الواقع الدولي
استندت رؤية الإمام الخميني إلى الواقع الدولي والأنظمة السياسية التي تحكمه، ومراكز القوى الأساسية، وأنماط العلاقات السياسية الدولية والجانب المؤسسي فيه، وما يعرف بالنظام الدولي الذي كان سائداً آنذاك استندت هذه الرؤية وتأسست إلى منهج تعاطي شمولي نابع من قاعدتين أساسيتين: قاعدة مبدأية ـ فكرية ـ ثقافية, تقضي بمواجهة الاستعلاء الدولي، النازع نحو الهيمنة والقائم على الظلم والاستغلال، مهما كان مصدر هذا الاستغلال، أو الجهة الدولية التي تمارسه. وليس هنالك حاجة إلى التأكيد أنّ مضمون المعرفة الإسلامية الأصلية تفرض هذا المنهج الشمولي.
أما القاعدة الثانية، فهي قاعدة ميدانية تجريبية، إذ إنّ حياة الإمام اختزنت مراقبة السياسات والاستراتيجيات الدولية، والتطبيقات السلوكية لها التي حوّلت العالم إلى معسكرين، ومناطق نفوذ تابعة لها.
وانطلاقاً من هذا الواقع الثنائي الدولي الغربي ـ الشرقي فإن تجارب الحركات والشعوب التي حاولت الإفلات من هذا الطوق الحديدي كانت تتحرّك في فضاء العثور على ممكن جديد للإنتصار من داخل هذا الواقع، ولم تجرّب الخروج عليه بشكل كلي وترفضه بصورة إجمالية، وتسعى إلى مواجهته مواجهة شاملة؛ لأن مثل هذا المنهج يكاد يصنّف في إطار المستحيل السياسي، أو أنه أساساً لا ينتمي إلى البديهيات السياسية أو العرف السياسي المتّبع، وحتى لو تبلور هذا الطموح في تفكير بعض الزعماء, أو برامج بعض الحركات الإسلامية التي سبقت الثورة التي قادها الإمام الخميني الراحل، فإنه بقي في إطار التفكير الداخلي، ولم يبلور على شكل خطاب واضح المعالم، وسياسة معلنة وواضحة، ولغة تجسّد تحدّياً هائلاً، وبناءً على ذلك فإن الإمام لم يقترب في منهجه السياسي التعاملي مع الواقع الدولي من آليات التعامل التقليدية المعمول بها في عالم الطامحين نحو التغيير، ولم يقترب من مقولات(التكتيك) السياسي، أو تأجيل الخصومة مع طرف دولي، للاستقواء به ضد طرف آخر، أو المناورة السياسية أو الخداع السياسي؛ لأن اللجوء إلى هذه الآليات والسلوكيات والمقولات قد يصلح في مرحلة معيّنة وظروف معيّنة, إلا أنه يشكّل خطراً كبيراً في مراحل الانطلاق الثوري، والتأسيس لمعالم المشروع الإسلامي, والطموح نحو إرساء سياسة دولة يفترض لها أن تنهض من جذور فكرية ـ عقيدية ـ ثقافية, ومن رؤية إسلامية طامحة نحو إقامة العدل الإلهي, فهذا التأسيس يتطلّب وضوح الآليات والأهداف معاً.
وفي ظل انعدام هذا الوضوح، فسيقع منهج التعاطي السياسي مع الواقع الدولي في الكثير من حالات الغموض والتشويش، هذا فضلاً عن أنّ ضرورة التعبئة الثورية، وتأسيس الوعي الثوري والإطاحة بأهداف الحرب النفسية للأعداء والحاجة إلى نظرية لتحريك الأمة.
كل ذلك يفرض الابتعاد عن المنهج التجزيئي ـ أي المنهج الساعي إلى التغيير من داخل الواقع السياسي الدولي ومن داخل الأنظمة الصراعية التي تحكمه وتتحكّم به ـ وتوجب العمل بمنهج شمولي ـ كلي، لاسيّما وأنّ الإمام بثقافته القرآنية، وسلوكه العرفاني كان يمتلك شجاعة مستمدة من شجاعة الأنبياء ومهامهم الكبرى، والذين لا ينظرون إلى المواجهة بتجلّياتها المادية ورموزها الطاغوتية، بل ينظرون إليها من خلال قاعدة التكليف، وأساس المسؤولية، ووجوبية الإخلاص في أداء الدور بعيداً عن نتائج الانتصار السريع، فمتى ما توفرت هذه الشروط، وهي قد توفّرت لدى الإمام الخميني يكون بالإمكان تصوّر(طبيعة) الأسباب التي دفعته إلى الخروج عن (المألوف) في قراءة الوضع السياسي الدولي، والانفراد بقراءة ورؤية مغايرة، جسّدها إلى خطاب مغاير بداً للوهلة الأولى بالنسبة للعاملين في الحقل السياسي العالمي على أنه خطاب يغرّد خارج السرب، ويصنف في خانة الأحلام، ولا ينتمي إلى عالم الواقع, أو ما يسمّى بـ(السياسية الواقعية) المحكومة إلى أسباب وقوانين مادية.
وإلى موازين قوى ومعالم صراع لا يمكن الخروج عليها.
وعليه حتى لو بدت الحاجة إلى استدعاء النصوص المرتبطة برؤية الإمام الخميني في هذا الإطار غير ضرورية؛ لأنها أصبحت بعد تراكمها وتحويل ما تصبوا إليه واقع معاش بديهية من بديهيات المعرفة العامة لدى الجميع، إلا أنّ آليات البحث العلمي وضروراته تفرض استدعائها ولو بشكل مضغوط وموجز.
إنّ عيّنة من نصوص الإمام ستظهر هذا التوجّه الكلي في مقاومة الحالة الطاغوتية، في أي اسم تمظهرت، لاسيّما وأنه توجّه ينسجم مع طموح التغيّر الشمولي لكل العالم لدى الإمام، يقول الإمام الخميني:
ـ (في يومنا هذا تقوم كل من الصين الشيوعية والتي تدّعي الثورية وأمريكا مثال الاستعمار العالمي، وروسيا مصدر الكذب والرياء وبريطانيا العجوز بدعم نظام الشاه ضد ثورة ونهضة شعبنا المطالب بالحرية والاستقلال.
لكني على يقين كبير، بأن انتصار شعبنا حتمي وقريب بإذن الله )[1].
ـ ( إننا نعادي الشيوعية العالمية بقدر مناهضتنا القوية للمستعمرين الغربيين بزعامة أمريكا والصهيونية وإسرائيل)[2].
ـ ( لو وجدت اتجاهات وميول شرقية أو غربية بين معلّمينا، فإن بلادنا ستميل إما إلى الشرق أو الغرب, وسوف تكون خالية من محتوى الجمهورية الإسلامية التي شعارها: لا شرقية ولا غربية)[3].
ـ ( إنّ أسواق البلدان الإسلامية أصبحت مركز تنافس لبضائع الغرب والشرق وتتجه إليها سيول البضائع الكمالية المبتذلة والاستهلاكيات)[4].
