بعد وفاته، نشر نجله السيد أحمد بعضا من قصائد الإمام الخميني في العرفان الإلهي، ومنها هذه القصيدة التي لا يعرف سرها إلا من أخلص النية، وسلك إلى لقاء الله يشتاق إلى قربه في عالم يختفي فيه الزمان، يصبح العبد فانياً في محبوبه الأبدي.

 

فالإمام الخميني، لديه رؤية خاصة في الحب الإلهي عبر عنه بالفناء، وذكر في قصائده الكثير عن المكاشفات عن أسرار الحكمة والعرفان فيه. ويبرز العرفان عند الإمام الخميني ممنهجاً في أطوار ومراحل من الحب الإلهي بلغة شعرية خاصة فيها صفات العرفان،والطرق إلى الفناء في الحب..

 

وقد سار الإمام الخميني على نهج من سبقه من كبار رموز مدرسة العرفان في إيران كالشاعر الكبير شمس الدين حافظ الشيرازي، واستخدم نفس المصطلحات التي استخدمها حافظ كـ (الخمر) التي يراد بها (غلبات الشوق فحين يغلب الشوق والوجد والحال بسبب تجلي المحبوب الحقيقي أو الله وقت غلبة المحبة على قلب السالك فيفنى السالك ويغيب عن وعيه ويعدم لان استيلاء الشوق والوجد يهدم القواعد العقلية).

 

كما استخدم كلمات مثل الكأس والقدح والحانة والخمارة، وهي تتحرك بالسالك نحو المحبوب ومشاهدة الأنوار الغيبية حيث يكون التجلي الذي يبدو من الأنوار الغيبية في قلب السالك.

 

ففي قصيدة (حسن الختام) يبدأ الشاعر مناديا (ألا أيها الساقي أملأن بالخمر كأسي ـ فانه يخلصن من الخير والشر روحي. أملأن كأسي بالخمر التي تفني روحي ـ وأخرج وجود الخداع والخيال من وجودي).

 

وفي العام 2001 ألف الأخ والصديق العزيز طراد حمادة (وزير في الحكومة اللبنانية السابقة) دراسة جميلة ورائعة في كتاب سماه (أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني). وقد قدم الأخ طراد لدراسته بقسم نظري يتناول مسائل العرفان عند الإمام الخميني، ثم تناول مفهوم الحب عند الغزليين والصوفيين، ثم بحث أطوار الحب الإلهي عند الإمام الخميني،ثم شرح قصيدة الترجيحات متحدثا عن اللغة الشعرية وألفاظ الدروشة وصفات العرفان، وشرح الرباعيات، وانتهى إلى الكلام على مفهوم الفناء في الحب عند السيد الخميني.

 

ويجب أن أشير إلى أنني ترجمت بعض قصائد الإمام الخميني في العام 1989. وكتبت الكثير عن عرفانه وعلاقته الروحية بالله من خلال شعره، ونشر ذلك في عدد خاص من مجلة "العالم" التي كانت تصدر في لندن في ذلك الوقت، خصوصا القصيدة الخالدة ومطلعها:

 

من به خال لبت اي دوست گرفتار شدم        چشـم  بيمار تو را ديدم و بيمار شدم

 

حيث يقول السيد الخميني رغم كبر سنه وانشغاله بالسياسة وأعباء الدولة والحرب وغيرها:

 

لقد أسرني الخال الذي على شفتك أيها الحبيب       وعندما  نظرت إلى عينيك (المريضتين) مرضت

 

وأنقل هنا ترجمة شعرية لأحدى قصائد الإمام الخميني قامت الأديبة والعالمة الفاضلة أم مهتدي بترجمتها، القصيدة بعنوان (شعاع الحق):

 

إذا مـا فـتح الـعشق جـناحه في العالم الحاكم هو

 

إذا مـا تـجلى فـي هذا الكون والمكان الحاكم هو

 

إذا مــا أظـهـر وجـهـه يـوماً مـن مـخبئه

 

يـفشى أنّـه عـلى الـظاهر والـباطن الحاكم هو

 

لـيس مـن ذرة فـي الـعالم لـيس فـيها عـشق

 

بـارك الله إذ مـن الـحدّ إلـى الـحدّ الحاكم هو

 

إذا  مـا أصـبح يوماً وجهه من حجاب الغيب عيان

 

يـرى الـكل انـه فـي الغيب والعيان الحاكم هو

 

مـا  دام عـليكَ في الروح والجسم حجابٌ حجاب

 

ذاتُكَ لا ترى أنه على كل الجسم والروح الحاكم هو

 

أنـا مـاذا أقـول إذ العالم ليس سوى شعاع العشق

 

ذو  الجلال  الذي هو على الدهر والزمان الحاكم هو

 

وأشير إلى أنه لا يمكن فهم لغة الإمام الخميني الشعرية بدلالتها الحرفية والظاهرية، فالأمر يحتاج إلى معرفة بالمصطلحات واستخداماتها، وهي مصطلحات ألفها المتصوفة مع ملاحظة أن الإمام الخميني ليس منهم.