المقدمة

 

«إنّنا نعارض أي نوع من التدخل الأجنبي في تقرير مصير الشعوب الأخرى وبأي شكل كان وسنقف بوجه هذه التدخّلات.

 

* نأمل أن يبنى السلام العالمي على قاعدة استقلال الشعوب، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، ومراعاة أصل حفظ سيادة دول المنطقة على أراضيها.

 

* مبارك ذلك اليوم الذي تقطع فيه أيادي الأجانب عن بلدنا، وعن البلدان الإسلامية، ويحقق فيه المسلمون استقلالهم .

 

* سيكون عيد المسلمين مباركاً وسعيداً فقط عندما يحصلون على استقلالهم ومجدهم، كما كانوا عليه في صدر الإسلام.

 

* سعيكم نحو الحريّة والاستقلال نقش على جبين التاريخ.

 

* إيران اليوم مقر الأحرار».

 

من«الكلمات القصار»

 

مقدمة

 

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏

 

الحرية هذه المفردة التي شغلت ولا زالت حيزاً كبيراً من اهتمامات المثقفين على مر العصور حتى وضعت على مرجل أوقدت تحته النار ولما تطفأ بعد بل تزداد نار النقاش والجدل تستعر. ونحن في هذا العصر الذي بالغ فيه الناس في الكلام والبحث والحوار حول موضوع الحرية. وعلى عهدنا نغترف من معين الإمام الخميني (قده) لنقدم شيئاً عن كلماته (قده) في الحرية وهو إمام أحرار هذا العصر؛ ولا ندعي أنا وفينا الإمام والموضوع وفق نظر الإمام حقه في البحث. وإنما هي إطلالة على كلماته وبشي‏ء من التحليل لعله يصل مفهوماً إلى أغلب الناس من جهة؛ ويشكل إطلالة أولية مختصرة لمن يريد البحث من جهة أخرى.

 

على أمل أن نكون قد وفقنا في ذلك.

 

هيئة التأليف والنشر

 

مركز الإمام الخميني (قده)

 

تمهيد

 

تعتبر الحرية من المطالب الملحة التي لازمت الإنسانية على مدى التاريخ، فهي من خصائص الإنسان الذي يحيا بالحس والشعور، ويتحرك بالفكر والإرادة، ويتمتع باستعدادات خصبة وقابليات شتى تؤهله لإحراز مقام الخلافة على الأرض.

 

والإنسان يسعى غريزيا كي يكون حراً في شتى الميادين. فيبحث عن حريته في الميدان المعنوي بإزالة العوائق من طريق قابلياته واستعداداته، وفي الميدان الفقهي بإبراء ذمته من التكليف والعقاب والمسؤولية، وفي الميدان الاجتماعي بإزالة الموانع التي يتسبب بها الآخرون من بني نوعه، وفي الميدان الفلسفي برفض كل ما يسلب حريته وإرادته واختياره من الأساس، وفي الميدان التاريخي برفض قانونية التاريخ وهيمنته على مصيره، وفي الميدان الطبيعي والمادي برفض جبرية قانون العلية وهيمنته على إرادته، وفي الميدان الحقوقي برفض مبدأ الاسترقاق والاستعباد، وهكذا تتفرع موارد الحرية وتتشعب تطبيقاتها من دون أن يعني ذلك اختلاف مفهومها بحسب الموارد المختلفة، بل هي باقية على مفهومها اللغوي والعرفي، فالحرية هي عدم القيد والأسر، وبهذا المعنى ورد استعمالها في النصوص الإسلامية.

 

أهمية الحرية

 

من وجهة النظر الإسلامية، خلق الله الإنسان مفطورا على قابليات كثيرة وغرائز متعددة، منها غريزة الحرية، و هذه الغريزة تدفعه إلى التفلت من كل قيد.

 

وفي جهة التشريع يوجد في الوسائل باب بعنوان: (أن الأصل في الناس الحرية حتى تثبت الرقية بالإقرار).

 

وفي المروي عن الإمام علي (ع): «أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة، وإن الناس كلهم أحرار»[1].

 

وهذا يعني أن الحرية  بأي معنى فسّرت  هي قدر الإنسانية المتدينة وغير المتدينة.

 

ويبقى أن للدين أولوية تسبق الحرية، لأنه يقوم بترشيد الحرية وتفسيرها.

 

أ - الحرية هبة الإسلام:

 

وفي الحقيقة فإن الحرية لا يمكن أن تتوفر إلا في ظل النظام الإسلامي، ومن خلال أحكام الإسلام نفسه، «لقد حرركم الإسلام؛ حرر المرأة والرجل فالجميع أحرار»[2].

 

وكل حرية لا تكون نابعة من الإسلام فهي حرية موهومة لا ضمان لها: «إنّ القانون الإسلامي هو الذي يعطي الحريّات والديمقراطية الحقيقية، علاوة على ضمانه استقلال الدول»[3].

 

فالإسلام هو الضمانة للحرية، وينبغي أن نقدر هذه الحرية وهذا الإسلام العظيم: «الإسلام هو الذي وهبنا الحريّة، فلتقدّروا هذه الحريّة وهذا الإسلام حق قدرهما»[4].

 

والحرية التي لا تنطوي على الإسلام هي حرية مزيفة، «إنّنا نرفض الحريّة التي لا تنطوي على الإسلام»[5].

 

كما أن الإسلام الذي لا ينطوي على الحرية والعزة هو إسلام مرفوض: «إذا كنا نريد السير بالإسلام قدما، فلا بد لنا من رفض العبوديّة للغير»[6].

 

ب - الحرية نعمة وتكليف إلهيين:

 

بل إن الإمام (قده) ينظر إلى الحرية باعتبارها من نعم الله الكبرى التي أنعم بها على الإنسانية: «الحريّة نعمة إلهيّة كبرى»[7].

 

ولذلك فهي أمانة إلهية: «الحريّة أمانة إلهيّة جعلها الله من نصيبنا»[8].

 

وينبغي أن نقوم بهذه المسؤولية خير قيام: «منّ الله عليكم بنعمة الحرية واختبركم بهذه الحرية ليرى ماذا تفعلون بها؟ هل تكفرون بنعمة الله وتنزلون العذاب على الناس من خلال حريتكم؟ أو أنكم تشكرون هذه النعمة وتستفيدون من هذه الحرية أفضل استفادة؟ إنني اشعر بالمسؤولية لأقول هذا الكلام لكل مجموعة تأتي لان المشكلة هي هذه»[9].

 

ج - الحرية طريق التمدن والتحضر:

 

فالحرية تكليف ديني وإنساني، وحق لا يجوز للإنسان إن يتنازل عنه بدون مبرر، بل يجب أن يكافح الإنسان لأجل الحفاظ على هذا الحق: «إنّنا سنتحمل المصائب من أجل أن ينال شعبنا الحرية والاستقلال»[10].

 

والحرية شرط ضروري وأولي لكل أشكال التمدن والرقي: «تحرر الشعب ... أوّل مرتبة من مراتب التمدّن»[11].

 

وفي المقابل فإن كل انحطاط يصيب الإنسان يعود سببه إلى انتزاع الحرية منه: «إنّ السبب في انحطاط الإنسان وسقوطه يكمن في انتزاع حريّته وجعله يستسلم أمام الآخرين»[12].

 

تحذير

 

ولكن لا ينبغي الخلط بين هذا، وبين ما يدعيه البعض من أن الحرية حق أصيل، ويعنون بذلك أنها حق ذاتي غير قابل للسلب، ولذا لا يحق لأحد سلبها عن احد  وهذا غير صحيح، فان الكثير من الباحثين اعترفوا بضرورة تقييد الحرية بجملة من المقيدات، وهذا اعتراف ضمني منهم بان الحرية قابلة للتقييد والتوسعة، وإلاّ فلو كانت الحرية ذاتية فلا يملك احد أن يقيدها. لأن من لا يملك حق الإعطاء لا يملك حق التقييد، وكما قيل: ( من يملك الجعل والوضع يملك الرفع ).

 

بل أنّ الذين يتجلببون زورا بلباس الحرية ويتغنون بها وبأصالتها هم يعملون في الحقيقة على سلب حرية الناس باسم الحرية.

 

«يريدون سلبكم الحريّة باسم الحريّة، فيعطونكم حرّية مشوّهة، ويسلبونكم الحريّة الحقيقية»[13].

 

الحرية حق إنساني‏

 

من وجهة النظر الإسلامية، فإن حقوق الإنسان، كحق الحرية، تستمد من طبيعة الهدف والغاية التي ينشدها الإنسان في وجوده وبحسب طبيعته التكاملية، وهذه الغاية تنبع من الله (مبدأ العلة الغائية). ويتفرع عن ذلك أنّ الحرية العامة صحيحة إذا كانت تعني عدم وضع العراقيل والعقبات أمام القابليات البشرية. أما الحرية التي تحول دون تكامل الإنسان فهي حرية زائفة، ومرفوضة، بل يجب مكافحة الحرية التي تعني الانحراف وتشجع على الفساد.

 

«يجب الوقوف بوجه الحريّات المفسدة»[14].

 

ومن جهة ثانية فان الحرية ميزة يختص بها الإنسان دون سائر الكائنات، ولهذا يرى الإمام الخميني (قدس سره) أن الحرية حق مشاع للجميع مهما كان الانتماء الديني: «القانون أيضا اخذ بعين الاعتبار حقوق جميع الطبقات وحقوق الأقليات الدينية، وحقوق النساء وبقية الفئات والطبقات. لا يوجد في الإسلام فرق بين جماعة وأخرى. التمايز بالتقوى فحسب»[15].

