إشاعة المفردات والمفاهيم الدينية(**)

 

لاشك أن الإمام الخميني (رض) في جهاده المتواصل استطاع أن يحيي الخطاب الديني، وأن يحقق أعظم معجزة في هذا العصر، وإذا كانت هذه الأوراق لا تتسع للحديث عما حققه من انجازات، وما أحياه من مفردات ومفاهيم، وعن تأثيرات خطابه الديني والسياسي، فإن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى ما تميز به خطابه من حيوية وفاعلية وقدرة على التأثير في مجتمعات المسلمين والمستضعفين، وقد ارتأينا أن نذكر بعض الإشارات الموجزة والكاشفة قدر الإمكان عن مميزات هذا الخطاب وخصائصه.

 

شهد عالمنا الإسلامي خطابات ومفردات ومفاهيم كثيرة لم تفد في إعادة الحيوية إلى الشعوب الإسلامية، ولم تساهم في تحريرها من أسر الطاغوت، بل زادت في مشاكلها، وحالت دون استقلالها، نظراً لما يشوب هذه الخطابات والمفاهيم من أخطاء وملابسات وتمويهات جعلتها قاصرة عن إحداث تغييرات شكلية أو جوهرية في حياة المسلمين.

 

وهنا نسأل: ما هي الأسباب التي جعلت خطاب الإمام (رض) الديني والسياسي متميزاً وفاعلا وممتداً لدرجة أنّ جميع المسلمين باتوا واثقين من أن أي تغيير يبقى مستحيلا ما لم تستحضر مضامين ومفاهيم ومفردات خطاب الإمام فيما يسعى المسلمون والمستضعفون لتحقيقه من حرية واستقلال.

 

لقد أجاب الإمام الخامنئي دام ظله عن هذا التساؤل بالقول: «إن الإمام الخميني (رض) سلك الطريق نفسه الذي سلكه رسول الله (ص) من أجل إعادة الحياة إلى الإسلام، وهو طريق الثورة»[1].

 

إنّ نصوص الإمام (رض) وكلماته الخالدة تحفل بالدعوة إلى استحضار الإسلام والاهتداء بما جاء به الرسول (ص) وأهل بيته، لأن الحياة في ظل القرآن والسنة، والثورة على الظلم هما شرطان أساسيان لتحقيق العزة والكرامة والاستقلال، وقد بينت التجارب في التاريخ انه حيث كان الإسلام حياً كانت السعادة والسلامة على مستويات الحياة كافة.

 

ولئن كان العالم المستكبر يتنكر لفاعلية وحيوية هذا الخطاب الإسلامي، ويعتبره قاصراً عن الفعلية والتأثير وعاجزاً عن إيجاد الحلول لما يعيشه العالم الإسلامي من مشاكل، وإذا كان يدَّعي بأنه يملك الحلول السحرية لهذه المشاكل، فقد سبق للمستكبرين من أمثال قارون وفرعون وهامان أن ادّعوا ذلك، ولم تكن النتيجة إلاّ مزيداً من القهر والفقر والحرمان، وقد استطاعت النبوة الكشف عن زيف هؤلاء فيما يدّعونه من حلول سحرية وقدرات وهمية، وأدنى تأمل في تاريخ الصراع بين الأنبياء والمترفين يمكن أن يُعطى صورة واضحة عما آلت إليه أوضاع الناس مع الأنبياء وفي ظل دعواتهم بعد تحريرهم من استعباد واستخفاف الفراعنة.

 

إن الإمام الخميني (رض) في خطابه الديني والسياسي استحضر خطاب النبوة الخاتمة والرسالة الكاملة، ولم يتجاوزه، بل بقي خطاباً قرآنياً في كل مفرداته ومفاهيمه، باعتبار أن الإسلام دين كامل على الصعيد النظري فيما ينطوي عليه من قوانين وأحكام ومبادئ، ولا حاجة بالمسلمين لأن يتلقفوا مفردات ومفاهيم اصطنعها هذا القطب أو ذاك لنفسه كيما يعبر بها عن مشروعه..؟

 

لقد أيقن الإمام (رض) أنّ المفهوم الديني والسياسي الذي حقق الانتصار على الإمبراطوريات القديمة وهزم الأحزاب في بدر وأُحد والخندق في أيام رسول الله (ص) لا يزال قادراً على هزيمة الجاهلية الجديدة المتمثلة اليوم بالحضارة الغربية (المادية)، والمتقوّمة بالنظرة الحيوانية إلى الإنسان، وبالنظرة المادية إلى الكون والحياة، والقدرة هذه انما تتأتّى للمسلمين فيما لو اقتدوا بالخطاب الإلهي، واستجابوا لما أمر الله به ونهى عنه ودعا إليه، حيث قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم..)[2].

 

فالإمام (رض) لم ير ضرورة ولا سبباً يوجب التماهي مع الغرب أو الشرق فيما اصطنعه لنفسه من مفردات ومفاهيم ومبادئ وقوانين، لأنّ الإسلام ـ كما قلنا ـ دين كامل وشامل، ومن شأنه ـ فيما لو أخذ المسلمون به ـ الاهتداء إلى سبل السلام والأمن، وتحقيق السلامة على مستوى الدين والدنيا، إضافة إلى ما يكون للمسلمين في ظله من عزة وكرامة واستقلال، يقول (رض): «في ظل القرآن استطاع الإسلام في مدى نصف قرن أن ينتصر على إمبراطوريات زمانه، ونحن مادمنا في ظل القرآن فإننا سوف نغلب أعداءنا.إن الحرية والإستقلال إنما هما في الاقتداء بالقرآن الكريم والرسول الأكرم(ص)»[3].

 

إنّ الله تعالى نهى عن أن يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء، ولم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، وهذا يعني فيما يعنيه، أن يكون المؤمنون أحراراً فيما يؤسسون له وينطلقون منه نحو الأهداف السامية التي حث القرآن والرسول وأهل بيته (ع) على الانطلاق نحوها، والسعي من أجل بلوغها. فالشهادة والوسطية التي جعلها الله للأمة الإسلامية لا تعني نفي الآخرين أو نبذهم فيما لو كانوا موحدين لله وعابدين له، وإنما تعني الحرية والموقع الفاعل والمستقل والمؤثر، بحيث يكون للمسلمين دورهم وأثرهم وطريقة عملهم في بناء الحياة دون تبعية لأحد ولا رضوخ، بل استقلال في الموقع والفعل والقرار، ولو أنّ الأمة الإسلامية موحدة اليوم لاستطاعت أن ترسم لنفسها خطاً وسطاً في علاقاتها مع العالم، ولهذا نجد الإمام (رض) يركز في خطابه على الوحدة باعتبارها شرطاً أساسياً لكل نهوض وفاعلية في حياة المسلمين.

 

حيوية الخطاب الديني وآثاره عند الإمام الخميني

 

سبق أن أشرنا في تمهيدنا لهذا البحث أن الإمام (رض) لم يستحضر خطاباً جديداً من خارج التاريخ والزمان، بل أحيا خطاب الإسلام والنبوة في حركته الدينية والسياسية، باعتبار أن الإسلام دين كامل على المستوى النظري، ويحتوي على جميع المفردات والمفاهيم التي يحتاج إليها البشر في حركتهم من أجل الحرية والإستقلال، يقول الإمام الخميني: «إن سبب البعثة هو إنزال الكتاب العظيم الذي يحتوي على كل آيات الخلقة، وعلى كل الأشياء التي يجب أن تنجز في البعثة، انه سفرة بسطها الله تبارك وتعالى لبني البشر بواسطة النبي الأكرم (ص) ليستفيد منها البشر كل بحسب استعداده وإمكاناته»[4].

 

إن خطاباً يستحضر الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حكم لا بد أن تكون له فعليته وحيويته وأثره في حياة الناس، وحينما نتحدث عن إحياء الخطاب الديني عند الإمام (رض) فإننا لا نستطيع أن نتغاضى عن شخصيته وقيادته في هذا العصر، ذلك انه من غير الممكن الفصل بين حضور الإسلام في حياة الناس وبين القائمين بمهمة الإصلاح والتغيير، فالقرآن لابد له من ترجمان، وأدنى تأمل في التاريخ الإسلامي وما رفع فيه من شعارات تتخذ من الإسلام شعاراً لها من شأنه أن يكشف لنا عن طبيعة وحقيقة ما كان عليه المسلمون في تاريخهم،

 

سواء لجهة تأويل القرآن بما يوافق السلطة الجائرة أو لجهة اختلافات الفرق الإسلامية وتناحرها، فهذا كله حال دون أن يكون الخطاب الإسلامي حياً وفاعلا، إذ انه غالباً ما كان السلاطين ومن لاذ بهم من فقهاء البلاط يحولون دون رجوع الناس إلى الإسلام وسنّة رسول الله (ص)، ويدفعون بهم إلى التماس الإسلام وقوانينه مما كانوا ينتجونه من فقه وكلام وسياسات في معامل الهوى وحب الدنيا. باختصار نقول إن الإسلام والقرآن كان في جانب، والسلطة في جانب آخر، بسبب ما آلت إليه أوضاع المسلمين في ظل السياسات السلطانية..؟

 

لقد أدرك الإمام الخميني معنى وحقيقة وأثر استحضار خطاب النبوة والرسالة في زمن امتلأت فيه بلاد المسلمين بالمترفين والمستكبرين، فانبرى من موقع مسؤوليته وأمانته على وحي الله تعالى إلى صياغة الخطاب الإسلامي في ضوء كتاب الله وسنة رسوله (ص) الذي يؤهل الأمة الإسلامية لأن تنطلق من جديد في حركتها من أجل تحقيق نفسها بالإسلام، ويدفع بها إلى المحافظة على مكوناتها وخصائصها بحيث تعود إلى شهادتها ووسطيتها، كما أرادها الله تعالى، ذلك هو معنى أن يكون الخطاب الديني حياً، أن تنطلق الأمة من خلال الإسلام وفي ضوئه في سبيل إقامة الحكومة الإسلامية، وتطبيق القانون الإلهي، والإصلاح في الأرض على النحو الذي يؤدي بالأمة إلى أن تكون خير أمة أُخرجت للناس، كما قال تعالى: (كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)[5].

