بالسَّنَدِالمُتَّصِلِ إِلَى الإِمَامِ الأقْدَمِ حُجَّة الفِرْقَةِ وَرَئِيسِالأُمَّةِ، مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الكُلَيْنِي ـ رضي الله عنه ـ عَنْمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنِالحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهَبٍ قَالَ: سَمِعْتُأَبَا عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلام يَقُولُ: إِذَا تَابَ العَبْدُتَوْبَةً نَصُوحاً أَحَبَّهُ اللهُ فَسَتَرَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَاوَالآخِرَةِ. فَقُلْتُ: وَكَيْفَ يَسْتُرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: يُنْسيمَلَكَيْهِ مَا كَتَبَا عَلَيْهِ مِنَ الذُّنُوب، ثُمَّ يُوحي إِلَىجَوَارِحِهِ: اكْتُمِي عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ ويُوحى إِلى بِقَاعِ الأَرْضِ: اكْتُمِي عَلَيْهِ مَا كَانَ يَعْمَلُ عَلَيْكِ مِنَ الذُّنُوبِ. فَيَلْقَىالله حِيْنَ يَلْقَاهُ ولَيْسَ شَيْءٌ يَشْهَدُ عَلَيِْه بِشَيْءٍ مٍنَالذُّنُوبِ[1].
الشرح:
اعلم أن التوبة من المنازل المهمة الصعبة. وهي عبارة عن الرجوع من عالم المادة إلى روحانية النفس، بعد أن حُجبت هذه الروحانية ونور الفطرة، بغشاوات ظلمانية من جراء الذنوب والمعاصي.
وتفصيل هذا الإجمال بإيجاز هو: أن النفس في بدء فطرتها خالية من كل أنواع الكمال والجمال والنور والبهجة، كما أنها تكون خالية أيضاً من أضداد هذه الصفات ـ المذكورة الأربعة ـ فكأنّ النفس صفحة نقية من كل رسم ونقش، لا توجد فيها الكمالات الروحية ولا تتصف بالنعوت المضادة لها. ولكن قد أودع فيها نور الاستعداد والأهلية لنيل أي مقام رفيع أو وضيع، وأنشأت فطرتها على الاستقامة، وعجنت طينتها بالأنوار الذاتية. وعندما تجترح سيئة، تحصل في القلب ظلمة وسواد. وكلما ازدادت المعاصي تضاعفت الظلمة والسواد، إلى أن يغشى الظلام والسواد القلب كله، وينطفئ نور الفطرة ويبلغ مرتبة الشقاء الأبدي. فإذا انتبه الإنسان قبل أن يستوعب الظلام القلب كله، ثم اجتاز منـزل اليقظة ودخل على منـزل التوبة واستوفى حظوظ هذا المنـزل حسب الشرائط التي سنأتي على ذكرها إجمالاً في هذه الصفحات، زالت الحالات الظلمانية والكدورات الطبيعية وعاد إلى الحالة الفطرية النورية الأصيلة والروحانية الذاتية وكأنّها تنقلب ـ النفس ـ إلى صفحة خالية من جميع الكمالات وأضدادها. كما ورد في الحديث الشريف المشهور «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ»[2].
فتبين أن حقيقة التوبة هي الرجوع من عالم الطبيعة وآثارها ومضاعفاتها إلى عالم الروحانية والفطرة. كما أن حقيقة الإنابة رجوع من الفطرة والروحانية إلى الله والسفر والهجرة من بيت النفس نحو بيت القصيد. فمنـزل التوبة سابق ومقدم على منـزل الإنابة، ولا يناسب تفصيل ذلك في هذا المقال.
فصل: نقطة هامة
على سالك طريق الهداية والنجاة، الانتباه إلى نقطة هامة: هي أن التوفيق إلى التوبة الصحيحة الكاملة مع توفير شرائطها ـ التي سنذكرها ـ من الأمور الصعبة، وقليلاً ما يستطيع الإنسان أن يصل إلى هذا المقصد. بل إن اقتراف الذنوب وخاصة المعاصي الكبيرة يجعلان الإنسان غافلاً عن ذكر التوبة نهائياً. وإذا ما أثمرت وقويت شجرة المعاصي في مزرعة قلب الإنسان وتحكّمت جذورها، ستكون لها نتائج وخيمة: منها حثّ الإنسان على الانصراف كلياً عن التفكير في التوبة، وإذا تذكرها أحياناً تكاسل في إجرائها وأجّلها وقال: «اليوم أو غداً وهذا الشهر أو الشهر المقبل، ويخاطب نفسه قائلاً إنني أتوب آخر العمر وأيام الشيخوخة توبة صحيحة». وإنه يغفل عن أن هذا مكر مع الله (وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[3]. فلا يتوقع الإنسان أنه بعد أن تقوى جذور الذنوب في نفسه، يستطيع أن يتوب أو يقوم بتوفير شروط التوبة. إن أفضل أيام التوبة وربيعها هي فترة أيام الشباب. لأن الذنوب أقل وشوائب القلب وظلمات الباطل أخف، وشروط التوبة أسهل وأيسر. وقد يكثر في سن الشيخوخة حرص الإنسان وطمعه وحبه للمال ويزداد طول أمله وقد أثبتت التجربة ذلك.