 

وفي مجال حرية الأقليات الدينية، «إن جميع الأقليات الدينية في الحكومة الإسلامية يمكنها القيام بجميع فرائضها الدينية بحرية والحكومة الإسلامية مكلفة بحماية حقوقهم على أفضل وجه»[16].

 

وأيضاً: «أعطى الإسلام حرية للأقليات الدينية أكثر من بقية الأديان والمدارس ويجب عليهم أيضا أن يتمتعوا بحقوقهم الطبيعية التي جعلها الله لجميع الناس أننا نقوم بحمايتهم على أفضل وجه وان الشيوعيين أحرار في ظل الدولة الإسلامية في بيان عقائدهم»[17].

 

وعليه، فلا طبقية في الإسلام ولا اضطهاد.. بل الجميع ينعمون بحماية النظام الإسلامي ويمارسون أعمالهم بكامل حريتهم: «الإسلام لا يعرف الاضطهاد، ويمنح الحرية لجميع الطبقات، للمرأة والرجل والأبيض والأسود. من الآن فصاعداً ينبغي لأبناء الشعب أن يخشوا أنفسهم لا الحكومة.. أن يخشوا أنفسهم لئلا  يرتكبوا خطيئة»[18].

 

قيمة الحرية

 

بنظر الإسلام، فان كل عامل يسهم في سعادة الإنسان الواقعية فهو يحظى بقيمة عالية، والعوامل التي تسهم في سعادة الإنسان تارة تكون عوامل ايجابية وأخرى سلبية، وتعتبر الثقافة والتربية من العوامل الايجابية هنا، بينما تعتبر الحرية من العوامل السلبية، لأنها ليست سوى عدم وجود العائق أمام سعادة الإنسان، فالحرية ليست هدفا يطلب لذاته، وإنما هي عدم مانع، فهي وسيلة لا أكثر، وحيث أنهّا لا تعتبر من مقتضيات السعادة المباشرة لذلك تعد قيمتها من الدرجة الثانية. فالحرية هي صفة للسلوك والقدرة اللذين هما في حد ذاتيهما وسيلتان أيضاً، وإذا كانت وسيلة فهذا يعني أنّ قيمة الحرية تكتسب من الهدف، والاختلاف في قيمة الهدف سيؤدي إلى الاختلاف في قيمة الحرية.

 

والإصرار على إعطاء الحرية قيمة قصوى اليوم، ليس بسبب أنها تحظى بذاتها على مثل هذه القيمة، وإنما بسبب أنها باتت عملة نادرة قلما حصل عليها الإنسان على مر التاريخ، فالحرية تمهد الطريق للتكامل بإزالة العوائق، ويبقى أن نملأ الفراغ لنحصل على السعادة من خلال الحب والإخاء والتسامح وغيرها من عواطف وقيم إنسانية، أما إذا اكتفينا بالحرية فلا نكون قد حصلنا على شي‏ء.

 

وقد يطرح البعض سؤالاً: وهو انه إذا كانت قيمة الحرية من قيمة الهدف الذي تهيئ له، فهل معنى ذلك انه مع انعدام الهدف لا يعود هناك حاجة للحرية؟ ألا يسعى الإنسان إلى الحرية بمعزل عن الهدف، وبعبارة أخرى، أليست العبودية مما ينفر منه الإنسان بحسب طبعه ويهرب منه؟؟

 

الجواب: هذا الكلام صحيح، لأن في العبودية ذل.

 

فالإنسان لا يحب الذل والخنوع والخضوع وسلب إرادته، لأن ذلك على خلاف غريزته. ولكن هذا لا يعني أنّ كل حرية فهي مطلوبة أو أنّ كل عبودية مرفوضة حتى ولو لم يكن فيها ذل، أي انه لا يعني أنّ الحرية كمال بذاتها وعلى كل حال، وقد يفضل الإنسان العبودية على الحرية حين تسمو به العبودية إلى مستوى لا يحصل عليه من خلال الحرية، كما في قصة زيد بن حارثة، فقد سبي في الجاهلية وبيع في بعض أسواق العرب، فاشتري لخديجة، ثم وهبته خديجة للنبي (ص) قبل أن يبعث وهو ابن ثماني سنين، فنشأ عند النبي (ص)، وبلغ الخبر أهله فقدم أبوه وعمه مكة لفدائه فدخلا على النبي (ص) وقالا: «جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه! فإنا سنرفع لك في الفداء. قال (ص): من هو، قالا زيد ابن حارثة فقال رسول اللّه (ص) فهل أنتم لغير ذلك فقالا: ما هو قال (ص) دعوه  فخيروه فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من أختارني أحداً. قالا: زدتنا على النصف وأحسنت. فدعاه رسول الله (ص) فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم! قال (ص): من هما؟ قال: هذا أبي، وهذا عمي! قال: فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما. فقال زيد: ما أريدهما ما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني بمكان الأب والأم! فقالا: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداَ أبداً»[19].

 

فعبودية زيد في كنف النبي (ص) أفضل وألذ من حريته في كنف أهله وعائلته.

 

ولعل هذا يلقي الضوء كيف أن التعبير عن الحرية في الروايات كان في كثير من الأحيان متلازما مع العبودية لله تعالى.

 

 حدود الحرية

 

الحرية المطلقة!

 

قسموا الحرية إلى مطلقة ومقيدة. والمقصود من الحرية المطلقة رفض أي نوع من أنواع القيود، فلو خلي الإنسان وهواه لاختار التفلت من كل قيد. والمراد من الحرية المقيدة الحرية بلحاظ بعض القيود.

 

ومع أنّ الدين الإسلامي لاحظ مسألة الحرية في كل تشريعاته إلا انه رفض الحرية المطلقة لأنها تعني انحدار الإنسان من رتبته الإنسانية إلى الرتبة الحيوانية. فهل يمكن أن تشكل الحرية مبرراً للتآمر والإفساد مثلاً؟!

 

«إننا ومنذ اليوم الأول الذي تحققت فيه ثورتنا كانت جميع الحريات موجودة في إيران فنحن سمحنا لجميع الفئات ولم نمنع أحدا لكن المؤامرات بدأت عندما وجدوا أنفسهم أحراراً إذ بدأت الأقلام بالتآمر لحرف مسيرة الشعب وهؤلاء كانوا نفس الأشخاص المرتزقة عند الملك السابق أو مرتزقة أمريكا وأمثالها وأرادوا من خلال ذلك حرف نهضتنا وتمكنا بعد خمسة أشهر من إعطاء الفرصة للجميع من العثور على المتآمرين، قلنا لتلك الأقلام المتآمرة والتي كانت تريد عودة الأجنبي للتسلط علينا مرة أخرى أن تكف عن عملها وقدمناها للمحاكم لنرى من هم هؤلاء ووجدنا بعد التحقيق أنّ أكثرهم كانوا مرتزقة لإسرائيل وكانوا أبواقا لأمريكا لكن بصورة أخرى وان من حق الشعب أن يمنع الذين يريدون التآمر عليه وحرفه وإعادة الأمور السابقة وإلاّ فان شعبنا يؤيد الحرية ويؤيد كل أنواع الحرية إلاّ انه لا يؤيد التأمر ولا يؤيد الفساد»[20].

 

بل أنّ الحرية لا تكون إلا مقيدة ، ويستحيل وجود الحرية المطلقة، لأن كل حرية تستدعي قيدا. فقد كان النبي يوسف (ع) عبدا من حيث الجسد، ولكنه كان سيدا من حيث الروح، وبمقتضى كونه سيدا رفض الانصياع لإغراءات امرأة العزيز، لان الانصياع لها يفضي إلى عبودية الروح.

 

ولكن رفض العبودية تلك يستلزم عبودية من نوع آخر: «قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه»[21]. فكل حرية تستدعي قيداً.

 

فإذا أراد الإنسان أن يعيش في مجتمع يحتكم لنظام الإسلام، فلا بد أن يتقيد بالقوانين التي يستلزمها هذا النظام، بل أنّ التقيد بالنظام يدل على الرقي والتمدن وليس على التخلف والاستعباد.

 

«جميع أبناء الشعب أحرارا في الأفعال السليمة، في الذهاب إلى الجامعة، وفي أي عمل سليم تمارسونه.. ولكن إذا ما أراد أحد أن يرتكب عملاً مخالفا للعفة، أو يلحق ضرراً بمصالح الشعب، أو يسيء إلى السيادة الوطنية، فأننا سنقف في وجهه، وان موقفنا هذا يدل على الرقي»[22].

 

كما أنّ أي هدف يسعى إليه الإنسان في الحياة، فمن البديهي أن يقيد حريته ورغباته بما يحقق هذا الهدف، ويتناسب معه، فإذا أردنا أن نتحرر من ذل الجهل فعلينا أن نلتزم بقيود العلم. وبالتالي لا بد أن تُفهم الحرية على أساس رفع القيود التي تشكل مانعا دون تحقيق الهدف، حتى وان كان ذلك لا يتم إلا عبر تشريع قيود. وهذه ميزة أساسية من مميزات الحرية فإنها رفع قيد بوضع قيد آخر. فقد نهض أبو الأحرار طالبا للحرية ولكن كان من نتائج ذلك أن دخلت أسرة الحسين (ع) في الأسر والسبي، فهؤلاء أعطوا وجودهم لخدمة الإسلام وتحرير البشرية.

 

«ينبغي أن لا يغيب عن الأذهان، أن في الشرق ثمة محدوديات للرجال أيضاً، وهي لمصلحة الرجال أنفسهم. فالإسلام يحرّم ممارسة الأفعال التي فيها مفسدة للرجل، كالقمار، وتناول الخمور والمخدرات، لأنها مقرونة بالمفاسد، فهناك محدوديات للجميع، شرعية وإلهية. محدوديات لمصلحة المجتمع نفسه، لا أن يمنع الإسلام عن أشياء ينتفع منها المجتمع»[23].

