ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً للخبير في الشأن الفلسطيني محسن فايضي حول تاریخ احتلال الصهاينة لأرض فلسطين، الاحتلال الذي هو جريمة القرن الكبرى وغير المسبوقة، وأكبر مشروعٍ استعماري واستكباري سلب الفلسطينيّين أراضيهم وأرواحهم، ثمّ يلفت الكاتب إلى أنّ هذه الجريمة ومثيلاتها لن تدوم، وأنّ نظام الفصل العنصري الصهيوني سيزول حتماً كما زال نظام الفصل العنصري في أفريقيا الجنوبيّة.
الكاتب: محسن فايضي
يرى بعض الناس أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الأنظمة الحقوقيّة والمؤسسات الدوليّة، وهذا الادّعاء ليس بعيداً عن الواقع مع إلقاء نظرة على اللائحة التي تشمل مختلف المعاهدات وبيانات حقوق الإنسان... لكن الواقع أنّنا نعيش مرحلة يقوم فيها العالم على أساس نظام يجعل المستكبرين ومن يرون أنفسهم قوّة عالميّة يقدرون على استعمار شعوب العالم كافة من أجل تحقيق أهدافهم وزيادة ثرواتهم وسلطتهم، فهم لم يوفّروا أيّ ظلم وجور في هذا المسار، ولم يتخلّوا عن استغلال أيّ ازدواجيّة لمعايير حقوق الإنسان والمنظّمات الدوليّة.
أكبر مشروع استعماريّ واستكباري
إنّ ظلم فلسطين والظلم الذي لحق بأهلها أكبرُ مشروع استعماري واستكباري خلال القرن الأخير، كما أنّ الظلم الذي أصاب فلسطين وشعبها غير مسبوق خلال القرون الأخيرة. لقد احتلّوا الأرض وطردوا أصحابها الأساسيّين واستبدلوا بهم شعباً آخر.
يشدّد الإمام الخامنئي في مؤتمر «دعم فلسطين» (21/2/2017) على ما يلي: «إن بحثاً واعياً في التاريخ يبين أنه لم يواجه شعب من شعوب العالم في أيّ فترة من التاريخ مثل هذه المحنة والمعاناة والممارسات الظالمة، أن يتعرض بلد بأكمله للاحتلال بفعل مؤامرة تتجاوز حدود المنطقة، ويشرَّد شعب من دياره وأرضه لتحِلّ محلّه جماعة أخرى تأتي من مناطق شتى من العالم.»
احتلالٌ بالطّعم المرير لسلب الحقوق
احتُلت فلسطين بناء على الادّعاء الواهي بكونها الأرض المقدّسة لليهود، فهاجر هؤلاء من أنحاء العالم إلى المكان الذي يُسمّى «أرضٌ بلا شعب». وفق الإحصاءات الرسميّة، تضاعفت أعداد السكان اليهود في أرض فلسطين من 60 ألفاً في زمن انتداب الجيش البريطاني لفلسطين عام 1920 إلى أكثر من 650 ألفاً عام 1948 وقبل يوم النّكبة.
بعدما هيّأت بريطانيا الظروف لهجرة أعداد كبيرة من الصهاينة إلى فلسطين على نحو غير قانوني تطبيقاً لوعد بلفور الذي أطلقته عام 1917، أفسحت المجال أمامهم من أجل الارتقاء بـ«الوكالة اليهوديّة» وتشكيل بنى شبه حكوميّة وعسكريّة في فلسطين. وقد ارتكبت جماعات «الوكالة اليهوديّة» العسكريّة الإرهابيّة التي تكوّنت من المهاجرين خلال هذه المدّة 32 مجزرة جماعيّة مثل: دير ياسين والطنطورة وحيفا، مع تدمير أكثر من 478 قرية وتهجير مئات الفلسطينيّين.
