مبادئ الإمام الخميني العرفانية

إن الإمام الخميني (قدس سره) بالإضافة إلى أنه عارف وسالك فإن لديه الكثير من المؤلفات في مجال العرفإن النظري والعملي. وبصورة عامة فإن أساس فكر ودراسات الإمام الخميني يدور حول العرفإن وإن أول مؤلف للإمام الخميني خلال فترة شبابه هو دراساته في هذا المجال.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن العرفان هو دراسة عالم الوجود والله والعلاقة بين الإنسان ونفسه وبينه وبين الله، ويطرح سبل التقرب الى الله سبحانه وتعالى والتي تعرف باسم السير والسلوك.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل أن المبادئ العرفانية للإمام الخميني قد تركت تأثيراً على أفكاره السياسية؟

هناك وجهات نظر متعددة بشأن العلاقة بين العرفان والسياسة. فالبعض يعتقد أن الفكر العرفاني بإمكانه أن يكون أساساً للفكر السياسي لأن الفكر العرفاني يعتمد على أساس الابتعاد عن الدنيا. في حين أن الفكر السياسي يعتمد على أساس البناء وادارة العالم. في المقابل هناك مجموعة أخرى تعتقد بأن العرفان والسياسة متلازمان، ومن خلال الفكر العرفاني يمكن خلق فكر سياسي، وبالتالي يصبح الفكر العرفاني الركن الأساسي للفكر السياسي.

والإمام الخميني أحد الذين أكدوا على العلاقة بين العرفان والسياسة، ويقدم تعريفاً للسياسة والعرفان مما يؤكد ارتباطهما. حيث يقول: بعض المجاميع تتصور أن العرفإن عبارة عن: أن يعتكف الشخص في مكان ما ويقوم بقراءة الأدعية وممارسة بعض الحركات. فهل هذا هو العرفان ؟ إنهم يتصورون أن العارف هو الذي يترك الدنيا ويقرأ الدعاء ويردد بعض الأذكار.

ويواصل الإمام: إن هذا الأسلوب لا يتفق مع سيرة الأئمة. فالكثير من الأئمة والأنبياء مثل: إبراهيم وموسى ومحمد وأميرالمؤمنين(ع) وبالرغم من كونهم عرفاء فإنهم كانوا يتطرقون للسياسة ويمارسون العمل.

إن الإمام يعتقد بأن الفكر الذي أنير بمعرفة الله تعالى، ينبغي أن ينعكس على المجتمع لكي يستفيد من ذلك الجميع ويصرح: «إن الاعتزال الذي يمارسه الصوفيون ليس دليل على الارتباط بالله وليس الدخول في المجتمع وإقامة حكومة دليل على الانفصال عن الله تعالى، إن المعيار هو تنفيذ النوايا».

في الحقيقة فإن الإمام الخميني يرفض، استناداً لنظرته إلى العرفإن ، الفصل بين الدنيا والآخرة ويقول:

لا ينبغي أن يتصور أحد أن الإسلام جاء فقط لإدارة العالم أو جاء فقط للاهتمام بالآخرة أو جاء فقط لكي يتعرف الناس على المعارف الإلهية وتقييدهم بأشياء خلافاً للواقع. إن الإنسان غير مقيد، وعدد المربين أيضاً غير محدود. كما إن تربية الإنسان طبقاً لتعاليم القرآن غير محدودة.

وفي رسالة لنجله اعتبر الإمام جوهر العرفان بأنه النية الإلهية وكان يشجع نجله لخدمة الناس بالتزامن مع تهذيب وتزكية النفس وكان يعتبر ذلك بأنه طريق الصالحين، وقد جاء في رسالته:

إن الذي قلته لا يعني أن تنفصل عن المجتمع وتنتهج العزلة تعتبر نفسك أفضل من الآخرين لأن ذلك من صفات الناسكين الجاهلين أو الدرأويش التجار.

إن الأنبياء العظام(ع) والأئمة الأطهار (ع) الذين يمثلون رواد العارفين بالله والزاهدين بكل القيود والمرتبطين بالله سبحانه وتعالى، والذين هم أيضاً رواد النهضات المتعددة ضد الحكومات الطاغوتية وفراعنة العصر ورواد تحقيق العدالة في العالم قد عانوا الكثير وبذلوا أقصى الجهود لكي يمنحوننا الدروس. هذه الدروس التي ستنير طريقنا إذا كانت لدينا بصيرة (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم).