والحديث النبوي الشريف أفضل شاهد على هذه المقولة. وإذا افترضنا أن الإنسان يستطيع القيام بهذا العمل (التوبة) في سنّ الشيخوخة. فما هو الضمان للوصول إلى سن الشيخوخة وعدم إدراكه الأجل المحتوم أيام الشباب على حين غرّة، وهو مشغول بارتكاب الذنوب والعصيان؟ إن انخفاض عدد المسنين، دليل على أن الموت أقرب إلى الشباب منه إلى الشيخ. إننا في المدينة التي يبلغ تعدادها على خمسين ألف نسمة لم نجد خمسين شيخاً يناهز عمر كل منهم ثمانين عاماً!.
فيا أيها العزيز كن على حذر من مكائد الشيطان ولا تمكر على الله ولا تحتال عليه بأن تقول أعيش خمسين عاماً أو أكثر مع الأهواء، ثم استغفر ربي لدى الموت وأستدرك الماضي، لأن هذه أفكار واهية.
إذا سمعت أو علمت من الحديث الشريف أن الله سبحانه وتعالى قد تفضّل على هذه الأمة بتقبل توبتهم قبل مشاهدة آثار الموت أو عند الموت فذلك صحيح، ولكن هيهات أن تتحقق التوبة من الإنسان في ذلك الوقت.
هل تظن أن التوبة مجرد كلام يقال؟ إن القيام بالتوبة لعمل شاق. إن الرجوع إلى الله والعزم على عدم العودة إلى الذنب يحتاج رياضة علمية وعملية، إذ نادراً ما يحدث للإنسان أن يفكر لوحده بالتوبة أو يتوفق إليها أو يتوفق إلى توفير شرائط صحة التوبة وقبولها أو إلى توفير شرائط كمالها. إذ من الممكن أن يدركه الموت قبل التفكير في التوبة أو إنجازها وينقله من هذه النشأة مع المعاصي التي تنوء بالإنسان ومع ظلمات الذنوب اللامتناهية وفي ذلك الوقت يعلم الله وحده المصائب والمحن التي سوف يواجهها!.
ليس من السهل أن يتدارك الإنسان في العالم الآخر معاصيه، فإذا كان من أهل النجاة وممّن عاقبة أمره سعيدة: إذ لابد من متاعب وضغوطات ونيراناً حتى يصبح الإنسان أهلاً لرحمة أرحم الراحمين.
إذاً أيها العزيز! عجّل في شدّ حيازيمك، وأحكام عزيمتك وقوّتك الحاسمة وأنت في أيام الشباب أو على قيد الحياة في هذه الدنيا وتب إلى الله، ولا تسمح لهذه الفرصة التي أنعم الله بها عليك أن تخرج من يدك، ولا تعبأ بتسويف الشيطان ومكائد النفس الأمارة.
نقطة هامة
ويجب الانتباه إلى نقطة هامّة أخرى: هي أن الشخص التائب بعد توبته لا يستعيد الصفاء الداخلي الروحاني والنور الخالص الفكري السابق كما أنك لو
سوّدت صفحة بيضاء ثم حاولت أن تعالج السواد وتزيله عنها لم تعد الصفحة إلى حالتها الأولى من البياض الناصع. وكذلك الإناء المكسور إذا أصلحناه فمن الصعب أن يعود إلى حالته السابقة. إنه لبون شاسع بين خليل يكون مخلصاً مع الإنسان طوال العمر، وصديق يخونك ثم يعتذر عن تقصيره.
فضلاً عن أن قليلاً ما ترى شخصاً يستطيع القيام بوظائف التوبة بشكل صحيح.
