رمزية يوم القدس العالمي لدى الإمام الخميني
شهر رمضان، شهر الله الذي أُنزل فيه القرآن أحد مواسم الوحدة الإسلامية. في هذا الشهر العظيم تصوم الأمة الإسلامية بكل مذاهبها ومشاربها، يكثر المسلمون من الدعاء والصلاة والتوجه إلى الله. لون المسلمين في هذا الشهر لون واحد بل صبغة من الله يقترب المسلمون من خلاله إلى ما يريده الله عز وجلَّ لهم بل للعباد أجمعين. حال المسلمين في هذا الشهر يختلف تماماً عن حالهم في بقية الشهور. يخفُّ اهتمام المسلمين إلى أمورهم الشخصية ويرتقي إلى اهتمامهم بقضايا المسلمين وبهموم الأمة بل بهموم الإنسانية. يأتي اختيار الإمام الخميني(رحمه الله) الذكي ليوم الجمعة الأخير من شهر رمضان وإعلانه يوم القدس العالمي ليضيف حافزاً جديداً لشدّ وحدة المسلمين من جانب ومن جانب أخر ليستفيد من قوة المسلمين في وحدتهم الرمضانية لصالح القضية الأهم، القضية الفلسطينية. من هذا المنطلق يمكن لنا أن نقرأ في مبادرة الإمام الخميني(رحمه الله) هذه أكثر من رسالة من جملتها:
1- القدس بما يحظى من المكانة الرفيعة لدى المسلمين كافة، يعتبر رمزاً لوحدة المسلمين ويمكن رفع القدس شعاراً للوحدة الإسلامية.
2- القضية الفلسطينية قضية المسلمين وليس فقط قضية شعب فلسطين الذي احتلَّت أرضه وشُرِّد من بيته وأغتصب حقه وأيضاً ليس فقط قضية العرب باعتبار الشعب الفلسطيني جزءً من القومية العربية. نعم القضية الفلسطينية قضيتهم باعتبارهم أحد المكونات الأساسية للأمة الإسلامية.
3- الحل للقضية الفلسطينية لا يأتي إلاّ من خلال وحدة المسلمين وتركيز جهودهم لاسترجاع حقوق الفلسطينيين المسلوبة.
الإمام الخميني (رحمه الله) باعتباره قائد الثورة الإسلامية ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإعلانه يوم القدس العالمي رسم أحد المحاور الإستراتيجية في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذا من جانب ومن جانب آخر مبادرة الإمام الخميني باعتباره مرجعاً دينياً في إعلان يوم القدس العالمي جاءت تتويجاً لموقف علماء الشيعة وخاصة العلماء الإيرانيين من القضية الفلسطينية منذ زرع الكيان الصهيوني في قلب فلسطين وحدوث النكبة. تاريخ علماء الشيعة بما يتمتعون من الاستقلال حافل بمواقف شجاعة ضد الظالمين دعماً للمظلوم مقتدياً بسيرة أهل البيت (عليهم السلام) ومدعوماً بفكر أهل البيت(عليهم السلام). آية الله الشهيد مرتضى مطهري يعبر من خصوصية علماء الشيعة هذه بقوله «علماء الدين الشيعة، يؤلفون مؤسسة مستقلة بذاتها، روحياً، اعتمادها علىالله واجتماعياً على الأمة وهذا يفسر بقاء هذه المؤسسة قوة بوجه الاستبداد على طول التاريخ» علماء الشيعة مستنداً إلى خليفتهم العقائدية وانطلاقاً من واجبهم الديني منذ بدايات شعورهم بالخطر على فلسطين، أخذوا موقفاً صارماً لصالح الفلسطينيين رافضاً أية مساومة في مواجهة الخطر الصهيوني. هناك وثيقة في أرشيف وثائق الخارجية في وزارة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي رسالة العلامة محمد حسين كاشف الغطاء من أهم علماء الشيعة في النجف رداً على استفتاء محمد صبري عابدين، معلم الحرم القدسي الشريف، يقول فيها: «يقول الله جل شأنه وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنَّ أخذه أليم شديد. فأيُّ ظلم أكبر من أن يفرط الإنسان بحقوق أجداده وأحفاده، بل يمكن القول أي ظلم أكبر من أن يفرط الإنسان بمقدساته ودينه وأن يتجاهل قرآنه وقيمه».