بداية 1947، طلبت بريطانيا بصفتها المنتدبة لفلسطين من الأمم المتحدة أن تجعل قضيّة فلسطين على لائحة أعمالها. في ذاك العام، كان الصّراع بين الفلسطينيّين واليهود المهاجرين والقوات البريطانيّة بلغ ذروته. كانت القوى العُظمى في ذلك الزمان تحتاج إلى تقسيم فلسطين من أجل تأسيس الكيان الصهيوني حتى يُضفوا غطاء حقوقيّاً على الغدّة السرطانيّة الوخيمة في المنطقة الإسلاميّة. لتحقيق هذه الغاية، لجؤوا إلى الأمم المتحدة وعرضوا مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين. ولأنّهم لم يستطيعوا في البداية حصد أكثر من ثلثي الآراء، وحين وجدوا في 26/11/1947 أنّ القرار المذكور سيلقى الرّفض في حال التصويت عليه، حكم الرئيس البرازيلي للأمم المتحدة بتأخير التصويت على القرار.
بعد ذلك بذل الصهاينة والأمريكيّون جهوداً كبيرة من أجل حصد المزيد من الآراء. على سبيل المثال، قدّموا إلى أزواج ممثّلي دول أمريكا اللاتينيّة هدايا متعدّدة من قبيل الألماس والمعاطف الجلديّة الباهظة، كما أنّ أمريكا قدّمت وعوداً بتقديم المساعدات الاقتصاديّة إلى الحكومات التي تُصوّت لمصلحة القرار. حتى إن دولاً من قبيل غواتيمالا وليبيريا والفيليبين كانت بين الدول التي غيّرت رأيها بالتهديد أو الطمع.[1]
الجريمة
جرى إقرار تقسيم فلسطين في 29/11/1948 بالحدّ الأدنى من الآراء التي انقسمت إلى 23 رأياً مؤيّداً و14 معارضاً و10 آراء ممتنعة، ليولد المولود غير الشّرعي المسمّى "إسرائيل". ووفق هذا القرار الذي أُقرّ قبل 75 سنة، تُمنح 55% من أراضي فلسطين لليهود الذين كانوا رغم الهجرات الواسعة التي حظيت بالدعم البريطاني لا يشكّلون حتى ذاك العام سوى 31% من نسبة السكّان ويمتلكون 6% من الأراضي الفلسطينيّة.
لاقى القرار 181 للجمعيّة العامّة في الأمم المتحدة اعتراضات حقوقيّة مرّات عدة، لأنّ قرارات المجمع العام للأمم المتحدة ليست مُلزمة ولا تفرض أي إلزام ضمن إطار ميثاق الأمم المتّحدة نفسها. و181 ينقض في أساسه أصل تشكيل منظّمة الأمم المتحدة القائمة على إحقاق حقوق الشعوب في مجال تمتّعها بالحريّة وتحديدها مصيرها بيدها.
أيضاً إنّ توسيع الأراضي المحتلّة خلافاً لقرار 181، ومجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، والبدء في بناء الجدار العازل منذ 2002، وارتكاب أكثر من 2700 عمليّة اغتيال حتى 2022 وعشرات المجازر الجماعيّة بحقّ الشعب الفلسطيني في 2009 و2015 و2021 تشكّل جزءاً من جرائم الكيان الصهيوني الدموي.