 

ومهما يكن، فمن حقنا أن نرفض الحرية المطلقة، بمقتضى كوننا أحرارا، وبالتالي فان الحرية المطلقة تصادر نفسها بنفسها. فلا يلزم من تقييد الحرية انتفائها بل يلزم من إطلاقها انتفائها.

 

حدود الحرية

 

تختلف نظرة الإسلام لمفهوم الحرية عن المفهوم الغربي لها، ففي حين اعتبرت الحرية ناشئة من الكرامة الذاتية للإنسان في الغرب. يرى الإسلام إنّ هذا الاعتراف يصطدم بسؤال لا جواب له: لماذا كان الاعتراف بهذه الكرامة هو الأساس للحرية والعدل؟

 

إنّ احترام كرامة الإنسان الذاتية بمنأى عن الهدف التكاملي للإنسان القائم على أساس مبدأ التوحيد، يتفرع عنه ضرورة احترام ميول الإنسان ورغباته وما ينتخب من أفكار وآراء بشكل مطلق.. فبحسب هذا المبدأ لا بد من احترام كل عقيدة يؤمن بها الإنسان، ولو كانت أتفه العقائد واشدها اهانة للإنسان، كالخضوع أمام الحجر وعبادة البقر. هذه الحرية لا يقرها الإسلام.

 

ومن جهة ثانية لا معنى للقول بأن الحرية ليس لها حد سوى حرية الآخرين، لأن هذا سوف يفضي إلى فتح الباب على مصراعيه بدون مبرر. فالإنسان ليس حرا في أن يتسافل حتى ولو لم يؤدّ ذلك إلى الإضرار بحرية الآخرين، بل أنّ تكليفه أن يختار التكامل الذي تفرضه طبيعته بإرادته، ولا بد من توفير متطلبات الإرادة والاختيار والحرية من خلال عدم وضع العوائق التي تحول دون تكامله.

 

فالناس أحرار في كل شي‏ء طالما أنّ هذه الحرية لا تحول دون تكاملهم أو تؤدي بهم إلى الانحراف والهلاك: «الناس أحرار ولا  ولن  يقف أحد بوجه حريّتهم، إلا إذا أدّت بهم الحريّة إلى الفساد والضياع، أو أدى ذلك إلى تخلّف الشعب»[24].

 

وإن إفساح المجال للآخرين إلى التهتك والانفلات ليس من الحرية في شي‏ء: «الإسلام فيه حرّية أيضاً، لكنها ليست حريّة التهتّك والانفلات، فنحن نرفض الحريّة بالمفهوم الغربي»[25].

 

بل أنّ الحرية بالمفهوم الغربي هي وسيلة الغرب إلى إفساد مجتمعاتنا وشبابنا: «(الحريّة المستوردة) هي التي جرّت أبناءنا إلى الفحشاء»[26].

 

ولهذا يرفض الإسلام هذا النوع من الحرية الباطلة: «الإسلام والعقل يرفضان الحريّة بشكلها الغربي، الذي يجرّ الشبان اليافعين والفتيات إلى الفساد والضياع»[27].

 

ولا شك أنّ الحرية بالمفهوم الغربي تؤدي إلى نتائج وآثار مدمرة ولا تخلو عن قصد سيء ونية مبيتة، »لنعلم جميعا أنّ الحرية على الطراز الغربي تؤدي إلى تدمير الشبان فتيات وفتية وهي مدانة بنظر الإسلام والعقل ومحرم تلك الدعاية والمقالات والخطابات والكتب والصحافة المنافية للإسلام والعفة العامة ومصالح البلاد وواجب علينا جميعا وعلى المسلمين كافة منعها ويجب منع المدمر من الحريات والجميع مسؤولون للتصدي بحزم لما يحرم في الشرع وما يعرقل مسيرة الشعب والبلد الإسلامي ويتنافى وكرامة الجمهورية الإسلامية الجميع مسؤولون وإذا ما شاهد الناس وشبان حزب الله أياً من تلك الموارد فليراجعوا الأجهزة المختصة وإذا ما قصرت هذه فهم بأنفسهم مكلفون بمنع ذلك وكان الله تعالى بعون الجميع[28].

 

والإسلام إنما يشرع القوانين ويضع الحدود للحرية لأنه يرى أنّ هذه الضوابط ضرورية للحفاظ على الحرية وضمان استقلال شخصية الإنسان الفردية والاجتماعية: «إنّ الحريّة التي يقول الإسلام بها، محدودة بالقوانين الإسلامية »[29].

 

«ينبغي أن تكون الحريّة ضمن حدود الإسلام والقانون، فلا يصار إلى مخالفة القانون بدعوى الحريّة»[30].

 

ولذلك فالاستلام يحرم استغلال الحرية والتذرع بها لأجل الوصول إلى المآرب الفاسدة: «أحفظوا حدود الإسلام، ولا يساء استغلال الحريّات، فالحريّة مقيّدة بحدود الإسلام»[31].

 

«علينا جميعاً أن نحاذر من إساءة استغلال الحرّية»[32].

 

والإسلام يرفض الحرية التي تعني حرية الفوضى وحرية الشتم والسباب والغيبة واتهام الآخرين وغير ذلك مما يسيء إلى الأخلاق والقيم، «عندما تقرأون الصحف فإنكم كثيرا ما تشاهدون فيها إنّ هذا يسيء إلى ذاك وذاك يسيء إلى هذا والآن بعد تحرر الأقلام فهل صحيح أنّ يتحدث كل إنسان بما يشاء تجاه الآخرين؟ وان يتصرف كل واحد مع الآخر بحيث تدب الفوضى في البلاد وتخرج من النظام؟ هذا هو معنى الحرية؟ هل أنّ الحرية في تلك البلدان التي تريد نهبنا هي على هذه الشاكلة؟ لو كانت هكذا لما حصل الانسجام ولما تطورت، أنهم يريدون من خلال كلمة الحرية التي يلقونها في عقول الشباب أن يفرضوا سلطتهم عليكم ويسلبوا حريتكم إنهم يدركون ما يفعلون يقولون: انتم قمتم بثورة فأنتم الآن أحرار، أنت تتحدث بما تشاء عن ذاك، وذاك يتحدث عنك بما يشاء، وهذا يسخر قلمه ضد، وأنت تسخر قلمك ضد الآخرين إنهم يدركون ما يفعلون ويريدون من خلال الحرية أن يسلبوا حريتكم وأن يوجدوا عندكم الحرية غير الصحيحة ويسلبوا منكم الحرية الحقيقية»[33].

 

لذلك يرفض الإسلام كل أشكال الفساد والفوضى ويدعو إلى النهي عن المنكر الذي يروج له باسم الحرية.

 

الحرية والتكليف‏

 

إن الدين يتضمن تكاليف ملزمة قد تحد من حرية الإنسان. وهذا أمر طبيعي، سيّما مع عدم إمكان تحقق الحرية المطلقة. وأي تفلت من هذه الحدود سيؤدي لا محالة إلى عبودية أخرى أشد محدودية، لأن تجاوز حدود الله والإبتعاد عن الدين سوف يؤديان إلى افتقاد الحرية، إذ الدين هو الانفتاح على المطلق الذي لا يحده حد، والابتعاد عن الدين ابتعاد عن المطلق واقتراب من المحدود. فالحرية تكتسب قيمتها  إسلاميا  في نطاق العبودية لله تعالى وليس في النطاق الخارج عنها، فإن الكل خاضع لإرادة الله التكوينية.

 

وقد يصر البعض على أنه في التكليف إكراه، فإذا كان التكليف يعني الإكراه فهل يمكن للإنسان الجمع بين التكليف والحرية؟

 

وهل تصح نية التقرب إلى الله تعالى في الصلاة والحال أن الإنسان يصلي مكرها؟

 

وكما تتنافى الحرية مع الإكراه على الشيء، كذلك تتنافى مع حكم الضرورة، فما يحول دون حريتنا أمران:

 

1-  وجود التهديد بإلحاق الضرر (الإكراه).

 

2-  وجود المانع والعائق (الضرورة).

 

وقد قيل في الفرق بينهما أن الإكراه فيه تهديد بينما الضرورة ليس فيها تهديد.

 

فهل يمكن اعتبار أنّ التكليف فيه إكراه، لأن الله تعالى توعّد الإنسان بالنار فيما لو خالف التكاليف الملزمة، والنار ضرر على الإنسان. لتكون التكاليف الإلزامية بذلك منافية للحرية؟ هنا نحتاج للقول بأن العبودية أو التقيد حاجة ضرورية لكمال الإنسان يختارها بملء إرادته. أي أنّ الإنسان يتنازل مختارا عن قسط من حريته لأجل مصلحته. فالله تعالى أكرهه لمصلحته، تماما كما يكره الأب ولده على فعلٍ ما لمصلحته، ولو ترك الأب ولده حرا ولم يكرهه على أن يدرس مثلا فإن هذه الحرية سوف تلحق الضرر بالطفل، فكيف إذا كان الضرر كبيرا جدا ويسبب مثل الخلود في النار؟؟ وقد يتدخل البعض فيكره الصائم على الإفطار تحت التهديد وإلحاق الضرر به أو بمن ينتسب إليه أو بماله، وهذا إكراه على خلاف التكليف، أي على خلاف المصلحة، في هذه الحال يرتفع التكليف الإلزامي عن الصائم بالصوم، لأن الله أراد من تكليف الصوم مصلحة الإنسان ونفعه، فإذا صار الصوم مضرا له يرتفع التكليف. وكذلك يرتفع التكليف في حال الضرورة أيضا، فالضرورات تبيح المحظورات، ولكن تقدر بقدرها.

