المقدمة:

 

يعيش عالمنا المعاصر سباقاً تسليحياً مذهلا وواسعاً؛ نظراً لما يتميز به السلاح من دور مهم في حياة الشعوب والدول، حيث يعد مظهراً بارزاً من مظاهر القوة والاقتدار لديها. ومن هنا فقد حرصت البشرية ـ ومنذ القدم ـ على حفظ وصيانة هذه القدرة وتطويرها، بل والاستئثار بها.

 

لقد كانت ـ ولازالت ـ مسالة الحرب والسلم من المسائل التي تشغل ذهن المجتمع الإنساني منذ الفجر الأول وحتى عصرنا الراهن، فلم تنعم الإنسانية بالسلام ولم يهدا لها بال طوال قرون متمادية، حتى قيل: إن الإنسانية لم تنعم بسلام حقيقي خلال عشرات القرون إلا في فترات لا تعدو القرنين أو الثلاثة، وأن الوضع الطبيعي هو الحرب، والاستثناء هو السلام[1].

 

وهذا أمر واضح وجلي إذا ما القينا بنظرة إلى تاريخ الشعوب والأمم السابقة؛ فقد كان اليونان يعتبرون أنفسهم عنصراً ممتازاً وشعباً فوق الشعوب الأخرى؛ من حقه إخضاع هذه الشعوب والسيطرة عليها، ومن هنا كانت علاقاتهم بهذه الشعوب تحكمية لا ضابط لها، وكانت في الغالب علاقات عدائية، وحروباً مشوبة بالقسوة؛ لا تخضع لأي قواعد، ولا تراعى فيها أية اعتبارات إنسانية[2].

 

ولم تكن الإمبراطورية الرومانية تختلف كثيراً عن العهد اليوناني، فقد كانت روما العليا تطمح إلى السيطرة على العالم وضم أكثر عدد ممكن من الأقاليم إليها من خلال حروبها التي دامت عشرة قرون، فرضت فيها نفسها على العالم بالسيف والقوة، وصارت مركزاً لأعظم دولة قديمة ظهرت في التاريخ يحميها جيش قوي دائم تحت السلاح.

 

والخلاصة: لقد عظم الرومان الحرب حتى نصبوا لها الإله: «مارس»، وعظمها اليونان فنصبوا لها الإله: «زيوس»، وقدسها المصريون القدماء فصنعوا لها الإله: «حورس»[3].

 

وأما الحرب في الفكر الديني المحرف كاليهودية، فلم يكن الأمر فيها أحسن حالاً مما سبق، فالديانة إليه ودية تعتبر الحرب فيها حرباً إبادة واستئصال لكل معالم العدو، جاء في الإصحاح الثالث عشر في تثنية الاشتراع في العهد القديم: فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف، وتحرمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف، تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها، وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها[4].

 

وأما الديانة المسيحية، فهي وإن عرفت بالدعوة للسلام لدى أتباعها حتى أنهم ليرددون: (إن المسيحية والسلام توأمان لا يفترقان)، إلا أن الواقع العملي يشهد بتاريخ دموي في القتل والدمار، فبالحرب نشر المسيحيون عقيدتهم في عشرة قرون كاملة، ثلاثة منها قبل ظهور الإسلام، وسبعة أخرى بعد مجيء الإسلام[5].

 

وفي العصر الجاهلي وقبل ظهور الإسلام كانت الحرب سجالاً بين القبائل والأقوام، ولأتفه الأسباب والدواعي.

 

موقف الإسلام من الحرب:

 

ظهرت الدعوة الإسلامية في مجتمع كان يرى الحرب والاعتداء على الآخرين أمراً حياتياً وطبيعياً، بل هي ممارسة يومية مسموح بها لكل فرد، ويعدون عكس ذلك منقصة. وقد لبثت الدعوة الإسلامية أربعة عشر عاماً تدعو قومها الذين ولدت بين أظهرهم ـ بالسلم؛ لأن السلم يمثل هدفاً راقياً من أهدافها، وقيمة عليا من قيمها؛ إذ قوة الدعوة الإسلامية لم تكمن يوما في قوة سلاحها وعدتها، بل هي كامنة في قوة مبادئها ورسالتها.

 

وبعد انتظار طويل ومشاقّ كثر تحملها صاحب الرسالة (صلى اللّه عليه وآله) وأذى لحقه ومن تبعه من المسلمين، إذن لهم بالمواجهة والدفاع عن النفس والدين، فقال عز من قائل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير}[6].

 

ومن هنا نفهم إن مبدأ القتال في الإسلام لم يكن يوماً ذا طبيعة عدوانية أو تسلطية، بل هي طبيعة وقائية ودفاعية، فليس ثمة مجال لما يتقوله مناؤو الإسلام من المستشرقين وغيرهم من أن الإسلام نشأ وانتشر تحت ظل السيف والقهر؛ ذلك لأن العقيدة لا تنبت بالسيف، ولا تروى بالدم، بل منبتها العقل والقلب، ورواؤها الدليل والبرهان.

 

أجل، حرص الإسلام على أن يظهر بمظهر القوة والغلبة؛ ليكون التهديد والإرعاب هو الأسلوب الآخر عندما لا يرعوا الكفّار عن غيهم وتمرهم ضد الدعوة الإسلامية، وعندما تستنفد جميع الأساليب السلمية ـ بالحكمة والموعظة الحسنة ـ أغراضها، فلا يبقى أمام الدعوة لشق طريقها إلا القوة، ومن هنا فقد أمر عز شأنه المؤمنين بإعداد العدة وأسباب المنعة؛ لإرهاب العدو وصيانة الكيان الإسلامي، فقال في كتابه العزيز: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ}.[7] وعلى ضوء ذلك فقد ورد الردع والتحذير في السنة الشريفة عن التفريط بهذه القوة وتعريضها إلى الخطر؛ وذلك ببيع السلاح ونقله إلى أعداء الدين، واعتبرت بعض النصوص الإسلامية ذلك على حد الشرك، ففي وصية النبي (صلى اللّه عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «يا على، كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة: القتات ـ إلى أن قال: ـ وبائع السلاح من أهل الحرب»[8].

 

كما أنه قد نهى الأئمة المعصومون (عليهم السلام) عن التجارة بالسلاح حال الحرب مع دول الكفر المجاورة لبلاد الإسلام، كبلاد الروم مثلاً، وكذلك إلى الحكومات الجائرة والمنحرفة، كالدولة الأموية والعباسية آنذاك، كل ذلك صيانة لهذه القدرة وحرصاً على عدم التفريط بها.

 

أهمية البحث ترتبط هذه المسالة بفقه الدولة المعاصرة سواء كانت الدولة طرفاً في المعاملة، أو كانت المعاملة تحت إشرافها؛ ولذا فقد عد الإمام الخميني (رحمه اللّه) المسالة من شؤون الدولة والحكم، ومن الأمور السياسية التابعة للمصالح العامة ومقتضيات الزمان التي لا يجوز لغير والي المسلمين البت فيها، حتى عد من صلاحياته فسخ المعاملة الواقعة من آحاد المكلفين، إذا كانت على خلاف المصلحة[9].

 

ولا يفوتنا التنبيه على أن اعتبار المسالة من فقه الدولة لا يعني بالضرورة اختصاصها بقيام الحكم الإسلامي؛ لأن ذلك من وظائف سائر الحكومات الإسلامية ولو لم تكن شرعية على ما يراه الإمام الخميني (رحمه اللّه)[10]، نعم تتضاعف أهمية المسالة وموضوعيتها في زمان قيام الحكم الإسلامي، كما في عصرنا الحاضر.

 

منهجية البحث:

 

من المهم جداً تحديد منهجية البحث وتشخيص طبيعته، ويختلف ذلك باختلاف الكشف عن الملاك والنكتة المؤثرة في استنتاج الحكم؛ فمن يقصر النظر فيه على خصوص منطوق النصوص الواردة ـ من دون نظر إلى نكتة أخرى ـ فإنه يرى الحكم حينئذ منوطاً بالمدلول المطابقي لها، اقتصاراً على مفاد الأخبار خاصة. وأما من يلحظ ذلك منوطاً بالمصالح والمفاسد لوضع المسلمين وكيانهم، ولا يرى للنصوص الواردة مفاداً خاصاً مغايراً لحكم العقل، بل يراها امتداداً وتطبيقاً له، فإن المسالة حينئذ تكتسب طابعاً سياسياً في الفقه الإسلامي.

 

فهنا إذن منهجان أو تكليفان فقهيان في المسالة، وتترتب على ذلك ثمرات سنشير إليها لاحقاً.

 

وحيث إن البحث في هذه المسالة قد لوحظت فيه آراء الإمام الخميني (رحمه اللّه) بشكل خاص، فإنا سوف نشير بعد بيان رأيه في المسالة إلى مميزات وخصائص المنهج المختار الذي بنى عليه رأيه والذي يعد من منفرداته الفقهية في المقام التي خالف فيها الرأي المشهور وغير المشهور في آن واحد، وذهب إلى رأي جديد تبعه عليه بعض تلامذته.

 

محاور البحث:

 

يمكن تصنيف البحث في عدة محاور رئيسة:

 

 أولاً: تحديد موضوع المسالة.

 

ثانياً: نصوص المسالة والصور المستفادة منها.

 

ثالثاً: الحكم التكليفي.

 

رابعاً: الحكم الوضعي.

 

 أولاً ـ تحديد موضوع المسالة:

 

ثمة مفردات اشتمل عليها عنوان المسالة، ينبغي التوقف عندها وتوضيحها لتحديد الموضوع وتشخيصه قبل بيان الحكم، وهذه المفردات هي عبارة عن ثلاثة عناوين: السلاح، الأعداء، الدين، ويتم توضيحها ضمن نقاط على ضوء كلام الإمام الراحل (رحمه اللّه)[11].

 

1 ـ المراد بالسلاح: لا شك إن في كل عصر سلاحاً رائجاً ومتعارفاً عند أهله، وهو المقصود في موضوع المسالة، دون السلاح المنقرض الخارج عن الاستعمال، كالموضوع في المتاحف نحو: السيف والنبل والحجارة والمنجنيق مثلاً، فلو أريد من شراء الأسلحة القديمة اقتناؤها والاحتفاظ بها في المتاحف وما شابه فلا شبهة في الجواز حينئذ؛ لخروجها عن موضوع المسالة[12].

 

2 ـ المراد بالعدو: إن المقصود من العدو ـ كما يذكره السيد الإمام (رحمه اللّه) ـ ليس هو مطلق العدو الشامل لكل من خالفنا في الدين، بل هو خصوص الدولة المخالفة للإسلام أو الطائفة المعادية للحق وأهله، وعليه فإنه يجوز بيعه إلى يهودي مثلاً يعيش في بلد المسلمين؛ فإنه وإن كان مخالفا لنا في الدين ولكنه خارج عن موضوع المسالة[13].

 

وقال المحقق الكركي: «لا مانع من ان يراد بالمسلمين:

 

المسلمون حقيقة، والخوارج والغلاة ونحوهم داخلون في أعداء الدين»[14].

 

وقد استدل لهذا التعميم بالاشتراك بالوصف، وهو:

 

(1) ـ الإعانة على الحرام المنهي عنه[15].

 

(2) ـ العداوة للدين الوارد في أخبار المسالة[16].

 

ويرى بعض الفقهاء شمول هذا العنوان للبغاة وقطاع الطريق والمحاربين أيضاً، قال الفاضل المقداد: «أعداء الدين أعم من أن يكونوا مشركين أو بغاة، بل اعم من ذلك، فلو باعه على قطاع الطريق وشبههم حرم أيضاً»[17].

 

بل كل من يعادي أهل الحق من الغلاة والخوارج؛ لأنهم أعداء الدين بلحاظ المخالفة وكونهم حرباً[18].

 

وعلى ضوء ذلك فإن عنوان «العدو» لا يختص بالمشركين وأهل الحرب من الكفار، بل هو شامل لجميع من يعادي المذهب الحق ودولته، كما يستفاد ذلك من بعض نصوص المسالة، مثل حسن أو صحيح أبي بكر الحضرمي، قال: دخلنا على أبي عبداللّه (عليه السلام)، فقال له حكم السراج: ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج وأداتها؟ فقال: «لا بأس؛ انتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) إنكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم ان تحملوا إليه م السروج والسلاح»[19].

 

3 ـ المقصود من الدين: قد ظهر من خلال النقطة السابقة: ان المراد من لفظ «الدين» الواقع في موضوع المسالة، هو الأعم من المذهب الحق، كما يدل عليه ظاهر النص وصريح الفتوى.

 

ثانيا ـ نصوص المسالة والصور المستفادة منها:

 

قبل البحث في حكم المسالة نذكر الأخبار الواردة فيها أولا؛ لنقف على مفاد تلك الأخبار ومضامينها، ثم نذكر الصور المستفادة منها:

 

أما الأخبار فهي على طوائف[20]:

 

الطائفة الأولى: الروايات المانعة من البيع مطلقا؛ وهي عبارة عن روايتين:

 

1 ـ رواية علي بن جعفر ـ المعبر عنها بالحسنة أو الصحيحة ـ في كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة. قال: «إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس»[21].