ثم يتطرق العلامة إلى موضوع بيع الأراضي الفلسطينية والحكم الشرعي بشأن الأشخاص الذين يشاركون في إنجاز مثل هذه المعاملات ويقول: «. . . ألا يدركون أن هذا البيع هو حرب ضد الإسلام؟ وهل يشك أحد من أنَّ هذا البيع أو المساعدة فيه أو السعي إليه أو السمسرة به هو حرب على الله والنبي(صلى الله عليه وآله) ومخالفة صريحة للإسلام؟
أخرجوا هؤلاء من الدين وساحة الإسلام وعاملوهم كالكفار وأبعدوهم عن أي عمل ولا تتزوجوا منهم ولا تعاشروهم ولا تتعاملوا معهم ولا تسلموا عليهم ولا تحادثوهم ولا تشيعوا موتاهم ولا تدفنوهم في مقابر المسلمين. أسماء هؤلاء يجب أن تعلَّق في جميع المحافل والنوادي وتنشر في الصحف والمجلات تحت عنوان «الخارجون من الدين»
مع طرح مشروع تقسيم فلسطين في عصبة الأمم، بدأت المواجهة بين علماء الدين والغرب وقد رفع علماء الشيعة الإيرانيين المقيمين في العراق راية هذه المواجهة إذ قام هؤلاء بدعوة علماء المسلمين إلى اتخاذ موقف صريح وواضح من هذا الموضوع. السفارة الإيرانية في بغداد أرسلت تقريراً عن تحرك العلماء الإيرانيين في تاريخ 2/8/1937م كتبت فيه: «قام السادة هبه الدين الشهرستاني ومحمد مهدي الصدر ومحمد مهدي الأصفهاني ومحمد مهدي الخراساني وهم من العلماء الإيرانيين الساكنين في بغداد والكاظمية والشيخ راضي آل ياسين وهو من علماء الشيعة العرب ومعهم الشيخ يوسف عطا مفتي بغداد وحبيب العبيدي مفتي الموصل وإبراهيم الراوي وهؤلاء الثلاثة هم من علماء الطراز الأول في الموصل وبغداد، هؤلاء جميعاً قاموا بتوجيه برقية إلى عصبة الأمم ووزارة الخارجية البريطانية جاء فيها: نحن الممثلون الروحيون للمذاهب الإسلامية نعلن عدم رضانا واعتراضنا على قرار اللجنة الملكية بشأن تقسيم فلسطين البلد الإسلامي والعربي العزيز ونعتبر ذلك ضربة موجهة إلى قلب الإسلام والعرب».
في شهر محرم سنة 1357 هجري قمري الموافق سنة 1938 ميلادي وجه آية الله السيد أبو الحسن الأصفهاني رسالة إلى السفارة الإيرانية في بغداد أعرب فيها عن أمله بأن تبذل الحكومة الإيرانية جهودها في عصبة الأمم لإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة. كذلك أقدم العلامة كاشف الغطاء على خطوة مماثلة فوجه رسالة إلى غازي ملك العراق وطلب منه العمل في عصبة الأمم للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. السفارة الإيرانية أرسلت تقريراً عن هذه التحركات إلى وزارة الخارجية الإيرانية في سنة 1938 ميلادي جاء فيه «قام العلماء العرب الشيعة في النجف مجدداً بإرسال برقيات إلى الملك غازي والمفوض السامي البريطاني شكوا فيها مظالم الانكليز في فلسطين. الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي هو من مشاهير العلماء العرب في النجف، بعث هو الآخر برقية مماثلة إلى المفوض السامي البريطاني واللجنة الفنية البريطانية وأضاف عليها أنَّ الشعب يطلب من العلماء إصدار فتوى الجهاد».