 

ومن جهة ثانية، لا إشكال في صحة الصلاة فيما لو كان الإنسان يصلي بدافع الخوف من النار، وهي عبادة العبيد كما عبّر أمير المؤمنين (ع)، كما لا إشكال في صحتها فيما لو صلاها طمعا في الجنة، وهي عبادة التجار أو الأجراء، ويبدو أن الإشكال لا يتوجه على الصحة والفساد، وقد يفهم من ذلك أن العبادة الحقيقية التي تكون مقبولة عند الله تعالى هي عبادة الأحرار، عبادة الشكر، عبادة من يعبد الله لاستحقاقه العبادة وأهليته لها، هذه العبادة لا تكون بدافع الخوف من النار، لذلك لا يوجد فيها أي لون من ألوان الإكراه حتى الخفي منه، وهي العبادة التي هدف الإسلام إليها في تشريعه.

 

 مجالات الحرية

 

 الحرية المعنوية

 

إنّ الحرية المعنوية تعني إفساح المجال أمام الإنسان ليقوم بأداء تكاليفه التي بها يتخلص من عبودية الأهواء النفسية والأوهام الخيالية، وأما التحلل من التكليف وإطلاق العنان للنفس فهو يفضي إلى عبودية من نوع أعمق. فالحرية تنبع من التخلي عن الدنيا، وهو معنى ما قاله علي (ع): «من زهد في الدنيا أعتق نفسه وأرضى ربه»[34].

 

والحرية تنبع من التقوى، وهو معنى ما قالته امرأة العزيز لما رأت يوسف بعد أن أصبح في الحكم: ما أحسن التقوى كيف حررت العبيد، وما أقبح الخطيئة كيف عبدت الأحرار! ويتضح السر في ذلك إذا عرفنا أن من قدر على نفسه كان على غيره أقدر، ومن خضع لنفسه وعجز عنها كان أمام غيره أعجز وأضعف.

 

فالحرية في الإسلام تكليف، وتكليف الإنسان هو أن لا يكون عبدا للخرافات الفكرية والأهواء النفسية.

 

«ما هو أساس نجاة البشرية واطمئنان القلوب، فهو التحرر والإفلات من الدنيا وتعلقاتها ولا يحصل ذلك إلا بالذكر الدائم لله تعالى»[35].

 

وفي المروي عَنْ أَبِي بَصِير قَالَ: «سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن الحر حر على جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره، وإن أسر وقهر، واستبدل باليسر عسر»[36].

 

وقد تعرض الإمام (قده) في كتابه (الأربعون حديثا) لشرح هذا الحديث وبيّن فيه حقيقة الحرية المعنوية بأفضل بيان، رأينا من الأفضل أن ننقل مقطعا من كلام الإمام بدون تدخل، لما فيه من روعة الأثر وجمال الأسلوب والتعبير.

 

ففي معرض تعليقه على هذه الرواية يرى الإمام (قده) أن هيمنة الشهوة هي مصدر لكل أسر، «إنّ الإنسان إذا أصبح مقهوراً لهيمنة الشهوة والميول النفسية، كان رقُّه وعبوديته وذلته بقدر مقهوريته لتلك السلطات الحاكمة عليه، ومعنى العبودية لشخص هو الخضوع التام له وإطاعته. والإنسان المطيع للشهوات المقهور للنفس الأمارة يكون عبداً منقاداً لها. وكلما توحي هذه السلطات بشي‏ء أطاعها الإنسان في منتهى الخضوع، ويغدو عبداً خاضعاً ومطيعاً أمام تلك القوى الحاكمة، ويبلغ الأمر إلى مستوىً يفضّل طاعتها على طاعة خالق السماوات والأرض، وعبوديتها على عبودية مالك الملوك الحقيقي، وفي هذا الحال تزول عن نفسه العزة والكرامة والحرية ويحل محلّها الذل والهوان والعبودية، ويخضع لأهل الدنيا، وينحني قلبه أمامهما وأمام ذوي الجاه والحشمة، ويتحمل لأجل البلوغ إلى شهواته النفسية الذل والمنّة، ويستسيغ لأجل الترفيه عن البطن والفرج الهوان، ولا يتضايق من اقتراف ما فيه خلاف الشرف والفتوة والحرية عندما يكون أسيراً لهوى النفس والشهوة. وينقلب إلى أداة طيّعة أمام كل صالح وطالح، ويقبل امتنان كل وضيع عنده لمجرد احتمال نيل ما يبتغيه حتى إذا كان ذلك الشخص أحط وأتفه إنسان.

 

إن عبيد الدنيا وعبيد الرغبات الذاتية، والذين رسن عبودية الميول النفسية في رقابهم، يعبدون كل من يعلمون أن لديه الدنيا أو يحتملون أنه من ذوي الدنيا، ويخضعون له، وإذا تحدثوا عن التعفف وكبر النفس كان حديثهم تدليساً محضاً، وأن أعمالهم أقوالهم تكذّب حديثهم عن عفة النفس ومناعتها. وهذا الأسر والرق من الأمور التي تجعل الإنسان دائماً في المذلّة والعذاب والنَصَب.

 

إذا أردت  أيها الإنسان  أن تقبل المنّة فلتكن من الغني المطلق وخالق السماوات والأرض، فإنك إذا وجهت وجهك إلى الذات المقدسة، وخشع في محضره قلبك تحرّرت من العالَمين  ما سوى الله  وخلعت من رقبتك طوق العبودية، (العبودية جوهرة كنهها الربوبية)[37] ونتيجةً لعبودية الحق والانتباه إلى نقطة واحدة مركزية، وإفناء كل القوى والسلطات  النفس وأهوائها  في السلطة الإلهية المطلقة، تنجم حالة في القلب تقهر العوالم الأخرى ويستولي عليها، وتظهر للروح حالة من الشموخ والعظمة تأبى الطاعة إلا أمام الرب سبحانه وأمام من تكون طاعتهم طاعة ذات الحق المقدس، وإذا كان من جراء الظروف الطارئة محكوماً لأحد، لما تزلزل قلبه منه ولحافظ على حرية نفسه واستقلالها، كما كان الشأن في النبي يوسف ولقمان حيث لم تنعكس سلباً عبوديتهما الظاهرية على حرية وانطلاقة نفسيهما. كم من أصحاب القدرة والسلطة الظاهرية لم يستنشقوا نسمة حرية النفس الشخصية والاعتداد بها ويكونون أذلاء وعبيداً للنفس وأهوائها، ويتزلفون نحو المخلوق التافه؟. نقل عن الإمام علي بن الحسين (ع) أنه قال في حديث: ( إنّي لآنّفُ أنْ أطْلُبَ الدُّنْيَا مِنْ خَالِقِهَا فَكَيْفَ مِنْ مَخْلُوقٍ مِثْلِي) [38].

 

... ولا تغفل عن إلهك، وحافظ على حريتك، وارفع أغلال العبودية والأسر عن رقبتك، وكن حراً في جميع حالاتك كما ورد في الحديث الشريف (إن الحر حر على جميع أحواله) [39].

 

واعلم أن الغِنى  غنى النفس  وأن عدم الحاجة من حالات الروح، وغير مرتبطة بأمور خارجة عن الإنسان. وإنني رأيت أناساً من أهل الثراء والمال والجاه يتفوهون بكلمات يندي لها الجبين ولا يقولها المستجدي المتهتك. انه المسكين الذي ضُربت على روحه الذلة والمسكنة. إن شعب اليهود بالنسبة إلى عددهم يعدّون من أغنى الشعوب القاطنين على ظهر الأرض كافة ولكنهم يعيشون طيلة حياتهم في الشقاء والتعاسة والشدة والهوان، وتبدو على ملامحهم الحاجة والفقر والذل المسكنة، ولا يكون ذلك إلا من وراء الفقر النفسي والذل الروحي. ورأينا في أصحاب الزهد وذوي الحياة البسيطة  الدراوشة  أشخاصاً قلوبهم مفعمة بالغنى والكفاف، ويلقون نظرة اللامبالاة على الدنيا وكل ما فيها، ولا يجدون أحداً أهلاً للإستنجاد به إلا الحق المقدس المتعالي... فلذلك مزّق سلاسل الشهوة والأهواء المتعرجة بعضها على بعض، وحطم أصفاد القلب، وأُخْرج من قيود الأسر، وكن حراً في هذا العالم، حتى تكون حراً في ذلك العالم. ولولا ذلك لوجدت الصورة الملكوتية لهذا الأسر حاضرة في ذلك العالم، واعلم بأنها مؤلمة جداً. إن أولياء الله رغم تحررهم التام من الأسر والرق، وبلوغهم الحرية المطلقة فإن قلوبهم كانت مضطربة وكانوا يجزعون وينحبون بدرجة تثير دهشة العقول.

 

أيها العزيز على الرغم من أن هذا العالم ليس بدار الجزاء والمكافأة وليس بمحل لظهور سلطة الحق المتعالي، وإنما هو سجن المؤمن، فلو تحررت من أسر النفس، وأصبحت عبداً للحق المتعالي، وجعلت القلب موحداً، وأجليت مرآة روحك من غبار النفاق والأثنينيّة، وأرسلت قلبك إلى النقطة المركزية للكمال المطلق، لشاهدت بعينك آثار ذلك في هذا العالم، ولتوسع قلبك بقدر يغدو محلاً لظهور السلطنة التامة الإلهية حيث تصير مساحتها أوسع من جميع العوالم (لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن)[40] ولشعرت غنى واضحاً في النفس، حيث لم تعبأ بكل العوالم الغيبية والمادية، ولأصبحت إرادتك قوية، حيث لم تفكر في عالمي المُلك والملكوت، ولم تجد لهما اللياقة لاحتضانك».