 

2 ـ رواية الفقيه بأسناده عن حماد بن عمرو وانس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبي (صلى اللّه عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال: «يا علي، كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة... ـ إلى أن قال: ـ وبائع السلاح من أهل الحرب»[22].

 

وهي ـ كما قيل ـ مجهولة بحماد بن عمرو، وانس بن محمد، وأبيه[23].

 

وثمة رواية ثالثة لم يتعرض لها الفقهاء في المقام، وقد تعرض لها السيد الإمام الخميني (رحمه اللّه) في مسالة بيع العنب ليعمل خمراً، وهي فقرة من رواية تحف العقول حيث طبق (رحمه اللّه) قوله (عليه السلام): « أو باب يوهن به الدين فهو حرام محرم، حرام بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه» على بيع السلاح.

 

إلا أن الرواية ضعيفة، كما اعترف به[24].

 

الطائفة الثانية: ما دل على جواز بيعه مطلقاً، وهي عبارة عن رواية واحدة، فعن أبي القاسم الصيقل قال: كتب إليه: أني رجل صيقل اشتري السيوف وأبيعها من السلطان، أجائز لي بيعها؟

 

فكتب (عليه السلام): «لا بأس به»[25].

 

وهي مجهولة بالصيقل.

 

الطائفة الثالثة: ما دلت على التفصيل بين الهدنة والمباينة؛ أي الحرب، وهي عبارة عن ثلاث روايات:

 

1 ـ ما روي في الكافي والتهذيب عن أبي بكر الحضرمي ـ في الحسن ـ قال: دخلنا على أبي عبداللّه (عليه السلام)، فقال له حكم السراج: ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج وأداتها؟

 

فقال: «لا بأس؛ انتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) إنكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج والسلاح»[26].

 

وقد عبر عنها في الحدائق بـ «الحسنة» وفي مجمع الفائدة ـ بعد أن ذكر إن اشتراك علي بن الحكم فيها لا يضر؛ لان الظاهر أن المراد به الثقة، كما إن ما نقله ابن دأود عن الكشي من توثيق الحضرمي غير ثابت؛ لعدم عادة الكشي بالتوثيق، مضافاً إلى تخليط ابن داود، ومن هنا لم يعبر عنها بالصحيحة، بل قال: «أنها مؤيدة بالقبول والشهرة»[27].

 

ومعنى قوله (عليه السلام): «انتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)» إنكم باقون على دينه بعد موته (صلى اللّه عليه وآله)، كأصحابه الباقين على صحبته جماعة واحدة رغم وجود المؤمن والمنافق فيهم[28].

 

ثم إن مورد الطائفة الأولى هو البيع من الكفار والمشركين، ومورد الطائفتين الأخيرتين سلاطين الجور والمخالفون، فلاحظ.

 

2 ـ ما رواه المشايخ الثلاثة عن هند السراج قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أصلحك اللّه، إني كنت احمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم، فلما عرفني اللّه هذا الأمر ضقت بذلك وقلت: لا احمل إلى أعداء اللّه، فقال لي: «احمل إليهم وبعهم؛ فإن اللّه يدفع بهم عدونا وعدوكم ـ يعني الروم فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا، فمن حمل إلى عدونا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك»[29].

 

والرواية مجهولة بأبي سارة الواقع في سندها، كما لم يوثق راويها هند السراج، ولم يتعرضوا له في كتب الرجال.

 

3 ـ ما رواه أبو عبداللّه البرقي، عن السراد، عن أبي عبداللّه قال:

 

قلت له: إني أبيع السلاح، قال: «لا تبعه في فتنة»[30].

 

قال في الحدائق: «وفي التهذيب رواه عن السراد، عن رجل، عنه، وهو الظاهر؛ حيث إن السراد المذكور إنما يروي عن أبي عبداللّه (عليه السلام) بالواسطة. هذا إن حمل انه الحسن بن محبوب المشهور بهذا اللقب، وإلا فلا، فيكون الرجل مهملاً».[31] وعلى كل حال فهي مقيدة بحال الفتنة، ومفهومها الجواز في غيرها؛ بناءا على حجية مفهوم الوصف.

 

وأما الصور في المسالة فهي أربع صور:

 

1 ـ الحرب.

 

2 ـ التهيؤ للحرب.

 

3 ـ الهدنة.

 

4 ـ المباينة.

 

وقد أشير إلى هذه الصور في الأخبار، ما عدا الصورة الثانية؛ فإنه قد أضافها بعض الفقهاء[32] ملحقة بصورة الحرب، على ما سيأتي بيانه.

 

والصورة الرابعة عبارة عن حالة اللاصلح، سواء كانت هناك حرب أو لم تكن بأن كان صرف المقاطعة، قال الإمام الخميني (رحمه اللّه): «والظاهر من «المباينة» التي ذكرت في رواية الحضرمي هي المقابلة للهدنة التي كانت بين أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)، أي عدم الاجتماع تحت راية واحدة، وتمايز الفريقين في الحكومة والسياسة»[33].

 

والظاهر من كلمات بعض الفقهاء ـ بل أكثرهم، وسيأتي التعرض له في القول الأول ـ عدم التفريق بين هذه الصورة والصورة الأولى؛ أي الحرب، ومن هنا جعلوا المدار في الحكم على صورتي الحرب والصلح فقط؛ وكان لفظ «المباينة» في رواية الحضرمي مفسرة بالحرب في رواية هند السراج.

 

وذهب آخرون ـ كما سيأتي ـ إلى التفريق بينهما؛ فالمباينة عندهم صورة مستقلة يراد بها ما سوى حال الهدنة، فهي أعم من الحرب، لا مساوية لها، ومفاد الروايتين شيئان، لا شيء واحد. إلاّ أنه ـ كما في الحاشية للسيد اليزدي (رحمه اللّه) ـ لا تعارض بينهما؛ لان الأولى تدل على الحرمة حال الحرب، والثانية تدل على الحرمة، فهي أعم منها، ولا تعارض بين المثبتين إذا كان أحدهما أعم والأخر أخص، فنأخذ بهما معاً.

 

وعلى فرض ظهور الأولى في التخصيص...إلا أن الثانية أظهر، مع أنها أصح سنداً[34].

 

ثالثاً ـ في الحكم التكليفي:

 

يمكن بحث المسالة على مستويين:

 

الأول: بحسب القواعد العامة.

 

الثاني: بحسب النصوص الخاصة.

 

أما البحث على مستوى القواعد: فإن هناك عدة قواعد وجملة عمومات يمكن التمسك بها:

 

1 ـ قاعدة حرمة الإعانة على الإثم: والمستند فيها[35]:

 

ا ـ قوله تعالى: {وَتَعَ أونُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَ أونُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[36].

 

ب ـ الدليل العقلي على قبح ذلك.

 

ج ـ أدلة وجوب النهي عن المنكر.

 

ومن الواضح: إن البيع إذا تحقق ـ سواء اخذ القصد فيه، أم اكتفى بالصدق العرفي على رأي بعض الفقهاء[37] ـ حرم.

 

2 ـ قاعدة مراعاة المصلحة أو الأصلح: والمستند فيها هو العقل.

 

ولهذه القاعدة عدة تطبيقات فقهية، كالجهاد الابتدائي، وعقد الهدنة مع المشركين، وغيرهما من المسائل التي يعتبر فيها وجود المصلحة وعدم وجود المفسدة والضرر، والمرجع في تشخيص ذلك الإمام أو الحاكم. وبحثنا من هذا القبيل، فلابد من ملاحظة المصلحة العامة في هذا البيع، فالمدار في الحكم عليها.

 

وقد اختص بهذا الرأي من الفقهاء الإمام الخميني (رحمه اللّه)[38] وبعض من تابعه[39]، حيث بنى الحكم في المسالة على القاعدة المذكورة. وسيأتي توضيحه والبحث فيه مفصلاً عند التعرض للأقوال.

 

3 ـ قاعدة حرمة التقوية على الكفر:

 

وقد تمسك بها الشهيد الأول[40]، والمحقق الخوئي (قدس سرهما)[41] لمنع البيع من الكفار خاصة.

 

4 ـ قاعدة حرمة التقوية على الباطل:

 

والمستند فيها هو الأدلة الأربعة[42]:

 

فمن الكتاب آية المعاونة المتقدمة.

 

ومن السنة: المروي عن أبي عبداللّه (عليه السلام): «لولا إن بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا»[43].

 

ورواية التحف: «وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه تعالى، أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي... فهو حرام محرم بيعه وشراؤه»[44]. وهو المستند أيضاً في القاعدة المتقدمة.

 

وقد تمسك بهذه القاعدة السيد السبزواري (قدس سره).

 

5. قاعدة «دفع المنكر واجب، كرفعه».

 

والمدار في جميع هذه القواعد هو إحراز النكتة والملاك الثابت فيها، فمتى ما وجد وفي أية صورة من صور المسالة ـ وهي:

 

الحرب، أو التهيؤ لها، أوآلهدنة، أو المباينة ـ ثبت الحكم، وليس المدار على النصوص والصور الواردة فيها.

 

وظاهر المتمسكين بهذه القواعد ـ بل صريح بعضهم، كالسيد الإمام (رحمه اللّه) على ما تقدم النقل عنه في المقدمة ـ هو تنزيل وتفسير الأخبار بمقتضى القاعدة ومفادها؛ بمعنى أنهم لم يستظهروا من نصوص المسالة شيئاً مغايراً لمضمون القاعدة، فمفاد النصوص عندهم هو من تطبيقات القاعدة الكلية؛ ومن هنا فقد علق السيد اليزدي (قدس سره) على صورة قصد الإعانة بقوله: «ولعل من خص الحرمة بهذه الصورة لم يفهم من أخبار المقام أزيد من حرمة المعاونة على الإثم، وهو ممن يعتبر القصد في صدقها، فتكون الأخبار مبينة للقاعدة، ومنزلة عليها»[45].

 

وأما البحث على مستوى النصوص: فإن الحكم في المسالة إجماعي في الجملة؛ وهو الحرمة حال قيام الحرب، إنما الخلاف في التخصيص والتعميم، والأقوال في ذلك ثمانية وإن كان مفاد بعضها أنما هو على ضوء العمومات والقواعد المتقدمة لا النصوص، ولكن أدرجناه هنا ضمن الأقوال؛ لكونه واحداً منها.

 

وقبل بيان الأقوال نشير إلى أن السلاح ينقسم إلى قسمين:

 

دفاعي وهجومي. والكلام يقع أولاً في القسم الأول منه، والذي هو عمدة البحث، وفيه الأقوال التالية:

 

القول الأول: اختصاص الحرمة بالحرب، وجوازه في الهدنة لمطلق العدو.

 

القول الثاني: الحرمة مطلقا.

 

القول الثالث: الحرمة مطلقا بالنسبة للكفار، والتفصيل بين الصلح والحرب بالنسبة للمسلمين.

 

القول الرابع: اختصاص الحرمة بالحرب مع قصد المساعدة.

 

القول الخامس: الحرمة في حال الحرب، أو مع قصد المساعدة.

 

القول السادس: الحرمة في حال المباينة، أو مع قصد المساعدة.

 

القول السابع: إن المدار في الحكم على صدق «التقوية».

 

القول الثامن: إن المدار في الحكم على مراعاة المصالح العامة ومقتضيات الزمان.

 

وفيما يلي تفصيل هذه الأقوال:

 

القول الأول:

 

اختصاص الحرمة بحال قيام الحرب فقط لمطلق العدو؛ الكافر والمسلم، ومقتضاه التفصيل بين حال الحرب والهدنة، فالحرمة في حال الحرب، والجواز في حال الصلح والهدنة.

 

وأضاف الشهيد الثاني إلى حالة الحرب: التهيؤ لها[46].

 

وقد نسب المحدث البحراني والسيد اليزدي هذا القول إلى المشهور[47]. واختاره الشيخ في ظاهر الاستبصار[48]، وهو صريح السرائر والتحرير والتذكرة وحاشية الإرشاد والشيخ في المكاسب والمحقق الكركي، إلا أنه خص الحكم بحال عدم الهدنة المساوي للمباينة، ومثله من فقهائنا المعاصرين السيد الگلپأيگاني (قدس سره)[49]. وهو ظاهر الأخبار، كما في الدروس ومجمع البرهان وحاشية الإرشاد[50]، ودلالتها عليه اقوي كما في المختلف[51]، وأوضح كما في المهذب البارع[52]. وعليه نزلت عبارة المحقق في الشرائع والعلامة في التذكرة والإرشاد والقواعد[53].

