الإمام الخميني: نباغة فكر وملكوتية روح وثورة وعي

 ألم الذكرى:

حيَّيتُ قبرك في ذكراك محزوناً           لّما فقدنا التقى بالعلم مقروناً

يا قبرُ كم قد حويت اليوم أمنيةً           كانت ترفرف فـي دنيا أمانينا

حويت ديناً وأخلاقاً منـزهـةً           حويت علماً عن الأبصار مكنوناً

كنّا نناجيـك حياً وسط نشوتنا           واليوم ذكراك أحزاناً تُناجيـنا

سوف أظل أقول من أنا حتى أكتب في شخصية عملاقة في نبوغة فكرها معرفة وعلماً، وملكوتية روحها عرفاناً ومعنوية، وسياسة قيادتها حنكة وحكمة؟!, هو البحر في عطائه المادي والمعنوي والأخلاقي والعلمي والمعرفي, كيف أكتب في شخصية لم نتمكن من التعرف على معالمها وأسرارها لحد الآن بشيء يذكر؟!، وأتصور أنه لا يعرف الخميني إلا الخميني نفسه ومن عاش في بحر شخصيته وغاص في أعماقها، أما نحن فما زلنا واقفين على ساحل بحر شخصيته الفذة نتفرج لعله يصيبنا من قطرات أمواجها شيء.

شخصٌ هو أمة في رجل حوى الصفات الغر ووصل إلى الكمالات المعنوية بعرفانه وأخلاقه في سيره وسلوكه إلى الله, رجل جسد الإسلام كله وأجبر أعداءه على احترامه وتعظيمه, يقول الرئيس الأمريكي سابقاً كارتر بعد رحيل الإمام: لو تسمح لي إيران بالدخول إلى أراضيها حتى أضع وردة حمراء على قبر الخميني، هذا إنما يدل على مدى مكانة شخصيته الكريمة عند أعدائه وتقديرهم له, عندما كان في فرنسا في مدينة نوفل لوشاتو كان الكثير من أهل هذه المدينة من المسيحيين قد تأثروا من شخصيته العظيمة حتى إنهم كانوا يعتقدون أنه المسيح أو إن شخص المسيح تمثل في شخصه والكثير الكثير من القصص التي لا مجال لذكرها في هذا المقال المتواضع.

الإيمان بالمبدأ:

عندما يمتلك شخصٌ مقومات القيادة من إدارة وسياسة وثبات واستقامة ووعي وصبر وحنكة وحكمة وشجاعة وفوق كل ذلك إيمان بالمبدأ فإن النجاح أو النصر سيكون حليفه لا محالة، وهكذا كان السيد الإمام الراحل رضوان الله عليه.

وإني أعتقد أن سر انتصار الإمام في ثورته المباركة هو إيمانه واطمئنان قلبه بنصر الله له – وهو أقوى سلاح كان الإمام يمتلكه- رغم عدم التكافؤ المادي المسلّح بينه وبين الشاه المقبور، ولهذا اعترض بعض المراجع على قيام الإمام وأن الهزيمة واقعة وأكيدة، ولكن السيد الإمام كان دائماً يقول إن الله وعدنا بالنصر ولن يخلف الله وعده، ولو بقيت وحيداً سوف أواصل طريقي «إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم»، وبالفعل نصر الله عبده وأنجز وعده وهزم الشاه وأذله وأعز الإمام وجنده، وحينئذٍ قال أحد المراجع المعترضين إبان الثورة: «كلنا انزلقنا وثبت الإمام».

الذوبان:

عندما نكتب مقالاً ونستشهد بكلام الإمام البعض من الإخوة القراء الأعزاء يقول إننا متعصبون للإمام، أليس الإمام على حق والحق أحق أن يتّبع؟ أليس التعصب للحق مطلوباً في الإسلام؟ أليس من حاز على الصفات الكمالية والإيمانية ونجح في قيادة ثورة إسلامية والقضاء على الطاغوت وكوّن دولة إسلامية «شيعية», أقول أليس هو محل الاقتداء؟ وأقول لمن يصفنا بالتعصب للإمام على الرغم من أنها صفة حميدة إلا إنني لستُ من مقلدين الإمام وما أنا إلا محب وعاشق للإمام.

دعك مني ومن غيري وعليك بالشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر الذي يُعد بحق مفخرة العالم الشيعي وأحد المفكرين والنوابغ ومن المنظرين في مجال الفلسفة والاقتصاد وأحد مراجعنا الكبار, كان يوصي دائماً ويقول: ««ذوبوا في الإمام كما ذاب هو في الإسلام»، والعجب كل العجب من يقول إنه تأثر بالشهيد الصدر ومن يضعون صوره في مجالسهم تراهم يغضون الطرف عن هذه الوصية الهامة جداً، هل هو حقد أم حسد؟ لا أدري.

إن يحسدوك على عُلاكَ فإنه متسافل الدرجات ويقول الشهيد السعيد السيد الصدر في رسالته التوجيهية لتلامذته «رسالة الواجب والفداء» بعد انتصار الثورة بقيادة الإمام الخميني: «ويجب أن يكون واضحاً أيضاً أن مرجعية السيد الخميني التي جسدت آمال الإسلام في إيران اليوم لابد من الالتفاف حولها والإخلاص لها وحماية مصالحها والذوبان في وجودها العظيم بقدر ذوبانها في هدفها العظيم."أبوكم"»

وفي موقف آخر بعد الانتصار وتكوين الدولة يقول: «لو يقبلني الإمام الخميني أن أكون وكيلاً أو جابياً في إحدى قرى دولته المباركة، هذا وهو المرجع والمفكر الكبير والنابغة الفذ السيد الصدر فكيف بنا نحن؟».

 دعوة وتمعن:

أدعو الجميع بدءً بنفسي وأساتذتنا المشايخ والزملاء من طلاب العلوم الدينية المحترمين والأكاديميين وأبنائنا وشبابنا وشاباتنا أن لا يحرموا أنفسهم من عطاء الإمام الفكري والعرفاني والأخلاقي والسياسي والثوري وأن يسيروا على نهجه المبارك الذي هو نهج الإسلام الأصيل, نهج أهل البيت  وأن يقفوا وقفة تأمل وتفكر حول كلمة الشهيد السعيد السيد الصدر ««ذوبوا في الإمام كما ذاب هو في الإسلام».