 

حرية التعبير عن الرأي‏

 

«إنّ هذه الحرية التي يتمتع بها أبناء شعبنا من النساء والرجال والكتّاب والعناصر الأخرى، هي من النوع الذي يصب في منفعة أبناء الشعب. فأنتم أحرار في التعبير عن أفكاركم وآرائكم، وفي انتقاد الحكومة. انتقدوا كل مَنْ خطا خطوة منحرفة.. اذهبوا ودافعوا عن شعبكم.. إنّكم أحرار في فعل كل ما من شأنه خدمة الإنسان وتطوير الأخوة والأخوات ورعاية هؤلاء الأطفال الأعزة.. كل هذا مسموح فيه. أنّ الذي حاربه الإسلام ولن يسمح به، هو القمار الذي يقود أبناء الشعب إلى التيه والضياع، والخمر الذي يضيّع الشعب، وأنواع البغاء والفحشاء الذي راج في عهد ذلك المجرم (محمد رضا بهلوي) وعملوا على توفير مستلزماته. هذه الأمور هي التي حرّمها الإسلام وحاربها»[41].

 

بل أنّ الحرية التي أتاحها الإسلام تتسع حتى لأولئك الذين لا يتبنون الإسلام كمنهج في الحياة والاجتماع والسياسة.

 

«إنّ الماركسيين أحرار في بيان عقائدهم في المجتمع الذي نفكر بإقامته لأننا واثقون أنّ الإسلام يلبي حاجات الناس وان إيماننا واعتقادنا قادران على مواجهة عقيدتهم وقد طرحت الفلسفة الإسلامية منذ البداية موضوع أولئك الذين ينكرون وجود الخالق. إنّنا لم نسلب حريتهم أبدا ولم ننل منها فالكل حر في بيان عقيدته لكنه ليس حرا في التآمر»[42].

 

إنّ حرية التعبير التي أتاحها الإسلام ليعبر الناس عن أفكارهم في المجتمع الإسلامي بطلاقة، تهدف إلى التشجيع على التفكر والتدبر والحذر من مخاطر الغزو الثقافي والتبعية الفكرية والاستلاب الحضاري للشرق والغرب ولا تعني تعطيل العقول عن التفكر والاكتفاء بالتبعية للغير فكريا وعقليا. فإذا كنا طفيليين في الفكر وتابعين للغير فان ذلك سيفضي بنا إلى اكبر الفواجع الفادحة وأغلب التعاسات الشاقة.

 

«إنّ التبعية الفكرية والذهنية والعقلية للخارج هي منشأ أغلب التعاسات التي مرت على شعبنا وعلى سائر الشعوب»[43].

 

«إنّ أكبر فاجعة حلّت بشعبنا هي التبعية الفكرية، وشيوع الاعتقاد بأن كلّ شي‏ء من الغرب، وأنّنا فقراء في كلّ المجالات»[44].

 

الحرية السياسية

 

أكد الإمام على أن الإسلام هو دين الحرية، وأن الحرية مرفوضة ما لم تنطو على الإسلام، ومقصوده من ذلك أنّ الحرية محدودة بحدود لا يمكن تجاوزها، وإلاّ تنقلب الحرية إلى عبودية من نوع آخر أشد وأقسى بكثير من هذا الحرية الظاهرية.

 

«الإسلام دين سام، وديمقراطي بمعنى الكلمة»[45].

 

بل «إنّ ديمقراطية الإسلام أكمل من ديمقراطية الغرب»[46].

 

والحرية السياسية هي احد أهم الأهداف التي سعى الإسلام إلى تحقيقها وحث على حسن استخدامها من قبل الجميع.

 

«الديمقراطية مندرجة في الإسلام والناس أحرار في الإسلام في بيان عقائدهم أو في أعمالهم ما لم تكن ثمة مؤامرة في الموضوع ولم يطرحوا مسائل تجر الجيل.. إلى الانحراف»[47].

 

وعموماً، فان الإنسان عندما يمتلك القوة  ولا يمتلك التقوى  فإنه يميل غالبا إلى استعباد الآخرين، وقد قال فرعون لقومه «يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري»[48].

 

وكان يزيد مثالاً لا يجارى في ذلك، فقد روي عن الإمام الباقر (ع) قوله: «إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج، فبعث إلى رجل من قريش فأتاه، فقال له يزيد: أتقر لي أنك عبد لي، إن شئت بعتك وإن شئت استرقيتك، فقال له الرجل: والله يا يزيد! ما أنت بأكرم مني في قريش حسباً، ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والإسلام، وما أنت بأفضل مني في الدين ولا بخير مني، فكيف اقر لك بما سألت؟! فقال له يزيد: إن لم تقر لي والله قتلتك، فقال له الرجل: ليس قتلك إيأي بأعظم من قتلك الحسين بن علي (ع) ابن رسول الله (ص)، فأمر به فقتل»[49].

 

فما يقلق أمثال هؤلاء الحكام هو وجود الأحرار في المجتمع، ولذلك فهم يسعون لمصادرة الحريات على كافة المستويات لتسهيل مهمتهم في استعباد الناس، إلا أنّ الله تعالى لم يجعل لهم هذا الأمر، فالحر حر في جميع أحواله، فكيف إذا كان بمستوى هؤلاء العظماء، أمثال من ذكرنا يوسف ولقمان وآل محمد (ع).

 

ولهذا نجد أنّ الإمام (قده) يدعو الشعوب إلى التحرر والاستقلال وخلع الأغلال على انه تكليف وواجب: «يجب على أبناء الشعب الإيراني الشريف والمسلمين وجميع الأحرار في العالم أن يعلموا بان عليهم أن يقدموا ثمنا غاليا للاستقلال والحرية فيما لو أرادوا الوقوف مستقلين عن أية قوة أو أية قوة عظمى ودون أن يميلوا إلى اليمين أو اليسار»[50].

 

لقد تنبه الإمام مبكرا إلى سعي الاستكبار الحثيث للسيطرة على خيرات بلادنا والتحكم بقدرات الشعوب باسم الحرية.

 

«من هم الرجعيون؟ هل هم أولئك الذين يريدون الخروج من نير الظلم وتحقيق الاستقلال؟! أم أولئك الذين يريدون سلب شعبنا وبلدنا استقلالهما وحريتهما؟»[51].

 

وكأن الإمام (قده) يشخص البلسم الشافي للأمة حين يقول  وذلك قبل الاحتلال ألاستكباري للعراق بزمن بعيد : «البلاد بلادنا، وعلينا أن نبنيها بأنفسنا»[52].

 

وحث الإمام (قده) على ضرورة عدم استيراد كل شي‏ء من الخارج لأن ذلك يتنافى مع الحرية، ولذلك: «إذا أرادت أيّة دولة الوقوف على أقدامها، وتحقيق الاستقلال في كلّ المجالات، فليس أمامها حل سوى أن تخرج من رأسها فكرة وجوب استيراد كلّ شي‏ء من الخارج»[53].

 

ونجد اليوم أنّ قدرات الأمة مشلولة، وذلك بسبب تساقط الحكام الذين يتعللون الحجج الواهية لتخاذلهم، ويتذرعون بالفقر وضرورة الحصول على المساعدات الخارجية، مما يوقعهم في أسر أعمق هو في حقيقته ذل وهوان.

 

ورداً على هذه المزاعم الواهية: «إنّنا نرضى بحياة فقيرة، بشرط أن نكون أحراراً مستقلين»[54].

 

وما لم نحصل على الحرية والاستقلال فلا قيمة للحياة التي نحياها: «إنّنا نقيّم الحياة بالحريّة والاستقلال» [55].

 

بل أنّ الحرية والاستقلال هما طريق الحصول على العزة والكرامة في الدنيا والآخرة: «إذا أردتم أن تنالوا كرامة الدنيا والآخرة، وتعيشوا حياتكم بعزّة فلتقفوا بحزم وقوة في وجه الأجانب، ولتكونوا رحماء ورؤوفين وأصدقاء فيما بينكم» [56]

 

ولهذا فقد سعى الإمام (قده) إلى تأسيس القاعدة والنموذج الذي يمكن للشعوب أنّ تحتذيه من خلال بناء الدولة الإسلامية في إيران: «إن أقصى ما أتمنّاه هو أن يتخلّص أبناء الشعب الإيراني من سيطرة الظلم، ويصبحوا أصحاب بلد حرّ ومستقل، يحكمه نظام إسلامي تُراعى فيه حقوق البشر كما أمر بها الإسلام، وأن يصبحوا أسوة لكلّ الشعوب في التقدم والرقي والسعادة الإنسانية» [57].

 

وحض الشعب على الاجتهاد في رفع بنيان الدولة لتكون حرة عزيزة ولو استدعى ذلك بذل الجهد والعناء: «أدعو الشباب  فتياتٍ وفتياناً  أن لا يضحّوا بالاستقلال والحرية والقيم الإنسانية حتى ولو تطلب الأمر تحمل المعاناة والصعاب؛ في مقابل الترف الزائد ووسائل اللهو والتحلل الخلقي، والتواجد في مراكز البغاء التي يشيعها الغرب وعملاؤه من باعة الوطن في أوساطهم» [58].