 

والحق يقال: انه ليس من الحيوية في شيء أن يستحضر خطاب الإسلام والنبوة لمجرد التبرك به دون أدنى اعتبار عملي له، وهكذا كان الخطاب الإسلامي لفترة طويلة من الزمن خطاباً نظرياً مجرداً مشوهاً لم يتجاوز اللسان إلى الإلتزام به والتعبير عنه في مواجهة أعداء الإسلام والمسلمين، إلى أن جاء الإمام (رض)، فبعث فيه الروح وجعله خطاباً حياً ومتميزاً في ما أحدث من آثار، وصنع من معجزات.

 

إنّ الإمام (رض) لم يجدد الخطاب الديني، بل أحياه وأعاد وصله بالماضي المشرق في تاريخ المسلمين، وأعطاه بعده الواقعي من خلال استلهام السيرة الجهادية للرسول وأهل بيته (ع) الذين لم يتوانوا عن إقامة الحق وبسط العدالة الإجتماعية، وكما يقول الإمام (رض): إن الرسول (ص) وأمير المؤمنين (ع) أقاما الدولة والحكومة، وبسطوا العدالة الإجتماعية من دون الحاجة إلى استعارة مفاهيم ومفردات وقوانين من خارج دائرة الإسلام[6]، «فهو دين على خلاف جميع المذاهب غير التوحيدية... ولم يترك أي قضية مهما كانت صغيرة مادام لها تأثير في تربية الإنسان والمجتمع»[7].

 

إن العودة إلى القرآن كفيلة بإحياء الخطاب الديني وترجمته على النحو الذي يؤدي إلى إقامة الحكومة، وتحقيق العدالة، ولم يُطلب من المسلمين اليوم أكثر مما طلب منهم في أيام رسول الله (ص) وأهل بيته (ع)، فإذا ما جعل المسلمون القرآن موضوعاً للتدبر والتأمل، فإنه سيكون لهم الخطاب الحي والفاعل، وسينطلقون من جديد في رسم الخط الوسط في علاقاتهم مع العالم. فقوله (رض) إنّ الأمر تحول شيئاً فشيئاً إلى حكم باسم الإسلام، واليوم كثيرون هم الذين يدّعون أنهم أتباع الرسول (ص) والإسلام في الحكم، ناظر إلى الأسباب التي تحول دون انطلاق الأمة الإسلامية في مسيرتها على هدى الرسول وأهل بيته (ع) إذ لا يزال الخطاب الإسلامي حتى يومنا هذا في كثير من البلاد الإسلامية أسير الهوى، ومطلباً دنيوياً، ولا شك انه يستحيل في ظل حكومات الجور وما تمارسه من ظلم واعتساف وتأويل لكتاب الله تعالى بما يوافق الهوى أن يحتفظ الخطاب الديني بخصائصه ومميزاته التي كان عليها أيام رسول الله (ص)، وبما أنّ حكومات اليوم تتعمّد تشويه هذا الخطاب لتدعيم مشروعها السياسي السلطوي، فإن إحياء الخطاب الديني سيبقى متعذراً ما لم يقم المسلمون بواجبهم، وستبقى حياتهم وبلادهم عرضة لمفردات ومفاهيم الحضارة الغربية (المادية) التي حذّر الإمام (رض) من أفكارها وسلعها وسائر ما تجود به على بلاد المسلمين من مفاتن الحياة..!؟

 

وإذا كان الإمام (رض) قد اتخذ موقفاً سلبياً من الحضارة المادية فيما صدر عنه من بيانات ووصايا، وطرح الإسلام بديلا لها، فإن ذلك لا يعني أن الإمام قد اتخذ موقفاً سلبياً من العلم وما انتهى إليه العالم من اختراعات وصناعات، إذ كيف يكون ذلك، والإسلام يحث على طلب العلم والتطور شرط أن تبقى للإنسان كرامته وروحيته وهيمنته، يقول الإمام (رض): «إذا كان المقصود من التمدن والتطور والصناعات المتطورة التي تساهم في تقدم المدنية الإنسانية، إن الإسلام يؤكد ضرورة العلم والتقدم والصناعة، أما إذا كان المراد من التمدن والتطور هو إطلاق الحرية لممارسة أنواع الرذائل... فهذا ما ترفضه جميع الأديان السماوية، والعلماء العقلاء رغم أن المتغربين والمتشرقين ـ ولانقيادهم الأعمى ـ يروّجون ذلك»[8].

 

نخلص إلى القول بأن الخطاب الديني لا يكتسب حيويته وفعليته مما ينتجه الغرب أو الشرق من مفاهيم ومفردات وصناعات كما توهم بعض المتغربين والمتشرقين في البلاد الإسلامية الذين تلقفوا كل شيء من الأجانب إلا الصناعات والعلوم، فهي بقيت في بلاد الغرب والشرق دون أن تستفيد منها البلاد الإسلامية في شيء، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مدى الإستلاب الحاصل في عالمنا جرّاء الإقتداء الأعمى بحضارة الغرب التي تمّ الأخذ بها دون تأمل ولا تبصُر، وكان لا بد أن ينعكس ذلك سلباً على واقع المسلمين والمستضعفين وثقافتهم وخطابهم الديني والسياسي، حيث ان الخطاب الإسلامي في ظل التقليد الأعمى للآخرين تحول من كونه خطاباً إسلامياً إلى خطاب معبّر عن الحضارة المادية، وكانت النتيجة استلاباً على مستوى الخطاب الديني والسياسي، وعلى مستوى المفاهيم والمفردات والقيم والمبادئ والأهداف، فلم يبق من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه بسبب تقلد المتغربين والمتشرقين لأمور الناس الدينية والسياسية، والأكثر من ذلك عجباً هو انه ما تزال هناك أصوات ترتفع وتدعو إلى إحياء الخطاب القومي والعلماني والليبرالي وغير ذلك مما كان له أكبر الأثر في تخلف المسلمين وتجزئتهم. والذي حال دون تمادي المتغربين والمقلّدين للغرب والشرق، والداعين إلى تمثل الحضارة الغربية بكل أزماتها وسلبياتها، هو الثورة الإسلامية في إيران التي استطاعت بعث الروح والحيوية في عالم المسلمين، وفي الخطاب الإسلامي، فانطلق في مواجهة كل الأطروحات الوضعية، وحقق نتائج باهرة على مستوى المواجهة مع العدو الصهيوني، سواء في لبنان أو في فلسطين أو في غيرهما من البلدان الإسلامية، وما كان ذلك ليتم لولا حيوية الخطاب الديني الذي اكتسب أبعاده الشاملة مع الثورة الإسلامية ومن خلالها. إن الخطابات الأخرى سواء أكانت القومية أو العلمانية أو الليبرالية أثبتت فشلها فيما قامت به من مهمات، وفيما عبرت عنه من نظريات، وخير ما يمكن أن نتبصر به في هذا السياق هو ما تنبأ به الإمام الراحل، عما ستؤول إليه أوضاع العالم الغربي في ظل الحضارة المادية والقوانين الوضعية، وعما سيكون للإسلام من دور في إنقاذ البشرية من أزمتها الروحية والمعنوية، ففي رسالته إلى «غورباتشوف» بيّن أن المادية هي سبب الموت المتحقق على مستويات الحياة والمبادئ والقيم في مجتمعات الغرب والشرق، ونتيجة للتقليد الأعمى لهما وقعت مجتمعات المسلمين في أزمات متعددة، يقول الإمام: «لا يمكن للمادية أن تنقذ البشرية من أزمة عدم الاعتقاد بالمعنويات، هذه الأزمة التي تعد أهم أساس لمعاناة البشرية في الشرق والغرب»[9].

