أثر مجالس التعزية في استدامة مدرسة عاشوراء

إنّ المذهب الشيعي بقي على مرّ الزمن حياً فاعلا، وذلك منذ عهد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى الآن. ومعلوم أنّ عدد الشيعة كان في البداية قليلًا لا يحسب له حساب، لكنهم الآن كثيرون والحمد لله. فعلينا أن نجد سرّ بقاء هذا المذهب، وسرّ بقاء الإسلام عموماً، ونحافظ عليه. إنّ احد الأسرار الكبيرة وأهمها ما قام به سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه (سلام الله عليه) قد حفظ الإسلام وضمنه، وحافظ عليه من الانحراف بما قدّمه من تضحيات عظيمة، فهزم بنهضته ومقتله الأمويين وغيرهم، وأعاد الإسلام إلى نهجه الصحيح، فتجب المحافظة على تلك النهضة الحسينية.

 

أهمية إقامة مراسم العزاء

إذا أردنا أن يكون وطننا حراً ومستقلا، فيجب أن نحافظ على سرّ بقاء الإسلام والمذهب الشيعي أيّ يجب أن نحافظ على الاحتفاء بذكرى عاشوراء، فإن مجالس التأبين هذه أقيمت منذ البداية بأمر الأئمة (عليهم السلام) ثم استمرت على طول التاريخ. ولا يظنن بعض شبّاننا أنّ هذه المجالس الحسينية هي مجالس بكاء مجردة من كلّ فعل نضالي وسياسي واجتماعي، فلا يصح في هذا العصر أن نبكي ما دامت كذلك.

إنّ هذا الكلام غير صحيح، لأنكم تعلمون أنّ الإمام الباقر (سلام الله عليه) قد أوصى عند وفاته: أن تقام مجالس العزاء بوفاته في منى عشر سنوات وذلك باستئجار النوائح فما هذا النضال؟ وهل أن الإمام الباقر (ع) كان بحاجة إلى البكاء؟ وماذا أراد (عليه السلام) من البكاء وإقامة العزاء ومارسم الرثاء في أيام الحجّ خاصة وفي منى بالأخص؟ فهذه نقطة أساسية وهي أنه أراد أن يفضح الحكام الظلمة سياسياً ونفسياً وإنسانياً لأنّ الحجّاج حينما يرون منظر العزاء والنياحة يحاولون استطلاع الخبر بالسؤال. فتقصّ عليهم قصة ظلم الحكام لأهل بيت الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهذا من شأنه أن يوجّه أنظارهم نحو مذهب أهل البيت (ع)، ويحطم الظالم، ويقوّي شعبية المظلوم.

 

أثر البكاء وإقامة المآتم الحسينية في المذهب الشيعي‏

لقد ضحّينا بشبّاننا كما ضحّى الحسين (ع) بشبّانه، فتجب المحافظة على هذا النهج الجهادي. إنكم تظنون أنّ البكاء على الحسين (ع) بكاء مجرد كلا؛ إنه أمر سياسي ونفسي واجتماعي، لأنه إذا كان هذا البكاء مجرداً من هذه الأمور النضالية، فما معنى الأمر بالتباكي؟ فإنّ القضية تحتاج إلى التباكي. ولقد أصبح التباكي أمراً مهماً. فما الداعي الى حاجة سبط الرسول الأعظم (ص) وسيد الشهداء (ع) إلى البكاء؟

إنّ الأئمة كانوا يصرون ويؤكدون على عقد الاجتماعات والمجالس الحسينية، والبكاء على ظلامة الحسين (ع) وأهل البيت (ع)، لأنّ ذلك يحفظ كيان المذهب الشيعي. ولا تظنوا أننا نحول هذه المواكب الحسينية التي تنطلق يوم عاشوراء، وتجوب الشوارع والأزقة لا تظنوا أننا نريد أن نحولها إلى مسيرات، إنها في الحقيقة، مسيرات تحمل بعداً سياسياً. لذلك يجب الاهتمام بها أكثر من السابق، فسرّ انتصارنا إنما هو هذه المواكب الحسينية، وهذا البكاء واللطم والعزاء. فيجب أن تقام مجالس العزاء في جميع أنحاء البلاد، وعلينا جميعاً أن نعزي الرسول الأعظم (ص)، وأن نبكي على ظلامة أهل بيته (ع) ولا سيما الحسين سيد الشهداء (ع).