 

وأيضاً: «هبوا لبناء بلدكم، فالأمر يستحق بذل الجهد وتحمل العناء لعقد أو أكثر لتحقيق الاستقلال لبلادنا وتخليصها من أنياب هذه الذئاب المتوحشة» [59].

 

«إنّنا نرغب في إيران الحرّة المستقلة والمقتدرة، نرغب في إيران التي يقف فيها الشعب بشموخ، وتدار شؤونها من قبل الشعب نفسه» [60].

 

كذلك كان يحث على مواصلة السعي الدائم بدون تعب أو كلل للحفاظ على هذا الإنجاز العظيم: «أبنائي الأعزاء إنّ عليكم أنتم السعي لإرواء شجيرة الحريّة والاستقلال في بلادكم» [61].

 

وقد شملت توجيهاته (قده)الشعوب والحكام على السواء: «تحقيق الاستقلال للبلاد من جميع الجوانب، بدء من قوى الأمن ومروراً بالسلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية يجب أن يكون على رأس خطط الشعب والحكومة» [62].

 

ومهما تكن العقبات فإنّ السعي الجاد إذا اقترن بالإخلاص والاستقامة كما ينبغي فان التأييدات الإلهية سوف تشملنا حينئذ: «إذا استقمنا كما ينبغي، شملتنا التأييدات الإلهيّة» [63].

 

مقومات التحرر

 

 حرية المرأة في النظام الإسلامي‏

 

وفي مجال المرأة فقد أتاح الإسلام لها فسحة واسعة من الحرية لا نكاد نجد ما يماثلها في أي نظام آخر: «ان الإسلام يؤيد حرية المرأة، ليس هذا فحسب، بل يدعو إلى حريتها في جميع المجالات» [64].

 

بل قد بلغت عناية الإسلام بحقوق المرأة عناية تفوق عنايته بالرجال أنفسهم، «اعتنى (الإسلام) بالنساء أكثر من اعتنائه بالرجال. أن اهتمام الإسلام بحقوق النساء فاق اهتمامه بحقوق الرجال.. فللمرأة حق الرأي وحق الانتخاب، بل أن المسائل المنظورة للنساء عندنا أفضل مما هو موجود في الغرب. فلهن الحرية في ممارسة نشاطاتهن وبكامل إراداتهن، وفي انتخاب العمل» [65].

 

 واحترام المرأة في الإسلام ناشي‏ء من احترام الهدف الإنساني الذي تسعى إليه وتشترك فيه مع الرجال، «نحن لا نسمح، ولا الإسلام يوافق، أن تكون المرأة سلعة ودمية بأيدينا. الإسلام يدعو للحفاظ على شخصية المرأة، ويريد أن يصنع منها انساناً جاداً ونافعاً، ولا يسمح مطلقاً بتحول المرأة إلى أداة للشهوة بأيدي الرجال.. أنّ الاحترام والحرية التي منحهما الإسلام للمرأة، لم يمنحهما أي قانون أو دين» [66].

 

 ولذلك أعطى الإسلام المرأة دوراً يتناسب مع كونها تمثل نصف المجتمع، ويشير الإمام (قده) إلى وضع المرأة في الحكومة الإسلامية، «للمرأة حرية المساهمة في الكثير من النشاطات، الحرية بمعناها الحقيقي وليس كما يصورها الشاه. أنّ عدة من نسائنا يقبعن في السجون، وان نسبة كبيرة من النساء الطليقات يشاركن في المظاهرات وفي النضال. بيد أن عدة قليلة تتمتع بالحرية. وبالطبع نحن نعارض الحرية التي يدعو إليها الشاه» [67].

 

ويؤكد الإمام (قده) على ذلك،«تشارك المرأة في بناء المجتمع الإسلامي القادم مثلما يشارك الرجل، فهي تحظى بحق الانتخاب وحق الترشيح. وقد شاركت النسوة الإيرانيات في أحداث النهضة الأخيرة مثلما شارك الرجال. ونحن سنمنح المرأة كل صور الحرية، ومن الطبيعي أن نقف في وجه الفساد، وفي هذا لا يوجد فرق بين المرأة والرجل» [68].

 

فالشرط الوحيد الذي يمكن أن يحد من حرية المرأة والرجل هو الأعمال المنافية للعفة والأخلاق: «إن الإسلام لن يسمح بأعمال منافية للعفة؛ من شأنها أن تسوق البلاد إلى الضياع، والشعب إلى الوراء.. وإلاّ فإن أحدا لم يحل دون الحرية أبدا ولن يكون ذلك. إنّ أبناء الشعب أحرار إلاّ في الحالات التي تقود إلى التيه وتسوق الشعب إلى الوراء» [69].

 

مجالات الحرية عند المرأة

 

وأما المجالات التي تمارس فيها المرأة حريتها فهي أكثر من أن تحصى، ويمكن أن نتصيّد من كلمات الإمام )قده( التالي:

 

1-  حق العمل والمشاركة في الانتخابات والترشيح‏.

 

«إنّ المرأة حرة في المجتمع الإسلامي، ولن تمنع من دخول الجامعة والمجلس والعمل في الدوائر بأي وجه» [70].

 

«المرأة والرجل كلاهما حر في دخول الجامعة، وفي المشاركة في الانتخابات وفي الترشيح» [71].

 

2- تقرير المصير.

 

«فيما يخص المرأة، لم يعارض الإسلام حريتها أبداً، بل على العكس عارض الإسلام بشدة تحول المرأة إلى سلعة، وأعاد إليها عزّها وشرفها ومكانتها. المرأة مساوية للرجل وهي حرة في اختيار مصيرها ونشاطها.. » [72].

 

«لا يوجد تباين في الحقوق الإنسانية بين المرأة والرجل، لأن كليهما إنسان. فللمرأة حق المشاركة في تحديد مصيرها كالرجل» [73].

 

3-  حرية التعبير عن الرأي‏.

 

«انتم اليوم تنعمون بالحرية. جميع الإخوة والأخوات اليوم أحرار، يمارسون دورهم وينتقدون الحكومة بكل حرية.. ينتقدون كل ما يعارض مسيرة الشعب والإسلام.. يطالبون الحكومة بالقضايا الأساسية.. لقد منحتكم هذه النهضة الحرية، وأنقذتكم من القيود التي فرضت عليكم.. فانتم الآن تلتقون هنا بكل حرية وتطرحون وتناقشون القضايا السياسية والاجتماعية التي تهم الشعب، ولم يكن هذا متوفراً قبل الثورة. أمّا اليوم فتخوضون في تقرير مصيركم بأنفسكم.. تطرحون مطالبكم السياسية وتطالبون الحكومة بتحقيقها، هذا هو معنى الحرية»[74]

 

4- حق التعلم والتعليم.‏

 

«النساء أحرار لا سيّما في التعليم، وهكذا في سائر النشاطات الأخرى مثلما الرجال أحرار في ممارسة نشاطاتهم» [75].

 

5- حق المشاركة في إعمار البلاد.

 

«النساء اليوم في الجمهورية الإسلامية منهمكات في بناء أنفسهن وإعمار البلاد جنباً إلى جنب الرجال.. هذا هو معنى تحرير المرأة وتحرير الرجل، لا ذلك الذي كان يروّج له الشاه المخلوع، حيث تجسدت الحرية التي كان يدعو لها في الحبس والاضطهاد والإيذاء والتعذيب»[76].

 

حذار الانخداع بالدعوات البراقة

 

وقد حذر الإمام من الانخداع بالدعوات البراقة للحرية بالمعنى الغربي، ونبه من خطر الانزلاق خلف الدعايات المضللة والانجرار وراء الشعارات الرنانة خصوصاً في موضوع الحرية.

 

«في عهد هذا النظام (بهلوي) الذي كانت تتعالى فيه الصيحات (النساء حرات الرجال أحرار) ماذا كانت نشاطات المرأة؟ النشاط الذي كنا نشاهده من النساء هو قيام مجموعة من النسوة بالذهاب إلى قبر رضا خان بذلك الوضع المخزي لتقديم شكرهن لأنه حررهن، أما كيف حررهن وماذا فعل؟ فإنهن لا يفكرن بهذا، وان أي حرية قد أعطاها لهن وإلى أي حد أرادهن أحرارا مع الرجال نعم أنّهم كانوا يريدون إعطائهن حرية معينة وان أصحاب الأقلام اليوم الذين يسخرون أقلامهم ضد الإسلام وضد الروحانيين يريدون نفس تلك الحرية وهي تلك الحرية التي صممها الغرب لإفساد شبابنا يريدون من النساء والرجال أن يكونوا أحرارا لتشارك النسوة في تلك المجالس التي كانت تقام وتظهر أمام أعين الرجال غير النزيهة بذلك الوضع.. أنّهم يريدون حرية الفحشاء بكل أنواعها.. أية امرأة تمكنت أن تتحدث عن قضايا الساعة وأي رجل استطاع أن يكتب كلمة واحدة عن المشاكل التي يعاني منها شعبنا بسبب تدخل الأجانب وعملائهم الداخليين أية مطبوعة من مطبوعاتنا كانت حرة؟ متى كان المذياع والتلفاز حرا؟ متى كان الناس والشبان وطلاب الجامعات وطلبة العلوم الدينية احراراً؟ أن الحرية الواقعية المفيدة لمجتمعنا كانت مسلوبة تماما خلال هذه الخمسين سنة التي شاهدت فيها مختلف القضايا فالنسوة لم يملكن الحرية لممارسة النشاط الاجتماعي أو التحدث عن المصائب التي يعانيها الشعب والويلات التي لحقت به من الشرق والغرب ولم يسمح لهن بالتحدث ولا بكلمة واحدة عن مصائب الشعب من الحكومات العميلة وما أصاب الشعب بسببها» [77].

