لقد استطاع الإمام الخميني(رض) أن يحدث يقظة وصحوة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، وأن يطلق حركته نحو الأمام ويحرره من كثير من القيود والأغلال التي كانت تكبله، ويفتح له آفاقاً نحو بناء المستقبل الإسلامي في ظل الحكومة الإسلامية.

 

ومعرفة أبعاد هذا الأمر تتحدد من خلال دراسة الظروف السياسية والاجتماعية للواقع الإسلامي والمنطقة التي انتصرت فيها الثورة الإسلامية، وهي إيران، التي كانت ينظر إليها في العرف السياسي أنها أقوى وأكبر قلعة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وسادس أكبر قوة عسكرية في العالم.

 

وجهازها الأمني المعروف باسم (السافاك) كان يعتبر من أقوى وأوحش أجهزة المخابرات في الشرق الأوسط. وبلحاظ الكثير من الحسابات المادية والموازين المتعارف عليها في المنطق الدولي، ما كان أحد يتوقع أنّ ثور تنتصر في إيران بالذات، والتي وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) في زيارة له لإيران أيام الشاه المقبور بـ(جزيرة الاستقرار في بحر هائج). وعنصر الجغرافيا هذا جعل الثورة أكثر تاريخية، وأنها بداية لحقبة تاريخية جديدة على المستوى الإسلامي وحتى الدولي.

 

والسؤال الذي يطرح على طاولة البحث هو: ما هي أبعاد التغيير التي أحدثها الإمام الخميني (رض) في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر؟

 

يمكن دراسة بعض أبعاد التغيير في المسائل والمجالات التالية:

 

1ـ تطوير نظرية التغيير الاجتماعي والسياسي:

 

من أهم وأبرز إشكاليات الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، إشكالية منهجية التغيير الاجتماعي والسياسي في المجتمع. وليس التيار الإسلامي الذي يعاني من هذه الإشكالية فحسب بل حتى التيار القومي العربي مع كثرة تنظيراته في هذا الحقل بالذات( تظل الإشكالية المركزية في الفكر العربي المعاصر هي إذن إشكالية النهضة بثنائياتها الحادة المعربدة والمتعارضة. بينما تظل بؤر الخلاف والاختلاف قائمة في الوسائل والسبل التي يحتاجها الخطاب النهضوي الإصلاحي الغربي لتحقيق الترقي والإصلاح والنهضة. فالمثقف النهضوي الليبرالي لم ينفك يلح، وهو يستعرض محاسن أوروبا ومواطن السمو فيها، على أنّ لا سبيل إلى تحصيل الترقي إلاّ بالأخذ بأسباب التمدن الأوروبي، أي الأخذ بقيم العقل والعلم وقواعد الحكم العصرية. والضرب صفحاً من كل النظم العقلية والمادية والسياسية الموروثة عن تاريخ يبدو كله انحطاط وتقهقر)[1].

 

ونظرية التغيير الاجتماعي والسياسي قبل الثورة الإسلامية كانت تعاني إشكالية الغموض والإبهام والكلية، وإنها لم تكن متبلورة بصورة تفصيلية، ولم تكن هناك موازنات دقيقة بين المناهج المختلفة في عملية التغيير.

 

وبانتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني(رض) طرحت نظرية التغيير وكيفية النهضة الإسلامية على مختلف تيارات الحركة الإسلامية والشريحة المفكرة من الإسلاميين، وحتى خارج دائرة التيار الإسلامي عند القوميين مثلاً وغيرهم. وكان من الضروري دراسة وتحليل منهج التغيير وتطويره وبلورة معالم الاستراتيجيات، وتوضيح بعض التفاصيل والجزئيات الأساس على ضوء انتصار الثورة الإسلامية في إيران باعتبارها تجربة حيّة وناجحة.

 

ومن الإشكاليات التي عالجتها الثورة في نظرية التغيير؛ إشكالية النخبة، والدور الجماهيري، ودور رجال الدين السياسي والثوري، ومسألة القيادة الإسلامية ودورها المركزية في عملية الثورة وما أشبه ذلك.

 

كما أن كيفية إدارة الإمام الخميني(رض) لحركة الثورة الإسلامية والتي اتسمت بالحزم والشجاعة والتضحية والحكمة بحاجة إلى دراسة معمقة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر لكي يتوصل إلى نظرية ومنهج واضح المعالم في عملية إدارة الثورات وقيادة الشعوب نحو النهضة الشاملة والإصلاح الجذري.