ـ ( علينا أن نصنع إيران بلداً مستقلاً سياسياً وعسكرياً وثقافياً واقتصادياً, ومحرراً من الاتّكاء على أمريكا والاتحاد السوفييتي وبريطانيا هذه القوى الدولية الطامعة.. وعلينا أن نعلن هويتنا الأصلية للعالم.
ومع الأسف إنّ (المثقفين) لا يستطيعون أن يتحرروا من تبعيّتهم للشرق والغرب. ونأمل أن يعود هؤلاء الموتورون في الأمة إلى رشدهم في ظل التغيير الثقافي الإسلامي القائم، وأن يستعيدا أصالتهم.)[5].
ـ (إنّ مخطط نزع البلدان المستعمرة من هويتها وتغريبها وتشريقها هو من المخططات التي كان لها مع الأسف تأثير بالغ على البلدان وعلى بلدنا العزيز, وقد بقيت نسبة كبيرة من آثارها حتى عادت هذه البلدان لا ترى نفسها ولا ثقافتها وقوّتها بشيء, وترى في القطبين القويين الغرب والشرق العنصر الأفضل, وثقافتهما هي الأسمى, وأنهما قِبْلَتا العالم, وصوّروا التبعية لأحدهما بأنها من الفرائض التي لا مناص منها, وقصة هذا المخطط مؤلمة طويلة والضربات التي وجهها إلينا هذا المخطط وما زال مهلكة قاصمة)[6].
ـ (إني أوصي أبناء الشعب في العصر الراهن وفي المستقبل بأن ينتخبوا بإرادة راسخة وانطلاقاً من التزامهم بأحكام الإسلام، وحرصهم على مصالح البلد، أن ينتخبوا في كل دورة انتخابية نواباً مؤمنين بالإسلام وبالجمهورية الإسلامية. وغالباً ما يكون هؤلاء من الطبقة المتوسطة في المجتمع ومن المحرومين.. نواباً، غير منحرفين عن الصراط المستقيم ومتحزبين إلى الغرب أو الشرق)[7] .
إنّ هذه العيّنة من النصوص تشرح رؤية الإمام الخميني العامة إلى السياسة العالمية. وهي رؤية شارحة لصيغها وأنظمتها التي كانت سائدة، ونازلة إلى الإيضاح الضمني لأهداف هذه السياسة وأساليبها وآلياتها ومجالاتها.
كما أنها داعية إلى مقاومتها ـ دفعة واحدة ـ للأسباب التي ذكرناها, وهي أسباب يمكن إيجازها بالشكل التالي.
أولاً: لأن تأسيس المشروع الإسلامي يقتضي هذه الشمولية في الرؤية.
ثانياً: ولأن عملية تراكم الوعي السياسي السليم تتطلب الوضوح في تشخيص الواقع الدولي، فيما أنّ (التحييد) أو (المناورة) أو (التأجيل) في تشخيص هذا الواقع سيؤثر على صيرورة هذا الوعي.
ثالثاً: وتنطلق رؤية الإمام الكلية من مبادئه وقيمه وأفكاره الإسلامية ذات الطابع العالمي الإنساني.
رابعاً: كما أنّ هذه الرؤية تأخذ مصاديقها من مجلس ميداني تمثّل في مواكبة التجربتين الغربية والشرقية، الرأسمالية والشيوعية في العالم، وتطبيقاتها، وواقع الظلم الإنساني الذي عانته البشرية من جرّاء ذلك.
وبالتأكيد فإن هذه الشمولية، لا تعني في رؤية الإمام إلغاء التمايز في هذه الرؤية على ضوء الواقع السياسي الذي يتحرّك على الأرض، فعندما يتحرّك هذا الواقع ميدانياً لصالح الهيمنة الغربية، أو عندما تتراجع في ظلّه مساحة نفوذ المعسكر الاشتراكي، فإن رؤية الإمام كانت دائماً ترصد هذا المتغيّر، وأنّ خطابه السياسي يفي بتوصيفاته عبر نصوص مركّزة تجعل من إمكانية بلورة الموقف من الغرب والحضارة الغربية أمراً أكثر سهولة وأكثر تبريراً لأسباب تتعلّق بالواقع الميداني, الذي جعل مواجهة الإمام الخميني مع الغرب أكثر من الشرق.
الرؤية إلى الغرب
جاءت نظرة الإمام الخميني إلى الغرب والحضارة الغربية مبثوثة في كل نصوص المشروع التغييري ـ الثوري له، لا سيّما وأنّ النص الخميني، نص ترابطي مركّب مازج بالعادة لأكثر من مفهوم ومعنى ودلالة، ويغطي أكثر من مجال من مجالات الحياة.. وهو نص امتاز بقدرة الاختزال والتركيز في آن معاً, بحيث يمكن الجزم أنّ هذه القدرة شكّلت خصوصية من خصوصيات خطابه التغييري انفرد بها عن باقي الخطابات، ونعني بالاختزال هنا: هو اختزال مضمون المشروع التغييري له في النص الواحد، مهما كان حجم هذا النص.
وبمعنى آخر القدرة على إعطاء(هوية) للنص ـ إذا صحّ التعبير ـ تعكس الجزء الأكبر من مضمون أو مضامين مشروعه التغييري، ومشروع الإمام ـ كما هو معلوم ـ ارتبط ارتباطاً جدلياً برؤيته حول الغرب والحضارة الغربية، وهذا الارتباط كان نابعاً من طبيعة مشروع الإمام النظرية والميدانية.
أولاً: بما أنه مشروع سعى إلى تحرير إيران الشاه من النفوذ الغربي والتبعية الغربية، وإعادتها إلى أحضان الإسلام.
ثانياً: وبما أنّ مشروع يختزن قضية الإسلام المركزية(قضية فلسطين)، ويضع القضاء على (إسرائيل) في سلّم أولوياته وأهدافه، بما تعنيه مواجهة (إسرائيل) من مواجهة للغرب واستراتيجياته أزاء العالم الإسلامي.
ثالثاً: وبما أنه مشروع أسس في جزء المواجهة منه على محاربة التبعية الثقافية والاقتصادية والسياسية والنفسية للغرب أو الشرق، ولَمّا كان العالم الإسلامي واقعاً تحت الهيمنة الغربية بجزئه الأكبر، فلقد جاءت ثقافة المقاومة في مشروع الإمام مستهدفة للغرب أكثر من الشرق كتحصيل حاصل.
مع التركيز على وحدة موقفه من القوى الطاغوتية في العالم.
رابعاً: وفي البعد الإنساني لمشروع الإمام وهدف تحرير الإنسانية المستضعفة من رقبة الاستكبار العالمي، تساهم مئات إن لم نقل آلاف النصوص الخمينية التي استهدفت تجلّيات الطاغوتية الغربية، وزعميتها الولايات المتحدة الأمريكية.
انطلاقاً من هذه النقاط ونقاط أخرى يرتبط بعضها بالقواعد الغربية العسكرية في المنطقة الإسلامية، وموقف الغرب من المسلمين، ومشاريعه في الترويج لأشكال أخرى من الإسلام كالإسلام الرسمي، والإسلام الشكلي، والإسلام الترقيعي، جاء مشروع الإمام للنهوض بمهمتين متداخلتين ومترابطتين: مهمة مواجهة الغرب في استراتيجية الهيمنة التي يتبعها في المنطقة والجزء الفاسد من حضارته الذي يعمد على إشاعته فيها، وكشف كل الأساليب والسياسات والاستراتيجيات الخطط والمؤامرات والآليات التي اتبعها الغرب لفرض هذه الهيمنة.
