بسم الله الرحمن الرحيم

 

هل تثبت المقاربة الموضوعية لتجربة الإمام الخميني أنه قدّم منهجاً متكاملاً في النظرة إلى الإستعمار منطلقاتٍ وأهدافاً وخططاً وأساليب, وفي آلية مواجهة ذلك؟

 

هل أن تجربة الإمام العملية كانت تطبيقاً لرؤية في تحديد المشكل, أم أنها إلى البرنامج العملي أقرب؟

 

وهل هذا المنهج – إذا ثبت – أكبر من الخصوصية الإيرانية, صالح لالتزامه على مستوى الأمة في مختلف أجزاء الوطن الإسلامي, أم أنه «ليس نموذجاً في هذا المجال, بل كان علامة فارقة وله ظروفه الخاصة وهو ما وصل به إلى النجاح»[1].

 

هذا ما أحاول الإجابة عليه.

 

ويتركز الحديث على:

 

تحديد الإستعمار, طبيعته, أهدافه, خططه, أساليبه.

 

أولاً: تحديد الإستعمار:

 

والمراد به معرفة من يطلق عليه الإمام هذا التوصيف.

 

من اللافت أن الإمام رغم عدائه المميز لأمريكا يحرص في خطابه الثوري غالباً على الحديث عن الإستعمار الغربي والشرقي معاً, وقلّما استعمل كلمة «الغرب» وحدها في سياق الحديث عن الإستعمار.

 

إنه على العكس من السائد في الأوساط الثورية من تركيز الإستهداف للغرب وحده, يعمد إلى التعميم «الشرق المخادع, والغرب المعتدي»[2].

 

وفي الحديث عن الإستعمار الشرقي لا يقتصر على الإتحاد السوفياتي أو روسيا, بل يخص الصين أيضاً بنصيب وافر من الإدانة.

 

وفي الحديث عن الإستعمار الغربي يركز – بعد أمريكا – بشكل خاص على بريطانيا, خصوصاً عندما يتصل الحديث – بطبيعة الحال – بالمرحلة السابقة التي كانت تقود فيها الدول الإستعمارية.

 

إلا أن اللهجة المتميزة في الإدانة تبقى مقتصرة على «أم الفساد في هذا القرن»[3], الشيطان الأكبر, الإرهابية ذاتاً, أمريكا التي نفخر بعدائنا لها.

 

يقول الإمام:

 

أ – «لقد تصدت اليوم الصين الحمراء الثورية بالإسم, وأمريكا مظهر الإستغلال العالمي, والإتحاد السوفياتي منبع الرياء والكذب, وبريطانيا العريقة في الإستعمار لقمع شعبنا الذي يريد أن يحقق استقلاله دون تمايل إلى الشرق أو الغرب, وها هم يدافعون عن الشاه»[4].

 

ب – «يتحرك الإستعمار اليساري واليميني اليوم يداً بيد للقضاء على أمة الإسلام والدول الإسلامية ( ويسيران معاً ) في طريق تشديد استعباد الشعوب الإسلامية والغارة على رأسمالها الوافر وثرواتها الطبيعية»[5].

 

ج – «هذه المائدة المنهوبة ( إيران ) التي تتعرض منذ مدة طويلة لهجوم اليساري واليميني» ...  «من جهة نجد الخبراء اليساريين الذين يهدفون إلى استعباد الشعوب الإسلامية» ...  «ومن جهة أخرى ( نشهد ) هجوم الخبراء الرأسماليين الأمريكيين الكبار..»[6].

 

ويتكرر دائماً في نص الإمام مصطلح الإستعمار الشرقي والغربي, إلا أن هذا لا يتم أبداً على حساب أولوية التصدي لأمريكا واعتبارها رأس الحربة, ومصدر كل شر, فقد سأله مراسل ال إن. بي. سي عن تعريف الأجانب, فأجاب:

 

«على رأسهم أمريكا التي أصبح نفوذها في كل شؤون الدول معروفاً»[7].

 

ولدى التأمل في قراءة الإمام السياسية نجد أنه ينطلق في هذا التركيز على الشرق والغرب من قناعة راسخة يعتبرها – بحق – شديدة الأهمية في العمل التحرري, تتلخص في أن نهوض الأمة من كبوتها, رهن الخروج من أسر المراهنة على الشرق في مواجهة الغرب وعلى الغرب في مواجهة الشرق.

 

وخلافاً لما قد يتبادر إلى الذهن من أن هذه المعادلة – إن سُلِّم بها – فإنما هي في مرحلة انقرضت وقبل مرحلة تبلور الراهن السياسي, فضلاً عما بات بالإمكان استشرافه.

 

خلافاً لذلك, تبقى هذه المقولة الحقيقية من وجهة نظر الإمام ضرورة شديدة الحيوية حتى في أشد المراحل من استفراد أمريكا بالعالم وهيمنتها عليه.

 

إن المتغير هو درجة المراهنة لا أصلها, وحديث الإمام منصب على الأصل, لا على التفاصيل, وهو يرى أن الحديث عن «مشروع الأمة» يبدأ عندما يُبنى بكل خصوصياته على القناعات الأصلية للأمة وإمكاناتها الذاتية, أما عندما يكون مشوباً بقناعات الآخرين وإمكاناتهم فإنه هجين, فكيف؟ إذا كان الآخر, الغير, الأجنبي, يشكل العمود الفقري؟

 

صحيح أن الإتحاد السوفياتي أصبح الآن في «مهملات التاريخ» وأن روسيا في هامش الجغرافيا السياسية إلا أن إمكانية المراهنة على غيرها, بمستوى المراهنة عليها من قبل, أو دون ذلك تظل قائمة باستمرار، وها نحن نشهد الآن كيف تحول «الإتحاد الأوروبي» إلى إرهاص بديل للإتحاد السوفياتي، والسبب في استيلاد هذا البديل أو ذاك، أن قناعة الوصول إلى الحكم عبر الكواليس ولعبة العلاقات الدولية هي الأكثر انتشاراً, مما يجعل المراهنة على الآخر حتى على الأمريكي مصدر خطر دائم للأمة.

 

والمتأمل في الخط البياني لهذا الحزب أو ذاك في عالمنا الإسلامي يجد بوضوح أن لحظة السقوط في فخ الشيطان هي بدء الإحساس الإبليسي بضرورة«التعقل» فالسياسة فن الممكن! فيشكل هذا الإحساس تبلور تراكم الميل إلى الدعة والمساومة، الذي يشكل حصان «طرادة»، للإنقلاب على الأعقاب.

 

ونجد في طرح الإمام هذا تقاطعاً حاداً بين نهجه السياسي, وكل الإتجاهات التي لا تصدر من الإسلام, حيث يستعصي عليها تعقُّل أن تفرض الأصالة, ويحتم الإستقلال حدية الرؤية إلى حيث يُضطر العمل الثوري لتحمل تبعات هذا الإستعداء, وإن كان باستطاعة هذه الإتجاهات تعقُّل أن إرادة الشعوب تتناقض مع مصالح جميع الدول المستعمرة, مهما أظهرت من التعاطف مع هذا الشعب أو ذاك.

 

والعصي على التعقل يتماهى مع مبدأ «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله».

 

كما يتقاطع طرح الإمام وإن بشكل غير حاد في الظاهر مع كثير من الطروحات التي تصدر من الإسلام إلا أنها لا تمتلك من الأصالة ما يحصنها من الهجانة ونزعة التلفيق وعقدة التبرير, خصوصاً عندما يتوقف إحراز النصر على «وسائل» «وتنازلات» يحجب جامح الرغبة موضوعية تقويمها.

 

وتحكم رؤية الإمام في هذا المجال – تحديد الإستعمار – تجربة تزخر بالأدلة القاطعة وتحسم الجدل.

 

إنها تجربة العالم الإسلامي في الصراع مع الكيان الصهيوني, حيث لم يكن خداع الإتحاد السوفياتي أقل خطراً في الإخفاقات وما آلت إليه, من دور أمريكا.

 

يقول الإمام:

 

«وُلدت إسرائيل من فساد الدول الإستعمارية الغربية والشرقية وتفاهمها, والهدف من وجودها قمع الشعوب الإسلامية واستعمارها وهي تحظى اليوم بالدعم والإمداد من جميع المستعمرين. الإنكليز وأمريكا يحرضون إسرائيل ويحملونها على اعتداءاتها المتتالية على العرب والمسلمين والإستمرار في احتلالها لفلسطين وسائر الأراضي الإسلامية, عبر تقويتها سياسياً وعسكرياً بتقديم الأسلحة الفتاكة لها, والإتحاد السوفياتي يتكفل بقاءها بالحيلولة دون تسليح المسلمين عبر الخداع والخيانة وسياسة اللعب على الحبلين»[8].

 

ويجد المتتبع لنص الإمام أنه يولي هذا الأمر – التعميم في تحديد الإستعمار – أهمية قصوى, فالإستعمار لا يتلخص في هذه الدولة أو تلك, إنه ذهنية مريضة ترى تحقيق سعادتها في مصادرة وجود الآخرين ونهب ثرواتهم, وأية دولة حكمت هذه الذهنية تصرفاتها فهي دولة استعمارية يمينية كانت أو يسارية أو غربية أم شرقية.

 

بل إن الإمام يرى أن إدراك الأمة لهذه الحقيقة هو المنطلق الوحيد لاستعادة الحرية والإستقلال والحقوق المغتصبة.

 

باليأس من جميع الدول الإستنعمارية يتم التأسيس لوعي أصيل يمكّن من إطلاق «مشروع الأمة».

 

وجّه مراسل التلفزيون البريطاني إلى الإمام السؤال التالي:

 

نلاحظ اليوم أن كثيراً من الشعوب الإسلامية تنمو فيها نهضة إسلامية مثل تركيا, الباكستان, «... » فما هو السبب؟

 

أجاب الإمام:

 

«لقد أدت الحملات الإعلامية لدول الشرق والغرب على نطاق واسع إلى أن تطلب الشعوب الإسلامية الدعم منها ظمناً بأن تطورهذه الدول الضعيفة رهن الميل إلى أحد هاتينالقوتن الأعظم, إلا أنهم كلما مالوا إلى طرف كانوا يكتشفون بعد فترة أنه لا يتحرك إلا في خط استعبادهم ومصادرة خيراتهم ونهب ثرواتهم» ...  «ولأن ( المسلمين في ) الدول الإسلامية أدركوا – من خلال تصفحهم لتاريخ ( العلاقة بالقوى العظمى ) هذه الحقيقة المرة – أن جميع مصائبهم من هذه القوى العظمى, كان من الطبيعي أن يعرضوا عنها ويُقبلوا على الإسلام» ...  «إن المسلمين وبعد سنين متمادية في الغفلة يعيشون اليوم إرهاصات اليقظة وما يزال إقبالهم على الإسلام في بداياته, والأمل أن يتعمق توجههم إلى الإسلام ويعرفوا الإسلام كما هو, عندها تنتفي ميولهم إلى الشرق والغرب نهائياً ويبذلون الأرواح لتطبيق أحكام الإسلام»[9].

 

ومن الواضح أن الإمام يريد أن يفتح الآفاق على أن الصحوة الإسلامية التي يشهدها العالم الإسلامي ليست حالة عابرة, وإنما هي نتيجة اكتمال دورة اختبار الأمة للأطراف الفاعلة على الساحة الدولية, واليأس منها, الأمر الذي يعطي العودة إلى الإسلام بعداً آخر ينبغي التوفر على استلهامه.

 

ولا يفوت الإمام أن يؤكد في كثير من المناسبات على أن جذرية الرفض للإستعمار لا تعني الوقوع في أسر العقدة من الأجنبي, بل ينبغي التفريق بين الدول المستعمرة وشعوبها.

 

رداً على سؤال لمراسل «فرانس برس»،يقول الإمام:

 

«أنا أدين الدول الكبرى المعتدية» ...  «لا شعوب هذه الدول, وأنا أشكر الناس الغربيين الذين دافعوا عن شعبنا»[10].

 

«بالإضافة إلى أننا لا نضمر أية نية سوء للشعوب في الغرب, فإننا نُكنّ لهم مشاعر الوُد إلا أننا لا ننظر بإيجابية إلى الدول التي أساءت معاملة الشعب الإيراني, على أية حال فإن موقفنا تجاه الغربيين موقف عادل ولن نقف على الإطلاق من أحد موقفاً ظالماً»[11].

 

غير أن ذلك لا يعني إعفاء الشعوب في الدول المستعمرة من المسؤولية مطلقاً, فإن عليها أن تقول كلمتها في ممارسات حكامها, خشية أن تؤدي هذه الممارسات إلى تأجيج روح العداء بين الشعوب.

 

يقول الإمام:

 

«إن شعبنا متنفر من حكومة أمريكا ودولتها, بسبب الهيمنة الأمريكية» ...  «وأنا قلق من أن تؤدي هذه التدخلات إلى تنفر الشعب الإيراني من الشعب الأمريكي, يجب على الشعب الأمريكي أن يحمل دولته على عدم التدخل في شؤوننا الداخلية»[12].

 

«إننا نفرق بين الشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية ونريد من الشعب الأمريكي أن يدعم الثورة في إيران»[13].

 

ولا تقتصر إيجابية الإمام على النظرة إلى الشعوب, فهو يؤكد أن أية دولة مستعمرة تقرر أن تضع حداً لممارساتها الجائرة, وتفتح صفحة جديدة على قاعدة حفظ الحرية والإستقلال والإحترام المتبادل, فإن التعامل معها سيكون على هذا الأساس, فالموقف من هذه الدول ليس محكوماً للمواقف المسبقة, بل يحكمه موقف مبدئي ضد روح التسلط والإستعمار.