 

وما يؤسف له ويعجب منه هو أن المتغربين والمقلدين اجتروا مفاهيم الغرب والشرق عن الحياة والإنسان، ونقلوا إلى بلادهم ما أسفرت عنه الحضارة المادية من أزمات معنوية وروحية دون أن يتمتعوا بأدنى نصيب مما حققته هذه الحضارة من انجازات علمية وتقنية وصناعات مختلفة !؟

 

لاشك ان غياب المفردة والمفهوم الإسلاميين من حياة المسلمين قد أدى إلى الانسجام تماماً مع الخطاب المادي الوافد من الغرب والشرق، ومن اجل إشاعة المفردات والمفاهيم الدينية، فلا يسع المسلمون إلا أن يحققوا الثورة الداخلية، سواء على مستوى النفس أو على مستوى الواقع ضد الاستخفاف والعبودية والتقليد وغير ذلك مما كان ولا يزال سبباً في تخلفهم بحيث تكون الثورة الإسلامية في إيران قدوة لشعوب العالم في طلب الحرية والاستقلال. وهذا ما ركّز عليه الإمام (رض) في خطابه الديني والسياسي، وطلب إلى المسلمين أن يتفاعلوا مع الإسلام، محذراً إياهم من الوقوع في شرك خطابات كثيرة تنسب نفسها إلى الإسلام، وتدعي أن الإسلام ليس شيئاً غير الانسياق مع الحضارة والتمثل بها والاستفادة من انجازات العصر العلمية والتقنية وغير ذلك، وغالباً ما تصدر هذه الدعاوى عن أناس يحكمون باسم الإسلام ويبررون تبعيتهم للغرب أو الشرق بالاستناد إلى كثير من الآيات التي سبق لفقهاء البلاط أن أولوها بما يلائم دعاوى المتغربين والمتشرقين، وقد ترافقت هذه الدعاوى الباطلة مع إشاعة مفاهيم ومفردات على أنها مفردات ومفاهيم إسلامية، من قبيل إنّ الإسلام ليس ضد القومية، ولا ضد العلم، ولا ضد التطور.. والاشتراكية، وقد انطلت هذه المزاعم والأقاويل على الكثيرين من أبناء الأمة الإسلامية فأخذوا بها واعتبروا الدليل على دينيتها وإسلاميتها ما حصل من تقدم مادي وصناعي، ساهين عن أن التقدم المادي ليس دليلا على صحة الاعتقاد وسلامة المعنوية والروحية، والأكثر من ذلك ألماً، كما يقول الإمام (رض): «هو أنّ القطبين الشرق والغرب أبقيا الشعوب المظلومة المستعبدة متخلفة في جميع الأمور، وجعلا بلدانها استهلاكية وأوجدا في أنفسنا حالة عميقة من الرهبة تجاه مظاهر تقدمهما وقواهما الشيطانية، حتى لم تعد لنا جرأة على المبادرة إلى أي إبداع وراح الكتّاب والخطباء المتغربون والمتشرقون الجهلة ينتقدون هازئين بثقافتنا وتقاليدنا وحتى صناعاتنا وما قد نبدعه، وسعوا لكبت طاقاتنا الذاتية وبعث اليأس فيها وترويج التقاليد الأجنبية مهما كانت مبتذلة وبذيئة

 

بسلوكياتهم وكتاباتهم بمدحها وتحسينها لتثبيتها لدى الشعوب»[10].

 

إن حيوية الخطاب الديني بكل مفرداته ومضامينه بنظر الإمام (رض) لا تكون بالتبعية والتقليد الأعمى، وإنما بالاستقلال والحرية والوعي وتعبئة النفوس وتربيتها على الجهاد والصبر في مواجهة الظلم والترف والاستكبار، وهذا كله يبقى غير ممكن ما لم يقتد المسلمون والمستضعفون بالقرآن الكريم والرسول الأكرم (ص) وسائر الأئمة والصالحين، لأن المتشرقين والمتغربين كانوا وما يزالون يستغلون غربة الإسلام والقرآن عن حياة الناس لإشاعة الفحشاء والمنكر والبغي لإفساد المجتمع وتغيير خلق الله تعالى بوحي من شياطينهم الذين يتربّصون شراً بالإسلام والمسلمين.

 

شمولية الخطاب الديني وعالميته عند الإمام

 

إن ما أراده الإمام الخميني (رض) وسعى إلى تحقيقه هو أن تعود الحياة إلى المفاهيم الدينية، وأن يترك المسلمون ما خدعهم به الغرب من مفردات ومفاهيم، وقد حرص (رض) على أن يكون المصطلح القرآني هو الأساس والجوهر لكل خطاب ديني، ولهذا نجد في نصوصه وبياناته يركز على الاستضعاف مقابل الاستكبار، وعلى التزكية مقابل الإستعلاء، وعلى الإسلام والشورى مقابل الديموقراطية، وعلى الإيمان مقابل الكفر، فلم ير ضرورة ولا سبباً لأن يتشدق عالمنا بمصطلحات كانت ولا تزال مجهولة التعريف والتحديد وخاصة مصطلح الديموقراطية الذي تغلفت به كل مشاريع الاستبداد، فلا حاجة للأخذ بمصطلحات غير واضحة، ما دام في الإسلام كل ما تحتاج إليه البشرية في سعيها من أجل السعادة والسلامة في دينها ودنياها.

 

لذا فإنه (رض) عمل من أجل إعادة التواصل مع الرسول والرسالة بالشكل والمضمون، لأن النبوة فيما جاءت به من دعوات، وما قامت به من مهام لم تكن بحاجة إلى مفردات ومفاهيم مناهج المترفين والمستكبرين عن الكون والحياة والإنسان، وانطلاقاً من هذه الحقيقة، لم يكن عند الإمام (رض) مندوحة عن تأسيس الخطاب الديني والسياسي في ضوء حركة النبوة في التاريخ، وهذا هو الشيء الذي جعله منسجماً في دعوته وثورته، ومن ثم في دولة الإسلام مع خطاب النبوة إلى البشر، حيث أنّ الإمام (رض) أدرك في حياته، ومن خلال ما عايشه من أحداث إنّ إحياء الخطاب الديني غير ممكن ما لم يتواصل الناس مع تاريخ النبوة والإمامة لما لذلك من أثر في حياة الناس باعتبار أنّ الأنبياء جميعاً دعوا الناس إلى التوحد تحت راية الإسلام، وإلى الثورة ضد الظلم وقد عمل الإمام (رض) من أجل إحياء هذا الخطاب في ضوء الإسلام ومن خلال تاريخ النبوة الحافل بالمجاهدات والرياضات والانتصارات.

 

إنّ إحياء الخطاب الديني يستحضر كل ما هو أصيل وثابت وكامل بهدف تحرير المجتمع وإحيائه على النحو الذي ينفي كل مظاهر العبودية لغير الله تعالى دون تمييز بين مسلم أو مسيحي، لأن المرتكز الأساسي في حركة الإمام (رض) هو الإيمان الإبراهيمي المتجلي بقوة في خطابه الديني والسياسي، يقول في وصيته الخالدة لمستضعفي العالم: «لا تقعدوا بانتظار أن يهبكم الحرية والإستقلال حكام بلدانكم.. أو تهبكم ذلك القوى الأجنبية.. يا مسلمي العالم اجتمعوا تحت راية التوحيد وفي ظل تعاليم الإسلام»[11] وهذا الخطاب لا يستفاد منه أن المسلمين وحدهم المعنيون بهذا الخطاب، وإنما خطاب النبوة الخاصة والعامة كان يدعو الناس كافة إلى الاجتماع تحت راية التوحيد، كما قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله)[12].

 

إن المسلمين بحكم موقع وسطيتهم وشهادتهم وخيريتهم مسؤولون عن إقامة حكم الله في الأرض وحماية المستضعفين والدفاع عنهم وتحقيق الوحدة في مواجهة الكفار والمشركين، وقد جاء الإسلام كما يقول الإمام: «ليوحد العالم تحت اسم الأمة الإسلامية»[13]. كما أن عقيدة التوحيد، وجوهر العدل الإلهي، يقتضيان أن يكون من أهداف الخطاب الإسلامي نصرة المستضعفين ومجاهدة المستكبرين لا بهدف أن يعود المسلمون فقط إلى الإسلام ، بل من أجل شمول العالم كله بنظام الإسلام، ولهذا نجده يوحد بين قضية المسلمين وقضية المستضعفين كما في قوله: «يا مسلمي العالم، ويا مستضعفي العالم... هيا إلى النظام الذي جاء من قبل الله تعالى لنموكم وتكاملكم. ولسعادتكم في الدنيا والآخرة، ولإزالة الظلم وحقن الدماء، ونصرة المظلومين في العالم، ولأجل التربية والتعليم الإنسانيين، ولأجل حرية واستقلال أقطاركم»[14].

 

إن الثورة الإسلامية التي انطلقت من إيران لم ولن تكون محدودة الأهداف، هي ثورة شاملة، وتحمل أطروحة كاملة، وهي مسؤولة بحكم مركزيتها ودورها الوسطي والشاهد، وعالمية دعوتها وشمولية خطابها عن تحقيق المجتمع الإنساني بالإسلام وإحلال العدالة الإلهية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، كما قال تعالى: (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب)[15]، ذلك هو معنى إحياء الخطاب الديني على مستوى العالم الإسلامي والعالم المستضعف، أن تكون الثورة الإسلامية ممتدة بكل أبعادها، باعتبار أن الإسلام دين عالمي، وكذلك خطابه، وما على المسلمين كما يقول الإمام (رض) إلا أن يعرفوا العالم بهذا الدين، ويخططوا لإقامة الحكومة الإسلامية تمهيداً لإقامة الحكومة العالمية على يد الإمام المهدي(ع)، يقول الإمام: «ثقوا بأن من وراء تعريف العالم بالإسلام نتائج حسنة وترحيباً شديداً يستقبل به الإسلام»[16].

 

لقد تجلّت عظمته في نصرته المستضعفين سواء أكانوا هوداً أو نصارى أو مسلمين أو غيرهم، لأن الله تعالى كرّم بني آدم، ومن جوهر الإسلام وعدالته وعالميته أن يحول القيّمون عليه بين الطواغيت وحاكمية العباد والبلاد بحيث لا يكون لهم سبيل على المؤمنين والمستضعفين، وهذا ما عبّر عنه بقوله: «لو أنّ المسيح اليوم موجود فإنه سوف يكون معنا، ولا يمكن أبداً أن تكون دعوة المسيح منحصرة فقط بالعبادة مع ترك الظالمين وشأنهم»[17].

 

إن ما يدل على شمولية خطاب الإمام وعالميته وحيويته في العالم، هو تفاعل غير المسلمين مع هذا الخطاب، وتبني أكثر حركات التحرر مفرداته ومضامينه لا من منطلق انه خطاب صادر عن إمام مسلم وحسب، بل منطلق انه خطاب يدعو إلى الحرية والاستقلال وتحقيق العدالة الإجتماعية، وينصر قضايا الشعوب وحقها في تقرير مصيرها..