ومهمة تأسيس المشروع الإسلامي الأصيل، ولقد طالت هذه المهمة كل ما يدخل حيّز المشروع من رؤى ثقافية وفكرية، ورؤى بنيوية للنص والخطاب، ومن استدعاء للتاريخ الإسلامي الثوري، ومن تأهيل للكوادر والقيادات، ومن نظريات للحكم والإدارة وقيادة القضية.
وإذا كانت النصوص المطلوبة في سياق هذا البحث، لا ترتبط بالمهمة الثانية، فإنه وبحكم التداخل والترابط الذي أشرنا إليه، فإن أية عيّنة حتى لو كانت غير منتقاة من نصوص الإمام يمكن أن تبرز مضمون رؤيته عن الغرب والحضارة الغربية, فهي رؤية لا يمكن توصيفها بالسلبية أو اللا إيجابية فقط, أو لا يكفي حتى الارتقاء بتوصيفها إلى أنها نابعة من الصراع المفتوح الذي خاضه الإمام مع الغرب, فلقد حكمت هذه الرؤية وتأسست على ما يتجاوز الأسباب التي أشرنا لها، أو تلك الأسباب النظرية ـ الميدانية المرتبطة بفكر الإمام, إنها أسباب تغوص بعيداً إلى إدراك جذور الخطط السرية التي عمل بها الغرب في إيران الشاهنشاهية، إلى إدراك السرقة الغربية المنظمة لثروات إيران ودول المنطقة وشعوب العالم، وإلى مداليل وتجليات الغزو الفكري والثقافي, وخلق تيار الخضوع والإخضاع النفسي الذي ربط العالم الإسلامي بتبعية شاملة منظمة للغرب.
فهذه الأسباب وإدراكها عبر مواجهة مفتوحة خاضها الإمام مع الغرب، صاغت رؤيته إليه صياغة حدّية قاسية قاطعة, وتقوم على ما يقترب من معنى الرفض الكلي للواقع الغربي. ولا يترك إلاّ هامشاً محدوداً وضيّقاً لإمكانية (التصالح) مع هذا الغرب.
فخطاب الإمام الثوري الذي ترجم هذه الحدّية الواضحة ازدحم بتوصيفاته للواقع الغربي السلبي، بنزعاته التوسّعية والاستغلالية, ولا حق حضور هذا الواقع وأساليبه وآلياته في الساحتين الإسلامية والعالمية وفي شتّى مجالات الحياة، وقبل أن نبوّب رؤية الإمام في هذا الإطار، لابدّ من التوقّف أولاً على بعض نصوصه المتعلّقة بالغرب:
ـ (أيها المسلمون المؤمنون بحقيقة الإسلام، انهضوا ووحّدوا صفوفكم تحت راية التوحيد وفي ظل تعاليم الإسلام، واقطعوا أيدي القوى الكبرى الخائبة عن بلدانكم وثرواتكم الوفيرة وأعيدوا مجد الإسلام وتجنّبوا الاختلافات والأهواء النفسية، فإنكم تملكون كل شيء.
واعتمدوا على الثقافة الإسلامية، وحاربوا الغرب والتغرّب، وقفوا على أقدامكم، واحملوا على المثقفين الموالين للغرب والشرق، وجددوا هويتكم)[8].
ـ (إنكم لن تحققوا الاستقلال ما دام الغرب متواجداً هنا. وإذا لم يذهب المتفرنجون من هذه البلاد, أو يتمّ إصلاحهم فإنكم لن تصلوا إلى الاستقلال)[9].
ـ (كل تيارات ـ التغرّب ـ هي انغماس في الظلمات, ولكن أولئك الذين اتخذوا من الغرب والأجانب قبلة لهم ضلّوا في الظلمات وأضحوا أولياء الطاغوت، شعوب الشرق اتجهت نحو الغرب بفعل الدعايات التي بثّها الطواغيت وعملائهم في الداخل.
وأضحى الغرب قبلة آمالهم وانهزموا داخلياً، ونسوا أنفسهم ومفاخرهم.. وأضحت العادة أن يضعوا على كل شيء اسماً غربياً, وأن يهتمّوا بالكتب المليئة بالمصطلحات الغربية)[10].
ولم يغفل خطاب الإمام توصيف زعيمة العالم الغربي، الولايات المتحدة الأميركية التي كانت حاضرة في هذه الخطاب بشكل مميّز, فهو يقول إزاءها:
ـ (هم حيوانات مفترسة, لا يتورّعون عن ارتكاب أية جناية وخيانة لتحقيق أهدافهم المشؤومة، ولا يميزون ـ في طريق الوصول إلى الرئاسة ومطامعهم الدنيئة ـ بين العدو والصديق، على رأسهم أميركا هذه الإرهابية ذاتاً، هذه الدولة التي أضرمت النار في جميع أرجاء العالم، وحليفتها الصهيونية العالمية التي ترتكب لتحقيق مطامعها، جنايات تخجل الأقلام والألسنة عن كتابتها وذكرها.. ويحملهم الخيال الأبله بإسرائيل الكبرى عن ارتكاب أية جناية)[11].
ـ (إنّ أولئك الذين يظهرون معارضتهم للإرهاب. فأميركا التي أقامت الدنيا ولم تقعدها في الحديث عن حقوق الإنسان وحب البشرية، (ورئيس جمهوريتها الذي ما فتئ يتحدث عن حبه للإنسان) هل هؤلاء حقاً يحبون الإنسان؟.. هل أميركا تحب الإنسانية حقيقة؟ .. أميركا التي ما انفكت تشعل نيران الحروب في العالم وتبيد البشرية عن هذا الطريق، هل هي حقاً تحب الإنسان والإنسانية؟.. وهل حقاً إنّ الإسلام كما يصف هؤلاء؟ وإيران الإسلام هي كما يتهمها هؤلاء)[12]..
ـ (نجح شعبنا بفضل اللطف الإلهي في تطبيق الشعارات التي أطلقها في أكثر المجالات، شعار الحرية والاستقلال، أضفنا لجماله جمالاً بعملنا، شعار الموت لأمريكا رأينا مصداق تحققه على أيدي فتية الملاحم الإسلامية الأبطال عبر اقتحامهم لوكر الفساد والتجسس الأميركي، لقد عرضنا جميع شعاراتنا لمحك الاختبار العملي)[13].