 

«ستكون علاقاتنا مع أمريكا وكذلك مع سائر دول العالم على قاعدة الإحترام المتبادل لن نعطي لأمريكا حق تقرير مصيرنا»[14].

 

«في الحال الحاضر يقف الإتحاد السوفياتي والصين في الصف المعادي لشعبنا من خلال دعمهما للشاه وفي المستقبل ستبنى سياستنا الخارجية على أساس ضمان حرية البلد واستقلاله والإحترام المتبادل وعليهم أن يتخذوا قرارهم وفقاً لذلك»[15].

 

وهكذا يتضح أن قراءة الإمام متأنية وهادئة, بعيداً عن ردات الفعل والإسقاطات, منطلقة من رؤية عميقة ترفدها التجربة.

 

إن إخفاقات حركة التحرر التي أصبحت طابعها العام, ترجع إلى أنها ولدت في الغالب مرتهنة, وكافحت وهي ترسف في الأغلال, وسلامة القصد وحدها لا تجدي.

 

هنا بالتحديد, يجب البحث عن الأزمة الثورية التي يعاني منها العالم بأسره, والتي تجعل بعض دعاة التغيير بالأمس أشرس «المحافظين» و «اليمينيين» يُنظّرون لراهنهم كما كانوا يُنظّرون لمستقبل ثوري, يتبرؤون الآن منه.

 

إن تجاوز حركة الممانعة والإعتراض لأزمتها الخانقة رهن القناعة باعتماد استقلالية القرار الثوري, فبذلك وحده يتم التأسيس لفعل استراتيجي, تتراكم تداعياته, ليستعصي على مسارب التمييع, وأمراض التآكل والإنقلاب على المواقف.

 

يقول الإمام:

 

«إن التنمية والإستقلال والحرية في ظل تدخل الأجنبي من أية جنسية ومنهج, وأية مدرسة فكرية في أي أمر من أمورنا السياسية أو الثقافية أو الإقتصادية أو العسكرية ليست إلا حلماً وخيالاً لا أكثر, إن أي شخص في أي موقع كان» ...  «يسمح بتدخل الأجنبي» ...  «صراحة أو بواسطة الطروحات التي تؤدي إلى استمرار تسلط الأجنبي أو التسبب بتسلط جديد, هو خائن للإسلام والوطن, ويجب الإحتراز منه, وذلك لأنه مع تدخل الأجانب, خصوصاً أمريكا والإتحاد السوفياتي وبريطانيا فإن أي نظام يصل إلى الحكم لن يكون إلا وسيلة لإبقاء الشعب متخلفاً واستمرار تعاسته وحرمانه من جهة واستمرار النهب والتجبر والقمع من جهة أخرى»[16].

 

ولئن كان الإتفاق على مفهوم «استقلالية القرار» يستدعي حواراً جاداً في الإطار التحرري بشكل عام, فإن إمكانية الإتفاق على مفهوم «التوكل على الله» في الإطار التحرري الإسلامي يبدو أقرب منالاً, خاصة, وأننا أمام تجربتي الجمهورية الإسلامية, وثمرتيها المباركتين المقاومة الإسلامية، وامتداد الإنتفاضة الإسلامية في فلسطين.

 

ولا يلغي مفهوم التوكل على الله تعالى, استنفارَ الوعي السياسي والحكمة وترتيب الأولويات إلا أن لذلك كله حداً هو أن لا يلغي مبدأَ التوكل على الله ويستبدله بالتوكل على هذا المعسكر أو تلك الدولة أو هاتيك المعادلة المادية, تنكراً للواقع – وهو غيب وشهادة – بحجة الواقعية.

 

يقول الإمام:

 

«لو أن الدول الإسلامية اعتمدت على الإسلام بدلاً من الإعتماد على المعسكر الشرقي أو الغربي وجعلت نصب عينها تعاليم القرآن المنيرة والتحررية وعملت بها لما كانت اليوم مرعوبة من فانتوم أمريكا مقهورة ( الإرادة ) لإرادة الإتحاد السوفياتي الشيطانية المتواطئة والمخادعة»[17].

 

ثانياً: طبيعة الإستعمار:

 

من بديهيات العمل التحرري معرفة طبيعة المستعمر, بنائه النفسي والذهني, طرق تفكيره, وقناعاته ثوابتها والمتغيرات, وسائر مكونات شخصيته وموقفه.

 

وإذا كانت أية مواجهة ولو على صعيد واحد تقتضي معرفة كل من الطرفين بالآخر, فكيف يمكن للمواجهة الشاملة وفي شتى الصعد السياسي منها والثقافي والإعلامي والإعلاني والإقتصادي والأمني والعسكري أن تتعايش مع التقصير في معرفة المستعمر, فضلاً عن الإقتصار على العموميات, فضلاً عن انفصام الشخصية في إدارة عملية المواجهة معه الذي يصل أحياناً إلى حد اعتباره القدوة والعدو في آن, ويصل كثيراً إلى مراتب من ذلك تختلف شدة وضعفاً.

 

أن تصدر المواجهة للمستعمر من ثقافته, وتفكير بذهنيته, وتعتمد أساليبه محكومة بعقدة النقص إزاءه, فذلك يعني أننا أمام نحو استنساخ للإستعمار عاجز عن محاكاته طامح إلى منافسته إلا أن ضعف العدة واختلاف مصب الإهتمام وإن في الظاهر يحتم الإستنمرار في «منازلته», وسرعان ما تتبدى الأمور على حقيقتها, فإذا بالثائر بالأمس دمية المستعمر اليوم, ولا غرابة في ذلك فلقد ظهر الخبيء وانكشف المستور.

 

هذه الحقيقة لا بد من استحضارها, عند محاولة تفسير ظاهرة التقاعد الثوري بكل ما تحفل به من سوداوية وظلامية وإحباط غالباً ما تؤول إلى الردة. وهو خطر يتهدد كل فصائل التحرر الوطني بشتى اتجاهاتها, إسلامية وغيرها.

 

قبل ن نلعن الظلام, لنتأكد من سلامة الشمعة التي نزعم أننا سنهتدي بها, ولا يكفي أن نشعل أية شمعة, فقد تكون بداية النهاية.

 

ولا سبيل إلى ذلك إلا بمعرفة طبيعة المستعمر.

 

إن مدىً زمنياً يتجاوز نصف قرن في مراقبة الإستعمار ومواكبة مؤامراته, مكن الإمام وهو القلب المتوهج والعقل المتوقد, والروح الوثابة أن يبدع في تشخيص طبيعة الإستعمار, فيصبح المرجعية الحَكم في ذلك, خاصة وأنه ارتكز في رصده لهذه الطبيعة إلى فرادة تخصص نوعي في القراءة الآفاقية والأنفسية جعلته «خاتم الحكماء الإلهيين[18]» الذين لا يشق لهم غبار في اكتناه خصائص النفس البشرية, وتشريح إشكاليات اشتباكها بالسلطة والإستئثار.

 

وسنجد أن رصيد الإمام العرفاني حاضر أبداً في حديثه عن الإستعمار, فهو ينطلق من مقولة تلازم الدين والسياسة بل تماهيهما, الأمر الذي يحوّل خندق المواجهة مع الإستعمار إلى محراب, كما هو المحراب خندق ومتراس, حتى لا تبقى إمكانية للفصل بين التسلط السياسي ومساويء الأخلاق, أو بين القوى العظمى وحب الدنيا والنفس الأمارة بالسوء أو بين أمريكا والشيطان.

 

يقول الإمام:

 

«في هذا العصر الذي نعيش, حيث تعاني الدنيا من القطبين القويين فإن مرارة العذاب التي يتجرعها قادة تلك الدول, وضروب القلق المدمرة التي تعصف بكل قطب تجاه الآخر, لا يمكن أن تقارن بها آلام الشرائح المتوسطة وغير الفقيرة ومشاكلها.

 

إن التنافس بينهم ليس تنافساً بنّاءاً بل هو تنافس مدمر وكأن كلاً منهم في مقابل الآخر ذئب مفترس يقف فاغراً فاه شاهراً أسنانه الحادة يريد افتراس الآخر»[19].

 

ونقرأ في وصيته:

 

«وشعبنا بل الشعوب الإسلامية, ومستضعفو العالم فخورون بأن أعداءهم الذين هم أعداء الله العظيم والقرآن الكريم والإسلام العزيز هم حيوانات مفترسة, لا يتورعون عن ارتكاب أية جناية وخيانة لتحقيق أهدافهم المشؤومة» ...  «ولا يميزون في طريق الوصول إلى الرئاسة وتحقيق مطامعهم الدنيئة بين العدو والصديق وعلى رأسهم أمريكا الإرهابية ذاتاً, هذه الدولة التي أضرمت النار في جميع أرجاء العالم, وحليفتها الصهيونية العالمية التي ترتكب لتحقيق مطامعها جنايات تخجل الأقلام والألسنة عن كتابتها وذكرها»[20].

 

ويلاحظ هنا أن توصيف المستعمر الأمريكي وغيره بالحيوانات المفترسة قد تكرر في النصين فهل هو من باب المبالغة, والنزوع إلى إطلاق أسوأ الأوصاف على العدو, أم أنه مصطلح مدروس تم اختياره بدقة.

 

ويكشف رصد هذا المصطلح في نص الإمام أنه يلتزم معناه بكامل دلالته, بل ويعتبره الأساس الذي يفرع عليه كل التوصيفات التي اعتمدها لكشف طبيعة الإستعمار العدوانية والمفترسة.

 

ويرجع اختيار الإمام الدقيق لهذا المصطلح إلى الرؤية القرآنية عن الإنسان والحيوان والتي نجد تكثيفاً لها في الآيتين:

 

{َالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ}محمد 12

 

{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} الفرقان 44

 

ولا يمكن فهم موقف الإمام من الإستعمار وعملائه الحكام الدمى, إلا في ضوء هذه الرؤية ومرتكزاتها القرآنية.

 

وليس في التذكير بذلك التباس بين الأخلاقي والسياسي, بل هو غوص في العمق السياسي لمعرفة مكامن النزعة الإستعمارية التي تتوقف الواقعية في العمل التحرري على مدى معرفتها.

 

ويستدعي إيضاح منطلق الإمام في هذا التوصيف لطبيعة الإستعمار, الرجوع إلى نصوصه بهذا الصدد.

 

«يختلف الإنسان عن سائر الحيوانات في أن للحيوانات حدوداً في روح الإفتراس فيها» ...  «أما الإنسان فليس محدوداً,لا في بُعد الفضائل ولا في بُعد الرذائل».

 

«في البعد الأول يصل إلى حيث تصبح كل صفاته إلهية».

 

«وفي البعد الثاني يصل إلى جميع مراتب الظلمة ( يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) جميع الظلمات وذلك لغلبة الشهوة والإفتراس والشيطنة...»[21].

 

«إن للإنسان ملكاتٍ لا تظهر هنا, إلا أنها تظهر في الصفحة التالية صفحة ظهور السرائر, بأشكال مناسبة, فمن يكون الآن في صورة إنسان, قد تكون ملكاته الباطنية غاية في السوء, وعليه فهو الآن حيوان مفترس وليس إنساناً, إن ذاته ذات حيوان مفترس»[22].

 

ما ذكر ليس إلا مفتاحاً نستحضر به رؤية متكاملة حفل خطاب الإمام السياسي بالعناية بها والصدور منها, الأمر الذي يكشف بجلاء أنه استعمل هذا المصطلح وهو يتبنى كامل دلالته.

 

ولا مجال على الإطلاق لقراءة متسقة لتجربة الإمام بمعزل عن هذه الرؤية, كما لا يمكن الإنتماء إلى خط الإمام, والنسج بمنواله إلا انطلاقاً منها.

 

إن معرفة طبيعة الإستعمار, تشكل إحدى أهم الضمانات لجذرية العمل التحرري, وصلابة عوده وديمومته, وتبرز أهمية هذه الضمانة بصورة خاصة في تحديد الموقف من وعود المستعمر وعهوده التي قد يبادر فيقطعها على نفسه عند تصاعد المد الثوري بهدف خداع الجماهير أو قياداتها، وفي تحديد الموقف من التفاوض معه في الشأن السياسي, أو الحوار معه في الشأن الفكري, وبديهي أن الحوار مع الشعوب في الدول المستعمرة باب آخر لا علاقة له بموضوع البحث، شرط أن لايتخذ ذريعة للمساومة كما هو الحال!!

 

وبالرغم من أن من يمتلك ناصية معرفة طبيعة المستعمر لا يوصد أبواب الإفادة الممكنة من نقاط ضعف العدو, إلا أنه سيكون عصياً على محاولات الإيقاع به محصناً – في هذا المجال – إلى أقصى حد ممكن.

 

وقد شكلت نظرة الإمام هذه إلى الإستعمار الأصل الذي صاغ من مداره كل المفردات التي يزخر بها خطابه السياسي التعبوي في توصيف المستعمرين, ومنها:

 

أ – القوى الشيطانية[23].

 

ب – القوى الجهنمية[24].

 

ج – اللصوص الدوليون[25].

 

د – مصاصو الدماء[26].

 

هـ - الجشعون[27].

 

و – المغيرون الرحَّل[28].

 

ز – الذين ملأوا الدنيا دماً ودماراً ودفنوا عشرات الآلاف من أجل شهواتهم[29].

 

ويؤكد الإمام أن المستعمرين عاجزون عن إدراك البعد المعنوي, ولا وجود للقيم في قاموسهم.

 

وبديهي أن الإنسان إذا تنكر للقيم فهو مجرد حيوان, فإذا امتلك من أسباب القدرة ما يمكنه من التسلط, بادر إلى ذلك مهما كان الثمن, ولن يتعامل مع كل من يحول بينه وبين إشباع غريزته إلا بروح الإفتراس.