حسب قسم آخر من هذا التقرير، أكدت السفارة الإيرانية أنَّ صحيفة «النهار» التي كانت تصدر في بغداد نشرت خبراً جاء فيه «أنَّ علماء الإسلام سيجتمعون تحت قبَّة أمير المؤمنين(عليه السلام) في النجف للتباحث في إصدار حكم بالجهاد وسيصدر الحكم موقَّعاً من قبل جميع السادة العلماء وسيترأس الاجتماع الشيخ كاشف الغطاء. لهذا الغرض وجَّه علماء الشيعة دعوة إلى علماء سوريا ولبنان والأردن ومصر واليمن والإمارات في الخليج الفارسي وتركيا وأفغانستان وإيران للمشاركة في هذا الاجتماع. حسب خبر صحيفة القبس الدمشقية العدد 1496 والمؤرخ 12/9/1938م بعد هذه الجلسة أصدر العلامة كاشف الغطاء حكم الجهاد جاء فيه:
«أيها المسلمون، أيها العرب أيها الأخوة أيها البشر، الوضع الذي آلت إليه فلسطين المذبوحة بات واضحاً للعيان وكما قلنا ونكرِّر فإن قضية فلسطين لا تخص فلسطين وحدها . . . أيها العرب، أيها المسلمون، أيها البشر، إن الجهاد في فلسطين بات واجباً على كل إنسان وليس على العرب والمسلمين وحدهم. إنها دعوة ونداء عام أوجهه إلى العرب والمسلمين ويعلم الله أنني تجاوزت عقدي السادس من عمري ولولا تكالب الأمراض التي هشمت عظامي، لكنت أول الملبين لهذه الدعوة».
مع الأسف هذا التحرك العلمائي وهذا الموقف الصارم والريادي من العلماء لم يلق تجاوباً يليق بالأمة الإسلامية مما كان ينذر بمرض في جسم العالم الإسلامي والذي أشار إليه صراحة العلامة كاشف الغطاء في رسالة أخرى بتاريخ 18/12/1938م نقلتها صحيفة القبس الدمشقية في عددها 1565 المؤرخ 25/12/1938م جاء فيها:
«يقولون أنّ هناك أربعمائة مليون مسلم على سطح الكرة الأرضية. فما الذي يحدث لو أنَّ واحداً من كل عشرة من هؤلاء يتحرك مدفوعاً بالغيرة لأداء واجبه حيال فلسطين ودعم المجاهدين هناك؟ لو يحدث هذا فستحل عقدة فلسطين بالتأكيد وستنتهي مشكلتها. . . فو لله إننا متأخرون عن المرحلة كثيراً وحتى الآن لم نقل ما يجب أن نقوله. مؤتمرات تعقد وقرارات تصدر ووفود تذهب إلى لندن ومع ذلك فإن قوات الانكليز تقوم بقتل النساء الحوامل في فلسطين وتسفك دماء الأبرياء وتواصل هذه الممارسات بكل صلافة وتحد. أما الحجاز والأردن فإنهما يريان ويسمعان كل شيء ومع ذلك فإنهم يتجولون بكل متعة وسرور ولَيَتَهم اكتفوا بهذا وكفّوا شرَّهم عن فلسطين وتوقفوا عن مساعدة الظالمين. أما عموم المسلمين في أقطار الأرض فليس بيدهم سوى الاحتجاج والخطابة والضجيج والمقالات والشعر وبعض المساعدات المادية القليلة جداً فيما يملك الكثير من المسلمين الآلاف بل الملايين من الليرات. فهل سمع أحد أنَّ أحد هؤلاء تبرَّع بألف ليرة انكليزية لفلسطين كما يفعل اليهود في العالم لجماعتهم رغم قلّة عددهم وسوء سلوكهم».