ـ (أمريكا هي التي تقف وراء إسرائيل، وأميركا هي التي تساند إسرائيل لدحر وترشيد العرب والمسلمين، أميركا هي التي تسيّر أمور بلدنا عبر عملائها مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، أميركا هي التي ترى أنّ القرآن والإسلام خطر عليها وتريد وقفهما، أميركا هي التي ترى علماء الدين المجاهدين عائقاً، سّداً منيعاً حائلاً أمام أهدافها ومآربها، أميركا هي التي تأمر النظام بالإمتثال لأوامرها، وهي التي أمرته بالموافقة والمصادقة على هذا القانون الشنيع المذل للمسلمين ولمفاخرهم الإسلامية والوطنية، اليوم اقتصاد بلادنا بيد الأميركان والإسرائيليين، الأسواق التجارية والعجلة الاقتصادية خرجت من أيدي المسلمين، أمور المسلمين اليوم بأيديهم وبإمرتهم)[14].
أولاً: إنّ هذه النصوص التوصيفية للولايات المتحدة الأمريكية ولا سيّما ـ النص الأخير ـ وإعطاءها هذا التمايز في الدور القيادي لعالم الغرب وسياسته لا يخرج الإمام عن فهم محدد للغرب تعكسه إجمالية النصوص المرتبطة به، وعمومية الخطاب الخميني، ويقوم هذا الفهم على النظر إلى الغرب كـ(كتلة) منسجمة في سياساتها وأهدافها العليا، سواء في إشاعة ثقافة التغريب وتعميمها على العالم، أو في موقفها وسياسة دولها مجتمعة في معاداة الإسلام، والعمل على مواجهته، ولذا فإننا لا نجد الإمام يستغرق كثيراً أو يتطرّق بالعادة إلى ما يوحي بالتمايز بين سياسات الدول الغربية إزاء القضايا المتعلّقة بالعالم الإسلامي، والشعوب الرازحة تحت نير الأنظمة الدكتاتورية في العالم, فيما هو يركّز ضمناً على الدور الأميركي، ويستغرق في توصيفاته، وإرساء ثقافة المقاومة إزاءه باعتباره عنوان هذه الكتلة الغربية، ويقترب فهم الإمام هذا إلى الغرب إلى طرح(المركزية الأوربية) في العالم الذي رصده بالمعالجة تيار من المفكرين المهتمّين بقضايا الفكر العالمي وتجلّيات منظوماته وأنظمته السياسية.
وينسجم فهم الغرب من قِبَل الإمام الخميني ككتلة منسجمة موحّدة السياسات والأهداف مع فهمه للوضع السياسي العالمي, الذي ابتعد عما أسميناه منهج تأجيل الخصومة مع طرف دولي، ضد طرف آخر؛ لأن تأسيس المشروع الإسلامي الأصيل ـ كما أشرنا ـ يتطلّب صناعة وعي سليم، ومعرفة واضحة لواقع السياسية العالمية.
ثانياً: واستغرق الإمام في توصيفه لعملية التغريب نازلاً بها من السلاح الذرّي إلى أسماء الشوارع, بما يوحي إنها عملية مسخ كاملة لشخصية الأمم الأخرى، لا تتوقّف عند مجال من مجالات الهيمنة الثقافية والفكرية والاقتصادية، وإنّ هذا المسخ الضخم ينم عن جهود خطيرة وكبيرة، وعن مؤامرات متشابكة ومتداخلة حوّلته إلى تيار خطير في جسد الأمم المستهدفة وإلى واقع افقدها خصوصياتها، ولقد أبيح لهذا الواقع أن يطبّق بأدوات(الجريمة المنظمة، وكل فنون الشر والأنانية)، وعليه فإن رؤية الإمام إلى الغرب لا تستهين بما قطعه هذا الغرب من أشواط في تنفيذ عملية التغريب.
وبالتالي فإنها لا تستهين بالإمكانات والقوى الضخمة التي بيد الغرب, والتي أتاحت له هذا النفوذ والامتداد والتفوّق.
ثالثاً: إلاّ أنّ الإمام استطاع أن يفصل بدقّة بين هذه القوى ونفوذها وامتدادها وتفوّقها الحقيقي، وبينما هو (وهمي) فيها، أي أنه شخص فيها استراتيجية الردع وسياسة التخويف، القائمة على أسس وهمية وليس حقيقية، وهذا التشخيص أنجزه الإمام من خلال الخطاب النظري والتجربة الميدانية معاً؛ ليثبت بشكل عملي أنّ جزءاً كبيراً من هذه القوة، هو مفتعل، وأنّ جزءاً آخر نابع في سياق استراتيجية الردع في الحرب النفسية التي تسعى إلى تفكيك وتذويب إمكانات النهوض والقوى لدى الأمم المستهدفة، فعندما استنهض الإمام إرادة الإنسان المسلم بشكل صحيح، استطاع أن يعيد بناء الثقة المحطّمة بتلك الحرب النفسية، واستطاع أنّ يسجّل إنجازه الثوري فيما بعد، يقول الإمام في هذا الإطار(فإن الشعوب التي فقدت ذواتها فقدت بلادها, وإنّ الأفكار التي رسخت في آذانهم، والمتمثلة بعدم إمكانية المقابلة مع القوة العظمى، وإنها سوف تعمل كذا وكذا، يجب أن تزال من أدمغتهم، أي يجب أن يزال من أدمغة الشعوب هذا( اللا ممكن) وإحلال(الممكن). كلا فبالإمكان أن نعمل ذلك كاملاً)[15].
ـ (ما أريد التأكيد عليه هو أن تخرجوا من رؤوسكم ما يقال من أنه لا يمكن مواجهة الدولة الكبرى، صمموا على ذلك تقدرون؛ لأن الله يدعمكم ويحميكم.
إنّ الهمسات التي تشاع من قِبَل عملاء الاستعمار من أنه لا يمكنكم الحياة دون اللجوء إلى أحد الدول العظمى كلها خطأ مئة بالمئة وغير صحيحة، قفوا على أرجلكم باستحكام وقوة وكونوا مع الله, واسعوا قبل كل شيء إلى الرقي في الإنسانية, عندها يمدّنا الله بعونه, ونستطيع أن نحصل على استقلالنا وحريتنا وحفظ إسلامنا ونوفّق إلى ذلك إن شاء الله)[16].
رؤية الإمام إلى الحضارة الغربية
ما هو الحد الفاصل في خطاب الإمام الخميني في رؤيته بين العالم الغربي، كأنظمة سياسة منفردة، ونظام سياسي عام له سياقاته الاستغلالية, وبين الحضارة الغربية بما هي حصيلة عملية ـ ثقافية وذات ارتباط وتمثيل للأمم والشعوب الغربية أكثر من الأنظمة؟
فهذا السؤال يحتاج إلى قراءة متأنيّة ودقيقة لمعرفة الحصيلة الكلية لرؤية الإمام من الغرب، إذ يمكن القول ببساطة: أنّ رؤية الإمام للغرب كأنظمة سياسية أو تيار أو (كارتل) دولي يتحكم بجزء كبير من السياسة العالمية وفق آليات مجردة من السياق الأخلاقي ـ المعنوي، وقائمة على الحساب المادي ـ المصلحي الذي ينتهي إلى استباحة العالم. يمكن القول ببساطة أنّ هذه الرؤية واضحة, وهي رؤية لا تقف عند الرفض أو التنديد أو التوصيف، بل إنها تؤسس لثقافة مواجهة مفتوحة لإستيلاد كل الفرص الممكنة, لإعادة العالم إلى توازنه السياسي المنطقي المفترض.