 

المقومات العملية في ترجمة الحرية

 

يتميز نهج الإمام الخميني (قده) في كل ما يطرحه من قيم وأهداف بالجانب العملي، حيث  يترسم الطريق الصحيح المفضي إلى التطبيق الواقعي، ويضع الخطط العملية والتوجيهات المباشرة التي تسمح للفكرة أن تنعكس إلى واقع حي ملموس.

 

وفي مجال التحرر يمكن لنا أن نصطاد من كلماته التي ألقاها في مناسبات مختلفة مقومات عملية لترجمة الحرية إلى حيز التطبيق. وفيما يلي أبرز هذه المقومات ومتطلباتها:

 

1- الاستقلال الفكري:‏

 

«أوّل شرط لتحقيق الاستقلال هو الاستقلال الفكري والعقلي» [78].

 

«إذا تمكّنا من إنهاء التبعيّة الفكرية، فإنّنا سنتمكن من إنهاء سائر أنواع التبعيّة» [79].

 

2 - الإكتفاء الذاتي‏:

 

«إذا أردتم تحقيق الاستقلال والحريّة الحقيقية، عليكم أن تسعوا لتحقيق الاكتفاء الذاتي في كلّ المجالات» [80].

 

3- التوكل على الله وتوحيد الكلمة:

 

«لا فرق عندنا بين الشرق والغرب، إننا وبالتوكلّ على الله وبمعونة شعبنا الشجاع سنحصل على الاستقلال الحقيقي» [81].

 

«لقد تمكنتم يا أبناء الشعب الإيراني المجيد من تحقيق النصر في مواجهتكم المستعمرين والناهبين، والتغلب على طاغوت الزمان وإدخال الذعر في قلوب القوى الكبرى، وذلك بالاتكال على الله تعالى وتوحيد الكلمة ومشاركة مختلف الفئات» [82].

 

4 ـ الثقة بالنفس‏:

 

«ما لم ندرك أنّ لنا نحن أيضاً شخصيتنا. أنّ المسلمين لهم شخصيتهم، وأنّهم مجموعة أيضاً، ويمكنهم أن يفعلوا شيئاً ما. وإذا لم تتحقق لدينا الإرادة على أمرٍ ما، فإنّنا لن نتمكن من تحقيقه، وإذا لم ننتبه من غفلتنا، فإنّ تلك الإرادة لن تتحقق» [83].

 

«علينا أن نقنع أنفسنا بأنّنا بشر أيضا، وأنّنا موجودون في هذه الدنيا أيضاً، وأن الشرق مكان أيضاً، وأن الغرب هو ليس كلّ الأرض» [84].

 

5- الإيمان بالقدرة الذاتية:

 

«ما دامت أيدينا ممدودة نحو الشرق والغرب فنحن تابعون، فإذا أردنا أن نكون مستقلين غير تابعين لأحد، وجب علينا أوّلاً: أن ندرك أنّ لنا شخصيتنا، وأنّنا نستطيع أن نفعل شيئا»ً [85].

 

«لا تتوهموا أن من المحتم أن نستورد كلّ شي‏ء من الآخرين، كلا إنّ عليكم أن تفكروا في تهيئة كلّ ما تحتاجونه بأنفسكم » [86].

 

«إذا أيقن الشعب أنّه يستطيع الوقوف بوجه القوى العظمى، فإنّ يقينه ذاك سيكون سبباً لمنحه القدرة للوقوف بوجه تلك القوى » [87].

 

«سنعتمد على أنفسنا، وكلي ثقة أنّنا منتصرون» [88].

 

«الأساس هو أن نعتقد بأنّنا قادرون» [89].

 

6- التصميم ورضا الله وحده‏:

 

«لقد صمم الشعب الإيراني على الانفكاك من قيد الاستعمار، وتحقيق الحريّة والاستقلال، ثم تنظيم سياسته على أساس هاتين القاعدتين، وليس مهما عنده من ارتضته هذه السياسة ومن لم ترضه » [90].

 

7- الاستعداد الدائم:‏

 

«إذا أردنا أن نكون مستقلين، علينا أن نتهيأ لمواجهة كلّ طارئ » [91].

 

8- بذل الجهد:

 

«على الجميع وأينما كانوا أن يبذلوا قصارى جهدهم لتخليصنا من التبعية » [92].

 

«ابذلوا جهدكم في جميع المجالات لقطع آخر جذور التبعية للأجانب في هذا البلد» [93].

 

9 - حاكمية الإسلام‏:

 

«ليس أمامنا من طريق لتحقيق وحدة الأمّة الإسلامية، وتحرير الوطن الإسلامي من نير المستعمرين ونفوذهم، وإخراجه من تحت سلطة الحكومات العميلة، سوى المبادرة لتشكيل حكومة» [94].

 

 عاشوراء ثورة الحريات‏

 

لقد شكلت نهضة الإمام الحسين (ع) في كربلاء تحديا صارخا تزلزلت له جميع أنواع الاستبداد السياسي والاستعباد ألاستكباري والاسترقاق الطاغوتي، وللإمام الحسين (ع) كلمة مشهورة سجلها التاريخ  إلى يوم القيامة  بأحرف من نور وهي تقطر كرامة وعزة وشرفاً:«ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»  [95].

 

فالإمام الحسين (ع) هو صنيعة أمير المؤمنين (ع) الذي يقول: «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً » [96].

 

لذلك ففي اشد الأوقات محنة في يوم عاشوراء نجده يقول بعزة وإباء: «لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فِرار العبيد » [97].

 

كيف لا، وهو المصداق الأكمل بين المؤمنين لقوله تعالى: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين» [98].

 

وكيف لا، والصفة البارزة التي تميز بها الإمام الحسين (ع) الإباء عن الضيم حتى لقب "بأبي الضيم" فلم يخنع، ولم يخضع لقرود بني أمية، وآثر الموت تحت ظلال الأسنة وهو يردد ويقول: «موت في عز خير من حياة في ذل» [99]).

 

ويقول (ع) يوم كربلاء عندما خاطب القوم الذين حاربوه: «إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم.. » [100].

 

وقد تحدى أبو الأحرار بثورته الكبرى الطبيعة البشرية التي هي أسيرة الغرائز والعواطف، فقد تحرر منها، ولم يعد لها أي حكم أو سلطان عليه، ولا على أتباعه والذين التحقوا به.

 

ولهذا قال الإمام الحسين (ع) للحر بعد انتصاره على نفسه ودنياه:«واللّه ما أخطأت أمك إذ سمتك حراً فأنت واللّه حر في الدنيا وسعيد في الآخرة» [101].

 

ونحن عندما نتأمل في عظمة الإمام الحسين الذي اعتق نفسه من كل ارتباط عدا الارتباط بالله تعالى فقدم أبنائه للشهادة بين يديه، وما أيسر أن يضحي الإنسان بنفسه وروحه في سبيل حفظ أبنائه، وهو أمر مدهش ومحير في نفس الوقت ولا نجد تفسيرا لذلك سوى هذا المقدار الكبير من الحرية التي استقاها من معين مدرسة أبيه (ع) الذي كان يقول:«إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وان قوما عبدوه شكرا فتلك عبادة الأحرار» [102].

 

أي أن هذه العبادة الحقيقية تحرر الإنسان من كل ألوان الذل والخضوع لغير الله..

 

وإذا وصلنا إلى هذا المستوى الراقي من العبادة والخضوع لله تعالى، والتحرر من أسر الدنيا والنفس، فسوف تصير مشيئة الله وإرادته هي مشيئة الإنسان وإرادته، فنخضع لله في المشيئة التشريعية كما في المشيئة التكوينية ولكن من دون أن يعني ذلك الجبر، وهذا معنى قول الإمام الحسين (ع) لأخيه محمد ابن الحنفية حين سأله عن علة خروجه وطلب إليه عدم الخروج فكان الجواب: "شاء الله أن يراني قتيلاً".

 

فهذه المشيئة الإلهية لا تلغي مشيئة وإرادة الإمام (ع)، لأن الإرادة في طول الإرادة وليست في عرضها حتى تتزاحما ويلزم من تأثير الإرادة الإلهية بطلان تأثير الإرادة الإنسانية، كيف ونحن نعلم أنّ الأمويين كانوا قد أثاروا قضية الجبر، لتبرير أفعالهم وتسويغ وجودهم على رأس السلطة الإسلامية مع ما هم عليه، وقد رفض الإمام ذلك، وخرج ثائراً لإصلاح ما أفسده هؤلاء من عقائد المسلمين، وحين أدخل السبايا إلى مجلس اللعين ابن زياد وسمع هذا الأخير بوجود علي بن الحسين (ع) بينهم، قال مخاطباً الإمام زين العابدين (ع): «أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟ فأجابه الإمام (ع): كان لي أخ يسمّى علي بن الحسين قتله الناس.

 

فقال ابن زياد: بل اللّه قتله.

 

فقال الإمام (ع): الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها» [103].

 

فالصراع على قضية الحريات، والتحريف على مستوى العقيدة وأن الإنسان مجبر فيما يقوم به، كان على رأس الأسباب التي بعثت على خروج الإمام الحسين (ع) ثائراً ومصلحاً.

 

وقد أدرك الإمام الخميني (قده) أهمية العمل على بعث الروح الحسينية في الأمة في سبيل تحررها وإستقلالها وعزها، فدعا إلى ضرورة التعرف على هوية شهر محرم الحقيقية والاستفادة منه:«محرم هو الشهر الذي انتفضت فيه العدالة لمواجهة الظلم، وقام فيه الحق لمواجهة الباطل، فأثبت أن الحق منتصر على الباطل على مرّ التاريخ» [104].