 

وقد استدلوا على ذلك بأمور:

 

الأمر الأول: الأخبار، كما اشرنا لذلك، بل قد سمعت: «إن دلالتها عليه اقوى وأوضح»، بل قد خص في السرائر موردها بحال الحرب[54]، وأما الروايات التي استدل بها على ذلك فهي:

 

1 ـ رواية الحضرمي المعبر عنها ب «الحسنة» أو «الصحيحة» حيث قال (عليه السلام) في سؤال من سأله عن بيع السروج وأداتها: «لا بأس؛ انتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) إنكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج والسلاح»[55].

 

2 ـ رواية هند السراج التي سال فيها أبا جعفر (عليه السلام) عن حمل السلاح إلى أهل الشام، فقال (عليه السلام): «إحمل إليهم؛ فإن اللّه يدفع بهم عدونا وعدوكم ـ يعني الروم ـ وبعهم، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا...»[56].

 

وبهما تقيد المطلقات جوازاً ومنعاً، فتكون دالة على التفصيل.[57] وقد نوقش في الاستدلال بمناقشتين:

 

المناقشة الأولى:

 

 ما أفاده السيد الإمام (رحمه اللّه) من قصور الروايتين عن إفادة التفصيل المذكور؛ إذ إن للهدنة معنيين، والواقع مورداً للجواز في الروايتين هو احدهما، وعليه فلا يمكن تعدية الحكم إلى المعنى الآخر.

 

بيان ذلك: إن الهدنة تارة: تتصور بين كيانين سياسيين مستقلين، لكل منهما مركزه ودولته الخاص ة به.

 

وتارة: تكون بين كيان ودولة مستقلة مع طائفة وجماعة ممن يعيشون تحت نفوذها وسلطانها مع اختلافهم أو تباينهما في المذهب والاعتقاد، ولم يكن بينهما حرب أو قطيعة كاملة، بل سكون وهدنة، بحيث يعيشون وكأنهم جماعة واحدة، تديرهم حكومة واحدة.

 

والنصوص المتقدمة واردة في المعنى الثاني للهدنة؛ حيث إن تاريخ صدورهما كان في زمن الإمامين الصادقين (عليهما السلام)، ولم تكن آنذاك للشيعة دولة وكيان مستقل، بل كان المسلمون جميعا تحت حكومة خلفاء الجور، ولم يكن في تقوية سلطانهم تقوية لهم قبال الشيعة وحكومتهم؛ لعدم تشكيلها بعد، بل فيه تقوية للمسلمين في مقابل الكفار.

 

وقد شبه الإمام (عليه السلام) هذا النوع من الهدنة بالهدنة التي كانت بين أصحاب النبي (صلى اللّه عليه وآله)حيث كانوا يعيشون كالجماعة الواحدة مع إن فيهم المؤمن والمنافق.

 

وعليه فلا يجوز التعدي عن مثل هذا السنخ من الهدنة إلى الهدنة بمعناها الأول؛ وهو فيما لو كان للشيعة دولة وسلطان، بل لابد من النظر حينئذ إلى مقتضيات الزمان وصلاح المسلمين.

 

بل وحتى الحكم بجواز المعنى الثاني للهدنة الذي هو مورد الروايتين، إنما هو من باب مراعاة المصلحة العامة؛ حيث كانت تقتضي عضد الحكومة الإسلامية وتقويتها في قبال الدول الكافرة.

 

وعليه فالمدار في كلا الهدنتين هو ملاحظة المصلحة ومقتضيات الزمان، ولا يستفاد من الروايتين أمراً زائداً عما هو مقتضى حكم العقل، بل هما من باب التطبيق له.

 

المناقشة الثانية[58]:

 

 وتبتني على إنكار التفصيل المذكور، ولكن لا مطلقاً، بل في خصوص الكفار والمشركين؛ بدعوى إن مورد الروايتين هو بيع السلاح من حكومة المسلمين الجائرة، وعليه فبيع السلاح من الكفار أجنبي عن مورد الروايتين، فيبقى مشمولاً للمطلقات المانعة.

 

إلا انه يمكن أن يقال في جوابه ـ مضافاً إلى المناقشة السندية الآتية في المطلقات المانعة ـ : إن النكتة المستفادة من الروايات المفصلة هي نكتة واحدة؛ وهي عدم جواز البيع لأعداء الدين في حال المباينة أو الحرب؛ لأنهم يستعينون به علينا. وهذه النكتة لا تختص بعدو دون عدو، كما هو واضح.

 

على إن عنوان «العدو» في الكفار أوضح وأجلى، بل قد نصت عليه نفس رواية هند، حيث قال (عليه السلام)فيها: «أحمل إليهم وبعهم؛ فإن اللّه يدفع بهم عدونا وعدوكم» يعني الروم..

 

ومن هنا لم يفهم القائلون بهذا القول خصوصية لمورد الروايتين، فعمموا الحكم إلى الكافر أيضاً؛ لأن الوصف ظاهر في التعميم، ولأن نكتة التحريم ـ وهي الاستعانة ـ واحدة في الموردين معا.

 

3 ـ عموم الرضوي المانع عن التكسب بكل ما فيه وجه من وجوه الفساد[59].

 

وقد استدل به صاحب الرياض[60].

 

4 ـ خبر السرّاد أو مرسله المنجبر بعمل الأصحاب ووجود ابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه في سنده، قال:

 

سالت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن بيع السلاح، فقال «لا تبعه في فتنة»[61].

 

الأمر الثاني: أصالة الإباحة، فإن الأصل هو جواز البيع، خرج منه بالدليل بيع السلاح حال الحرب، فيبقى الباقي مدلولاً لأصالة الإباحة[62].

 

الأمر الثالث: استلزام البيع الإعانة على الإثم المحرمة بالكتاب والسنة[63].

 

تنبيهات:

 

التنبيه الأول:

 

يجد الملاحظ لهذا الرأي قلة القائل به، مع أنه منسوب إلى المشهور، والسر في ذلك يرجع إلى إن المسالة قد طرحت ـ أساساً ـ في كتب بعض الفقهاء[64] على أنها ذات قولين: قول بالتفصيل بين الحرب والهدنة، وقول بالمنع مطلقاً، وقد عرف ابن إدريس من المتقدمين بالقول الأول، وذهب الآخرون منهم ـ كالشيخين وأتباعهما، كما سيأتي قريباً ـ إلى الثاني.

 

نعم، القائلون بالتفصيل اختلفوا في إضافة بعض القيود، كقصد الإعانة مطلقا، أو في غير حال الحرب، أو جعلوا التفصيل بين الحرب والمباينة، كما أنهم اختلفوا في مورده بين مطلق أعداء الدين، أو بين المسلمين خاصة، وهكذا حتى تعددت الأقوال في المسالة.

 

وعليه فإن أصل المسالة ذات قولين، ودعوى الشهرة المزبورة إنما هي على أصل التفصيل الذي يندرج تحته أكثر من قول، مع الإغماض عن اختلافها في التخصيص والتعميم وتعيين المورد.

 

التنبيه الثاني:

 

أضاف الشهيد الثاني إلى صورة الحرب حالة التهيؤ لها. وهو في محله، وسيأتي وجهه في القول السادس.

 

التنبيه الثالث:

 

 انه قد يستفاد من خبر هند السراج البيع مع قصد المعونة؛ حيث أنه (عليه السلام) اعتبر من يحمل السلاح إلى عدوهم ليستعين به عليهم مشركاً، مما قد يشعر أنه مع القصد المذكور، وربما يكون أيضاً محمولاً على المبالغة، أو اعتقاد إباحتها[65].

 

القول الثاني:

 

الحرمة مطلقاً في الحرب والصلح، وللكفار والمخالفين. وهو المنسوب إلى القدماء[66]، كالشيخين، وسلار[67]، وأبي الصلاح[68]، والقاضي، من أتباع الشيخ، والشهيد في اللمعة[69].

 

ونسب إلى الشرائع[70]، وفي النسبة نظر، بل منع.

 

قال الشيخ المفيد في المقنعة: «بيع السلاح لأعداء الدين حرام[71]»[72].، وعمله لمعونتهم على قتال المسلمين حرام والجملة الثانية منفصلة عن الأولى.

 

وقال الشيخ في النهاية: «وبيع السلاح لسائر الكفار وأعداء الدين حرام، وكذلك عمله لهم والتكسب بذلك»[73].

 

وقال القاضي ابن البراج فيما يحرم التكسب به: «وعمل السلاح مساعدة ومعونة لأعداء الدين، وبيعه لهم»[74].

 

وقال سلار في عداد ما يحرم التكسب به: «وبيع السلاح لأعداء اللّه تعالى وعمله»[75].

 

وقد نزلت عباراتهم على فرض قصد المساعدة، كما هو صريح الفاضل الأبي[76]، حيث حملها وعبارة شيخه المحقق في الشرائع على ذلك. وبهذا التنزيل ـ كما في مفتاح الكرامة ـ تشعر عبارة النافع والدروس[77].

 

كما أنه فهم من عباراتهم إرادة الكفار فقط، لا مطلق أعداء الدين[78].

 

لكن التأمل في عباراتهم السالفة لا يساعد على ذلك؛ بل يستفاد من ظاهرها الإطلاق؛ سواء قصد المساعدة أم لم يقصد، وفي مطلق أعداء الدين، فلتلحظ ويدقق فيها.

 

ثم إن سائر القدماء ـ عدا من ذكرنا ـ كالسيدين والقديمين وابن حمزة، لم يتعرضوا لحكم المسالة، كما لم يتعرض لها الشيخ في الخلاف والمبسوط.

 

وعلى كل حال: فقد استدل لهم[79] على ذلك بالإطلاقات المانعة، وهي:

 

 أولا: ما رواه في «الفقيه» من وصية النبي (صلى اللّه عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «يا علي، كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة القّتات...»، ثم عد منها «بائع السلاح من أهل الحرب»[80].

 

ثانيا: ما رواه علي بن جعفر الحميري، عن علي بن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة؟

 

قال: «إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس»[81].

 

وقد نوقش في الأول منهما:

 

 أولا: بقصور السند؛ لاشتماله على مجاهيل[82].

 

وثانيا: بما أفاده السيد الإمام (رحمه اللّه) وهو عبارة عن مناقشتين دلاليتين:

 

ا ـ قصور الدلالة؛ من حيث منع الإطلاق فيها لما إذا لم يكن خوف منهم ولا في تقويتهم احتمال ضرر على المسلمين، كما لو كانوا تحت سلطة الإسلام؛ أي أن هذا الإطلاق مقيد بحكم العقل القطعي بجواز البيع لو لم يكن فيه ضرر على الإسلام، كما إن الروايات المطلقة في الجواز مقيدة بعكس ذلك، فلاحظ.

 

ب ـ إن الظاهر من «أهل الحرب» هو الجماعة المستعدون للحرب، أو المحاربون فعلاً؛ إذ الوصف ظاهر في الفعلية.

 

ويؤيده ويشهد له التشديد الوارد فيها؛ ووصف ذلك بالكفر باللّه العظيم الذي لا يقال إلا إذا كانت المعصية عظيمة[83]، وعليه فالرواية لا إطلاق لها أيضاً من هذه الناحية للحرب والصلح، بل هي مختصة بحالة الحرب فقط.

 

ويمكن إضافة مناقشة ثالثة للإطلاق المدعى، وحاصلها: إن هذه الرواية واردة في أهل الحرب، وهم الكفار، فلا إطلاق لها من هذه الجهة ـ لأعداء الدين من نفس المسلمين.

 

وقد صرح بهذه المناقشة النراقي في المستند مستظهرا ذلك من المهذب وغيره، مستدلاً عليه بإطلاق الفقهاء«الحربي» على غير الذمي من الكفار، ولذا يقال لبلاد المشركين: «دار الحرب»[84].

 

ويناقش في الثاني:

 

بجملة أمور ذكرها السيد الإمام (رحمه اللّه) أيضاً، وهي:

 

 أولا: أن هذا الخبر وارد بصدد بيان جواز حمل مال التجارة غير السلاح، لا بيان عدم جواز بيع السلاح، فلا إطلاق حتى يؤخذ به.[85] وبعبارة أخرى: أن دلالتها على المنع بالمفهوم، وإطلاقه غير واضح؛ لكونها في مقام بيان حكم المنطوق، ويكفي في صحة التقييد وثبوت المفهوم تحقق المنع في بعض الصور، كصورة المباينة أو الحرب مثلاً.

 

وإن شئت قلت: إن مفهوم القضية بمنزلة النقيض لها، ونقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية، ونقيض السالبة الكلية موجبة جزئية[86].

 

ثانياً: أنه على فرض التنزل والتسليم بكون الرواية بصدد بيان حكم بيع السلاح أيضاً، لا مال التجارة فحسب، فإنه مع ذلك يمنع إطلاقها لصورة ما إذا لم يكن خوف منهم ولا في تقويتهم ضرر على الإسلام.

 

ثالثاً: إن موردها هو حمل السلاح إلى البلاد المجاورة لبلاد الإسلام آنذاك؛ وهي بلاد المشركين المعادية للإسلام، وعليه فالرواية ليس فيها إطلاق لمطلق أعداء الدين[87].