 

ولاشك في أنّ نظرية التغيير الاجتماعي والسياسي عند الإسلاميين الآن هي انضج وأعمق مما كنت عليه قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران. وهذا يدل على جانب التطوير والتقدم في هذه النظرية.

 

2ـ الإسلاميون ومسألة الحكم الإسلامي:

 

مسألة النظام السياسي الإسلامي تشكل حجر الزاوية في الفكر السياسي الإسلامي، والتي كانت تفتقر إلى معالجات معمقة من الإسلاميين خلال الحقب التاريخية الماضية.

 

وبالتأكيد هناك تحول فكري سياسي واضح في مسألة النظام السياسي الإسلامي قبل الثورة الإسلامية في إيران وبعدها. وإن انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ووصول الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم، وإدارة النظام السياسي، يعتبر أكبر وأعظم انجاز استراتيجي في تاريخ الحركة الإسلامية الحديثة.

 

وخلال عقود ماضية كانت هناك تشكيك في قيام حكم إسلامي حقيقي في قطر من الأقطار الإسلامية، فكان بعضهم ينظر إلى هذه القضية من زاوية الحُلُم والأمنية. هذا في داخل الإطار الإسلامي، أمّا على مستوى التيارات الفكرية الدخيلة فكانت تنظر إلى أن الإسلام يفتقر إلى النظام السياسي، ولا تواجد له نظرية في مسألة الحكم وإدارة الدولة، وكل ما هو موجود عبارة عن توجيهات وإرشادات روحية وأخلاقية قد تتصل بالجانب السياسي من بعيد. ومع انتصار الثورة الإسلامية في إيران انقلبت كل هذه المفاهيم جذرياً وغُيبت عن الساحة الفكرية والسياسية، وأصبحت الشعوب الإسلامية الناهضة بأجمعها تطالب بقيام حكومة إسلامية في ساحتها، ودخلت حلبة الصراع ومعركة التحدّي سعياً وراء هذا الطموح الذي يرجع لها بحق استقلالها وحريتها وكرامتها وعدالتها التي افتقدتها خلال قرون من الزمن الغابر.

 

ولقد طرح الإمام الخميني(رض) فكرة الحكومة الإسلامية قبل الثورة الإسلامية، وعمل من أجل تطبيقها ورفع الشبهات حولها وبلورة نظرية سياسية إسلامية. وقدّم دروساً حول الحكومة الإسلامية خلال فترة وجوده في العراق وألقاها على طلبة العلوم الدينية في النجف الأشرف عام 1389هـ.

 

ومما جاء في بعض هذه الدروس:

 

(من الأفكار التي نشرها الاستعماريون في أوساطنا قولهم لا حكومة في التشريع الإسلامي.. لا مؤسسات حكومية في الإسلام، وعلى فرض وجود أحكام شرعية مهمة فإنّها تفتقر إلى ما يضمن لها التنفيذ، وبالتالي فالإسلام مشرع لا غير. ومن الواضح أنّ هذه الأقاويل جزء لا يتجزأ من الخطط الاستعمارية، يراد بها إبعاد المسلمين عن التفكير في السياسة والحكم والإدارة. هذا الكلام يخالف معتقداتنا الأولية. نحن نعتقد بالولاية، والإيمان بضرورة تشكيل الحكومة، وإيجاد تلك المؤسسات جزء لا يتجزأ من الإيمان بالولاية، والعمل والسعي من أجل هذا الهدف هو مظهر من مظاهر ذلك الإيمان بالولاية)[2].

 

وحول طبيعة النظام السياسي الإسلامي أشار الإمام إلى ذلك بقوله (الحكومة الإسلامية لا تشبه الأشكال الحكومية المعروفة. فليست هي حكومة مطلقة يستبد بها رئيس الدولة برأيه عابثاً بأحوال الناس ورقابهم. فالرسول (ص) وأمير المؤمنين علي(ع) وسائر الأئمة كانوا يعبثون لا بأموال الناس ولا برقابهم.