 

فكان الإمام (قده) يشدد في الدعوة إلى إحياء مراسم عاشوراء والإستفادة من بركات المجالس الحسينية: «لتقام مجالس ذكرى سيد المظلومين والأحرار بجلال أكثر وحضور أكثر فهي مجالس غلبة قوى العقل على الجهل، والعدل على الظلم، والأمانة على الخيانة، وحكومة الإسلام على حكومة الطاغوت. ولترتفع رايات عاشوراء المدماة أكثر فأكثر معلنة حلول يوم انتقام المظلوم من الظالم» [105].

 

عقد الأمان

 

فهو عقد يصير بموجبه غير المسلم المشرك، مأمونا على نفسه وماله وعرضه، على أن يكون ذلك تحت إشراف ولي أمر المسلمين والدولة الإسلامية لو تصدى لعقد الأمان أفراد من المسلمين، فإن عقد الأمان تارة يكون مع الدولة الإسلامية، وتارة يكون مع الفرد المسلم، ويحق للمسلم العاقل البالغ المختار، من غير فرق بين أن يكون رجلا أو امرأة، أن يؤمن مشركا ليعيش في دار الإسلام سواء. وقد يؤمن المسلم واحدا من المشركين وقد يؤمن أكثر لكن ليس له أن يعطي أمانا عاما يشمل جميع المشركين بل لا بد من التحديد المسبق، وإنما هو فعل ولي أمر المسلمين والدولة الإسلامية أن تعطي مثل هذا الأمان العام. ويشترط في عقد الأمان أن لا يكون فيه ما يخالف الشرع والقانون الإسلامي وحينئذ يصير الأمان واجبا على المسلمين. ولا يشترط في عقد الأمان عبارة محددة بل يكفي كل ما يدل على إعطائه للمشرك.

 

وفي بعض الأحيان، لا يكون هناك أمان للمشرك أو لغير المشرك، فيدخل بلاد المسلمين باعتقاد أنّ هناك أمانا له على نفسه وماله وعرضه، وفي هذه الحال لا يجوز الإساءة إليه وإنما يجوز طرده من البلد وإخراجه منه إلاّ أن يحصل عقد أمان جديد.

 

وقد يحصل الأمان للمشرك من خلال عقد المهادنة الذي يقع بين الدولة الإسلامية وفئة المشركين، أو فئة من أهل الكتاب. هذا ما تيسر لنا بحثه حول الحرية مع الأخذ بعين الاعتبار فكر الإمام الخميني، سائلين المولى العلي القدير العفو والمغفرة إن كان هناك من خلل أو خطأ.

 

ــــــــــــــ

 

[1] الكافي، ج‏8، ص‏79.

 

[2] من حديث لدى لقائه نساء مدينتي دزفول وكرمنشاه بتاريخ 1979/4/7.

 

[3] الكلمات القصار، دار الوسيلة، ط1995 ، ص‏143.

 

[4] الكلمات القصار، ص‏142.

 

[5] الكلمات القصار، ص‏144.

 

[6] الكلمات القصار، ص‏149.

 

[7] الكلمات القصار، ص‏142.

 

[8] الكلمات القصار، ص‏142.

 

[9] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني، ص‏359.

 

[10] الكلمات القصار، ص‏142.

 

[11] الكلمات القصار، ص‏142.

 

[12] الكلمات القصار، ص‏144.

 

[13] الكلمات القصار، ص‏143.

 

[14] الكلمات القصار، ص‏144.

 

[15] من كلمة إذاعية متلفزة بعد إجراء الاقتراع على الجمهورية الإسلامية بتاريخ 1/4/1979

 

[16] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني رحمهم الله، ط1997 ، طهران .

 

[17] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني.

 

[18] من كلمته، بعد إجراء الاستفتاء العام على الجمهورية الإسلامية، بتاريخ  1/4/1979.

 

[19] الطبقات الكبرى، ج‏3، ص‏42.

 

[20] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني، ص‏370.

 

[21] سورة يوسف، الآية/33.

 

[22] من لقاء مع صحيفة اطلاعات، بتاريخ 1979/1/23.

 

[23] من حديث في أوساط طبقات الشعب المختلفة، بتاريخ 1979/3/29.

 

[24] الكلمات القصار، ص‏143.

 

[25] الكلمات القصار، ص‏142.

 

[26] الكلمات القصار، ص‏143.

 

[27] الكلمات القصار، ص‏143.

 

[28] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني، ص‏360  359.

 

[29] الكلمات القصار، ص‏143.

 

[30] الكلمات القصار، ص‏143.

 

[31] الكلمات القصار، ص‏143.

 

[32] الكلمات القصار، ص‏142.

 

[33] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني، ص‏371.

 

[34] ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏583.

 

[35] إشارة إلى قوله تعالى:«الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنّ‏ُ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنّ‏ُ الْقُلُوبُ» سورة الرعد، الآية/28.

 

[36] أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الصبر، ح‏7.

 

[37] مصباح الشريعة، الباب المائة، في حقيقة العبودية .

 

[38] علل الشرائع، المجلد الأول، باب 165، العلة التي من أجلها سمي علي بن الحسين زين العابدين (ع).

 

[39] الكافي،، ج‏2، ص‏89.

 

[40] غوالي اللئالي‏ء، المجلد الرابع، الأربعون حديثاً، الحديث 17.

 

[41] من حديث في جمع من المعلمات والطالبات في «مشهد»، بتاريخ 30/9/1979.

 

[42] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني، ص‏370.

 

[43] الكلمات القصار، ص‏147.

 

[44] الكلمات القصار، ص‏145.

 

[45] الكلمات القصار، ص‏142.

 

[46] الكلمات القصار، ص‏142.

 

[47] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني، ص‏359.

 

سورة القصص، الآية/38.[48]

 

[49] ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏582.

 

[50] منهجية الثورة الإسلامية مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني.

 

[51] الكلمات القصار، ص‏149.

 

[52] الكلمات القصار، ص‏145.

 

[53] الكلمات القصار، ص‏145.

 

[54] الكلمات القصار، ص‏145.

 

[55] الكلمات القصار، ص‏145.

 

[56] الكلمات القصار، ص‏146.

 

[57] الكلمات القصار، ص‏146.

 

[58] من الوصية السياسية  الإلهية، بتاريخ 1989/7/5.

 

[59] الكلمات القصار، ص‏146.

 

[60] الكلمات القصار، ص‏147.

 

[61] الكلمات القصار، ص‏146.

 

[62] الكلمات القصار، ص‏146.

 

[63] الكلمات القصار، ص‏146.

 

من لقاء مع مبعوث راديو وتلفزيون لوكسامبورك، بتاريخ 10/1/1979[64]

 

[65] من حديث في أوساط طبقات الشعب المختلفة، بتاريخ 29/3/1979.

 

[66] من لقاء مع الدكتورة جيم كوكلررفت، بتاريخ  28/12/1978.

 

[67] من لقاء مع مراسلين أجانب، بتاريخ 15/1/1979.

 

[68] من لقاء مع صحيفة اطلاعات، بتاريخ 3/1/1979.

 

[69] من لقاء مع صحفي ياباني، بتاريخ27/11/1979.

 

[70] من لقاء مع مراسل لوس انجلس تايمز الأميركية، بتاريخ 7/12/1987

 

[71] من حديث بشأن قطع العلاقة مع الدول المؤيدة للشاه، بتاريخ 11/12/1978

 

[72] من لقاء مع صحيفة اللوموند الفرنسية، بتاريخ 7/5/1978.

 

[73] من لقاء مع صحيفة دي ولت كرانت الهولندية، بتاريخ 7/11/1989

 

[74] من حديث في جمع من نساء المناطق الساحلية، بتاريخ 3/7/1979.

 

[75] من لقاء مع صحفي ألماني، بتاريخ 13/11/1978

 

[76] من كلمة بمناسبة يوم المرأة، بتاريخ 5/5/1980

 

[77] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني، ص 362  361.

 

[78] الكلمات القصار، ص‏150.

 

[79] الكلمات القصار، ص‏147

 

[80] الكلمات القصار، ص‏150.

 

[81] الكلمات القصار، ص‏148.

 

[82] الكلمات القصار، ص‏147.

 

[83] الكلمات القصار، ص‏148.

 

[84] الكلمات القصار، ص‏145.

 

[85] الكلمات القصار، ص‏147.

 

[86] الكلمات القصار، ص‏148.

 

[87] الكلمات القصار، ص‏150.

 

[88] الكلمات القصار، ص‏150.

 

[89] الكلمات القصار، ص‏145.

 

[90] الكلمات القصار، ص‏149.

 

[91] الكلمات القصار، ص‏145.

 

[92] الكلمات القصار، ص‏147.

 

[93] الكلمات القصار، ص‏147.

 

[94] الكلمات القصار، ص‏151.

 

[95] تحف العقول، ص‏58.

 

[96] نهج البلاغة ج‏3، ص‏51، ش الشيخ عبده.

 

[97] بحار الأنوار، ج‏44، ص‏191.

 

[98] سورة المنافقين، الآية/8.

 

[99] البحار، 192.

 

[100] اللهوف في قتلى الطفوف، للسيد ابن طاووس، ص‏71.

 

[101] ينابيع المودة لذوي القربى، ج‏2، ص‏77.

 

[102] نهج البلاغة، ج‏3، ص‏53، الحكمة رقم 237 ش، الشيخ عبده.

 

[103] بحار الأنوار، ج‏45، ص‏117.

 

[104] الكلمات القصار، ص‏70.

 

[105] الكلمات القصار، ص‏72.