 

لكن يمكن أن يقال: أنه بضميمة باقي الأخبار التي شركت بين الكفار وأعداء الدين من المسلمين بوصف العداوة وبوحدة التعليل ـ وهو الاستعانة بالسلاح على المسلمين ـ يمكن إلغاء الخصوصية عن المشركين في هذه الرواية، فتشمل باقي الأعداء.

 

وجميع هذه المناقشات في هاتين الروايتين هي مما اختص به الإمام الخميني (رحمه اللّه) في بحوثه في المكاسب، وتابعه عليها بعض تلامذته[88]، ولم اظفر بها لغيره.

 

وفي الرياض والمستند والمفتاح[89] المناقشة في أعمية «البأس» ـ الثابت بمفهوم صحيحة علي بن جعفر ـ للحرمة.

 

وثمة مناقشة مشتركة فيهما، وحاصلها[90]: إن هاتين الروايتين مطلقتان، يجب تقييدهما بالأخبار الأخر المفصلة والمقيدة بحال الحرب. هذا أولاً.

 

وثانياً: إنهما معارضتان بإطلاق الجواز في خبر أبي القاسم الصيقل، الذي سال عن جواز بيعه السيوف من السلطان، فكتب (عليه السلام): «لا بأس به»[91].

 

أقول: هذه المناقشة مبنية على تسليم الإطلاق فيهما، وقد عرفنا أن لا إطلاق فيهما بحسب ما أفاده الإمام (رحمه اللّه).

 

ومع ذلك فإنه يمكن دفعها ـ بعد المناقشة فيها بجهالة الصيقل، وعدم معروفية من يروي عنه ـ بما يلي من كلام الإمام (رحمه اللّه) أيضاً، حيث أفاد[92]: إن الظاهر من «السلطان» في رواية الصيقل ما كان من خلفاء الجور الذي لم يكن في قباله إلا دول الكفر، فيصرفها في دفعهم، وعليه فوزان الرواية وزان رواية الحضرمي الواردة في الهدنة التي كانت من نحو هدنة أصحاب رسول اللّه؛ والتي جوزت بيع السلاح في مثل هذه الهدنة، فتكون رواية الصيقل دالة على جواز البيع للسلطان حال الهدنة معه بهذا المعنى من الهدنة؛ ليدفع بذلك السلاح «عدوه وعدونا» على حد تعبير الإمام (عليه السلام) في رواية الحضرمي. وهذا هو مقتضى الجمع بين الروايات المفصلة بين حال الحرب والهدنة ـ بهذا المعنى من الهدنة ـ وبين الروايات المجوزة مطلقا، كرواية الصيقل.

 

تساؤل ورد:

 

هذا تمام الكلام في الاستدلال برواية الحضرمي والمناقشات المتعلقة بذلك.

 

وقد يتوجه هنا سؤال أو إشكال على مبنى الإمام (رحمه اللّه) حيث إنه بنى الحكم على مراعاة المصلحة العامة للإسلام وحكومته، وعليه فبتنقيح المناط وإلغاء الخصوصية عن خصوص المورد، لابد من الالتزام بحرمة كل ما يوجب قوة الكفار وشوكتهم؛ بحيث يخاف منهم ولو آجلا، ومن اظهر ذلك أيجاد العلاقات التجارية، مع إن الرواية قد نفت البأس عنه.

 

وقد أجيب على ذلك بما حاصله[93]: إن ثمة فرقاً بين أنواع التجارات والعلاقات التجارية، فرب علاقة جزئية لا تستوجب قوة العدو، وهذا النوع من التجارة هو الملحوظ في الصحيحة المذكورة؛ حيث كانت التجارات في تلك الأعصار من هذا القبيل بما يتناسب مع الإمكانات المحدودة آنذاك.

 

ولكن المجيب دفع ما ذكره فقال: أنه يمكن أن يقال: إن الحكم بالجواز لتلك التجارات الجزئية مبني على فرض الصلح وعدم قيام الحرب بين الفريقين؛ إذ لا يجوز معاونتهم في حال الحرب بأي نحو كان، وعليه فمورد الرواية هو التجارة في صورة الهدنة لا محالة.

 

أقول: إنه بناء على النكتة التي ارتكز عليها الإمام (رحمه اللّه) ـ من إناطة الأمر بمراعاة المصلحة ومقتضيات الزمان ـ فإن حق الجواب عن التوهم المذكور في مورد التجارة مع الكفار ينبغي أن يكون على ضوء النكتة المذكورة، وليس على أساس التفصيل بين حال الحرب والصلح؛ لأن ذلك لا يؤمن لنا النكتة التي ارتكز عليها رأي الإمام، إذ قد تكون هذه التجارة مضرة بالإسلام حتى في حال الهدنة، فليست الهدنة مطلقا مورداً للحلية والجواز، بل إذا خلت التجارة فيها من الضرر والمفسدة.

 

هذا، ومن اجل ضعف الاستدلالات التي استدل بها لهذا القول وإمكان الخدشة فيها، فقد صرح السيد العاملي في مفتاحه: «بان المتقدمين اجل من أن يستدلوا بهذه الاستدلالات الواهية»، ومن هنا فقد احتمل تنزيل عباراتهم على صورة قصد المساعدة، كما نقلناه عن بعضهم في صدر المسالة.

 

ثم قال: «وأول من فتح باب الوهم للمتأخرين العلامة في المختلف فإنه لم ينقح المسالة. وعلى هذا تلتئم الكلمة ويرتفع الخلاف في المسالة إلا في أشياء سهلة».

 

ثم أيد كلامه هذا ببعض الشواهد فقال: «وإلا فما كان الشيخان، وسلاّر، وأبو الصلاح، والمحقق في الشرائع وكاشف الرموز والعلامة، والشهيد في اللمعة وغيرهم، ليحرموا بيع السلاح لأعداء الدين مع عقد الهدنة معهم عشر سنين ـ لمكان ضعف في المسلمين ومخالطتهم؛ لأنها منتهى المدة حينئذ ـ من دون قصد إعانة ومساعدة، إن ذلك لبعيد؛ لا باعث على ارتكابه مع إمكان التنزيل القريب وشهادة جملة من العبارات بأن هذا مرادهم. مع ما في ذلك من إعراضهم عن أصول مذهبهم والإعراض عن قواعد الجمع بين الأخبار»[94].

 

ويمكن الاستئناس له بما هو ظاهر الشيخ في الاستبصار من جواز البيع للكافر إذا علم انه يحارب به باقي الكفار[95].

 

ألا أنه مع ذلك كله يصعب مخالفة الظاهر من كلماتهم السابقة. هذا مع إمكان دفع بعض ما ذكره، كاستشهاده بعقد الهدنة في أقصى مدته الملازم بطبيعة الحال ـ لجواز البيع فيه؛ إذ قد يقال بتحقق عقد الهدنة، ومع ذلك يحرم بيع السلاح. بل إن هذا التفصيل بين الحرب والهدنة في كلامهم هو أول الكلام، وهو المراد إثباته أو نفيه. وصرف الاستبعاد ـ بأن تكون هناك هدنة، ومع ذلك لا يجيزوا البيع فيها ـ لا يجدي شيئاً؛ إذ قد يكون دليلهم في ذلك المطلقات الناهية التي تقدم الحديث عنها.

 

والقدح فيها لا يضر بجلالة شأنهم؛ إذ كم له من نظير في مناقشات المتأخرين لأدلة المتقدمين، بل سوف يأتي في القول الثالث في المسالة إن المنع من بيعه من الكفار مطلقا ـ حتى في حال الهدنة ـ هو رأي الشهيد والنراقي والمحقق الخوئي، مع إنهم يلتزمون بجواز الهدنة وأقصى المدة مع الكفار، وعليه فلا مجال للاستبعاد المذكور في كلامه بوجه؛ لعدم الملازمة بين الأمرين.

 

وأيضاً فإن استشهاده بجملة من العبارات ـ كعبارة كشف الرموز والدروس والنافع – لا يجدي شيئاً؛ لان حجية الظهور في كلام القدماء أقوى من حجية استظهار الأعلام المذكورين بلا أدنى شك، خصوصاً مع الجهل بالداعي لمثل هذا التنزيل.

 

كما إن الاستئناس الذي ذكرناه لكلامه من عبارة الشيخ في الاستبصار أيضاً لا يقاوم الظهور المنعقد في عبارة النهاية. هذا مضافاً إلى أن رأي الشيخ في مسالة، قد لا يتفق في كتاب واحد، فضلا عن كتأبين.

 

القول الثالث:

 

إطلاق المنع بالنسبة للكفار، والتفصيل بين الصلح والحرب بالنسبة للمسلمين.

 

ذهب إلى هذا القول الشهيد الأول في حواشيه على القواعد حيث قال: «المنقول أن بيع السلاح حرام مطلقاً في حال الحرب والصلح والهدنة؛ لأن فيه تقوية الكافر على المسلم، فلا يجوز على كل حال»[96].

 

وظاهر التعليل اختصاصه بأهل الحرب، لا مطلق أعداء اللّه، كما نسب له ذلك جماعة[97]. وقواه واستظهره النراقي في مستنده[98] إلا أنه جعل التفصيل في بيعه للمسلمين بين الصلح والمباينة. واختاره من محققي المعاصرين السيد الخوئي (قدس سره)[99]؛ مستدلاً عليه بأمور:

 

الأمر الأول:

 

بالمطلقات الناهية عن بيعه للكفار، وهي رواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)، ووصية النبي (صلى اللّه عليه وآله) لعلي (عليه السلام) المروية في الفقيه.

 

وأما الروايات المفصلة بين حال الحرب والصلح ـ وهي رواية الحضرمي والسراج ـ فقد أجاب ـ وكذا المحقق الإيرواني ـ عنها بعدم صلاحيتها للتقييد؛ لأن موردها سلاطين الجور، وعليه فلا يكون كلام الشهيد كالاجتهاد في مقابل النص، بل هو مستند إلى النص في المنع[100].

 

أقول: يمكن الجواب بوجوه:

 

1 ـ قد تقدمت المناقشة مفصلا في الروايات المانعة عند الحديث عن القول الثاني، والذي يرد منها على هذا القول المناقشات الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة.

 

2 ـ إن تخصيص التفصيل الوارد في روايتي الحضرمي والسراج بخصوص السلطان الجائر والمخالفين، تخصيص للوارد في خصوص المورد، ولا داعي له.

 

بيان ذلك:

 

 إن هذه النصوص وأن لم يرد فيها السؤال عن قاعدة كلية وذلك لورودها في مناسبات عديدة بحسب محل ابتلاء السائل؛ وهو بيع السلاح من سلطان الجور ـ إلا أن جواب الإمام (عليه السلام) وتعليله يمكن استفادة العموم منه؛ إذ الاستعانة بالسلاح لمحاربة الدين لا تختص بالجائر فقط، بل هي شاملة للكافر أيضاً. كما أن الوصف ـ العداوة ـ ظاهر في التعميم كذلك، حيث ورد فيها: «احمل إليهم؛ فان اللّه يدفع بهم عدون أوعدوكم»؛ يعني الروم... بل العداوة فيهم أجلى وأوضح، كما تقدم. وعليه فلا داعي لحصر التفصيل بخصوص من ذكر، فتحمل المطلقات المانعة ـ على فرض تماميتها ـ على الروايات المفصلة.

 

الأمر الثاني[101]:

 

 قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ}[102].

 

وتقريب الاستدلال: إن الآية أمرت المؤمنين بإعداد القوة والسلاح لإرهاب العدو وإرعابه، وهو غرض مطلوب في الآية، وعليه فلا يجوز مخالفته ونقضه بالبيع؛ إذ البيع والنقل نقض لغرض الآية.

 

ويمكن الملاحظة عليه نقضاً وحلاً:

 

أما نقضاً، فلان قوله تعالى في ذيل الآية: {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ} قد فسرت بالمنافقين الذين تخفى عداوتهم على المؤمنين؛ لتلبسهم بالصلاة والصيام وسائر شعائر الإسلام الأخرى، وهؤلاء ممن تشملهم الغاية المترتبة على إعداد القوة؛ وهي الإرهاب والإرعاب، فالآية تريد تحقق الإرهاب بالنسبة إليه م؛ وذلك بإعداد القوة وتخويفهم بها.

 

هذا، مضافاً إلى إن وصف العداوة الوارد في الآية: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} منطبق عليهم بلا أدنى شك، وعليه فاللازم أن لا يلتزم صاحب هذا القول بالتفصيل وجواز بيعه من أئمة الخلاف والنفاق وسلاطين الجور ممن هو منافق قطعاً أو أسوا حالاً منه؛ وذلك للزوم حفظ السلاح وإعداده في الآية، وعدم جواز نقله بالبيع.

 

وحينئذ فلازمه سقوط الروايات المفصلة ـ بين حال الحرب والصلح في غير الكفار بالمعارضة مع الآية؛ وذلك للأمر فيها بالإعداد لمطلق العدو؛ كافراً، أو منافقاً.