إذاً، يجب على الإنسان أن يتجنب ما أمكن ارتكاب المعاصي والذنوب، لأن إصلاح النفس بعد إفسادها من الأعمال الشاقة. وإذا تورط لا سمح الله في مصيبة وجب عليه بشكل عاجل أن يفكر في العلاج لأن إصلاح الفساد القليل يتم أسرع وبكيفية أحسن.
أيها العزيز! لا تمر على هذا المقام من دون مبالاة ولا اهتمام. فكّر في حالك وعاقبة أمرك، وراجع كتاب الله وأحاديث خاتم الأنبياء وأئمة الهدى ـ سلام الله عليهم أجمعين ـ وكلمات علماء الأمة وأحكام العقل الوجدانية. افتح على نفسك هذا الباب الذي يعدّ مفتاح الأبواب الأخرى، وادخل في هذا المقام الذي يعتبر من أهمّ المنازل الإنسانية، بالنسبة إلينا وكن مهتماً فيه وواظب عليه وأطلب من الله عز وجل التوفيق في الوصول إلى المطلوب، واستعن بروحانية الرسول الأكرم وأئمة الهدى ـ سلام الله عليهم ـ والتجئ إلى ولي الأمر وناموس الدهر إمام العصر عجل الله فرجه ـ وبالطبع إنه ينجّي الضعفاء والعجزة ويعين المحتاجين.
فصل: في أركان التوبة
اعلم أن للتوبة الكاملة أركاناً وشروطاً. ولولا تحققها لما تحققت التوبة الصحيحة. ونحن نذكر الأركان وشرائطها الهامّة:
إن من أهم الشروط الذي يعتبر ركناً ركيناً للتوبة هو الندامة على الذنوب والتقصير في أداء التكاليف الشرعية. ومنها: العزم على عدم العودة إلى الذنوب
نهائياً. وفي الحقيقة أن هذين الأمرين يحققان حقيقة التوبة ويعتبران من مقوماتها الذاتية. والعمدة في هذا الباب تحصيل هذا المقام وإنجاز هذه الحقيقة على نحو يتذكر الإنسان تأثير معاصيه في روحه وعواقبها في عالم البرزخ ويوم القيامة كما هو مقرر في المعقول والمنقول ومبرهن عليه لدى أهل العلم والمعرفة، ومأثور في أخبار أهل بيت العصمة ـ عليهم السلام ـ من أن للمعاصي في عالم البرزخ والقيامة صوراً تتناسب معها وهذه الصور في ذلك العالم تكون ذات حياة وإرادة حيث تعذّب الإنسان المذنب وتسئ إليه عن شعور وإرادة. وإن نار جهنم أيضاً تحرق الإنسان عن إرادة ووعي لأن تلك النشأة نشأة الحياة.
ففي ذلك العالم صوراً تحشر معنا من جراء أعمالنا الحسنة أو القبيحة. وقد ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة صراحة وتلويحاً ذكرٌ لهذا الموضوع.
ويتطابق مع مسلك الحكماء الإشراقيين، وذوق أهل السلوك ومشاهدات أصحاب العرفان. وكذلك تترك كل معصية في الروح أثراً عُبّر عنه في الأحاديث الشريفة بالنقطة السوداء وهي ظلام ظهر في القلب والروح ثم تتوسع هذه النقطة حتى تسوق الإنسان إلى الكفر والزندقة والشقاوة الأبدية. وقد فصّلنا ذلك في الفصول السابقة. فالإنسان العاقل لو انتبه لهذه المعاني واعتنى بكلام الأنبياء والأولياء ـ عليهم السلام ـ والعرفاء والحكماء والعلماء ـ رضوان الله عليهم ـ بقدر اعتنائه بقول طبيب معالج، لابتعد لا محالة عن المعاصي ولم يقترب منها أبداً. وإذا ابتلي بالمعصية لا سمح الله أبدى بسرعة تبرمه وانـزعاجه منها وندم عليها وظهرت صورة ندمه في قلبه وتكون نتيجة هذه الندامة عظيمة جداً، وآثارها حسنة وكثيرة ثم يحصل من جراء ندمه العزم على ترك المعصية وترك مخالفة رب العالمين. وعندما يتوفر هذان الركنان ـ الندم على اقتراف المعصية والعزم على عدم العودة إليها ـ يتيسّر أمر سالك طريق الآخرة، وتغمره التوفيقات الإلهية ليصبح حسب النص القرآني (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [4]. وهذه [5] الرواية الشريفة، محبوباً لله تعالى إذا كان مخلصاً في توبته. إنه يجب على الإنسان بالرياضة العلمية والعملية وبالتفكر والتدبر اللائق أن يسعى في سبيل تحقيق التوبة ويجب عليه أن يفهم بأن المحبوبية عند الله لا تقدّر في حساب. والله يعلم بأن صورة حب الحق في تلك العوالم من أي نوع من الأنوار المعنوية والتجلّيات الكاملة تكون؟ وإن الله سبحانه كيف يتعامل مع محبوبه؟ أيها الإنسان كم أنت ظلوم وجهول؟! ولا تقدّر نعم وليّ النعم. إنك تعصي وتعادي سنين وسنين وليّ نعمك الذي وفّر لك كل وسائل الرفاه والراحة من دون أن تعود منها عليه ـ والعياذ بالله ـ بجدوى وفائدة، وطيلة هذه الفترة قد هَتكت حرمته وطَغيت عليه ولم تخجل منه أبداً ولكنك إذا ندمت على ما فعلت ورجعت إليه، أحبك الله وجعلك محبوباً له (إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَابِينَ) فما هذه الرحمة الواسعة والنعم الوافرة؟.