 

يقول الإمام:

 

«الماديون لا يفكرون إلا بالمادية, لا يمكنهم التفكير بغير ذلك, لا يمكنهم أصلاً أن يفهموا ( مثلاً ) معنى الشرف, إن الشرف بالنسبة إليهم أن يكون أثاثهم فاخراً, أن تتعدد العمارات وأن تكون هندستها مميزة».

 

«لا يفكرون بالإنسانية أبداً, ليسوا في هذا الوارد, ولو أنهم كانوا يفكرون بذلك لعبّروا عن أسفهم لقتل هذا العدد الكبير من الناس في إيران من المفكرين والعلماء الأبرياء والمظلومين ومن النساء والأطفال والصغير والكبير إلا أنهم لم يعبروا عن أسفهم أبداً, بل لا يرون ذلك مورداً للأسف إنهم يرون أن عدداً من الذين كانوا يحولون دون تحقيق مآربهم قد قتل».

 

«أما عندما يقتل» هويدا «فإن صوتهم يرتفع, يتأسفون, هؤلاء لا يتصورون وجود شيء» ...  «اسمه البعد المعنوي».

 

«بالنسبة إلينا ثمة أمور أخرى قائمة في هذا العالم غير العمارة والسيارة, وغير القدرة الحيوانية إن ذهن أمثال كارتر لا يستوعب هذه الحقيقة ولا يمكنه التفكير بها, هذا السناتور الأمريكي الذي اعترض على هذه الإعدامات, لا يمكنه أن يدرك أن في العالم شيئاً آخر غير الحيوانية».

 

«الإنسان الذي يفكر بأن في الدنيا أموراً أخرى لا يمكن أن يكون كل همه أنه لم يعد يحصل على النفط مجاناً أو أن فلاناً خدمنا وكان قتلُه للناس لصالحنا».

 

«البعد المعنوي هو الميزان, طبعاً أولئك الذين لا يفهمونه ليس لهم إلا عين حيوانية وكل إدراكهم حيواني, العين عين حيوان والإدراك إدراك حيوان وكل شيء يدور عندهم مدار البعد الحيواني».

 

«هذه الدول يجب أن تكون طعمة لأمريكا, تصطاد منها ما يحلو لها, ومن يحول بينها وبينه فهو مدان, يدينه الكونغرس الأمريكي, لا يمكنهم أن يدركوا غير ذلك, لقد تربوا عليه منذ الصغر, وعندما يتحدثون عن حقوق الإنسان, فإنهم لا يدركون منها إلا هذه الطبيعة المادية, أما الحقائق المعنوية فإنهم لا يستطيعون فهمها»[30].

 

ويكفي التأمل في هذه النصوص – وهي غيض من فيض – والتنقل بينها وبين مشاهد التشوه النفسي والخلقي للمستعمر التي تتبدى جلية في الموقف والممارسة, لندرك أننا بحاجة إلى التذكير الدائم بهذه الحقيقة المغيبة - بل المجهولة- إلى الحد الذي بات فيه الحديث عن مواجهة الشيطان الأكبر الأمريكي يعتبر في كثير من الأوساط ضرباً من الجنون, بحجة أن أمريكا تمسك بكل مفاصل القدرة في أربع رياح الأرض عبر ثالوث المال والتكنولوجيا والمخابرات!

 

لا مجال لاستئصال هذا الوهم السرطاني, إلا بجذرية الرؤية التي تزداد تجذراً ورسوخاً كلما ازداد المستعمر سطوة, وبطشاً.

 

إنها الرؤية التي لا تتعامل مع الواقع بطوباوية من يدرس بعض الواقع «عالم الشهادة» وإنما تتعامل معه بواقعية لأنها تحدق في الواقع كله, بعده المادي, وبعده المعنوي «الغيب والشهادة».

 

وتحت هذا المجهر, المجهر, تظهر صورة المستعمر على حقيقتها شوهاء نكراء ليس بينك وبينها إلا ما بينك وبين الذئب الكاسر, حد السيف, وخزين الحكمة في وجه الخطر الداهم.

 

شتان بين من يواجه المستعمرين وهو ينطلق من يقين أين منه الطود بأنهم حيوانات مفترسة وبين من يواجههم من منطلق إمكانية التفاهم معهم أو إقناعهم بوجهة نظره, ريثما يسمح له وزنه «الثوري» بذلك.

 

أوضح مثال ما شهده الصراع مع العدو الصهيوني, إن مرض القناعة العضال بإمكانية التفاوض قد أوصلنا إلى أن يعطي البعض عبر المفاوضات أضعاف ما سلب بالبطش والمجازر, في حين أن واحة الضوء اليتيمة في لبنان وفلسطين لم تسطع إلا في هدي رؤية الإمام الجذرية التي لا تترجم عملياً إلا بالجهاد وفوار الدم, دون اكتراث بلهاث المهرولين في عصر انعدام الوزن.

 

ثالثاً: أهداف الإستعمار:

 

ونحن نصغي للإمام في حديثه عن أهداف الإستعمار سنجد أنه يشاطر الرؤى الثورية الأخرى في أن الإستعمار يهدف إلى بسط النفوذ وإحكام السيطرة لنهب ثروات الأمة والتحكم بمواقعها الإستراتيجية, ومصادرة وجودها, وتحويلها إلى مستهلك لمنتجاته ولا نجد فرقاً جوهرياً في تحديد الأهداف, لذلك سأكتفي بالإرجاع إلى جملة من النصوص عالج الإمام فيها هذا الموضوع, دون إيرادها[31] وذلك نظراً إلى أن تاريخ الإستعمار الطويل والمرير قد كشف أهدافه للأمة, حتى باتت أوضح من الشمس في رابعة النهار, بخلاف المخططات والأساليب التي ساهمت عوامل متعددة في خفاء بعضها أو تظهير بعضها الآخر في غير حجمه الحقيقي كما سيأتي.

 

رابعاً: خطط الإستعمار:

 

من الطبيعي أن يلجأ الإستعمار إلى رسم سياسة عامة ووضع خطط, تحكم الأساليب التي سيعتمدها ليصب ذلك جميعاً في تحقيق أهدافه النهائية.

 

ويمكن تحديد خطط الإستعمار وسياساته العامة في رؤية الإمام بالتالي:

 

1 - القضاء على الإسلام.

 

2 – تمزيق الأمة وزرع الشقاق في صفوفها.

 

3 – إبقاء العالم الإسلامي رهن التبعية والتخلف.

 

4 – إقامة الكيان الصهيوني.

 

وقد اندرجت تحت كل من هذه الخطط أساليب متعددة, حفل نص الإمام بالتنبيه إليها والتحذير من مغبة الغفلة عنها, أو التساهل فيها.

 

وقد يستغرب البعض إدراج القضاء على الإسلام في عداد الخطط وعدم اعتباره أحد أهم الأهداف, الأمر الذي يستدعي التوضيح.

 

يرفض الإمام أن يمنح الإستعمار شهادة ثقافة وتحضر لا يستحقها, وذلك من خلال الإيحاء بأنه يحارب الإسلام من منطلق ثقافي صرف, من هنا نجده يؤكد أن الإستعمار – رغم معرفته بمكامن القوة في الإسلام – فهو يحاربه بحكم طبيعته الحيوانية, لأنه يشكل السد المنيع أمام تحقيق أهدافه التي تمليها عليه غرائز الجشع والإستحواذ والإفتراس.

 

لذلك ينبغي اعتبار القضاء على الإسلام سياسة عامة للإستعمار وإحدى خططه وهو بعد هدف قريب ومركزي, إلا أنه بالتأكيد ليس هدفاً نهائياً.

 

يقول الإمام:

 

«إنهم يريدون أن يستغلوا ( بلادنا ) ويستولوا على ثرواتها, من هنا كان لا بد أن يعملوا على إزالة الموانع التي تحول بينهم وبين تحقيق مآربهم» ... ».

 

هم يعلمون أن الإسلام ليس كما يقدمونه, لقد درسوا وبحثوا جيداً ولذلك فهم يخططون في ضوء دراساتهم, لقد درسوا النص القرآني, ودرسوا الإسلام وأدركوا أن القرآن كتاب إذا تواصل معه المسلمون, فإنه كفيل بإحباط كل محاولات أولئك الذين يريدون السيطرة على المسلمين, لقد درسوا وعرفوا ما هو القرآن وما هو الإسلام وما هي نصوص الإسلام, وأن المسلمين إذا تربوا على ثقافة هذه النصوص والتزموا بالقرآن وعملوا به, فسيشكل ذلك نهاية هذه الغارات ( التي يشنون ) وألوان التسلط التي يمارسون, فماذا يفعلون.

 

رأوا أنه لا بد من فصل الأمة عن الإسلام[32].

 

بناءاً على ذلك كان من الطبيعي اعتبار «القضاء على الإسلام» في عداد الخطط والأهداف القريبة لا الأهداف النهائية.

 

وعلى العكس ممن يرى أن استهداف الإسلام من الأهداف النهائية, ثمة من يستغرب حتى اعتباره من جملة الخطط لأنه يصدر من قناعة مادية لا تقيم للدين وزناً, وهو في أحسن الحالات لا يعتبر الدين طرفاً في الصراع, وفي أسوأها يزعم أنه أحد أهم عوامل التخلف.

 

أصحاب هذه القناعة هم الشريحة التي نجح الإستعمار في اقتطاعها من الأمة والتي ينبغي أن يشكل الإحساس بآلامها الحافز الأكبر لاستنقاذها, وبذل قصارى الجهد في تعميق تفاعل الأمة مع دينها, وصد حملات التشويه التي تستهدفه.

 

يحتل دفاع الإمام عن الإسلام مساحة كبيرة من نصه, إلى حد أنك وعلى مدى أكثر من ربع قرن, لا تكاد تجد له حديثاً أو بياناً يخلو من التركيز على عظمة الإسلام ورد الشبهات المثارة حوله.

 

وعندما حط الرحال في فرنسا, لم يقتصر خطابه السياسي على مجريات الثورة وجرائم النظام, وإنما اعتبر الفرصة السانحة منبراً للدفاع عن الإسلام وكشف مؤامرات الإستعمار.

 

وتحس بوضوح تميزاً في لهجة هذا الدفاع, يلح عليك أن تدرك سره, تتساءل, هل يكمن هذا السر في أن الإمام فقيه ومرجع, فلا بد وأن يدافع عن الإسلام, وهل يكمن في أن الإستعمار جعل استهداف الإسلام النقطة المركزية لكل أساليبه فكان من الطبيعي أن يبذل الجهد في المقابل بحجم هذا الإستهداف.

 

بالإضافة إلى هذا وذاك يعتبر الإمام أن الإسلام كان وما يزال خط الدفاع الأول عن الأمة وحصنها الحصين الذي تتكسر على أقدامه كل أمواج الغزو العاتية, ولئن أسقط المستعمرون الكيان السياسي للمسلمين, فإنهم لم يستطيعوا أن يسقطوا الإسلام من نفوسهم.

 

بالرغم من كل الأضرار التي لحقت بالتزام الأمة بدينها, فإنها ما تزال وفية له وإن انطلى عليها الكثير من ألوان الخداع.

 

لقد أسقط المغول الكيان السياسي للمسلمين آنذاك, إلا أن الإسلام كان أقوى منهم, فاندثرت حملاتهم وبقي الإسلام.

 

فليست الحملات الإستعمارية بدعاً من العدوان على الأمة, وليست قدراً بل هي موجة عاتية وإن طال بها الزمن, ولا بد أن تزول.

 

من هنا جاء دفاع الإمام عن الإسلام مختلفاً, فهو دفاع عن حصن قائم, وليس بكاءاً على الأطلال, إنه شد الإنتباه إلى سلاح تتهاوى أمامه كل الأسلحة, وهو الآن في قلب المعركة التي تدور رحاها, وعلى كل مسلم أن يأخذ موقعه فيها.

 

سر لهجة الإمام, نفاذ بصيرته إلى العمق, ليرى أن الأمة ما تزال لا تعدل بالإسلام غيره وإن غطى الغبار الأفق, وسدَّ الزبد كل مسارب الضوء.

 

وما مثال مصر منذ كامب ديفيد إلى الآن، إلا نموذج صغير يكشف أن كل ألوان التشويه للإسلام لم تزل قاصرة عن القضاء عليه.

 

وعلى هذا الأساس يرى الإمام أن المعركة الحاسمة مع الإستعمار هي في إفشال مخططه الرامي إلى إسقاط الإسلام في أعين المسلمين, أما المعارك الأخرى, فإنها على خطورتها, تأتي في الدرجة الثانية.

 

وهو يرتكز في ذلك إلى فرادة في النظرة إلى الفطرة, والدين, والإجتماع, تمكنه من التمييز بين الوافد الطاريء, والذاتي الثابت.

 

ونظراً للترابط بين الخطط والأساليب, فسأكتفي حول الخطط بما تقدم منتقلاً إلى الأساليب التي يشكل الحديث عنها حديثاً عن الخطط أيضاً, وإنما وقفت عند «القضاء على الإسلام» لأنه الموضوع المختلف فيه من بين خطط الإستعمار، وما عداه موضع اتفاق, أو يكاد.

 

خامساً: أساليب الإستعمار:

 

وأذكر هنا كل خطة من الأربع المذكورة, ثم أورد في سياقها الأساليب المرتبطة بها.