 

وأما الملاحظة عليه بالحل، فحاصلها: إنا نسلم الأمر الوارد في الآية بالإعداد والتهيؤ لكل ما تستلزمه الحرب والمواجهة ـ من السلاح والخيل والرجال ـ إلا إن ذلك قد ينتفي عند اكتمال العدة وبلوغها القدر المتعارف من حصول القوة والمنعة لدى المسلمين، فيمكن حينئذ القول بجواز بيع صفقة صغيرة من السلاح ـ مثلاً ـ بما لا يؤثر سلباً على تحقق حالة الإرهاب والخوف لدى العدو، أو أن يعلم البائع بأن السلاح يستعمل في حرب الكفار مع مثلهم بحيث لا يبقى عاملاً لقوتهم يهدد قوة المسلمين وقدرتهم.

 

لا يقال: إن هذا البيان لا يثبت حينئذ جواز البيع استناداً إلى الآية عند اكتمال العدة وحصول القدرة المرجوة.

 

لانا نقول: إن الأمر كذلك، فالآية ليست في هذا المقام؛ إذ ثمة نصوص خاصة تتكفل حكم المسالة جوازاً أو منعاً، إلا أن الآية أيضاً لا تمنع عن البيع مطلقاً حتى في صورة تحقق القدرة المطلوبة والإعداد الكامل للعدو، كما يدعيه المستدل بها.

 

الأمر الثالث: قاعدة حرمة تقوية الكفار على المسلمين، ولا شك أن مثل هذا البيع تقوية لهم في جهة الكفر، وفرق بينه وبين سقي الكافر مثلاً؛ فإنه تقوية لشخص الكافر. بل ربما يستقل العقل بقبح النوع الأول؛ لأن تقويتهم تؤدي إلى قتل النفوس المحترمة.

 

وهذا الوجه قد تمسك به الشهيد أيضاً، كما تقدم عنه وتقدم تقرير السيد الخوئي (قدس سره) له بالشكل المتقدم.

 

ويمكن الملاحظة عليه نقضاً وحلاً:

 

أما النقض، فإنه كما يقبح تقوية الكافر في كفره شرعاً وعقلاً حال الصلح والحرب، فكذلك يقبح تقوية الظالم والجائر في ظلمه وجوره في الحالين معاً؛ لأن تقوية الباطل قبيحة على كل حال، مع إنه التزم بالجواز في حال الصلح مع الحكومات الجائرة وسلاطين الجور.

 

وأما الحل، فلانا نسلم إن البيع لو استلزم تقوية الكافر في كفره فهو حرام، ولكن هذا ليس مطلقاً؛ إذ قد لا يتحقق الاستلزام المذكور في بعض الصور، كما لو كان الكفار في حرب مع مثلهم، أو كان الغرض من شرائهم للسلاح بيعه أو إعطاءه ولو مجاناً لطرف آخر، دون حفظه أو استعماله ضد المسلمين، أو كان قد اشترط عليهم التسليم بعد انتهاء الحرب[103].

 

القول الرابع:

 

الحرمة حال الحرب مع قصد المساعدة؛ سواء أكان البيع للكفار أم للمسلمين، وهو الظاهر من عبارة المحقق الحلي في[104]، والفاضل المقداد[105] والشهيد في المختصر الدروس[106].

 

ونسب ذلك إلى ابن إدريس أيضاً. ولكن عبارته لا تساعد عليه، قال في السرائر في عداد ما يحرم التكسب به: «وعمل السلاح مساعدة ومعونة لأعداء الدين، وبيعه لهم إذا كانت الحرب قائمة بيننا وبينهم، فإذا لم يكن وكان زمان هدنة فلا بأس بحمله إليهم وبيعه عليهم»[107].

 

إلا أنه داخل في القول الأول، كما ذكرنا ذلك.

 

وقد استدل لهذا القول بالإجماع[108].

 

ولا شك في تحققه في مثل المفروض، وهو قصد المساعدة وقيام الحرب؛ فإنه محل اتفاق عندهم، وهي القدر المتيقن من جميع هذه الأقوال.

 

القول الخامس:

 

الحرمة إذا توفر احد أمرين: قصد المساعدة أو قيام الحرب.

 

ذهب إليه المحقق السبزواري، وكاشف الغطاء، وهو الظاهر من مجموع كلام صاحب الرياض. وأضاف صاحب كشف الغطاء إلى صورة القصد صورة الاشتراط أيضاً. واختاره صاحب الجواهر (رحمه اللّه)[109].

 

وهو قريب من القول بالتفصيل؛ أي القول الأول، لأنه أيضاً يرى الحرمة في حال الحرب، والجواز حال الهدنة، ولكن لا مطلقاً، بل إذا لم يقترن بقصد المساعدة.

 

وثمة فرق آخر: هو انه شامل لحال المباينة وإن لم تكن حرب، فتلك صورة ثالثة مشمولة لهذا القول دون القول الأول، فإذا اقترنت هذه الصورة بالقصد حرمت، وإلا فلا.

 

واستدل للأمر الأول ـ قصد المساعدة ـ بالنهي عن الإعانة، وللثاني ـ قيام الحرب ـ بأخبار الباب، حيث حمل المطلقات الناهية على صورة الحرب، هذا فضلاً عن المفصلات التي هي نص في هذه الصورة.

 

وهو كلام فني متين؛ إذ الحرب متفق على حرمتها نصا وفتوى، كما إن المباينة قد وردت في رواية الحضرمي، وأما ما عداها ـ الهدنة ـ فليس الحكم بالجواز فيها على إطلاقه، كما ورد ذلك في بعض الأقوال السابقة، كقول المشهور مثلاً، بل لابد من تقييده بعدم قصد الإعانة ليكون على طبق القاعدة أو الاكتفاء بالصدق ولو لم يقصد، كما عليه بعض.

 

والظاهر من صاحب الجواهر أنه يبني رأيه في المسالة على قاعدة الإعانة، فمتى وجد قصد الإعانة حرم البيع، وإلا فلا، خرج من ذلك البيع في صورة الحرب لو خلا من القصد، فإنه حرام أيضاً للنصوص.قال (رحمه اللّه): «إن الحرمة في المقام مع عدم القصد، إنما هي من النصوص، فالواجب حينئذ الاقتصار على خصوص المستفاد منها... ولا يجوز التعدي إلى غيره، كما وقع من بعضهم»[110].

 

ولعله يقصد بذلك القدماء.

 

نعم، قد يقال: انه لم يظهر الوجه في حمله المطلقات الناهية ـ وهي صحيحة علي بن جعفر ووصية النبي (صلى اللّه عليه وآله) لعلي على خصوص حال الحرب فقط مع أنها مطلقة تشمل حال الصلح أيضاً.

 

لا يقال في الجواب: أنها حتى لو كانت مطلقة وشاملة لحال الهدنة، فإنه يجب تقييدها بقصد المساعدة والمعونة حتى تكون موضوعاً للحرمة.

 

لان ذلك ليس جواباً عن الإشكال، بل هو تسليم به؛ لأن السؤال عن الوجه في حمل هذه النصوص على حالة الحرب فقط مع أنها قد تبدو مطلقة.

 

وقد يجاب على ذلك ـ دفاعاً عن صاحب الجواهر ـ بأن الرواية الأولى لا إطلاق فيها؛ إذ الحكم مفاد بالمفهوم، ولا إطلاق له كما تقدم، والقدر المتيقن مما ثبت فيه البأس هو حال الحرب.

 

والرواية الثانية ظاهر الوصف فيها «ـ أهل الحرب» ـ الفعلية. ثم أنه حتى لو سلمنا الإطلاق فيهما فإنه يجب تقييده بالروايات المفصلة.

 

وأيا كان: فإن هذا الرأي ـ مع وجاهته ـ ينبغي تقييد الجواز فيه بما ذكره السيد الإمام (رحمه اللّه) من عدم اشتمال المعاملة على الإضرار والإجحاف بالمصلحة العامة للمسلمين.

 

تنبيه: أضاف صاحبا الرياض والكفاية إلى صورة الحرب حالة التهيؤ لها، وهو في محله، وتقدم ذلك أيضاً عن الشهيد الثاني.

 

والوجه فيه هو أنها من صور المباينة الواردة في رواية هند.

 

القول السادس:

 

الحرمة إذا توفر احد أمرين: المباينة أو قصد المساعدة. وقد ذهب إلى هذا السيد اليزدي (قدس سره)[111]، وحاصله:

 

إن الحرمة ثابتة مع قصد الإعانة في خصوص حال الهدنة، لا مطلق عدم الحرب، كما كان يذهب إليه الرأي السابق، وأيضاً ثابتة في حال مطلق المباينة الأعم من الحرب والتهيؤ لها والمقاطعة حتى مع عدم القصد.

 

وقد استدل (قدس سره) له بوجهين:

 

الوجه الأول:

 

 إنه يدخل تحت قاعدة المعاونة في بعض الصور حتى لو لم يقصد، كما في حال الحرب والتهيؤ لها، فإنه يصدق الإعانة عرفا وأن لم يقصد ـ بل ولم يعلم ـ ترتب المحرم على هذا البيع الشخصي.

 

الوجه الثاني:

 

انه مقتضى الجمع بين الأخبار المفصلة والمطلقة منعاً وجوازاً.

 

وهذا الرأي أعمق وأدق من سابقه؛ لأن حالة التهيؤ للحرب أو المقاطعة، هي في حكم الحرب، بل قد صرح بالمباينة في صحيحة الحضرمي، فلا يتوقف ثبوت الحرمة فيهما على القصد؛ لأنها ثابتة بالنصوص. ألا أنه كسابقه ـ يجب تقييد الجواز فيه في حال الهدنة وعدم القصد بما إذا لم يكن على خلاف المصلحة العامة.

 

القول السابع:

 

إن المدار في الحكم على صدق التقوية للباطل.

 

ذهب إلى هذا الرأي السيد السبزواري (قدس سره)، قال ما نصه: «يحرم كل ما يوجب تقوية الباطل على الحق بأي نحو كان؛ ولو ببيع المعدات الحربية منهم، وهي تختلف باختلاف الأعصار والأمصار، بلا فرق بين حال قيام الحرب والهدنة؛ إذا كان الإشتراء والجمع للتهيئة والعدة، ولا يعتبر في حرمة البيع القصد إلى الإعانة والتقوية، بل المناط الصدق العرفي».[112] وقد تقدم نقل استدلاله بالأدلة الأربعة عند البحث عن الحكم على مستوى القواعد العامة.

 

وهذا الرأي هو أقرب الآراء إلى رأي الإمام الراحل ـ الذي المحنا إليه سابقاً، وسيأتي تفصيله ـ لان عنوان «التقوية» وعدمها مما ينطبق عليه عنوان «المصلحة والمفسدة» الواردان في كلام الإمام الخميني (رحمه اللّه)، فمتى ما كان في البيع تقوية للباطل فلا شك انه على خلاف المصلحة العامة.

 

نعم، بين العنوانين عموم من وجه؛ فقد تحرم المعاملة لا من باب محذور التقوية على الباطل، بل لوجود محذور آخر سياسي أو اقتصادي أو غير ذلك.

 

والفرق الثاني بين الرأيين: هو إن الرأي المذكور يستند إلى الأدلة الأربعة؛ إذ عنوان «التقوية على الباطل»مشمول للأدلة اللبّية واللفظية عامها وخاصها، كما تقدم ذلك كله.

 

القول الثامن:

 

وهو مما انفرد به الإمام الخميني (قدس سره)، وحاصله: إناطة الحكم بمراعاة المصلحة العامة.

 

وبيانه انه لا شك في أن مسالة بيع السلاح لأعداء الدين، تختلف عن نظيراتها من المسائل التي يقصد بها الحرام، كبيع الخمر ليعمل خمراً، والخشب يصنع صليباً أو صنماً، وغيرها من المسائل؛ سواء أكان المشتري فيها مسلماً أم كافراً، عدواً أم غير عدو، فرداً أم دولة، فليس لهذه الخصوصيات أي تأثير في بيع الأمور المذكورة. كما أنها لا تشتمل على أية جنبة سياسية ترتبط بمصلحة الإسلام ومقتضيات الحكم والزمان.

 

بيد أن بيع السلاح لا يمكن أن يكون من هذا القبيل؛ إذ الخصوصيات المذكورة واضحة التأثير فيه، فالمشتري هو دولة العدو، وهي بلا شك تخطط وتكيد بالمسلمين ودولتهم، فليس من العقل أن لا تلحظ الدولة مصالحها وما يترتب على تلك المبادلة من آثار على وضع المسلمين؛ حتى لو كان ذلك في زمان الصلح ووجود العلاقات المتبادلة، فضلاً عن حالة العكس؛ لأن المفسدة المترتبة على بيعه حال الحرب إذا كانت في حال الهدنة أيضاً، فلا شك حينئذ في إحراز ملاك المفسدة، وبتبعه الحكم.