وربما أنّ الإشكالية في هذا الجانب تبدأ من هنا، من مقدار هذا الوضوح الهائل في موقف الإمام من الغرب والتغريب, فهذا الوضوح وما يقتضيه من تكرار محسوب في خطاب الإمام غطّى على الموقف من الحضارة الغربية ـ كما اختصرناه ـ على أنه حصيلة علمية ـ ثقافية، فالإمام الذي لم يصادر هذه الحقيقة بشكل ضمني، ومن خلال الاعتراف الضمني بقدرات الغرب العلمية والتقنية والتصنيعية.. يحاول أن يقترب من الشق الثقافي في الحضارة الغربية بشكل غير مباشر.
فهذه الثقافة لكونها نتاجاً عاماً، ساهمت فيه الأنظمة الغربية الحاكمة، من خلال إشاعة الثقافة المادية، وهي مساهمة تعبّر عن تراكم لأزمات تاريخية عاشها العرب، وأدّت فيما بعد إلى الاصطدام مع الدين والكنيسة التي تمثّله؛ ولأن المسألة الثقافية تنطوي على تعقيدات كبيرة في الواقع والتاريخ الغربي، فإن نصوص الإمام تحاشت الخوض فيها بشكل مباشر، إلا أنها لم تهملها.. بل هي أحكمت المدخل الذي يؤدّي إلى عمق الأزمة الثقافية المتمثلّة بإبعادها عن الدين والمعنويات وعن الارتباط الحقيقي بالله سبحانه وتعالى.. والمدخل كان خطاب الإمام الموجّه إلى رجل الدين المسيحي لممارسة دوره الرسالي في المجتمع الأوربي، لاحظ ماذا يقول الإمام في هذا الإطار: (أنا أعلم أنّ الدين المسيحي وكل من يتّبع المسيح عليه أن يدافع عن المظلومين ويجابه الدول الكبرى، كما أنّ الذي يتّبع دين الإسلام عليه أن يخالف الدول الكبرى، وأن يخلّص المظلومين من هؤلاء)[17].
ـ (ومن الأفضل أن تقرع النواقيس بأمر رب الكون وتعاليم عيسى المسيح لمصلحة الشعوب المستضعفة, التي تئنّ تحت وطأة الطغاة من أمثال كارتر. هنيئاً لجيّاع وعطاشى العدالة، والذين يكدحون من أجل العدل، والويل للذين يكدحون ـ خلافاً لتعاليم المسيح وتعاليم كل الأنبياء ـ لمصلحة الظالمين والجواسيس الذين يسحقون الشعوب)[18].
هذان النصّان كنموذج لتعاطي الإمام مع العالم الأوربي، يوضّحان:
1ـ إنّ أزمة المجتمع الأوربي تكمن في ثقافته المادية المجردة عن المعنويات.
2ـ وأنّ الخروج من هذه الأزمة يتحمّل مسؤوليته رجل الدين المسيحي الذي يجب عليه أن لا يخضع لانحرافات أنظمته التي تلحق الظلم بالإنسانية.
3ـ وأنّ الإمام يطمح إلى إعادة التوازن داخل هذا المجتمع.
4ـ وأنه بعد كل ذلك يربط الغرب والشرق والعالم كله في وحدة مصير وهدف، ويقترح تواصلاً مع الجزء المستضعف في هذا الكون من خلال ما أسماه ـ الإمام ـ بحزب المستضعفين فهو يقول بصدد هذا الحزب: (إنّ يوم القدس يوم إسلامي، ويوم لتعبئة عامة المسلمين وإني لآمل أن يكون مقدمة لتشكيل حزب المستضعفين في كل أرجاء الدنيا، وآمل أن يشكّل حزب باسم حزب المستضعفين في العالم يشارك فيه جميع المستضعفين؛ ليعملوا على حلّ مشاكلهم، ويتّحدوا للقيام بمواجهة المستكبرين والمستعمرين اللصوص الشرقيين والغربيين)[19]
ومن خلال كل ذلك لا يؤسس الإمام إلى قطيعة مع العالم الغربي أو غير الغربي, إنما هو يؤسس إلى تعامل وتفاعل مشروط مع الغرب كأنظمة، يؤسس إلى إندماج إنساني ـ استضعافي يقاوم حركة الظلم في العالم.
ويتّضح أنّ الإمام يفرّق في موقفه وخطابه ورؤيته بين الغرب كسياسات استعلائية وأنظمة نازعة نحو استغلال واضطهاد الشعوب، وبين الغرب كحضارة ترمز إلى دور الشعوب الغربية[20].
خطوط المواجهة وشروط التفاعل
لا مجال في ظل ما تقدّم من أبعاد رؤية الإمام الخميني للغرب من افتراض خطوط مواجهة محددة معه، إنها مواجهة بقدر ما هي شمولية بكل ما تتسع له هذه الشمولية من أبعاد فكرية وثقافية وعسكرية واقتصادية ونفسية وإعلامية، فإنها أيضاً مواجهة مفتوحة ما دام العقل الغربي نازعاً نحو الهيمنة واستبعاد الشعوب والسيطرة على مقدرّاتها، وهي مواجهة مرتهنة إلى مجموعة من الشروط والعوامل.
أولاً: إنها مرتهنة إلى القضاء على تيار التغريب داخل أوساط الأمة الإسلامية.
ثانياً: ومرتهنة إلى تحقيق الاستقلال الحقيقي.
ثالثاً: ومرتهنة إلى إيجاد علاقات متوازنة لا مجال فيها إلى الاستغلال الغربي والسكوت إزاء هذا الاستغلال.
رابعاً: وهي مواجهة مشروطة بانتباه الدول الكبرى إلى خطأها.. وهذا أمر مستبعد.
وربما أنّ هذه الشروط والعوامل هي ذاتها التي يتوقّف عليها التفاعل مع الغرب من الناحيتين النظرية والعملية، فتجربة إيران الإسلامية الثورية، وبعد أن تحوّلت إلى دولة عكست شكلاً من أشكال التعامل والتفاعل مع الغرب على المستويات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية وهي لم تعش قطيعة كاملة، وعزلة تامة عن العالم الغربي، إلاّ أنّ ذلك خضع إلى قراءة دقيقة ورصد دقيق، فهو لم ينضبط نظرياً بما (انضبطت) به أشكال العلاقات الدولية والأعراف السائدة عالمياً في الخطاب الدبلوماسي، فهذه العلاقات والأعراف رفضها خطاب الإمام واعتبرها جزءاً من منظومة النظام العالمي القائم على منطق التبعية، ولذا فإن الإمام مارس التفاعل مع العالم الغربي انطلاقاً من مقاييس خاصة به, ترصد حركة التعامل الدولي والغربي مع الدولة الإسلامية وقضايا المسلمين وقضايا المستضعفين في العالم.
فهو تفاعل لم يعطل ـ أولاً ـ ماهية الخطاب الثوري الذي اعتمده الإمام تحت ثقل(الضرورة) الدبلوماسية، بل بقي خطابه يسير على وتيرة ثابتة من حيث ماهيته الثورية، وما يصبو إليه من أهداف وهو تفاعل ـ ووفق المقاييس الخاصة ـ قاوم أي محاولة للمناورة والابتزاز الغربي للثورة وثوابتها وقيمها.