 

في المجال الأول: القضاء على الإسلام:

 

يؤكد الإمام أن معرفة المستعمرين بقدرة الإسلام على تحصين الأمة ضد مخططاته الهدامة هي السبب الرئيس الذي جعلهم يستهدفون الإسلام بأنواع التهم والإفتراءات وكان من جملة ذلك:

 

1 – تشويه صورة الإسلام:

 

وقد عملوا من أجل ذلك على أكثر من صعيد, مركزين على أمرين:

 

أ – إتهام الإسلام بالتخلف:

 

يقول الإمام:

 

«أحد الأساليب التي اعتمدها الإستعمار في الدول الإسلامية, تقديم الإسلام على أنه متخلف ورجعي» ...  «عمدوا إلى التأكيد على أن أحكام الإسلام ترجع إلى ما قبل ألف سنة»[33].

 

ب – إتهام الإسلام بالتخدير:

 

أولى الإمام عناية خاصة لفرية «الدين أفيون الشعوب» وخصص لها وهو في باريس حيزاً مهماً من بعض خطبه, خاصة وأن إحدى الصحف في الإتحاد السوفياتي – آنذاك قد أبرزت هذه المقولة بالعنوان العريض,فيتحدث الإمام مطولاً عن مواجهة الأنبياء للفراعنة وعن الزخم الجهادي الهائل الذي أطلقه الإسلام في صدره الأول, وما يزال وأن العلماء الحقيقيين لم يكونوا يوماً أداة بيد الرأسماليين للسيطرة على الشعوب المستضعفة»[34].

 

2 – تشويه صورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

 

يقول الإمام:

 

«ومن المصائب على الدول الإسلامية والشعوب المسلمة أن الأعداء في الدول الإستعمارية يركزون منذ سنين طويلة على تشويه صورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتصغيره, لقد عملوا طويلاً من أجل ذلك»[35].

 

وينطلق الإمام في اعتبار ذلك «من المصائب» من الخطورة الفائقة التي تنتج عن الإساءة إلى موقع المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في أذهان المسلمين.

 

يرى الإمام كما تقدمت الإشارة أن المستعمرين درسوا بعناية طبيعة البناء النفسي والثقافي للمسلمين, وعرفوا كل خصوصياتهم.

 

ومن الطبيعي أن يقودهم ذلك إلى فهم الآثار المترتبة على هز اعتقاد المسلمين بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره واسطة العِقد في البناء الإسلامي.

 

من هنا وجدنا أن تصديه لمؤامرة «الآيات الشيطانية» جاء مبكراً, وفوق كل التوقعات وبحجم المؤامرة.

 

ولم ينطلق في ذلك من ردة الفعل, بل أعاد التأكيد على حكم كان قد دوّنه في رسالته العملية «تحرير الوسيلة» قبل ربع قرن حول المرتد.

 

ولقد كان تعاطي الإمام مع كل تهديد للإسلام أو إحدى ركائزه, من موقع المدرك لأبعاد ذلك, الواضع له في سياق اجتثاث جذور الإسلام, واستئصال المسلمين.

 

ولا ركيزة للإسلام تبلغ أهميتها, أهمية الإعتقاد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

3 – إسقاط منطق القرآن:

 

من الأساليب التي اعتمدها الإستعمار محاولة إخراج القرآن من حياة المسلمين.

 

يقول الإمام:

 

«السبب في حربهم على القرآن, أن يفصلوا المسلمين عن القرآن, ويسقطوا منطق القرآن بين المسلمين, حتى لا تبقى للشعوب التي يطمعون بثرواتها أية إمكانية مقاومة»[36].

 

وبديهي أن منطق القرآن, هو المنطق العقلي السليم لا المدعى الموهوم. منطق القرآن, منطق تحرير الإنسان من أسر الباطل خرافة أو طاغوت أو غير ذلك.

 

يقول الإمام:

 

«القرآن الكريم الذي تنزّل من مقام الأحدية الشامخ إلى الكشف التام المحمدي صلى الله عليه وآله وسلم لترشيد العالمين ومحور جمعِ ( توحيد ) لكل المسلمين بل للعائلة البشرية, ليوصلها إلى حيث يجب أن تصل,ويحرر وليدة علم الأسماء هذه ( الإنسانية ) من شر الشياطين والطواغيت ويحقق القسط والعدل في العالم, ويودع الحكومة في أيدي أولياء الله المعصومين عليهم صلوات الأولين والآخرين ليأمروا بكل ما فيه صلاح البشرية»[37].

 

كما يتحدث بالتفصيل عن منطق القرآن التحرري, مركزاً على أن الأصل فيه التصدي للباطل وفراعنته[38].

 

فمنطق القرآن إذاً, هو منطق الحق, والغيب أساس فيه, بل يتماهيان, فليس عالم الشهادة إلا الإنعكاس والظل, من هنا كان منطق القرآن نقيضاً للباطل, والتسلط والإستعباد والإستعمار أسوأ تمظهرات الباطل.

 

4 – تشويه صورة العلماء:

 

من البديهي أن تتقاطع مهمة الإستعمار في القضاء على الإسلام مع إسقاط العلماء في أذهان المسلمين وتشويه صورتهم لديهم.

 

يقول الإمام:

 

«الإسلام سدٌّ في وجه الأجانب وعملائهم والعلماء حماة الإسلام سد لا يستطيع الأجانب بوجوده أن يتصرفوا في الدول الإسلامية كما يحلو لهم, وخصوصاً في إيران, لذا فهم يخططون منذ قرون لتحطيم هذا السد بحيل مختلفة»[39].

 

ويقرن في نص آخر بين القرآن والعلماء فيقول:

 

«بدون القرآن والعلماء لا تستطيع الجماهير أن تقاوم (من القرآن والعلماء تنطلق المقاومة) لقد أوصلتهم دراساتهم إلى أن كلاًّ من القرآن والعلماء سدٌّ في وجه المصالح الغربية, السد هو القرآن والذين فهموه فيجب إذاً تحطيم هذين السدَّين»[40].

 

وفي نص آخر يجمع الإمام بين الحديث عن الإسلام والقرآن والعلماء مؤكداً أن أمريكا هي التي تعمل على تحطيم هذه السدود, التي تحول بينها وبين تحقيق أهدافها:

 

«بالأمس كانت الدول الإسلامية قد ابتليت بمخالب الإنكليز وعملائهم واليوم, بمخالب أمريكا وعملائها (...) إنها ( أمريكا ) التي ترى أن الإسلام والقرآن مضرّان بمصالحها, وتريد إزاحتهما من طريقها.

 

أمريكا ترى أن العلماء عقبة طريق الإستعمار ويجب أن تلقي بهم في السجن وتواجههم بالتضييق والإهانة»[41].

 

كان المستعمرون, وما يزالون, يصرون على ملاحقة العلماء بالتهم وازدراء الدور والطرح والممارسة لتعميق النظرة السلبية بين المسلمين تجاههم, ليصب ذلك في تشويه الإسلام من خلال تشويه حملته, ويخدم الخطة المركزية «القضاء على الإسلام».

 

لذلك نجد الإمام شديد الحساسية أيضاً تجاه هذه المؤامرة, نظراً إلى آثارها الخطيرة.

 

5 – فصل الدين عن السياسة:

 

حيث إن مهمة الإستعمار في تشويه الإسلام شاقة وعسيرة, كان لا بد أن يردف ذلك بمحاولة الفصل بين الدين والسياسة, وقد بذلت جهود كثيرة, في هذا المجال – وما تزال – وقد أثبتت نتائجها – للأسف – أن هذه المؤامرة هي السلاح الأمضى.

 

يقول الإمام:

 

«طبعاً في كثير من الأذهان بل في أكثرها, من الناس وأهل العلم ( العلماء والطلاب ) والمقدسين – أنه ما دخْلُ الإسلام بالسياسة؟ الإسلام والسياسة, منفصلان عن بعضهما» ...  «هذا ما ألقاه في أذهاننا هؤلاء الأجانب, وهذه الحكومات. عندما يريدون أن ينتقصوا معمماً يقولون: شيخ سياسي. هؤلاء لم يعرفوا الإسلام» ...  «أحكام الإسلام السياسية أكثر من أحكامه العبادية,أبواب الفقه السياسية أكثر من أبوابه العبادية» ...  «الإسلام تصدى للظالمين, أمر بالقتال وأمر بالقتل في مقابل الكفار والمعتدين»[42].

 

ونقرأ في مقدمة وصيته:

 

«وقد رأينا كيف أنه إذا تلفظ أحد بشيء عن الحكومة الإسلامية وتحدث عن السياسة التي هي المهمة الكبرى للإسلام والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم, والقرآن والسنة مشحونان بها, فكأنه ارتكب أكبر المعاصي, وكيف أصبحت كلمة «شيخ سياسي» مرادفة لشيخ بلا دين, وما يزال الأمر كذلك»[43].

 

وبالرغم من أن الإمام يحمّل الإستعمار تبعة تأجيج نار هذه المؤامرة «فصل الدين عن السياسة» إلا أنه يرى أن جذورها تمتد إلى عهد الأمويين, فيقول حول ذلك:

 

«إن ذلك مخطط شيطاني تم اعتماده منذ زمن الأمويين والعباسيين, واستمر بعدهم, كلما جاءت حكومة اعتمدته, وأخيراً عندما فتح طريق الشرق والغرب إلى الدول الإسلامية, بلغ هذا المخطط الذروة، زعماً أن الإسلام علاقة بين الفرد وربه ولا علاقة بين السياسة والدين ولا ينبغي أن يتدخل المسلمون ولا العلماء في السياسة»[44].

 

وفي المجال الثاني: تمزيق الأمة, وزرع الشقاق في صفوفها:

 

هنا تطول القائمة لتي يوردها نص الإمام, لتشمل الأساليب الثمانية التالية:

 

1 – إسقاط الدولة العثمانية:

 

«رأى المستعمرون أنه مع وحدة العالم الإسلامي, فلا مجال لفرض ما يريدون» ...  «كانت الدولة العثمانية من القوة بحيث إنها إذا دخلت في حرب مع روسيا فقد تنتصر عليها ولم تكن سائر الدول نداً لها, كانت الدولة العثمانية دولة امتد نفوذها من الشرق إلى الغرب,فرأوا أنهم مع وجود دولة بهذه القوة لا يمكنهم أن يحققوا شيئاً, لا يمكن السيطرة على الثروات «لعل بعضكم يتذكر ماذا فعلوا في الحرب العالمية الأولى بالدولة العثمانية الكبرى»[45].

 

2 – إلغاء الإسلام في تركيا:

 

«رقعة الإنتشار الواسعة ( للدولة العثمانية ) أيام ارتكازها إلى الإسلام, جعلت المستعمرين يدركون أن الإعتماد على الإسلام عنصر شديد الأهمية,ومعه لا سبيل إلى القضاء على الدول الإسلامية, لذلك خططوا لإلغاء الإسلام رسمياً في تركيا, وفصلوا الدين عن الدولة»[46].

 

ومن الواضح أن الإمام يعتبر أن إلغاء الإسلام في تركيا جزء متمم لاستهداف قلب العالم الإسلامي ورمز وحدته, فإسقاط الدولة وحده لا يكفي, بل لا بد من إلغاء الإسلام رسمياً مخافة نهوض الأمة من كبوتها, ومحاولة الأخذ بزمام المبادرة مجدداً, خاصة وأن مسألة تقسيم العالم الإسلامي كانت تحتاج إلى مزيد من الوقت لتصبح أمراً مستساغاً, فضلاً عن أن تصبح أمراً واقعاً، أو أن تنسى الأمة دولتها الموحدة كما هو الحال الآن.

 

3 – التمزيق الجغرافي:

 

«بعد أن انتصروا على الدولة العثمانية, كما هو معروف عمدوا إلى تقسيمها إلى دول صغيرة جداً, وجعلوا لكلٍّ منها إما أميراً أو سلطاناً أو رئيس جمهورية»[47] .

 

4 – التمزيق العرقي:

 

«الأمر المهم الذي أذل الدول الإسلامية, وهو يبعدها عن ظل القرآن الكريم هو لعبة التمييز العرقي, هذا العرق تركي يجب أن يؤدي صلاته باللغة التركية,وهذا إيراني يجب أن تكون أبجديته كذا, وهذا عربي يجب أن تحكمه العروبة لا الإسلام, العرق الآري يجب أن يحكم لا الإسلام, العرق التركي يجب أن يحكم لا الإسلام,عبادة العرق والعنصر هذه مسألة طفولية, أشبه ما تكون بلعبة الأطفال» ...  «للأسف أنهم سلبوا المسلمين نقطة ارتكازهم, وما يزالون, ولا أعلم إلى أين ينتهي الأمر»[48].

 

«إنهم يخافون من الإسلام لأنه دين المساواة والأخوة, ولا وجود فيه للتمييز العنصري, كل ما فيه التقوى والصفاء والأخوة والمساواة,وهم يعلمون أنه إذا طبق الإسلام كما هو في هذا البلد فسيعجزون عن الإستمرار في تجبرهم ونهبهم»[49].

 

ويؤكد الإمام على احترام جميع العناصر والأعراق, وعلى قاعدة المساواة, وأن مصب الإدانة هو التمييز بين عنصر وعنصر أو عرق وآخر, كما هو منطق هتلر, أو حزب البعث العراقي وصدام بل كما هو منطق الإستعمار, فيقول:

 

«لسنا ضد العربية, أو العجمية, أو التركية أو أي عنصر وعرق, ولكن لا بذلك المعنى الذي يقول به حزب البعث في العراق نعم للعرب، ولا للعجم أو للأتراك، أو أي عرق آخر, هذا ما كان يقول به هتلر أن عرقه هو الأرقى وقد فعل بالعالم ما سمعتم أو رأيتم»[50].