 

وقد نظر الإمام الراحل (رحمه اللّه) إلى موضوع المسالة بنظره الثاقب وذوقه الفقهي الرفيع، المبتني على تفسير حقيقة الفقه وفلسفته بقيام الحكومة الإسلامية، فقيامها هو الترجمة العملية والفلسفة الواقعية له، وتمكن من أن يصور لها تكييفاً فنياً معقولاً، وأن ينهج فيها نهجاً علمياً سديداً.

 

وبيان رأيه الشريف: هو أن موضوع المسالة ليس عبارة عن صورة الحرب والصلح، كما يلوح ذلك من النصوص وذهب إليه المشهور، بل هو عبارة عن المصلحة والمفسدة، فمتى ما أحرزت المصلحة جاز بيع السلاح؛ حتى لو كان ذلك في حال الحرب، كما لو كان في تقوية الكفار ـ ممن يعيش في كنف الإسلام ودولته ـ مصلحة الدفاع عن الإسلام، فإنه يجب دفعه إليهم ولو مجاناً. وقد أشارت إلى نحو ذلك رواية هند السراج، حيث سوغت البيع إلى السلطان الجائر وأعداء الدين من المسلمين عندما كانت المصلحة تقتضي ذلك؛ وهو مدافعتهم للعدو المشترك المتمثل آنذاك بالروم. ومتى ما اقتضت المصلحة منعه عنهم حرم حتى لو كان ذلك أثناء الصلح، ولا سيّما إذا كان منعه ترقباً للخطر ولو آجلاً؛ فإن صرف الاحتمال في الأمور المهمة منجز عقلاً، فالمدرك في الحكم إذن هو حكم العقل القاضي بلزوم مراعاة المصلحة وملاحظتها في مثل المقام ونظائره.

 

قال (قدس سره) ـ بعد أن بنى المسالة على النظر في المصالح العامة ـ : «ربما تقتضي مصالح المسلمين بيع السلاح ـ بل إعطاءه مجاناً ـ لطائفة من الكفار، وذلك مثل ما إذا هجم على حوزة الإسلام عدو قوي لا يمكن دفعه إلا بتسليح هذه الطائفة، وكان المسلمون في أمن منهم، فيجب دفع الأسلحة إليهم للدفاع عن حوزة الإسلام، وعلى والي المسلمين أن يؤيد هذه الطائفة المشركة المدافعة عن حوزة الإسلام بأية وسيلة ممكنة.

 

بل لو كان المهاجم على دولة الشيعة دولة المخالفين مريدين قتلهم وأسرهم وهدم مذهبهم، يجب عليهم دفعهم ولو بوسيلة تلك الطائفة المأمونة. وكذا لو كانت الكفار من تبعة حكومة الإسلام ومستملكاتها، وأراد الوالي دفع أعدائه بهم... إلى غير ذلك مما تقتضي المصالح.

 

وربما تقتضي المصالح ترك بيع السلاح وغيره مما يتقوى به الكفار مطلقا؛ سواء كان موقع قيام الحرب، أم التهيؤ له، أم زمان الهدنة والصلح والمعاقدة»[113].

 

وإمّا الروايات والنصوص الخاصة في المسالة حسب رأيه، فهي تطبيق لحكم العقل وفي طوله، وليس لها ـ بعد النظر في مجموعها، وضم بعضها إلى بعض ـ مفاد مستقل عن حكم العقل، فصورتا الحرب أو المباينة اللتان حرمت النصوص البيع فيهما، إنما هي لاشتمالهما على المفسدة، كما يساعد عليه النظر والاعتبار. كما إن صورة الهدنة إنما جوزت النصوص البيع الواقع فيها؛ لأن الغالب فيها هو انتفاء المفسدة، وإلا فالجواز مقيد بحكم العقل. ولذا يقول (قدس سره): «والظاهر عدم استفادة شيء زائد مما ذكرناه من الأخبار. بل لو فرض إطلاق لبعضها يقتضي خلاف ذلك... لا مناص عن تقييده أو طرحه».[114] ومما يدل على مراعاة الحكم بالمصلحة في نفس النصوص، ما اشرنا إليه قريبا من رواية هند، حيث أجازت البيع لأعداء الدين من المسلمين لإحراز المصلحة فيه؛ وهي تقوية مركز الحكومة الإسلامية في الشام لمقاتلة الروم، فلو أبدلت هذه المصلحة بالمفسدة وكانت الحرب أو المباينة بين حكومة الشام وأهل الحق، لم يجز البيع، كما نصت عليه الرواية ذاتها.

 

قال الإمام الخميني (رحمه اللّه): «يجوز البيع... فيما إذا كان الطرف مدافعاً عن حوزة الإسلام أو التشيع، مع الأمن منه، كما هو مفاد رواية السراج، وموافق لحكم العقل»[115].

 

وفي قبال ذلك رأي سائر الفقهاء الذي قصر النظر في المسالة على الأخبار خاصة، فالموضوع لديه هو الحرب والصلح، كما وردت به الأخبار؛ فكلما كان صلح جاز البيع، وكلما كانت حرب أو مباينة حرم؛ من دون نظر إلى مصلحة أو مفسدة؛ لأن النصوص تعبدتنا بذلك، فالشارع هو الذي شخص الموضوع، كما أنه شخص الحكم، فالموضوع والحكم عندهم بيد الشارع معاً.

 

نعم، من يرى ثبوت الولاية للفقيه قد ينيط المسالة بالمصلحة والمفسدة حينئذ من باب العنوان الثانوي والحكم ألولائي؛ باعتبار إن مجاري الأمور بيد الفقيه المبسوط اليد، فتتحد النتيجة عملا على كلا الرأيين. نعم الخلاف في التخريج الفقهي للمسالة؛ فإن الإمام (رحمه اللّه) يرى أن الحكم مراعى بالمصلحة من رأس، لا من باب الحكم الثانوي.

 

ثم أن المسالة لما كانت ذات هوية سياسية والحكم فيها راجعاً إلى الحكومات، فإن تشخيص المصلحة والعمل على مقتضاها يكون بيد والي المسلمين، كما صرح به إمام الأمة ـ طاب ثراه ـ في تحرير الوسيلة حيث قال: «والأمر فيه موكول إلى نظر والي المسلمين، وليس لغيره الاستبداد بذلك»[116].

 

وقال في بحوث المكاسب: «إن هذا الأمر من شؤون الحكومة والدولة، وليس أمراً مضبوطاً، بل تابع لمصلحة اليوم ومقتضيات الوقت، فلا الهدنة مطلقاً موضوع حكم لدى العقل، ولا المشرك والكافر كذلك»[117].

 

وظاهره عدم انحصار الأمر بحال قيام الحكم الإسلامي ووجود الولي الشرعي، بل هو من وظائف الحكومات الإسلامية عامة.

 

ومما يدل عليه ـ مضافاً للنصين السابقين ـ قوله (قدس سره) في بحوثه: «فلو كانت للشيعة الإمامية حكومة مستقلة ومملكة كذلك، كما في هذه الأعصار[118]، بحمد اللّه تعالى، وكانت للمخالف أيضاً حكومة مستقلة، وكان زمان هدنة ومعاقدة بين الدولتين، لكن خيف على المذهب ودولته منهم ولو آجلاً، لا يجوز تقويتهم ببيع السلاح ونحوه»[119].

 

قد يقال: «إنه لا وجه لحمل الدليل على الإرشاد مع عدم إقامة القرينة عليه؛ إذ الأصل في الأحكام هو المولوية، ولا ترفع اليد عنها بدون القرينة الواضحة، وموارد التزاحم لا تختص بالمقام؛ لأن الخوف على الإسلام والمسلمين مقدم على سائر الأحكام، ولكن ذلك لا يكون دليلاً على عدم الإطلاق، أو عدم كون الحكم مولوياً، ولعل الشارع الحكيم حكم بالإطلاق حتى فيما لم يحكم العقل به، كما إذا لم يكن خوف من الكفار والمشركين؛ تحكيما لحفظ الإسلام والمسلمين، وتعليةً لهم بالنسبة إلى الكفار في السلاح»[120].

 

ويمكن الذب عن رأي الإمام (رحمه اللّه) بان ما أستفاده من النصوص هو حكم مولوي أيضاً، وليس من باب الإرشاد، فهو حكم مولوي منصوص عليه في الأخبار، وقد دل عليه العقل، وعليه فالمسالة ليست من التزاحم؛ لأن رعاية المصلحة مدلولة للأخبار أيضاً، كما يدعيه الإمام (رحمه اللّه)، فليلحظ كلامه.

 

كما أن ما ذكر من «أن حكم الشارع الحكيم بالإطلاق ـ كما إذا لم يكن خوف من الكفار والمشركين تحكيماً لحفظ الإسلام وتعلية له على الكفر ـ قد يكون من الموارد التي لا يحكم العقل فيها بشيء» أيضاً غير وارد على كلامه (قدس سره)؛ لأن المورد المذكور هو أيضاً مما ينطبق عليه عنوان «المصلحة»؛ فإن عنوانها أعم من عنوان «الخوف من الأعداء وتقويتهم»، كما سبق ذكره.

 

نتائج البحث على ضوء رأي الإمام الخميني (رحمه اللّه):

 

ما تقدم البحث فيه كان من حيث التكييف والتخريج الفقهي للمسالة، وأما ما يتفرع عليه وينتج فهو جملة أمور:

 

1 ـ إن مقتضى التخريج الذي سلكه الإمام (رحمه اللّه) عدم انحصار الموضوع بالبيع، بل يشمل غيره من أسباب النقل من المعاملات، أو الإيقاعات، كالهبة وما شابه، فإنه يجب أيضاً ملاحظة المصلحة في ذلك.

 

2 ـ إن مقتضى المسلك المذكور عدم اختصاص الأمر بمتعلق خاص، كالسلاح مثلاً، بل هو شامل لمطلق المبادلات التجارية والاقتصادية، فهي أيضاً منوطة حكماً بالملاك المذكور، قال (قدس سره): «وربما تقتضي المصالح ترك بيع السلاح وغيره مما يتقوى به الكفار»[121].

 

وقال أيضاً: «لا يبعد التعدي من بيع السلاح إلى بيع غيره لهم مما يكون سبباً لتقويتهم على أهل الحق، كالزاد والراحلة والحمولة ونحوها»[122].

 

وهكذا الأمر عند من يرى أن حرمة البيع هو من جهة تقوية الكفر أو الباطل كالشهيد الأول والسيدين الخوئي والسبزواري؛ فإنه لا يجوز عندهم حينئذ بيع غير السلاح لهم؛ لصدق عنوان التقوية على الكفر أو الباطل.

 

3 ـ إنه بعد تعميم موضوع المسالة لما يشمل غير السلاح من التجارات، يتضح حينئذ حكم وسائل الدفاع ـ كالدرع والمغفر مثلاً ـ التي اختلف الفقهاء في حكمها، بين مستثن لها من حكم السلاح فجوزه مطلقاً كالشيخ[123]ومن وافقه أخذاً بصحيحة محمد بن قيس[124]، وبين مانع مطلقاً كصاحب الرياض[125]. وبين مفصل بين الهدنة والحرب كالشهيد، وبين متوقف ومستشكل كالمحقق الاردبيلي والخراساني[126]. إذن يدور الحكم في بيع وسائل الدفاع ـ بناء على مسلك السيد الإمام (قدس سره) ـ مدار المصلحة وجود أو عدما، فهو على وفق القاعدة، خلافاً للشيخ الأعظم؛ حيث أعتبر التحريم فيها على خلاف الأصول؛ وهي ما دلت على حلية كل عمل تكليفاً إلا ما ثبتت حرمته، فيقتصر في الحكم على مورد الدليل؛ وهو السلاح، دون ما لا يصدق عليه ذلك، كالمجن والدرع والمغفر.[127]

 

 4 ـ إنه بناء على المسلك المذكور فإنه لا موضوعية لحال الصلح أو الحرب وكذا الكفر والإسلام ـ بالنسبة إلى المشتري. كما أنه لا فرق بين أعداء الدين وقطاع الطريق وغيرهم[128]، خلافاً للشيخ الأعظم أيضاً، حيث أقتصر على مورد الدليل الدال على أعداء الدين، فلا يتعدى إلى غيرهم[129].

 

الرأي الصحيح: وبعد هذه الجولة المفصلة في أقوال الأعلام ونصوص المسالة، فإن الراجح من بين تلك الأقوال هو رأي السيد الإمام (رحمه اللّه)؛ لإبتنائه على تلك الضابطة الدقيقة المشار إليها الموافقة لحكم العقل؛ سواء قلنا: بأن ذلك هو مفاد الأخبار مباشرة، كما يراه الإمام (رحمه اللّه) أو قلنا: إن مفادها حكم تعبدي، وليس فيها نظر لحكم العقل، ولا هي من باب التطبيق له، فإنه أيضاً لابد من تقييدها بحكم العقل، كما أنه يجب تقييد الحكم بحكم عقلي آخر؛ وهو عدم تحقق الإعانة بالبيع، قصداً أو صدقاً؛ على الخلاف الموجود في تحديد مفهوم الإعانة، وحينئذ فلو اقترن البيع بها حرم وإن كان موافقاً لمقتضى المصلحة، وخالياً من المفسدة الخارجية.