 

والحق يقال: إن إيران الإسلام اليوم ليست جغرافيا ولا تاريخ، وإنما أطروحة تجسد مشروع النبوة في مواجهة أطروحات المترفين والمستكبرين القائمة على منطق التقليد والهادفة إلى بناء الحياة المادية وتحقيق الأبدية والدهرية من خلال المال والسلطة. وغير ذلك مما يظنه المترفون سبباً للسعادة والكرامة والسلامة، كما قال تعالى: (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها أنا بما أرسلتم به كافرون، وقالوا نحن أكثر أموالا وأولاداً وما نحن بمعذبين)[18].

 

وكيف كان، فإن تفاعل أحرار العالم مع هذه الثورة، وانسجامهم مع خطاب الإمام (رض) يؤكد عالمية هذه الثورة الإسلامية، وتجاوزها لذاتها فيما تدعو إليه وتسعى لتحقيقه من أهداف، وليس من المبالغة في شيء أن يقال بأن مستضعفي العالم في أي أرض كانوا وإلى أي دين انتموا لا ينتابهم أدنى شك في أنّ الثورة الإسلامية تعبر عنهم وتعمل من أجل خلاصهم، وكما قال الإمام (رض): «اسأل الله تعالى أن يمنحنا القدرة التي نطلق بها صرخة الموت لأمريكا وروسيا لا من كعبة المسلمين فقط، بل من كنائس العالم أيضاً»[19].

 

والحق يقال: إن الشعوب الإسلامية والمستضعفة اليوم في أكثر البلاد الإسلامية تعيش في ظل مفردات ومفاهيم دينية وسياسية لا تمتّ إلى الإسلام بصلة لا من حيث الجوهر ولا من حيث المضمون، وإذا كان هناك ثمة مفردات ومفاهيم لم يتمكن المتغربون والمتشرقون من إزالتها لإستبدالها بألفاظ أخرى، فلم يمنعهم ذلك من تحريفها وإفراغها من مضمونها الإسلامي بحيث يكون لها معان أخرى تتفق وما يحملونه من أفكار ومشاريع أجنبية، وقد نجحوا إلى حد ما في تجريد الألفاظ والمفردات الإسلامية من معناها بعد أن غزوا واقع المسلمين بكثير من المفاهيم والمفردات من قبيل الديموقراطية والدستورية والقومية والوطنية والاشتراكية والعلمانية وغيرها، وهذا كله أدى أن يكون الإسلام تارة قومياً، وطوراً اشتراكياً، وثالثة علمانياً، وغالباً ما كانت المسوغات لذلك تصدر عن المتقدسين والمتزينين بلباس الدين بحجة أنّ الإسلام مع التطور، و لابد أن يكون الإجتهاد خاضعاً لمقتضيات العصر ومواكباً لحركة التطور العلمية!!!.

 

فالإمام (رض) في خطابه الشامل ودعوته العالمية لم ينتق مفردة أو مفهوماً أو مصطلحاً معيناً ليبعث فيه روح الإسلام من جديد، بل نفى كل شيء لأجل إعادة الحياة لكل شيء، بمعنى آخر نقول: لم يكن الانتقاء سبيلا إلى إحياء الخطاب الديني وسائر المفاهيم والمفردات الدينية عند الإمام (رض)، بل كان الخطاب الديني مرتكزاً إلى الإسلام المحمدي الأصيل، ومتميزاً بمفرداته ومفاهيمه دون اعتبار لما إذا كان هناك من المفاهيم والمصطلحات ما يوافق المفهوم الإسلامي، لأن منشأ الالتباس كان ولا يزال هو الانتقاء الذي كان يؤدي في كثير من الأحيان إلى تغليب المفاهيم والمفردات الأجنبية على المفاهيم والمفردات الإسلامية، وعلى فرض أنها كانت موافقة للإسلام وغير مخالفة لها، لكنها كانت مع مرور الوقت، ونتيجة لولع الناس بكل ما هو غريب، تتحول عن موافقتها للإسلام لتصبح غريبة عنه.

 

وقد حصل في التاريخ الإسلامي أن تلاعب الاستعمار الغربي والشرقي بالمفردات والمفاهيم التي يتوهم للوهلة الأولى أنها ملائمة للإسلام شكلا ومضموناً وخاصة في تاريخ إيران التي تأرجحت ولفترة طويلة من الزمن بين الدستورية المشروطة، والمستبدة، وكانت النتيجة خلافات وصراعات بين الفقهاء من جهة والسلاطين من جهة أخرى، وذلك حينما طرحت مسألة الدستورية وما إذا كانت صالحة لتأسيس نظام غير مستبد، وكان من جملة من تصدى لتسويغ الدستورية (المشروطة) عدد من فقهاء النجف الأشرف، أبرزهم الميرزا النائيني في كتابه (تنبيه الأمة وتنزيه الملة)، وقد تقابل هذا الدعم للحركة الدستورية (المشروطة) من قبل فقهاء النجف، مع رفض مطلق لها من قبل فقهاء في إيران دعوا إلى أن يكون الإسلام بمفرداته ومضامينه هو البديل، ولا شك أن هؤلاء كانوا يعون تماماً أنّ الدستورية (المشروطة) لن تكون هي الحل لما تنطوي عليه من تعقيدات ومجاهيل لا قدرة للشعب الإيراني المسلم على فكها وفهم مدلولاتها، وفي نهاية المطاف لم يكن الحل الا بالإسلام بعد مخاضات وصراعات وأحداث دموية تسبب بها الرأي والرأي المضاد في المفاهيم والمصطلحات.

 

يقول الإمام (رض): «كلكم رأيتم، وسيسمع ذلك الجيل القادم أن أيدي محترفي الألاعيب السياسية الشرقيين والغربيين، قد أخرجوا من الساحة علماء الدين الذين وضعوا أساس (المشروطيّة) بجهودهم وأتعابهم، وعلماء الدين أيضاً انطلت عليهم أحبولة المتلاعبين بالسياسة واعتبروا التدخل في أمور البلاد والمسلمين لا يتناسب مع مقامهم وتركوا الساحة إلى المهزومين أمام الغرب، وأنزلوا بـ(المشروطية) والدستور والبلاد والإسلام ما يحتاج جبرانه إلى زمن طويل»[20].

 

إن الحل، برأي الإمام لا يكون إلا بالعودة إلى الإسلام مفردة ومفهوما ومصطلحاً، شكلا ومضموناً إذ انه ليس من المدنية أو العصرية في شيء أن تتبدل المفاهيم والمفردات، أو أن يحمل الإسلام مفاهيم وأشكال لا تنسجم ومضمونه، فهو كتاب يدعو إلى الحرية والاستقلال، وإلى إقامة العدل وتحقيق المساواة، وتبقى المدنية والعصرية رهن التفاعل معه والأخذ به في شتى حقول وميادين الحياة الإنسانية، وإذا كان لا بد من الدستورية لحكم العباد والبلاد، فلتكن هذه تعبيراً عن روح وجوهر الإسلام، لأن حكومة الإسلام، هي في الحقيقة حكومة دستورية، ولكنها تختلف عن الدستورية المعنونة بالديموقراطية، التي تجترها الأنظمة السياسية في أكثر بلاد العالم اجتراراً، اختلافاً جوهرياً سواء من حيث التشريعات القانونية، أو من حيث ملاحظة مصالح الناس وتحقيق العدالة الإجتماعية!؟

 

هكذا أراد الإمام الخميني أن يكون الإسلام عنواناً لكل شيء، وقد أفادته التجربة كثيراً فيما يعود إلى الحياة الدستورية والديموقراطية تحت عناوين الغربية والشرقية، وأيقن أن الإسلام ما لم يكن أطروحة الحياة، ومحور الخطاب الديني والسياسي، فإن الحياة الدستورية وغير ذلك مما جعله الاستعمار والتابعون له بديلا للإسلام، قد تتحول إلى الاستبداد وممارسة الظلم بحجة حماية القوانين والحريات العامة كما كان يحصل في تاريخ إيران السياسي حينما أوهم السلاطين كثيراً من علماء الدين من أن السياسة والعمل بها عمل مناف لجوهر الإسلام، ولا تليق بمقام العلماء كما أوضح الإمام (رض)، فكان الإسلام شعاراً للحياة الدستورية، ولكنه في الحياة العملية كان تطبيقاً لا يحمل خصائص النظرية الإسلامية من حيث هي نظرية كاملة وشاملة، حيث ان السلاطين، كما يقول الإمام (رض)، كانوا يستعيرون قوانين ومفاهيم ومفردات الغرب والشرق. من ثم يسدلون عليها ستار الإسلامية والدستورية والديموقراطية، وكانت النتيجة صراعات وحروباً وقوميات عنصرية ووطنيات مشبوهة أتى بها المتغربون والمستشرقون من هنا وهناك ليحولوا دون حيوية الخطاب الإسلامي في حياة المسلمين، ولهذا يقول الإمام: «إني أوصي الشعوب الإسلامية أن لا تنتظر أحداً من الخارج ليعينها على الوصول إلى الهدف وهو الإسلام وتطبيق أحكامه، يجب عليكم أن تنتفضوا من أجل هذا الهدف الذي يحقق الحرية والإستقلال، وعلى علماء الدين أن يدعوا الشعوب إلى الوحدة وتجنُّب النعرات المخالفة لتعاليم الإسلام، والى أن يمدوا يد الأخوّة إلى أخوتهم في الإيمان بمختلف بلدانهم وقومياتهم، فالإسلام العظيم سماهم أخوة، وإن تحققت هذه الأخوة الإسلامية، فسترون أنّ المسلمين يشكلون أكبر قدرة عالمية»[21].