لقد ترافقت 75 سنة من احتلال الأراضي وارتكاب المجازر مع ردود أفعال طبيعيّة من أصحاب الأرض الأصليّين. كما أنّ الإمام الخامنئي أكّد في مراسم التخريج لطلاب جامعات الضبّاط التابعة للقوات المسلّحة - بعد مرور ثلاثة أيام على عمليّة «طوفان الأقصى» - ما يلي:
«ممارسات الصهاينة أنزلت هذه الكارثة على رؤوسهم. فعندما يتعدّى الظلم والإجرام حدوده وتبلغ الوحشيّة منتهاها، لا بدّ من انتظار الطوفان. إنّ مبادرة الفلسطينيّين الشجاعة والمضحّية في الوقت عينه كانت ردّاً على جرائم العدوّ الغاصب التي تواصلت أعواماً واشتدّت خلال الأشهر الأخيرة، والمقصّر أيضاً الحكومة الحاليّة للكيان الصهيوني الغاصب. في تاريخ العالم المعاصر - على حد علمنا في هذه الفترة الأخيرة للعالم [أي] الأعوام المئة الأخيرة أو أكثر - لم يواجه أي شعب مسلم عدواً مثل الذي يواجهه الفلسطينيون اليوم. لم يتعرّض أي شعب من الشعوب المسلمة للضغط والحصار والضّيق مثل الشعب الفلسطيني. لم نجد ذلك في العالم اليوم، ولا في هذه الفترة الآن أمام أعيننا. وكان سلوك هذا الكيان على هذا النحو: لم يرحم النساء والرجال، ولم يرحم الأطفال والشيوخ الفلسطينيين، وهتك حرمة المسجد الأقصى وأفلت المستوطنين مثل الكلاب المسعورة ليتعرضوا للشعب الفلسطيني، وسحق المصلين ركلاً تحت الأرجل. حسناً ماذا يفعل أيّ شعب مقابل هذا الظلم والإجرام كله؟ ما رد الفعل الذي يُظهره شعبٌ غيور وعريق – الشعب الفلسطيني ليس شعب اليوم والأمس؛ إنه شعب متجذر لآلاف السنين – أمام هذا الظلم كله؟ من الواضح طبعاً أنه سيفجّر الطوفان.»
تكرار التاريخ: زوال الظلم ونظام الفصل العنصري
نظام الفصل العنصري في أفريقيا الجنوبيّة نموذجٌ على أن الأنظمة العنصريّة وأنواع الظلم الممنهج لا تدون مقابل الشعوب. يعود بدء التمييز العنصري في أفريقيا الجنوبيّة إلى أواسط القرن السابع عشر ودخول السفن الهولنديّة الثلاث إلى خليج تيبل. فبعد خمسة أعوام من دخول السفن الهولنديّة، بدأ أهالي المنطقة شنّ هجمات ضدّ الهولنديّين، وقد لاقت كلّها الهزيمة لكنّها كانت نقطة البداية لشرح نوع العلاقة بين السود والبيض على مرّ القرون الثلاثة المقبلة: دورة القمع والمقاومة.
ما جرى في الحرب العالميّة آل إلى تأسيس حكومة نظام فصل عنصري لأفريقيا الجنوبيّة عام 1948، أي تماماً في العام نفسه الذي نشأ فيه نظام الفصل العنصري الصهيوني. لن يُكتب الخلود والاستمرار للظلم وارتكاب الجرائم، ولا ريب في أن مصائر أنواع الظلم والجرائم كافة واحدة. يقارن الإمام الخامنئي نظام الفصل العنصري لأفريقيا الجنوبيّة مع نظام الفصل العنصري الصهيوني قائلاً: «لقد زال ذاك النظام ولقيَ الفناء، وهذا النظام سيزول أيضاً وسوف يفنى».
حارب نيلسون مانديلا وسائر قادة أفريقيا الجنوبيّة إلى جانب شعب هذا البلد أعواماً ضدّ نظام التمييز العنصري هذا، إلى أن أُجريت انتخابات رئاسة الجمهوريّة في أفريقيا الجنوبيّة بعد 46 سنة من النضال في نيسان/أبريل 1994. إنّ تجربة نظام الفصل العنصري في أفريقيا الجنوبيّة ماثلة أمام الفلسطينيّين والقادة الصهاينة المجرمين، والشعب الفلسطيني يرى تحقّق نتيجة هذه التجربة على أرضه قريباً مع تمسّكه بالصّبر والإرادة، ولا يجد المحتلّون المجرمون الصهاينة مفرّاً من ذلك رغم تخبّطهم ورفع وتيرة جرائمهم.
[1] محسن محمد صالح، كتاب القضية الفلسطينية: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة، ص.
تعليقات الزوار