 

رابعاً ـ الحكم الوضعي:

 

قد ظهر مما مر الاتفاق على حرمة بيع السلاح تكليفاً في الجملة؛ تمسكاً بظواهر الأخبار السابقة. وأمّا الحكم الوضعي فقد اختلفوا في استفادته منها على قولين:

 

القول الأول:

 

بطلان المعاملة؛ استناداً إلى أن الظاهر من النهي هنا هو عدم التملك؛ وعدم صلاحية المبيع لكونه مبيعاً، لا مجرد الإثم، فالنهي راجع إلى نفس المعاملة، كالبيع الغرري[130]. وقد ذهب إلى ذلك الشهيدان، والمحقق الثاني، والمولى الاردبيلي (قدس سرهم)[131].

 

وممن اختاره أيضاً الإمام الخميني (رحمه اللّه) حيث رجح البطلان في المسالة، وفرع البحث فيها على بحثه المتقدم في بيع العنب للتخمير، أو ممن يعلم أنه يجعله خمراً[132].

 

وقد فصل القول هناك[133] بين إنشاء المعاملة معاطاة، أو بصيغة البيع:

 

فعلى الأول: قوى الحكم بصحة المعاملة؛ لأن المبغوض ليس هو نفس المعاملة، بل عنوان آخر منطبق عليها، كعنوان «الإعانة على الإثم» أو «كونه منكراً» أو «من أسباب المحرم»، وبينهما ـ عنوان «المعاملة» والعنوان الأخر المنطبق عليها ـ عموم من وجه، والمبادلة الخارجية هي مجمع لهما، ولكل حكمه الخاص. ثم أضاف (قدس سره): «ومن ذلك يدفع استبعاد تنفيذ الشارع سببا يؤدي إلى مبغوضه؛ لأن التنفيذ لم يقع إلا على عنوان «البيع» ونحوه، وهو ليس بمبغوض».[134]

 

وعلى الثاني: اختار أولاً القول بالصحة أيضاً؛ لوقوع المزاحمة بين دليل حرمة التعاون على الإثم، ودليل وجوب تسليم المثمن، قال: «فان قلنا بترجيح الثاني يجب عليه التسليم، ويعاقب على الإعانة على الإثم؛ لأنه بناء على ما رجحناه في[135] ـ من بقاء الحكم في المتزاحمين على ما هو عليه محله من الفعلية ـ فواضح، وإما على القول بسقوط النهي فلارتكابه المبغوض بلا عذر.

 

وأن قلنا بترجيح الأول فلا يجوز له التسليم، فحينئذ ربما يقال: أن المعاوضة لدى العقلاء متقومة بإمكان التسليم والتسلم، ومع تعذره شرعاً أو عقلاً لا تقع المعاوضة صحيحة».

 

وأجاب عنه: «أن ما يضر بصحة المعاوضة هو العجز عن التسليم تكويناً أو نهي الشارع... والمقام ليس من قبيلهما؛ إذ النهي عن الإعانة على الإثم صار موجباً لعدم التسليم، لا عن تسليم المبيع بعنوانه، وعليه فالمعاملة صحيحة».

 

إلا أنه انتهى في آخر كلامه إلى البطلان؛ استناداً إلى نكتة عرفية؛ حيث إن العرف يرى التنافي في المعاملات المبغوضة ذاتاً ـ كالقمار مثلاً ـ بين تحريم المعاملة ومبغوضيتها وبين تنفيذها وأيجاب الوفاء بها، وأما في بيع العنب والتمر ممن يشتريه للتخمير، فالظاهر من الروايات المستفيضة ـ الحاكية للعن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) الطوائف الدخيلة في شرب الخمر ـ مبغوضية إشتراء العنب للتخمير ولو بإلغاء الخصوصية عرفاً، لو لم نقل بفهم العرف منها مبغوضية البيع ممن يعلم أنه يجعله خمراً، ومع مبغوضية الاشتراء أو هو مع البيع بعنوانهما، يستبعد تنفيذ المبايعة، بل يكون الجمع بينهما من قبيل الجمع بين المتنافيين عرفاً.

 

ثم قال: «والفرق بينه وبين ما تقدم من تصحيح البيع المنطبق عليه عنوان محرم، واضح»[136].

 

أقول: إن الظاهر من تشريكه (قدس سره) بين المسالتين ـ مسالة بيع السلاح، وبيع العنب للتخمير ـ هو إجراء نفس البيان المتقدم في مسالة العنب، فيقال حينئذ في بيع السلاح: بأن المعاملة مبغوضة للنهي الوارد فيها أيضاً؛ حيث ورد أنه «على حد الشرك» ومع النهي والمبغوضية لا يمكن تنفيذ المعاملة؛ إذ مع مبغوضيته لا محالة يتصدى الشارع لدفعه في عالم التشريع، وهو ملازم لردعه، ولا سيّما وأن الردع موجب لتقليل مادة الفساد، والتنفيذ موجب لتكثيرها[137].

 

وأورد عليه في الدراسات ـ بعد نقل كلامه مقتصراً على صدره الذي فرق فيه بين البيع بالمعاطاة والبيع بالصيغة، وحكم من خلاله بالصحة ـ بأمرين:

 

 أولاً: بأن كون إنشاء البيع بالتعاطي أو بالصيغة لا يكون فارقاً في المقام؛ إذ بعد إنشائه بأحدهما؛ إن حكم بوجوب الوفاء لزم منه نقض الغرض، وهو المبغوضية لوجوده، وأن لم يحكم به وقع باطلاً؛ إذ معنى صحة المعاملة: هو إمضاء الشارع وتنفيذه لها.

 

وثانياً: بعدم ظهور الوجه في قوله في البيع المعاطاتي: «وبذلك يدفع استبعاد تنفيذ الشارع...»؛ إذ العقد بلحاظ وجوده الخارجي يقع مورداً للتنفيذ والحكم بوجوب الوفاء، والمفروض أنه بوجوده الخارجي مبغوض للمولى، فكيف ينفذه ويوجب الوفاء به؟ ![138].

 

ولا يجدي الإيراد عليه: بأن المعاطاة لا يجب التنفيذ فيها؛ إذ هي تسالم وتعاط خارجي غير متصف بالعقدية، فلا يشملها {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}[139]الدال على وجوب التنفيذ وتسليم المبيع.

 

وذلك انه قد صرح السيد الإمام (رحمه اللّه) في بحوث البيع بجواز التمسك بآية {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} لإثبات صحة المعاطاة، وعليه فيجب التنفيذ.[140] نعم، يمكن الملاحظة على أول الإشكالين في كلامه:

 

 أولاً: بأن المبغوض في المعاطاة ـ كما تقدم ـ هو العنوان المنطبق على المعاملة، وهو عنوان «الإعانة» لا ذات المعاملة، والمبغوض في البيع بالصيغة ـ كما هو المستفاد من النهي عن بيع السلاح ـ هو ذات المبيع، وكفى بذلك فارقاً.

 

وثانياً: بأن المقدار المنقول من كلام الإمام (رحمه اللّه) في عبارة المستشكل، لا يقتضي التفريق بين إنشاء البيع بالتعاطي أو بالصيغة؛ إذ الحكم فيهما ـ بمقتضى الكلام المنقول عنه ـ هو الصحة كما تقدم، وعليه فل أوجه للإشكال أساساً؛ إذ لا فرق بين الصورتين ليقال عنه: «أنه غير فارق».

 

نعم، ذيل كلامه دال على البطلان، كما نقلناه سابقاً، لكن مع ذلك لا يرد عليه الإيراد المذكور بملاحظة ما ذكرناه في الجواب الأول.

 

ويلاحظ على الإشكال الثاني: إنه قد ظهر من الجواب الأول على الإشكال السابق، أنّ المبغوض الخارجي إنما هو في الإنشاء بالصيغة؛ للنهي عنه في الأخبار، وأما صورة التعاطي فالمبغوض فيها هو العنوان الخارجي المتحد مع المعاملة المنطبق عليها.

 

القول الثاني:

 

صحة المعاملة؛ ذهب إليه من المتقدمين الفاضل المقداد، ومن المعاصرين السيد الخوئي (قدس سرهما) قال الأول في التنقيح الرائع: «الأصح صحة العقد وتملك الثمن، وثبوت الإثم»[141]، وظاهره بقاء فعلية كلا الحكمين.

 

ويرد عليه ـ بناء على كلام الإمام (رحمه اللّه) ـ إنّ المبغوض في البيع هو ذات البيع، لا العنوان الخارجي.

 

وقال في المصباح: «إن النهي عن بيع السلاح من أعداء الدين ليس إلا لأجل مبغوضية ذات البيع في نظر الشارع، فيحرم تكليفاً فقط، ولا يكون دالاً على الفساد. ويتضح ذلك جلياً لو كان النهي عنه لأجل حرمة تقوية الكفر؛ لعدم تعلق النهي به، بل بأمر خارج يتحد معه»[142].

 

ويلاحظ عليه ـ على ضوء كلام الإمام (رحمه اللّه) أيضاً ـ بالنكتة العرفية المتقدمة؛ حيث إن العرف يرى التنافي بين وجوب التنفيذ لشيء، وبين مبغوضيته.

 

فالصحيح هو القول الأول بالبيان الذي تقدم نقله عن الإمام الخميني (رحمه اللّه).

 

والحمد للّه أولاً وآخراً.

 

________________________

 

[1]ـ العلاقات السياسية الدولية: 33، نقلاً عن آثار الحرب في الفقه الإسلامي (وهبة الزحيلي): 54.

 

[2]ـ القانون الدولي العام: 67، نقلا عن آثار الحرب في الفقه الإسلامي: 41.

 

[3]ـ آثار الحرب في الفقه الإسلامي: 42 ـ 43.

 

[4]ـ المصدر السابق: 44.

 

[5]ـ المصدر السابق: 47 و50.

 

[6]ـ الحج: 39.

 

[7]ـ الأنفال: 60.

 

[8]ـ وسائل الشيعة (محمد بن الحسن الحر العاملي) 12: 71، ح‏7 ـ ط / المكتبة الإسلامية، طهران 1403.

 

[9]ـ انظر: المكاسب المحرمة (الإمام الخميني) 1: 227 ـ ط / مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، قم 1374ه ش.تحرير الوسيلة (الإمام الخميني) 1: 456 ط / مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، قم 1420.

 

[10]ـ المصدر السابق.

 

[11]ـ المكاسب المحرمة (الإمام الخميني) 1:227.

 

[12]ـ المصدر السابق.

 

[13]ـ المصدر السابق.

 

[14]ـ جامع المقاصد 4: 17.

 

[15]ـ الحدائق الناضرة 18: 209. التنقيح الرائع 2: 9 ـ ط / مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم 1404.

 

[16]ـ الحدائق الناضرة 18: 208.

 

[17]ـ التنقيح الرائع 2: 9. وانظر: الدروس (الشهيد الأول) 3: 166 ـ ط / مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1414. جامع‏المقاصد (المحقق الكركي) 4: 17 ـ ط / مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، قم 1408.

 

[18]ـ جامع المقاصد 4: 17.

 

[19]ـ وسائل الشيعة 12: 69، ح‏1.

 

[20]ـ انظر: هذا التصنيف للروايات: المكاسب، (الشيخ الأنصاري) 2: 113 ـ ط / دار الكتاب، قم 1410. مصباح الفقاهة (الخوئي) 1: 188 ـ ط / انتشارات وجداني 1371 ه ش، حاشية المكاسب (الايرواني) 1: 106 ـ ط / مطبعة رشدية، طهران‏1379 ه ش.

 

[21]ـ وسائل الشيعة 12: 70، ح 6.

 

[22]ـ المصدر السابق: 71، ح 7.

 

[23]ـ انظر: هامش مصباح الفقاهة 1: 187.

 

[24]ـ المكاسب المحرمة، (الإمام الخميني) 1: 224.

 

[25]ـ وسائل الشيعة 12: 70، ح 5.

 

[26]ـ المصدر السابق: 69، ح‏1.

 

[27]ـ الحدائق الناضرة (يوسف البحراني) 18: 206 ـ ط. مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1409، مجمع الفائدة والبرهان(المحقق الاردبيلي) 8: 43 ـ 44 ط / مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1414.

 

[28]ـ انظر: مفتاح الكرامة (محمد جواد العاملي) 8: 63 ط / مؤسسة آل البيت:، قم (الطبعة الحجرية)، المكاسب‏المحرمة، الإمام الخميني 1: 230 و232.

 

[29]ـ وسائل الشيعة 12: 69، ح 2.

 

[30]ـ المصدر السابق: 70، ح‏4.

 

[31]ـ الحدائق الناضرة 18: 207.

 

[32]ـ المسالك 3: 123. الروضة البهية 3: 211.

 

[33]ـ المكاسب المحرمة (الإمام الخميني) 1: 232.