فهل تعرفون شيئاً في العالم يستطيع أن يوجد الاتحاد والتنسيق أكثر من هذه المجالس؟ وهل تعرفون شعباً يمتلك مثل هذا الوجه المشترك الجامع، ومثل هذا العامل الموجد للاتحاد؟ ومن الذي أوجد عامل الاتحاد والتنسيق؟ إنه سيد الشهداء (ع) سبط الرسول الأعظم (ص).

إنّ المواكب والمآتم الحسينية، تخرج يوم تاسوعاء ويوم عاشوراء في مسيرات عظيمة في جميع الدول الإسلامية، كالهند وباكستان وإندونيسيا والعراق وأفغانستان وغيرها. فمن يستطيع أن ينسق لإقامة هذه الاجتماعات؟ علماً بأنه يجب أن تحافظ هذه المواكب على وجهتها الشرعية.

والمهم أنه عليكم أن تحافظوا على هذا التنسيق وهذا الاتحاد، وأن تعلموا أنّ شبّاننا الأعزاء الصافين قد يُعرَّضون لِخداع المغرضين واحتيالهم، ولا ينتبهون إلى السموم التي يحقن بها عقولهم أناس قد حقن عقولهم بها أناس آخرون.

 

أثر مجالس التعزية في استدامة مدرسة عاشوراء

هؤلاء غافلون أولئك الذين يخالفون مجالس التعزية هم أنفسهم الذين خالفوا علماء الدين والجامعيين والعمال والفلاحين. وهم الذين يريدون امتصاص دمائنا ونهب ثرواتنا، ليبقونا أذلة، فهذا التنسيق القائم بين جميع أبناء الشعب الذي أوجدته قصة كربلاء هو اكبر عامل سياسي ونفسي في العالم تتحد عليه القلوب، بشرط أن لا يخرج عن خطه الصحيح. والمهم أننا إنما انتصرنا بهذا التنسيق وهذا الاتحاد. وعلينا أن نعرف له قيمته وعلى شبّاننا أن ينتبهوا إلى ذلك وأن يعلموا أن بعض الأيدي تتحرك الآن للقضاء أولًا: على وجهائنا واحداً واحداً، وثانياً: على المجالس الحسينية، وثالثاً: على معنوية المساجد ودورها النضالي.

إنّ هذه المساجد وهذه المجالس الحسينية السنوية والأسبوعية هي التي توقظ الناس، وتنسق بين طبقاتهم بحيث لو أرادت الدول أن تقوم بهذا التنسيق لما تيسر لها ذلك حتى مع بذل مئات المليارات من التومانات. هكذا نسق سيد الشهداء (ع) بين طبقاتنا المختلفة. ثم إنهم يريدون منا أن لا نظهر أسفنا وحزننا وبكاءنا على ظلامته. إنّ هذا البكاء هو الذي صاننا وحافظ علينا. فعلى شبّاننا أن ينتبهوا، ولا يكونوا ضحية خِداع هؤلاء الشياطين، فيفقدوا هذا السلاح الذي صاننا وصان بلادنا.

 

وجوب إقامة المجالس والمآتم الحسينية

إنّ وظيفة السادة إقامة المجالس الحسينية، ووظيفة الناس إقامة المواكب العظيمة كمواكب اللطم المجللة طبعاً يجب الامتناع عما يخالف الشرع. وأن يفعلوا من أنواع العزاء ما كانوا يفعلونه من قبل، فيجب أن يحافظوا على اتحادهم وعلى اجتماعهم وتنسيقهم، لأنّ ذلك هو سبب بقائنا. إنّ المغرضين يخدعون شبّاننا الطيبين ويزينون لهم الكلام بقولهم: حسناً، ماذا نصنع بالبكاء على الحسين؟ ما معنى هذا القول؟

نحن لو بكينا الدهر كله على سيد الشهداء (ع) فإن ذلك لا ينفعه شيئاً. لكنه ينفعنا في الدنيا والآخرة، فإذا أخذنا نفع الدنيا بنظر الاعتبار وجدنا الاتحاد ووصل القلوب بعضها ببعض من آثاره. وأما النفع الأخروي فمكانه محفوظ، فيجب علينا أن لا نضيع هذا الحصن الحصين. وأولئك الذين يحاولون أخذ هذه القلعة منا هم رجال منا صالحون لكنهم‏ مخدوعون، وتقف وراءهم أيدي مشبوهة فاسدة ومفسدة، تريد جر الشعب إلى الهلاك، فيجب علينا وعلى الشعب أن نكون يقظين.

                        صحيفة الإمام، ج‏11، ص: 89