إلهي! نحن عاجزون عن شكر آلائك، وأَلْسِنَةُ البشر وجميع الأحياء في هذا الكون مصابة باللكنة ـ تجاه الحمد والثناء عليك ـ ولا يسعنا إلا أن ننكّس رؤوسنا ونعتذر لك لعدم حيائنا منك. مَنْ نحن حتى نستحق رحمتك؟ ولكنّ سعة رحمتك وشمول نعمتك أوسع من تقديرنا لها «أَنْتَ كَما أَثْنَيْتَ عَلَى نَفسك» [6].
وأيضاً، يجب على الإنسان أن يقوي في قلبه صورة الندامة كي يحترق القلب إن شاء الله تعالى. وذلك بأن يفكّر في الآثار الموحشة للمعاصي وعواقبها. ويعمل على تقوية الندامة في قلبه ويضرم النار في قلبه على غرار (نَارُ اللهِ المُوقَدة) ويحرق قلبه في نار الندامة حتى تحترق مع نار الندامة جميع المعاصي وتزول الكدورة عن القلب وصدئه. وليعلم أنه إذا لم يضرم بنفسه هذه النار ـ الندامة ـ ولم يفتح في وجهه باب جهنم هذه التي تكون بذاتها الباب الرئيسي لأبواب الجنة، فعندما ينتقل من هذا العالم تهيأت له لا محالة في ذلك العالم نار عاتية، وتفتح في وجهه أبواب جهنم وتوصد في وجهه أبواب الجنة والرحمة.
إلهي ألهمنا صدراً محترقاً واقذف في قلوبنا جذوة من نار الندامة واحرقه مع هذه النار «الندامة» الدنيوية، وأزل عن قلوبنا الكدر والغبرة، وأخرجنا من هذا العالم من دون مضاعفات المعاصي إنك ولي النعم وعلى كل شيء قدير.
فصل: في شروط التوبة
ذكرنا في الفصل السابق أركان التوبة. وسوف نذكر شروط قبولها وشروط كمالها مرتباً. ثم أن عمدة شروط القبول أمران كما أن عمدة شروط الكمال أمران أيضاً.
ونحن نذكر في هذا الفصل الكلام الشريف لمولى الموالي الذي هو في الواقع من جوامع الكلام، ومن كلام الملوك وملوك الكلام.
رُوِيَ فِي نَهْجِ البَلاَغَةِ أَنَّ قَائِلاً قَالَ بِحَضْرَتِهِ عَلَيه السَّلام: أَسْتَغْفِرُ اللهَ، فَقَالَ لَهُ: «ثَكِلَتْك أُمُّكَ أَتَدْرِي مَا الاستغفارُ؟ إنَّ الاسْتِغْفَارَ دَرَجَةُ العِليِّينَ وَهُوَ اسمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ: أَوَّلُهَا النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى. الثَّانِي العَزْمُ عَلَى تَرْكِ العَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً. والثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى المَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَي اللهَ سُبْحَانَهُ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ. الرَّابعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا. والخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُدِيبَهُ بِالأَحْزَانِ حَتّى تُلْصِقَ الجِلْدَ بِالعَظْمِ وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ. والسّادِسُ أَنْ تُذِيقَ الجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ المَعْصِيَةِ فَعِنْدَ ذلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ» [7].