 

فكومة الإسلام ليست مطلقة وإنما هي دستورية ولكن لا بالمعنى الدستوري المتعارف عليه الذي يتمثل في النظام البرلماني أو المجالس الشعبية، وإنما دستورية بمعنى أن القائمين بالأمر يتقيّدون بمجموعة الشروط والقواعد المبنية في القرآن والسنة، والتي تتمثل في وجوب مراعاة النظام وتطبيق أحكام الإسلام وقوانينه، ومن هنا كانت الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي. ويمكن الفرق بين الحكومة الإسلامية والحكومات الدستورية(الملكية منها والجمهورية) في أن ممثلي الشعب أو ممثلي الملك هم الذين يقنّنون ويشرّعون في حين تنحصر سلطة التشريع بالله عزّوجل، وليس لأحد ـ أيّاً كان ـ أن يشرّع وأن يحكم بما لم ينزل الله به من سلطان. لهذا السبب فقد استبدل الإسلام بالمجلس التشريعي مجلساً آخر للتخطيط يعمل على تنظيم سير الوزارات في أعمالها وفي تقديم خدماتها في جميع المجالات.

 

وكل ما ورد في الكتاب والسنة مقبول مطاع في نظر المسلمين، وهذا الانصياع يسهل مسؤولياتها في حين أن الحكومات الدستورية الملكية أو الجمهورية إذا شرعت الأكثرية فيها شيئاً فإن الحكومة بعد ذلك تعمل على حمل الناس على الطاعة والامتثال بالقوة إذا لزم الأمر)[3].

 

3ـ جدلية العلاقة بين السياسة والدين:

 

هذه الجدلية الفكرية السياسية كانت محركاً لكثير من الصراعات الفكرية والسياسية في داخل المدرسة الإسلامية تارة، وأخرى بينها وبين المدارس الفكرية الوافدة.

 

ومع أن هذه الجدلية والعلاقة قد مضى عليهما زمن طويل وتخللتهما عقود تاريخية لكنهما لازالتا ساخنتين حتى في داخل الساحة الإسلامية. فهناك بعض الاتجاهات التي تحمل فكرة أنّ من السياسة أن تترك السياسة، أو من يعتقد بأنّ السياسة والعمل السياسي تخل بالأخلاق وتجعل الإنسان يعمل ما يناقض الأخلاقيات. أو هناك من يحمل في نفسه عقدة من السياسة حتى قال أحدهم: (أعوذ بالله من السياسة، ومن لفظ السياسة، ومن معنى السياسة، ومن كل حرف يلفظ من كلمة السياسة، ومن كل خيال يخطر ببالي من السياسة، ومن كل أرض تذكر فيها السياسة، ومن كل شخص يتكلم أو يتعلم أو يجن أو يعقل في السياسة، ومن ساس ويسوس وسائس ومسوس)[4].

 

وقد ركز الإمام الخميني كثيراً على هذه القضية الحساسة قبل الثورة الإسلامية وبعدها بقوله:

 

(المستعمرون قبل أكثر من ثلاثة قرون أعدّوا أنفسهم وبدأوا من نقطة الصفر فنالوا ما أرادوا. لنبدأ نحن الآن من الصفر. لا تمكنوا الغربيين وأتباعهم من أنفسكم. عرفوا الناس بحقيقة الإسلام، كي لا يظن جيل الشباب أن أهل العلم في زوايا النجف وقم؛ يرون فصل الدين عن السياسة، وأنهم لا يمارسون سوى دراسة الحيض والنفاس ولا شأن لهم بالسياسة.

 

المستعمرون أشاعوا في المناهج المدرسية ضرورة فصل الدين عن الدولة وأوهموا الناس بعدم أهلية علماء الإسلام للتدخل في شؤون السياسة والمجتمع. وردّد هذا الكلام أذنابهم وأتباعهم.

 

في عصر النبي(ص) هل كان الدين بمعزل عن السياسة؟ هل كان يومذاك مختصون بالدين وآخرون مختصون بالسياسة؟ وفي زمن الخلفاء وفي زمن أمير المؤمنين علي(ع) هل فصلت السياسة عن الدين؟ هل كان يوجد جهاز للدين وجهاز آخر للسياسة؟ لقد تفوّه المستعمرون وأذنابهم بهذه العبارات كي يبعدوا الدين عن أمور الحياة والمجتمع ويبعدوا ضمناً علماء الإسلام عن الناس، ويبعدوا الناس عنهم، لأن العلماء يناضلون من أجل تحرير المسلمين واستقلالهم وعندما تتحقق أمنيتهم في هذا الفصل والعزل يستطيعون أن يذهبوا بثرواتنا ويتحكموا فينا.