إنّ التعامل والتفاعل مع الغرب لم يتوقّف على طول عمر المشروع الإسلامي بعدما تحوّل إلى دولة؛ لأنه نابع أساساً في حسابات الغرب من مصلحته الذاتية وحاجته الخاصة في العلاقات مع الأمر الواقع الذي تخلقه الحالات الإسلامية الثورية في سياق حركة المشروع الإسلامي الكلي, ورؤية والإمام الخميني لهذا المنهج الغربي, فهو منهج تتعدد آلياته في استيعاب الانهيارات التي تتعرض لها مصالحه في مناطق نفوذه؛ ولأنه منهج يتحرك أساساً على إمكانات مادية وعلمية حقيقية, زائداً إمكانات وهمية كاذبة, يوحي بها, وتعكسها إستراتيجية الردع والتخويف التي يعمل بها، والإمام الخميني عندما اكتشف بحسّه السياسي هذه الإستراتيجية الغربية وعمل على مقاومتها، فهو من ناحية أخرى يدرك إمكانية تعامل الغرب مع الثورة, انطلاقاً من الأمر الواقع.
وبهذا التشخيص الدقيق(استطاعت الثورة الإسلامية الإيرانية أن تمرّ بذكاء, من خلال مضيق التنافس السياسي بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية دون أن تنحاز إلى هذه الكتلة أو تلك)[21].
وعودة إلى كيفية تعاطي الإمام مع منعطفات الابتزاز الغربي ربما يبلور شكلاً من مقاييس التفاعل التي اعتمدها مع الغرب، فلنقرأ النص التالي حول قضية المرتد(سلمان رشدي) والابتزاز الذي مارسته الدول الغربية من خلال سحب سفرائها من طهران، يقول الإمام: (لا ضرورة أبداً أن نهتم في هذه الظروف والأجواء بعلاقات وروابط واسعة، إذ قد يتصور الأعداء أننا أصبحنا نهتم بالعلاقة معهم والحاجة إليهم بحيث أننا نسكت ولا نحرك ساكناً عند إهانة معتقد اتنا ومقدساتنا الدينية، أولئك ما يزالون يعتقدون ويحللون أننا كنّا بسطاء في سياستنا ومبادئنا الدبلوماسية, وأنه ينبغي أن نعيد النظر فيها, وأن لا نكرر الأخطاء السابقة، ويعتقدون أنّ شعارات الحرب الحادّة؛ بسبب إساءة ظن الغرب والشرق بنا، مما أدّى في نتيجته إلى إنزواء البلد، ولو كنّا اعتمدنا سياسة واقعية لكانوا عاملونا معاملة إنسانية, وكانوا احترموا الإسلام والمسلمين كما احترمناهم)[22]
يوضّح هذا النص طبيعة التفاعل والتعامل المفترض مع الغرب, ويوضّح أننا (لسنا بحاجة إليهم) بل إنّ حاجة الغرب إلى هذا التفاعل والتعامل أكبر من حاجتنا، كما أنه نص يكشف أيضاً عن إستراتيجية الردع الوهمية المتبّعة من جهة، وعن الحرب النفسية واسقاطاتها في إطار شروط التفاعل مع الغرب من جهة أخرى، فمقولة (الانزواء) في إطار هذه الحرب النفسية, والتي ولدت تخوّفاً لدى تيار من الإسلاميين من وقوع الإسلام وكياناته في عزلة عن العالم، هذا (الانزواء) أعطاه الإمام معنىً آخر في ذات الإطار النفسي، يقول الإمام(ومع الأسف يفكر البعض بأننا متروون؛ بسب مخالفتنا لأميركا، كلا, إنّ أميركا هي المنزوية، إنّ الميزان عندنا هو الشعوب)[23].
وهكذا يسحب الإمام مضمون مقولة الانزواء من يد الخصم, ليستخدمها ضده بطريقة مشروعة, وتقوم على مصاديق في سياق المواجهة النفسية, وبما يبلور الأطر السليمة للتفاعل والتعامل مع الغرب.
وعودة إلى نموذج النص الأصلي المتعلّق بقضية المرتد(سلمان رشدي) تصلح لأن تكشف وتثبث موضوعين في آن واحد، فلنقف على تكملة هذا النص الذي يقول الإمام فيه(إنّ سفراء دولة المجموعة الأوروبية يعودون إلى طهران مجللين بالعار نادمين على ما فعلوا، وربما أن دول المجموعة الأوروبية لم تكن تتوقّع هذا الخزي والعار في محاولة تحقيق هدفها المشؤوم)[24].
أولاً: إنّ هذا النص يأتي منسجماً مع خطاب الإمام الثوري الذي كما أشرنا سار على وتيرة مضمونية واحدة بعيدة عن المجاملة الدبلوماسية، وهو نص كما النصوص الأخرى التي ترتقي بالخطاب النظري للإمام في سياق المواجهة مع الغرب إلى حالة عدم ربط ثوابت هذا الخطاب بمجاملات واقع التفاعل الميداني مع الغرب بدافع الحاجة إلى مبدأ العلاقة مع الدول الغربية، فهذه الحاجة ـ كما أشرنا ـ هي حاجة غريبة قبل أن تكون حاجة إسلامية وهذا المعنى بدوره يرتبط بمعنى آخر.
ثانياً: والمعنى الآخر الذي يوحي به النص أيضاً يتجاوز الكشف عن استراتيجية الردع الغربية إلى إثبات المضمون الوهمي, الذي تتحرّك به هذه الاستراتيجية.
لقد فجّر خطاب الإمام الخميني السياسي إزاء الواقع الدولي والغربي تساؤلات كبيرة وخطيرة ومهمة، لاسيّما فيما يتعلّق في موضوع العلاقة مع الغرب، أو الحوار معه، أو مقولات الانغلاق والانفتاح إزاءه، أو مقولات العزلة والانزواء الذي قد يجرّه منهج الإمام التعاملي إزاء الغرب بما انطوى عليه من تشخيصات سابقة تطرّقنا إليها في سياق هذا البحث، أو حتى فيما يتعلق بشعار سياسة(لا شرقية ولا غربية) كخيار حكم مسيرته السياسية، وكمؤشر لسياسة الدولة التي أرسى بناءها، فهذا الشعار شكل جزءً من منظومة الفكر السياسي التي عمل بها الإمام، وهي منظومة مترابطة لا يمكن تفكيك أجرائها، وعزل مفاهيمها وإعمال هذه المفاهيم بحركة انفرادية منفصلة.