يشتمل هذا الحديث الشريف على ركنين من أركان التوبة هما: الندامة والعزم على العودة وعلى شرطين مهمين للقبول: هما إرجاع حقوق المخلوق لأهلها ورد حقوق الخالق لله سبحانه. ولا تقبل التوبة من الإنسان بقوله أستغفر الله. إن على الإنسان التائب أن يردَّ كل ما أخذه من الناس من دون حق إلى أصحابه وإذا وجد حقوقاً أخرى للناس في ذمته واستطاع أن يؤديها إلى أصحابها أو يطلب السماح منهم، يجب أن لا يتوان في ذلك. وأن يقضي كل الفرائض الإلهية أو يؤديها. وإذا تعذر عليه إنجاز ذلك أدّى المقدار الميسور منه. وليعلم أن لكل هذه الحقوق أصحاب سيطالبونه بها في النشأة الأخرى بأشق الأحوال وليس له في ذلك العالم وسيلة لأداء هذه الحقوق، إلا أن يتحمل ذنوب الآخرين، ويدفع إليهم أعماله الحسنة فيصير حينذاك عاجزاً وشقياً ولا يملك طريقاً للخلاص وملجأ للاستخلاص. أيها العزيز إياك أن تسمح للشيطان والنفس الأمارة بالبهيمة عليك والوسوسة في قلبك فيصوران لك العملية جسيمة وشاقة ويصرفانك عن التوبة. اعلم بأن إنجاز الشيء القليل من هذه الأمور يكون أفضل. ولا تيأس من رحمة الله ولطفه، حتى وإن كانت عليك صلاة كثيرة وصيام غير قليل، وكفارات عديدة، وحقوق إلهية كثيرة، وذنوب متراكمة، وحقوق الناس لا تعدّ، والخطايا لا تحصى.
لأن الحق المتعالي يسهّل عليك الطريق عندما تقوم بخطوات حسب قدرتك في اتجاهه، ويهديك سبيل النجاة. واعلم بأنّ اليأس من رحمة الحق من أعظم الذنوب، ولا أظن أن هناك ذنباً أسوأ وأشدّ تأثيراً في النفس من القنوط من رحمة الله. فإنّ الظلام الدامس إذا غشي قلب الإنسان اليائس من الرحمة الإلهية، لما أمكن إصلاحه، ولتحوَّل إلى طاغية، لا يوجد سبيل للهيمنة عليه. فإيّاك أن تغفل من رحمة الحق عزّ وجلّ، وإيّاك أن تستعظم الذنوب وتبعاتها. إن رحمة الحق سبحانه أعظم وأوسع من كل شيء. نصف بيت شعر:
«إن عطاء الحق غير مشروط بقابليّة المعطى إليه»
ماذا كانت في بدء الأمر؟ كنت في غياهب العدم ولا توجد فيك القابلية والأهليّة، ولكن الحق جلّ وعلا، قد وهبك نعمة الوجود وكمالاته وبسط مائدة النعم اللامحدودة، والرحمة اللامتناهية، وسخر لك كافة الموجودات، من دون استحقاق واستعداد ومن دون سؤال ودعاء مسبق.
ثم إنك في هذا اليوم لا يكون وضعك أسوأ، من اليوم الذي كنت فيه عدماً صرفاً، ولا شيئاً بحتاً. إن الله قد وعد بالرحمة والمغفرة. تقدم إلى الأمام خطوة واحدة، باتجاه عتبة قدسه. فإنه سيأخذ بيدك مهما كلّف الأمر. إنك إن لم تستطع أن تؤدي حقوقه، فهو سيتنازل عنها. وإن لم تستطع أن تدفع حقوق الناس، فإنه سيجبرها.
هل سمعت قصة الشاب الذي كان ينبش القبور في عهد الرسول صلّى الله عليه وأله وسلم؟
أيها العزيز إنّ طريق الحق سهل بسيط، ولكنّه يحتاج إلى انتباه يسير، فيجب العمل، لأن التباطئ والتسويف، ومضاعفة المعاصي في كل يوم، تبعث على صعوبة الأمر، وأمّا الإقبال على العمل، والعزم على إصلاح السلوك والنفس، فيقرّب الطريق ويسهّل العمل.
جرّبه، واعمل في الاتجاه المذكور، فإذا حصلت على النتيجة تبين لك صحة الموضوع. وان لم تصل إلى النتيجة المتوخاة فإن طريق الفساد مفتوح ويد المذنب طويلة. وأما الأمران الآخران ـ الخامس والسادس المذكوران في الرواية المنقولة عن نهج البلاغة المتقدمة ـ اللذان ذكرهما الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فهما من شروط كمال التوبة، والتوبة الكاملة، لأن التوبة لا تتحقق ولا تقبل من دونهما ليست بكاملة.