 

وأنا أقول لكم إنه إذا كان همنا الوحيد أن نصلي وندعو ربنا ونذكره ولا نتجاوز ذلك فالاستعمار وأجهزة العدوان كلها لا تعارضنا. ما شئت فصلّ.. ما شئت فأذن، وليذهبوا بما آتاك الله والحساب على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعندما نموت فأجرنا على الله. وإذا كان هذا تفكيرنا فلا شيء علنيا ولا خوف علينا.

 

قيل إن أحد قادة الاحتلال البريطاني للعراق حينما سمع المؤذّن سأل عن الضرر الذي يسببه هذا الأذان للسياسة البريطانية فلما أخبر بأنه لا ضرر من ذلك قال: فليقل ما شاء ما دام لا يتعرض لنا. وأنت إذا كنت لا تمس السياسة الاستعمارية وكنت في دراستك للأحكام لا تتجاوز النطاق العلمي فلا شأن لهم معك. صلّ ما شئت.. هم يريدون نفطك.. أي شأن لهم بصلاتك.. هم يريدون معادننا.. يريدون أن يفتحوا أسواقنا لبضائعهم ورؤوس أموالهم. لذا نرى الحكومات العلمية تحول دون تصنيع البلاد مكتفية في بعض الأحيان بمصانع التجميع لا غير.. هم يريدون أن لا نرتفع إلى مستوى الآدميين لأنهم يخافون الآدميين، وإذا وجدوا في مكان ما آدمياً فهم يرهبونه، لأنّ هذا الآدمي تقدمي متطور يستطيع التأثير في الناس والمجتمع تأثراً يهدم جميع ما بناه العدو، ويزلزل الأرض من تحت عروض الظلم والخيانة والعمالة. ولهذا فإنّهم إذا وجدوا آدمياً في وقت من الأوقات آئتمروا به ليقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه أو يتهموه بأنه سياسي. هذا العالم سياسي ولكن ألم يكن رسول الله (ص) سياسياً؟ هل في ذلك عيب؟ كل ذلك الكلام يقوله العدو وعملاؤه ليبعدوكم عن السياسة وعند التدخل في شؤون المجتمع. ويمنعوكم من مكافحة سلطات الخيانة والجور ليصفو لهم الجو فيعملوا ما شاءوا وينهبوا ما شاءوا من غير معارض أو عائق)[5].

 

4ـ علماء الدين والعمل السياسي:

 

خلال الحقب التاريخية الماضية حصل انكماش وتراجع واضحان في حجم ومساحة النشاط السياسي لعلماء الدين. وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران انطلق النشاط السياسي لعلماء الدين، وأخذ يشغل مساحات كبيرة، وشهد تقدماً ملحوظاً كان له أثره البالغ والكبير على حركة الصحوة الإسلامية الناهضة في كل مناطق العالم الإسلامي.

 

والخطوة المتقدمة تحققت في إيران الثورة حين تصدّى رجال الدين المجاهدون لإدارة المؤسسات السياسية والأجهزة العسكرية والمنظمات الاجتماعية بل لقيادة النظام السياسي. وبالطبع فإنّ هذه المتغيرات تنعكس ايجابياً على تحولات الفكر السياسي عند المسلمين خصوصاً مع تراكم التجربة وتبلور الخبرة العملية. وكثير من الإشكاليات الحادة والعالقة في مجال العمل السياسي لعلماء الدين تمت معالجتها بعد التحولات التي حصلت في فكر المسلمين السياسي.

 

فالأفكار التي كانت تدور حول اقتصار حركة علماء الدين في الأبعاد الروحية والأخلاقية والفقهية في داخل المجتمع قد تزلزلت وضعفت كثيراً حتى بدأ المجتمع ينتقد هذا الدور الضيق والاقتصار عليه.

 

وقد نبه الإمام الخميني(رض) لهذه المسألة في خطبه وبياناته حيث قال: (لكن الأعداء أظهروا الإسلام بغير هذا المظهر فقد رسموا له صورة مشوّهة في أذهان العامة في الناس، وغرسوها حتى في المجامع العلمية، وكان هدفهم من وراء ذلك إخماد جذوته وتضييع طابعه الثوري الحيوي، حتى لا يفكر المسلمون في السعي لتحرير أنفسهم وتنفيذ أحكام دينهم كلها، عن طريق تأسيس حكومة تضمن لهم سعادتهم في ظل حياة إنسانية كريمة.