 

لكن ما يؤسف له، هو أنّ عالمنا ما يزال حتى اليوم يتأرجح بين الديموقراطية والاستبداد، ويخضع لمفردات ومفاهيم شتّى، ويسمع لخطابات القومية والعلمانية التي كانت ولا تزال مسميات تحول دون حيوية الخطاب الديني والسياسي في حياة المسلمين، وما حققه الشعب الإيراني المسلم من حيوية في حياته الدينية والسياسية، وفي علاقاته مع العالم، يجدر بالشعوب الإسلامية والمستضعفة أن تنظر فيما أجاد به هذا الشعب على نفسه وعلى العالم من دروس في الحرية، وأن تقتدي به لطالما أنّ هذا الشعب استطاع توفير المناخات الملائمة لمن أراد حرية واستقلالا، وإذا كانت الشعوب لا تستوي في لغاتها وأشكالها وألوانها، فذلك لا يعني أن قضاياها متباعدة، بل هناك قضية واحدة يمكن أن تتلخص بالسؤال الآتي: كيف تحيي الشعوب الإسلامية خطابها الديني والسياسي في مواجهة الاستكبار وعملائه في داخل البلاد الإسلامية وخارجها ؟! فإذا كان الإسلام هو الحياة، وهو النظام، وهو الخطاب، فلا شك أن المسلمين لن يكون لهم أكثر من هدف واحد هو إعطاء الإسلام أبعاده كافة في الواقع، وقبله في القلوب والعقول والنفوس.

 

مما تقدم نخلص إلى القول بأن حيوية الخطاب الديني وشموليته لا تكون بالتبعية والتقليد، ولا باجترار ما ينتجه الغرب والشرق من مفاهيم ومفردات مخالفة لروح الإسلام، وإنما باستلهام تاريخ النبوة في صراعها مع المترفين والمستكبرين، واستحضار ما جاءت به من مفردات ومفاهيم، وهذا يقتضي أن يبادر علماء الدين المحترمين إلى تقلد أمور الناس الدينية والسياسية، لأنهم أولى الناس بهذا الأمر، وبمعزل عن دور العلماء والفقهاء في الرعاية والهداية والتدبير، يبقى الحديث عن الخطاب الديني وحيويته حديثاً لا ينطوي على أي معنى، باعتبار أن العلماء هم عمدة هذا الخطاب، ومن الإسلام في كل شيء أن يحول العلماء بالله بين المتقدسين والمترفين وبين أن يكون لهم سلطان على الناس، وهنا يمكن أن نسأل:

 

هل من إحياء الخطاب الديني في شيء أن يتخلى العلماء عن السياسة، وأن تعطى مقاليد الأمور للجاهلين بأمر الله ونهيه، ولمن يتربّص بالإسلام والمسلمين شراً تحت عنوان أنّ السياسة كذب وخداع ونفاق؟؟

 

لقد أجاب الإمام الخميني (رض) عن هذا التساؤل بقوله: «إن ما قيل ويقال من ان اهتمام الأنبياء محدود بالأمور المعنوية، وإن شؤون الحكم والإدارة للأمور الدنيوية عمل منبوذ اجتنبه الأنبياء والأولياء والصالحون، وعلينا أن نجتنبه أيضاً، فهذا خطأً مؤسف يؤدي إلى تلاشي الشعوب الإسلامية وفتح الباب أمام الاستعمار وناهبي العالم..»[22].

 

كما أنّ ما تضمنته بعض النصوص الدينية لجهة الحديث عن اعتزال السياسة، فهو أيضاً مما بثته دوائر المعادين للأديان السماوية، لأنه يستحيل أن يكون الأنبياء قد تخلوا عن السياسة للمترفين، وانطلاقاً من هذه الحقيقة ونعني بها قيام الأنبياء بالمهام الدينية والسياسية، يمكن القول بأنه ليس من الحظوة في شيء أن يقبل المسلمون والمسيحيون وسائر المستضعفين في الأرض بحكم الجفاة الطباع في سبيل الفوز برحمة الله ورضوانه كما هو مضمون ومنطق رسالة القديس «بولس» في الكتاب المقدس لما بيناه من أنّ المسيح لو كان اليوم موجوداً لما تساهل مع أعداء الدين، وكذلك ليس من الحظوة في شيء أن نعطي الخد الأيسر لمن يصفعنا على الخد الأيمن، باعتبار إن الأنبياء جميعاً كسروا الأصنام، ومنعوا من الاستبداد، وأصلحوا في الأرض، وكفروا بالطاغوت قولا وفعلا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

 

إن ملاحظة تاريخ الصراع بين النبوة والمترفين، يؤكد أنّ الأنبياء لم يكونوا على تهاون مع المترفين، ومن يعتبر نفسه امتداداً للنبوة في الزمان، فلا يسعه إلا أن يقوم بالمهام الدينية والسياسية نفسها التي كان يقوم بها الأنبياء، إذ أنّ منطق الصراع وجوهره بين الحق والباطل يقتضي أن يستمر مشروع النبوة في الحياة مع الفقهاء، وبتعبير آخر نقول: إن منطق فرعون «قد أفلح اليوم من استعلى، لا بد أن يقابله ويواجهه منطق الأنبياء والأئمة، منطق: (قد أفلح من تزكى)، فهذه سنّة الله ولن تجد لسنّة الله تبديلا.

 

فالنبي موسى (ع) كما يقول الإمام الخميني (رض) ثار بوجه فرعون وحيداً، وكذلك نبي الإسلام لم يكن معه سوى الإمام علي وخديجة، وقد تمكن الأنبياء جميعاً من بعث الروح في المجتمع الإنساني بما توفروا عليه من عزيمة وصدق وإخلاص، وعليه، فإن الخطاب الديني الشامل والحي لا يمكن أن يتم بمعزل عن السيرة الجهادية لأنبياء الله وأوليائه، وما لم يقم العلماء المحترمون بمهام النبوة، فإن الخطاب الديني سيبقى رهين السياسات الشيطانية، وقد عبّر الإمام عن هذا بقوله: «إن عزل العلماء المحترمين هو مخطط شيطاني..»[23].

 

فالأنبياء والأئمة (ع) لم يجعلوا أولياء للناس لمجرد ذلك فقط، أي أن يكون الجعل الاعتباري لمجرد التبرك، كما أنّ البعثة لم تكن بهدف تنصيب الأنبياء والأئمة ملوكاً، أو ليخففوا من عزيمة الإنسان في سعيه من أجل بناء حياة سليمة ومتوازنة، بل بعثوا للكشف عن هوية ومضمون كل الملوكيات العارية التي استبدّت وطغت وأترفت واستخفت بكل القيم والأهداف والمبادئ، حيث ان رحمة الله تعالى وعنايته وحكمته أبت أن يترك الناس هملا تقذف بهم أهواء الترف وسياسات الغرور في كل اتجاه، فبعث إليهم بما يحييهم، بالرسول والرسالة لإخراجهم من الظلمات إلى النور وهدايتهم إلى سبيل الرشاد.

 

خلاصة القول: إن النبوة الخاتمة أُسست لمنطق وفعل حضاري متكامل الأبعاد، وليس معنى إحياء الخطاب الديني أكثر من أن يستحضر المسلمون والمستضعفون فعل النبوة وقولها في حياتهم العملية. فالنبوة لم تدخل الزمن لأجل أن تغيب، بل لتبقى فاعلة وحية وحاضرة بأطروحتها الإيمانية والتوحيدية، بخطابها الكامل والشامل، وإن أهم فعل حضاري يمكن أن يقوم به الإنسان اليوم، هو إخضاع حركته التاريخية وحيويته الزمانية، وحياته الواقعية إلى منهج وفعل وحركة النبوة الخاتمة بكل ما جاءت به من مفاهيم ومفردات، باعتبارها نبوة خاتمة وكاملة وشاملة. كما قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)[24].

 

لقد عرف الإمام الخميني (رض) كيف يستحضر النبوة في حركته وثورته وخطابه الديني

 

والسياسي، كما انه استطاع أن يُعطي هذا الخطاب كثيراً من امتداداته في الواقع، فأقام الدولة، وطبّق الشريعة وحقق العدالة وأصلح في الأرض، وكفر بالطاغوت ونادى بالولاية التي ما نودي بشيء مثلها..

 

إنّ دور الإمام (رض) في إحياء الخطاب الديني، وإشاعة المفردات والمفاهيم الدينية ساهم ولا يزال يساهم وسيبقى يساهم في تنوير ما أظلم من أفكار ومفاهيم ومفردات إسلامية أصيلة، وإذا كان لا بد من الاختصار فلنقل: إن الإمام (رض) أضاء شعلة الإيمان ووصل الزمان وحقق كما يقول الإمام الخامنئي (دام ظله) أعظم معجزة في هذا العصر. «إن الإمام (رض) هو محيي التفكير الديني ومؤجج شعلة الإيمان وخالق أعظم ملحمة شعبية في عصرنا هذا»[25].

 

دور علماء الدين والمراكز الدينية في إحياء الخطاب الديني

 

إذا كان الإمام الخميني (رض) قد أرسى بجهوده وتضحياته قواعد الخطاب الديني والسياسي، واستطاع أن يحقق المجتمع الإسلامي بالمفردات والمفاهيم الدينية التي كانت غائبة أو غريبة في مجتمعات المسلمين نتيجة لتخلي المسلمين عن القرآن ولحاقهم بالحضارة الغربية المادية، فإن الإمام في خطابه الإسلامي لم يغفل عن دور علماء الدين في إحياء الخطاب الديني بكل مفرداته ومفاهيمه، وعن قدرتهم على إصلاح ما فسد من أمور المسلمين، يقول: «إن قيادة الأمة إلى الإصلاح ومعرفة الإسلام على وجهه الصحيح، تستلزم صلاح أهل العلم وحملة الشريعة، بمعنى ضرورة تكامل نشاطهم التعليمي والاعتماد على النفس والثقة بها واجتناب الكسل والوهن والنكول، ومحاولة محو آثار ما ينشر في الناس من أباطيل... وطرد فقهاء القصور الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، من صفوفنا، وأبعادهم عن زيِّنا وتعريتهم وفضح أعمالهم»[26].