إنما هي منظومة تعمل مجتمعة، ويكمل بعضها بعضاً في الحركة السياسية، فشعار( لا شرقية ولا غربية) أثار تحفّظات ومخاوف حقيقية ووهمية من إمكانية تطبيقه، أو من إسقاطاته العازلة للحركة السياسية الإسلامية عن الواقع السياسي الدولي بما فيه الواقع الغربي والرؤية إزاءه والتي نحن بصددها، ومن هذه التحفّظات ما يقول: (ثم يطرح الخطاب الإسلامي المعاصر شعاراً بعنوان (لا شرقية ولا غربية)، مع أنّ الباحث في التراث الإسلامي، يجد أنه لا مبرر لمثل هذه الدعوة، وهي تكشف عن تسرّع في الأحكام، والموقف التراثي يناقض ذلك من حيث: أنّ في القرآن الكريم العديد من الكلمات، غير عربية ومنها القلم(سريانية)، القرطاس(يونانية)، ثم (صراط)، و(سندس) و(استبرق) والتي يرجعها بعض الباحثين إلى أصول فارسية، وبذلك يبدو الخطاب الإسلامي خطاباً منفتحاً على الحضارات الأخرى غير العربية، شرقية وغربية، وربما يكون في ذلك ما يمثّل درساً للمسلمين في ضرورة الانفتاح على الحضارات الأخرى، وبذلك تكون مسألة الانفتاح مسألة مشروعة)[25].
إنّ ما تضمّنه هذا البحث فيما مضى من فقراته يشكّل إجابات حول هذه الإشكالات، وهي إشكالات كما يبدو لا تنطلق من واقع حيادي أو قراءة حيادية، فهذا الشعار ومجمل رؤية الإمام الخميني التي تطرّقنا لها لا تلغي ضرورات التفاعل الحضاري مع العالم, بل هي رؤية تسعى إلى التكامل معه ولكن بشروط التوازن والطموح نحو حركة إنسانية (حزب المستضعفين) تعمل على إزاحة الظلم القائم في سلوكية الدول الكبرى وبالأخص الدول الكبرى الغربية، ولكن لأن خطاب الإمام طغى عليه طابع المقاومة والمواجهة، فبعض القراءات إما أنها استثمرت طغيان هذا الطابع، أو أنها وقعت في خطأ قراءة منهجي أدّى بالنهاية إلى إيجاد هذه المخاوف التي تحوّلت في مجالات أخرى إلى إرباك في رؤية تيار من الإسلاميين إلى الضوابط الدقيقة التي تحكم التعامل مع الغرب، والمقاييس التي على ضوئها يعرف هذا التيار أين حدود الانفتاح؟ وأين حدود الانغلاق؟ ما هو الأصل في الرؤية؟ وما هي التفريعات أو التطبيقات التي تخضع للمرحلة والواقع السياسي الدولي والغربي المتحرك؟ وما هي الحدود الفاصلة بين التكتيك وبين الإستراتجية ؟ ولقد أخذت هذه الأسئلة صداها، انطلاقاً من مجالات المواجهة المتعددة وشموليتها وطبيعتها والخلفيات التاريخية لها فـ(في ضوء ذلك، انطلقت الحركة الإسلامية في مواقع التحدّي في داخل الضوضاء السياسية المتحركة في خط العنف الذي لم تصنعه هذه الحركة، بل كان موجوداً بفعل الهزّات السياسية المتنوعة التي فرضتها القضايا الكبيرة المتحركة على أكثر من خط، مما جعلها معنية بتثبيت موقعها على الأرض، وتأكيد مواقفها، وتحريك شعاراتها من أجل إيجاد قاعدة واسعة في الساحة الإسلامية العامة بحيث تستطيع أن تقف في خط المواجهة من موقع القوة، مما جعلها تشعر بالحاجة إلى الاستغراق في تعبئة الطاقات الشعبية الإسلامية بالفكر الإسلامي الثوري الذي تنطلق ثوريته لتحدد له مساره في ساحة الصراع، ولتدفعه إلى المواجهة من خلال بعض المواقف البارزة في دلالاتها السياسية، ولتفصله عن الاندماج في التيارات الأخرى التي سبقته إلى الساحة، وعملت على احتواء الذهنية العامة بطروحاتها وشعاراتها السياسية الفكرية وأساليبها في العمل، ومنهجها في التحرّك الأمر, الذي يجعل عملية الفرز الفكري والسياسي بحاجة إلى كثير من الجهد، في تأكيد الفواصل التي تثير العقدة هنا، وتنصب الحواجز النفسية والمادية هناك، وتحرّك بعض الأوضاع الخاصة التي تحمي الذهنية الإسلامية من عدوان الفكر والضلال)[26].
وفي ظل الحاجة إلى تأسيس المشروع الإسلامي وتحصينه (يكون الانغلاق المؤقت، والعزلة المرحلية، خطّاً سياسياً على مستوى الطرف المحدد، أو الموقع المحدد، ريثما تزول بعض السلبيات أو تتجمّد بعض المشاكل الصعبة أو تختفي من الأساس.. وهذا هو الذي قد يفسر بعض حالات الانغلاق أو العزلة، فيما يمكن أن يتمثّل في مبادرة بعض الإسلاميين في هذا الاتجاه، كنتيجة لاجتهاد سياسي معيّن في تقويم المرحلة أو في فهم الساحة، بحيث يشعر هؤلاء بأن الانفتاح قد يوقع الكثير من أعداء الإسلام للإلتفات عليه في مواقعه الداخلية الحصينة، في غياب الحالة النفسية الرافضة للأوضاع السياسية الطارئة المحصنة بالكثير من وسائل القوة والهجومية، وبذلك يكون الانغلاق محاولة لتثبيت الموقع وتأصيل الشخصية، وتحصين الساحة، بحيث تنطلق إلى الانفتاح. في الظروف الأخرى ـ على أساس ما تملكه من قوة كبيرة لا تضعفها العواصف القادمة من هنا وهناك)[27].
ومن خلال هذا الفهم يتّضح الخط الفاصل بين الانفتاح والحوار مع الغرب، وبين العزلة والانزواء، فهذا الخط يتجسّد أولاً: بحركة الواقع السياسي(مرحلياً)، وبصلابة الأرضية التي يقف عليها المشروع الإسلامي ثانياً، وبضمان تصاعدية حركة هذا المشروع، وحفاظه على استقلالية قراره السياسي ثالثاً.
وبعد ذلك فإن القيادة الإسلامية هي التي ترصد مؤشرات هذا الخط، ومن ثم تقرر على ضوء هذه المؤشرات، فيما إذا كانت المرحلة تتطلب الحوار، أو أنها تتطلب (الإنكماش الإيجابي) الذي يخصّ المسيرة، ومن هنا لا توجد اطلاقات نهائية، كما أنّ شعار (لا شرقية ولا غربية)، ليس دعوة إلى العزلة بقدر ما هو دعوة إلى الحوار المتكافئ الذي يحفظ الهوية الإسلامية, ويؤسس للشخصية الإسلامية, ومن هنا يبدو أنّ الأصل في رؤية الإمام إلى الغرب وغيره هو التفاعل المتوازن المتكافئ, ولا يوجد طريق لذلك إلا المواجهة الواعية.
أولاً: إنّ رؤية الإمام إلى الغرب والحضارة الغربية تأتي في سياق الإطار الكلي لرؤيته إلى واقع العالم السياسي بقواه الكبرى, وتكتلاته وأنظمته ومؤسساته الدولية, وهي رؤية تقسم هذا العالم إلى معسكرين: شرقي وغربي.