اعلم أن لكل منـزل من منازل السالكين مراتب ودرجات تختلف حسب اختلاف حالات قلوبهم. وإن التائب إذا أراد البلوغ إلى مرتبة الكمال، فلا بد من تدارك ما تركه، وتدارك الحظوظ أيضاً، يعني لا بد من تدارك اللذائذ النفسانية التي لحقت به أيام الآثام والمعاصي وذلك بالسعي لمحو كل الآثار الجسمية والروحية التي حصلت في مملكة جسمه ونفسه من جراء الذنوب حتى تعود النفس مصقولة كما كانت في بدء الأمر، وتعود الفطرة إلى روحانيتها الأصلية. وتحصل له الطهارة الكاملة.
لقد علمت بأن لكل معصية ومتعة انعكاس وأثر في الروح، كما قد يحصل أثر من بعض الذنوب واللذائذ في الجسم، فلا بد للتائب أن ينتفض ويستأصل تلك الآثار ويقوم بالرياضة البدنية والروحية حتى تزول منهما كل تبعات ومضاعفات الخطايا والآثام، كما أمرنا الإمام علي عليه الصلاة والسلام.
فعن طريق ممارسة الرياضة الجسمية من الإمساك عن أكل المقويات والمنشطات والصيام المستحب أو الواجب إذا كان في ذمته صيام واجب، يذيب اللحوم التي نشأت على جسمه من الحرام والمعصية أو أيام الخطايا والآثام.
وعن طريق الرياضة الروحية من العبادات والمناسك يتدارك اللذائذ الطبيعية، لأن صورة المتع الطبيعية لا تزال ماثلة في ذائقة النفس، وما دامت عالقة بها فإن النفس ترغب إليها، ويعشقها القلب ويُخشى من لحظة طغيان النفس وتمرّدها على صاحبها ـ والعياذ بالله ـ. فلا بد على السالك لسبيل الآخرة والتائب عن المعاصي أن يُذيق الروح ألم الرياضة الروحية ومشقّة العبادة. فإذا سهر ليلة في المعصية تداركها بليلة من العبادة. وإذا عاش يوماً واحداً مع اللذائذ الطبيعية تداركه بالصوم والمستحبات المناسبة حتى تطهر النفس من كل آثار المعاصي وتبعاته التي هي عبارة عن تعلق حب الدنيا بالنفس ورسوخه فيها، وتتطهر من كل ذلك.
نعم تكون التوبة في الصورة أكمل، ويعود النور إلى فطرة النفس، ولا بد في غضون اشتغاله بهذه الأمور التفكر والتدبر في نتائج المعاصي وشدّة بأس الحق المتعالي ودقة ميزان الأعمال وشدّة عذاب عالم البرزخ والقيامة. وليعلم وليلقّن النفس والقلب، بأن كل ذلك نتاج وصور هذه الأعمال القبيحة والمخالفة مع مالك الملوك. ونأمل بعد هذا العلم والتمعن أن تنفر النفس عن المعاصي، وترتدع بشكل كامل ونهائي، وينتهي بالتوبة إلى النتيجة المطلوبة، وتتم توبته وتكمل.
فهذان المقامان من المتممات والمكملات لمنـزل التوبة. والإنسان في بدء الأمر عندما يريد أن يدخل مقام التوبة ويتوب إلى الله لا يظن بأن المطلوب منه المرتبة الأخيرة من التوبة حتى يجد الطريق صعباً وعملية التوبة شاقة فينصرف عنها ويتركها.
إن كل مقدار يساعد عليه حال السالك، في سلوكه لطريق الآخرة، يكون مطلوباً ومرغوباً فيه، وعندما تطأ قدماه الطريق ييسّر الله تعالى له الطريق. فلابد أن لا تمنع صعوبة الطريق، الإنسان عن الهدف الأصيل، لأنه مهمّ جداً وعظيم جداً. وإذا انتبهنا إلى جلال الهدف وعظمته، تذلَّلت جميع الصعاب من أجله. وأي شيء أعظم من النجاة الأبدية والروح والريحان الدائميان؟ وأي بلاء أعظم من الهلاك الدائمي والشقاء السرمدي؟ ومع ترك التوبة والتسويف والتأجيل قد يبلغ الإنسان إلى الشقاء الأبدي والعذاب الخالد والهلاك الدائم. وعند الورود على مقام التوبة قد يتحول الإنسان إلى سعيد مطلق، ومحبوب للحق سبحانه. فإذا كان الهدف جليلاً على هذا المستوى، فلا بأس من المعاناة والآلام لأيام يسيرة.