العلامة كاشف الغطاء يشير في نهاية رسالته هذه إلى مكمن المرض في العالم الإسلامي ويقول «مع كل هذه، ليت المسلمون يعترفون بالحقيقة ويعلنونها دون أي غطاء. حقيقة أن بلاء المسلمين يكمن فيهم وهو أكبر بكثير من بلاء الصهيونية والإنكليز. هذه الحقائق الواضحة يعلمها الجميع لكن لا أحد يعلنها»
هناك وثيقة في وزارة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي تقرير مندوب إيران لدى عصبة الأمم بتاريخ 6/8/1937م يرسم بوضوح موقف الدول الإسلامية من القضية الفلسطينية ومما جاء فيه «وصل إلى جنيف عدد من ممثلي السكان العرب في فلسطين وفي يوم الاثنين الثاني من أغسطس جاء الوفد إلى ممثلية إيران وأجرى مفاوضات معي وقد استنتجتُ من مضمون الحديث بأنَّ الحكومة العراقية هي الوحيدة التي قدمَّت لهم مساعدة رسمية حتى الآن . . . فابن سعود ردَّ عليهم بجواب مبهم والأمير عبد الله (ملك الأردن) غير واضح في جوابه وأغلب الظن أنه يتخذ موقفاً مسالماً في هذه الأزمة. كما لم يروا أي تجاوب من تركيا . . . أحد أعضاء الوفد قال لي بصراحة بأنَّ تركيا متحالفة حالياً مع السياسة الانكليزية والفرنسية ولا تملك أية مواقف مستقلة وطبيعي أنني كنت التزم الصمت خلال هذه اللقاءات وكنت أقدم لهم الوعود فقط ». تقييم القنصلية الإيرانية في فلسطين في هذا العام (العام 1937م) عن الأوضاع الداخلية للدول الإسلامية يوضح الأكثر ما استنتجه مندوب إيران في عصبة الأمم حول الموضوع ومما جاء فيه:
«الأحداث الدامية في فلسطين والتي كان لها أصداء سلبية في الدول العربية لم تتبعها أية إجراءات فعالة من أجل إصلاح الوضع الحاضر في فلسطين ولتوضيح الموضوع أكثر، لابدَّ من عرض أوضاع الدول المجاورة:
مصر: إثر الخلافات الأخيرة بين زعماء حزب الوفد من جانب ووجود مئة ألف جندي إيطالي في ليبيا من جهة ثانية خلق أوضاعاً داخلية استقطبت كلَّ جهود واهتمام السياسيين المصريين.
سوريا: لولا انشغال سوريا بالمشاكل الداخلية والمواجهات مع الحكومة الفرنسية وأخيراً السيول التي خلفت وراءها خسائر فادحة لما توانى الشعب السوري عن تقديم كل أشكال المساعدة إلى فلسطين.
الحجاز وشرق الأردن: بعد انتشار خبر تقسيم فلسطين، فكرت بريطانيا بضم القسمين الشرقي والجنوبي من فلسطين إلى شرق الأردن وتأسيس دولة عربية مستقلة يحكمها الملك عبد الله. هذا الخبر إلى جانب الذعر الذي تركه في فلسطين وسوريا والعراق ترك أيضاً آثاراً سلبية على ملك الحجاز ابن سعود ومنذ ذلك التاريخ غيَّر ملك الحجاز ونجد سياسته المسالمة فيما يخصُّ قضايا فلسطين إلى سياسة داعمة لها، لأنَّ إقامة دولة تحت إمرة الأمير عبد الله في فلسطين وبدعم من اليهود والانكليز يُعدُّ ضربة إلى استقلال الحجاز وباعتقادي الشخصي فإنَّ الأمير عبد الله لن يتواني عن إثارة الفتن في الحجاز.
الهند: اعترض مسلمو الهند على السياسة البريطانية ومن جانب آخر قاموا بجمع المساعدات. إمام اليمن أيضاً وجَّه رسالة احتجاج إلى وزير الخارجية البريطاني دافع فيها عن قضية فلسطين.
مما جاء خلال هذه الوثائق يبيِّن أنَّ العالم الإسلامي وخاصة الدول العربية وبالأخص الدول العربية في الشرق الأوسط بسبب سوء التدبير وعدم التضامن والضعف السياسي والارتباط بالأجانب خصوصاً الإنكليز والتنافس على السلطة، أصيب بالتفكيك والضعف مقابل تحرك الصهاينة على نطاق واسع في المحافل والمنظمات الدولية ونتيجة لهذه الحالة توفرت الظروف المناسبة لإقامة الدولة الصهيونية في فلسطين.
