان أمريكا هي التي تدير الحرب وما الكيان الإسرائيلي المهزوز سوى أداة.
سمعنا كثيرا من المغرضين خلال الأيام الماضية، الذين تجاهلوا المواجهات العنيفة والدامية بين مقاتلي حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي على الحدود مع فلسطين المحتلة، وهم يشككون بدعم حزب الله لغزة، وكأن 22 دولة عربية مع جيوشها وسلاحها وعتادها وجنرالاتها قد تبخرت، ولم يبق من العرب سوى حزب الله ليتحمل مسؤولية تقاعس الأمة عن نصرة غزة!، بينما الحزب كما شاهد العالم اجمع دخل المعركة منذ يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أي بعد يوم واحد من "طوفان الأقصى"، وقدم حتى الآن 56 شهيدا على طريق القدس.
لو كان موقف حزب الله موقفا تضامنيا سياسيا مع غزة، محصورا بالتظاهر والاحتجاجات، ولم يخض حربا حقيقة مع الكيان الإسرائيلي على مدى 28 يوما الماضية، لكان هذا الكيان مرتاحا عند الحدود الشمالية، وكانت قواته ستذهب إلى غزة، كما أكد السيد نصر الله، إلا أن ما جرى على الجبهة اللبنانية كان هاما وغير مسبوق في تاريخ الكيان الإسرائيلي، فهذه الجبهة خففت جزءا كبيرا من القوات التي كانت ستُسخّر للهجوم على غزة، فقد تم استقدام عدد كبير من قوات النخبة في القوات الصهيونية من باقي المناطق إلى الجبهة الشمالية.
السيد نصر الله، كشف عن أن ثلث جيش الاحتلال الإسرائيلي متواجد على الحدود مع لبنان، و نصف قدراته البحرية موجودة في البحر المتوسط مقابل لبنان، وربع قواته الجوية مسخرة في اتجاه لبنان، وما يقارب نصف الدفاع الصاروخي للكيان الإسرائيلي موجه أيضا في اتجاه جبهة لبنان. فإن لم يكن ذلك دليلا على أن حزب الله يخوض معركة حقيقة مع المحتل الإسرائيلي، فعلى ماذا يدل إذا؟، وإذا لم تكن هناك معركة حقيقة تجري على الجبهة اللبنانية، وإذا لم يستشعر العدو بان هناك خطر داهم، لم نزح عشرات الآلاف من سكان المستوطنات الإسرائيلية، في شمال فلسطين المحتلة؟!.
اللافت ان هذا الانخراط القوي لحزب الله في المعركة، يأتي في الوقت الذي تلقى الحزب، كما كشف السيد نصر الله في خطابه، تهديدا من الأمريكيين منذ اليوم الأول بأنّه "إذا فتح جبهة في الجنوب، فالطيران الأميركي سوف يستهدفه"، لكن هذا التهديد لم يغير من موقف الحزب، الذي قرر ومن ورائه محور المقاومة، على الا يسمحا بالاستفراد بغزة واجتياحها.
من رسائل السيد نصر الله الأخرى، تلك التي وجهها إلى الأمريكي، بعد أن أكد وفي أكثر من موقع من خطابه، بأنه هو الذي يدير الحرب بأدق بتفاصيلها، بعد ان بان ضعف وعجز الكيان الإسرائيلي، الذي ظهر بانه اوهن من بيت العنكبوت، وهو ما اضطر أمريكا أن ترسل أساطيلها وجنرالاتها وجنودها الى المنطقة، لإشعار الكيان المهزوم والمأزوم بالأمان أولا، ولتهديد حزب الله ومحور المقاومة ثانيا، ومنعهم من التدخل في المعركة، إلا أن رد السيد نصر الله على الأميركيين كان حاسما، عندما خاطبهم قائلا: "أساطيلكم التي تهددوننا بها في البحر المتوسط لا تخيفنا، ولن تخيفنا في يوم من الأيام، ولقد أعددنا لها عدتها أيضا".
حديث السيد نصر الله عن المقاومة العراقية والمقاومة اليمنية، التي تدخلت وبشكل مباشر في المعركة إلى جانب غزة، والجبهة اللبنانية المفتوحة على جميع الاحتمالات، وفشل جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد مضي 29 يوما من عدوانه على غزة، في التقدم داخل القطاع، وعدم اعتناء محور المقاومة باستعراض القوة التي تمارسها أمريكا في البحر المتوسط، والفظائع التي يرتكبها الصهاينة في غزة بدعم وتنسيق أمريكي، والتي جعلت الرأي العام العالمي ينقلب على "السردية الإسرائيلية" عن الصراع في فلسطين، والذي تجسد في التظاهرات غير المسبوقة التي شهدتها العديد من المدن الأوروبية والأمريكية، احتجاجا على وحشية "إسرائيل" والدعم الأمريكي الكامل لها، كل ذلك سيدفع أمريكا للوقوف مليا أمام رسائل السيد نصر الله، والتفكير مليا بالخسائر الاقتصادية والجيوسياسية التي ستتكبدها في المنطقة، في حال واصلت التغطية على توحش "اسرائيل".
أمريكا في حال واصلت سياستها المتطرفة الحالية، والمتمثلة بتبني الموقف الإسرائيلي بحذافيره في غزة، ستخسر ايضا نادي المطبعين العرب، الذين سيكونون في حرج كبير أمام شعوبهم، وهم يواصلون علاقاتهم مع كيان منبوذ متطرف عنصري قاتل للأطفال. بل إن الرئيس الأمريكي جو بايدن شخصيا، قد يخسر الانتخابات في حال تمادى في تبنيه لنتياهو وإجرامه، كما يفعل الآن، لاسيما بعد أن حذرت بعض الدوائر الأمريكية، من أن نتنياهو يعمل على توريط أمريكا في حرب في الشرق الأوسط، من اجل إنقاذ نفسه من المصير المحتوم الذي ينتظره وهو السجن، لذلك ليس أمام أمريكا من خيار لوقف هذا النزيف في مصالحها ونفوذها، الا خيار وقف نزيف الدم في غزة، فغزة لم ولن تكون يوما وحيدة، وستخرج من هذه المعركة منتصرة، كما أكد السيد نصر الله.
تعليقات الزوار