ثانياً: وهذه الرؤية الشمولية لواقع العالم التي تأتي كشرط من شروط تأسيس هوية المشروع الإسلامي، وتأسيس الوعي الثوري ومن ثم تحصين هذا الوعي برؤى ونظريات ثابتة، لا تلغي تمايز الرؤية إلى الغرب, انطلاقاً من واقع مواجهة إسلامية ـ غربية ميداني في إيران وفلسطين, وعموم البلدان الإسلامية, جعل من الغرب الخصم الأكثر مسؤولية عن معاناة المسلمين، فضلاً عن تيارات التغريب التي تعمل في واقعهم بما يفقدهم هويتهم وأصالتهم، وفضلاً عن الواقع التغريبي في شتّى المجالات الحياتية الإسلامية، هذا الواقع ضاعف من التأكيد على وجوبية مقاومته في خطاب الإمام.
ثالثاً: وتفرق رؤية الإمام بين الغرب كأنظمة وحكومات، وبين الغرب كشعوب وحضارة, وقد حاول في المجال الثاني أن يستنهض القيم الروحية التي يمثّل فقدانها الأزمة الحقيقية في المجتمعات الغربية في ظل طغيان المنهج المادي.
رابعاً: وفي ظل رؤية الإمام الشمولية للصراع فهو لم يحدد خطوطاً مسمّاة للمواجهة معه، بل اعتبر الصراع، صراعاً مفتوحاً في كافة الميادين, مع تركيزه على الحرب النفسية التي يخوضها الغرب في سياق هذا الصراع، واستراتيجية الردع والتخويف التي تتأسس على الوهم أكثر مما تتأسس على الحقيقة.
خامساً: وفي ظل تجربة الثورة الإسلامية في إيران، وإدارة علاقاتها الدولية تجسّد مقدار من التعامل والتواصل والتفاعل المشروط مع الغرب، إذ يفترض بهذا التفاعل أن لا يعطل تحت أي ضغط من الضغوط حركة المشروع الإسلامي، وقوة الخطاب الثوري، كما أنه تفاعل محكوم إلى الاستقلال في السلوك السياسي الإسلامي، والتوازن في العلاقات.
أما الثقل الأكبر من التفاعل الذي يصل إلى حد التكامل في وحدة الهدف، يمكن في رؤيته إلى عالم المستضعفين وهو الأساس الذي يمكن أن تنطلق منه مقولة(حوار الحضارات).
سادساً: ويأتي الإنعزال أو الإنزواء في سياق المواجهة كضرورة لتحصين الموقع الإسلامي, أو كخيار مرحلي تقتضيه ظروف المواجهة المحكومة إلى سياقات مختلفة من الحرب النفسية، وهي ضرورة تقدرّها القيادة الإسلامية.
فلا يشكّل هذا الإنعزال أو الإنزواء أساس الرؤية الخمينية للواقع الإسلامي، فهي رؤية تواصلية، ولكنها مشروطة ـ كما أشرنا ـ بالصيرورة التصاعدية للمشروع الإسلامي.
ــــــــــــــــــ
[1] راجع الحياة السياسية للإمام الخميني.
[2] في حديث بمناسبة حلول السنة الهجرية الشمسية23 مارس/1980م.
[3] في كلمة أمام موظفي مدرسة الشهيد مطهري، بتاريخ 10/12/1409هـ.
[4] في نداء إلى حجاج بيت الله الحرام، غرة ذي الحجة1405هـ.
[5] بتاريخ 11تموز 1979.
[6] الوصية.
[7] المصدر نفسه.
[8] في نداء إلى حجاج بيت الله الحرام، في 1400هـ.
[9] في كلمة مع طلبة جامعة مفيدي، بتاريخ 6/8/1458هـ.
[10] في حديث بتاريخ 30 شوال 1400هـ.
[11] الوصية.
[12] الثقافة الإسلامية، العدد الواحد والأربعون، رجب ـ شعبان 1412/كانون الثاني ـ شباط 1992.
[13] جريدة كيهان العربي، العدد(1606)
[14] في عام 1964م.
[15] من خطاب من للمشاركين في مؤتمر القدس العالمي، بتاريخ 9/8/1980م.
[16] من حديث بتاريخ 5/8/1460هـ المصادف 26/11/1981م.
[17] جاء في كلمة رداً على رسالة البابا التي حملها إليه الاسقف كابوجي حول مدرسة النصارى في طهران بتاريخ 22 بهمن ـ شهر رمضان المبارك عام 1400 هـ ـ 15 أغسطس 1980م.
[18] في نداء بمناسبة مولد السيد المسيح عليه السلام، بتاريخ 23/12/1979.
[19] في نداء إلى حجاج بيت الله الحرام عام 1400هـ.
[20] رغم كل الحصار الذي ضرب على فكر الإمام، إلا أن هذا الفكر وجد أثره في الدائرة المسيحية إذ(أمام انهيار القيم الأخلاقية لا تستطيع الديانتان البقاء ساكنتين غير مباليتين، فالمجتمع يتدمر، عندما تنعدم فيه القيم الأخلاقية، الديانتان يحب أن تبادرا إلى التعاون من أجل إعادة تعزيز المبادئ الأخلاقية للإنجيل المقدس والقرآن الكريم، ها هي الدعوة المشتركة أمامنا.
الإمام الخميني بحياته وعمله رسم الدرب الصحيح إلى الله وهو طريق القيم الأخلاقية. القيم الأخلاقية لم تكن تعاليم فقط، بل حياة، وجعلها حياةً بحق من خلال العمل على ترسيخها وممارستها.
الإمام الخميني ذكرنا، بأنه ليس من السهل الإخلاص لتلك القيم الأخلاقية، وخاصة في عالمنا اليوم. ذلك يتطلب كفاحاً دائماً ومستمراً، كفاحاً من أجل الحوار بين الأديان وبذات الوقت الحفاظ على عافيتها وذاتيّتها وهويتها الخاصة. كفاحاً من أجل العيش المشترك القائم على السلام والعدل والمحبة).
الكاثوليكوس آرام الأول كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا مؤتمر حزب الله / مصدر سابق.
[21] د. رياض سليمان عوّاد: الإمام الخميني والاستكبار العالمي والماسونية، ص 48.
[22] بتاريخ 21/3/1989.
[23] من كلمة له بمناسبة عيد الأضحى المبارك 1400هـ.
[24] بتاريخ21/3/1989م.
[25] علي نوح: مجلة المستقبل العربي، العدد(177) ـ ص 135.
[26] آية الله فضل الله، المنطلق، العدد(56) ذي الحجة140هـ / تموز 1989م. من مقال تحت عنوان(الصحوة الإسلامية.. إشكالات ومواقف وتطلعات).
[27] المصدر نفسه.
دراسات الكاتب:
الخطاب الثوري.. البنية، الثوابت، الملامح [1]
الخطاب الثوري.. البنية.. الثوابت.. الملامح[2]
الدول الكبرى.. النظام الدولي..
التخريب الثقافي والفكري: الجامعة ـ الحوزة
الإمام الخميني والنظام الدفاعي
الجذر المعتقدي للاستشراف الخميني
تعليقات الزوار