هذا الوضع بعد تأسيس الكيان الصهيوني وحدوث النكبة ورغم محاولات بعض قادة العرب ورغم شعارات الوحدة والمشاريع الرنَّانة لتحقق الوحدة أو الاتحاد، تفاقم أكثر فأكثر مما جعل الصهاينة يسخرون من العرب وشعاراتهم في نضال الصهيونية وتجرُّوا على شن الحروب على الدول المجاورة لاغتصاب أراض جديدة.
الإمام الخميني(رحمه الله) الذي كان يواكب التحولات والأحداث في الأراضي المحتلة عبَّر عن هذا الوضع المأساوي في خطاب له في 16/8/1979م «ثمة أمر يحيرني وهو أنَّ الدول الإسلامية والشعوب المسلمة تشخِّص الداء جيداً وتعلم أنَّ للأجانب دوراً كبيراً في إشاعة التفرقة بينهم كما أنها تدرك أنَّ نتيجة هذه التفرقة ليس غير ضعفهم وزوالهم وهي ترى أنَّ دولة خاوية كإسرائيل تقف في مقابل المسلمين الذين لو اجتمعوا وصبَّ كل واحد منهم دلواً من الماء على إسرائيل لجرفها السيل ولكنهم مع ذلك يقفون عاجزين أمامها».
في خطاب آخر في 1/11/1979م قال سماحته عن الموضوع كلاماً يدلُّ على أنه عارٌ على العرب والمسلمين أن يكون مصير فلسطين كما يجري على الأرض «لماذا يتسنّى لإسرائيل أن تتحكَّم بهذا الشكل بدول تمتلك كل شيء وتتمتع بكل أنواع القدرة؟ لماذا ينبغي أن يكون الأمر كذلك؟ لو لم تكن الشعوب متفرقة ومعزولة عن حكوماتها والحكومات مبتعدة عن بعضها وأنَّ أكثر من مليار مسلم بكل ما لديهم من استعدادات، جالسون مكتوفو الأيدي وإسرائيل ترتكب كل هذه الجرائم في لبنان وفلسطين».
ومما جاء من مواقف الإمام الخميني(رحمه الله) في أكثر من مناسبة حول هذا الموضوع، يبيِّن للمخاطب أن سماحته كان يرى أن الوحدة والعودة إلى الإسلام هما السبيل لانقاد فلسطين ومنع الصهيونية من تحقيق أهدافها التوسعية وكان الإمام(رحمه الله) يدعو إلى نبذ الخلافات بما فيها الاختلافات المذهبية، وقام سماحته بخطوة عملية مؤثرة في هذا الطريق حينما أجاز من موقعه الديني كمرجع للشيعة تقديم الدعم المالي للجهاد الفلسطيني من الحقوق الشرعية والزكوات والصدقات مع أن أكثر العرب والمسلمين من سكان فلسطين هم من أتباع أهل السنة.
هذه الفتوى الشرعية جاءت في لقاء الإمام مع ممثل حركة فتح في أيلول سنة 1968 حينما سُئل الإمام: سماحة القائد المجاهد ماذا ترون في إعطاء الحقوق الشرعية من قبيل الزكاة وسهم الإمام(عليه السلام) إلى المجاهدين الأبطال الذين يحاربون العدو في جبهات القتال وميادين الشرف تحت قيادة حركة فتح؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم: من المؤكد أن ذلك أمر مناسب بل من الواجب تخصيص جزء كاف من الحقوق الشرعية من قبيل الزكوات وسائر الصدقات لهؤلاء المجاهدين في سبيل الله ممن يقاتلون في جبهات التضحية والفداء للقضاء على الصهيونية الكافرة عدوة البشرية وممن يتطلعون إلى إحياء أمجاد الإسلام واسترجاع عزته وشرفه وإحياء التاريخ الإسلامي المجيد وعلى كلّ مسلم مؤمن بالله واليوم الآخر توظيف طاقاته وإمكاناته في هذا السبيل ومن ثمَّ نيل إحدى الحسنيين إمّا النصر أو الشهادة. كما ينبغي لكم اقتحام خطوط النار للثأر وإزالة العار وتحقيق النصر المؤزر القريب بعون الله ومدده «وبشِّر المؤمنين» والله من وراء القصد.