 

«كان قد اقتنع هذا الشعب المظلوم إثر الحملات الإعلامية التي أطلقتها القوى الكبرى «المتطورة» والحملات الداخلية التي أطلقها عملاؤهم أن علينا استيراد كل شيء من الخارج, واقتنعنا أو أكثرنا بأن الغرب عنصر أرقى!»[51].

 

5 – التمزيق المذهبي:

 

أحد أمضى الأسلحة الفتاكة, التي أثخنت جسد الأمة بالجراح, سلاح التمزيق المذهبي البغيض.

 

يقول الإمام:

 

«والدول المستعمرة التي تريد الإستيلاء على ذخائر المسلمين

 

» ...  «بحيل مختلفة, منها الخلاف الشيعي – السني, تبث أموراً للإيقاع بين طوائف المسلمين وتلقي الإختلاف بينهم, ليتسنى لها السيطرة على ذخائرهم, ويبقى المسلمون عاجزين عن أي فعل,» ...  «يجب أن يتنبه قادة الدول الإسلامية إلى أن هذه الإختلافات هي التي تذهب بحيثيتهم أدراج الرياح».

 

«يجب أن يواجهوا ذلك بالعقل والتدبير ملتفتين إلى أن الأعداء يريدون القضاء على الإسلام باسم المذهب وباسم الإسلام.

 

الأيدي الملوثة التي تزرع الشقاق بين الشيعة والسنة في هذه الدول لا شيعية هي ولا سنية.

 

إنها أيدي الإستعمار الذي يريد أن يستولي على الدول الإسلامية ويستولي على ثرواتها.

 

«...  «إنهم يضعفون الدول الإسلامية بإيجاد الإختلاف المذهبي, ليقضوا على المذهب وعلى الدين أيضاً..»[52].

 

6 – ابتداع المذاهب الباطلة:

 

ومن جملة أساليب المستعمر في شرذمة الصف الإسلامي, ابتداع «المذاهب» الباطلة لاقتطاع جزء من الأمة – على الأقل – وتوظيفه لصالح أهدافه.

 

يقول الإمام:

 

«.. هم يخططون منذ قرون لتحطيم هذا السد ( الإسلام ) بحيل مختلفة» ...  «وتارة عن طريق إيجاد المذاهب الباطلة وترويج البابية والبهائية والوهابية»[53].

 

ولئن اقتصر خطر البابية والبهائية على إيران, وأجزاء صغيرة متناثرة من الوطن الإسلامي ما تزال براثنهما ناشبة فيها, فإن للوهابية حديثاً آخر.

 

يعتبر الإمام أن الوهابية «مذهب ملؤه الخرافات, يسوق الشعوب الغافلة إلى ( أحضان ) القوى العظمى عبر استغلال الإسلام العزيز والقرآن الكريم»[54].

 

ويولي الإمام أهمية خاصة لكشف زيف الصورة المشبوهة التي قدمت عن الإسلام تحت برقع الوهابية, فيعبر عن خزين الغضب والمرارة الذي تتلاطم أمواجه في نفسه الكبيرة, لما لحق بالإسلام من أضرار فادحة نتيجة التباس الإسلام الحقيقي في أذهان أجيال المسلمين وغيرهم بالإسلام الأمريكي الذي روجت له الوهابية ومراكزها في جميع أرجاء العالم, فيقول:

 

«إن سجل العار المظلم للحكام عديمي الإحساس في الدول الإسلامية يكشف عن تزايد الألم وشدة المصيبة التي تحل بكيان الإسلام المثخن بالجراح..».

 

«ليس نبي الإسلام بحاجة إلى المساجد المترفة والمآذن المزينة, كان نبي الإسلام يهتم بمجد أتباعه وعظمتهم, وللأسف فإنهم جراء السياسات الخاطئة للحكام أصبحوا أذلاء «... »».

 

ألا يرى المسلمون أن مراكز الوهابية في العالم تحولت إلى مراكز فتنة وجاسوسية وهي تروج لإسلام الأعيان, إسلام أبي سفيان, إسلام الملالي القذرين, إسلام أدعياء القداسة عديمي الشعور في الحوزات العلمية والجامعات, إسلام الذل والنكبة, إسلام المال والقوة, إسلام الخداع والمساومة والإستعباد, إسلام حاكمية الرأسمال والرأسماليين على المظلومين والحفاة, وبكلمة: الإسلام الأمريكي!.

 

«ومن جهة أخرى تسجد على أعتاب أسيادها أمريكا آكلة العالم! لا يعرف المسلمون إلى من يشكون هذا الألم»[55].

 

تجدر الإشارة إلى أن السبب في تشديد النكير إلى هذا الحد أن شرذمة الأمة عبر تمويه الإسلام، سلاح شديد المضاء والفتك ويصب في النتيجة في مخطط القضاء على الإسلام عبر أخطر الأساليب.

 

ينطلق الإمام إذاً من أن سر قوة الأمة ونقطة ارتكازها في تفاعلها مع الإسلام الأصيل, ولذا فإن كل الأساليب الأخرى يبقى خطرها محدوداً ما دامت الأمة محصنة بالإسلام, أما إذا تسرب الخلل إلى نقطة الإرتكاز هذه, فإن الأمة تغدو بمثابة جيش اختلس منه سلاحه الحقيقي في قلب المعركة, واستبدل بسلاح وهمي, عندها يصبح أضعف الأساليب, وأبسط الأسلحة - التي تتم بها مهاجمة هذا الجيش- خطيراً وفتاكاً.

 

ولقد كان عصياً على المستعمرين أن يقطعوا هذه الأشواط المرعبة في تحقيق مآربهم لولا «الإسلام الأمريكي» الذي أُطلق على قاعدة التضليل, لإيهام الأمة أنها بارتكازها إلى هذا الإسلام المموه ما تزال وفية للقرآن متمسكة بأهداف الإسلام, معتصمة بحبل الله, ويكشف التأمل في نص الإمام المتقدم أنه يعتقد بتعدد عوامل انتشار الإسلام الأمريكي, فإن له في كل وسط رمزاً, إلا أن الوهابية تأتي في طليعة هذه العوامل, وقد مكنتها من ذلك الأموال الطائلة التي سهلت لها تقديم نسخة الإسلام الأمريكي منقحة, مرصعة بالجواهر والدولارات.

 

حرِص المستعمرون وما يزالون, أن تشكل الوهابية مرجعية دينية, تستقطب المسلمين في العالم, منطلقين في ذلك من موقع مكة المكرمة والمدينة المنورة في أذهان المسلمين, وعلى هذا الأساس قامت مركز الوهابية في جميع أنحاء العالم التي يتحدث الإمام عن دورها الخطير في شل إرادة الأمة.

 

إن دور الوهابية هو القضاء على المناعة في الكيان الإسلامي, والمحور في الفكر الوهابي هو تجميد العلاقة بالله تعالى, والرسول, والقرآن, والإسلام, في إطار الإعتقاد العقلي الجاف, وعدم السماح بنقله إلى القلب, مركز الإحساس والتفاعل وأمير الجوارح, فإن أية حزمة إحساس, أو خفقة قلب, أو ومضة روح, هي – عندهم – شرك وكفر وخروج عن الإسلام, الأمر الذي يعني إخراج الإسلام من دائرة الفعل والتأثير والتحكم بالسلوك وبالتالي إخراجه من حياة الأمة, ليفتح الباب على مصراعيه أمام أمريكا وأضرابها, وكل محاولات الإفساد والتغييب والإذلال.

 

من هنا كان من الطبيعي أن يكون تحذير الإمام من هذا الخطر المركزي متناسباً مع حجمه.

 

7- اختلاق الأحزاب المضلِّلة:

 

من الثوابت في رؤية الإمام السياسة, معرفة المستعمر الدقيقة بالعالم الإسلامي وخصائصه الروحية والثقافية والنفسية, وأنه انطلق من هذه المعرفة لاعتماد مختلف الأساليب التي تؤمن له تنفيذ مخططاته.

 

ومن جملة هذه الأساليب أن ثمة فريقاً من المسلمين يمكن استيعابهم في أطر حزبية, فلا بد إذاً من اختلاق هذه الأطر لاجتذابهم وتوظيفهم في الإتجاه المناسب.

 

ولا يعني ذلك التعميم على الإطلاق, فليس كل إطار حزبي مفتعلاً ومشبوهاً بل يعني أن بين الأحزاب في العالم الإسلامي أحزاباً اختلقها الإستعمار, وهي بمستوى الظاهرة بل الأصل: يقول الإمام:

 

«يخططون منذ قرون لتحطيم هذا السد ( الإسلام ) بحيل مختلفة» ...  «وتارة عن طريق الأحزاب المضلّلة ( بالكسر )»[56].

 

ويتحدث عن الأحزاب في إيران, مشيراً إلى أن ذلك يشمل العالم الإسلامي كله, إلا أن مصب حديثه آنذاك هو إيران فيقول:

 

«هذه الأحزاب القائمة, لا تتصوروا أن السبب في تشكيل كل منها أن مجموعة تفاهمت فأسست حزباً, بل تم تأسيس الأحزاب وفق خطة شيطانية لكي تحول القوى العظمى دون اتحاد الشعب, من أجل ذلك اعتمدوا تعدد الأحزاب وإلقاء الإختلاف بينها, أوجدوا الأحزاب والجبهات المتعددة في قلب الشعب, لا لكي يقوم كل من الأحزاب والجبهات بواجبه, بل لكي يختلفوا في ما بينهم.

 

«إن إحدى طرق استغلال الغرب لنا, استغلال أمريكا لثرواتنا وبلادنا, أن يوجدوا الإختلاف في قلب المجتمع الذي يريد النهوض والتقدم, وبطرق مختلفة ( منها ) تصادم القناعات» ...  «لينشغل بصراعاته فيما يشن المستعمرون الغارة على نفطه وثرواته»[57].

 

ويكشف النص بوضوح أن الإدانة تشمل الخلافات بين الأحزاب حتى إن لم تكن مختلقة, عندما تؤدي إلى التصادم, واستنزاف الجهد في معارك هامشية.

 

وينبغي التذكير هنا بشكل بارز جداً بأن الإمام لايؤيد مطلقاً فكرة الحزبية، ولقد كان موقفه من الحزب الجمهوري بمثابة الإعلان العملي عن براءته من كل «حزب» إلا «حزب الله» بمفهومه القرآني، الذي هو تيار إيماني يعتمد نظم الأمر، دون أن يقع في «ميكانيكية» الحزبية التي تلتهم كل مايصب فيها من جهود ودموع ودماء، لتقولبها بالقوالب «الحداثوية» و«القومية» و«المناطقية» وتعرضها في سوق نخاسة المساومة في الوقت المناسب، وبأفضل الأسعار الممكنة!

 

وللتفصيل في ذلك سياق آخر. إنما هي نفثة «ألحت على الأحشاء بالزفرات».

 

8 - التمزيق الثقافي:

 

عنيتُ به الحديث المستفيض للإمام حول بذر الخلاف بين الحوزة والجامعة.

 

 ويحظى هذا الأسلوب الإستعماري – هو الآخر – بحساسية فائقة وعناية مميزة في نص الإمام.

 

ذلك أنه حديث عن شطر قلب الأمة إلى نصفين.

 

 إن كل أمة تريد النهوض من وهدتها, ترى في مفكريها ومثقفيها وحملة راية العلم فيها الأمل المنشود, فإذا شبت نار العداوة بين هؤلاء وتطاير شررها, فإن الأمل يتبدل إلى خيبة, بحجم ضراوة الصراع.

 

والسبب, أن هذا الخلاف يعني في جوهره أن المحرك المرشح لقيادة المجتمع قد انشطر, وكل محاولات الثورة بعدُ إما أن تصبح عقيماً أو تلد جنيناً مشوّهاً.

 

ولن تنفع كل محاولات الترقيع, إلا إذا استعاد هذا القلب المحرك عافيته, لينبض بالحياة, ويسري دفئه في الشرايين.

 

ويشكل هذا الهم, أحد أبرز مرتكزات الخطاب السياسي للإمام.

 

وتبلغ أهميته لديه إلى حد أنه لم يتفاءل بإمكانية انتصار الثورة الإسلامية, إلا عندما لاحظ أن حركة التوحد بين الحوزة والجامعة في إيران ماضية قدماً.

 

يقول الإمام في ذلك:

 

«إني ورغم كوني أمضي فترة نقاهة الشيخوخة, ولم أحقق أياً من الآمال التي كنت أصبو إليها, إلا أن هذه النهضة التي تحققت في السنوات الأخيرة, وتسببت بالتقارب بين الشرائح الطلابية وعلماء الدين, جعلتني أعيش الأمل الواثق أن لا يطفأ هذا النور, ليُقضى على هذا الشرخ – الذي أوجد بأيدي الخونة الغربيين والشرقيين, بغية استعمار الدول الإسلامية – عبر النهضة العالمية والشاملة للشرائح الطلابية الأعم من الحوزة والجامعة ويتم الإنصراف إلى العلاج والبناء بعد تشخيص الآلام ومواطن الخلل»[58].

 

والتصور الذي نخرج به من متابعة معالجة الإمام لهذا الموضوع هو أن الأعداء عملوا لتحقيق هذا الهدف على مسارين:

 

الأول: ضرب موقعية العلماء.

 

الثاني: تأجيج الصراع بين الحوزة والجامعة.

 

وقد تقدم ما يكفي لإيضاح الأول, ويأتي ما يسلط الضوء عليه.

 

وحول الثاني يقول الإمام:

 

«يجب أن نبذل الجهد لإزالة الإختلافات التي زرعها الأجانب بيننا ويجب أن نعلم أن استمرارها بين شرائح الشعب, خصوصاً بين العلماء والطلاب أو مثقفيهم, تعني اليأس من النصر»[59].

