من الأمور التي أثيرت ـ ولا تزال ـ ضد الشيعة بدوافع مذهبية واضحة هو موضوع تحريف القرآن، هذا الموضوع الذي كتب في دحضه علماء الشيعة العديد من الكتب والكثير من البحوث والدراسات مستدلّين في ذلك بالشواهد العقلية والنقلية والتاريخية حتى بان أن موضوع سلامة القرآن من التحريف محل إجماع بين علماء الشيعة الإمامية.

 

من جملة علماء الشيعة الذين نهضوا لدفع هذه الفرية هو الإمام الخميني (قدس سره)؛ فمن يتتبّع مؤلفات الإمام وخطاباته يجد فيها نصوصاً كثيرة تنفي وقوع التحريف نفياً قاطعاً.

 

ولعلّ المرّة الأولى التي شرح فيها الإمام الخميني (قدس سره) رأيه بهذا الخصوص كان في كتابه (كشف الأسرار) وذلك في جواب على سؤال: لماذا لم يذكر اسم علي (ع) في القرآن، ولم لا يوجد نصّ صريح على إمامته في القرآن؟:

 

فأجاب (قدس سره):

 

«... كان من الممكن إذا نصّ القرآن على الإمام أن يعمد أولئك - الذين لا يربطهم بالإسلام والقرآن إلا الدنيا  والرئاسة، ويريدون أن يصلوا من خلال القرآن إلى تحقيق نواياهم السيّئة، - إلى حذف تلك الآيات من القرآن، وتحريف الكتاب السماويّ وإلى الأبد، ويبقى هذا العار على المسلمين إلى يوم القيامة، ويصيب المسلمين ما أصاب كتاب اليهود وكتاب النصارى»(1).

 

بناءً على ذلك فبما أنه لم يُذكر اسم علي (ع) ولا توجد آية صريحة باسمه في القرآن تنصّ على إمامته، لذا بقي هذا الكتاب السماويّ مصوناً ولم تطاله يد التحريف.

 

أما في كتابه (أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية) للآخوند الخراساني، فهناك نصّ أكثر تفصيلاً لسماحته، وهو يردّ فيه على مقالة البعض واستنادهم إلى شبهة التحريف في القول بعدم حجّية الظواهر، فيقول:

 

«وهذا ممنوع [أي التحريف] بحسب الصغرى والكبرى:

 

أما الأولى: فلمنع وقوع التحريف فيه جدّاً، كما هو مذهب المحقّقين من علماء العامّة والخاصّة، والمعتبرين من الفريقين، وإن شئت شطراً من الكلام في هذا المقام فارجع إلى مقدّمة تفسير (آلاء الرحمن) للعلامة البلاغي المعاصر (قدّس سرّه).

 

وأزيدك توضيحاً: أنه لو كان الأمر كما توهّم صاحب فصل الخطاب...، من كون الكتاب الإلهي مشحوناً بذكر أهل البيت وفضلهم، وذكر أمير المؤمنين وإثبات وصايته وإمامته، فلِمَ لمْ يحتج بواحد من تلك الآيات النازلة والبراهين القاطعة من الكتاب الإلهي أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام) وسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، وسائر الأصحاب الذين لا يزالون يحتجّون على خلافته (عليه السلام)؟! ولمِ تشبّث (عليه السلام) بالأحاديث النبويّة، والقرآن بين أظهرهم؟! ولو كان القرآن مشحوناً باسم أمير المؤمنين وأولاده المعصومين وفضائلهم وإثبات خلافتهم، فبأيّ وجه خاف النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع آخر سنين عمره الشريف وأخيرة نـزول الوحي الإلهي من تبليغ آية واحدة مربوطة بالتبليغ، حتى ورد أن ﴿اللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾؟ ولم احتاج النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى دواة وقلم حين موته للتصريح باسم علي (عليه السلام)؟! فهل رأى أن لكلامه أثراً فوق أثر الوحي الإلهي؟!

 

وبالجملة: ففساد هذا القول الفظيع والرأي الشنيع أوضح من أن يخفى على ذي مسكة، إلا أن هذا الفساد قد شاع على رغم علماء الإسلام وحفاظ شريعة سيّد الأنام.

 

وأما الكبرى: فلأن التحريف - على فرض وقوعه - إنما وقع في غير آيات الأحكام، مما هو مخالف لأغراضهم الفاسدة - ولو احتمل كونها طرفاً للاحتمال أيضاً - فلا إشكال في عدم تأثير العلم الإجمالي. ودعوى العلم بالوقوع فيها بالخصوص مجازفة واضحة»(2).

 

أما في كتاب (تهذيب الأصول) وهو تقريرات دروسه الأصولية في البحث الخارج بقلم تلميذه المحقّق الشيخ جعفر السبحاني، فيفنّد الإمام (قدس سره) بالأدلة النقلية والعقلية هذا الادّعاء، ويقول:

 

«إن الواقف على عناية المسلمين على جمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة يقف على بطلان تلك المزعمة، وأنه لا ينبغي أن يركن إليه ذو مسكة. وما وردت فيه من الأخبار بين ضعيف لا يستدلّ به، إلى مجعول يلوح منها إمارات الجعل، إلى غريب يقضى منه العجب، إلى صحيح يدلّ على أن مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره، إلى غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل. ولولا خوف الخروج عن طور الكتاب لأرخينا عنان البيان إلى بيان تاريخ القرآن وما جرى عليه طيلة تلك القرون، وأوضحنا إليك أن الكتاب هو عين ما بين الدفّتين، والاختلاف الناشئة بين القراء ليس إلا أمراً حديثاً لا ربط له بما نـزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين»(3).