إن الإمام الخميني يعتقد بأن الوصول إلى المعشوق يتم من وسط المجتمع والناس، وبالطبع فإنه يقصد بالمعشوق، الله سبحانه وتعالى.

ولدي العزيز، لا اعتزال الصوفيين دليل على الارتباط بالله ولا الدخول الى المجتمع وإقامة الحكومات دليل على الإنفصال عن الله. ان المعيار هو في العمل ودوافعه. فهناك الكثير من الزهاد الذين وقعوا في فخ الشيطان مثل الغرور والتكبر والأنانية والنرجسية وتحقير الآخرين والشرك وأمثال ذلك مما يبعده عن الله سبحانه وتعالى. وهناك الكثير من الذين تصدوا لشؤون الحكومة بدافع إلهي ونوايا طيبة بهدف التقرب من الله مثل النبي داود والنبي سليمان(ع)، والأكثر من ذلك الرسول الأكرم(ص) وخليفته علي بن أبي طالب(ع) والإمام المهدي (أرواحنا له الفداء) ففي عهده ستكون الحكومة شمولية. إذاً فإن معيار العرفان والحرمان هو الدافع أو النوايا. فكلما كان الدافع والنوايا شفافة وأقرب للفطرة، كلما ابتعد الحجاب وأصبح الإنسان أقرب إلى مصدر النور.

إن الإمام الخميني يعتقد بأن الوصول إلى المعشوق يتم من وسط المجتمع والناس، وبالطبع فإنه يقصد بالمعشوق، الله سبحانه وتعالى.

يعتقد الإمام الخميني أن الإنسان الكامل بعد قطعه المراحل الأربعة الخاصة بالعرفإن، فإنه سيصل إلى مستوى هو أقرب لمستوى ومكانة الأنبياء والأئمة، وأن العارف الذي لا يصل إلى المرحلة الرابعة (أي من الحق إلى الخلق) ولا يساعد الآخرين فإن هذا العارف لن يصل إلى حد الكمال.

يقول الإمام الخميني حول آداب الصلاة:

«إن السالك الذي يسعى للوصول إلى طريق الحقيقة عليه أن يستقبل رحمات الله في قلبه ويؤمن بأن الله رحمان ورحيم والدليل على تحقيق ذلك فإن السالك سيتصف بنفس هذه الصفات خلال تعامله مع عباد الله الآخرين ويسعى إلى تحقيق الخير والصلاح للجميع».

إن الإمام يعتقد بأن العارف الحقيقي هو ذلك الإنسان الذي يؤمن بأن الله موجود في كل مكان وزمان وبأنه شاهد على كافة أعماله. كان الإمام يسعى لترسيخ هذه الفكرة حتى بين رجال السياسة. حيث يقول للمسؤولين:

«نحن جميعاً داخل قاعة اختبار الله سبحانه وتعالى، فعندما تكتبون شيئاً أو تتحدثون عليكم أن تعلموا أن الله شاهد على كل شيء لأنكم في قاعة اختبار الله سبحانه وتعالى، أن العالم بأجمعه هو ساحة اختبار الله. فلا تعصوا الله في هذه الساحة. إنني انصح كافة الكتاب والمتحدثين والخطباء، أن الله شاهد على لسانهم وقلمهم وإنهم سيحاسبون على ذلك».

إن الإمام كان ينظر إلى السلطة أيضاً من نفس المنظار، ففي شرحه لدعاء السحر يقول:

«إن السلطة هي وسيلة لإثبات الحق واستقرار نظام الحق. إن السلطة الوحيدة التي بإمكانها تحقيق الحق في عالم البشرية هي السلطة النابعة من الذات الإلهية بصورة مباشرة. فالسلطة والقدرة هي من الصفات الإلهية».

على هذا الأساس، فإن المبادئ العرفانية للإمام الخميني، أي نظرته العرفانية لعالم الوجود والله ونوع العلاقات الإنسانية، كانت لها تأثير على افكار الإمام السياسية، الأمر الذي جعل الفكر السياسي للإمام يتمتع بخصائص لا توجد لدى الآخرين. وعند دراسة محأور الأفكار السياسية للإمام نلاحظ بوضوح مدى تأثرها بالفكر العرفإني.

اعداد: سيد مرتضى محمدي

المصدر: تبيان