 

وفي خطبة تاريخية إثر استشهاد نجله العالم الجليل السيد مصطفى, وانطلاقة المرحلة الأخيرة من مراحل اندلاع الثورة, والتي تواصلت حتى النصر, يعبر الإمام عن عتبه على العلماء لعدم التنبه إلى أن إثارة الإختلاف بين الحوزة والجامعة تهدف إلى استنزاف الجهود في معارك جانبية، ويوصي بالحذر الشديد ومواجهة ما يثار بالحكمة, وعدم اللجوء إلى الإدانة فضلاً عن التكفير أو الحكم بالإرتداد وغيره.

 

كما يدعو الجامعيين إلى عدم الإساءة إلى العلماء واتهامهم بالرجعية.

 

«أسجل عتبي على العلماء الأعلام, حيث إنهم ولصفاء أذهانهم يقعون تحت تأثير الدعاية السيئة للنظام» ...  «بين الحين والآخر يفتعل أمر, فينشغل الجميع به بدل الإنشغال بالأمور الأساسية, ويتركز الجهد في أن زيداً كافر وعمرواً مرتد وذاك وهابي» ...  «على العلماء أن لا يبعدوا هذه الأجنحة التي تعمل للإسلام» ...  «لا ترموا الجامعيين بالفسق, وعلى الجامعيين أن لا يتهموا العلماء بالرجعية»[60].

 

وفي المجال الثالث: إبقاء العالم الإسلامي رهن التبعية والتخلف:

 

يمكن رصد الأساليب التالية:

 

1 – تنصيب الحكام العملاء:

 

أحد أهم المفاصل في العمل الثوري, تحديد الموقف من الحاكم بموضوعية وتجرد, فإما أن يكون وطنياً, فيتم التعامل معه على هذا الأساس, وإما أن يكون تابعاً عميلاً فلا مجال للتلاقي معه.

 

وتجارب شعوبنا في هذا القرن مع الحكام غنية جداً, وهي تكشف – للأسف – أن الحكام الوطنيين كانوا وما يزالون الإستثناء لا القاعدة.

 

ويكمن مقتل العمل الثوري في ضبابية التصور والممارسة, فإذا بلغ الأمر حد التبرير للمواقف الإنهزامية والخيانية – وتحت أي عنوان يفترض – فإن ذلك يعني ببساطة التحول من موقع العمل التغييري الثوري, إلى موقع اللعبة السياسية التي يمسك العدو بكل خيوطها, ومنها تلك التي يوهم هذا الفصيل أو ذاك أنه هو الذي يحركها.

 

ثمة مساحة من حركة المستعمر, لا غنى له فيها عن السواتر وتمتد هذه المساحة لتشمل كل المجالات, إلا أن أهمها بالتأكيد إضفاء الصبغة الوطنية على ممارساته, المباشر منها, أو ما يعهد به إلى الأنظمة الطيّعة.

 

 ولا ساتر يفوق اندفاع بعض فصائل حركة التحرر الوطني والإسلامي التي تعاني من ضبابية الرؤية، أو ضيق ذات اليد في الحنين

 

إلى الشهادة، أو الوفرة المفرطة في الحنين إلى الجاه! فيحملها ذلك إلى خندق المستعمر. وهي تحسب أنها تحسن صنعاً!

 

 واليقين بخطورة النتائج, يغني عن تقويم الدوافع والمنطلقات التي يعسر فيها اليقين.

 

ومذ قال كلمته الأولى كان الإمام الخميني بصيراً بالحكام في الدول الإسلامية, وأنهم ليسوا حكامها، إلا أنه اعتمد النصيحة حتى للشاه رغم معرفته بشدة وثاقه الإستعماري الأمر الذي يرسي مبدأ في التعامل مع الحاكم المرتبط, هو النصح أولاً- تقدمة للحجة- غير أن روح النصح الحذرة, لا تضعف أمام التظاهر بالإصغاء, ولا يستخفّها الإطراء فضلاً عن أن تخدع بالوعود, أو تتخذ المساومة سلّماً إلى المواقع وسنرى أن قاطعية الإمام في هذا المضمار لم تحمله إلى التعميم.

 

يقول الإمام:

 

«كثير من حكومات الدول الإسلامية, ونتيجة استلاب الهوية أو العمالة ينفذون مخططات أعداء الإسلام الخيانية والمشؤومة»[61].

 

إلا أن ندرة المستثنى تجعل نص الإمام في الغالب متصفاً بالشمول, فيقول مثلاً:

 

«الأعداء يستعمرون الحكام, والحكام يذلون الشعوب»[62].

 

وبعد انتصار الثورة الإسلامية وتحرير إيران من يد المستعمرين.

 

يقول الإمام:

 

«لقد خرج بلد من يدهم, وهم يخشون تكرار ذلك في الدول الإسلامية الأخرى ( وعسى ) أن يتحقق ذلك»[63].

 

ويحمل الحكام تبعة تخلف العالم الإسلامي وكل مصائبه فيقول:

 

«الدول الإسلامية المخدوعة هي التي أوصلتنا إلى هذا الوضع السيء, مصائبنا من حكام المسلمين, هؤلاء الرؤساء المساكين الذين هم في غفلة عن مصلحتهم, و أنهم لا يريدون التنبه لها, هم الذين تسببوا بالنكبة لشعوبهم, وأوصلوا المسلمين إلى هذا المصير السيئ»[64].

 

2 – الصراع بين الدول الإسلامية:

 

بديهي إن إبقاء العالم الإسلامي في دائرة التخلف, يحتم افتعال الصراعات والنفخ الدائم في ضرمها لتستنزف الموارد ويستحكم الشعور بالحاجة إلى الإستقواء, والإرتهان, ويُخنَق الحلم بالوحدة ويصبح التضامن حلماً بعيد المنال, كما هو الآن.

 

يقول الإمام:

 

«إحدى خصائص واقعنا, أن الدول الإسلامية تستهدف بعضها. يصطفّ قسم معاً ضد فريق آخر, ويجهز كل منهم الجيوش» ...  «هل ثمة سبب غير اليد الإستعمارية؟»[65].

 

«ما يمكنني أن أقوله للدول الإسلامية, وآمل أن يصل إليهم ويصغوا إليها, أن يقيموا وحدة إسلامية واقعية, ليعرضوا عن بعض شهواتهم ويمدوا يد الأخوة إلى بعضهم ولا يطلب كل منهم التفوق على الآخر, وليقفوا جميعاً في مقابل الغرب دون انبهار بالشرق»[66].

 

ويسجل الإمام إدانة صريحة للإنقلابات وسياسة الأحلاف والمحاور, ويعتبرها إمعاناً في التفتيت.

 

«لماذا تغفل الدول الإسلامية عن هذه الحقائق, لماذا تحدث هذه الإنقلابات داخل كل دولة, لماذا التخاصم والجبهات بين الدول الإسلامية… هؤلاء يقيمون اتحاداً ثلاثياً في مقابل أولئك… وأولئك اتحاداً آخر…».

 

«لا تقيموا أنتم حلفاً ثلاثياً وتتحدوا مع ِإسرائيل في مقابل اتحاد أولئك ( … ) ليتحد الجميع, إنكم جميعاً مسلمون… ليكن اعتمادكم على القرآن»[67].

 

3 – الثقافة الإستعمارية:

 

«الأمر الذي يمكن وصفه بأنه «أم الأمراض» هو الرواج المتزايد للثقافة الأجنبية الإستعمارية التي ربّت شبابنا لسنين متمادية على الأفكار المسمومة وقد عمل عملاء الإستعمار الداخليون على نشرها أكثر فأكثر...

 

ولا يمكن أن تنتج الثقافة الإستعمارية الفاسدة إلا موظفاً ورب عمل منبهرين بالإستعمار.

 

يجب أن تبذلوا الجهد في البحث في مفاسد الثقافة الحالية وتبينوها للشعب, وتنحّوها جانباً بإذن الله تعالى, وتحلّوا بدلاً منها الثقافة الإسلامية الإنسانية لتتربى الأجيال القادمة على نهجها الذي هو بناء الإنسان وبسط العدل.

 

يجب السعي لاسترداد كل ما خسرتموه على مدار حكم الحكومات العميلة, والأهم في ذلك كله هو الإستقلال الروحي فإن من لوازم خسارته عقدة الحقارة في مقابل أنظمة الجور»[68].

 

وبمناسبة إصدار الشاه كتاباً تحت عنوان «مأموريتي من أجل وطني» يتحدث الإمام عن مفردات مأمورية الشاه – وغيره مثله – فيذكر منها:

 

«إنه مأمور أن يوصل ثقافة الإستعمار الحديث إلى أقصى نقاط البلد النائية»[69].

 

ويدعو الإمام إلى إحلال الثقافة الإستقلالية, محل الثقافة الإستعمارية:

 

«إن أردتم أن يكتمل استقلال بلدكم فإن ذلك يتوقف على ( التحول الثقافي ) لتحل الثقافة الإستقلالية محل الثقافة الإستعمارية, ليصبح كل شيء مستقلاً, تتحول الأدمغة الإستعمارية إلى أدمغة مستقلة, وما لم يتحقق ذلك فلن نصل إلى النصر النهائي»[70].

 

«الثقافة الإستعمارية تفرغ الإنسان من محتواه، ويفوق خطرها كل خطر بل هي أسوأ من أسلحة هؤلاء المتغطرسين المستعمرين»[71].

 

ويحدد الثقافة الإستقلالية بأنها الثقافة الذاتية, الإلهية والإنسانية[72].

 

4 – سرقة الشباب:

 

حيث إن أحد الأهداف النهائية للمستعمر هو نهب الثروات, فمن الطبيعي أن تستهدف غاراتهم أعظم ثروات هذه الأمة, الشباب:

 

«أغلى من ثروات باطن الأرض, الثروات التي على ظهرها, أيها السادة إنهم يسرقون شبابنا, يعلم الله أنهم يسرقون شبابنا. فريق تأخذه أمريكا وفريق الجهة الفلانية, وفريق يأخذونه الآن إلى «إسرائيل». توجد لدي الآن» مجلة منظمة الطلاب الإيرانيين في إسرائيل».

 

أيها السادة إن هؤلاء الشباب هم ذخائرنا وثرواتنا, وهم يضللونهم, إنهم يحقنونهم بأن كل مصائبكم من الإسلام»[73].

 

«عملاء الإستعمار - الذين يدركون أن معرفة الشعوب خصوصاً الجيل الشاب المتعلم بمباديء الإسلام المقدسة, تؤدي إلى سقوط المستعمرين وزوالهم الحتمي، وقطع أيديهم عن مصالح الشعوب المستعمرة - بادروا إلى نصب العراقيل وهم يحاولون عبر بث السموم وتشويش أذهان الشباب وأفكارهم، إلى الحيلولة دون جلاء الصورة المشرقة للإسلام, ويعملون على حرف شبابنا بعناوين خداعة ومدارس فكرية منمقة..».

 

«يجب عليكم أيها الشباب التركيز على الحقائق, والبحث في حقائق الإسلام في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها, ولا يفوتنكم التأكيد على الخصائص التي تميز الإسلام عن غيره من جميع المدارس الفكرية الأخرى. حذار من الخلط بين القرآن المقدس وقانون الإسلام المنقذ, وبين المدارس الخاطئة المضللة التي هي إفرازات فكر البشر.

 

«يجب التنبه إلى أنه ما دامت أمة الإسلام متعلقة بهذه المدارس الإستعمارية, أو أنها تقارن القوانين الإلهية بها وتضعها في مصافها فلا أمل بالإستقرار والحرية.

 

«هذه المدارس اليساري منها واليميني لا تقدَّم إلى الأمة الإسلامية إلا لتضليلها. إنهم يريدون أن يبقى المسلمون إلى الأبد حقراء وأذلاء ومتخلفين ورهائن وبعيدين عن تعاليم القرآن التحررية»[74].

 

ويتحدث الإمام عن تركيز المستعمر على إدارة الجامعات ومراكز التعليم في العالم الإسلامي وفق السياسة التي تتيح له التحكم بالجيل الشاب, موضحاً أن العلم الذي يتاح لشبابنا الحصول عليه محدود, يحكمه مخطط الأعداء بإبقائنا متخلفين:

 

«مراكز التربية والتعليم التي أنشأها هؤلاء, من الجامعة إلى آخر مدرسة, إنها أيضاً مراكز اسنتعمارية, إنها ضمن حدود لا يسمحون بتجاوزها ثم إنهم يوجدون موانع متعددة لإبقاء أبنائنا في دائرة التخلف[75].

 

«إن تطور البلد مرتبط بالجامعة»[76].

 

«جامعاتنا ليبست مستقلة, بل لا توجد عندنا جامعة لأن الجامعة التي يتحكم بقرارها فرد, ليست جامعة لا بد وأن يكون المحيط العلمي حراً...»[77].

 

«إذا كانت الجامعات سليمة كما نريد فسيتخرج منها رجال كبار يمكنهم أن يقفوا في وجه محاولات الإستغلال والعدوان والنهب لثرواتنا ولأن ( المستعمرين ) لا يروقهم ذلك، فهم يعملون على تربية أبنائنا كما يريدون وإذا أمكنهم أن يربوهم على الإنبهار بالغرب, فعلوا, أي يطرحون لهم أفكار الغرب بطريقة تقنعهم, فيعيشوا الغربة عن الذات والتبعية لهم. أي يصبحون عملاء لهم.