 

[34]ـ حاشية المكاسب (السيد اليزدي): 11.

 

[35]ـ انظر: المكاسب المحرمة، (الإمام الخميني)1: 210.

 

[65]ـ المائدة: 2.

 

[37]ـ حاشية المكاسب (السيد اليزدي): 11 ـ ط / مؤسسة اسماعيليان، قم (الطبعة الحجرية) 1378.

 

[38]ـ المكاسب المحرمة (الإمام الخميني) 1: 227.

 

[39]ـ دراسات في المكاسب المحرمة (حسين علي المنتظري) 2: 401 ط / نشر تفكر، قم 1415. المواهب في أحكام المكاسب:294.

 

[40]ـ مفتاح الكرامة 8: 61، نقلا عن حواشي الشهيد على القواعد.

 

[41]ـ مصباح الفقاهة 1: 188.

 

[42]ـ مهذب الأحكام (عبد الأعلى السبزواري) 16: 71 ـ ط / مؤسسة المنار، قم 1413.

 

[43]ـ وسائل الشيعة 17: 199، ح 1.

 

[44]ـ المصدر السابق: ص‏84 ـ 85، ح 1.

 

[45]ـ حاشية المكاسب (السيد اليزدي): 11.

 

[46]ـ المسالك 3: 123. الروضة البهية 3: 211.

 

[47]ـ الحدائق الناضرة 18: 208. حاشية على المكاسب (السيد اليزدي): 10.

 

[48]ـ الاستبصار (محمد بن الحسن الطوسي) 3: 64 ـ ط / دار الكتب الإسلامية. طهران 1390.

 

[49]ـ السرائر (محمد بن إدريس) 2: 216 ـ ط / مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1411، تحرير الأحكام (العلامة الحلي): 160 ط/ مؤسسة طوس، مشهد الطبعة الحجرية، التذكرة (العلامة الحلي) 1: 578، ـ ط / طهران (الطبعة الحجرية)، وانظر:مفتاح‏الكرامة 8: 59، نقلا عن حاشية الإرشاد، المكاسب 1: 54. جامع المقاصد 4: 17. هداية العباد (الصافي الگلبايگاني) 1: 339 ط / دار القرآن الكريم قم 1416.

 

[50]ـ الدروس الشرعية 3: 166. مجمع الفائدة والبرهان 8: 44. وانظر: مفتاح الكرامة 8: 59 نقلا عن حاشية‏الإرشاد

 

[51]ـ مختلف الشيعة (العلامة الحلي) 5: 39 ـ ط / مكتب الإعلام الإسلامي، قم 1368 ه ش.

 

[52]ـ المهذب البارع (ابن فهد الحلي) 2: 350 ـ ط / مؤسسة النشر الإسلامي 1411.

 

[53]ـ انظر: مفتاح الكرامة 8: 59.

 

[54]ـ السرائر 2: 216.

 

[55]ـ وسائل الشيعة 12: 69، ح 1.

 

[56]ـ الكافي (محمد بن يعقوب الكليني) 2: 112، ح 2.

 

[57]ـ المكاسب، (الشيخ الأنصاري) 2: 115.

 

[58]ـ مصباح الفقاهة 1: 188.

 

[59]ـ الوسائل 12: 54، ب‏12 مما يكتسب به، ح‏1.

 

[60]ـ الرياض 8: 50، ط جامعة المدرسين.

 

[61]ـ الكافي 5: 113، ح‏3.

 

[62]ـ رياض المسائل 8: 51. مستند الشيعة (احمد النراقي) 14: 92 ـ ط / مؤسسة آل البيت:، قم 1418.

 

[63]ـ الرياض 8: 50.

 

[64]ـ انظر: مختلف الشيعة 5: 39. كشف الرموز (اليوسفي الآبي) 1: 438 ـ ط / مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1408.المهذب البارع 2: 350.

 

[65]ـ انظر: مفتاح الكرامة 8: 59.

 

[66]ـ نسبه إليهم في مختلف الشيعة 5: 39. التنقيح الرائع 2: 8. كشف الرموز 1: 438. مستند الشيعة 14:92.

 

[67]ـ المراسم في الفقه الأمامي (حمزة الديلمي): 169 ـ ط / منشورات الحرمين، قم 1404.

 

[68]ـ الكافي في الفقه (أبو الصلاح الحلبي): 282 و283 ـ ط / مكتبة أمير المؤمنين أصفهان 1362ه. وقد نسبه إليه في مفتاح‏الكرامة 8: 61.

 

[69]ـ اللمعة الدمشقية 3: 211.

 

[70]ـ شرائع الإسلام (المحقق الحلي) 2: 3 ـ ط / مطبعة الآداب، النجف الاشرف 1389. وقد نسبه إليه في مستند الشيعة 14 :92. جواهر الكلام (المحقق النجفي) 22: 29 ـ ط / دار الكتب الإسلامية، طهران 1398 حيث جعله أحد الوجهين في عبارته، ووجه المنع في ذلك: هو أن المحقق جعل بيع السلاح من القسم الذي يكون المقصود منه حراماً، ثم قال عنه:[وما يفضي إلى ‏المساعدة على محرم، كبيع السلاح لأعداء الدين] فيكون التحريم حينئذ مقصوراً على حال الحرب، لأنه هو الذي يقصد منه ‏الحرام، وهو الذي يفضي إلى المساعدة على المحرم، دون ما كان منه حال الهدنة.

 

[71]ـ في المطبوع من المقنعة لا توجد كلمة[ حرام ] الثانية، والصحيح وجودها، كما في مفتاح الكرامة 8: 61.

 

[72]ـ المقنعة (الشيخ المفيد): 588 ـ ط / مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1410.

 

[73]ـ النهاية: 365.

 

[74]ـ المهذب 1: 345.

 

[75]ـ المراسم: 169.

 

[76]ـ كشف الرموز 1: 438.

 

[77]ـ مفتاح الكرامة 8: 62. انظر: المختصر النافع: 116. الدروس الشرعية 3: 166

 

[78]ـ فقه الصادق (محمد صادق الروحاني) 14: 155 ـ ط / دار الكتاب، قم 1412. ومن هنا لم يفرق بين قول القدماء وقول‏ صاحب المستند الآتي، وجعلهما قولاً واحداً. ثم أنه عد كلام الشهيد ضمن هذا القول، مع أن كلام الشهيد في الكفار فحسب، كما يشهد له التعليل، وسيأتي نقل كلامه ضمن الأقوال الآتية.

 

[79]ـ انظر: رياض المسائل 8: 50. جواهر الكلام 22: 28. مستند الشيعة 14: 92.

 

[80]ـ وسائل الشيعة 12: 71، ح 7.

 

[81]ـ المصدر السابق: 70، ح 5.

 

[82]ـ رياض المسائل 8: 50.

 

[83]ـ المكاسب المحرمة (الإمام الخميني) 1: 231.

 

[84]ـ مستند الشيعة 14: 93.

 

[85]ـ انظر: المكاسب المحرمة، (الإمام الخميني) 1: 231.

 

[86]ـ دراسات في المكاسب المحرمة 2: 392.

 

[87]ـ انظر: المكاسب المحرمة (الإمام الخميني) 1: 231.

 

[88]ـ المصدر السابق. وانظر: دراسات في المكاسب المحرمة 1: 392.

 

[89]ـ رياض المسائل 5: 15. مستند الشيعة 14: 93. مفتاح الكرامة 8: 61.

 

[90]ـ المصادر السابقة.

 

[91]ـ وسائل الشيعة 12: 70، ح 5.

 

[92]ـ انظر: المكاسب المحرمة (الإمام الخميني) 1: 233. دراسات في المكاسب المحرمة 1: 392.

 

[93]ـ دراسات في المكاسب المحرمة 2: 392.

 

[94]ـ مفتاح الكرامة 8: 62.

 

[95]ـ الاستبصار 3: 57.

 

[96]ـ انظر: مفتاح الكرامة 8: 61.

 

[97]ـ المكاسب (الشيخ الأنصاري) 2: 129. حاشية المكاسب (السيد اليزدي): 10.

 

[98]ـ مستند الشيعة 14: 92.

 

[99]ـ مصباح الفقاهة 1: 186.

 

[100]ـ المصدر السابق. حاشية المكاسب (الايرواني) 1: 107.

 

[101]ـ مصباح الفقاهة 1: 188.

 

[102]ـ الأنفال: 60.

 

[103]ـ انظر: مصباح الفقاهة 1: 188.

 

[104]ـ المختصر النافع: 116. قال في النوع الثالث مما يحرم التكسب به:[ما يقصد به المساعدة على المحرم، كبيع السلاح ‏لأعداء الدين في حال الحرب].

 

[105]ـ التنقيح الرائع 2: 9. وكلامه في اشتراط قصد المساعدة وإن كان صريحاً، إلا أن كلامه غير ظاهر في إرادة خصوص ‏الحرب أو الأعم، فهو مجمل من هذه الناحية، ويتردد حينئذ بين هذا القول وتاليه. وقد يشعر استدلاله للأول باختياره.

 

[106]ـ الدروس الشرعية 3: 166.

 

[107]ـ السرائر 2: 216.

 

[108]ـ الرياض 8: 50.

 

[109]ـ كفاية الأحكام (المحقق السبزواري): 85 ـ ط / مطبعة مهر، قم (الطبعة الحجرية)، شرح قواعد الأحكام (كاشف‏الغطاء): 8 ـ ط / مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم (الطبعة الحجرية)، رياض المسائل 5: 14 ـ 15. جواهر الكلام 22:2928.

 

[110]ـ جواهر الكلام 22: 29.

 

[111]ـ حاشية المكاسب (السيد اليزدي): 11.

 

[112]ـ مهذب الأحكام 16: 71، 73.

 

[113]ـ المكاسب المحرمة (الإمام الخميني) 1: 225 ـ 227.

 

[114]ـ المصدر السابق: 228 ـ 229.

 

[115]ـ المصدر السابق: 232.

 

[116]ـ تحرير الوسيلة 1: 456.

 

[117]ـ المكاسب المحرمة (الإمام الخميني) 1: 228.

 

[118]ـ من الملاحظ أن بحوث الإمام (قدس سره) كانت قبل قيام الحكومة الإسلامية، فهو يعني بكلامه هذا عامة الحكومات الإسلامية.

 

[119]ـ المكاسب المحرمة (الإمام الخميني) 1: 228.

 

[120]ـ ذكره بعض أفاضل تلامذته فى بحوثه(غير مطبوع).

 

[121]ـ المكاسب المحرمة 1: 228.

 

[122]ـ تحرير الوسيلة 1: 456.

 

[123]ـ النهاية (محمد بن الحسن الطوسي): 366 ـ ط / منشورات قدس، قم.

 

[124]ـ قال: سألت أبا عبداللّه 7 عن الفئتين تلتقيان من أهل الحرب، أبيعهما السلاح؟ قال:[بعهما ما يكنهما، الدرع‏ والخفين، ونحو هذا]. (وسائل الشيعة 17: 102، ح‏3).

 

[125]ـ رياض المسائل 5: 14.

 

[126]ـ مفتاح الكرامة 8: 62.

 

[127]ـ المكاسب (الشيخ الأنصاري) 1: 150 (المكتبة الفقهية).

 

[128]ـ تحرير الوسيلة 1: 456، المسألة 11.

 

[129]ـ المكاسب (الشيخ الأنصاري) 2: 129.

 

[130]ـ مفتاح الكرامة 8: 62.

 

[131]ـ الدروس الشرعية 3: 166. مسالك الإفهام (الشهيد الثاني) 3: 123 ـ ط / مؤسسة المعارف الإسلامية، قم / 1418،جامع المقاصد 4: 7. مجمع الفائدة والبرهان 8: 46.

 

[132]ـ المكاسب المحرمة 1: 234.

 

[133]ـ المصدر السابق: 222.

 

[134]ـ المصدر السابق.

 

[135]ـ تهذيب الأصول 1: 304 ـ ط / مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1405.

 

[136]ـ انظر: المكاسب المحرمة (الإمام الخميني) 1: 222 ـ 225.

 

[137]ـ المصدر السابق: 226.

 

[138]ـ دراسات في المكاسب المحرمة 2: 379.

 

[139]ـ المائدة: 1.

 

[140]ـ كتاب البيع (الإمام الخميني) 1: 102 ـ ط / مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، قم 1421.

 

[141]ـ التنقيح الرائع 2: 9.

 

[142]ـ مصباح الفقاهة 1: 192.

 

المواضيع ذات صلة

 

الإمام الخميني والنظام الدفاعي

 

الامام الخميني في الدراسات الغربية

 

الإمام الخميني والأسس النظرية للسياسة الخارجية

 

نظرية الإمام الخميني (قدس سره) في الأحكام الثانوية

 

الإمام الخميني (قده) والفقاهة القائمة على عنصري الزمان والمكان

 

رأي الإمام الخميني (قده) في الحكومة الإسلامية وذروة نظريات الحكومة في الفقه الشيعي