 

وكما ورد في كثير من الأحاديث عن الأئمة (ع) من أنه إذا صلح العالِم صلح العالَم، وما لم يقم علماء الدين بمسؤولياتهم الثقيلة والجسيمة، فإنهم بذلك يكونون قد تركوا أمور الناس وشؤونهم الدينية والسياسية للحكام الجائرين ومَن يقتدي بهم من فقهاء البلاط الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم كما يقول الإمام (رض)، وهو يذكر «انه ذات مرة ذهب إلى بعض المدن في فصل الصيف، فرأى الناس مؤدبين مهذبين، والسبب في ذلك كما تبين للإمام هو أنّ عالم تلك المنطقة إنسان متّقِ صالح»[27]. وقد ورد عن الأمام الصادق (ع): انه قال: «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية»[28]، يقول الإمام الخميني (رض): «إن مجرد وجود العالم المتقي في منطقة ما كاف في إرشاد الناس والتأثير عليهم حتى إذا لم يقم بالوعظ والإرشاد»[29].

 

على أي حال فإن إحياء الخطاب الديني يبقى في الدرجة الأولى مسؤولية علماء الدين الذين عقلوا عن الله وفهموا عن الإسلام والأئمة ما ينبغي القيام به لتحقيق العدالة الإجتماعية، وإزالة الظلم والحرمان عن الشعوب المسلمة والمظلومة في العالم. لأنه إذا لم يقم هؤلاء العلماء العدول بمهمة الإصلاح والقيادة فإن كل شيء في بلاد المسلمين وحياتهم يصبح عرضة للمسخ والتشويه، وقد روّجت الأنظمة الجائرة على طول تاريخنا الإسلامي بأنه ليس من مسؤولية علماء الدين القيام بالمهمة السياسية لما يرافقها من خبث ومكر وخداع، وهذا كله يتنافى مع الإسلام، ومما يؤسف له أنّ كثيرين من علماء الدين وقعوا في التباس، واستجابوا لهذه المزاعم وقد دفعوا بأنفسهم إلى الاعتزال والانزواء تاركين السياسة لمن يغدر ويفجر ويملك فنون الكذب والاحتيال والدهاء، بحجة أنّ هذه الأعمال ليست من الإسلام في شيء، وكما يروي الإمام (رض): «إنّ أحد رجال الدولة في إيران خاطبه في السجن بالقول: إنّ السياسة خبث وكذب ونفاق اتركوا ذلك لنا، يقول الإمام: «هذا صحيح.. ولكن السياسة في الإسلام ولدى الأئمة الذين هم ساسة العباد لا تعني ما قاله لي ذلك الرجل..»[30].

 

لقد تأثر الخطاب الديني والسياسي عند كثير من علماء المسلمين بما روّج له السلاطين وفقهاء البلاط، على الرغم من أنّ فقهاء البلاط كانوا يقومون بمهام سياسية ودينية لتسويغ مشروع الحاكم الجائر، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يخطبون في الملأ أن التدخل في السياسة عمل لا يتفق وجوهر الإسلام، وقد خدع الناس بهؤلاء ولم يلتفتوا إلى ما كان يقوم به فقهاء البلاط من مهام سياسية ليسألوهم عن معنى الدين والسياسة في أجواء الترف والجور السلطاني إن الإمام (رض) في خطابه الديني يحثّ علماء الدين المحترمين أن لا يعزلوا أنفسهم عن قضايا المجتمع، كما أنّ عليهم أن يكشفوا عن زيف وألاعيب محترفي السياسة التابعين للغرب والشرق في بلاد المسلمين، يقول: إن العلماء قد خدعوا بالأعيب محترفي السياسة، فاعتبروا التدخل في شؤون البلد والمسلمين لا يناسب مقامهم فأودعوها بأيدي المتغربين»[31].

 

فالإسلام دين سياسته عبادة وعبادته سياسة كما يقول الإمام (رض)، وإذا كان الإسلام كذلك، فكيف يمكن الفصل بين الدين والسياسة؟ بل ما معنى الدين إذا كانت البلاد وأهلها، ستترك للفراعنة والمترفين؟ وهل ما قام به الرسول (ص) والإمام علي (ع) من مهام سياسية، قبل وبعد إقامة الأمة الإسلامية لم يكن عملا سياسياً!؟

 

لا شك أنّ السياسة هي عبادة من عبادات الإسلام، وما لم يتصد علماء الدين المحترمون لهذه المهمة، ويقوموا بمهمة الإصلاح، فإن المفردات والمفاهيم الدينية ستبقى دون تأثير في الحياة العملية للناس، باعتبار أنّ الإحياء لهذه المفاهيم ولكل ما ينطوي عليه الخطاب الإسلامي من مفردات، انما يكون ممكناً وفاعلا في ظل إقامة الحكومة الإسلامية، ومن خلال تصدي العلماء المحترمين لمهام الرعاية والهداية والتدبير، بحيث يكون هناك صيرورة على مستوى الفعل السياسي، فلا يقتصر الأمر على خطاب ديني وسياسي مجرد عما يعيشه المسلمون ويتعرضون له من مصائب ومحن وبلاءات بسبب تصدي الجهلاء، وكل من تسمى بالعلم وليس به منه ومن أخلاقه شيء.

 

إن الخطاب الإسلامي مع كل الذين حكموا باسم الإسلام لقرون من الزمن كان خطاباً إسلامياً بالشكل لا بالمضمون، وهو غالباً ما كان خطاباً بمفردات ومفاهيم الفرعونية الخفية التي رفعت شعار الإسلام والشورى والعدالة لإيهام الناس بأنها من الإسلام في شيء، لكنها في المضمون كانت فرعونية تحكم باسم التفويض الإلهي، وغير ذلك من مقولات، من قبيل أنا سلطان الله في الأرض كما قال المنصور، وإن الله أراد لي الملك وأنتم له كارهون كما قال معاوية بن أبي سفيان، ولو أردنا استعراض ما تنطوي عليه كتب التاريخ من النصوص الفرعونية الخفية لما اتسع لها هذا البحث.

 

والحق يقال: إن الترف العلني، بعد انتصار النبوة، لم تعد له قوة أن يملك فرصة الانقلاب على ما حققته النبوة على مستوى العقيدة والمشروع السياسي، فوجد المترف نفسه مضطراً لسلوك الطريق السري ليحقق أهدافه، أي أن مقولة أنا ربكم الأعلى، ويا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري. هذه المقولات لم تختف بالفعل الديني أو السياسي نهائياً،وهي لا تزال تقال حتى يومنا هذا، لكن منها ما يقال باللفظ ومنها ما يقال بالمعنى، وذلك يبقى خاضعاً لضعف أو قوة الإيمان في مجتمع إنساني ما، إذ انه حيث يكون الاستخفاف بالناس تكون الفرعونية، وحيث يكون الإيمان تكون النبوة أو أثرها ، وما ينبغي قوله هنا، هو أن المترفين وإن تخلوا عن مشروعهم السياسي ومقولاتهم التقليدية والدهرية بسبب قوة وحضور الإسلام، فذلك لم يكن إذعاناً منهم أو تسليماً بما جاءت به النبوة، وإنما خوفاً منها وقناعة منهم بعدم جدوى تأليه أنفسهم، مما اضطرهم إلى التكلم باسم الدين ووسم أنفسهم بصفة القداسة والحكم باسم الله، وكما يقول الكواكبي: «انه ما من مستبد إلا ويتخذ لنفسه صفة قدسية يشارك بها الله»[32].. لكن هذه الصفة قد تكون ظاهرة بارزة يعلنها الحاكم نفسه، كما فعل فرعون قديماً، «وقد تكون خافية مستترة وإن كان مضمونها ظاهراً في سلوكه فهو على أقل تقدير لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهذا ما فعله جميع الطغاة على مدار التاريخ»[33].

 

إن الإمام الخميني في خطابه الديني والسياسي، وفي وصيته السياسية الإلهية لشعوب العالم الإسلامية والمستضعفة حينما يدعو إلى إصلاح المتقدسين، وتطهير المراكز الدينية، وطرد فقهاء السلاطين[34]، هو إنما يؤكد البدء بإحياء الخطاب الديني الصحيح من خلال القضاء على دور هؤلاء في حياة الناس وكشف ألاعيبهم لئلا يكونوا أعداء للأمة من الداخل، يقول: «فهؤلاء يوجهون أكبر لطمة للإسلام ويشكلون أكبر خطر عليه، ويبرزون الإسلام بصورة مشوّهة، ويوجد من هؤلاء كثير في الحوزات العلمية، ولهم تأثير على بسطاء الناس، كما أنهم يعارضون أية صرخة لإيقاظ الناس من السبات ويدعون إلى الكسل والتخاذل»[35]، وقد ورد في الحديث في شأن فقهاء السلطة: اخشوهم على دينكم»[36].