 

وتؤدي هذه التربية كما هو عليه الأمر حتى الآن، إلى أنه إذا كان ثمة أفراد يمكنهم التصدي للشأن العام، فإنهم لن يفعلوا إلا ما يعود بالنفع على المستعمرين لا على شعوبهم وذلك لأنهم ذابوا إلى أقصى حد في تلك التربية وذلك التعليم الأمريكي والأجنبي، وقد أصبح الأجانب في نظرهم من العظمة بحيث إنهم ( تنكروا ) لكل مآثرهم وأمجادهم وكل ما يرتبط بهم أنفسهم, وانصبّ اهتمامهم وتركز على الغرب وما يرتبط به, ( يريدون أن ) يبقى أبناؤنا أسرى التخلف والدليل على ذلك أننا بعد مضي سبعين سنة على تأسيس المدارس وثلاثين سنة على تأسيس الجامعة ما نزال نضطر إلى إرسال مرضانا إلى الخارج للعلاج»[78].

 

وتتوثب روح الإمام الشابة أبداً, لدى الحديث مع الشباب, لتفصح عن الآمال الكبار التي يعقدها عليهم, وبالتالي عن عظيم خطر الثورة التي يمثلون.

 

أعزائي, شمّروا عن ساعد الجد, ومزّقوا أغلال العبودية واحداً تلو الآخر وأَخرِجوا من الساحة العملاء الخونة, واقطعوا أيدي أسيادهم الجشعين التي امتدت إلى البلاد الإسلامية. السعادة والحرية والإستقلال خلف سد العملاء الداخلين وأسيادهم في الخارج, دمروا السدود, وحطموها»[79].

 

5 – إشاعة الفساد:

 

يتقاطع الحديث عن إشاعة الفساد مع الحديث عن الشباب, إلا أن الفساد يستهدف كل شرائح المجتمع, وإن كان يتركز على الشبيبة والناشئة.

 

يقول الإمام:

 

«الإسلام يعارض جرّ الشباب ( وسائر ) المسلمين إلى الفساد»[80].

 

ورغم أن مصطلح الفساد أعم من السياسي والإداري والمالي, إلا أن المراد به هنا الفساد الأخلاقي والمسلكي.

 

وهو دون شك مصدر كل فساد.

 

ويعتبر الفساد الأخلاقي أخطر الأمراض التي تسببت وما تزال بولادة حركات تحرر معاقة, لا تلبث أن يلفَّها النسيان ويطويها الموت.

 

تنتمي روح التغيير إلى مدرسة العقل, وينتمي التسلط إلى مدرسة الغرائز. والتعايش بين روح التغيير وسلطة الغرائز, ضربٌ من المحال.

 

التحرر عصارة قيم فاضلة: العدل والحب والإيثار.

 

 والفساد الأخلاقي إمعان في الأنانية وانغلاق الذات, وليس من الحرية في شيء.

 

يقول الإمام:

 

«الحرية في إطار القانون, ما منحنا الله تعالى الحرية فيه, فنحن فيه أحرار, لسنا أحراراً في الإفساد, لا حرية لأي إنسان في أن يفعل ما ينافي العفة»[81].

 

وفي أقدم وثيقة جهادية للإمام عام 1944 للميلاد يتحدث عن محاولات السلطة لنشر الفساد في المجتمع فيقول:

 

«إن ترك القيام لله تعالى ( في وجه الظالمين ) هو الذي سمح وما يزال بتمرير ( مؤامرة ) نزع حجاب النساء العفيفات وتحويل الصحف إلى سلع لنشر الفساد الأخلاقي» ...  «إذا تركتم القيام لله ( والجهاد في سبيله ) ولم تعملوا على إعادة الشعائر الدينية فستتحكم بكم زمرة من المنحلّين عبيد الشهوات ويسخّرون دينكم وشرفكم لأهدافكم الباطلة»[82].

 

ويربط الإمام بوضوح بين الإستعمار والفساد:

 

«من وجهة نظر الشاه يجب أن يبقى الشعب الإيراني متخلفاً وتبقى ثقافة القرآن والإسلام مهجورة, ويستمر خرق الدستور, وتمتد الفحشاء إلى أعماق ساحة هذا المأتم التي اسمها إيران ليواصل الإستعمار الحديث النهب والسلب بطمأنينة بال, ويواصل عملاؤه التافهون الرقص على رأس هذه المقبرة ( على أنغام ) اللهو والطرب وادخار الثروة»[83].

 

وفي بيان له إثر هجوم الشرطة على المراكز العلمية في الحوزة, وعلى الجامعات ورد قوله:

 

«المدرسة الفيضية, ومدرسة دار الشفاء قاعدة الفقه الإسلامي, ومركز الأحرار والشباب الفدائيين, تحتل وتعطل, وفي المقابل مراكز الفساد والفحشاء تزدهر أكثر فأكثر, ليجتذبوا شبابنا إلى الفساد ويحولوا دون تنميتهم المعنوية, ليصبحوا عاجزين عن الوقوف في وجه إرادة الأجنبي»[84].

 

ويعلن الإمام رفضه للمظاهر الإستعمارية, وأنه يعارض إخراج مظاهر التمدن من الإطار السليم النافع إلى الإطار الضار فتصبح محكومة بالتحريم.

 

 ويضرب أمثلة على ذلك الإذاعة والتلفزيون والسينما, والصحف, والكتب مؤكداً أن سبب الرفض هو أن هذا الإطار الضار والفاسد يوهي العزائم ويشل الإرادة, ويقتل روح الممانعة:

 

«إنهم يضعفون ( عزيمة ) الناس عبر هذه البرامج في الإذاعة والتلفزيون والصحف والكتب التي ينشرون, وكل ذلك في قبضة الإستعمار الذي يريد أن تكون وسائل إعلامنا في خط الإبتذال, ليُسمّم أفكار شبابنا».

 

«يخطط الإستعمار لبرامجنا على قاعدة إضعاف إرادة الناس وشل قوتهم وضرب مناعتهم...».

 

«نحن نرفض هذه المظاهر الإستعمارية» ...  «نحن نرفض الفساد» ...  «نحن لا نرفض حرية المرأة, وإنما نرفض الفحشاء وهل الرجال أحرار, لتتحدثوا عن حرية المرأة؟!»[85].

 

«قدموا لنا سينما تلتزم الأخلاق, مفيدة, ولن تجدوا شخصاً يعارضها, نحن نعارض مراكز الفساد لا التمدن, وهل التمدن في أن يفوق عدد دور الفساد في البلد عدد المكتبات؟!»[86].

 

وفي مقابلة مع صحيفة إيطالية:

 

«من حيث المبدأ, لا يحول الإسلام» ...  «دون التقدم العلمي, بل يهيء له المناخ الأفضل ويعطي لهذه الحركة البعد الإنساني والإلهي, ولقد أدهش التقدم العلمي للبشرية بعد ظهور الإسلام الباحثين في الحقل التاريخي, إلا أن ما يجدر ذكره أن الفساد الأخلاقي, والشخصية الإستهلاكية, وتركيز الجهد على المزيد من إشباع اللذة, ووزن جميع القيم بالمال مفاهيم غير تحديث الدولة»[87].

 

ويتحدث الإمام عن إشاعة الفساد كأسلوب استعماري يهدف إلى إلهاء أكبر عدد ممكن من أبناء الأمة, بل عمودها الفقري الجيل الشباب, بأمور غرائزية, كلما استجاب لها, ازداد بعداً عن حمل الهموم الكبيرة.

 

«كل البرامج التي وضعها هؤلاء الفكرية منها أو الفنية أو غيرها, هي برامج استعمارية, يريدون أن يسخّروا شبابنا لتحقيق أهدافهم أو يحوّلوهم إلى أعضاء فاسدين.

 

«عندما يتردد الشباب لفترة إلى مراكز الفساد التي أنشأها هؤلاء – وهي أكثر من المكتبات – فإنهم يصبحون وبطرق مختلفة إما عاطلين أو لا أباليين بحيث إن محاولات استغلال الأجانب لا تعنيهم أو يصبحون مدمنين على المخدرات أو الخمر أو القمار, فتنحصر أهدافهم في إشباع رغباتهم الفاسدة»[88].

 

ويلخص الإمام كل ما تقدم بقوله:

 

«نحن نعارض كل ما يصب في خدمة الأجانب وإبقاء شبابنا متخلفين, ويجعلنا نخسر قوتنا ( وثروتنا ) الإنسانية»[89].

 

***

 

وفي المجال الرابع: إقامة الكيان الصهيوني:

 

بمقدار صفاء استلهام الثقافة القرآنية, تتجذر الرؤية عن الكيان الصهيوني, ذلك أن القرآن الكريم لا يستهدف أحداً كمّاً وكيفاً كما يستهدف الشيطان واليهود.

 

وثقافة الإمام تجسيد بامتياز للثقافة القرآنية:

 

 «لو أن أمريكا وإسرائيل قالتا لا إله إلا الله فلن نقبل منهما ذلك»[90].

 

فإذا أضفنا إلى ذلك أن تسلل الصهيونية إلى إيران كان مبكراً جداً أمكننا الإقتراب بشكل أفضل من سر جذرية رؤية الإمام عن الكيان الصهيوني التي ترفدها النظرية ورصد الممارسة.

 

تسلل الصهاينة عبر البدعة البهائية, وأمسكوا بمفاصل النظام حتى غدت إيران في قبضتهم.

 

واستشعر الإمام الخطر الداهم على الإسلام وإيران, وعلى المسلمين عموماً, والصهيونية في حد ذاتها خطر سرطاني, حتى إذا لم تتخذ البهائية ستاراً, والبهائية بمفردها يجب أن تحارب بلا هوادة, فكيف إذا اشتبكت بالعامل الصهيوني, وتداخلا معاً بالموقف من أداتهما الشاه, ولا تنتهي الروافد التي شكلت رؤية الإمام, وحتمت الموقف, عند هذا الحد فهذه العوامل جميعاً تتحرك في إطار إحدى خطط الإستعمار الجهنمية لاستعباد العالم الإسلامي, واجتثاث أية إمكانية للرفض والممانعة فيه.

 

وتحفل نصوص الإمام بالشواهد الكثيرة جداً على ما تقدم, وحيث إن الهدف من هذا البحث هو تسليط الضوء على تكامل هيكلية رؤية الإمام عن الإستعمار, وجذريتها, فسأكتفي بما يكشف عن قناعة الإمام بأن إقامة الكيان الصهيوني هي إحدى خطط الإستعمار المرسومة في سياق تحقيق أهدافه, مشيراً باختصار إلى الأساليب التي اعتمدها المستعمرون في إطار هذه الخطة.

 

يقول الإمام:

 

«وقد ولدت إسرائيل من فساد الدول الإستعمارية الغربية والشرقية وتفاهمها, وقد وجدت بهدف قمع الشعوب الإسلامية واستعمارها, وهي تحظى اليوم بالدعم والإمداد من جميع المستعمرين, الإنكليز وأمريكا يحرضون إسرائيل ويحملونها على اعتداءاتها المتتالية على العرب والمسلمين والإستمرار في احتلالها لفلسطين وسائر الأراضي الإسلامية, عبر تقويتها سياسياً وعسكرياً بتقديم الأسلحة الفتاكة لها, والإتحاد السوفياتي يتكفل بقاء إسرائيل بالحيلولة دون تسليح المسلمين من خلال الخداع وسياسة اللعب على الحبلين»[91].

 

والأساليب التي يمكن استنتاجها من نص الإمام, حول إقامة الكيان الصهيوني بما يشمل التثبيت والتعزيز هي كما يلي:

 

1 – الدعم السياسي.

 

2 – الدعم العسكري.

 

( وهما يشملان مرحلة التأسيس ).

 

3 – ضمان تفوقه العسكري.

 

وفي النص المتقدم ما يكفي لإيضاح ذلك, ويصب الحديث عن خداع العرب في الأسلوب الثالث.

 

4 – كسر الحاجز النفسي تجاه العدو الصهيوني.

 

وقد تراوح حديث الإمام حول ذلك بين التشديد على خطر «سكوت دول المنطقة»[92] إزاء جرائم إسرائيل, والتحذير مبكراً من مغبة إعطاء الفرصة للعدو الصهيوني وعدم المبادرة للتصدي له[93], والتذكير بذلك بين الحين والآخر, والحديث عن خيانة بعض الحكام[94] والتمهيد للإعتراف بإسرائيل مركّزاً في هذا المجال على خطورة «مشروع فهد [95]» كخطوة متقدمة على طريق كسر الحاجز النفسي.

 

5 – إقامة علاقات للعدو مع بعض الدول الإسلامية:

 

وبالرغم من أن هذا الأسلوب يلتقي مع كسر الحاجز النفسي إلا أن بناء العلاقات في مختلف المجالات للعدو مع هذه الدولة الإسلامية أو تلك يهدف إلى تعزيز كيانه ويسهم في الوقت ذاتهفي كسرالحاجز النفسي, لذلك جاء اعتباره أسلوباً مستقلاً وقد تحدث الإمام عن متانة العلاقة التي كانت قائمة في المجال الأمني والسياسي والعسكري والإقتصادي والثقافي والزراعي ومجال النقل بين العدو الصهيوني ونظام الشاه المخلوع[96].

 

6 – انتزاع «الإعتراف بشرعية العدو»:

 

وقد أعطى الإمام هذا العنوان لحديثه عن مؤامرة «كامب ديفيد».

 

«اتفاقية كامب ديفيد ونظائرها, مؤامرة للإعتراف بشرعية اعتداءات إسرائيل, الأمر الذي أدى إلى تغيير ( المعادلة ) لصالح إسرائيل وضد مصلحة العرب والفلسطينيين»[97].

 

وتهدف هذه الأساليب جميعاً مع خطتها المركزية من وجهة نظر الإمام إلى احتلال الدول العربية كلها «يجب أن يعلم الجميع أن هدف الدول الكبرى من إقامة إسرائيل لا يقف عند حد احتلال فلسطين, إنهم يخططون» ...  «لتواجه الدول العربية كلها نفس المصير الذي واجهته فلسطين»[98].