واعلم أن الدخول في مقام التوبة بالمقدار الممكن والميسور مهما كان قليلاً فهو مجد وناجع. قارن أمور الآخرة بالأمور الدنيوية فإن العقلاء إذا لم يستطيعوا أن يحققوا مبتغاهم الأعلى والأرفع، لم يتركوا الهدف الأقل، وإذا لم يستطيعوا من تحصيل الهدف الكامل المنشود فإنهم لم يغضوا الطرف عن المطلوب الناقص.
وأنت أيضاً إذا لم تستطع أن تحقق التوبة الكاملة، فلا تعدل عن التوبة ولا تعرض عنها وحاول أن تحققها بالمستوى المستطاع والممكن.
فصل: في نتيجة الاستغفار
من الأمور الهامة التي لا بد للتائب أن يقدم عليها، اللجوء إلى مقام غفارية الله تعالى وتحصيل حالة الاستغفار، والطلب من الحق جل جلاله ومن مقام غفارية ذاته المقدس بلسان مقاله وحاله وفي السرّ والعلن وفي الخلوات. الطلب منه بكل مذلة ومسكنه وتضرع وبكاء بأن يستر عليه ذنوبه وانعكاساته. نعم إن مقام الغفارية والستارية للذات المقدس يستدعي ستر العيوب وغفران تبعات الذنوب، لأن الصور الملكوتية للأعمال بمثابة وليد الإنسان، بل ألصق من ذلك. وإن حقيقة التوبة وكلمات الاستغفار بمثابة اللعان ونفي الولد.
إن الحق تبارك وتعالى بسبب غفّاريته وستّاريته يقطع الصلة بين وليد الإنسان ـ الصور الملكوتية للأعمال المحرمة ـ والإنسان، بواسطة لعان المستغفر. ويحجب عن تلك المعصية كل الكائنات التي اطّلعت على أحوال الإنسان من الملائكة، وكُتّاب صحائف الجرائم، والزمان والمكان وأعضاء نفس الإنسان وجوارحه، وينسيهم جميعاً تلك المعصية. كما أشير إليه في الحديث الشريف حيث يقول «يُنْسِي مَلَكَيْه مَا كَتَبَا عَلَيْهِ مِنَ الذُّنُوب» ومن المحتمل أن يكون المقصود وحيه تعالى للأعضاء والجوارح وبقاع الأرض، بكتمان المعاصي الوارد في الحديث الشريف هو إنساء المعاصي. كما يحتمل أن يكون المقصود من وحيه، الأمر بعدم الإدلاء بالشهادة. ويمكن أن يكون المقصود رفع الآثار التي تركتها المعاصي على الأعضاء والتي بها تتم الشهادة التكوينية.
كما أنه لو لم يتب لأمكن أن يشهد كل عضو بلسان مقاله أو حاله على أفعاله الأثيمة.
وعلى أيّ حال كما أن مقام الغفّارية والستّارية اقتضى الآن ونحن في هذا العالم أن لا تشهد أعضائنا وجوارحنا ضدنا وأن يستر الزمان والمكان أفعالنا المشينة، كذلك يقتضي ستر أعمالنا في العوالم الأخرى، عندما نتوب توبة صحيحة ونستغفر استغفاراً خالصاً ونرحل من هذا العالم، أو أن الناس يحجبون عن أعمالنا. ولعل مقتضى كرامة الحق ـ جل جلاله ـ هو الثاني حتى لا يكون الإنسان التائب مطأْطأَ رأسه ومفضوحاً أمام الآخرين والله العالم.
فصل: في تفسير التوبة النصوح
أعلم أن هناك تفسيرات مختلفة في بيان المقصود من التوبة النصوح. ومن المناسب أن نذكرها هنا بصورة مجملة. ونحن نكتفي بنقل كلام المحقق الجليل الشيخ البهائي قدس الله نفسه.
نقل المحدث الخبير المجلسي ـ رحمه الله ـ[8] عن الشيخ البهائي أنه قال:
ثم اعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير التوبة النصوح على أقوال:
منها: أن المراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى أن يأتوا بمثلها لظهور آثارها الجميلة في صاحبها أو ينصح صاحبها فيقلع عن الذنوب ثم لا يعود إليها أبداً.