الإمام الخميني ومن خلال متابعته المستمرة للقضية الفلسطينية والتحولات الخطيرة في هذه القضية يوماً بعد يوم وإدراكه بأنَّ الوحدة والتضامن والتعاون بين البلدان العربية والإسلامية في سبيل القضية الفلسطينية معدومة، أعلن أكثر من مرَّة أسفه من هذا الوضع وقال في خطاب له بتاريخ 17/5/1978م أي قبل انتصار الثورة الإسلامية «منذ ما يقارب العشرين عاماً وأنا أوصي البلدان العربية بالوحدة والقضاء على جرثومة الفساد هذه، فإذا ما توفرت لإسرائيل القدرة لن تكتفي ببيت المقدس ومما يؤسف له أنََّ النصيحة لا تجدي مع هؤلاء ... إنني أسال الله أن يوقظ المسلمين».
في مثل هذه الأجواء المشؤومة وبعد انتصار الثورة الإسلامية، بادر الإمام الخميني(رحمه الله) بتسمية يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان في كل سنة، يوم القدس العالمي وأعلنه يوماً للإتحاد والتضامن بين المسلمين ومما جاء فيه بتاريخ 7/8/1979م «لقد حذَّرت المسلمين على مدى سنوات طويلة من خطر إسرائيل الغاصبة التي صعدت هذه الأيام من حملاتها الوحشية ضد الإخوة والأخوات الفلسطينيين وخصوصاً في جنوب لبنان وهي تقوم بقصف بيوتهم ومساكنهم بشكل مستمر للقضاء على المناضلين الفلسطينيين. إنني أدعو مسلمي العالم عامة والحكومات الإسلامية إلى التضامن والاتحاد لقطع يد هذا الغاصب وحماته. كما أدعو مسلمي العالم كافة إلى إعلان آخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي هي من أيام القدر (ويمكن أن تكون حاسمة أيضاً في تعميق مصير الشعب الفلسطيني) يوماً للقدس وأن يعبروا من خلال المراسيم عن تضامن المسلمين الدولي في الدفاع عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم.
أراد الإمام الخميني بإعلانه يوم القدس العالمي أن يهتف المسلمون واحداً موحداً ومتضامناً بعضهم البعض لصالح القدس وفلسطين وأكد سماحته بأنَّ لهذا الهتاف أثره فقال في خطاب بتاريخ 6/8/1980م «نسأل الله أن يوفقنا يوماً للذهاب إلى القدس والصلاة فيها إن شاء الله وآمل أن يعظِّم المسلمون يوم القدس وأن يقيموا المسيرات في يوم القدس الذي يحلُّ في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك في كل البلاد الإسلامية وأن يعقدوا الاجتماعات والمحافل ويهتفوا في المساجد وعندما يصرخ مليار إنسان فإنَّ إسرائيل ستشعر بالعجز وتخاف من مجرد هذه الهتافات».
اليوم وبعد مرور ثلاثين سنة عن إعلان يوم القدس العالمي يشعر المراقب بأن الأمة ليست بأحسن أحوالها، لم تُحِّن عوامل الضعف والفرقة بين أبناء الأمة الواحدة بل زاد سوءً حيث أصبح بعض من الأمة خاصة الحكومات في شاطئ آخر يضغطون على الفلسطينيين لأجل قبول حلٍّ ما لقضيتهم يكسب قبول الصهاينة ويأخذون موقفاً ضد من يطلب بحقّ الفلسطينيين كاملة ويعتبرونه تدخلاً غير مرغوب به.
نضمُّ صوتنا إلى صوت الإمام الخميني(رحمه الله) ونسأل: «ألا يعلم الزعماء المتخاذلون أو لم يدركوا بأن المفاوضات السياسية مع السياسيين المتحجرين ومجرمي التاريخ لن تنقذ القدس وفلسطين ولبنان وسوف تزيد من وتيرة الجرائم والمظالم كل يوم؟ .
فلا حل من غير الجهاد في سبيل الله فهي إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة؛ وموعدنا الصبح؛ أليس الصبح بقريب؟.
تعليقات الزوار