 

كانت هذه الجولة ضرورية للتعرف على الخطوط العامة لرؤية الإمام عن الإستعمار, ومدى شموليتها وجذريتها, وقد رأينا كيف لامست معالجة الإمام للنقاط المثارة كل الكوامن, إنْ في التحديد, أو الطبيعة, أو الأهداف والخطط, وكيف جاء الحديث عن الأساليب متسقاً, يسهل الربط بين كل فرع وأصله, الأمر الذي كشف عن رؤية متكاملة لا تشوهها الثغرات, ولا كتنفها الغموض, ولا يسقطها التناقض أو الإرباك, مستقيمة كحد السيف لم تُفلّ, ولم تتثلّم, ولم تشِمها الإستكانة, أو الحنين إلى الغِمد.

 

ولا يخفى أن كل محور من المحاور الآنفة يتسع في ضوء وفرة نصوص الإمام, لكتاب.

 

وقد اقتطفت من ذلك ما سمح به الوقت, وحسبتُه مجزياً في تقديم تصور شامل عن رؤية جذرية شاملة, أسستْ لمنهج جذري وشامل في المواجهة.

 

ـــــــــ

 

[1] - الإمام شمس الدين, رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى, الشرق 21 / 10 / 1999 م.

 

[2] - اعتمدت في استخراج النصوص على برنامج «صحيفة نور» فارسي / 22 مجلداً وهو يضم الأعمال السياسية الكاملة للإمام, إصدار منظمة الوثائق الثقافية للثورة الإسلامية, التابعة لوزارة الإرشاد الإسلامي, وحيث لم يمكن تحديد الصفحات الداخلية لكل نص, فقد أوردت رقم الصفحتين الأولى والأخيرة.

 

[3] - صحيفة نور / فارسي / ج 10 / 311 – 320 بتاريخ 29 / 8 / 1358 هـ. ش = 79 م.

 

[4] - صحيفة نور ( فارسي ) ج 2 / 107 بتاريخ 28 / 6 / 1357 هـ. ش = 78 م وانظر إدانة الرئيس الصيني الذي لم يكترث بمجازر الشاه وعبّر عن تأييده له ج 2 / 112 – 115.

 

[5] - ج 1 / 185 – 186 بتاريخ 22 / 4 / 1351 هـ. ش = 72 م.

 

[6] - ج 1 / 154 – 155 بتاريخ .. / 4 / 1349 هـ. ش = 70 م.

 

[7] - ج 3 / 107 – 109 بتاريخ 3 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[8] - ج 1 / 185 – 186 بتاريخ 22 / 4 / 1351 هـ. ش = 72 م.

 

[9] - ج 4 / 182 بتاريخ 19 / 10 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[10] - ج 2 / 203 – 205 بتاريخ 3 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[11] - ج 3 / 257 بتاريخ 8 / 9 / 1357 في مقابلة مع التلفزيون الإيطالي.

 

[12] - ج 3 / 107 – 109 بتاريخ 30 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[13] - ج 4 / 86 بتاريخ 11 / 9 / 1357 هـ. ش = 78 م. في مقابلة مع التلفزيون الإيطالي.

 

[14] - ج 4 / 86 بتاريخ 11 / 9 / 1357 هـ. ش = 78 م. في مقابلة مع التلفزيون الإيطالي.

 

[15] - ج 3 / 156 بتاريخ 24 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[16] - ج 2 / 112 – 115 بتاريخ 16 / 7 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[17] - ج 1 / 185 – 186 بتاريخ 22 / 4 / 1351 هـ. ش = 72 م.

 

[18] - أطلق هذا الوصف على الإمام الفيلسوف الإسلامي الكبير المعاصر السيد جلال الدين الآشتياني, وذلك قبل انطلاقة الثورة الإسلامية. راجع تقديم السيد الآشتياني لشرح القيصري على فصوص الحكم ( ص سي و سه 33 ).

 

[19] - بلسم الروح / 15 ( بتصرف ).

 

[20] - الوصية الخالدة.

 

[21] - ج 4 / 147 – 156 بتاريخ 17 / 10 / 1357 هـ. ش = 78 م. ( بتصرف يسير ).

 

[22] - المصدر نفسه.

 

[23] - ج 3 / 251 – 256 بتاريخ 4 / 9 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[24] - ج 4 / 128 – 130 بتاريخ 13 / 10 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[25] - ج 2 / 210 – 212 بتاريخ 4 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[26] - ج 15 / 153 – 154 بتاريخ 21 / 6 / 1360 هـ. ش = 81 م.

 

[27] - ج 2 / 142 – 144 بتاريخ 20 / 7 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[28] - ج 4 / 9 – 11 بتاريخ 11 / 9 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[29] - ج 1 / 154 بتاريخ 000 / 4 / 1349 هـ. ش = 70 م.

 

[30] - ج 6 / 55 – 62 بتاريخ 2 / 2 / 1358 هـ. ش = 79 م.

 

[31] - حول استعباد الشعوب الإسلامية ج 1 / 185 – 186 وحول المصالح السياسية والإقتصادية للإستعمار في العالم الإسلامي ج 1 / 154 – 155 وحول نهب الثروات «الذهب الأسود والأصفر» ج 1 / 86 – 100 و ج 2 / 246 – 254 وحول «إقامة سوق سوداء للدول التي تسمى متطورة لبيع فائض إنتاجها» نفس المصدر ج 1 / 86 – 100, وحول السيطرة على المواقع الإستراتيجية ج 3 / 245 – 250, ج 4 / 73 – 80, ج 5 / 164 – 169, ج 11 / 107 – 115, ج 14 / 199 – 200.

 

[32] - ج 3 / 3 – 12 بتاريخ 14 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[33] - ج 3 / 3 – 12 بتاريخ 14 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[34] - ج 3 / 3 – 12 بتاريخ 14 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[35] - ج 2 / 236 – 245 بتاريخ 8 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[36] - ج 1 / 228 – 229 بتاريخ 000 / 4 / 1356 هـ. ش = 77 م.

 

[37] - مقدمة الوصية الخالدة ( بتصرف في الترجمة ).

 

[38] - ج 2 / 32 – 34 بتاريخ 29 / 11 / 1356 هـ. ش = 77 م. و ج 2 / 112 – 115 بتاريخ 16 / 7 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[39] - ج 1 / 228 – 229 بتاريخ 000 / 4 / 1356 هـ. ش = 77 م.

 

[40] - ج 2 / 236 – 245 بتاريخ 8 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[41] - ج 1 / 109 – 113 بتاريخ 4 / 8 / 1343 هـ. ش = 64 م.

 

[42] - ج 1 / 233 – 242 بتاريخ 6 / 7 / 1356 هـ. ش = 77 م.

 

[43] - مقدمة الوصية الخالدة / 12.

 

[44] - ج 16 / 231 – 235 بتاريخ 3 / 5 / 1361 هـ. ش = 82 م.

 

[45] - ج 1 / 86 – 100 بتاريخ 18 / 6 / 1343 هـ. ش = 64 م.

 

[46] - المصدر نفسه.

 

[47] - ج 1 / 86 – 100 بتاريخ 18 / 6 / 1343 هـ. ش = 64 م.

 

[48] - ج 1 / 86 – 100 بتاريخ 18 / 6 / 1343 هـ. ش = 64 م.

 

[49] - ج 8 / 102 – 103 بتاريخ 21 / 4 / 1358 هـ. ش = 79 م.

 

[50] - ج 14 / 66 – 68 بتاريخ 22 / 11 / 1359 هـ. ش = 80 م.

 

[51] - ج 13 / 283 – 289 بتاريخ 29 / 10 / 1359 هـ. ش = 80 م.

 

[52] - ج 1 / 86 – 100 بتاريخ 18 / 6 / 1343 هـ. ش = 64 م.

 

[53] - ج 1 / 228 – 229 بتاريخ 00 / 4 / 1356 هـ. ش = 77 م.

 

[54] - ج 21 / 169 – 206, الوصية,  بتاريخ 15 / 3 / 1368 هـ. ش = 89 م.

 

[55] - ج 20 / 222 – 244 بتاريخ 29 / 4 / 1367 هـ. ش = 88 م.

 

[56] - ج 1 / 228 – 229 بتاريخ 00 / 4 / 1356 هـ. ش = 77 م.

 

[57] - ج 2 / 246 – 254 بتاريخ 9 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[58] - ج 1 / 161 – 162 بتاريخ 6 / 2 / 1350 هـ. ش = 71 م.

 

[59] - ج 1 / 252 – 254 بتاريخ 24 / 9 / 1356 هـ. ش = 77 م.

 

[60] - ج 1 / 255 – 266 بتاريخ 10 / 10 / 1356 هـ. ش = 77 م.

 

[61] - ج 1 / 195 – 197 بتاريخ 24 / 12 / 1351 هـ. ش = 72 م.

 

[62] - ج 1 / 86 – 100 بتاريخ 18 / 6 / 1343 هـ. ش = 64 م.

 

[63] - ج 6 / 236 – 240 بتاريخ 1 / 3 / 1358 هـ. ش = 79 م.

 

[64] - ج 1 / 86 – 100.

 

[65] - ج 1 / 86 – 100.

 

[66] - المصدر نفسه.

 

[67] - ج 1 / 86 – 100.

 

[68] - ج 1 / 161 – 162 بتاريخ 6 / 2 / 1350 هـ. ش = 71 م, في رسالة جوابية إلى الطلاب المسلمين المقيمين في أوروبا.

 

[69] - ج 1 / 189 – 191 بتاريخ 30 / 6 / 1351 هـ. ش = 72 م. وانظر صفحة 211 – 214.

 

[70] - ج 10 / 130 – 134 بتاريخ 13 / 8 / 1358 هـ. ش = 79 م.

 

[71] - ج 1 / 262 – 276 بتاريخ 19 / 1 / 1356 هـ. ش = 77 م. يصف الإمام الثقافة الإستعمارية بأنها كائن طفيلي يمتص خصائص الإنسان.

 

[72] - أنظر ج 5 / 98 و 105 و 198.

 

[73] - ج 1 / 86 – 100 بتاريخ 18 / 6 / 1343 هـ. ش = 64 م.

 

[74] - ج 1 / 185 – 186 بتاريخ 22 / 4 / 1351 هـ. ش = 72 م.

 

[75] - ج 3 / 83 – 87  بتاريخ 6 / 10 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[76] - ج 1 / 16 – 21 بتاريخ 11 / 9 / 1346 هـ. ش = 67 م.

 

[77] - ج 1 / 267 – 276 بتاريخ 19 / 10 / 1356 هـ. ش = 77 م.

 

[78] - ج 4 / 83 – 87  بتاريخ 6 / 10 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[79] - ج 2 / 142 – 144 بتاريخ 20 / 7 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[80] - ج 3 / 77 بتاريخ 18 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[81] - ج 7 / 201 – 203 بتاريخ 4 / 4 / 1358 هـ. ش = 79 م.

 

[82] - ج 1 / 3– 4 بتاريخ 15 / 2 / 1323 هـ. ش = 1944 م. وقد وصفت هذه الوثيقة في المصدر بأنها أقدم وثيقة تاريخية جهادية للإمام الخميني.

 

[83] - ج 1 / 189 – 191 بتاريخ 20 / 6 / 1351 هـ. ش = 72 م.

 

[84] - ج 1 / 223 – 224 بتاريخ 000 / 7 / 1355 هـ. ش = 76 م.

 

[85] - ج 1 / 67 – 82  بتاريخ 26 / 1 / 1343 هـ. ش = 64 م.

 

[86] - ج 3 / 59 – 70  بتاريخ 17 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[87] - ج 4 / 188 – 191 بتاريخ 19 / 10 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[88] - ج 4 / 83 – 87  بتاريخ 6 / 10 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[89] - ج 4 / 281 بتاريخ 12 / 11 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[90] - ج 15 / 209 – 210 بتاريخ 6 / 8 / 1360 هـ. ش = 81 م.

 

[91] - ج 1 / 185 – 186 بتاريخ 22 / 4 / 1351 هـ. ش = 72 م. وقد تقدم إيراد النص في الحديث عن تحديد الإستعمار.

 

[92] - ج 16 / 197 – 201 بتاريخ 23 / 3 / 1361 هـ. ش = 82 م.

 

[93] - ج 16 / 36 – 40 بتاريخ 21 / 11 / 1360 هـ. ش = 81 م و ج 1 / 144 بتاريخ 6 / 6 / 1347 هـ. ش = 68 م.

 

[94] - ج 3 / 116 و ج 16 / 226 و ج 8 / 235 في استقبال السيد عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري.

 

[95] - ج 15 / 220 و ج 16 / 179 – 182 بتاريخ 15 / 3 / 1361 هـ. ش = 82 م.

 

[96] - راجع في ذلك على سبيل المثال: ج 1 / 44 – 45, ج 1/ 50 – 55 , بتاريخ 16 / 2 / 1342 هـ. ش = 63 م, ج 1 / 83 – 85  بتاريخ 15 / 3 / 1342 هـ. ش = 63 م, ج 1 / 64 – 66, بتاريخ 21 / 1 / 1343 هـ. ش = 64 م, ج 1 / 156 – 159 بتاريخ 19 / 11 / 1349 هـ. ش = 70 م, وج 3 / 251, وج 2 / 270.

 

[97] - ج 3 / 55 – 56  بتاريخ 16 / 8 / 1357 هـ. ش = 78 م.

 

[98] - ج 1 / 192 – 194 بتاريخ 9 / 8 / 1351 هـ. ش = 72 م.