الإمام الخميني (قدس سره)

 

إنَّ السبب الرئيس للندم، وأساس ومنشأ جميع ألوان الشقاء والعذاب والمهالك، ورأس جميع الخطايا والذنوب إنما هو «حب الدنيا» الناشئ من «حب النفس».‏

 

* تجليات الحق في عالم الملك‏

 

بيد أنه ينبغي القول إنَّ عالم الملك ليس مبغوضاً ولا مذموماً في حدّ ذاته، فهو تجلّي الحق ومقام ربوبيته تعالى، ومهبط ملائكته، ومسجد ومحلّ تربية الأنبياء والأولياء (ع)، ومحراب عبادة الصلحاء، وموطن تجلّي الحق على قلوب عاشقي المحبوب الحقيقي. فإن كان حبُّ «عالم الملك» والتعلق به ناشئاً عن حبِّ الله ـ باعتباره محلاً لتجليات الحق جلّ وعلا ـ فهو أمر محثوث عليه ويستوجب الكمال، أما إذا كان منشؤه حبَّ النفس، فهو رأس الخطايا جميعاً. إذاً، فالدنيا المذمومة هي في داخلك أنت، والتعلق بغير صاحب القلب وحبه، هو الموجب للسقوط. وفي الوقت نفسه فإنَّ أيّ قلبٍ لا يمكنه ـ فطريّاً ـ أن يتعلق بغير صاحب القلب الحقيقي. وجميع المخالفات لأوامر الله وجميع المعاصي والجرائم والجنايات التي يبتلى بها الإنسان، كلها من «حب النفس» الذي يولّد «حبَّ الدنيا» وزخارفها. وحبُّ المقام والجاه والمال ومختلف الأماني هي التي تجعلنا نميل خطأً واشتباهاً نحو غير صاحب القلب، وهي ظلمات فوقها ظلمات.‏

 

* أمُّ الأصنام‏

 

نحن وأمثالنا لم نصل إلى الحجب النورانية بعدُ، وما زلنا أسرى الحجب الظلمانية! فمن قال: «هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنِرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة»(1) فقد اخترق الحجب الظلمانية وتعدّاها. أمّا الشيطان الذي خالف أمر الله ولم يسجد لآدم، فقد رأى نفسه عظيماً، لأنه كان في الحجب الظلمانية و{أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ...} (الأعراف: 12) جعلته يُطرد ويُبعد عن ساحة الربوبية! نحن أيضاً ما زلنا في حجاب النفس والأنانية. فنحن شيطانيّون مطرودون من محضر الرحمن. وما أصعب تحطيم هذا الصنم الذي يعدّ «أمّ الأصنام»! فنحن ما دمنا خاضعين له مطيعين لأوامره، فنحن غير خاضعين لله جلّ وعلا، غير طائعين لأوامره. وما لم يُحطّم هذا الصنم؛ فإنَّ الحجب الظلمانية لن تتمزق ولن تُزال. لكي يتحقق ذلك، علينا أن نعرف ماهية الحجاب أولاً، فنحن إذا لم نعرفه، لن نستطيع المبادرة إلى إزالته، أو تضعيف أثره أو ـ في الأقل ـ الحدّ من تزايد رسوخه وقوته بمرور الوقت.‏

 

* لا تسيروا باتجاه جهنَّم!‏

 

روي أنّ بعض الأصحاب كانوا يجالسون الرسول (ص): «فسُمع صوت مهيب، فسألوا: ما هذا الصوت؟ فقال (ص) «إنه صوت حجر كان قد ألقي إلى جهنم قبل سبعين سنة، وقد بلغ قعرها الآن». بعدها علموا أنّ كافراً كان قد مات حينها عن سبعين سنة من العمر. وإذا صحّ الحديث فإن من سمعوا الصوت لا بد أنهم كانوا من أهل الحال، أو قد يكون الأمر قد تمّ بقدرة الرسول الأكرم (ص) قاصداً إسماع الغافلين وتنبيه الجاهلين.‏

 

أما إذا لم يصحّ الحديث ـ ولا أذكره بالنص ـ فإن الأمر في حقيقته كذلك، فنحن نسير عمراً بكامله باتجاه جهنم، فنحن نمضي العمر بتمامه نؤدي الصلاة ـ التي تعدّ أكبر موطن لذكر الله المتعال ـ ونحن معرضون عن الحق تعالى، وعن بيته العتيق، متوجّهون إلى الذات وإلى بيت النفس. وما أشدّ الألم في ذلك! فالصلاة التي ينبغي أن تكون معراجاً لنا، وتدفعنا نحوه تعالى، وتكون جنّة لقائه تعالى، نؤديّها ونحن متوجّهون إلى النفس، وإلى منفى جهنم.‏