 

إذن الخطاب الديني الحي والفاعل إنما يكون بتصدي الفقيه العادل لأمور الناس الدينية والسياسية، حيث تكون له القدرة على إحياء ما يحتاج إليه المجتمع من مفردات ومفاهيم تعزز دوره وتؤهله لأن يرتقي في كمالاته، أما أن ينزوي علماء الدين، وتترك الأمور للسلاطين وفقهاء البلاط، فذلك ما ابتلى به المسلمون لفترة طويلة من الزمن، وقد حذّر الإمام من ذلك، داعياً إلى أن تكون الأمور ومجاريها بأيدي العلماء والمراجع لكونهم من أقدر الناس على الرعاية والهداية والإصلاح.

 

على أي حال، فإن الاستبداد ما يزال يتحكم بكثير من الشعوب المظلومة والمستضعفة في العالم، وإن اختلفت أشكاله وألوانه، ووسائله، فهو من حيث الطبيعة والأهداف والنتائج واحد، وقد شق طريقه في تاريخ اليهودية والمسيحية والإسلام من خلال ما يسمى بالسلطة المطلقة القائمة أساساً على اعتبار الحاكم حاكماً بأمر الله وذا طبيعة إلهية معصومة ترفع به عن كونه بشراً. إن هذا الشكل من أشكال الحكم كان دائماً يظهر على يد مجموعة تدعي إتباع هذا الدين أو ذاك يدفع بها الترف وحب الدنيا والرياسة إلى تأويل النصوص المقدسة على وفق ما تراه ملائماً لمصالحها وأهدافها الخاصة، وتقدم اجتهادات شخصية وتأويلات ذاتية تمكنها من الوصول إلى الفقه باسم الدين فتكون لها مقاليد الأمور، وتستخدم في عملها أحط الوسائل والدسائس والقتل والرشوة والمال والإرهاب والكذب على الله ورسوله لتحقيق رغباتها !!

 

إن المترفين والمستكبرين الذين حذر منهم الإمام الخميني ودعا إلى نبذهم كانوا يحاربون الله والنبوة وكل من يؤمن بهما ويخوضون حرباً ضروساً ضد ما جاء به الأنبياء من تعاليم ومبادئ وقوانين، وقد تحولوا بعد هزيمتهم في صراعهم مع النبوة إلى محاربين لها باسمها وباسم الدين، كما هو شأن كل السلطات المطلقة والحكومات الجائرة التي تعتبر نفسها من طبيعة إلهية، وتحمل نظرية الحق الإلهي المباشر، وقد تطورت هذه النظرية مع ظهور المسيحية والإسلام، وهذا التطور السلبي للترف والاستكبار يمكن ملاحظته فيما انطوت عليه بعض الكتب والأحاديث حول تقديم الطاعة للحاكم مهما كان نوعه وصفاته، باعتباره حاكماً اصطفاه الله وأودعه السلطة، ومن قبيل هذا ما نقرأه في رسالة القديس «بطرس» الأول في أولياء الأمر، وما نقرأه في تاريخ الخلفاء والأمراء الذين حكموا باسم الإسلام وما تزال هذه النصوص حية في القول والفعل حتى يومنا هذا.

 

فالترف الخفي الذي حاول الحكام الجائرون في تاريخ الأديان السماوية تدعيمه وتبرير، لم يكن ترفاً وجوراً مشابهاً لما كان عليه الترف الفرعوني من صراحة ووضوح، وكما يقول الإمام الخميني: «لو أنّ المسلمين تساهلوا مع هؤلاء الجائرين والمترفين لما توانوا عن تنصيب أنفسهم آلهة للبشر[37]، وعن ادعاء الربوبية كما قال فرعون: (أنا ربكم الأعلى). لكن هذا الترف يلتقي في كثير من الوسائل والأهداف، والحق يقال: إن الذي حال دون استمرار الترف الفرعوني بأسلوبه ومضمونه هو النبوة وما تركته من آثار إيمانية وسياسية ومعرفية في حياة الناس، ولما كان هدف المتربصين بالنبوة وأتباعها شراً، فلم يجدوا بداً من استخدام الدين الجديد، وإظهار حرصهم الشديد عليه، وقد استطاعوا إلى حد ما من تحقيق نجاحات كثيرة على مستوى تحريف النص وتأويله له على النحو الذي يمكنهم من بسط سلطانهم الديني والسياسي على الناس، وكادت مشاريعهم أن تنجح في الدين والسياسة لو لم تكن هناك امتدادات للنبوة في الحياة البشرية. فالمقصود بالترف الديني هو ما قام به فقهاء السلطة في كل زمان من تبرير للسلطة المطلقة وللتفويض الإلهي لهؤلاء بأن يحكموا باسم الله!

 

وما زلنا نشاهد في عصرنا هذا دور بعض رجالات الدين في دعم سلطان الحكم المطلق والحكومات الجائرة من خلال تقديم الفتاوى اللازمة لذلك. انه ترف ديني يستعمل اسم الله وفي سبيل الله قولا، ولكنه في الجوهر والفعل يخدم السلطان الجائر، ويستعمل آلة الدين للدنيا، كما قال الإمام علي (ع): «بلى أصبت لقناً غير مأمون عليه، مستعملا آلة الدين للدنيا، ومستظهراً بنعم الله على عباده، وبحججه على أوليائه»[38].

 

كان وما يزال الترف الديني بعد انقضاء النبوة عمدة الاستبداد السياسي، وما لم يحكم اتباع النبوة والعارفون بما جاءت به من تعاليم وقوانين وأحكام في الدين والدولة، فإن الاستبداد السياسي سيبقى مدعماً بكثير من النظريات الدينية والفتاوى الشرعية، ومما يدل على هذا هو ان السلاطين في التاريخ الإسلامي قد أنشأوا الفرق أو على الأقل دعموها لتقوى وتنتشر لتساعدهم على تأليف الأفكار الدينية والسياسية التي تساهم في تقوية نظام الحكم القائم تحت شعار الحكم بما أنزل الله تارة، والقتال لأجل أن يعود الأمر شورى بين المسلمين طوراً، كما حصل في زمن بني أمية وبني العباس وغيرهم.

 

لسنا نقصد بالترف الديني المبرر للاستبداد السياسي غير ما تقدم ذكره من وجود رجال دين تسموا بفقهاء السلطة، في خدمة المشروع السياسي للسلطان الجائر الذي دلت حياته وسيرته وأعماله على نماذج حقيقية للفرعونية القديمة وتشبيهات أكيدة لها. وأدنى تأمل في تاريخ المسلمين يكشف عن إنّ العلماء الملتزمين بالكتاب والسنة وكل الذين شكلوا امتداداً حقيقياً للرسول وأهل بيته (ع) كانت شكاياتهم ومعاناتهم من الترف الديني أكثر مما كانت من الاستبداد السياسي المتمثل بالسلطة الجائرة بدليل ما واجهه الإمام علي (ع) في حرب الجمل، وفي حرب صفين، وحرب النهروان وفي غيرها من المواقع العسكرية، وأكثر ما كانت هذه المعاناة في المواقع السياسية التي كان يحتدم الصراع فيها حول طبيعة الحكم ومن تكون له الأحقية به، أو حل الشورى وما إذا كانت بديلا للنص وغير ذلك...

 

ولو أردنا إقامة البرهان على ما للترف الديني من أثر سلبي في حياة الناس في عصرنا الحاضر لما احتجنا إلى مزيد من التأمل والبحث، فيما آلت إليه المدارس الفقهية والمذاهب الكلامية في ضوء تحكمات الاستعمار الجديد بالمنطقة العربية الإسلامية، وبروز مدارس ترف جديدة ساعدت على إيجاد الكيان الصهيوني في فلسطين، وقتل روح الجهاد في أفراد وجماعات الأمة الإسلامية، وكيف لا تصل الأمة إلى هذا المستوى من الهزيمة على صعيد الروح والمادة معاً، إذا كان كل شيء مبرراً من قبل بعض المدارس الفقهية والكلامية، ومؤمناً له الغطاء الكامل من قبل القيمين على هذه المدارس، وقد شهدنا مؤخراً، وحصراً منذ سنة 1991 التي بدأت فيها مفاوضات مدريد بين العرب و(إسرائيل) كثيراً من الفتاوى المبررة للصلح مع (إسرائيل) على قاعدة قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)[39]، (والصلح خير)[40].

 

إضافة إلى ما ادعاه بعض المترفين الدينيين، من أن الجهاد ليس معناه قتال الكفار والمشركين، وإنما معناه محاربة الجهل والفقر والمرض وما إلى ذلك من مقولات واجتهادات وتأويلات شخصية تبرر الصلح مع العدو الصهيوني وتدعو إلى إقامة علاقات طبيعية معه..!؟

 

إنا نزعم بأن بعض المتدينين والمتقدسين ممن يفترض فيهم أن يتحملوا مسؤولية الدفاع عن المشروع الإسلامي والعمل من أجل تطبيقه، قد وصلوا إلى مرحلة من الترف سواء في المال، أو في السلطة، قلما استطاع أن يصل إليها المترف السياسي المستبد، وبما أنّ الدين ليس ترفاً ولا حرصاً على الدنيا بما فيها من أموال ومتاع الغرور، لما بينته النبوة والرسالات من انه مسؤولية وأعباء ودفاع عن قضايا المستضعفين وحقوقهم، فإن ذلك يحتّم إعادة النظر فيما انتهت إليه الحوزات العلمية والمدارس الفقهية والكلامية في العصر الحاضر، من ترف ديني وسياسي لمعرفة الأسباب الكامنة وراء تصدع هذا البناء المقدس بسبب ما لحق به من غرور وكبرياء وترف وتهاون بالمسؤولية الشرعية التي ألقيت على عاتقه منذ القدم، إن الأمة ما تزال ترى في هذا الصرح العلمي المقدس الأمل والرجاء والعلم والتقوى، وما لم يتحرر هذا الصرح الذي يحتوي على كل العلوم التي تحتاجها الأمة لبناء نفسها وتحقيق مشروعها، وما لم يتحرر أهله من عقلية الترف التي تستبد بالأكثرية منهم، فإن المستقبل سيجود على الأمة بكثير من المصائب والبلاءات قد لا يكون أقلها تحكم (إسرائيل) بخيرات وثروات وقرارات هذه المنطقة الغنية من العالم. يقول الإمام الخميني: «إن الحوزة الدينية هي موطن الفقهاء العدول، ومعدن أمناء الله وخلفاء الرسل، ومن يكون أمين الله في عباده وبلاده لا يطمع في شيء من فضول الحياة، ولا يطيع للظالمين أمراً، ولا يزكي لهم عملا، ولا يعقد لهم عقدة، ولا يبني معهم بناء..»[41].