 

فقالوا عن الإسلام إنّه لا علاقة له بتنظيم الحياة والمجتمع وتأسيس حكومة ومن أي نوع بل هو يعني فقط بأحكام الحيض والنفاس، وقد تكون أخلاقيات ولا عليك بعد ذلك من أمر الحياة وتنظيم المجتمع شيئاً. ومن المؤسف أن تكون لهذا كله آثاره السيئة ليس في نفوس عامة الناس فحسب، بل لدى الجامعيين وطلبة العلوم الدينية أيضاً فهم يخطئون فهمه ويجهلونه حتى لقد عاد بينهم غريباً)[6].

 

ويقول أيضاً:

 

(ولكن الأجانب وسوسوا في صدور الناس، والمثقفين منهم خاصة، أن الإسلام لا يملك شيئاً.. الإسلام عبارة عن مجموعة أحكام الحيض والنفاس.. طلبة العلوم الدينية لا يتجاوزون في تخصصهم هذه المواضيع. صحيح أن بعض الطلبة لا يهتم بأكثر من هذا، وهم مقصّرون، وفي هذا ما يعين الأعداء أحياناً على نيل مقاصدهم، وفي هذا ما يدعو إلى إبتهاج المستعمرين الذين عملوا منذ مئات السنين على غرس بذور الإهمال في مجامعنا العلمية وصولاً إلى أهدافهم فينا وفي ثرواتنا وخيرات بلادنا)[7].

 

5ـ تطوير نظرية القيادة الإسلامية السياسية:

 

لاشك في أن تحديد صيغة القيادة من أهم وظائف المبدأ الذي يتكفل مسؤولية إسعاد الإنسان، وذلك لأن القيادة تعكس حضارة الأمة وتبرز روح نظامها، كما تعطي فكرة جامعة من فلسفتها في الحياة. مضافاً إلى أنها تضمن انطلاقة الأمة واستقامة مسيرتها في الحياة[8].

 

تحتل مسألة القيادة موقعاً متقدماً وتأتي على رأس القمة في الفكر السياسي الإسلامي. ولقد كان الإمام الخميني(رض) نموذج القيادة الإسلامية الناجحة في حركتها السياسية، والتي استطاعت مؤهلاتها وقدراتها القيادية أن تقود الشعب الإيراني المسلم إلى شاطئ الانتصار.

 

وكل الدارسين والمحللين لأحداث الثورة الإسلامية من الإسلاميين السياسيين والإعلاميين يتفقون على أن عامل القيادة المتمثل في الإمام الخميني كان فاعلاً ومركزياً في الانتصار.

 

وجانب التطوير في نظرية القيادة الإسلامية السياسية هو مرحلة القيادة في إدارة الحكم والنظام السياسي. قد كان هناك نقص وضعف في دراسة هذا الجانب من القيادة الإسلامية وهو من الجوانب المهمة والأساس، ومع وجود تجربة واقعية تتمثل في الحكم الإسلامي في إيران فإن يساعد على تطوير نظرية القيادة الإسلامية في مرحلة إدارة الحكم الإسلامي. وقد لاحظنا أن الدراسات الفكرية والسياسية التي صدرت بعد الثورة الإسلامية في إيران كانت تصب في هذا الحقل الذي يسدّ الكثير من الفراغات في الفكر السياسي الإسلامي.

 

من جهة أخرى أن تطوير نظام القيادة الإسلامية يساعد على إنضاج الفكر السياسي الإسلامي وتعميقه.

 

 

 


 


 

[1] مجلة المستقبل العربي، العدد 123، سنة 1989.

 

[2] الخميني، الإمام آية الله، الحكومة الإسلامية، ص 18.

 

[3] المصدر السابق، ص 41.

 

[4] الموسوي، محسن، آفاق المستقبل في العالم الإسلامي، ص 217.

 

[5] الحكومة الإسلامية، مصدر سابق، ص 20.

 

[6] المصدر نفسه، ص 8.

 

[7] المصدر نفسه، ص 11.

 

[8] كاظم، جواد، القيادة الإسلامية، ص 7.