 

كذلك في كتاب (تنقيح الأصول) وهو تقريرات أبحاثه الأصولية بقلم المحّقق الشيخ حسين الاشتهاردي يفنّد سماحته بالأدلّة العقلية والنقلية مقولة البعض بوقوع التحريف، فيقول:

 

«وأمّا دعوى تحريف القرآن فهي ناشئة عن بعض أخبارٍ تنتهي إلى بعض الغلاة والضعفاء يدلّ بعضها على أنّهم أسقطوا من الكتاب ثلثيه: ثلثاً في مدح أهل البيت (عليهم السلام)، وثُلُثاً في ذمّ الخلفاء، وبقي ثُلُثه، أو أنّه قد سقط من بين قوله ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أنْ لا تُقْسِطُوا في الْيَتَامى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ الآية - أكثرُ من ثُلُث القرآن، وأنّه كان اسم عليّ (عليه السلام) مذكوراً في بعض الآيات، مثل ﴿يَا أَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنـزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ وغيرها، أو أنّ بعضاً من القرآن، مع أنّا نقطع بأنّ هذا القرآن هو الذي نـزل على قلب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدون زيادةٍ ولا نقصان، وهو الذي كان في زمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيد المسلمين، ويقرءونه ويحفظونه. وكيف يمكن تحريف القرآن في ذلك العصر مع شدّة تعصّب المسلمين الرؤساء منهم وغيره وآمال حفظهم له وكثير منهم كانوا حافظين له عن ظهر القلب مع صلابتهم في أمثال ذلك.

 

وممّا يدلّ على ذلك: أنّه لم يذكر ذلك عليٌّ ولا فاطمة (عليهما السلام) في جملة مطاعنهما والاحتجاج على الشيخين، مع أنّه من أهمّ المطاعن لو كان واقعاً.

 

وأمّا ما ذكروه: من أنّ اسم علي (عليه السلام) كان مذكوراً في القرآن في كثير من الآيات، كالآية الشريفة المتقدّمة.

 

ففيه: أنّه لو كان كذلك فلِمَ يخاف (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من تبليغ ذلك مع التصريح به في القرآن الذي بيد المسلمين؟!

 

وأمّا ما ذكروه: من إسقاط ثُلُثي القرآن، فهو من المطالب الواهية، والأغلاط الواضحة، كما اتّضح ذلك ممّا ذكرناه.

 

وأمّا ما نُقل: من أنّ بعض مصحف فاطمة (عليها السلام) من القرآن، فهو معارَض بها في بعض الأخبار من أنّه ليس في مصحفها (عليها السلام) حرفٌ من القرآن، فهو أيضاً من الأغلاط الواضحة.

 

وذكر بعضهم سورة سمّاها بسورة النور، وهي تنادي بأنّها ليست من سنخ القرآن، بل من مجعولات البشر؛ لخلوُّها عن الفصاحة والبلاغة وخروجها عن نظم القرآن المجيد وعدم مشابهتها بكلام الله تعالى كما لا يخفى ذلك على من لاحظها.

 

وأمّا ما ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة من قوله: «أنّي جمعت القرآن مع جميع تأويلاته وتنـزيلاته، فأبوا أن يقبلوه منّي» فلا يدلّ على ما ذهبوا إليه أيضاً، بل يدلّ على خلافه»(4).

 

كما أن الإمام الخميني (قده) قد ترك في خطاباته من النصوص ما يكفي لبيان رأيه القاطع في نفي التحريف عن القرآن، نورد نصّاً واحداً ينفي فيه الإمام التغيير في القرآن بالزيادة أو النقيصة ولو بحرف واحد. يقول سماحته وهو يتحدّث إلى المشاركين في المؤتمر الثاني لأئمة الجمعة والجماعات في العالم:

 

«هذا القرآن الموجود بيد المسلمين، والذي لم يطرأ عليه التغيير منذ صدر الإسلام حتى الآن، ولو بكلمة واحدة، بل لم يزد عليه ولم يقل منه حتى حرفاً واحداً، حين ننظر إليه بعين التدبّر نجد أن المسألة ليست هي دعوة الناس إلى العزلة في البيت»(5).

 

وخلاصة القول أن في هذه النصوص وغيرها للإمام الخميني (قدّس سرّه) - والتي لم نوردها هنا تجنّباً للإطالة - دلالة واضحة على إيمان الإمام الخميني (قدس سره) الراسخ بسلامة القرآن من التحريف.

 

ــــــــــــــــ

 

(1) كتاب كشف الأسرار، ص122.

 

(2) أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية، ج1، ص243-247.

 

(3) تهذيب الأصول، ج2، ص165.

 

(4) تنقيح الأصول، ج3، ص130-132.

 

(5) صحيفة الإمام، ج18، ص337.