 

وهنا أراني مضطراً للقول: بأن انقسام العالم اليوم إلى مترفين وفقراء، وأقوياء وضعفاء، لم يكن ذلك بسبب رجالات السياسة فقط، بل ساهم في هذا الانقسام والاستبداد فقهاء السلطة أيضاً، حيث أعطوا رجال السياسة مقاليد الأمور بتكليف من دوائر الأمن والاستخبارات[42]، ودخلوا معهم في أتون الترف والفساد، حتى بلغ الأمر بهم درجة البطر بالنعم والتفريط بها، بدل أن يرشدوهم ويقدموا لهم النصيحة فيما ينبغي أن يعملوه من أجل حماية الأمة من شرور الفراعنة والطغاة.

 

لقد ساهم هذا الترف وما تسبب عنه من انقسامات على مستوى الأمة، في خلق الظروف المناسبة لإيجاد الكيان الصهيوني في فلسطين، وما كان ذلك ليتم لولا التهاون بكل المبادئ والقوانين والإرشادات التي أتى بها الأنبياء لإحياء المجتمعات البشرية، وإذا كان التهاون يدل على شيء فإنه يدل على عقلية الترف وسياسة الترف الحاكمة في المجتمع، وقد أثبتت التجارب التاريخية، إنّ هذه العقلية لابد أن يتولّد عنها فقر مادي وروحي، هذا فضلا عما يتولّد عنها من جهل بأمور الدين والدنيا، وإذا ما استمرت هذه العقلية في حكم الدول والمجتمعات، فإن النتيجة ستكون لا خسارة فلسطين وحسب، بل خسارة شاملة على مستوى وجود الأمة وحضورها وفعلها.

 

لقد أرشد الإمام الخميني إلى حقيقة ما ينبغي القيام به من قبل علماء الدين والمراجع العظام، والإمام (رض) ـ كما نعلم ـ قرأ بدقة لا متناهية تجارب الاستبداد الديني والسياسي وعرف مواطن الخطأ، ومقاتل الأمة: وأدرك أسباب المصائب التي وقعت على المسلمين تحت شعارات شتى في الدين والسياسة، وارتفع فوق أطروحات القومية والدستورية والعلمانية وغيرها، ليلامس حقيقة الإسلام المحمدي الأصيل، ومن موقعه هذا استطاع أن يرشد وينصح العلماء والفقهاء بأن يبتعدوا عن الترف في الحياة، لأنه يؤدي إلى أن يكون الدين مشروعاً مستثمراً في مشاريع الترف الدينية والسياسية، يقول: «اعرضوا عما ضمن لكم في هذه الحياة الدنيا، وزكوا أنفسكم، واتقوا ربكم واتكلوا عليه، وإن كنتم ـ لا سمح الله ـ إنما تدرسون علوم الدين لتترفوا في الحياة، فأنا أؤكد لكم إنكم لا تبلغون من الله شيئاً، ولا تنالون لديه مقاماً محموداً، والله يحرمكم من التوفيق إلى فضيلة الاجتهاد والفقه والبصر في أحكام الدين، ولستم بذلك أمناء الرسل ولا ورثة الأنبياء، ولا حصون الإسلام، اتركوا زخارف الحياة واكتفوا بعيش الكفاف ليقتدي الناس بكم في عفة نفوسكم»[43].

 

إن سلامة الدين على مستوى العقيدة والشريعة لم تكن بسبب السلطان ومن لاذ به من فقهاء البلاط، ولا بسبب المترفين الذين اتخذوا الدين شعاراً ودثاراً، وإنما استمر الدين حياً مع العلماء العدول الذين أسسوا للثورة ضد الظلم والظالمين، وقد تعرض هؤلاء العلماء إلى كثير من المحن والمصائب في سبيل إبقاء تعاليم الدين حية في المجتمع الإنساني، كما أن وجود هؤلاء العلماء قد حال دون إفساد عقائد الناس بما تمكنوا من الحفاظ عليه في ظل حكم الاستبداد والترف، إن العلماء بالله وإن كانوا قلة، فقد استطاعوا توجيه النقد إلى كل الذين تزيوا بزي الدين زوراً ونفاقاً،ودأبوا على تسويغ مشروع السلطان السياسي، وتشويه سيرة العلماء الحقيقيين ليحولوا بينهم وبين تسلم السلطة[44].

 

يقول الملا صدرا: «لقد اتهموهم وتوجهوا بالنقد إلى فقهاء البلاط لما رأوه من انكبابهم على تحصيل الجاه والرياسة وتمشية أغراض الملوك. في ما لا يجوز، أنظر إلى ما يقاسيه في نفسه ومجتمعه العالم بالله والمجاهد في سبيله»[45].

 

ـــــــــــــــــ

 

[*] في الأصل ورقة مقدمة إلى مؤتمر إحياء الفكر الديني المنعقد في طهران.

 

[**] باحث وكاتب إسلامي من لبنان.

 

[1] الإمام الخامنئي، حديث الشمس، ترجمة رعد جبارة، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ص104.

 

[2]  سورة الأنفال، الآية 24.

 

[3] الاستقامة والثبات في شخصية الإمام (رض)، ترجمة كاظم ياسين، بيروت، مركز الإمام الخميني الثقافي، ص 335.

 

[4] الاستقامة والثبات، مصدر سابق، ص 336.

 

[5] سورة آل عمران، الآية 110.

 

[6] الوصية السياسية الخالدة للإمام الخميني(رض)، طهران، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.

 

[7] الاستقامة والثبات، مصدر سابق.يقول الإمام الخميني (رض): «لقد أسس نبي الإسلام حكومة كسائر حكومات العالم، ولكنها تمتاز عنها بدافع إقامة العدالة الاجتماعية وبسطها وكان لخلفاء الإسلام الأوائل حكومة على أمصار أوسع وأشمل، وتأسيس حكومة أمير المؤمنين علي (ع) بالدافع نفسه ولكن على نطاق أوسع وأشمل، وبعده تحول الأمر شيئاً فشيئاً إلى حكم باسم الإسلام، واليوم أيضاً كثيرون هم أدعياء أتباع الإسلام والرسول (ص) في الحكم». انظر الوصية الإلهية، وزارة الإرشاد الإسلامي.

 

[8] الوصية السياسية، مصدر سابق.

 

[9] الوصية السياسية، مصدر سابق.

 

[10] من رسالة الإمام الخميني إلى ميخائيل غورباتشوف.

 

[11] الوصية السياسية، مصدر سابق .

 

[12] سورة النحل الآية 36.

 

[13] الاستقامة والثبات، مصدر سابق، ص 295.

 

[14] الوصية الخالدة، مصدر سابق.

 

[15] سورة هود الآية 88.

 

[16] الاستقامة والثبات، مصدر سابق، ص 322.

 

[17] الاستقامة والثبات، مصدر سابق،ص 324.

 

[18] سورة سبأ الآية 34 ـ 35.

 

[19] الاستقامة والثبات، مصدر سابق،ص 325.

 

[20] الوصية السياسية، مصدر سابق.

 

[21] الوصية السياسية، مصدر سابق.

 

[22] الوصية السياسية، مصدر سابق.

 

[23] الوصية السياسية، مصدر سابق.

 

[24] سورة الأنبياء الآية 107.

 

[25] حديث الشمس، مصدر سابق، ص 87.

 

[26] الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، دروس فقهية في النجف الأشرف، 1389 هـ.

 

[27] الإمام الخميني، الجهاد الأكبر، ترجمة حسين كوراني، الدار الإسلامية، ص13

 

[28] المصدر نفسه، ص13.

 

[29] المصدر نفسه، ص13.

 

[30] الحكومة الإسلامية، مصدر سابق، ص136.

 

[31] الوصية السياسية، مصدر سابق .

 

[32] الكواكبي، عبد الرحمن، طبائع الاستبداد، ومصارع الاستعباد، بيروت، دار النفائس، ص61.

 

[33] إمام، إمام عبد الفتاح ، الطاغية، دراسة فلسفية لنشوء الاستبداد، 1994، ص9.

 

[34] الحكومة الإسلامية، مصدر سابق، ص132، 133.

 

[35] المصدر نفسه.

 

[36] الحكومة الإسلامية، مصدر سابق، ص135.

 

[37] حديث الشمس، مصدر سابق ص33.

 

[38] الإمام علي (ع) نهج البلاغة، قصار الحكم 147.

 

[39] سورة الأنفال، الآية 61.

 

[40] سورة النساء، الآية 128.

 

[41] الحكومة الإسلامية، مصدر سابق، ص141.

 

[42] المصدر نفسه، حيث انه في كلامه ما يفيد هذا المعنى.

 

[43] المصدر نفسه، ص 144.

 

[44] المصدر نفسه، ص172.

 

[45] الملا صدرا، مفاتيح الغيب، إيران، مؤسسة مطالعات، ص 199.