ومنها أن النصوح ما كانت خالصة لوجه الله سبحانه من قولهم عسل نصوح إذا كان خالصاً من الشمع، بأن يندم على الذنوب لقبحها، وكونها خلاف رضى الله تعالى لا لخوف النار مثلاً.
وحكم المحقق الطوسي في التجريد «بأن الندم من الذنوب للخوف من النار، ليس بتوبة» ومنها أن النصوح من النصاحة وهي الخياطة لأنها تنصح من الدين ما مزقته الذنوب أو يجمع بين التائب وبين أوليائه وأحبائه كما تجمع الخياطة بين قطع الثوب.
ومنها أن النصوح وصف للتائب وإسناده إلى التوبة من قبيل الإسناد المجازي أي توبة تنصحون بها أنفسكم بأن تأتوا بها على أكمل ما ينبغي أن تكون عليه حتى تكون قالعة لآثار الذنوب من القلوب بالكلية. ويكون ذلك بذوب النفوس بالحسرات ومحو ظلمات القبائح بنور الأعمال الحسنة.
تكميل: في بيان أن جميع الموجودات ذات علم وحياة
اعلم أن للتوبة حقائق ولطائف وأسرار، ولكل واحد من أهل السلوك إلى الله توبة خاصة تتناسب مع مقامه. وحيث أن لا حظّ ولا نصيب لنا في تلم المقامات، فلا يناسب شرحها والإسهاب فيها في هذا الكتاب. والأفضل أن ننهي الحديث بذكر فائدة دقيقة تستكشف من الحديث الشريف ـ المذكور في أول فصل التوبة ـ وتتفق مع ظاهر الكتاب الكريم والأحاديث الكثيرة المأثورة في الأبواب المتفرقة.
وتلك الفائدة هي أن لكل واحد من الموجودات علم وحياة ومعرفة، بل أن جميع الموجودات تحظى بالمعرفة لمقام الحق المقدس جل وعلا. فإن الوحي إلى الأعضاء والجوارح وبقاع الأرض، بالكتمان، وإطاعتها للأمر الإلهي، وتسبيح الموجودات بأسرها الذي نص عليه القرآن الكريم[9]. وأوردته الأحاديث الشريفة كثيراً، كل ذلك دليل على علم وشعور وحياة الموجودات، بل دليل على الارتباط الخاص بين الخالق والمخلوق، لا يطلع عليه أحد إلا ذاته المقدس جل وعلا ومن ارتضى من عباده.
وهذه الفائدة الدقيقة إحدى المعارف التي لمّح إليها القرآن الكريم وأحاديث الأئمة المعصومين، وتتطابق مع برهان الفلاسفة الإشراقيين وذوق أهل العرفان ومشاهدات أصحاب السلوك والرياضة الروحانية.
وقد ثبت في أبحاث ما وراء الطبيعة من الفلسفة أن حقيقة الوجود عين الكمالات والأسماء والصفات، وعندما يظهر في كل مرتبة ـ من مراتب الوجود ـ الوجود، ويتجلى في مرآة للأعين، يكون ظهوره مع جميع الشؤون والكمالات ـ لأن الوجود عين هذه الكمالات السبعة ـ من الحياة والعلم وبقيّة الأمهات السبعة[10] ولكل من مراحل تجلي حقيقة الوجود ومراتب تنـزلات نور الجمال الكامل للمعبود تعالى شأنه، ارتباط خاص مع مقام الأحدية، ومعرفة كامنة خفية مع مقام الربوبية. كما تقول الآية الكريمة (مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) [11]. وقالوا إنّ (هو) إشارة إلى مقام غيب الهوية. و(آخِذٌ بِالنَّاصيةِ) هو الربط الأصيل الغيبي السرّي الوجودي الذي لا مجال لأحد في معرفته.
ــــــــــــــــــ
[1] أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب التوبة، ح 1.
[2] أصول الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب التوبة، ج 10.
[3] سورة آل عمران، الآية: 54.
[4] سورة البقرة، الآية: 222.
[5] الحديث السابع عشر المذكور لدى أول هذا البحث (التوبة).
[6] راجع معجم الأحاديث النبوية ج 1، ص 304.
[7] نهج البلاغة، قصار الحكم، الرقم 417، (الشيخ صبحي الصالح).
[8] بحار الأنوار ـ المجلد 16 ص 17 ـ الطباعة الحديثة.
[9] (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (الجمعة1).
[10] القدرة، الإرادة، الرحمانية، الرحيمية، القيوم (المترجم).
[11] سورة هود، آية: 56.
تعليقات الزوار